مختارات من الصحف العبرية

مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
بني غانتس: "ثمن وقف البرنامج النووي الإيراني الآن أقل مما سيكون عليه بعد سنة"
حادثة غير مسبوقة في الشمال: بطارية روسية تطلق صواريخ في اتجاه طائرات إسرائيلية
إطلاق النار على فلسطيني حاول طعن جنديين إسرائيليين
مقالات وتحليلات
يجب السماح برفع العلم الفلسطيني
في موضوع الصراع مع الفلسطينيين، بينت واليسار تبنيا نموذج نتنياهو
علاقات دول الخليج بالعراق: مرساة للاستقرار ولجم التدخل الإيراني في المنطقة؟
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"يديعوت أحرونوت"، 17/5/2022
بني غانتس: "ثمن وقف البرنامج النووي الإيراني الآن أقل مما سيكون عليه بعد سنة"

قبل يوم من سفره إلى الولايات المتحدة للاجتماع بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستين، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس اليوم (الثلاثاء) بأن "ثمن كبح إيران اليوم هو أقل مما سيكون عليه بعد عام." وقال في سياق خطاب ألقاه في معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة رايخمان: "تبذل إيران في هذه الأيام جهدها لإنجاز إنتاج وتركيب 100 جهاز طرد مركزي متطور من طراز IR6، بينها منشأة تحت الأرض بالقرب من نتانز."

وأضاف غانتس: "تواصل إيران تجميع معرفة وخبرة لا رجوع عنهما في مجال الإشراف والبحث وإنتاج وتشغيل أجهزة طرد متطورة. وهي على بُعد أسابيع معدودة من تجميع مواد انشطارية تكفي لإنتاج قنبلة واحدة."  وأشار غانتس إلى أن التهديد الإيراني لا يأتي فقط من السلاح النووي، بل من سلوك إيران العدائي في المنطقة، وقال: "هي تطور في المنطقة كلها منظومات عملانية ذات قدرات دقيقة من صواريخ بحرية وصواريخ أرض - أرض، وطائرات من دون طيار، يمكنها الوصول إلى مدى آلاف الكيلومترات. ولقد ازدادت كميات السلاح الاستراتيجي الموجود بين يدي أذرع إيران بصورة كبيرة في السنة الأخيرة." وقال غانتس إنه ينوي مناقشة هذه التحديات خلال اجتماعه بوزير الدفاع الأميركي غداً.

وللمرة الأولى يقرّ غانتس بأنه جرى اعتراض مسيّرتين كانتا في طريقهما إلى منظمات فلسطينية في الضفة وغزة في شباط/فبراير الماضي، فقال: "كما حدث في الماضي، أرسل الحرس الثوري مسيّرتين من إيران في اتجاه إسرائيل. وحقيقة أن هاتين المسيّرتين كانتا مزودتين بمظلتين، فإن تقديرنا أن الهدف من إطلاقهما كان تحليقهما فوق غزة أو الضفة الغربية وجمع معلومات من هناك." وأشار إلى أن المهمة فشلت وجرى اعتراض المسيّرتين فوق أراضي العراق.

كما تطرّق وزير الدفاع إلى موجة العمليات الأخيرة، وإلى الوضع الحالي في إسرائيل، فقال: "نحن نشهد موجة "إرهاب" تقوم على سلسلة هجمات وتعتمد على الحساسية في القدس الشرقية والحرم القدسي، حيث نحافظ على حرية ممارسة العبادة. هذه الهجمات مرتبطة الواحدة بالأُخرى، بإلهام من التحريض الذي نسمعه في المنطقة من جانب "التنظيمات الإرهابية". هذا التحريض لا يحظى بالإدانة الكافية من العالم، ومن زعماء المنطقة، الذين يقولون إنهم يريدون المحافظة على الاستقرار."

ورأى غانتس أن القيام بمبادرة على المستوى السياسي أمر مهم لتغيير الوضع، وأضاف: "سنواصل الجهد السياسي لتوطيد علاقاتنا مع جيراننا في المنطقة والمؤيدين لنا في العالم. وذلك انطلاقاً من الاستعداد لبذل الجهود لتقليص النزاع والسعي لتسويات سياسية بيننا وبين الفلسطينيين، حتى لو بدت بعيدة المنال، لكنها تشكل حاجة استراتيجية."

