مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هيرتسي هليفي إن إسرائيل يمكنها، وهي جاهزة لشنّ هجوم استباقي على إيران، حتى من دون مساعدة الولايات المتحدة.
وجاءت أقوال هليفي هذه في سياق مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي ["غالي تساهل"] أمس (الأربعاء)، قال فيها أيضاً: "إننا مستعدون للعمل ضد إيران، والجيش الإسرائيلي لديه القدرة على توجيه الضربات في كل البلاد، البعيدة عن البلد والقريبة منه."
وأكد هليفي أن الجيش الإسرائيلي سيعزز قدراته بشكل كبير في الأعوام المقبلة، من أجل أن يكون جاهزاً لاحتمال توجيه ضربة استباقية إلى إيران، وعلى الرغم من بُعد المسافة، فان مثل هذه الضربة سيكون ساحقاً.
وعلّق هليفي على الانتقادات الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، فقال: "إن الدولة اليهودية قادرة على مواجهة أيّ تحدٍّ أمني، ولكن من الأفضل دائماً أن تكون الولايات المتحدة إلى جانبنا،" وأضاف: "إننا نعرف كيف نتصرف بمفردنا. نحن دولة ذات سيادة تحتفظ بالحق في اتخاذ قراراتها. سيكون من الجيد أن تكون الولايات المتحدة إلى جانبنا، ولكن هذا ليس إلزامياً."
وتحدث هليفي عن الأوضاع الأمنية في المنطقة، فأكد أن الأسبوعين الأولين من شهر رمضان مرّا بهدوء نسبي، لكن هذا تغيّر الليلة قبل الماضية، إذ إن الأحداث في جبل الهيكل [الحرم القدسي] أثارت التوترات في كلٍّ من غزة والضفة الغربية. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يستهدف المنظمات "الإرهابية"، وأن الهجمات الصاروخية على إسرائيل ستواجَه بردّ كبير. وقال: "إن ما منعني فعلاً من النوم في الأيام الأخيرة هو الصلة بين أمن إسرائيل والوضع الاجتماعي في البلد،" في إشارة إلى الجنود الذين يرفضون الحضور للخدمة الاحتياطية بسبب خلافهم مع مشروع الإصلاح القضائي، وأضاف: "على هؤلاء أن يقدموا أنفسهم من دون قيد أو شرط عندما يتم استدعاؤهم، فأغلبية الجنود هي من تشكيلات الاحتياط، ونريدهم أن يحضروا كلما طلبنا منهم ذلك."
دوّت صافرات الإنذار في مستوطنات غلاف غزة ومنطقة النقب الغربي فجر اليوم (الخميس) عدة مرات، وذلك عقب إطلاق عدة قذائف صاروخية من قطاع غزة، بينما شنّت طائرات سلاح الجو عدة غارات جوية على مواقع في قطاع غزة.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 أن إطلاق الصواريخ جاء رداً على ممارسات الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى وإزاء المعتكفين فيه، وأشارت إلى إطلاق 4 قذائف صاروخية على الأقل في ساعات الفجر من قطاع غزة في اتجاه مستوطنات "غلاف غزة" والنقب الغربي، من دون أن تعلن ما إذا تسببت القذائف بوقوع إصابات بشرية أو أضرار في الممتلكات. كما أشارت إلى أن منظومة القبة الحديدية تصدّت لهذه القذائف.
وأضافت قناة التلفزة أن طائرات سلاح الجو قامت فجر اليوم أيضاً بشنّ عدة غارات على مواقع تابعة لحركة "حماس" في قطاع غزة، لليوم الثاني على التوالي، رداً على إطلاق قذيفتين صاروخيتين من قطاع غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية مساء أمس (الأربعاء). وأفادت بأن إطلاق الصاروخين جاء في الوقت الذي تواجد فيه رئيس هيئة الأركان لعامة للجيش الجنرال هرتسي هليفي في منطقة "غلاف غزة".
أكّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تعمل للحفاظ على الوضع القائم في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] وتحاول تهدئة الأجواء.
