مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
إسرائيل تعتقل مسؤولاً كبيراً في الجهاد وتغلق طرقات في غلاف غزة تحسباً لردّ انتقامي
الوسيط الأميركي هوكشتاين يأمل بالتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان في زيارته المقبلة
الأزمة بين روسيا وإسرائيل مستمرة والوفد الإسرائيلي أجرى اجتماعات في موسكو من دون تحقيق نتائج
لبيد في رسالة إلى إيران: لدينا قدرات دفاعية وهجومية وقدرات أُخرى
مقالات وتحليلات
إسرائيل غيّرت مقاربتها في غزة والتحسّن الاقتصادي واضح لكن هذا لا يضمن الهدوء فترة طويلة
الموضوع الفلسطيني غائب (مرة أُخرى) عن حوار الانتخابات - ووقت القرارات ينفد
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"يديعوت أحرونوت"، 2/8/2022
إسرائيل تعتقل مسؤولاً كبيراً في الجهاد وتغلق طرقات في غلاف غزة تحسباً لردّ انتقامي

أعلنت إسرائيل رفع درجة التأهب في جنوب إسرائيل بعد اعتقال مسؤول رفيع المستوى في حركة الجهاد الإسلامي، بسام السعدي، في الضفة مساء أمس. كما سيعقد رئيس الحكومة يائير لبيد جلسة لتقدير الوضع صباح اليوم، يشارك فيها رئيس الحكومة المناوب نفتالي بينت، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الأركان أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك رونان بار، والسكرتير العسكري آفي جيل، وجهات أُخرى.

ينتمي السعدي (61 عاماً) إلى القيادة العليا في الجهاد الإسلامي، وهو المسؤول عن الحركة في الضفة. وعمل في الفترة الأخيرة على إعادة بناء عمليات الجهاد، وكان المسؤول عن بناء القوة العسكرية للحركة في شمال الضفة، وخصوصاً في جنين التي انطلقت منها أغلبية منفّذي الهجمات في داخل إسرائيل هذه السنة.

ونفّذت عملية الاعتقال فرقة من المستعربين من حرس الحدود في الضفة، ومقاتلون من فرقة ناحل، وترافقت العملية مع تبادُل لإطلاق النار مع مقاتلين فلسطينيين بالقرب من المبنى الذي تحصّن فيه السعدي. وخلال العملية عُثر على مسدس وأمشاط بندقية أم-16 وأموال نقدية بكميات كبيرة. وخلال الاعتقال أُصيب السعدي بجروح، وأُلقيت عبوات ناسفة على القوة الإسرائيلية من دون أن توقع إصابات، وأدت المواجهات إلى مقتل مسلح فلسطيني عُلِم لاحقاً بأنه مقاتل في الجهاد الإسلامي.

وأعلن الجيش الإسرائيلي إغلاق الطرقات في غلاف غزة ووقف حركة القطار في منطقة عسقلان. هذا القرار اتُّخذ بعد تقدير للوضع أجرته القيادة العسكرية ليلاً. ويشيرون في الجيش إلى اعتقال أكثر من 50 ناشطاً من الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية مؤخراً. وفي رأي ضابط رفيع المستوى، هذه الخطوات وقائية حيال القطاع، الغرض منها عدم السماح للجهاد الإسلامي بالتسبب بالتدهور في غزة، أو بالتصعيد.

 

"هآرتس"، 1/8/2022
الوسيط الأميركي هوكشتاين يأمل بالتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان في زيارته المقبلة

قال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في مسألة تسوية النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يوم الإثنين إنه يتوقع التوصل إلى اتفاق بين الدولتين في زيارته المقبلة إلى المنطقة.

وبحسب الاتفاق الآخذ في التشكل، فإن خط الحدود سيمرّ شمالي حقل الغاز كاريش، وسيسمح للبنان بالتنقيب في المنطقة التي يحاول فيها تحديد مكامن للغاز. وفي الأيام الأخيرة، وصلت رسائل متفائلة من كبار المسؤولين الأميركيين إلى نظرائهم في إسرائيل.