وتطرّق غانتس إلى الحرب في أوكرانيا، فقال إن أحد دروس الحرب هو "من الصحيح استخدام قوة اقتصادية وسياسية، وإذا دعت الحاجة استخدام قوة عسكرية أيضاً في أبكر وقت ممكن، وربما بهذه الطريقة يمكن منع الحروب. وينطبق هذا الأمر أيضاً على الوضع الذي نواجهه مع إيران.  ثمن هذه الحرب المستقبلية المحتملة يمكن أن ينخفض بواسطة استخدام ضغوط من العالم كله، ومن خلال تعاون إقليمي ودولي واسع النطاق."

"يسرائيل هَيوم"، 16/5/2022
حادثة غير مسبوقة في الشمال: بطارية روسية تطلق صواريخ في اتجاه طائرات إسرائيلية

على خلفية التوتر المتصاعد بين القدس وموسكو، وللمرة الأولى منذ بدء الهجمات على سورية، تحدثت تقارير عن إطلاق بطارية صواريخ روسية من طراز أس-300 صواريخ ضد طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. وقعت هذه الحادثة يوم الجمعة الماضي، وقد تحدثت تقارير أجنبية عن مهاجمة إسرائيل أهدافاً في سورية عند الساعة الثامنة مساء. وبحسب التقارير، كان الهدف موقعاً يجري العمل فيه على إنتاج الصواريخ الدقيقة لحزب الله.

ليس سراً أنه خلال الهجمات التي تُنسب إلى الجيش الإسرائيلي في سورية تُطلَق على الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخ أرض-جو، لكنها صواريخ قديمة، ولم تؤد إلى إسقاط طائرات على الرغم من كثرة عددها، باستثناء حادثة واحدة وقعت في شباط/فبراير 2018، إذ أُسقِطت طائرة إسرائيلية من طراز "صوفا" بصاروخ من المنظومة المضادة للطائرات السورية، لكن هذا لم يحبط عمليات سلاح الجو الإسرائيلي.

وكانت روسيا نقلت عدداً من منظومات أس-300 المتقدمة إلى سورية في الأعوام الأخيرة، وحتى في الفترة الأخيرة، كان تقدير إسرائيل أن هذه المنظومات في عهدة القوات الروسية فقط، وهي لا تهدد طائرات سلاح الجو الإسرائيلي.

بناءً على ذلك، ما جرى في نهاية الأسبوع الماضي مثير للقلق، وسيكون على إسرائيل انتظار الهجمات المقبلة في سورية لتفهم ما إذا كان الأمر أصبح حقيقة منتهية، أو إشارة روسية يمكن أن تقيد حرية النشاط الجوي الإسرائيلي في سورية، أم أن الأمر هو حادثة منفردة.

"يديعوت أحرونوت"، 17/5/2022
إطلاق النار على فلسطيني حاول طعن جنديين إسرائيليين

حاول مهاجم فلسطيني طعن جنديين كانا في موقع قريب من مدخل نابلس، فأطلقا النيران عليه، وهو ما أدى إلى إصابته بجروح متوسطة نُقل في أثرها إلى المستشفى في بتاح تكفا. ومحاولة الهجوم هذه هي الثانية التي يجري إحباطها في منطقة نابلس خلال 30 ساعة.

وذكر الجيش الإسرائيلي أنه اعتقل خلال الليل 18 مشتبهاً فيه في شتى أنحاء الضفة الغربية وفي وادي الأردن. وخلال هذه العمليات جرى توقيف مشتبه فيه آخر كان في حوزته بندقية من طراز أم-16 في قرية راس عطية.

وكان نحو ألف متظاهر تجمعوا أمس من منطقة بوابة الزهور وشارع صلاح الدين في القدس، ورشقوا الشرطة بالحجارة والزجاجات بعد تشييع فلسطيني سقط خلال المواجهات التي جرت في شهر رمضان. وذكرت الشرطة أنها نسّقت مع عائلة القتيل وليد الشريف عملية التشييع، لكن مثيري الشغب حاولوا استغلال الجنازة كي يقوموا بمهاجمة القوى الأمنية.

