مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن عملية "حارس الأسوار" العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ستستمر عدة أيام إضافية.
وجاءت أقوال نتنياهو هذه في سياق تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام خلال لقاء مع رؤساء السلطات المحلية في المنطقة الجنوبية عُقد أمس (الثلاثاء) وتعهد فيها أيضاً بأن يؤدي أي اعتداء صاروخي ما بعد العملية الراهنة إلى تسديد ضربات عسكرية قوية للمنظمات الإرهابية في القطاع.
وبعد اللقاء قام نتنياهو بجولة تفقدية في قاعدة حتسريم الجوية، وقال في تصريحات لوسائل إعلام إن حركة "حماس" تكبدت ضربات لم تكن تتوقعها تسببت بتراجع قدراتها سنوات عديدة إلى الوراء، مؤكداً أن إسرائيل ستواصل المعركة طالما يستلزم الأمر بغية إعادة الهدوء إلى سكان الدولة.
وأضاف نتنياهو: "أنا على يقين من أن الأعداء من حولنا يلاحظون الثمن الباهظ الذي نجبيه من المعتدين علينا ويستخلصون العبر المطلوبة من ذلك."
ذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن القذائف الصاروخية التي تم إطلاقها من قطاع غزة بعد ظهر أمس (الثلاثاء) في اتجاه النقب الغربي أدت إلى مقتل إسرائيلييْن في معمل للتغليف.
وأضاف البيان أن قذائف هاون أُطلقت في اتجاه معبر إيرز [بيت حانون]، وهو ما أدى إلى إصابة جندي من الجيش الإسرائيلي بجروح طفيفة. كما سقطت قذيفتان صاروخيتان أُطلقتا من القطاع في منطقة المجلس الإقليمي أشكول من دون وقوع إصابات، إلاّ إن أضراراً لحقت بالأملاك.
وأشار البيان إلى أن إطلاق القذائف الصاروخية من القطاع بعد ظهر أمس جاء بعد توقف استمر 5 ساعات واستهدف أيضاً كلاً من أشكلون وسديروت وأوفكيم. كما أشار إلى أن قوات الجيش الإسرائيلي استمرت في تسديد ضربات عسكرية إلى مواقع تابعة للفصائل الفلسطينية في القطاع، بما في ذلك منازل ثلاثة من قادة "حماس" استُخدمت غرفاً للعمليات، هم نائب قائد لواء الشمال في مدينة غزة وقائد سرية في كتيبة خانيونس وقائد سرية في حي التفاح شمال شرقي مدينة غزة.
وأفاد البيان أن عدد المنازل التابعة لقادة في "حماس" والجهاد الإسلامي التي تم استهدافها خلال الساعات الـ24 الماضية بلغ 12 منزلاً.
من ناحية أُخرى قال القيادي في حركة "حماس" موسى أبو مرزوق خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن حركته مستعدة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، مشيراً إلى أن إسرائيل طلبت من "حماس" وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات قبل أن تقرر إسرائيل إن كانت ستوقف إطلاق النار، لكن الحركة رفضت الطلب.
ووصف أبو مرزوق موقف إسرائيل بأنه عنيد. وأضاف أن "حماس" وافقت على وقف إطلاق النار بشكل متبادل، وأكد أن أي تصعيد آخر يمكن أن يحدث في حال الإقدام على إجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية.
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن قوة من الجيش تعرضت لإطلاق النار خلال أعمال شغب عنيفة في منطقة البيرة بالإضافة إلى إطلاق النار نحو مقر قيادة فرقة يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، الأمر الذي أدى إلى إصابة جنديين بجروح طفيفة.
وأضاف البيان أن هاتين العمليتين جاءتا في إطار نشاطات "يوم الغضب" في الضفة الغربية والإضراب الشامل الذي أُعلن في المدن والبلدات العربية في إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة أمس (الثلاثاء).
وأشار البيان إلى أن أفراد القوة وجنوداً آخرين ردوا بإطلاق النار نحو مصادر النيران.