وأضاف نتنياهو في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أمس (الأربعاء) أن متطرفين مسلمين تحصنوا في المسجد الأقصى، وقاموا بحبس المصلين هناك، ومنعوا غيرهم من المسلمين من دخول المسجد للصلاة، وكانت بحيازتهم أسلحة وحجارة ومفرقعات، الأمر الذي اضطر قوات الأمن الإسرائيلية إلى مهاجمتهم من أجل استعادة النظام في الموقع.
واختتم نتنياهو تصريحاته، قائلاً: "إن إسرائيل ملتزمة الحفاظ على حرية العبادة وحرية الوصول إلى أماكن العبادة لجميع الأديان، وملتزمة الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، ولن تسمح للمتطرفين العنيفين بتغيير ذلك."
وعقدت الجامعة العربية أمس جلسة طارئة على مستوى المندوبين لمناقشة الأحداث في المسجد الأقصى، بدعوة من الأردن، وبالتنسيق مع مصر والسلطة الفلسطينية. وصدر عن الجلسة بيان دان اقتحام المسجد الأقصى من طرف القوات الإسرائيلية والاعتداء على المصلين هناك. وأكد البيان أن هذه التصرفات غير مسؤولة، وتمسّ مشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية أكدت في بيان لها استمرار التحرك لوقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني. وشدّد البيان على وجوب اتخاذ جميع الخطوات التي من شأنها وقف التصعيد، بالإضافة إلى تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تبعاته.
كما دان كلٌّ من مصر والسعودية والمغرب والإمارات العربية المتحدة وتركيا الأحداث التي وقعت في المسجد الأقصى واعتقال المئات من المصلين في الحرم القدسي.
أُصيب عدد من المصلين المعتكفين في المصلى القبلي في المسجد الأقصى مساء أمس (الأربعاء) بجروح خلال محاولة قوات الشرطة الإسرائيلية إجلاءهم بالقوة لليوم الثاني على التوالي.
وقالت مصادر فلسطينية إن قوات الشرطة الإسرائيلية اقتحمت المصلى القبلي في المسجد الأقصى بعد انتهاء صلاة التراويح، واعتدت على المصلين بالقنابل الصوتية والرصاص المطاطي، قبل أن تجبرهم على إخلاء المكان بالقوة، وتحت تهديد السلاح.
وعقب ذلك اندلعت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية التي قامت بمطاردة المصلين والاعتداء عليهم بالضرب. وأفاد شهود عيان من داخل المصلى القبلي بوقوع عدد من الإصابات، وجرى نقل بعض المصابين بواسطة طواقم إسعاف محلية.
كما أظهرت عدة لقطات مصورة، بثّها ناشطون ومصلّون الليلة الماضية، قيام عناصر الشرطة الإسرائيلية بالاعتداء على عشرات الشبان المصلين لدى خروجهم من بوابات المسجد الأقصى، وقيامهم بمطاردتهم بعد خروجهم من تلك البوابات، وهو ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات.
وكانت قوات الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلييْن عززا أمس وجودهما في البلدة القديمة في القدس ومحيط المسجد الأقصى، ومنعا أعداداً كبيرة من الشبان من دخول المسجد. وعلى الرغم من ذلك، فإن مصادر فلسطينية قالت إن نحو 20.000 مُصلٍّ قاموا الليلة الماضية بأداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى.
وأضافت المصادر نفسها أنه منذ مطلع رمضان قبل أسبوعين، تحاول قوات الشرطة الإسرائيلية منع الاعتكاف في المسجد الأقصى، حيث تقوم بإخراج المعتكفين بالقوة، وأشارت إلى أن أكثر تلك المحاولات دموية جرى الليلة قبل الماضية.
- سيل الأخبار الأخيرة بشأن تسلُّل مسيّرات إلى الأراضي الإسرائيلية، والهجمات الإسرائيلية المتكررة على أهداف في سورية، ومحاولة الهجوم على أهداف إسرائيلية في اليونان، وتصاعُد التهديدات السيبرانية والهجمات بإطلاق النار في الساحة الفلسطينية - يمكن أن يبدو تراكماً، بالصدفة، لفترة تصعيد أمني "عادية"، وخصوصاً في أيام شهر رمضان الحساسة.