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
"هآرتس"، 17/5/2022
يجب السماح برفع العلم الفلسطيني
افتتاحية

 

  • سارع المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي إلى إصدار تعليماته بالتحقيق في سلوك عناصر الشرطة خلال تشييع مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة. لكن بالإضافة إلى الفحص المتعلق بالاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة، يجب إجراء تحقيق معمّق للتعليمات التي أعطاها قائد منطقة القدس دورون ترجمان للشرطة - مصادرة الأعلام الفلسطينية ومنع رفعها خلال التشييع.
  • خلال الجنازة، حاول عناصر الشرطة المتواجدون في المكان مصادرة الأعلام من المشاركين فيها، أو إنزال الأعلام التي رُفعت في المكان. سكان القدس الشرقية الذين كانوا موجودين قبل الشرطة حذّروا الذين رفعوا أعلام فلسطين وطلبوا منهم إنزالها لأن "الشرطة تعتقل كل مَن يرفع علم فلسطين".
  • علينا ألّا نستغرب خروج الأمور عن السيطرة وانزلاقها إلى العنف: إذا كانت الشرطة تعتبر رفع العلم عملاً خارجاً عن القانون أو إخلالاً بالنظام العام، ومَن يرفع العلم مشتبهاً به-حينها، فإن الأمور تشير مسبقاً إلى حدوث اضطرابات.
  • يجب ألّا نحمّل التهمة للشرطة فقط، أو التركيز على حجم القوة التي استُخدمت هناك لفرض القانون، وفي المقابل، تجاهُل طبيعة المهمة التي طُلبت منهم. الأسئلة التي يجب طرحها هي: لماذا رفع علم فلسطين ممنوع في جنازة صحافية كانت في حياتها وفي موتها رمزاً وطنياً؟
  • في الأعوام الأخيرة اعتقلت الشرطة متظاهرين يرفعون أعلاماً فلسطينية خلال التظاهرات في حي الشيخ جرّاح، على الرغم من أنهم فعلاً لم يشكلوا أي خطر. تعليمات المستشار القانوني للحكومة تشير إلى أنه يجب العمل على إزالة أي علم عندما يكون هناك "تخوف مع احتمال كبير أن يؤدي رفع العلم إلى انتهاك خطِر للسلم العام". في السنة الماضية طلب وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف من المفوض العام للشرطة الحدّ من مصادرة الأعلام الفلسطينية خلال التظاهرات والسماح برفعها فقط في حالات استثنائية.
  • على هذه الخلفية، يجب التحقق من السبب الذي جعل قائد منطقة القدس يُصدر أمراً عاماً بمصادرة الأعلام الفلسطينية ومنع رفعها. فهذه التعليمات تتعارض مع توجيهات المستشار القانوني للحكومة، والتي يُفهم منها أنه يجب على عناصر الشرطة استخدام تقديراتها للوضع، وفحص كل حالة على حدة، وما إذا كانت ستؤدي إلى تعقيدات كبيرة وانتهاكات خطِرة للسلم العام.
  • يتعين على المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف مياره أن توضح للشرطة أن رفع علم فلسطين أمر قانوني تحميه حرية التعبير عن الرأي؛ ويتعين عليها إصدار تعليمات للشرطة توضح فيها أن رفع العلم بحد ذاته ليس سبباً لتدخُّل الشرطة، وهو ليس كافياً للدلالة على نية تعريض الأمن للخطر.
"هآرتس"، 17/5/2022
في موضوع الصراع مع الفلسطينيين، بينت واليسار تبنيا نموذج نتنياهو
عوزي برعام - وزير سابق وكاتب

 

