مختارات من الصحف العبرية

مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
وفاة شقيق زكريا الزبيدي متأثراً بجروح أصيب بها خلال مداهمة الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين
بلينكن يُجري اتصالاً هاتفياً بعائلة أبو عاقلة ويعرب عن انزعاج الولايات المتحدة من تدخُّل الشرطة الإسرائيلية في جنازة الصحافية
إعادة فتح معبر إيرز مع قطاع غزة بعد إغلاق استمر أسبوعين
هرتسوغ قام بزيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة لتقديم التعازي بوفاة رئيس الدولة
اشتباكات في جامعة تل أبيب في أثناء إحياء ذكرى النكبة
تقرير: الجيش الإسرائيلي يسمح بكشف النقاب عن هوية العقيد الذي قُتل في أثناء عملية في خان يونس سنة 2018، وهو محمود خير الدين من قرية حرفيش الدرزية
مقالات وتحليلات
لنعلّم النكبة
إسرائيل على بُعد نصف خطوة من حملة في جنين، لكن استمرار العمليات في الضفة يقرّب المواجهة في غزة
لا تسارعوا إلى تأبين الدور الروسي في سورية
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"هآرتس"، 16/5/2022
وفاة شقيق زكريا الزبيدي متأثراً بجروح أصيب بها خلال مداهمة الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين

قال بيان صادر عن الناطق بلسان مستشفى "رمبام" في حيفا إن داود الزبيدي (43 عاماً) شقيق الأسير زكريا الزبيدي، والذي كان يتلقى العلاج في المستشفى، توفي أمس (الأحد) متأثراً بجروح أصيب بها خلال عملية عسكرية تخللها اشتباك مسلح مع فلسطينيين قام بها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين في نهاية الأسبوع الفائت لاعتقال "إرهابيين" مشتبه بهم.

وكانت هذه العملية شملت مداهمات لعدد من الأماكن الأُخرى في محيط مدينة جنين، وأسفرت أيضاً عن مقتل ضابط في الوحدة الخاصة التابعة للشرطة الإسرائيلية بعد إصابته بجروح خطرة في قرية برقين.

وداود هو شقيق القائد السابق في "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة "فتح"، زكريا الزبيدي المعتقل لدى إسرائيل، وكان بين الأسرى الفلسطينيين الستة الذين هربوا من سجن جلبوع الإسرائيلي في أيلول/سبتمبر 2021، قبل أن يُعاد اعتقالهم بعد هروبهم بعدة أيام.

وأمضى زكريا الزبيدي أكثر من 12 عاماً في السجون الإسرائيلية، وكانت والدته وشقيق آخر له قُتلا خلال الاجتياح الإسرائيلي لمدينة جنين سنة 2002. وخاض جميع الأشقاء تجربة الاعتقال، كما هدمت إسرائيل منزل العائلة مرتين.

وجاء إعلان وفاة داود الزبيدي بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الـ 74 للنكبة واستمرار التنديد بمقتل الصحافية من قناة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة والاعتداء على جنازتها. 

"معاريف"، 16/5/2022
بلينكن يُجري اتصالاً هاتفياً بعائلة أبو عاقلة ويعرب عن انزعاج الولايات المتحدة من تدخُّل الشرطة الإسرائيلية في جنازة الصحافية

قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أجرى أول أمس (السبت) اتصالاً هاتفياً بعائلة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة من قناة "الجزيرة"، بعد أن انتقد استخدام إسرائيل للقوة خلال الجنازة التي أقيمت لها في البلدة القديمة في القدس الشرقية يوم الجمعة الفائت.

وأضاف المصدر نفسه أن بلينكن أجرى الاتصال في أثناء توجُّهه إلى برلين للمشاركة في اجتماع لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي [الناتو]، وأعرب خلاله عن تعازيه العميقة لأفراد عائلة أبو عاقلة، وأشاد بعمل أبو عاقلة الصحافي وأهمية الصحافة الحرة والمستقلة، وأكد دعم الدبلوماسيين الأميركيين في القدس لعائلة أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأميركية.

كما أعرب بلينكن عن الانزعاج الكبير للولايات المتحدة من تدخُّل الشرطة الإسرائيلية في جنازة الصحافية، وأشار إلى أن وزارة الخارجية الأميركية دعت إلى إجراء تحقيق شفاف في مقتلها.

وقُتلت أبو عاقلة يوم الأربعاء الماضي لدى قيامها بتغطية عملية عسكرية إسرائيلية في جنين. وحمّلت شبكة "الجزيرة" القطرية الحكومة الإسرائيلية مسؤولية قتلها بدم بارد ووصفته بأنه اغتيال. وبعد أن ادعى الجيش الإسرائيلي في البداية أن الصحافية قد تكون قُتلت بنيران فلسطينية، ذكر لاحقاً أنه لا يستبعد أن يكون أحد جنوده قد أطلق النار عليها.