وقالت مصادر فلسطينية إنه في إطار "يوم الغضب" في الضفة الغربية أمس اندلعت مواجهات بين الجنود الإسرائيليين وشبان فلسطينيين في الخليل وطولكرم وقلقيلية. كما اندلعت مواجهات مع أفراد الشرطة الإسرائيلية خلال تظاهرة نُظّمت في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية شارك فيها مئات الفلسطينيين. كما جرت تظاهرة مماثلة في منطقة باب العمود في القدس الشرقية قامت الشرطة الإسرائيلية بتفريقها واعتقال 8 من المشاركين فيها.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن 3 شبان فلسطينيين قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات التي اندلعت في رام الله ومحيطها أمس، وهم أدهم كاشف (20 عاماً) ومحمد إسحق حميد (25 عاماً) وإسلام برناط (23 عاماً).
أعلن بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي أن قواته قامت صباح أمس (الثلاثاء) بإسقاط طائرة مسيّرة من دون طيار كانت تقترب من شمال إسرائيل من جهة الأردن. وأضاف البيان أنه على الرغم من اقتراب الطائرة من منطقة الحدود الإسرائيلية مع الأردن، إلّا إنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت انطلقت من هناك فعلاً.
ووفقاً للجيش الإسرائيلي، حلّقت الطائرة المسيّرة في اتجاه منطقة بيت شان [بيسان] في شمال إسرائيل عندما تم إسقاطها. وقال بيان الجيش إن وحدات المراقبة الجوية راقبت الطائرة المسيرة إلى حين إسقاطها، ثم قامت قوات الجيش بجمع شظاياها. ولم يعلق البيان على طبيعة الطائرة المسيّرة وما إذا كانت تحمل متفجرات.
وجاء هذا الحادث وسط استمرار القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. وشهدت الأيام الأخيرة عدداً من الحوادث على حدود إسرائيل الأُخرى تضامناً مع الفلسطينيين، بما في ذلك من الأردن. وتم يوم الأحد الفائت اعتقال مواطنَيْن أردنيَيْن مسلحَيْن بالسكاكين داخل إسرائيل بعد أن عبرا الحدود من الأردن على ما يبدو من دون أن يتم رصدهما، وقالا للمحققين الإسرائيليين إنهما متجهان إلى القدس. وذكرت وسائل إعلام أردنية أن مئات الأردنيين احتشدوا يوم الجمعة الفائت عند منطقة الحدود مع إسرائيل بعد اختراق حاجز للشرطة.
وليلة الاثنين أطلقت مجموعة مسلحة فلسطينية ما لا يقل عن 6 صواريخ من لبنان في اتجاه شمال إسرائيل. ومساء الجمعة الفائت أُطلِقت ثلاثة صواريخ من سورية على إسرائيل بعد ساعات من إعلان حزب الله مقتل أحد أعضائه بنيران إسرائيلية خلال تظاهرة في منطقة الحدود مع لبنان.
قالت لجنة المتابعة لشؤون السكان العرب في بيان صادر عنها إن الإضراب الشامل الذي شهدته البلدات العربية في إسرائيل أمس (الثلاثاء) شهد نجاحاً غير مسبوق، وأكدت أنه تحوّل إلى إضراب الكل الفلسطيني، وجددت دعوتها إلى المجتمع الدولي لكبح الانفلات الرسمي في التشريعات وفي الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
وذكر البيان أن الإضراب تحوّل إلى "إضراب الكل الفلسطيني في الداخل وفي الأراضي المحتلة منذ سنة 1967 وفي مواقع اللجوء والشتات، ليؤكد أن الشعب الفلسطيني شعب حي متمسك بقضيته العادلة وبحقوقه الوطنية، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في الدفاع عن نفسه وعن كرامته وعن مقدساته الإسلامية والمسيحية." وأضاف: "إن الهجمة التي تشنها أذرع البطش الإسرائيلية من الملاحقات والاعتقالات إلى قطع الأعناق وحتى قطع الأرزاق لن تفتّ في عضدنا، ولن تثني جماهيرنا الثائرة عن ممارسة حقها الأساسي في التعبير عن انتمائنا وعن تماثلنا مع قضية شعبنا المذبوح، والذي يقاوم الظلم والعدوان ببسالة."
