مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
نتنياهو: انسحاب إسرائيل من غور الأردن سيجلب الحرب والإرهاب
بولتون لنتنياهو: يجب منع إيران من الحصول على أسلحة نووية إلى الأبد
كوشنير: تكاليف الشق الاقتصادي من خطة "صفقة القرن" تقدر بـ50 مليار دولار 20 مليار منها سيتم تخصيصها للفلسطينيين
إصابة 79 فلسطينياً ومسعفين برصاص الجيش الإسرائيلي خلال تظاهرات الجمعة الـ63 من "مسيرات العودة" في منطقة الحدود مع قطاع غزة
دبلوماسي سعودي لصحيفة "غلوبس": زمن الحرب مع إسرائيل ولّى واحتمالات تطبيع العلاقات كبيرة للغاية
مقالات وتحليلات
هذا الصيف قد يكون حاراً جداً: الضغوط على إيران تتصاعد وإسرائيل تستعد
الازدهار الاقتصادي ليس وصفة لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"يسرائيل هيوم"، 24/6/2019
نتنياهو: انسحاب إسرائيل من غور الأردن سيجلب الحرب والإرهاب

قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستستمع إلى التفاصيل المتعلقة بخطة السلام الأميركية المعروفة باسم "صفقة القرن" بطريقة منصفة ومنفتحة.

وجاءت أقوال نتنياهو هذه في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام خلال جولة قام بها أمس (الأحد) مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في منطقة غور الأردن، أشار فيها أيضاً إلى أنه لا يستطيع أن يفهم كيف رفض الفلسطينيون الخطة قبل أن يستمعوا إلى تفاصيلها.

وأكد نتنياهو أهمية غور الأردن لأمن إسرائيل وأشار إلى أن الانسحاب من هذه المنطقة لن يجلب السلام وإنما الحرب والإرهاب. وبدوره قال بولتون إنه يتفق مع نتنياهو في أنه لا يمكن تحقيق السلام من دون الأمن وشدّد على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيأخذ في الحسبان قلق إسرائيل في هذا الشأن.

"معاريف"، 24/6/2019
بولتون لنتنياهو: يجب منع إيران من الحصول على أسلحة نووية إلى الأبد

قال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إنه يجب منع إيران من الحصول على أسلحة نووية إلى الأبد، وأشار إلى أنها تستمر في إطلاق التهديدات ضد إسرائيل والدول الحليفة للولايات المتحدة في منطقة الخليج.

وأضاف بولتون في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في مستهل الاجتماع الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في ديوان رئاسة الحكومة في القدس صباح أمس (الأحد)، أن إيران دولة لا تسعى للسلام وشدد على أن الجيش الأميركي على أتم الجهوزية للتحرك ضدها. وأوضح أن واشنطن فرضت هذه الأيام عقوبات أُخرى على إيران وستفرض عليها مزيداً منها قريباً.

وقال نتنياهو إن سلوك طهران العدواني تصاعد بعد أن رُفعت العقوبات عنها بسبب الاتفاق النووي المبرم معها، وأشار إلى أن من ظنّ أن ذلك سيجعل إيران دولة معتدلة أكثر ارتكب خطأ.

وشارك في الاجتماع بين نتنياهو وبولتون كل من مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر، والمستشاران العسكريان لرئيس الحكومة.

وكان بولتون حذّر طهران من مغبّة تفسير قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة بإلغاء الضربة الانتقامية ضدها، رداً على إسقاط طائرة أميركية مسيّرة يوم الخميس الفائت بأنه ضعف. 

وقال بولتون في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام قبيل اجتماعه مع نتنياهو إنه يجب ألّا تخطئ إيران أو أي جهة أُخرى معادية في اعتبار التعقل وضبط النفس الأميركيين ضعفاً. وأشار إلى أن الجيش الأميركي جاهز للانطلاق في أي لحظة.

ووصل بولتون إلى إسرائيل أول أمس (السبت). ومن المقرر أن يشارك في الاجتماع الثلاثي الذي سيُعقد في القدس اليوم (الاثنين) بمشاركة مستشاري الأمن القومي في إسرائيل وروسيا مئير بن شبات ونيكولاي بتروشيف، والذي سيتناول عدداً من القضايا الإقليمية وفي مقدمها ملامح الوضع النهائي في سورية بعد انتهاء الحرب الاهلية، بالإضافة إلى التوتر الحالي مع إيران في منطقة الخليج. 

"يديعوت أحرونوت"، 23/6/2019
كوشنير: تكاليف الشق الاقتصادي من خطة "صفقة القرن" تقدر بـ50 مليار دولار 20 مليار منها سيتم تخصيصها للفلسطينيين

قال المستشار الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير إن تكاليف الشق الاقتصادي من خطة "صفقة القرن" الأميركية لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تقدر بـ50 مليار دولار، سيتم تخصيص 20 مليار منها للفلسطينيين، وأشار إلى أن الخطة ستوفر نحو مليون فرصة عمل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضاف كوشنير في سياق مقابلة أجرتها معه وكالة "رويترز" للأنباء أمس (السبت) على أعتاب ورشة العمل المزمع عقدها في العاصمة البحرينية المنامة، تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار الاقتصادي" خلال يومي 25 و26 حزيران/يونيو الحالي، أنه سيتم توظيف هذه الأموال في 180 مشروعاً في الضفة والقطاع في مجالات الكهرباء والمياه والطاقة والمنشآت الطبية. كما تشتمل الخطة على مشروع شق طريق يربط الضفة بالقطاع بتكلفة 5 مليارات دولار، إضافة إلى تخصيص عشرات ملايين الدولارات لربط قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء.