وخلال مراسم تشييع أبو عاقلة يوم الجمعة الماضي كاد نعشها يسقط أرضاً عندما انهال عناصر من الشرطة الإسرائيلية على حامليه بالضرب بالهراوات قبل أن يتمّ رفعه في اللحظة الأخيرة.

"يسرائيل هيوم"، 16/5/2022
إعادة فتح معبر إيرز مع قطاع غزة بعد إغلاق استمر أسبوعين

ذكر بيان صادر عن مكتب منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في المناطق [المحتلة] أنه أعيد أمس (الأحد) فتح معبر إيرز [بيت حانون] مع قطاع غزة بعد إغلاق استمر أسبوعين.

وأضاف البيان أن استمرار فتح المعبر سيكون مرهوناً بتقييم الأوضاع الأمنية والحفاظ على الاستقرار الأمني. وأشار إلى أن إعادة فتح المعبر ستسمح لـ 12.000 فلسطيني من سكان قطاع غزة من حاملي تصاريح العمل الإسرائيلية بالدخول إلى إسرائيل مجدداً.

وانتقد وزير العدل الإسرائيلي جدعون ساعر القرار وقال إنه ينبغي على إسرائيل التمسك بخطوة إغلاق المعبر للضغط على حركة "حماس".

وقال ساعر في سياق مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي ["غالي تساهل"] أمس: "إن قطاع غزة هو صناعة’ إرهاب’ ضد إسرائيل، وبالنسبة إلينا، حاكم غزة هو حركة’ حماس’. إذا سمحنا لقائد الحركة يحيى السنوار بظروف خاصة في الوقت الذي يقوم فيه هو بالاستفزاز فسيكون ذلك خطأً كبيراً. يجب إخراج السنوار و’حماس’ اللذين ينخرطان، بلا توقف، في الإرهاب والتحريض من منطقة الراحة الخاصة بهما. إن تجديد دخول العمال من غزة إلى إسرائيل في هذا الوقت غير مبرَّر".

وقال وزير البناء والإسكان زئيف إلكين، من حزب "أمل جديد" الذي يترأسه ساعر، إن إعادة فتح معبر "إيرز" غير ضرورية، وحتى لو لم تتحمل "حماس" المسؤولية عن كل هجوم "إرهابي" تم تنفيذه مؤخراً، فهي بالتأكيد تشجعه.

وتم إغلاق معبر "إيرز" يوم 3 أيار/مايو الحالي عندما قامت إسرائيل بإغلاق جميع المعابر إلى غزة والضفة الغربية خلال إحياء ذكرى قتلى حروب إسرائيل ويوم الاستقلال. وكان من المفترض إعادة فتحه يوم 6 أيار/مايو، لكن إسرائيل أبقته مغلقاً في إثر عملية قام بها شابان فلسطينيان في مدينة إلعاد بالقرب من القدس في يوم الاستقلال وأسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة آخرين بجروح.

"يديعوت أحرونوت"، 16/5/2022
هرتسوغ قام بزيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة لتقديم التعازي بوفاة رئيس الدولة

قام رئيس الدولة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ أمس (الأحد) بزيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، تهدف إلى تقديم التعازي نيابةً عن دولة إسرائيل إلى الشيخ محمد بن زايد بوفاة رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتهنئته شخصياً على تعيينه رئيساً جديداً للدولة.

وقال هرتسوغ في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام قبيل مغادرته إسرائيل: "سأسافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لساعات قليلة لتقديم واجب العزاء باسم دولة إسرائيل إلى صديقي الرئيس الجديد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأسرته، وإلى جميع أفراد الشعب الاماراتي. وخلال الزيارة، سأهنئ حاكم أبو ظبي الجديد على تعيينه". وأكد هرتسوغ أن الشراكة بين إسرائيل والإمارات هي رصيد لهما ولمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، وتم بناؤها ولا يزال من طرف قادة جريئين وطموحين مثل الشيخ محمد بن زايد.

"هآرتس"، 16/5/2022
اشتباكات في جامعة تل أبيب في أثناء إحياء ذكرى النكبة

اندلعت في جامعة تل أبيب أمس (الأحد) اشتباكات بين طلاب عرب وناشطين يمينيين، وقامت الشرطة الإسرائيلية خلالها باعتقال ثلاثة طلاب عرب، وذلك في أثناء قيامهم بإحياء الذكرى الـ 74 للنكبة الفلسطينية في الجامعة.

وقام المئات من الطلاب العرب برفع الأعلام الفلسطينية عالياً في مدخل الجامعة ورددوا هتافات وطنية، كما هتفوا بالحرية للمعتقلين الفلسطينيين، مطالبين بإطلاق سراحهم.