وأشار البيان إلى أن لجنة المتابعة قررت أن يكون الإضراب سلمياً وشاملاً ويحمل مضموناً وطنياً وحضارياً وأكدت أن هذا هو ما كان، وأن الشعب الفلسطيني أثبت اليوم أنه بوحدة موقفه ونضاله التي عبّر عنها هذا الإضراب قادر على تحدّي المخططات الإجرامية العنصرية، وقادر على إفشال مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وقادر على فرض قضيته.
أفشلت هنغاريا أمس (الثلاثاء) صدور بيان رسمي عن الاتحاد الأوروبي يدين عملية "حارس الأسوار" العسكرية التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة منذ 10 أيار/مايو الحالي.
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عقدوا أمس اجتماعاً طارئاً عبر الهاتف، اقترح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل خلاله إصدار بيان يدعو إلى وقف فوري لكل أعمال العنف وتطبيق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال بوريل إن الهدف هو حماية المدنيين والسماح بإيصال المساعدة الإنسانية إلى غزة، وأكد أن هذا الموقف يحظى بدعم 26 دولة من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي باستثناء هنغاريا.
وأعربت هنغاريا عن رفضها إصدار البيان الذي يعبّر عن الموقف الرسمي للاتحاد، والذي لا يمكن أن يصدر إلّا بإجماع الدول الأعضاء.
وأعرب بوريل عن خيبة أمله بعدم تأييد هنغاريا الموقف الأوروبي الذي وافقت عليه بقية الدول الأعضاء. وقال: "وددت لو وافق الجميع على التوجه العام. أواجه صعوبة في فهم كيف لا يوافق طرف ما على ما تمت كتابته."
في المقابل اعتبر وزير خارجية هنغاريا أن المواقف الأوروبية من النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني منحازة وغير متوازنة.
- لدى كتابة هذه السطور بلغ عدّاد دماء ضحايا عملية "حارس الأسوار" 212 قتيلاً في غزة، بينهم 61 طفلاً وولداً وشاباً و36 امرأة. في إسرائيل قُتل منذ بداية العملية 13 شخصاً، بينهم طفل في الخامسة من عمره. 1400 شخص جُرحوا في غزة، نصفهم من النساء والأولاد. و50 منهم حالتهم حرجة. في إسرائيل تعطلت الحياة بصورة مطلقة، على الأقل في نصف البلد، بينما يعيش كثيرون في ظل خوف دائم.
- بينما تتكدس الجثث ومعها ركام الأنقاض والدمار في المنشآت العسكرية والأبراج والمنازل والبيوت والمكاتب والبنى التحتية المدنية في غزة، تستمر العملية من دون عرقلة، مع أنه من الواضح منذ عدة أيام أنها لن تؤدي إلى أي مكان، باستثناء زرع المزيد من القتل والدمار في غزة وإسرائيل.
- إذا كان لهذه العملية إنجازات بالنسبة إلى إسرائيل - وهي في أحسن الأحوال في المدى القصير- فإنها استنفدت نفسها منذ وقت. الآن تتواصل العملية بقوة الاستمرار، فقط لأن إسرائيل قادرة على مواصلتها بـ"ثمن ضئيل" نسبياً، في الأساس من أجل إثارة إعجاب مواطنيها بقدرات الجيش الإسرائيلي والشاباك، الذين يقاتلون في مواجهة كيان عسكري أدنى منهم بما لا يقارَن. إذا استمرت العملية أياماً أُخرى فإنها ستؤدي فقط إلى المزيد من القتل والدمار غير الضروريين. وهي بالتأكيد لن تسفر عن أي فائدة بالنسبة إلى إسرائيل. هي فقط ستزرع المزيد من الخوف والكراهية والمهانة والرغبة في الانتقام.
- في الوضع الحالي ليس أمامنا سوى وقف العملية فوراً، من دون تأخير أو ذرائع، حتى قبل أن يضع المجتمع الدولي نهاية لها. يجب وقف "حارس الأسوار" فقط بسبب المعاناة والألم الهائلين اللذين تسببت بهما لمليوني شخص، وليس لأن الولايات المتحدة تطلب ذلك من إسرائيل- هذه العملية يجب أن تتوقف أيضاً لأنها لا تساعد إسرائيل.