  • نفتالي بينت لا يدفع ثمناً كبيراً بسبب الائتلاف مع القائمة العربية الموحدة وموسي راز.لا أحد منهما يرفع ضغط الدم لدى جماعة نتنياهو. الخطأ الوحيد الذي لن يغفره له هؤلاء، هو حقيقة أنه أسقط نتنياهو عن الكرسي. لم يكن لدى جماعة نتنياهو أي مشكلة في رؤية منصور عباس، ووليد طه، وراز كوزراء، لو كان نتنياهو رئيساً للحكومة.
  • ولكن، يدفع بينت وحكومته ثمناً عالياً، بسبب تبني نموذج نتنياهو وفهمه في كل ما يخص الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وبحسبه، لا حاجة إلى معالجة الصراع أصلاً، وهناك إمكانية لإدارة علاقات خارجية مع مصر، والأردن، ودول "اتفاقيات أبراهام"، حيث لا يهتمون بمصير الفلسطينيين.
  • عمل نتنياهو أعواماً طويلة بهدف خلق واقع ينكر فيه الإسرائيلي المتوسط القضية الفلسطينية. هذا الإنكار يقوم على الادعاءات المعروفة: أبو مازن ضعيف، "حماس" محاصرة في غزة، والصراع في كل الأحوال غير قابل للحل، لذلك، فإن الاهتمام به هو إضاعة للطاقة، ولا يؤدي إلا إلى الغضب في أوساط النواة الصلبة لليمين الديني القومي - بالإضافة إلى أن الخطر الأساسي هو إيران.
  • الإنكار الجماهيري الإسرائيلي للصراع عميق وخطِر. قبل عدة أسابيع، قالت رينا متسليح في إحدى جلسات "استوديو الجمعة"، إنه في الوقت ذاته الذي يخوض فيه الجنود معركة ضد "المخربين"، يتوجب على الجمهور الإسرائيلي فهم جذور الصراع. وفي ردّه عليها، قال بوعاز بيسموت: "معنى حديثك أنك تبررين العمليات". هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها صحيفة "إسرائيل اليوم".
  • بينت وأعضاء حكومته قالوا إنهم انتهوا إلى الاتفاق على أنه لا يجب العمل في الموضوع الفلسطيني، بهدف "الحفاظ على الحكومة". لكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار أن الفلسطينيين ليسوا شركاء في هذا الاتفاق. هم هنا، مواقفهم تتطرف ويجروننا إلى مناطق اشتباك بمساعدة عمليات ومواجهات. إسرائيل من جانبها، ما دامت لا تريد التطرق إلى الموضوع الفلسطيني، يتم إرغامها على تعزيز القوات، وإحباط عمليات، وتنفُّس الصعداء عندما يمر يوم من دون أن يطلق منفّذ عملية النار بشكل عشوائي.
  • هذه ليست المرة الأولى، فسابقاً كان هناك مجموعات تحاول الدفع باتجاه الإنكار. لكن وقفت في وجههم مجموعة سياسية قوية صممت على أنه على الرغم من الفجوة الكبيرة بين الطرفين فإن المفاوضات مع الفلسطينيين هي الإمكانية الشرعية الوحيدة.
  • أما الآن، فلا يوجد مَن يقف في المقابل. فاليسار الصهيوني انضم إلى حكومة بينت، وسوياً يفضلون إغلاق أعينهم أمام الواقع المدمر الذي يُحاك أمامهم - المهم هو عدم عودة نتنياهو إلى كرسيه. إغلاق العيون، إلى جانب التعاون مع المستوطنين، يكلف المواطن الإسرائيلي الكثير، وسيكلف أحزاب اليسار الصهيوني أيضاً الكثير.
  • الصراع لا يقف في مكانه، ويتحول من قومي إلى ديني. ليس اعتباطاً أن تحاول "حماس" تعظيم "الضرر" في المسجد الأقصى؛ وليس اعتباطاً أن يخرج "المخربون" إلى مهمتهم كجزء من حرب دينية مجنونة - ليس من أجل استقلال الشعب الفلسطيني، بل بسبب الصراع بين اليهودية والإسلام.
  • على بينت أن يفهم أن استبدال نتنياهو لا يكون فقط باستبدال الشخص نفسه، إنما باستبدال رؤيته وافتراضاته. وإذا لم يفهم هذا في أقرب وقت، فإن هذا لن يؤدي فقط إلى سقوط حكومته سقوطاً مدوياً، بل سيجعل الكثير من الأشخاص، من العرب واليهود، يدفعون الثمن من حياتهم.
"مباط عال"، العدد 1599، 15/5/2022
علاقات دول الخليج بالعراق: مرساة للاستقرار ولجم التدخل الإيراني في المنطقة؟
يوآل غوزنسكي ويارون شنايدر - باحثان في معهد دراسات الأمن القومي