في المقابل، قام أعضاء من منظمة "إم ترتسو" اليمينية الإسرائيلية برفع الأعلام الإسرائيلية ورددوا شعارات وحملوا لافتات كُتب عليها "النكبة مجرد هراء". وبحسب المنظمة، فإن عدداً من أعضائها أصيب بعد تعرُّضه لهجوم من طلاب عرب، بينما أكد شهود عيان أن العنف اندلع عندما هاجم أحد أعضاء المنظمة اليمينية طالباً عربياً.

"يديعوت أحرونوت"، 16/5/2022
تقرير: الجيش الإسرائيلي يسمح بكشف النقاب عن هوية العقيد الذي قُتل في أثناء عملية في خان يونس سنة 2018، وهو محمود خير الدين من قرية حرفيش الدرزية

بعد تعتيم دام أكثر من 3 أعوام، سمح الجيش الإسرائيلي أمس (الأحد) بكشف النقاب عن هوية العقيد الذي قُتل في أثناء عملية في خان يونس في قطاع غزة سنة 2018، وهو محمود خير الدين (41 عاماً) من قرية حرفيش الدرزية. وما زال الجيش يرفض الكشف عن أهداف العملية التي يؤكد في الوقت نفسه أن أهميتها لا تقدَّر بثمن، بينما ادعت حركة "حماس" أن العملية هدفت إلى زرع أجهزة تنصُّت داخل القطاع.

وجرت العملية في خان يونس يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وكانت بمثابة تتويج لأشهر طويلة من استعدادات دقيقة شاركت فيها أجهزة الاستخبارات. وتضمّن فريق قيادة العملية كلاً من رئيس هيئة الأركان العامة، آنذاك، الجنرال غادي أيزنكوت، وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] آنذاك، اللواء تامير هايمان، ورئيس جهاز الأمن العام ["الشاباك"] آنذاك، نداف أرغمان. 

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت بعد هذا الكشف: "مرت ثلاثة أعوام ونصف العام على سقوط محمود خير الدين في عملية سرية في خان يونس، والآن فقط سُمح لنا بالكشف عن اسمه كي نفصح عن امتناننا لمساهمته وتفانيه في خدمة أمن الدولة. محمود كان مقاتلاً في فرقة المظليين، وتقدم في سلّم الرتب في الجيش ليصبح عقيداً في منظومة العمليات الخاصة في الجيش الإسرائيلي. إنه بطل إسرائيلي حصل على وسام التقدير من قائد الأركان العامة بعد وفاته".

وكان الجيش أصدر أمراً يمنع بموجبه الكشف عن هوية القتيل فور سقوطه، لدواعٍ أمنية، لكن تقرر أمس الكشف عن اسمه وهويته، في إثر جلسة جمعت بين رئيس شعبة "أمان" وممثلين عن الرقابة العسكرية، وبموافقة أبناء العائلة.

ومحمود خير الدين من مواليد سنة 1977 في قرية حرفيش في الجليل الأعلى، وهو الابن البكر لوالديه وله 7 إخوة وأخوات، وهو من أبناء الطائفة الدرزية، متزوج وأب لولدين، وخدم ضابطاً ومقاتلاً وقائداً في وحدة العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية.

من ناحية أُخرى، دعا وزير المال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى تعديل "قانون القومية الإسرائيلي" بعد الكشف عن هوية العقيد محمود خير الدين.

وقال ليبرمان في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع "تويتر" أمس: "هناك تناقض واضح بين’ قانون القومية’ في نسخته الحالية وبين كلمات التأبين التي أُلقيت على شرف العقيد محمود خير الدين. إنني أدعو المعارضة والائتلاف إلى إعادة تصحيح المسار، وبدلاً من مجرد استخدام كلمات، مثل’ إخوة في السلاح’، للإشارة إلى المجتمع الدرزي، يجب القيام بما هو ضروري أكثر".

وسنّ الكنيست الإسرائيلي "قانون القومية" يوم 19 تموز/يوليو 2018، وهو يعرّف إسرائيل بأنها "دولة قومية للشعب اليهودي"، ويعترف بحق تقرير المصير لليهود فقط، ويلغي مكانة اللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العبرية.

وجاء في نصّ القانون بهذا الشأن: "إن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي التي تفي بحقه الطبيعي والديني والتاريخي في تقرير المصير، وإن تطبيق حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل يخص الشعب اليهودي وحده".