من ناحية أُخرى، كرر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس موقفه الرافض لحضور ورشة المنامة في البحرين، وأكد أنه لا يجوز بحث الوضع الاقتصادي قبل السياسي.

وقال عباس في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في مستهل الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية لحركة "فتح" في رام الله أمس، إن الجانب الفلسطيني مستعد لإجراء حوار مع إسرائيل بشأن جميع المسائل المالية والاقتصادية العالقة.

وأعلنت مصر أمس مشاركتها في ورشة المنامة. ونقلت وكالة "الشرق الأوسط" المصرية الرسمية للأنباء عن الناطق بلسان وزارة الخارجية في القاهرة قوله إن هذه المشاركة تأتي في إطار الاهتمام المصري الدائم بأي محاولات للتعامل مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، والالتزام الثابت بالعمل على تحقيق آماله المشروعة والحصول على حقوقه كافة، وعلى رأسها الحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود 4 حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يؤدي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، ووفقاً لمقررات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام.

كما أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أمس أن الأردن قرر المشاركة في ورشة البحرين، لكنها شددت على تمسّك عمّان بحل الدولتين كسبيل وحيد لتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

وكان كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة أكد المشاركة في الورشة ورحّب بها. وأعلن البيت الأبيض مشاركة المغرب. وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مشاركة إسرائيليين.

كما أعلنت الأمم المتحدة أنها ستوفد نائب منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط جيمي ماكغولدريك لحضور الورشة.

"هآرتس"، 23/6/2019
إصابة 79 فلسطينياً ومسعفين برصاص الجيش الإسرائيلي خلال تظاهرات الجمعة الـ63 من "مسيرات العودة" في منطقة الحدود مع قطاع غزة

قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 79 فلسطينياً، بالإضافة إلى مسعفين أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات اندلعت في إطار تظاهرات الجمعة الـ63 من "مسيرات العودة وكسر الحصار" التي جرت في منطقة الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل أول أمس (الجمعة) تحت شعار "الأرض مش للبيع".

وأشارت الوزارة إلى أن نحو 6000 فلسطيني لبّوا دعوة "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" إلى المشاركة الفعالة في جمعة "الأرض مش للبيع" في مخيمات العودة، مؤكدة مواصلة هذه المسيرات حتى تحقيق جميع أهدافها، وعلى رأسها إنهاء حصار غزة وإسقاط "صفقة القرن".

وقالت الوزارة إنه منذ انطلاق "مسيرات العودة" يوم 30 آذار/مارس 2018 قُتل 306 فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي، وأصيب 17581 آخرين بجروح.

"غلوبس"، 21/6/2019
دبلوماسي سعودي لصحيفة "غلوبس": زمن الحرب مع إسرائيل ولّى واحتمالات تطبيع العلاقات كبيرة للغاية

أدلى دبلوماسي سعودي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه بحديث حصري ونادر إلى صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية قال فيه إن العالم العربي ينظر إلى إسرائيل بإعجاب بسبب إنجازاتها التكنولوجية ويهدف إلى تقليدها، وأكد أنه حتى أولئك الذي يكرهونها معجبون بها. وأوضح أنه يتحدث عن نفسه، لكنه في الوقت عينه شدّد على أن آراءه متطابقة مع الرياح التي تهب في أروقة الحكم في الرياض.

وردّاً على سؤال بشأن قيام أجهزة الأمن السعودية باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية وبرامج التجسس، ولا سيما في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، قال الدبلوماسي السعودي إن التكنولوجيا الإسرائيلية متقدمة وأجهزة الأمن السعودية تستخدم أفضل الأدوات التكنولوجية التي يمكنها الحصول عليها، وأكد أن الأمن القومي في بلاده يتصدر سلم الأولويات مثلما هو الوضع في إسرائيل.

وأكد هذا الدبلوماسي أن قيام مندوب رسمي من إسرائيل بزيارة إلى السعودية هي مسألة وقت. وأشار إلى أن السعودية لديها التزام ومسؤولية عميقين تجاه الفلسطينيين، وهو ما انعكس في تجديد وعد عاهل المملكة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في اجتماعهما الأخير بأنه لن يسمح بتقدم الخطوات الدبلوماسية التي من شأنها أن تضر بالقيادة الفلسطينية. وأضاف أن العاهل السعودي وولي عهده يحاولان إقناع الفلسطينيين بدرس "صفقة القرن"، وأشار إلى أن بلاده وبلاداً أُخرى على استعداد لاستثمار مبالغ ضخمة في هذه الصفقة تضمن للفلسطينيين الحصول على استقلال حقيقي وتعليم جيد وفرص عمل واقتصاد قوي والخروج من صورة الضحية الأبدية.

وشدّد الدبلوماسي السعودي على أنه من الواضح بالنسبة إلى السعودية ودول الخليج ومصر والأردن أن زمن الحرب مع إسرائيل ولّى، وأن احتمالات تطبيع العلاقات كبيرة للغاية. وأضاف أن التاريخ أتاح فرصة لهذا التطبيع، وأعرب عن أمله بأن تنتهز إسرائيل هذه الفرصة.