والتقديرات في إسرائيل أن التهديدات الأخيرة التي صدرت عن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تشير إلى أن الحزب يدرك أن الاتفاق بين الطرفين بات قريباً. وفي الأمس بثّ الحزب فيديو جرى فيه تصوير منصة الغاز في كاريش، بعيداً عن مرمى النيران، وكان مرفقاً بكلام للأمين العام للحزب مترجم إلى العبرية.

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان في إنهاء الاتصالات في أقرب وقت، خوفاً من محاولة حزب الله مهاجمة منصة الغاز كاريش مع بدء عملها في مطلع أيلول/سبتمبر.  ولقد أوضح مسؤولون في الإدارة الأميركية لإسرائيل أنه إذا جرى مثل هذا الهجوم في الأيام المقبلة، فإن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون مضبوطاً. مع ذلك، رفضت إسرائيل الالتزام بذلك، وأوضحت أن قوة الرد ستكون متلائمة مع حجم هجوم حزب الله وتداعياته.

في الأسبوع الماضي، كثّف الجيش عدد القوات التي تحمي المنصة، في ضوء تهديدات نصر الله التي قال فيها إن جميع منصات الغاز في إسرائيل "مهددة".

"يديعوت أحرونوت"، 1/8/2022
الأزمة بين روسيا وإسرائيل مستمرة والوفد الإسرائيلي أجرى اجتماعات في موسكو من دون تحقيق نتائج

أجرى الوفد القانوني الإسرائيلي يوم الإثنين لقاءات في موسكو مع رئيس القسم القانوني في وزارة العدل الروسية، لكن الاجتماع انتهى من دون أن يسفر عن نتائج ملموسة، كما لم يحدَّد موعد لاحق للوفد. وكانت الأزمة بين روسيا وإسرائيل اندلعت بسبب نية السلطات الروسية إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في الدولة.

بحث الوفد في الاجتماع بصورة أساسية مسائل تقنية، وجرى خلاله تقديم أوراق من الطرفين، وسادت الاجتماع أجواء جدية. وتعتبر إسرائيل أن أهمية الاجتماع تكمن في جوهر حدوثه، وهي لا تتوقع منه كثيراً، فالأزمة لا يمكن أن تُحلّ إلاّ من خلال حوار سياسي مع روسيا.

من جهة أُخرى، التقى السفير الإسرائيلي في موسكو أليكس بن تسفي نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ضمن إطار المساعي السياسية لخفض التوتر الناشىء بسبب الوكالة اليهودية. وبحسب البيان الصادر عن الخارجية الروسية بعد الاجتماع، أن البحث تناول موضوعات راهنة في العلاقات الروسية- الإسرائيلية، كما جرى بحث مشكلات دولية وشرق أوسطية تهم الطرفين.

في المقابل، يُجري رئيس الدولة هرتسوغ ورئيس الحكومة لبيد اتصالات هادئة بالروس على عدد من القنوات، بينها اتصالات عبر وسيط أجنبي.

"يديعوت أحرونوت"، 1/8/2022
لبيد في رسالة إلى إيران: لدينا قدرات دفاعية وهجومية وقدرات أُخرى

قال رئيس الحكومة يائير لبيد في حفل تبادُل منصب رئاسة لجنة الطاقة النووية في إسرائيل في رسالة موجهة إلى إيران، إن "الساحة العملانية من فوقنا مبنية من قدرات دفاعية وهجومية وما تسميه وسائل الإعلام الأجنبية قدرات أُخرى. وهذه القدرات تحافظ على حياتنا ما دمنا نحن وأولادنا هنا."

وقال رئيس الحكومة المناوب نفتالي بينت الذي شارك في المناسبة: "قبل عام اتخذنا قرارات، هدفها رفع استعداداتنا في مواجهة النووي الإيراني. لقد خصصنا موارد هائلة لردم فجوات مهمة. الإيرانيون يتقدمون، كما رأينا هذا الصباح، لكن الاستعدادات الإسرائيلية تجري هذه السنة بكامل قوتها." وتوجّه إلى المسؤولين في لجنة الطاقة النووية، قائلاً: "آمل منكم الاستمرار في العمل، بغض النظر عن الاضطرابات السياسية في البلد. مستقبلنا وأمن الأجيال المقبلة مرتبطان بعملكم."