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
"هآرتس"، 16/5/2022
لنعلّم النكبة
افتتاحية

 

  • في الأمس 15 أيار/مايو كانت ذكرى النكبة. بالنسبة إلى الجهات الأمنية والزعامة السياسية في إسرائيل، هذا تاريخ آخر في الجدول الزمني المشوّه "للتواريخ الخطرة" -مثل يوم الأرض وعيد الفطر، وشهر رمضان كله، و"أحداث أكتوبر 2000"، والتي قُتل خلالها 13 مواطناً عربياً إسرائيلياً، وذكرى زعماء فلسطينيين بارزين.
  • قبيل هذا اليوم، توضع القوى الأمنية في حالة تأهُّب، ويُجري قادة وسياسيون أحاديث تهدئة أو تحذير مع زعماء الجمهور العربي، وتحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية توقُّع كيف وأين ستقع "اضطرابات". وعندما يمر مثل هذا اليوم بهدوء، كما مرت ذكرى النكبة أمس (باستثناء اعتقال 3 طلاب عرب خلال تظاهرة في جامعة تل أبيب)، نتنفس الصعداء كما لو أننا أنقذنا إسرائيل من الإبادة في اللحظة الأخيرة.
  • ذكرى النكبة لم تهدد قط وجود الدولة، لكن إسرائيل اعتبرت دائماً ذكرى النكبة -معناها "كارثة" بالعربية-أداة تهدف إلى تقويض شرعيتها كدولة مستقلة، من خلال تحميلها مسؤولية الكارثة والظلم اللذين لحقا بالعرب في حرب 1948. وخلال عشرات الأعوام، بذلت الدولة جهوداً دؤوبة لإخفاء مصطلح "النكبة" ومنع تدريس السردية الفلسطينية. ومنعت الدولة استخدام مصطلح النكبة في كتب التدريس. وعلى الرغم من أن الحكومة سمحت بتدريس السردية الفلسطينية بعد مرور عقود، فإنها فرضت من خلال قانون، هو "قانون النكبة" العائد إلى سنة 2011، وبصراحة، عقوبات على أي جهة أو منظمة تحصل على دعم حكومي إذا كانت تحتفل ضمن أنشطتها بيوم قيام الدولة كيوم حداد. إسرائيل الحريصة حتى اليوم على نقاء سرديتها، تقول إنها غير قادرة على قبول الرواية التاريخية التي من شأنها تلطيخ ولادتها، في رأيها.
  • لكن بالنسبة إلى أكثر من 20% من مواطني الدولة، فإن هذه الذكرى والحداد، واللجوء، والشعور بالظلم العميق، عبارة عن جزء لا يتجزأ من هويتهم، ومن ثقافتهم. ولا علاقة لهذا بالموافقة الحكومية على استخدام مصطلح "النكبة". هؤلاء المواطنون الشركاء في بناء الدولة يريدون أن تعترف الدولة بكارثتهم، وأن تمنحهم، على الأقل، مساحة مناسبة في التاريخ والذاكرة المشتركة للشعبين.
  • إن الإقرار بالنكبة والاعتراف بالسردية الفلسطينية ليسا فقط تعبيراً عن بادرة تعاطُف إنسانية إزاء الذين تضرروا جرّاء الحرب؛ بل هما ضروريان لفهم شامل للتاريخ المعقد لدولة إسرائيل. إن المساواة في الحقوق، والتي تتباهى بها دولة إسرائيل، لا يمكن التعبير عنها فقط في الميزانيات والتعاون السياسي، بل تفرض احترام تاريخ وذاكرة الأقلية والاعتراف بهما. وهذا هو اختبار النضج الوطني لدولة إسرائيل.
هآرتس"، 15/5/2022
إسرائيل على بُعد نصف خطوة من حملة في جنين، لكن استمرار العمليات في الضفة يقرّب المواجهة في غزة
عاموس هرئيل - محلل عسكري

 