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
موقع Ynet، 22/6/2019
هذا الصيف قد يكون حاراً جداً: الضغوط على إيران تتصاعد وإسرائيل تستعد
رون بن يشاي - محلل عسكري
  • منذ بداية السنة الحالية أشارت تقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن هذا الصيف قد يكون حاراً، بل حاراً جداً. وكان من الواضح أن الضغط الاقتصادي الأميركي على إيران سيبلغ ذروته في حزيران/يونيو - تموز/يوليو، وأن هذا الضغط قد يدفع باقتصاد الجمهورية الإسلامية إلى وضع صعب للغاية تخرج من جرائه وعلى خلفيته جماهير واسعة من الشعب الإيراني إلى الشوارع فتهدد وجود نظام الملالي.
  • كان من الواضح أن القيادة في طهران وقوات الحرس الثوري لن تجلسا مكتوفتي الأيدي حيال هذا، بل ستستخدم أي قناة يمكن أن تكون متاحة للالتفاف على العقوبات وتمييعها، وستستخدم أي رافعة يمكنها بواسطتها ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لإلغاء العقوبات.
  • لم يدرك الإسرائيليون أن إحدى هذه الرافعات التي يفحص الإيرانيون إمكان استخدامها للضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب هي الصدام الفاعل، لكن المحدود المدى، مع إسرائيل، من خلال مبعوثي إيران وبواسطتهم: حزب الله في لبنان، الميليشيات الشيعية ومقاتلي الحرس الثوري في سورية وفي العراق، بالإضافة إلى الجهاد الإسلامي الفلسطيني و"حماس" في قطاع غزة. ولا تتوفر، حتى اللحظة، معلومات تفيد بأن هذا سيحصل وشيكاً، لكن إسرائيل مستعدة لذلك.
  • لن يجد الإيرانيون مشكلة في تنفيذ التهديد، إذ حتى لو تطور إلى حرب شاملة، تبقى أغلبية الاحتمالات أنه لن يورط إيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل. ستدور هذه المواجهة بعيداً عن الأراضي الإيرانية وستكون خسائرها في الأرواح، من الجنود والمواطنين، في الحد الأدنى.
  • في المقابل، ستتكبد إسرائيل خسائر كثيرة في الأرواح وأضراراً مادية جسيمة، نتيجة وابل الصواريخ والقذائف الكثيفة والمدمرة التي ستُطلق من لبنان، وسورية وقطاع غزة على المناطق الداخلية في إسرائيل. كما ستُشن، في موازاة ذلك أيضاً، هجمات برية على البلدات الإسرائيلية الحدودية، برعاية "زبائن" إيران. وإذا ما ردت إسرائيل على ذلك بشن حرب دفاعية ـ وهذه لن تكون مصيبة ـ فسيدفع الثمن مبعوثو إيران، في لبنان وسورية وقطاع غزة.
  • منذ صعوده إلى سدة الحكم سنة 1979، أثبت نظام الملالي في طهران أن رجاله فنانون في الدمج بين رافعات الضغط العسكرية والسياسية، المباشرة وغير المباشرة، على نحو يخدم أهداف إيران الاستراتيجية. طبقاً لهذا النهج، قرر الإيرانيون مؤخراً أن دول الاتحاد الأوروبي هي الحلقة الأضعف في المعسكر الغربي، ولذا فهي تشكل الرافعة الأساسية التي ستقوم إيران بتشغيلها من أجل تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في رفع العقوبات الأميركية عنها، من دون التنازل عن البنود المهمة بالنسبة إليها في الاتفاق النووي مع الدول العظمى، ومن دون التوقف عن تطوير صواريخ بعيدة المدى.

"خوارزمية" تحقيق الهدف

  • ثمة خلاف في إيران بين "الصقور" (الحرس الثوري ورجال الدين المحافظون المدعومون من المرشد الأعلى، علي خامنئي) وبين المعتدلين (الرئيس حسن روحاني، وزير الخارجية محمد ظريف وآخرون) بشأن السؤال: ما هو الدمج الصحيح بين الوسائل العنيفة والدبلوماسية العامة والسرية من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي. وتتألف "خوارزمية" تحقيق الهدف التي اختارها المرشد الأعلى في نهاية المطاف من المراحل التالية [الخوارزميةهي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما. وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي]:  
  • في المرحلة الأولى، حددت إيران مهلة أخيرة للأوروبيين لتعويضها عن الأضرار الاقتصادية التي تسببها لها العقوبات التي فرضها عليها ترامب. حاول الاتحاد الأوروبي الاستجابة إلى الطلب، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، لأن الشركات الأوروبية خضعت للضغوط الأميركية وأوقفت المعاملات التجارية مع إيران. لذا انتقل الإيرانيون إلى المرحلة التالية.
  • في المرحلة الثانية التي بدأت قبل ثلاثة أسابيع، نفذت عناصر مرتبطة بإيران، وضمنها القوة البحرية التابعة للحرس الثوري والمتمردون الحوثيون في اليمن، عمليات تفجيرية استهدفت ناقلات النفط التي كانت تنقل النفط من السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى أوروبا وآسيا. وفجّر الحوثيون، عبر طائرات من دون طيار، منشآت نفطية سعودية. كان الهدف زعزعة الاستقرار الأمني في منطقة الخليج وتهديد عمليات تصدير النفط من دول الخليج العربية.
  • هكذا يشكل الإيرانيون تهديداً للسعودية، حليفة الولايات المتحدة التي تحتاج إلى النفط الآن أكثر من أي وقت مضى، فيما هم يسببون، من جهة أُخرى، ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى ضخ أموال إلى الخزينة الحكومية التي تفرغ بسرعة في طهران.
  • في المقابل، تهدد إيران بالتوقف عن الوفاء بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي. لا يدور الحديث هنا حول خروقات جدية، أو حول تحقيق اختراق مباشر نحو السلاح النووي، وهو ما قد يثير غضب الأوروبيين والروس عليها، وإنما يدور حول انحرافات بسيطة لا يمكن اعتبارها خرقاً جوهرياً، لكن فيها ما يكفي لجعل الأوروبيين يتخوفون من مغبة اضطرارهم، هم أيضاً، إلى فرض عقوبات ضد طهران خلال الوقت القريب، وهو ما سيعود بالضرر غير المباشر على اقتصادياتها هي أيضاً، وربما تدفع الولايات المتحدة، وإسرائيل والسعودية أيضاً إلى اتخاذ إجراء عسكري ضد المشروع النووي الإيراني.
  • في المرحلة الثالثة من هذه الخوارزمية، يأتي دورنا نحن. التصعيد المحسوب الذي تفحص إيران إمكان إشعاله بواسطة مبعوثيها من شمال إسرائيل ومن جنوبها الغربي، يهدف في نهاية الطريق إلى دب الخوف بين الأوروبيين خصوصاً، وفي الحلبة الدولية عموماً، من مغبة اندلاع حرب شاملة وشيكة في الشرق الأوسط. الأوروبيون وعمالقة الصناعة الآسيويون مقتنعون بأن حرباً شاملة في الشرق الأوسط ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق العالمية بصورة جنونية، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى حصول انهيار اقتصادي عالمي يعود بالضرر على الاقتصاد الأوروبي وعلى الدول الأُخرى الحليفة للولايات المتحدة وشريكاتها التجارية الأساسية، ثم على اقتصاد الولايات المتحدة نفسها أيضاً.