- هذه حرب خيار خاسرة أُخرى من بين حروب كثيرة. سبقتها كل الأخطاء الممكنة: استفزازات عنيفة لا ضرورة لها في القدس الشرقية، وفي حي الشيخ جرّاح، وفي بوابة نابلس، وفي المسجد الأقصى. صحيح أن هذا لا يبرر إطلاق "حماس" الصواريخ العشوائية على السكان المدنيين، لكن كان من الأفضل لو أن إسرائيل سعت للمحافظة على الهدوء في فترة التوتر هذه بدلاً من خلق الاستفزازات.
- على الرغم من الكلام المتغطرس الصادر عن المستويين السياسي والعسكري، فإن هجمات إسرائيل الآن لا فائدة منها. قادة "حماس" والجهاد الإسلامي الذين اغتالتهم سيُستبدَلون بآخرين، والقدرات العسكرية للتنظيمين سيُعاد بناؤها بسرعة، وستكون أكثر تطوراً وخطورة من السابق، كما جرى بعد العمليات السابقة.
- لا يوجد حل عسكري لغزة، وعملية "حارس الأسوار" لن تغير هذا الواقع أيضاً. لذا، يجب وقفها فوراً.
- في اليوم التاسع تبدو عملية "حارس الأسوار" في غزة الحرب الإسرائيلية الأكثر فشلاً ولا ضرورة لها، وتتنافس مع حرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المصبوب، وعمود سحاب، والجرف الصامد في غزة. نحن أمام فشل عسكري وسياسي خطر كشف خللاً في استعدادات الجيش وأدائه، وفي قيادة الحكومة المتعثرة والضعيفة. وبدلاً من تضييع الوقت والسعي غير المجدي لـ"صورة انتصار" من خلال القتل والدماء في غزة وتعطيل الحياة في إسرائيل، يتعين على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وقفها الآن، والموافقة على وقف إطلاق النار، على أمل أن يستوعب الجمهور بسرعة التقصير كما في كارثة ميرون. في عالم طبيعي كان يجب أن نضيف هنا "المطالبة بفحص داخلي جذري في الجيش الإسرائيلي"، لكن بالنسبة إلى المتهم الجنائي نتنياهو الذي يدافع عن بيته في شارع بلفور، فليس لديه صلاحيات ولا قوة سياسية لقيادة مثل هذا التغيير الضروري.
- فيما يلي المشكلات المركزية التي ظهرت في الإعداد للحرب، وفي إدارتها:
- فوجئت إسرائيل مفاجأة كبيرة باتخاذ "حماس" المبادرة، وبالجرأة والقدرة على القتال اللتين أظهرتهما من خلال إطلاق آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
- تركز الاهتمام الأمني في إسرائيل في العقد الأخير على "المعركة بين الحروب" في الشمال، وعلى الصراع ضد إيران. اعتُبرت غزة ساحة ثانوية يمكن احتواؤها بتضافر وسائل اقتصادية- تمويل "حماس" من قطر بتأييد إسرائيلي وتسهيلات معينة في ظل الحصار، مثل إدخال مواد بناء؛ وفي توظيفات كبيرة (ومحقة) في وسائل الدفاع، وعلى رأسها القبة الحديدية والعائق تحت الأرض على الحدود مع غزة، التي أثبتت قدرتها على إحباط عمليات تسلل بري وقلصت المسّ بالجبهة الداخلية.
بدت "حماس" مثل جار سيئ، لكنه معزول وضعيف، والأمر الوحيد الذي أثار اهتمام الرأي العام الإسرائيلي هو استعادة المدنيين والأسرى وجثامين الجنود الإسرائيليين. كما هو معلوم لم ينبّه أي شخص من "عناصر التقدير" من أن "حماس" قادرة بجهد بسيط على الخروج من القفص الذي وضعتها إسرائيل فيه، وأن تقف على رأس النضال الفلسطيني كمدافعة عن الأقصى، وتضخيم الفجوة بين حكومة نتنياهو والإدارة الأميركية الجديدة لجو بايدن.