  • يجب النظر إلى التطورات السياسية وتداعياتها إلى جانب متابعة الأحداث والصور التي تصل من الميدان. فرئيس الحكومة نفتالي بينت، يبدو كمن يصمم على البقاء في منصبه، وهو مستعد لدفع الثمن المناسب لذلك. وفي الطريق إلى تحقيق ذلك، قام بطرد عضو كنيست كانت هناك شكوك بشأن ولائه، واستبدله بوزير أُرغم على الاستقالة من منصبه، كما ودع مستشارته السياسية، الشخص الأقرب إليه في المكتب. وبالإضافة إلى الخلل الذي يميز حكومات في أيامها الأخيرة من ولايتها، من المحتمل أن يؤثر سلوك بينت في الساحة الأمنية-السياسية.
  • قبل استلامه منصبه الحالي، كان بينت يميل، أكثر من مرة، إلى قرارات تبدو غير عقلانية. المستشارة المستقيلة شمريت مئير كانت الكابح الأخير، كما يبدو في محيطه، الذي يمنع قرارات متهورة وغير جاهزة على الصعيد الأمني. الآن، لم يتبقّ إلى جانب المستشارين السياسيين سوى رئيس المجلس القومي إيال حولتا، على الرغم من أنه لا يتطرق كثيراً إلى القضية الفلسطينية التي تقف الآن على رأس سلّم الأولويات.
  • في إسرائيل، لطالما امتزجت الحسابات السياسية بتلك الاستراتيجية. يقف بينت الآن وظهره إلى الجدار، حيث يتعامل مع موجة "إرهابية" جديدة، مستمرة منذ أكثر من ثمانية أسابيع، ولا تبدو أي إشارات تدلل على نهايتها. الجيش والشاباك ركزا جهودهما على جمع المعلومات الاستخباراتية في الضفة الغربية، فنشر الجيش جنوده على خط التماس بشكل واسع، وبعد رمضان، عاد إلى القيام بحملات اعتقالات في شمال الضفة. لكن هذا كله ليس كافياً لإغلاق خط التماس في وجه "المخرّب" الجاهز الذي يصل إلى هدفه في مركز البلاد مرة كل أسبوع. فالجدار الفاصل يبدو كالغربال، ومشروع ترميمه سيستمر لأشهر طويلة، والكتائب التسع التي نشرها الجيش على طول الجدار، عليها أن تعود في وقت ما للتدريب.
  • هذه الظروف محبطة، وتزيد في تحدي العلاقات المعقدة أصلاً ما بين قيادة الجيش وبينت. استمرار العمليات سيؤدي إلى المزيد من الضغط على قيادة هيئة الأركان لطرح حلول، على شاكلة اغتيال قيادات في "حماس"، أو خطوة عدوانية على قطاع غزة، أو حملة واسعة في جنين ومحيطها. كما تمت الإشارة هنا سابقاً، لقيادة الجيش أسبابها للوقوف ضد ذلك، وليست جميعها أسباباً موضوعية. الجيش مشغول، أكثر من اللزوم، بروايته التي تنص على أنه انتصر على "حماس" خلال العملية الأخيرة، "حارس الأسوار"، قبل عام تقريباً (ومن هنا، تعيش "حماس" حالة ردع، ولا يمكن أن تكون هي المسؤولة عن موجة العمليات). لكن، من الصعب جداً الوصول إلى مَن يدعم عملية ضد غزة في هيئة الأركان اليوم. وإن فرضت المهمة على الجيش، فإنه سينجر إليها من دون إيمان، وستكون النتيجة مطابقة لذلك. وأيضاً في المستوى السياسي، من الممكن أن يجد بينت نفسه في صراع مع زملائه، أي الوزيرين يائير لبيد وبني غانتس.
  • مقارنةً بغزة، جنين هدف أسهل بكثير. قوات الجيش تنشط هناك تقريباً بشكل يومي، وكل دخول إلى جنين أو مخيمها يكون مصحوباً بإطلاق نار فلسطيني عنيف. هذا الاحتكاك المستمر يضع إسرائيل على مسافة نصف خطوة من عملية عسكرية في منطقة جنين. أعداد القتلى من المسلحين الفلسطينيين، المتزايدة يوماً بعد يوم، تحرض مشاعر الانتقام الفلسطينية. فإلى جانب المخاوف من سيطرة إسرائيل على المسجد الأقصى، التي تغذيها رواية "حماس"، هناك جزء من منفّذي العمليات الذين خرجوا من جنين إلى مسارات القتل داخل الخط الأخضر، جاؤوا أيضاً للانتقام لموت أصدقائهم. وفي كل مرة، يُصب بعض الزيت على النار-موت الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين، وفاة الشاب من شرقي القدس أمس صباحاً، والذي أصيب الشهر الماضي برصاص مطاطي في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى يوم النكبة.
  • ومع ذلك، فإنه سيكون من الصعب الفصل تماماً ما بين جنين وغزة. الجهاد الإسلامي ينشط بقوة في كلا المكانين، ويهدد بإطلاق قذائف من قطاع غزة في حال استمرت إسرائيل في قتل ناشطيه في الضفة الغربية. وسيكون من المفيد استذكار التاريخ القريب أيضاً. خطف الفتيان الثلاثة في غوش عتسيون خلال صيف 2014، والذي خلّف توترات اختُتمت بحملة في قطاع غزة بعد شهر. "حارس الأسوار" بدأت بسبب إطلاق قذائف قامت به "حماس" من غزة باتجاه القدس، كتضامُن مع الفلسطينيين الذين اشتبكوا مع الشرطة الإسرائيلية خلال شهر رمضان في البلدة القديمة.