ترامب لا يريد جنوداً أميركيين في توابيت

  • الأوروبيون، غير الراضين أصلاً عن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقّعوه هم أيضاً، سوف يلجؤون إلى هذه الحجة، تحديداً بهدف ممارسة الضغط على الرئيس الأميركي للتخفيف من وطأة الحصار والعقوبات الاقتصادية على إيران. وقد يستجيب ترامب إليهم، لأنه هو أيضاً - كما يعلن جهراً - لا يريد حرباً مع إيران بل في الشرق الأوسط كله، لا تكون الولايات المتحدة شريكة فيها بصورة مباشرة.
  • في الإمكان تفهمه. إنه يريد دفع الإيرانيين إلى طاولة مفاوضات يجري من خلالها تعديل الاتفاق النووي وتصحيحه، ولا يريد إعادة جنود أميركيين أٌرسلوا لحماية ناقلات نفط سعودية في مضيق هرمز إلى البيت في توابيت. إن صور الجنود الأميركيين المصابين خلال تأدية مهماتهم في الخليج الفارسي لن تفيد ترامب، بأقل تعبير، في معركته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية.
  • إذاً، ثمة مصلحة حقيقية في الوقت الراهن لإيران في المبادرة إلى احتكاك حربي مع إسرائيل يُشعر الأوروبيين بالضغط، فيتحركون لممارسة الضغط على الرئيس ترامب من أجل تخفيف العقوبات على طهران التي ستبدي نوعاً من الرضى وتعود إلى مائدة المفاوضات وهي تمسك في يدها، مسبقاً، تعهداً بعدم مطالبتها التنازل عن مطالبها بشأن تخصيب اليورانيوم بكميات كبيرة وتطوير صواريخ بالستية.
  • إن الاستنتاج المتوجب من هذا التحليل هو أن على إسرائيل أن تكون مستعدة لمواجهات على نطاق واسع هذا الصيف، في الشمال وفي الجنوب، سواء أكانت نتيجة مبادرة إيرانية أو تطورات نتيجة حدث ما، أو سلسلة أحداث، في المنطقة لم يكن أحد يتوقعها أو قادراً على التنبؤ بها مسبقاً.
  • لهذا، وفور تسلُّم مهمات منصبه، حدّد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، أنه حتى نهاية حزيران/يونيو، بداية تموز/يوليو، كحدّ أقصى، يتعين على الجيش أن يكون على أتم الاستعداد للحرب على جبهتين ونصف الجبهة وعلى أربع جبهات: لبنان وسورية في الجبهة الشمالية، قطاع غزة في الجبهة الجنوبية ويهودا والسامرة [الضفة الغربية] كجبهة قتال ثانوية إن حدث فيها تصعيد سيكون على الجيش كبحه بمساعدة جهاز الأمن العام ["الشاباك"] وبعدد قوات مصغر يستند إلى جنود الاحتياط بصورة أساسية.
  • خلال التدريبات المتعددة الأذرع التي أُجريت هذا الأسبوع، اختبر الجيش الإسرائيلي الرد العسكري المحدَّث، الاستراتيجي والتكتيكي، كما أعدته هيئة الأركان، لمواجهة احتمال لجوء الإيرانيين ومبعوثيهم إلى تنفيذ ما يخططون له ضدنا ـ عمليات عنيفة في الشمال وفي الجنوب. كان هذا تدريباً تلخيصياً واختباراً عملياً لمدى الكفاءة العملانية ومدى جهوزية الجيش لخوض حرب على الجبهات الشمالية.
  • وكان الجيش قد تدرب على مفهوم التشغيل والكفاءة العملانية على الجبهة الغزّية في بداية فصل الربيع مؤخراً واختبره. وقد وجهت إسرائيل، بواسطة هذا التدريب، رسالة رادعة إلى الإيرانيين.
  • "لا تجرّبونا"، قال رئيس الحكومة ووزير الدفاع بنيامين نتنياهو، بعد أن سمع تلخيص التمرين، وبينما كان رئيس هيئة الأركان، كوخافي، يقف إلى جانبه. لم تكن هذه - بحسب تقديري - مناورة انتخابية وفي الإمكان الافتراض، بالتأكيد، أن ثمة تغطية عملية للشيك البلاغي هذه المرة.
  • وثمة شيء آخر إضافي: في هذا التمرين، وهو الأكبر الذي يجريه الجيش الإسرائيلي منذ إنشائه، والذي استمرت التحضيرات له سنة كاملة، أثبتت القيادة العليا للجيش، بقيادة رئيس هيئة الأركان كوخافي، أنها تعرف كيف تضع، بسرعة وخلال فترة قصيرة، عقيدة عملانية محدَّثة، وكيف تنشرها بين قادة الوحدات، وكيف تضع لنفسها هدفاً يمكن قياسه لمدى الجهوزية، ثم كيف تلتزم بالجدول الزمني لتحقيقه. إنها ظاهرة إيجابية تستحق الإشادة.
  • الأمر الأكثر أهمية هو: المناورة البرية السريعة والفتاكة، بإسناد جميع القوات النارية وفي مقدمها سلاح الجو، تشكل صلب عقيدة العمل في الجيش الإسرائيلي، وقد تم اختبارها هذا الأسبوع - من مستوى السرِية فصاعداً. منذ حرب لبنان الأولى [1982] لم يجرِ الجيش الإسرائيلي مناورة برية على نطاق واسع كهذا، ولم يتدرب عليها حتى. كان هنالك ادعاءات، في داخل الجيش وخارجه، أن الدبابة والمدرعة لم تعودا تشكلان مركّباً أساسياً في الحرب البرية، وبأن النيران الدقيقة قد احتلت مكانهما. وهكذا، حدث تكلس في قدرة المناورة البرية في الجيش الإسرائيلي، وتم تقليص أسطول الدبابات إلى حجم صغير، إلى حد الخطر الحقيقي. خلال حرب لبنان الثانية [2006] اتضح مدى افتقار الجيش الإسرائيلي إلى هذه القدرة التي تشكل في نهاية المطاف طريقة القتال الأكثر فاعلية في مواجهة مقاتلي العصابات أيضاً الذين يتخفون ويطلقون القذائف وصواريخ أرض ـ أرض من مخابئهم.