- إلى جانب الإخفاق الاستخباراتي الاستراتيجي والاستخفاف بنيات "حماس" وقدراتها، برز أيضاً الفشل الاستخباراتي التكتيكي: لم يجمع الجيش الإسرائيلي ما يكفي من الأهداف النوعية في غزة، والتي يمكن أن يؤدي المسّ بها إلى انهيار الحافز وقدرة "حماس" على مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية. صحيح أن سلاح الجو ضرب أهدافاً كثيرة ستضطر "حماس" إلى العمل على إعادة بنائها، لكن هذا لم يكن كافياً. أيضاً ساعات الطيران والسلاح للجيش لهما ثمن اقتصادي، مثل حفر الأنفاق والصواريخ لدى "حماس". وكما كتب ذات يوم اللواء يسرائيل طال: "عندما نستمد الاستراتيجيا من التكتيكات ننتصر في معارك ونخسر حروباً."
يمكننا أن نقنع الجمهور بكل النشرات الإخبارية وبالكلام المتغطرس بشأن "ضربات مؤلمة تلقتها حماس"، ونعرض إلى ما لا نهاية الطيار الذي قتل ضابطاً في الجهاد الإسلامي- يجب ألّا ننسى موازين القوة بين طائرة حربية متطورة مع سلاح دقيق ضد مبنى سكني. كل هذه الطبقات من المساحيق لا تستطيع أن تخفي الحقيقة: ليس لدى الجيش الإسرائيلي أي فكرة عن كيفية إسكات "حماس" وإخراجها من المعادلة. تدمير الأنفاق بالقصف الثقيل كشف قدرة عملانية استراتيجية، من دون المسّ فعلاً بالقدرة القتالية للعدو.
من المحتمل وقوع قتلى في الأنفاق، ربما 100 أو 200، وربما 300 من مقاتلي "حماس"- هل هذا يؤدي إلى سقوط حكمها؟ وسقوط منظومتها للسيطرة والتحكم؟ وقدرتها على إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ عدم وجود مشورة عسكرية واضح في عدد المدنيين الكبير بين القتلى مقارنة بالمقاتلين في الجانب الفلسطيني كلما استمرت العملية- وهذا مؤشر واضح وأكيد إلى إطلاق النار على أهداف عشوائية وقليلة الأهمية.
- بعد عام الكورونا، اعتاد الجمهور الإسرائيلي إغلاق المدارس، والشوارع الخالية، ومطاراً مشلول الحركة، وهو يُظهر قدرة على الصمود أيضاً عندما تُفرَض عليه القيود بسبب صواريخ غزة أو الفيروس من الصين. الخوف العام يتركز على انهيار الحياة المشتركة بين العرب واليهود داخل إسرائيل أكثر من المواجهة الخارجية. ومع ذلك، تسببت "حماس" بالمسّ بقوة بنسيج الحياة العادية في تل أبيب، وفي الجنوب، ولا يبدو أن الجيش مؤهل لمنع أو وقف ذلك حتى بعد أسبوع ونصف الأسبوع من تبادل إطلاق النار.
- القوات البرية في الجيش الإسرائيلي تراجعت، لعبت دوراً هزيلاً كقوة خداع مهمتها إرباك العدو وجرّه إلى فخ الهجمات الجوية. من الجيد أن أحداً لم يفكر في عملية برية تنطوي على خسائر كثيرة في قطاع غزة. ليس لإسرائيل هدف يبرر مثل هذه العملية. مع ذلك يتسلل الخوف إلى القلب من أن سلاح البر غير مستعد للقتال.