- لكن الصورة الشاملة أكثر تعقيداً: كل اللاعبين الإقليميين هم اليوم في ذروة الصراع على "قواعد لعبة" جديدة تستطيع أن تؤثر في الأعوام المقبلة. وهذا الصراع يمكن أن ينزلق بسهولة إلى تصعيد إقليمي متعدد الجبهات. وهذا يشكل خطراً أمنياً كبيراً تحدث عنه رئيس الحكومة ووزير الدفاع المُقال في اجتماع في قاعدة جوية هذا الأسبوع.
- ومن أجل فهم الصورة الواسعة يجب العودة عشرة أعوام إلى الوراء. عندما بدأ الجيش الإسرائيلي بتطبيق سياسة "المعركة بين الحروب" التي تهدف إلى منع حزب الله من التسلح بسلاح استراتيجي من إيران وإقامة موقع متقدم على الأراضي السورية، بالقرب من إسرائيل. وقبل كل شيء، كان هناك هدف استراتيجي، هو منع إيران من الحصول على سلاح نووي.
- وفي إطار "المعركة بين الحروب"، وبالاستناد إلى تقارير أجنبية، هاجمت إسرائيل أهدافاً في الأراضي السورية، بينها مطارا دمشق وحلب. وكانت أحياناً تعلن مسؤوليتها عن الهجمات التي تنفّذها.
إيران تشعر بأنها أقوى من أي وقت مضى
- تدور معارك بين كل الأطراف تحت الأرض، أكثر مما يدور فوقها. لقد وقعت هجمات ضد شحنات السلاح أيضاً في شمال العراق، وانتشرت أخبار عن هجمات سيبرانية، معظمها كان سرياً.
- الولايات المتحدة وروسيا لهما دور في هذه المعركة: فالولايات المتحدة تهاجم بنفسها أهدافاً إيرانية من وقت إلى آخر (أكثر بكثير من اغتيال قاسم سليماني في العراق قبل عامين). وروسيا تسمح بتنفيذ هجمات على الأراضي السورية التي توجد فيها قوات جوية روسية.
- وضمن إطار سياسة "المعركة بين الحروب"، أرسلت إيران مسيّرة إلى إسرائيل، جرى اعتراضها في سنة 2018. وكان واضحاً على الدوام أن هذه السياسة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، لكنها في هذه الأيام، تحديداً، تواجه تحدياً قوياً من إيران وحزب الله بسبب تراكُم عدد من الأسباب.
- أحد الأسباب له علاقة بتغييرات جيو - استراتيجية عالمية. فالحرب الروسية - الأوكرانية أنتجت نظاماً عالمياً جديداً، شمل حلفاً بين إيران وروسيا التي تحتاج حاجة ماسة إلى مسيّرات هجومية تزودها بها إيران. الصينيون أيضاً أنشأوا جبهة مواجهة ضد الولايات المتحدة، مع أقل قدر من الظهور. وتشعر إيران بأنها قوية أكثر من أي وقت، وتخصّب اليورانيوم بوتيرة سريعة في هذه الأيام.
- التغيُّر الاستراتيجي الذي شمل التقارب بين إيران والسعودية ودول اتفاقات أبراهام في الخليج الفارسي، والأزمة والتظاهرات الواسعة في إسرائيل، أمور كلها اعتُبرت ضعفاً إسرائيلياً في بيروت وطهران. هذا التغيير يشجّع إيران وحزب الله على محاولة تغيير معادلة "المعركة بين الحروب" التي شملت، حتى الآن، رداً محدوداً على الهجمات الإسرائيلية في الأراضي السورية (إسرائيل امتنعت تماماً من مهاجمة حزب الله في لبنان، والمرة الوحيدة التي قامت فيها بذلك، حرص نصر الله على الرد عليها).
نقطة تحوُّل: هجوم مجدو
- الحادث المخطَّط له لتغيير معادلة "المعركة بين الحروب"، وقع في 13 آذار/ مارس. جزء من تفاصيل الحادث ممنوع من النشر، لكن يمكن القول إنه في ذروة التظاهرات في إسرائيل، جاء في ذلك اليوم "مخرب" من لبنان (لم تتهم إسرائيل حزب الله علناً، ونصر الله لم يتحمل المسؤولية عن الحادث).