 

  • الاضطرابات في العالم العربي ازدادت تفاقماً مع التوتر السني-الشيعي في العراق، وفي الأساس في العلاقات بجيرانه العرب الذين امتنعوا من توظيف الاهتمام والموارد فيه. وتدهورت العلاقات حتى بعد الاحتلال الأميركي للعراق في سنة 2003، ووصلت إلى أدنى مستوى لها مع تولّي نوري المالكي رئاسة الحكومة وتأييد المؤسسة الدينية في العراق للتظاهرات الشيعية في الخليج قبل نحو عقد من الزمن. وأدى قُرب العراق التاريخي والجغرافي والطائفي من إيران إلى تعامُل السعودية معه بصفته ذراعاً إيرانية، الأمر الذي دفع العراق إلى التقرب أكثر من إيران، على الرغم من الضغط الأميركي على الرياض كي لا تفعل ذلك.
  • مع ذلك، شهدت الأعوام الأخيرة عودة الحرارة إلى علاقة عدد من دول الخليج بالعراق. ساهم في ذلك زعماء عراقيون بارزون، على رأسهم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والزعيم الشيعي مقتدى الصدر، اللذان رأيا في التقرب من الدول العربية عموماً، ومن دول الخليج خصوصاً، أداة لموازنة النفوذ الإيراني في العراق، ولتحسين وضعه الاقتصادي. واستخدم الكاظمي مكانة العراق الاستراتيجية وتركيبته الطائفية الخاصة للتجسير بين دول الخليج وبين إيران، من أجل تحسين مكانة بلده الإقليمية. هذا التوجه الذي كان له تداعيات مهمة على علاقات القوى الإقليمية – مع أو من دون توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى - مرتبط بكبح المأزق السياسي في العراق.

الدينامية الداخلية

  • يقف العراق أمام مفترق طرق سياسي بعد الانتخابات البرلمانية التي خسر فيها ممثلو الميليشيات الإيرانية جزءاً من قوتهم، وحقق خصومهم، الذين يسعون لتقليص التدخل الإيراني في الدولة، إنجازات كبيرة. دراما الانتخابات جرّت العراق إلى دوامة سياسية: تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد استمر قرابة نصف عام، وتعمقت التصدعات الداخلية - في الأساس وسط الشيعة والأكراد. ترافقت العقدة السياسية مع زيادة التوترات بين المعسكرات المتخاصمة: السياسيون الشيعة في الأساس، إذ يهدد الموالون للنظام الإيراني، بمن فيهم زعماء الميليشيات الموالية لإيران الذين تهمهم المحافظة على موقع قوة في السلطة، على الرغم من تقلُّص قوتهم البرلمانية، بتصعيد العنف إذا جرت محاولة تشكيل ائتلاف من دونهم؛ في مقابلهم، يقف ائتلاف متعدد الطوائف (شيعي - سني- كردي) بقيادة مقتدى الصدر. ما يجمع بين هذه الكتل، بالإضافة إلى التوق إلى استقلال السلطة في العراق، هو النفور من موطىء القدم الإيرانية في الدولة الذي ازداد في الأعوام الأخيرة. وبرز التأييد لهذا الشعور وسط الجمهور وداخل السلطة، وتجلى من خلال موجة الاحتجاجات التي نشبت في سنة 2019، وأدت إلى مواجهات دامية بين المتظاهرين ونشطاء الميليشيات الإيرانية، وإلى اغتيال نشطاء سياسيين معادين لإيران. الكاظمي والصدر اللذان تحولا في الانتخابات الأخيرة إلى بيضة القبان في أي ائتلاف مقبل، أوضحا أنهما لن يتنازلا عن سلطة القانون واستقلال الحكومة في بغداد؛ لذا، هما يتعرضان لتهديدات من مؤيدي "النظام الإيراني" (كما تعرّض الكاظمي لمحاولة اغتيال بعد الانتخابات).
  • ... بناءً على ذلك، فإن تأليف الحكومة الجديدة في العراق يخضع الآن لمجموعة ضغوط داخلية وخارجية. والخلاصة التي توصل إليها الصدر وشركاؤه أنه على الرغم من تطلُّعهم إلى حكومة لا تخضع "للإملاءات الإيرانية"، فإن الحكومة يجب أن تضم أطرافاً مدعومة من طهران.