صور مخجلة

  • حتى الآن، الأحداث لا تهدأ. نشر الجيش أول أمس في ساعات الظهيرة خلاصات التقرير الموقت للتحقيق في مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ويظهر بين السطور في رسالة الجيش وتصريحات الضباط الكبار فيه، احتمال عالٍ أن تكون قُتلت بالخطأ، بنيران وحدة "دوفدفان". ولكن، بسبب رفض السلطة نقل الرصاصة التي أصابت الصحافية لفحصها، وكذلك رفض تشريح الجثة، هناك شكوك في أننا لن نعرف الحقيقة كاملة أبداً.
  • ويبدو من التحقيق أن الجنود في الوحدة، الذين دخلوا لاعتقال ناشط من الجهاد الإسلامي، أطلقوا النار أكثر من مرة على المنطقة الفاصلة ما بين المخيم ووادي برقين، الحي الشرقي للقرية المجاورة. وفي واحدة من حالات إطلاق النار، كان الجندي على بُعد 190 متراً من مكان تواجُد الصحافية. كان داخل المركبة العسكرية، معه بندقية مزودة بعدسة مكبرة، وأطلق النار من خلال مكان مخصص لإطلاق النار في المركبة. قام الجندي بإطلاق النار ثلاث مرات على مقاتل فلسطيني ظهر من خلف الجدار وأطلق النار على المركبة، وكان الصحافيون خلفه. إطلاق النار من داخل المركبة يخلق زاوية رؤية ضيقة ومحدودة: الجندي قال في شهادته أنه لم يرَ أبو عاقلة، ومن المؤكد أنه لم يرَ إصابتها. وبحسب التقرير، كان هناك مقاتلون فلسطينيون خلف الصحافيين أيضاً، قاموا بإطلاق النار باتجاه الجنود. ولا يمكن معرفة ما إذا كانت الرصاصة إسرائيلية أم فلسطينية، ما دام لم يتم إرسال الرصاصة إلى الفحص الباليستي.
  • صباح أول أمس، عادت قوات الأمن إلى برقين، وحاصرت هذه المرة بيتاً كان فيه مطلوب، على بُعد 300 متر من المكان الذي أصيبت فيه الصحافية. المطلوب، بحسب الجيش، يُشتبه بمشاركته في عمليات إطلاق نار، لكن الجيش صادق أيضاً على الرواية الفلسطينية التي تفيد بأنه هو ذاته في الفيديو الذي انتشر يوم مقتل الصحافية ويظهر فيه مسلح فلسطيني يطلق النار من زقاق في المخيم في اليوم وفي وقت إصابة الصحافية. صحيح أن احتمال إصابة الصحافية كنتيجة لإطلاق النار سقط في الوقت الحالي، لكن الجيش يتجاهل الرد على سؤال ما إذا كان للاعتقال له علاقة بتبيان قتل الصحافية.
  • تحصّن المطلوب في بيته، وقوة خاصة من وحدة "اليمام" [الوحدة الخاصة لمحاربة الإرهاب] حاصرته لساعات، وأطلقت باتجاه المنزل صواريخ مضادة للدبابات (تمرين طنجرة الضغط). تم إطلاق نار كثيف باتجاه القوة العسكرية، وبعد أن سلّم المطلوب نفسه، أصابت رصاصة ظهر المقاتل في الوحدة نوعام راز، وقتلته. راز هو القتيل الـ 20 خلال الشهرين الماضيين-ثمن دموي كبير يدلل على أن الصراع الفلسطيني لا يزال جرحاً مفتوحاً.
  • إلى جانب السؤال عن الهدف من العملية، يظهر سؤال التوقيت أيضاً. ففي شهر رمضان، فضّل الجيش عمليات الاعتقال في ساعات النهار، ليمتنع من الاشتباك مع الشريحة الواسعة التي تخرج للاحتفال بعد الإفطار. لكن رمضان انتهى، والدخول في ساعات النهار يرفع احتمالات إصابة مَن لا دخل لهم-كما تلغي التفوق الذي يتمتع به المقاتلون الإسرائيليون، المجهزون بأدوات متطورة للرؤية ليلاً.
  • لم تنتهِ الأحداث هنا. ففي الوقت الذي شارفت العملية في برقين على نهايتها، تجمّع الكثيرون للمشاركة في جنازة أبو عاقلة شرقي القدس. ظروف وفاة الصحافية المشهورة حولت الجنازة إلى حدث قومي فلسطيني. الشرطة التي علمت بذلك، تجهزت بقوات معززة وأجرت مفاوضات طويلة مع المنظّمين بخصوص ترتيبات سير الجنازة. وبحسب ادعائها، تم خرق جميع الاتفاقات المسبقة وإلقاء الحجارة باتجاه الشرطة.
  • لكن هذا لا يبرر المشهد الذي انتشر في كل العالم: العشرات من أفراد الشرطة المسلحين ينهالون بالضرب على حَمَلة النعش الذي كاد يسقط، وفيه جثمان أبو عاقلة. شرطة القدس التي سيطر أفرادها على أنفسهم خلال شهر رمضان بشكل لافت هذا العام (بعكس أحداث رمضان العام الماضي)، فشلت هذه المرة بصورة كبيرة جداً. فكان هذا المشهد عدوانياً فوق كل تصور.
  • في القنوات الإعلامية الإسرائيلية، تحدثوا عن "تفجير دعائي" لم يسبق له مثيل. لكن، على الرغم من الضرر الذي حدث لإسرائيل في الساحة الدولية، والذي تضمّن إدانة من البيت الأبيض، فهذه ليست القصة. هذا ليس تعامُلاً إنسانياً-وهذه الصور مخجلة جداً. ويبدو أيضاً أن سلوك أفراد الشرطة لم يكن معزولاً عن السياق العام. فقبل وقت قصير من الهجوم على الجنازة والأعلام، علمت الشرطة والجيش بمقتل المقاتل راز في برقين. وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف أرغم المفتش العام للشرطة كوبي شفتاي، وبحق، على إجراء تحقيق في الأحداث. والسؤال، كم ستمنح قيادة الشرطة جماعة التحقيق، وهم من الشرطة أيضاً، الهامش اللازم.
  • إن كان هناك مَن يأمل بالوصول إلى يوم النكبة بأجواء هادئة أكثر، فإن آماله تبخرت. شهر أيار/مايو العاصف سيستمر، على ما يبدو، حتى يوم القدس بعد أسبوعين. ولا يستطيع أحد ضمان أن تكون الأجواء أكثر هدوء.
"N12"، 15/5/2022
لا تسارعوا إلى تأبين الدور الروسي في سورية
كرميت فالنسيا - باحثة في معهد دراسات الأمن القومي