- يبدو أن "المخرب" تسلّق السياج الحدودي بواسطة سلّم، ووصل إلى مجدو، حيث وضع عبوة ناسفة كبيرة، أدت إلى إصابة مواطن عربي من إسرائيل بجروح بليغة، واستطاعت القوى الأمنية العثور عليه قبل عودته إلى الأراضي اللبنانية. يمكن الافتراض أنه لم يتحرك لوحده. لكن الحادث لا يزال يلفّه غموض كبير.
- في جميع الأحوال، من الواضح أن حسن نصر الله يقف وراءه، وهو لا يريد فتح حرب شاملة ضد إسرائيل. هدفه كان إرسال رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن في استطاعته القيام بهجمات استراتيجية في إسرائيل، رداً على هجمات هذه الأخيرة في سورية، وأحياناً في لبنان.
- الرسالة التُقِطت جيداً، وأثارت معضلة في المؤسسة الأمنية في إسرائيل - كيف ترد؟ على ما يبدو، جاء الرد هذا الأسبوع عندما هاجمت إسرائيل، عدة مرات، أهدافاً لحزب الله وفيلق القدس الإيراني في الأراضي السورية. حدث هذا كله بعد إقالة وزير الدفاع، ثم تجميد الإقالة. وفي المقابل، نُشرت تفاصيل إحباط الهجوم في اليونان، والمنسوب إلى إيران، واعتراض مسيّرة تسللت إلى إسرائيل من سورية، وحيّدها سلاح الجو بالوسائل الإلكترونية.
الساحة الفلسطينية
- في هذه الأثناء، ومن دون علاقة بـ "المعركة بين الحروب"، يدور صراع على قواعد اللعبة في الساحة الفلسطينية. يمكن القول إن إسقاط المسيّرة فوق قطاع غزة يوم الإثنين له علاقة بذلك. وحتى لو لم تكن الساحات مرتبطة ببعضها البعض، فإنها تؤثر في بعضها البعض.
والآن، إلى أين؟
- من المهم أن نذكّر بأن التهديد الوجودي والأكبر لإسرائيل والمنطقة هو أول قنبلة نووية إيرانية. هذا هو السبب الذي جعل مسؤولين أميركيين ينفجرون غضباً عندما علموا بإقالة وزير الدفاع الذي يُجري نقاشات حساسة وعميقة بشأن هذا الموضوع الملتهب.
- وزير الدفاع نفسه استخدم قناة سياسية: تواصلَ مع بني غانتس وآرييه درعي كي يعملا على إلغاء الإقالة، على أساس اعتذار يوآف غالانت، فقط على توقيت تصريحه المتعلق بالإصلاح القضائي، أمام الجمهور.
- حتى الآن لم يقدَّم أي اعتذار، والإقالة لم تُلغَ، بل عُلِّقت. في جميع الأحوال، الواقع الإقليمي أقوى وأشد إثارة من القلق من التظاهرات، وأقوى من صراعات الأنا بين غالانت ونتنياهو: فقد اضطرا إلى التواجد في الغرفة نفسها يوم الإثنين في قاعدة سلاح الجو مع رئيس الأركان وقائد سلاح الجو، والاهتمام بالموضوع الحقيقي.
- بعد ساعات من الاجتماع، تحدثت وسائل الإعلام عن أوسع هجوم على الأراضي السورية في الفترة الأخيرة. بعدها أصبحت الكرة في ملعب إيران وحزب الله. والتخوف الأكبر من أن تنزلق ألعاب الرسائل إلى حرب متعددة الجبهات في آن معاً، على الرغم من أن أي طرف لا يريدها.