جاء هذا الكلام خلال حفل تسلُّم رئيس اللجنة الجديد للطاقة النووية اللواء في الاحتياط موشيه أدري منصبه، بدلاً من زئيف شنير الذي شغل المنصب طوال 7 أعوام. كما شارك في المناسبة وزير الدفاع بني غانتس ووزير المال أفيغدور ليبرمان ورئيس الموساد.

تجدر الإشارة إلى أن لجنة الطاقة النووية هي المسؤولة عن النشاطات في مركز الأبحاث النووية في ناحل سوراك وفي مركز الأبحاث بالقرب من ديمونا. وهي التي تقدم توصياتها إلى الحكومة في كل ما له علاقة بالأبحاث والتطوير النووي، وهي التي تمثل إسرائيل في المحافل الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا.

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
"هآرتس"، 2/8/2022
إسرائيل غيّرت مقاربتها في غزة والتحسّن الاقتصادي واضح لكن هذا لا يضمن الهدوء فترة طويلة
عاموس هرئيل - محلل عسكري
  • العاملان الغزّيان اللذان سارعا إلى ركوب سيارة توقفت كي تقلّهما مجاناً بالقرب من عسقلان، ترددا قليلاً عندما اكتشفا أن الركاب ضباط بلباس عسكري. وبعد أن تم التأكد من أنهما يحملان تراخيص للعبور، وأن السيارة ذاهبة إلى معبر إيرز، ركبا السيارة. يؤكد الحديث مع عناصر مكتب تنسيق الأنشطة في المناطق التقديرات التي تُسمع في النقاشات التي تجري في المؤسسة الأمنية: تراخيص دخول العمال من القطاع للعمل في إسرائيل تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للجانب الفلسطيني بصورة كبيرة. مع ذلك، فإن هذا التحسن لا يضمن هدوءاً طويل الأمد بين إسرائيل و"حماس".
  • عادت إسرائيل إلى السماح بدخول الغزّيين للعمل في داخل أراضيها بعدد محدود نسبياً، بدءاً من مطلع سنة 2020، خلال ولاية حكومة نتنياهو. حينها، أصروا في إسرائيل على تسمية هؤلاء رجال أعمال بدلاً من عمال، على الرغم من أنه كان واضحاً أن هذا الكذب متفق عليه من الجانبين، لكن المحاولة توقفت مع وصول وباء كورونا إلى المنطقة في آذار/مارس 2020. في أيار/مايو 2021، اندلعت جولة قتال وانتهت عملية "حارس الأسوار"، كالعادة، بتعادُل محبط للغاية. لكن بعدها، ومع صعود حكومة بينت-لبيد إلى السلطة، طرأ تغيُّر تدريجي حقيقي على السياسة الإسرائيلية.
  • حالياً، أكثر من 14 ألف فلسطيني من القطاع يعملون في إسرائيل. وإذا لم يحدث تصعيد عسكري قريب في القطاع، فمن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 20 ألفاً، بحسب قرار الحكومة. كما يجري بحث إمكان زيادة العدد إلى 30 ألفاً، بينما دخلت في الأول من أمس حيّز التنفيذ الخطة التي تربط بين العامل ورب عمل إسرائيلي معين، والذي من المفترض أن يؤمن له الدفع والتقديمات الاجتماعية، بدلاً من الدفع نقداً كما جرى في الأشهر الأخيرة.
  • حتى في عملية "حارس الأسوار"، استخدموا في إسرائيل مصطلح "تسوية" بشأن غزة، وانشغلوا بخطط طويلة الأمد. فكروا وأمِلوا بالتوصل إلى طريقة تؤدي إلى حل مسألة المواطنين الإسرائيليين الموجودين لدى "حماس" وجثمانيْ الجنديين المحتفَظ بهما في القطاع.