 

  • مؤخراً، برزت تقارير تحدثت عن انسحاب القوات الروسية من سورية وانتقالها إلى جبهة القتال في أوكرانيا. وترافقت هذه التقارير مع ادعاء أن الإيرانيين بدأوا باستغلال الفراغ الذي تركته روسيا وتعميق وجودهم في سورية. في هذه النقطة الزمنية، من الأصح أن نأخذ في الحسبان الواقع المعقد في سورية: حتى لو كان هناك دلائل على تحريك القوات الروسية وإرسال بعضها إلى أوكرانيا، فإن هذا لا يدل على تغيير استراتيجي في الانتشار الروسي في سورية، وهو بالتأكيد ليس بداية لانسحابها من هناك. وهناك عدة تفسيرات لما يجري.
  • الوجود الروسي في سورية هو في الأساس محدود، ولا يتطلب موارد استثنائية من موسكو، حتى في ضوء مراوحة الوضع في أوكرانيا. إن أحد الخطوط الأساسية للاستراتيجيا الروسية في الساحات المختلفة في العالم هو " أقصى حد من التأثير، مع أدنى حد من الاستثمار". سورية نموذج كلاسيكي من ذلك، لقد فهم الروس هناك أنهم قادرون على استخدام حد أدنى من القوة العسكرية من أجل تحقيق أقصى حد من النتائج: نفوذ إقليمي، ومنع الأميركيين من أن يكونوا اللاعب المركزي في المنطقة.
  • ضمن إطار هذه المقاربة، لا تحتاج روسيا إلى التواجد في كل الأراضي السورية من أجل المحافظة على تأثيرها. في الأعوام الأخيرة، أعطت موسكو أولوية لمركزين استراتيجيين في غرب سورية: المرفأ البحري في طرطوس، والقاعدة الجوية في حميميم، الواقعين عملياً تحت سيطرتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك وجود روسي في مواقع صغيرة أكثر في شرق جنوب سورية، حيث تعمل قوات "الشرطة العسكرية الروسية" المسؤولة، من بين أمور أُخرى، عن تهدئة الأجواء في المواجهات التي تنشب بصورة مستمرة بين قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران وبين ما تبقى من أطراف المعارضة.
  • تعتمد الاستراتيجيا الروسية على فكرة "الوكلاء". ويمكن لهؤلاء الوكلاء أن يكونوا مرتزقة من فرقة فاغنر، أو ميليشيات سورية محلية. لذلك، فإن نقل "شرطة عسكرية"، أو قوات محلية تعمل بإمرة روسيا، من منطقة انتشار إلى أُخرى، وحتى إرسال بعضها إلى الحرب في أوكرانيا، لا يدل على انسحاب القوات الروسية من سورية، ولا على تغيير استراتيجي في انتشارها هناك.
  • بالنسبة إلى روسيا، تشكل سورية رصيداً عسكرياً ودبلوماسياً. فمنذ بدء تدخُّلها في أيلول/سبتمبر 2015، استخدمت روسيا سورية ملعباً للتدريبات وساحة لتجربة أدواتها القتالية، شملت فحص مدى سلاحها وفعالية منظومتها الدفاعية وتطبيق عقيدتها القتالية. مع ذلك، يعتبر الروس سورية، قبل كل شيء، بوابة إلى شرقي البحر المتوسط وموطئ قدم لترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية. خلال الأعوام الستة الأخيرة، وطدت روسيا علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية مع دول، مثل مصر وليبيا ودول الخليج وإيران.
  • في الساحة الدولية، وجود روسيا في سورية، وفي الأساس في القواعد العسكرية الواقعة تحت سيطرتها، يسمح لها بتسليط الضوء على قوتها في مواجهة الولايات المتحدة وتركيا، وفي الأساس في مواجهة حلف الناتو. الوجود الروسي في البحر المتوسط له أهمية كبيرة، من أجل ردع أسطول الناتو المنتشر هناك، كما أنه عامل رادع يشكل تهديداً للناتو في السياق الأوكراني. بناءً على ذلك، فإن فرص تنازُل روسيا عن الرصيد السوري، وعن مكانتها هناك، ونقلها إلى الإيرانيين، ضئيلة وغير معقولة. في هذه الأيام التي يشهد فيها العالم ضُعف روسيا في أوكرانيا والضرر الشديد الذي لحق بصورتها، تزداد الحاجة الروسية، أكثر فأكثر، إلى المحافظة على ساحة التأثير السورية في المجال الشرق الأوسطي.