التشديد على "فتك" المناورة البرية

  • عمل رئيس هيئة الأركان السابق، غادي أيزنكوت، الكثير، كما فعل سابقه غابي أشكنازي أيضاً، من أجل استعادة القوات البرية في الجيش الإسرائيلي قدرتها على المناورة، بقوة وبسرعة. وقد أضاف كوخافي الآن بعداً مفهومياً في غاية الأهمية حين اختار، فور تسلمه مهمات منصبه، التشديد على "فتك" المناورة البرية. أقر بأن هدف المناورة البرية ليس احتلال منطقة والاحتفاظ بها كما كان في السابق، بل إبادة قدرات القتال لدى العدو بالجملة، وهو ما يضمن تحقيق الحسم والانتصار على "جيوش الإرهاب" التي يعمل مقاتلوها بطرق حرب العصابات، تحت حماية سكان مدنيين.
  • إن تعبير "فتك" قد يكون مضلِّلاً. ليس الهدف هو قتل مقاتلي العدو بصورة جماعية (بالجملة)، ذلك بأن عدد الجثث ليس مقياساً للنجاح، لكن الهدف هو كشف أغلبية المقاتلين وتحديدهم، قبل المعركة وخلالها، وكذلك كشف منظومات الأسلحة التي بحوزتهم (بما في ذلك الصواريخ والقذائف) والبنى التحتية المهمة لدى العدو وتحديدها، ثم ضربها بالجملة قبل أن يستطيعوا إصابتنا، وقبل أن ينجحوا في الفرار والاختفاء بين السكان المدنيين.
  • من شأن وتيرة ونجاعة إبادة أهداف العدو، من أي نوع كانت، أن تؤدي، بالتأكيد، إلى حسم المعركة وهزم العدو. لكن هذا الهدف ليس سهل التحقيق. فثمة حاجة، أولاً وقبل أي شيء آخر، إلى منظومة استخباراتية كبيرة ومحكمة جداً في ميدان القتال وخارجه - بما في ذلك القدرات السيبرانية - على أن تتيح إمكانات الكشف عن مئات الأهداف التي تُعتبر بمثابة "ثروات" للعدو، في مساحة جغرافية معطاة، والوصول إليها، ثم جعلها معالم دقيقة خلال فترة زمنية قصيرة.
  • بعد ذلك، يجب الوصول على وجه السرعة، والتواجد في عمق منطقة العدو، مع منظومات السلاح والنيران المتاحة والجاهزة للاستخدام، بغية ضرب هذه الأهداف في غضون دقائق معدودة، قبل اختفائها تماماً. التقنيات العسكرية تتيح هذا اليوم، لكن ليس بما يسمح باستخدامها بشكل جدي. ويبقى السؤال ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سينجح في إدخال هذه التقنيات وتطبيقها خلال الحرب "الطاحنة الخاطفة" التي يصبو كوخافي إلى إدارتها في المرة المقبلة؟