  • هذه المرة المقاربة تغيرت، وهي لا تعتمد فقط على وجهة النظر المختلفة لرئيس الحكومة يائير لبيد ورئيس الحكومة المناوب نفتالي بينت ووزير الدفاع بني غانتس، بل أيضاً على توصيات المستويات المهنية. كما طرأ تغيير جذري على موقف الشاباك بعد انتهاء ولاية نداف أرغمان وتعيين رونان بار رئيساً للجهاز. فقد وافق بار على التخلي عن رفض الشاباك دخول عمال من القطاع للعمل في إسرائيل، والذي استمر أعواماً طويلة، لكنه اشترط ذلك بإجراء فحص دقيق لخلفياتهم الأمنية.
  • حتى الآن، لم يتورط العمال الغزّيون في أيّ من الهجمات التي وقعت خلال موجة "الإرهاب" التي نشبت قبل عدة أشهر، لكن أي حادثة تقع، وخصوصاً في جنوب البلد، تؤدي فوراً إلى عمليات استيضاح حقيقة، الغرض منها التأكد من أن ما جرى لا علاقة له بشخص دخل بترخيص من غزة. ومن الواضح لكل الذين على صلة بالموضوع أن أيّ حادث من هذا النوع سيعيد العجلة إلى الوراء.
  • التوجه الجديد للمؤسسة الأمنية حيال غزة كما صاغته قيادة المنطقة الجنوبية والشاباك ومنسّق الأنشطة في المناطق، يستند إلى عدة افتراضات أساسية، جزء منها بعيد عن الخطاب السياسي الذي تنتهجه الزعامة الإسرائيلية: أولاً، لا حلّ سياسياً في غزة في المستقبل المنظور؛ ثانياً، لا يوجد حالياً بديل واقعي من سلطة "حماس" (وشعار "حماس مرتدعة وضعيفة" هو هدف مستقبلي وليس واقعياً)؛ ثالثاً، ليس من المنتظر حدوث تغيير في أيديولوجيا "حماس".
  • مع ذلك، بدأت إسرائيل تتصرف بطريقة مختلفة في غزة. فمن جهة، يتعين عليها بناء تهديد عسكري موثوق به في مواجهة "حماس"، يتمثل في هجمات أكثر شدة (تستهدف أرصدة عسكرية مهمة للحركة)، انتقاماً من إطلاق صواريخ، أو أي سلاح آخر من القطاع، على غلاف غزة. من جهة ثانية، هي تنتهج سياسة مدنية واسعة النطاق - وفي الواقع أقل تشدداً من التي انتهجتها منذ صعود "حماس" إلى السلطة في القطاع في سنة 2007.
  • وبهذه الطريقة جرى التخلي عن توجُّه الرفض التلقائي لأي طلب فلسطيني. طوال أعوام، اعتادت إسرائيل رفض الطلبات من غزة، وإذا استجابت لها، فكان ذلك يجري من خلال تقديم تسهيلات أو بادرات فقط بعد جولة عنف بين الطرفين. وهو ما أدى إلى الاستنتاج الفلسطيني أن اليهود يفهمون بالقوة فقط.
  • في إسرائيل، ازداد الإدراك أن تدهور ظروف الحياة في غزة يؤدي في أحيان كثيرة إلى سخونة أمنية. صحيح أن الضائقة اليومية خفّت قليلاً، على سبيل المثال، ساعات التزود بالكهرباء تصل الآن إلى 12 ساعة يومياً (تفوقت غزة على لبنان، حيث الضائقة الحياتية تؤثر بصورة كبيرة في ظروف الحياة). وبعكس الفترة التي شهدت فيها إسرائيل جهوداً للتسوية، فهي اليوم لا تبعث بوثائق إلى "حماس" تتحدث عن خطوات متبادلة، عبر وسطاء مصريين. رسمياً، هي تقوم بـ"خطوات لصوغ المنطقة"، ولا تُجري مفاوضات غير مباشرة مع غزة.
  • في الوقت عينه، انتهجت إسرائيل تسهيلات في سياسة التصاريح لإدخال البضائع إلى القطاع، عبر معبر كرم سالم. التخوف الإسرائيلي من استخدام المواد في الصناعة العسكرية لـ"حماس"، من خلال بناء مواقع وحفر أنفاق، أدى إلى منع العديد من السلع بحجة "الاستخدام المزدوج"، أي مساعدة "الإرهاب". مؤخراً، تحسنت قدرة الفحص بواسطة آلات تفتيش متطورة، ومن ناحية أُخرى، ازدادت التصاريح للبضائع. كما أزيلَ جزء من الحواجز التي عرقلت مشاريع مهمة من أجل ازدهار القطاع، مثل إقامة منشآت تحلية مياه البحر. أما مجال الصيد البحري الذي كانت إسرائيل تفرض قيوداً عليه باستمرار، رداً على أي خرق أمني فلسطيني، فقد ارتفع من 3 أميال إلى 15 ميلاً.