  • صحيح أن إيران معروفة بقدرتها على تحديد الأماكن التي تسودها الفوضى، والتي تفتقر إلى السيطرة، كي تتسلل إليها عسكرياً ومدنياً، لكن التقارير الأخيرة بشأن تعميق الوجود الإيراني في سورية لا تحمل خبراً جديداً. من أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من خلال متابعة التمركز في سورية، هي قدرة الإيرانيين على التأقلم والتكيف مع الظروف المتغيرة.
  • التقارير الأخيرة تفيد بأن التسلل الإيراني في عمق شرق سورية، في حلب وحمص، هو جزء من توجُّه مستمر لا علاقة له بتحريك قوات روسية أو غيرها. منذ فترة نشهد تغيرات في الانتشار الإيراني، تشمل تقليصاً كبيراً في عدد القادة والمستشارين في سورية، والاعتماد على وكلائها أكثر فأكثر، وعلى رأسهم حزب الله والميليشيات الشيعية، ومؤخراً، على سوريين محليين.
  • ضمن هذا الإطار، جرى تقليص للقوات الإيرانية ووكلائها في جنوب سورية، نتيجة الهجمات الجوية المكثفة على المنطقة، والتي تُنسب إلى إسرائيل، أو نتيجة ضغوط مورست عليها من جهة روسيا. هذه التطورات دفعت الإيرانيين في الأعوام الأخيرة إلى تعميق تمركزهم في شرق سورية وشمالها في مناطق سيطرة النظام، بهدف تقليص انكشافها وتعرُّضها للضربات الإسرائيلية. ثمة اعتبار آخر لنقل القوات شرقاً، هو إيجاد موطئ قدم على الحدود مع العراق، والاقتراب من حقول النفط الموجودة هناك، وتهيئة الأرضية لليوم التالي لانسحاب القوات الأميركية من سورية. لذلك، فإن المقصود هو خطة استراتيجية متواصلة لترسيخ الوجود والتأثير في عمق سورية، وليس قراراً تكتيكياً ناجماً عن تقليص محتمل للوجود الروسي في هذه المناطق.
  • من المعقول الافتراض أن مسألة مستقبل الوجود الروسي في سورية تثير قلق الرئيس بشار الأسد الذي يعتمد على الدعم الروسي. ويمكن أن يكون لهذا علاقة بالزيارات المتبادلة، مؤخراً، بين مسؤولين سوريين رفيعي المستوى ومسؤولين إيرانيين، وخصوصاً الزيارة المهمة التي قام بها الأسد إلى طهران في مطلع أيار/مايو (وهي الثانية منذ نشوب الحرب في سورية). الهدف من الزيارة، على ما يبدو، التذكير بأهمية الحلف الاستراتيجي بين الطرفين وضمان الوجود الإيراني في سورية مع الروس، أو من دونهم. وربما يدفعنا هذا إلى استحضار الخطة الطموحة والساذجة للدول العربية بالاعتراف بالأسد كحاكم شرعي وإعادته إلى حضن العالم العربي، في مقابل أن يضمن، من جهته، إبعاد الإيرانيين عن الأراضي السورية.
  • في الخلاصة، الوضع في سورية كما في ساحات أُخرى في الشرق الأوسط، هو أكثر تعقيداً من أن نصوره بالأبيض والأسود، أو "لعبة حصيلتها صفر". المصلحة الروسية في المحافظة على وجود كافٍ من خلال تقليص التمركز الإيراني في سورية لا تزال على حالها. والمصلحة الإيرانية في استمرار التمركز في سورية بأساليب مختلفة هي أيضاً لا تزال على حالها. ولا يزال الأسد يعتمد على الدولتين، بالإضافة إلى عدم قدرته، أو رغبته في الانفصال عنهما في هذه المرحلة. لذلك، من الأفضل لنا الاعتراف بهذه الدينامية المعقدة وعدم تضييع الصورة الشاملة الماثلة أمام أعيننا في الشمال.