الدينامية الإقليمية

  • استأنفت الإمارات علاقتها بالعراق في سنة 2008، ومنذ ذلك الحين، وسّعت تدخّلها الاقتصادي فيه. والتطور الذي يمكن أن يسهّل تحسين العلاقات بين العراق وجيرانه العرب هو الانتهاء من دفع الدين إلى الكويت في كانون الثاني/يناير 2020 - 52 مليار دولار- تعويضاً عن أضرار الاحتلال العراقي للكويت في سنة 1991، بحسب قرار الأمم المتحدة.
  • بالنسبة إلى السعودية، هي أيضاً غيرت توجُّهها بعد أعوام طويلة ركزت خلالها على منع انزلاق الفوضى من العراق إلى أراضيها، من خلال تحصين الحدود المشتركة وتقديم مساعدة محدودة لعناصر سنية أو شيعية علمانية، مثل إياد علاوي، وقررت تحسين العلاقات من أجل التأثير في مستقبل العراق وإبعاده عن إيران. بعد وفاة الملك عبد الله في سنة 2015، وللمرة الأولى منذ ربع قرن، جرى تعيين سفير سعودي (غير مقيم) في العراق، وفُتحت قنصلية في أربيل (2016)، كما فُتح المعبر الحدودي بين البلدين في عرار في سنة 2020. قطر أيضاً أعادت فتح سفارتها في بغداد في سنة 2015، ومنذ تلك الفترة عمّقت استثماراتها في هذه الدولة.
  • زيارات الكاظمي إلى الرياض وأبو ظبي في سنة 2021، وكلامه ضد الميليشيات الإيرانية في العراق زاد في تأييد الدول الخليجية له، وضمِن له مساعدة منها. من ناحية أُخرى، خلقت الدينامية السياسية في العراق فرصة للسعودية في محاولة إبعاد الموالين لإيران عن كرسي الحكم في العراق، من خلال استغلال المصالح المشتركة مع الزعيم الشيعي الصاعد مقتدى الصدر. لكن من ناحية أُخرى، كان على الرياض الاعتراف بالخطوات المحلية في العراق، وكذلك بأن خطوات إقليمية ودولية من الصعب عليها كبح النفوذ الإيراني وإبعاده.
  • على الصعيد الاقتصادي، اعتماد العراق على إيران في مجال الطاقة يمنح النظام الإيراني أداة ضغط مهمة على الحكم في بغداد. وعلى الرغم من محاولات دول الخليج تغيير هذا الوضع من خلال اتفاق يقضي بربط العراق بشبكة الكهرباء التي لديها، فإن النظام الإيراني لا يزال يحتفظ بورقة اقتصادية قوية. "الاستغناء" عن النفط والكهرباء الإيرانيين سيتطلب عملية طويلة ومضنية. بالإضافة إلى ذلك، إن الواقع الدولي المتغير، وخصوصاً في الشرق الأوسط، يطرح ظلالاً على فرص نجاح المنافسة مع إيران في العراق. بينما تبدي الولايات المتحدة اهتماماً أقل بحلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وتركز على استنفاد المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. هذا إلى جانب مواصلة توجُّهها نحو تقليص التزاماتها وتدخُّلها العسكري في المنطقة. دول الخليج تتخوف من صعوبة الاعتماد على واشنطن من أجل التأثير السياسي في بغداد، ومن أجل خلق توازن عسكري أميركي في مواجهة التدخل العسكري الإيراني في العراق.
  • إلى جانب ذلك، يشكل العراق مكاناً للاجتماع بين مندوبي إيران والسعودية. تجري المحادثات في أجواء إيجابية، وتعكس مصلحة الدولتين الخصمين في تبديد التوترات وحل مشكلات تلقي بظلالها على العلاقات بينهما (وخصوصاً الحرب في اليمن). لكن دعمهم للأطراف المتخاصمة في الجدل الداخلي في العراق يبعد العراقيين عن التوصل إلى اتفاق، ويضعف قدرة المعسكر الذي يسعى للتخلص من التدخل الإيراني على تأليف حكومة، من دون تسوية معناها قبول موطىء قدم إيرانية في بغداد.