  • في المقابل، جرى توطيد التعاون مع مصر، بالإضافة إلى التفتيش الجذري على معبر رفح، يجري توظيف جهد كبير في إغلاق أنفاق التهريب من منطقة سيناء. ويدل نجاح سلاح البحر في إحباط محاولة تهريب فلسطينية لصواريخ مضادة للدبابات في نهاية تموز/يوليو، بواسطة سفينة صيد اقتربت من سواحل القطاع، على صعوبة استخدام "حماس" للأنفاق. والتدخل المصري له علاقة بمصالح القاهرة. فنظام عبد الفتاح السيسي يحتاج إلى مساعدة إسرائيل في مسائل سياسية مختلفة، مثل العلاقات مع الإدارة الأميركية وأزمة سد النهضة مع أثيوبيا. كما تقوم شركات مصرية بمشاريع بناء كبيرة في داخل القطاع، وكالعادة، يبدو أن جنرالات مصريين شركاء في ملكية عدد من هذه الشركات.
  • لكن التغيّر الأكثر أهمية هو الذي طرأ في مجال العمال، إذ يبلغ الأجر اليومي للعامل في غزة 60 شيكلاً في اليوم (العامل في الزراعة يحصل على 20 شيكلاً في اليوم). بينما في إسرائيل، الأجر الأدنى هو 300 شيكل يومياً، والعديد من الفلسطينيين يكسبون أكثر من ذلك. الغزّي الذي حصل على تصريح عمل في إسرائيل يستطيع القفز مرة واحدة إلى الطبقة المتوسطة في القطاع (هي فقيرة جداً مقارنة بالدول الأُخرى)، لكن المال الذي يكسبه يساعد في دعم الأعمال التجارية المحلية من حوله. في الأشهر الأخيرة، برز توسُّع كبير في العمل في قطاع البناء والزراعة والمنسوجات في القطاع وارتفاع واضح في التصدير.
  • هناك نحو 80 ألف عامل من القطاع يعملون لدى ثلاثة أرباب عمل كبار: سلطة "حماس"، والسلطة الفلسطينية في الضفة (التي تدفع رواتب أيضاً لموظفين حكوميين لا يعملون)، والمنظمات الدولية. القيمة الاقتصادية لرواتبهم في حساب بسيط هي 4.8 مليون شيكل يومياً. 20 ألف عامل في إسرائيل يجنون قرابة 7 ملايين شيكل يومياً. وبمصطلحات الاقتصاد الصغير والفقير للقطاع، يُعتبر هذا تغيراً دراماتيكياً.
  • كل هذه التطورات كان لها تأثير فعلي في حقيقة أن الحوادث الأمنية على الحدود مع القطاع كانت قليلة هذه السنة، والأكثر هدوءاً منذ الانفصال الإسرائيلي عن غزة في سنة 2005. في المقابل، هناك انتقادان مركزيان للخطوات الإسرائيلية. الأول، أن الظروف المعيشية في غزة لا تزال منخفضة جداً والتغييرات التي سمحت بها إسرائيل هي في النهاية بمثابة تسهيلات محدودة في الظروف المعيشية لنحو مليوني شخص مسجونين في منطقة صغيرة ومكتظة من دون مستقبل فعلي وإمكانية للخروج من القطاع.
  • الانتقاد الثاني، كل التفاهمات مع "حماس" هي في طبيعتها موقتة، في ضوء العداء الأيديولوجي الكبير للحركة إزاء إسرائيل. التحسن الاقتصادي ربما يلجم الروح القتالية لـ"حماس" لفترة معينة، لكنه في الوقت عينه يقوّي سلطتها ويسمح لها بتخصيص الوقت والموارد لبناء قوتها. في هذه الأثناء، ازدياد القوة السياسية والعسكرية لـ"حماس" يأتي حتماً على حساب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وبحسب هذا التوجه، ليس هناك أي فرصة حقيقية لعودة السلطة إلى القطاع، بل أن إسرائيل تساعد "حماس" بصورة غير مباشرة في تصوير نفسها كبديل من سلطة الرئيس محمود عباس الضعيفة.