- من المفيد العودة إلى التنبؤات الغاضبة للواء في الاحتياط يتسحاق بريك الذي انتقد الجيش بشدة في الأعوام الأخيرة، وعاد وكرر تحذيره من الحرب المقبلة التي ستدور في الجبهة الداخلية، إذ ليس لدى إسرائيل رد على آلاف الصواريخ، والقوات البرية ليست مستعدة للقتال. لقد تطرق بريك إلى الحرب المقبلة مع حزب الله، الذي لديه قوة نار أقوى بكثير مما لدى "حماس"، لكن المواجهة الحالية يجب أن يُنظَر إليها كتدريب على الاختبار الحقيقي والنتيجة ليست جيدة. لقد اعترضت القبة الحديدية الأغلبية الساحقة من الصواريخ وأنقذت حياة الكثيرين، لكنها لاقت صعوبة في الوقوف في وجه الصليات المركزة التي أغرقت المنظومة الدفاعية الإسرائيلية. لم يسبق للجبهة الداخلية أن تعرضت لهذا الكم من السلاح. عسقلان تحولت إلى مدينة أشباح، والمنازل التي لا يوجد فيها ملاجىء باتت مهجورة. وكل هذا يتضاءل أمام قدرات حزب الله الهجومية.
- إزاء الإنجازات الضئيلة هذه، حسناً يفعل نتنياهو إذا أوقف العملية الآن، أو على الأقل أن يمنح بايدن إنجازاً صغيراً يطلبه منه، وقف إطلاق نار فوري. ليس هناك أي فائدة من الاستمرار في التخبط في رمال غزة وشل الحياة في الجنوب وفي وسط البلد. وعلى ما يبدو إصلاح الجيش سينتظر صعود زعامة أُخرى في إسرائيل.
- "إسرائيل ستغير المعادلة في مواجهة ‹حماس›"، هذا ما تعهده رئيس الحكومة أمام رؤساء المجالس المحلية في غلاف غزة. وأضاف: "بعد انتهاء هذه العملية فإن أي إطلاق نار من جانب ‹حماس› سنرد عليه فوراً وبشدة." هذا الكلام عززه رئيس شعبة العمليات اللواء أهارون هاليڤا في مقابلة مع القناة 13 حين قال: "ما حدث لن يحدث مجدداً. انتهينا." من دون أن يعطي تفصيلات. بالنسبة إلى هاليڤا، وهو من الألوية الذين لهم تأثيرهم في قيادة الأركان الحالية، من الآن فصاعداً تغيرت قوانين اللعبة. وكلما سارعت "حماس" في فهم الواقع الجديد كلما كان ذلك أفضل.
- يُخيل إليّ أن مَن لم يفهم الواقع الجديد ليس زعماء "حماس" تحديداً. فليسمح لي نتنياهو وهاليڤا، لكن هذا كلام فارغ. كيف أعرف ذلك؟ لديّ أرشيف. هذه التصريحات حرفياً سبق أن سمعناها هنا بعد كل جولة من الجولات الأخيرة.
- الجيش الإسرائيلي أيضاً سبق له أن أعلن بصوت عالٍ تغيير سياسته بشأن إطلاق الصواريخ من غزة. لم أعد أذكر، هل كان هذا على شرف وزير دفاع جديد (ليبرمان، بينت)، أو رئيس أركان جديد (كوخافي)، لكن سبق أن قرر أن كل إطلاق للنار، حتى ولو كان مفرقعة أو بالوناً، سيرد عليه بهجوم من سلاح الجو. هكذا قرر. سلاح الجو يهاجم و"حماس" تطلق النار، وإذا لم تكن هي فالجهاد الإسلامي، وإذا لم يكن الجهاد فالتنظيمات المارقة.
- المستوى السياسي عالق وليس أهلاً لاتخاذ القرار الصحيح. نتنياهو، الذي يعرف أن قاعدته ليست متحمسة فعلاً لخطواته في كل ما يتعلق بـ"حماس"، يتخوف من أن يظهر كأنه يسعى لوقف إطلاق النار قبل تحقيق انتصار. غانتس موجود في نفس الورطة تقريباً. فهو يتمتع بشعبية متجددة ويريد تمييز نفسه من نتنياهو المتردد. غانتس الجديد يريد الاحتكاك بالخصم، بخبرته الأمنية هو مَن يقود الجيش الإسرائيلي في عملياته في الفترة الحالية.