- في الماضي، جرى مثل هذه الحوادث: هجوم الخطف الذي بادر إليه نصر الله في 6 تموز/يوليو 2006، يومها، أدى إلى حرب لبنان الثانية التي قادت إلى نشوء واقع أمني صمد على طول الحدود الإسرائيلية - اللبنانية مدة 17 عاماً. فهل انتهت هذه الفترة؟
- يوم الاثنين الماضي، أوقف أفراد من الشرطة المركبة الخاصة برفائيل موريس، رئيس حركة "نعود إلى الحرم القدسي"، وهو من النشطاء البارزين في حركة "الهيكل"، وقام بتصوير الاعتقال. قال له الشرطي "أُعلمك بأنك موقوف بشبهة الإخلال بالنظام العام". فسأله موريس: "أي نظام؟" فأجابه الشرطي: التخوُّف مما تنوي القيام به مستقبلاً. الشرطي كان محقاً. ما قام به موريس وأصدقاؤه هو فعلاً إخلال بالنظام العام، والسؤال الذي لا يزال من دون إجابة هو: هل كانت الشرطة تستطيع التصرف بصورة مختلفة، لمنع هذا التدهور؟
- حتى يوم أمس الثلاثاء، الساعة 23:30 ليلاً، كان رمضان هذا العام هو الأكثر هدوءاً في المدينة منذ أعوام. الأيام التسعة الأولى مرّت من دون أي حدث يُذكر تقريباً، باستثناء مقتل محمد العصيبي، من سكان بلدة حورة، في المسجد الأقصى، خلال الأسبوع الماضي. عدد المصلين المسلمين في المسجد الأقصى سجّل أرقاماً قياسية، وتجمّع الآلاف في محيط باب العامود في كل ليلة، من دون مواجهات. بذلت الشرطة جهوداً كبيرة كي تبثّ للمجتمع الفلسطيني رسالة، مفادها أن أجواء رمضان مهمة بالنسبة إليها، وسمحت إسرائيل لعشرات آلاف المصلين من الضفة الغربية بالوصول إلى المسجد.
- التشويش على هذه الأجواء المباركة بدأ خلال الأيام الأخيرة، بسبب الجهود المتزايدة التي يقوم بها نشطاء "الهيكل" لذبح حمل وتقديم قربان في ساحات المسجد الأقصى. بالنسبة إلى "النشطاء" اليهود، هذه هي الفريضة الأهم، وفي كل عام، هناك مجموعة صغيرة، لكنها مصممة، تحاول الوصول مع حمل إلى ساحات المسجد بهدف التضحية به. هؤلاء النشطاء اليهود، قاموا بكل ما يمكنهم القيام به لاستفزاز الفلسطينيين ودفعهم إلى الرد. نشروا إعلانات باللغة العربية، تتوجه إلى سكان الحي الإسلامي بطلب تأجيرهم مخبأ للحمل، ونشروا الإعلانات التي تعرض أموالاً على كل مَن يدخل بحمل ينوي التضحية به، ويُعتقل بسبب ذلك.
- هذه الجهود ليست جديدة، بل تجري في كل عام. وفي كل مرة، يتم اعتقال "النشطاء" والحمل قبل وصولهم إلى المسجد. وبالإضافة إلى موريس الذي اعتُقل يوم الإثنين، تم اعتقال ناشطيْن آخرين، وأصدر قائد الجبهة الداخلية أمر إبعاد بحق ناشط آخر. صباح أمس، تم القبض على نشطاء آخرين مع حمل عند مدخل حائط البُراق. وفي المجمل، منذ بداية الأسبوع، تم اعتقال 9 نشطاء بشبهة نيتهم تقديم قرابين.
- وعلى الرغم من جهود الشرطة، فإن المسلمين ما زالوا يرون أن الخطر حقيقي، وكل مرة، يستخدم الناطقون الرسميون باسم "حماس" والفصائل الأُخرى هذا الخطر كشعار لتجنيد الناس. أول أمس في ساعات الظهيرة، دعوا إلى التوجه إلى المسجد والدفاع عنه لمنع إدخال القرابين. وفي المساء، تجمّع آلاف المصلين في المسجد، ككل مساء في شهر رمضان. مع نهاية الصلاة، بقي المئات منهم، أغلبيتهم من الشباب، وكان بينهم أيضاً نساء وكبار السن، وأغلقوا المسجد القبلي على أنفسهم. وشددت الشرطة على أن التجمّع داخل المسجد لم يكن بريئاً، وعرضوا فيديوهات تُظهِر تجميع الحجارة والألعاب النارية، تحضيراً لوصول الشرطة.