نصرٌ فعّال

  • ثمة أمران ضروريان لتحقيق نصر عسكري فعّال: تدمير قدرة العدو على استئناف القتال فترة زمنية طويلة، وتوجيه ضربة قاسية وبعيدة الأثر إلى دافعيته إلى القيام بذلك. ولذا، لم تعد حرب الوعي التي تشكل النيران الدقيقة، في المقابل، وسيلتها الأساسية وتضرب دافعية العدو بصورة موقتة، وإنما حركة سريعة ومتواصلة نحو أهداف تم تحديدها مسبقاً وتدمير صناعي لقدرات العدو القتالية.
  • إذا لم يحاول المستوى السياسي إدارة القتال، مثلما فعل المجلس الوزاري المصغر خلال حرب "الجرف الصامد"، وإنما تحديد الأهداف التكتيكية والاستراتيجية وإفساح المجال للجيش كي يقوم بالعمل ـ ثمة احتمال كبير بأن يستطيع الجيش تحقيق الحسم والانتصار الواضحين في المرة المقبلة. احتمال تحقيق الانتصار وتقصير الفترة الزمنية التي تتساقط فيها الصواريخ على الجبهة الداخلية سيكون مضاعفاً إذا ما تلقى الجيش تخويلاً من القيادة السياسية لإنزال ضربة استباقية على العدو، منذ بداية الحرب. لكن في فترة ما قبل الحرب ينبغي لدولة إسرائيل أن تحظى بما يكفي من الشرعية الدولية التي تتيح للمستوى السياسي إصدار الأوامر للجيش لأخذ زمام المبادرة وإنزال الضربة القاصمة في مستهل الحرب.
  • لا تزال القدرة على الكشف عن آلاف الأهداف، تحديدها وامتلاكها غير مكتملة. حتى منظومات السلاح القادرة على الرد خلال دقائق قليلة، من كشف الهدف إلى إبادته قبل اختفائه، لا تزال خارج دائرة استعمال الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي. لذا يجدر الحذر وعدم الانجرار والوقوع في تقييم مُبالغ فيه للأفضلية الفتاكة التي يدفع كوخافي نحوها بكل قوته، من خلال المناورة البرية. ومع ذلك، ثمة أهمية كبيرة لهذه الثقة التي ينشرها كوخافي لدى القيادة السياسية بشأن قدرة الجيش الإسرائيلي على الدخول في مناورة برية مكثفة، سريعة وفتاكة في لبنان، في سورية وفي قطاع غزة ـ بالتزامن والتوازي، إذا اقتضت الضرورة.

ويبقى السؤال ما إذا كان المجلس الوزاري المصغر ورئيس الحكومة سيبديان هذه الدرجة ذاتها من الإصرار والثقة بقدرات الجيش، في الحرب المقبلة أيضاً. 