التحديات المطروحة

  • لا توجد استراتيجيا موحدة ومنسجمة تضع دول الخليج في موقع مؤثر في العراق. إذ لا تشكل دول الخليج كتلة متجانسة، وهي منقسمة إزاء ما يتعلق بالموضوع العراقي، كما في كل موضوع آخر، بالإضافة إلى توجيه اهتمامها إلى ساحات أُخرى - إيران واليمن. وعلى الرغم من التقارب المدروس من العراق، فإن دول الخليج لا تزال على شكوكها فيما يتعلق بالقيادة العراقية. علاوة على ذلك، يشكل العراق تحدياً لدول الخليج في عدد من المجالات. استمرار صناعة النفط في العراق يمكن أن يأتي على حساب مكانة الرياض في سوق النفط؛ هناك حساسية حيال تأثير المؤسسة الدينية في النجف في الشيعة في البحرين والسعودية؛ وبالإضافة إلى تهديد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، يبني العراق جيشاً، بصورة تدريجية، يمكن أن يشكل تهديداً لدول شمال الخليج.
  • لذلك، تعود دول الخليج إلى العراق بخطوات مترددة. القطيعة الطويلة تجعل من الصعب على الرياض تشكيل وزن مضاد لإيران في العراق. علاوة على ذلك، المعارضة لإيران تترجَم تلقائياً في العراق كتأييد للسعودية التي يُنظَر إليها وإلى قطر كدول تدعم المتطرفين السّنة في العراق - مصدر نمو حركات، مثل تنظيم داعش (تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من المتطوعين في داعش كانوا سعوديين). بالإضافة إلى ذلك، إن العديد من الشيعة العراقيين يعارضون السعودية تاريخياً، بسبب علاقتها بالشيعة في أراضيها، وبعد غزو البحرين في سنة 2011 وقمع الثورة الشيعية. على هذه الخلفية، يفحص العراق أيضاً خيارات أُخرى، وفي الأعوام الأخيرة وجّه أنظاره إلى المشرق، وطالب بتأسيس نظام إقليمي يركز على مجال الطاقة مع مصر والأردن.
  • لإسرائيل ودول الخليج مصلحة أمنية واضحة في فرض السيادة العراقية على كامل أراضي الدولة وحدودها، وكبح (إن لم يكن تفكيك) الميليشيات الموالية لإيران، والموجودة في أراضيها، والتي تربط الساحة العراقية بالمواجهة بين إيران وإسرائيل وجيرانها. وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني في غرب العراق (مع التشديد على وجود صواريخ أرض - أرض لديها) يمكن أن يشكل مضماراً إضافياً لتعاون إسرائيلي- سعودي.
  • في المقابل، التقارب الذي طرأ في الأعوام الأخيرة بين إسرائيل ودول الخليج يمكن أن يؤذي مكانتهم في المجال العراقي. وبسبب الاستقطاب الداخلي والنفوذ الإيراني، لم ينضج العراق للتطبيع مع إسرائيل. اتصالات علنية أو سرية مع إسرائيل في الماضي والحاضر من جانب سياسيين أو أحزاب (مثل الأحزاب الكردية)، أو التطبيع بين إسرائيل والبحرين والإمارات، كل ذلك واجه رفضاً وتهديداً وعنفاً، في الأساس من جانب مؤيدي إيران في العراق. كما أعلن مقتدى الصدر وقوفه ضد التطبيع مع إسرائيل ونيته منع العراقيين، قانونياً، من إقامة علاقات معها.
  • بناءً على ذلك، وانطلاقاً من الواقع الحالي، تحديداً، فإن عدم وجود تطبيع علني بين العراق وإسرائيل يمكن أن يساعد دول الخليج على وقوف ائتلاف عراقي إلى جانبها يؤيد التقارب معها على أساس مصالح مشتركة تتطابق أيضاً مع مصالح إسرائيل.