- حوالي الساعة 23:00، قررت الشرطة اقتحام المسجد وإخلاءه بالقوة. ففي نظر الشرطة، الاقتحام مطلوب من أجل فرض النظام في الحرم القدسي، والسماح بإقامة صلاة الفجر، ودخول اليهود والسياح في ساعات الصباح. وتدّعي الشرطة أن الشبان كانوا سيشوّشون على هذا الروتين، وستكون الأمور أصعب من دون القيام بالاقتحام. وفي المقابل، يدّعي الفلسطينيون أنه لم يكن ليحدث أي شيء، لو سمحوا للشبان بالبقاء في المسجد حتى الصباح. وفي جميع الأحوال، فإن قرار الشرطة اقتحام المسجد والدخول إليه أدى إلى سلسلة أحداث خطِرة ليلة عيد الفصح.
- اقتحم أفراد الشرطة المسجد، وأطلقوا القنابل، وضربوا بالهراوات. تم اعتقال 350 شخصاً ونقلهم في حافلات إلى قاعدة "حرس الحدود" خارج القدس، ومن هناك، تم إخلاء سبيلهم، بعد إصدار أمر إبعاد عن المسجد الأقصى. هذا بالإضافة إلى 19 إصابة، بحسب الهلال الأحمر. إلا إن النتيجة الأكبر لِما قامت به الشرطة كانت سلسلة فيديوهات على موقع "تيك توك"، صوّرها المصلّون، وتُظهر القنابل الصوتية وهي تنفجر داخل المسجد، والهلع الذي ساد المكان، وأفراد شرطة يضربون المصلين بالهراوات، بالإضافة إلى شبابيك محطمة وصراخ. هذه المشاهد دفعت "حماس" إلى السماح بإطلاق صواريخ، والتهديد ببدء موجة من "العنف" في القدس الشرقية والضفة الغربية.
- عاد الهدوء إلى القدس في ساعات الصباح. ومنذ ذلك الوقت، بدأ "النشطاء" اليهود بالوصول مع الحملان إلى البلدة القديمة، حيث تم اعتقالهم. ساعات المساء أيضاً ستكون متوترة، تحضيراً لـ"دخول" اليهود صباح اليوم. ساحات أُخرى يمكن أن تشتعل من جديد، هي غزة والأحياء الفلسطينية في القدس والضفة الغربية.
- د. عيران تسدكياهو، الذي يبحث في المكون الديني في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، نشر الأسبوع الماضي مقالاً موسعاً عن ديناميكية "العنف" بشأن الحرم القدسي. وبحسبه، "هناك فشل عميق في فهم الواقع، يؤدي إلى فشل في السلوك." وفي نظر تسدكياهو، فإن الطرفين - المجتمع الفلسطيني واليمين الإسرائيلي - يشعران بأن مكانتهما في "الحرم" في خطر، والشرطة تسقط في المصيدة نفسها، المرة تلو الأُخرى.
- يقول تسدكياهو إن "الطرفين، ومنذ مئة عام، لم ينجح أحدهما في فهم الآخر." ويضيف "كلاهما على قناعة بأن الطرف الآخر يُضمر له السوء، ولا ينجحان في فهم علاقتهما المعقدة بهذا المكان. عندما يكون المنظور دينياً، يجب التعامل معه من منطلق زمني واسع، لا يجب النظر إليه انطلاقاً من 10 أو 20 عاماً إلى الأمام، عليك أن تنظر إلى ما بعد أجيال. في أيديولوجيا "حماس"، يتحدثون عن صراع أبدي على المكان، ولذلك، يجب على جيلنا القيام بدوره للحفاظ عليه."
- ومن الجانب الآخر، على مدار أعوام طويلة، يدّعي الفلسطينيون أن منظمات "الهيكل" هي الذراع الطويلة لحكومة إسرائيل. وتعليقاً على ذلك، يقول تسدكياهو: هذه النبوءة تتحقق؛ بن غفير بات الوزير المسؤول عن الأمن في الحرم القدسي، لذلك، من الصعب التفريق بين الطرفين."