"مباط عال"، العدد 1179، 23/6/2019
الازدهار الاقتصادي ليس وصفة لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني
تومر فدلون وساسون حداد - باحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب
  • أوضح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالأقوال والأفعال، منذ دخوله إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2016، أن الطريق المثلى لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، بما في ذلك حل الصراعات والأزمات على الساحة الدولية، هي في استخدام القوة الاقتصادية الهائلة التي في حيازتها. يمكن القول إن طريقة تحقيق الوعود التي قـُطعت خلال معركة ترامب الانتخابية: Make America great again ("لنُعد لأميركا عظمتها") هي اقتصادية، إلى حد بعيد، وترتكز على القدرة الأميركية في إقناع لاعبين على الساحة الدولية بالتعاون مع البيت الأبيض. هذه القوة الاقتصادية، من وجهة نظر ترامب، متعددة الاستخدامات وتشكل دواء لمعظم الأمراض، سواء أكانت قضايا سياسية، اجتماعية أو اقتصادية. الحروب التجارية العديدة التي يخوضها ترامب تؤكد استخدامه السلاح الاقتصادي باعتباره جائزة أو مكافأة على سلوكيات سياسية تتساوق مع المصالح الأميركية. في سنة 2018، انسحبت الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي مع إيران وأعادت نظام العقوبات المشددة ضد طهران، من أجل منع إيران من التقدم نحو امتلاك قدرة نووية عسكرية. وفي نهاية أيار/مايو 2019، هدد ترامب برفع رسوم الجمارك، بالتدريج، على البضائع الواردة من المكسيك، إذا لم تتخذ السلطات المكسيكية إجراءات مشددة لمنع الهجرة عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. والآن، تؤمن الإدارة الأميركية بأن الوقت قد حان لمحاولة الدفع نحو حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بوسائل اقتصادية.
  • ستُعقد في المنامة، عاصمة البحرين، في 25 ـ 26 حزيران/يونيو الجاري، ورشة اقتصادية دولية تحت عنوان "من السلام إلى الازدهار الاقتصادي"، وستعرض الولايات المتحدة خلالها البنية التحتية الاقتصادية لـ"صفقة القرن" لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. يتضح من الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض، وتمتد على 40 صفحة، أن الخطة الاقتصادية التي سيتم عرضها موزعة على ثلاثة مركّبات مركزية: استنفاد الطاقة الاقتصادية الفلسطينية الكامنة، تعزيز الشعب الفلسطيني وتقوية الحكم الفلسطيني. الرؤية الموجِهة لهذه الخطة هي مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بـ50%، في غضون عقد من الزمن فقط. أمّا الجزء السياسي من الخطة فسيُعرض بصورة منفردة، على ما يبدو، بعد الانتخابات التي ستُجرى للكنيست الإسرائيلي في أيلول/سبتمبر المقبل. وكما هي الحال بالنسبة إلى مناطق أُخرى من العالم، كذلك فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط أيضاً، يؤمن الرئيس الأميركي أن في مقدور السلاح الاقتصادي إعطاء الثمار، أي: البنى التحتية ستحل محل البنادق. الهدف من هذه الورشة هو إطلاع دول المنطقة، الفلسطينيين والمستثمرين الدوليين على طرق لتحويل الاقتصاد الفلسطيني من معتمد على المعونات الخارجية إلى مقتدر ذاتياً، إلى جانب إطلاعهم، في الوقت نفسه أيضاً، على الطاقة الاقتصادية الهائلة الكامنة لتحقيق ازدهار اقتصادي في الساحة الفلسطينية، إذا ما تحقق السلام. في الدائرة الأولى من الدول المفترض أن تقدم الدعم المطلوب نجد تلك المحيطة بالضفة الغربية وقطاع غزة؛ وفي الدائرة الثانية ـ دول المنطقة كلها. وثمة هدف آخر يرتجى تحقيقه من هذه الورشة الاقتصادية هو تقديم نموذج إلى الفلسطينيين للخسارة المترتبة على استمرار النزاع، ولرفضهم المقترحات التي يعرضها البيت الأبيض لحل النزاع.
  • من الناحية العملية، تريد الولايات المتحدة، من خلال هذه الورشة، تجنيد مبلغ خمسين مليار دولار يتم توظيفه خلال عقد من الزمن في البنى التحتية، الصناعات، رأس المال البشري، خلق وتوفير أماكن عمل، تجارة إقليمية، منظومة بيئية بالتفاعل، تعاون مشترك وإغناء متبادل. هذه كلها مقومات حيوية لتطوير كيان فلسطيني يمتلك مميزات الاستقلال الاقتصادي المزدهر. وهكذا، تدعو الخطة، على سبيل المثال، إلى إقامة شارع وخط سكة حديدية يربطان قطاع غزة بالضفة الغربية. وكان جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي، مستشاره والمسؤول عن "صفقة القرن"، قد تحدث عن هذا الموضوع، الشهر الماضي، وقال إن التقدم الاقتصادي لن يتحقق إلاّ من خلال رؤية اقتصادية متماسكة، ومن خلال حل الجذور السياسية الجوهرية. يمكن أن نفهم من هذا أن العناصر الاقتصادية ستُستخدَم كطُعم للفلسطينيين لدفعهم إلى التنازل في القضايا الأُخرى الخاصة بتطلعاتهم الوطنية. بكلمات أُخرى، الخطة الاقتصادية مُعدة لتحسين أوضاع الجمهور الفلسطيني في كل ما يتصل بنمط حياته، أوضاعها وجودتها، ثم تحفيزه على ممارسة الضغط على قيادته لإبداء مرونة فيما يتعلق بالقضايا السياسية ـ الإقليمية، بغية إزالة العوائق المعروفة التي تحول دون تحقيق تسوية سياسية.
  • يتضح من مراجعة اتفاقيات السلام التي وقّعتها إسرائيل في الماضي أن العناصر الاقتصادية فيها والقوة الاقتصادية التي تمتلكها الولايات المتحدة كانت، على الدوام، جزءاً من ثمار السلام ومردوداته. لكن يمكن القول، في المقابل، إن هذه العناصر الاقتصادية والدور الذي لعبته كانت، على الدوام، ثانوية مقارنة بالقضايا الوطنية والسياسية الملتهبة. ففي اتفاقية السلام مع مصر، مثلاً، لم يتم تطبيق الجزء الأكبر من الملاحق الاقتصادية والمدنية. المادة رقم 2 من الملحق رقم 3 (العلاقات بين الجانبين) كانت مخصصة للعلاقات الاقتصادية والتجارية. تشير هذه المادة إلى أن "الطرفين متفقان على إزالة المعوقات أمام تحقيق علاقات اقتصادية طبيعية ووضع حد للمقاطعات الاقتصادية". وينوه القسم الثاني من المادة نفسها بأن الطرفين ملتزمان بعقد اتفاقية تجارية مشتركة من أجل بناء وتطوير علاقات اقتصادية تساعد على حفظ السلام. هذه هي المادة الوحيدة التي تتطرق إلى العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، ومن