 

موقع "N12"، 2/8/2022
الموضوع الفلسطيني غائب (مرة أُخرى) عن حوار الانتخابات - ووقت القرارات ينفد
د. ميخائيل ميلشتاين - أكاديمي وباحث
  • إسرائيل تقف منذ حرب الأيام الستة أمام معضلة استراتيجية صعبة في الموضوع الفلسطيني، وبصورة خاصة في كل ما يخص سيطرتها على الضفة: من جهة، كيف يمكن ضمان الأغلبية اليهودية في الدولة وشكلها الديمقراطي، ومن جهة أُخرى، عدم تقسيم الأرض والحفاظ على المصالح الأمنية الوجودية.
  • وفي هذا السياق، اندلع النقاش الذي كان يتكرر لدى أجيال مختلفة بين مَن يريد الحفاظ على الوضع القائم، من دون فصل ما بين المجتمَعين، وبين مَن يريد التقسيم الجغرافي. وفي عدة مرات تم اتخاذ قرارات من شأنها تغيير الوضع القائم في الضفة - اتفاق أوسلو، وبناء الجدار "الأمني" في الضفة، وكذلك فك الارتباط عن غزة - لكنهم جميعاً انقطعوا في مرحلةٍ ما في أعقاب أزمات مع الفلسطينيين، أو تغيّرات سياسية إسرائيلية، أو صراعات داخلية فلسطينية قسّمت السلطة.
  • ونتيجة ذلك، نشأ واقع كثير التناقضات، برزت في إطاره نماذج من التسويات السياسية والترتيبات المدنية في المنظومة الفلسطينية: دولة ناقصة في قطاع غزة؛ حكم ذاتي مناطقي "خفيف" في مناطق "أ" و"ب" في الضفة الغربية؛ سيطرة إسرائيلية مباشرة في مناطق "ج" في الضفة؛ بالإضافة إلى نحو 360 ألف فلسطيني في شرقي القدس بمكانة سكان دائمين غير مواطنين في إسرائيل.
  • وفي هذا السياق، تتمركز إسرائيل داخل مصيدة استراتيجية تتفاقم منذ أكثر من نصف قرن: من جهة، يتضح الفهم أن استمرار الوضع القائم سيؤدي إلى دولة واحدة، سيناريو ترفضه أغلبية المجتمع اليهودي؛ ومن جهة أُخرى، يختفي النقاش بشأن الانفصال، بسبب فهم حقيقة أن هذا السيناريو مستبعَد، والخوف من تداعيات وجود كيان فلسطيني مستقل. لذلك، من غير المفاجئ أن تدلل الاستطلاعات من الأعوام الماضية على وضع متناقض، إذ تعارض أغلبية المجتمع اليهودي الدولة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لا تتحمل الحياة المشتركة مع العرب في الكيان ذاته.

الجيل الذهبي لأفكار "كل شيء"