- براڤو، تصفيق شديد. المشكلة هي أن وراء التصريحات والوعود والبيانات لا يوجد شيء. إسرائيل بحاجة إلى زعامة تحل مشكلة "حماس" في غزة. الزعيم الحالي تعهد إسقاط حكم "حماس"، وتفكيك وكر الدبابير والصواريخ الذي بُنيَ في ساحتنا الجنوبية، لكنه خيّب الأمل. لقد حوّل "حماس" إلى حليف استراتيجي ووضعها في قفص. المشكلة أن "حماس" خرجت منذ وقت طويل من القفص. قريباً مَن سيجد نفسه في القفص هو بنيامين نتنياهو. وإلى حزب الله الشمالي سينضم حزب الله آخر جنوبي.
- أنا مع غزو واسع لغزة وإسقاط "حماس". ليس لدى إسرائيل حالياً زعامة أو خطة لمثل هذه الخطوة. ونظراً إلى عدم وجود ذلك، فإن السؤال المطروح هو: هل استمرار التخبط حيال "حماس" في الصورة الحالية يخدمنا؟ هل استمرار التصريحات المتغطرسة عن صورة الانتصار الوشيك، وعن ضربة لن تستطيع "حماس" التعافي منها يمكن أن يجدي؟ الجيش الإسرائيلي يُظهر أداء جيداً. لكن في الحقيقة، منذ تدمير المترو بدأنا بالنزول إلى مستوى تدمير منازل الفلسطينيين، وهذا فعلياً لن يؤدي إلى أي مكان.
- لو كان الجيش الإسرائيلي يعلم بأن قدرة "حماس" على إطلاق الصواريخ ستُحسَم وتُقلَّص بصورة كبيرة، أو ستختفي في الأيام المقبلة، فإن هذا يستحق الجهد. لكن "حماس" تواصل إطلاق الصواريخ. كل دقيقة تمر تزيد من فرص حدوث خلل كبير يقلب الطاولة علينا. الشرعية الدولية تتراجع وبايدن ينفذ صبره. العالم العربي حولنا يغلي، والجبهات تُفتَح، الواحدة تلو الأُخرى، والنيران تشتعل بوتيرة سريعة، ونحن نواصل انتظار صورة النصر.
- أعضاء المجلس الوزاري المصغر ليسوا متحمسين جميعهم إزاء هذا الوضع. على سبيل المثال غابي أشكنازي الوحيد الذي ليس لديه اعتبار سياسي في هذه المرحلة، عبّر عن موقف مشفوع بالبراهين يعارض فيه استمرار التخبط. وهو ليس الوحيد. لا يمكن اتهام أشكنازي بالانهزامية، فهو رئيس الأركان الأخير الذي نفّذ مناورة برية مهمة في غزة بنجاح. يدرك أشكنازي أن ثمة حاجة إلى حدوث احتكاك بالخصم والانتصار عندما يكون هناك دعم وأوامر ملائمة. وعندما لا يتوفر ذلك، فمن الأفضل السعي لاستنفاد الإنجازات.
- ونظراً إلى أنه من الصعب إلحاق الهزيمة بـ"حماس"، فإننا تحولنا إلى شركة الخليوي سيلكوم التي أعلنت ساعة إضراب تضامناً من أجل "السلام والتعايش والأخوّة"، مما حولها إلى كيس لتلقّي الضربات من التيار الإسرائيلي السائد. إذا كانت ساعة إضراب هي تماهٍ مع "حماس" (وهذا غير صحيح)، ماذا نقول عمّن يسمح بتمويل "حماس" بعشرات ملايين الدولارات شهرياً، وعن الشخص الذي أدخل مليارات الدولارات إلى غزة في الأعوام الأخيرة؟
- هذا الشخص الذي وعد بإسقاط "حماس" وانتُخب على أساس هذه الوعود، ثم تخلى عنها بوقاحة، هو الذي حوّل "حماس" إلى شريك استراتيجي واعترف بذلك بالفم الملآن. هو المسؤول الحصري والمباشر عن تحويل "حماس" إلى نموذج مصغر (موقتاً) من حزب الله، على طريق توازن رعب متفجر على الحدود الجنوبية.