الواضح طبعاً أنها لم تكن على درجة من الأهمية تكفي لدفع الطرفين إلى عقد هذه الاتفاقية. الأزمة الاقتصادية في مصر، جرّاء المصروفات الأمنية المتزايدة، هي التي دفعت مصر إلى عقد اتفاق السلام مع إسرائيل، وهو ما تسنى بفضل التعهدات الأميركية لتقديم ضمانات أمنية واقتصادية، من خلال المعونات الاقتصادية السنوية. ولا يزال الحال مستمراً على هذا المنوال منذ أربعين عاماً، علماً بأن المعونات السنوية التي تحصل عليها مصر هي الثانية من حيث الحجم في قائمة المعونات الخارجية الأميركية، بعد إسرائيل. كانت مصر بحاجة إلى المساعدات الاقتصادية الأميركية، لكن لا يجب الاستنتاج من ذلك أن القضايا الاقتصادية هي التي أوصلت إلى حل النزاع، وإنما الانسحاب الإسرائيلي الكامل من شبه جزيرة سيناء. فقد أعلن الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، أن مصر "لن تتنازل عن حبة تراب" من أرضها، وهذا ما جرى تثبيته نصاً في اتفاقية السلام أيضاً، والتي جرى توقيعها في البيت الأبيض في آذار/مارس 1979. حتى هذه اللحظة، بعد أربعين عاماً على السلام، لا يزال التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين هامشياً، بينما ترتكز العلاقات بينهما على قاعدة التعاون الأمني والتدخل الأميركي في تطبيق الاتفاق (القوة المتعددة الجنسيات في سيناء والمعونات الأمنية).  
  • كذلك الأمر بالنسبة إلى اتفاق أوسلو والاتفاق المرحلي مع الفلسطينيين (1993، 1995). فقد تميزا، هما أيضاً، بالتطرق إلى قضايا اقتصادية عديدة، لكن كما في الاتفاق مع مصر ـ كانت هذه كلها في ظل قضايا النزاع الجوهرية. انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق [المحتلة] ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً إدارياً شكّلا الأرضية المتينة لتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية بين الطرفين في باريس. في نيسان/أبريل 1994، جرى تنظيم العلاقات الاقتصادية في "بروتوكول باريس" الذي نص، مثلاً، على أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ستشكلان منطقة جمركية واحدة لا تُدفع فيها جمارك على عبور البضائع. أي أن الاتفاق يكرّس تبعية الاقتصاد الفلسطيني واعتماده على إسرائيل ولا يوفر له شروط الاستقلال الفاعل. علاوة على هذا، وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن تشكل هذه الاتفاقيات حافزاً اقتصادياً جدياً، فإنها لم تحُل دون انفجار العنف حين اتضح أن الحديث في القضايا السياسية يصل إلى طريق مسدود. وللتذكير، فقد اندلعت الانتفاضة الثانية، مثل الأولى، في وقت لم يكن الوضع الاقتصادي في المناطق [المحتلة] سيئاً.
  • ربما تكون اتفاقية السلام مع الأردن هي الاستثناء بين الاتفاقيات الثلاث، لأن مسألة إعادة الأراضي في إطارها كانت مسألة ثانوية، ولأن الدعم الاقتصادي الذي حظيت به الأردن في أعقابها لعب دوراً جدياً جداً في تكريسها. المادة السابعة من تلك الاتفاقية تفصّل العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وتشدّد على أهمية الانتقال الحر للبضائع بينهما، عدم التمييز، منع المقاطعات الاقتصادية وكذلك أهمية علاقات الجيرة الحسنة في المجال الاقتصادي. لكن ثمة أهمية خاصة للمادة السادسة من الاتفاق التي تعالج تفصيلات التسويات الخاصة بالمياه بين الدولتين. وإضافة إلى ذلك، فقد تعهدت الولايات المتحدة بشطب ديون المملكة الأردنية، وهو ما شكل حافزاً اقتصادياً إضافياً للأردن على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، لم يكن توقيع الاتفاق في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1994 ممكناً لو أنه انحصر في القضايا الاقتصادية فقط، ذلك أن هدف الملك حسين المركزي كان التحرر النهائي من المسؤولية عن القضية الفلسطينية وقد استغل المناخ السياسي المريح الذي خيم آنذاك، في إثر اتفاقيات أوسلو وبفضلها. لكن الجزء الأكبر من البرامج الكبيرة للتعاون الاقتصادي بين إسرائيل والأردن بقي حبراً على ورق ولم يتحقق طوال ربع قرن من السلام. وكما في السلام مع مصر، كذلك الحال هنا - الأساس المركزي الذي يقوم عليه السلام هو التعاون الأمني بين الدولتين.
  • بناء على هذا، وقبل لحظات من عرض المشروع الاقتصادي في "صفقة القرن"، يجب استذكار اتفاقيات السلام التي وقعتها إسرائيل، والتي تؤكد كون الاقتصاد جزءاً من الحل، لكنه ليس الحل بذاته. كذلك في اتفاقيات سلام أُخرى جرى التوصل إليها وتوقيعها على مر التاريخ، يمكن أن نرى كيف شكلت الاعتبارات الاقتصادية محفزات على الاستمرار في المفاوضات، غير أن مكانها بقي محفوظاً على الدوام ـ إلى جانب المصالح السياسية والقضايا الإقليمية والوطنية ـ القومية الأكثر أهمية. أمّا محاولة إدارة ترامب قلب ترتيب الأمور، لوضع الفوائد والمردودات الاقتصادية أولاً، ثم فقط عرض المسار السياسي للتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، فربما تكون محاولة جديدة وتنطوي على تحديث ما، لكنها غير عملية كما يبدو. وحتى قبل افتتاح الورشة، استجابت أغلبية الدول المشاركة إلى مناشدات الإدارة الأميركية، لكنها أبدت عدم الرغبة الواضح في المشاركة فيها، علاوة على أن مستوى المشاركين ليس من الصف الأول.
  • صحيح أن الاستعداد لرصد توظيفات هائلة في الاقتصاد، في البنى التحتية، في التعليم، في الصحة وفي الرفاه، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة من المفترض أن يشكل بشرى سارة، وأن يكون جزءاً من سيرورة ترمي إلى خلق مناخ إيجابي ومريح يتيح التقدم نحو تحقيق الأهداف السياسية في السياق الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إلاّ إنه في ضوء الفجوات السياسية والإقليمية الواسعة بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك في ضوء مستوى الأداء المتدني في الأجهزة الفلسطينية (بما في ذلك الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة)، ثمة حاجة إلى برنامج سياسي خلاّق ومفيد للفلسطينيين. فالشواهد التاريخية تثبت أنه لا يجوز اعتبار الورشة الاقتصادية في البحرين والاستثمارات المستقبلية المخطط لها مفتاحاً لحل الصراع المستمر منذ سنوات طويلة جداً.