اتخذت صور التطرف الصهيوني المعادي للعرب في الخليل شكلها الدموي الفظيع سنة 1994 مع مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي ارتكبها باروخ غولدشطاين، وهو صهيوني ديني من أصول أميركية هاجر إلى فلسطين وخدم في الجيش الإسرائيلي بصفته طبيباً برتبة نقيب، وانتمى إلى حركة "كاخ" الإرهابية وقطن في مستعمرة "كريات أربع" في الخليل. ففي يوم الجمعة الموافق فيه 25 شباط/فبراير 1994، دخل غولدشطاين إلى الحرم الإبراهيمي في وقت الصلاة، وهو يرتدي بزته العسكرية وأفرغ ثلاثة مخازن من بندقيته الرشاشة في المصلين الفلسطينيين، ما أسفر عن مقتل 29 مصلياً وجرح نحو 125 آخرين، وذلك قبل أن يلقى مصرعه على يد عدد من الناجين من هذه المجزرة الرهيبة. ومنذ ذلك التاريخ، يحيي اليمين الإسرائيلي المتطرف ذكراه في مقبرة مستعمرة "كريات أربع" التي دُفن فيها.
وكان غولدشطاين قد أعلن قبل ارتكاب جريمته أنه "سيفعل فعلاً يوقف التاريخ"، وذلك في إشارة إلى "عملية السلام" التي أطلقها "اتفاق أوسلو". وبغية التخفيف من حدة ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية على تلك المجزرة، كلفت الحكومة الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية القاضي مئير شمغار، التي اعتبرت في تقريرها عن الحادثة أن ما قام به غولدشطاين كان "عملاً فردياً"، و "لا علاقة لأية جهة بما فعل"، وأوصت بتقسيم الحرم الإبراهيمي بشكل صارم بين المسلمين واليهود، فتمّ تحويل نحو 60% من مساحته إلى كنيس يهودي وأقيمت حواجز وبوابات حديدية مُحكمة تقف عليها وحدات عسكرية للإشراف والمراقبة.
وفي الذكرى الرابعة والعشرين لهذه المجزرة، نضع بين أيديكم هذا الملف الذي يتضمن مقالة كتبها أحمد سامح الخالدي وحسين جعفر آغا غداة المجزرة في العدد 17 (شتاء 1994) من "مجلة الدراسات الفلسطينية" تحت عنوان "ما بعد مجزرة الخليل"، ومقالة تتضمن روايات شهود عيان التقى بهم دومينيك روك بعنوان "رحلة إلى الخليل: روايات شهود عيان على أحداث 25 شباط/فبراير 1994" نشرت في العدد نفسه، ومقالة كتبها خالد عايد في العدد 18 (ربيع 1994) من "مجلة الدراسات الفلسطينية" بعنوان "المستوطنون: منذ "إعلان المبادىء" حتى ما بعد مجزرة الخليل". كما يتضمن هذا الملف مقتطفات من تقرير "لجنة شمغار للتحقيق في مجزرة الخليل" الذي نشر في العدد 20 (خريف 1994) من المجلة نفسها، فضلاً عن مقالة كتبها نظمي الجعبة سنة 2016 بعنوان "مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل: معاقبة الضحية ومكافأة المجرم".
-أحمد سامح الخالدي وحسين جعفر آغا: "ما بعد مجزرة الخليل". مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 17 (شتاء 1994)، ص 3-11.
-دومينيك روك: "رحلة إلى الخليل: روايات شهود عيان على أحداث 25 شباط/فبراير 1994". مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 17 (شتاء 1994)، ص 38-46.
-خالد عايد: "المستوطنون: منذ "إعلان المبادىء" حتى ما بعد مجزرة الخليل". مجلة الدراسات الفسطينية، العدد 18 (ربيع 1994)، ص 197-210.
-تقرير لجنة شَمْغار الإسرائيلية للتحقيق في مجزرة الخليل. مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 20 (خريف 1994)، ص 163-170.
-نظمي الجعبة: مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل: معاقبة الضحية ومكافأة المجرم، ملفات خاصة، 2016.