  • الأزمة الاستراتيجية تولّد في الأعوام الأخيرة مجموعة من الأفكار الموقتة التي تحمل روح "كل شيء"، وتحاول وضع قناع الإبداعية. وفي مركزها - التشديد على تقليص السيطرة على الفلسطينيين وتقليل التواصل ما بين المجتمعَين، من دون الحاجة إلى انفصال جغرافي. هذه هي فكرة "السلام الاقتصادي" مثلاً، وإلى حد ما أيضاً "تقليص الصراع" الذي يستند إليه معسكر الوسط السياسي؛ إحياء خطة بيغن التي تمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً ثقافياً، من دون حكم على الأرض، وهو ما يريده "الليكود" حتى يومنا هذا؛ وكذلك الأفكار المتعلقة بكونفدرالية فلسطينية - إسرائيلية تنمو في معسكر "اليسار".
  • المشترك بين جميع الأفكار هو أنها غير أصلية. جميعهم يحاولون إحياء أفكار تم صوغها وطُرحت خلال النصف قرن الماضي: بدءاً من التنازل الوظيفي الخاص بموشيه دايان، الذي أراد خلق "وجود متعدد الأبعاد" وخالٍ من التواصل العربي اليهودي؛ مروراً بطريق "الحدود الناعمة" التي طوّرها شمعون بيرس؛ وصولاً إلى فكرة الكونفدرالية التي يطرحها يوسي بيلين اليوم "من جديد".
  • وجميع هذه الأفكار تستند إلى الإيمان بقدرة "الحل الاقتصادي" على تليين الأيديولوجيا ونسيان التطلعات القومية. وهكذا يكون على شعبين يتصارعان كقبيلتين قديمتين على العلم والأماكن المقدسة، تبنّي نماذج مركّبة تحتاج إلى تطوُّر اجتماعي وثقافي يصل إلى حد ما بعد الحداثة. أفكار "كل شيء" تخلق وهم حل ورؤية عملية، لكنها ليست سوى طريق طويلة وملتوية أكثر، تنتهي في الدمج الكلّي ما بين إسرائيل والضفة، وصولاً إلى كيان واحد.
  • طريق "كل شيء" ليست نتاج الواقع المركّب الذي حدث فقط، إنما تعكس أيضاً حال السياسة الإسرائيلية في أيامنا، والتي تتميز بطمس عميق للحدود ما بين "يمين" و"يسار" وفقدان البوصلة الأيديولوجية؛ كما تسيطر عليها حكومات عمرها قصير، من الصعب عليها إدارة حوار معمق ووضع استراتيجيا طويلة المدى، والأصعب بكثير هو اتخاذ قرارات تاريخية.

وضع الموضوع الفلسطيني في مركز نقاش الانتخابات

  • على الجمهور الإسرائيلي إبداء اهتمام أعمق في الموضوع الفلسطيني، والاعتراف بتأثيره في شكل الدولة ووجودها. ويجب الاعتراف أيضاً بأن جميع البدائل الموجودة أمام إسرائيل اليوم صعبة وقليلة، وأن الأقل سوءاً منها يحتوي على مخاطر وتحديات للمستقبل.
  • أمام إسرائيل اليوم خياران استراتيجيان فقط. الأول، الاستمرار في الانصهار مع الضفة الذي يتعمق بشكل ساخر كلما سرّعت إسرائيل خطواتها الاقتصادية والمدنية تجاه السلطة والجمهور في الضفة. وفي نهاية هذا الانصهار ستكون إسرائيل مطالَبة بالحسم ما بين نظام واحد يتضمن مستويين مدنيين بطريقة تهدد شكلها الديمقراطي؛ وبين توطين كامل للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سلطة إسرائيل، وهو ما سيهدد استمرار وجود الأغلبية اليهودية.
  • البديل الثاني هو بحث انفصال جغرافي لا يعني بالضرورة دولة فلسطينية مستقلة، إنما توضيح أين تنتهي الحدود الإسرائيلية وأين تبدأ الحدود الفلسطينية. هذا السيناريو لا يخلو من التهديدات الأمنية والتحديات السياسية - على الأقل في المدى المنظور من دون غزة - لكنه يبقى أفضل من الواقع البلقاني وكابوس العيش في ظله.
  • إسرائيل أضاعت الكثير من الوقت الثمين خلال سنوات الفوضى السياسية: في الموضوع الإيراني، هناك صعوبة في التعامل مع "قطار التخصيب" الذي شق طريقه. وفي القضية الفلسطينية، اقتربت إسرائيل من نقطة "اللا عودة" التي تتطلب منها العودة إلى إجراء حوار بشأن الانفصال الجغرافي بين الشعبين. وعشية الانتخابات، على الجمهور الإسرائيلي أن يتشدد ويطالب السياسيين باتخاذ مواقف واضحة في الموضوع الفلسطيني، وعدم الاكتفاء ببث شعارات غير واضحة تدلل على انعدام وجود التفكير الاستراتيجي العميق. هذا الحوار من شأنه دفع القيادة والجمهور سوياً إلى النظر بصورة واعية إلى الحاضر، وبصورة خاصة إلى المستقبل، والتشكيك في إمكان الإبقاء على الوضع القائم لزمن طويل، أو العكس - هل يجب اتخاذ قرارات تاريخية؟