مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس إن إيران لا تشكل تهديداً لأمن إسرائيل والولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً لقيَمهما المشتركة، وأكد أنها تسعى لتدمير كافة قيَم الحرية في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية واثقة بعزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وجاءت أقوال غانتس هذه خلال الاجتماع الذي عقده مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مقر البنتاغون في واشنطن مساء أمس (الخميس)، وشدّد فيها أيضاً على أن البرنامج النووي هو مجرد وسيلة لتعميق هيمنة طهران.
وأضاف غانتس: "إن إيران تماطل وتستخدم لعبة الوقت وتواصل أعمالها العدائية في المنطقة. إننا نتطلع إلى تعميق الحوار بشأن الاستعداد العسكري المشترك مع الولايات المتحدة لمواجهة إيران ووقف تطلعاتها النووية".
وكانت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الدفاع الأميركية أكدت أن كبار المسؤولين في الوزارة سيبحثون مع وزير الدفاع الإسرائيلي في بواعث القلق المشتركة إزاء إيران، غير أن هذه المصادر أحجمت عن التعليق على تقرير لوكالة "رويترز" للأنباء تحدث عن إجراء مناقشات بشأن إمكان إجراء تدريبات عسكرية تركز على إيران. وكان هذا التقرير نقل أول أمس (الأربعاء) عن مسؤول أميركي كبير قوله إنه من المتوقع أن يبحث قادة وزارة الدفاع في الولايات المتحدة وإسرائيل في تدريبات عسكرية محتملة من شأنها التحضير لأسوأ سيناريو ممكن لتدمير المنشآت النووية الإيرانية إذا أخفقت الدبلوماسية، وإذا طلب ذلك زعماء البلدين.
وأشار التقرير إلى أن تصريحات هذا المسؤول الأميركي تأتي على خلفية قلق واشنطن إزاء المحادثات النووية العسيرة الجارية مع إيران في هذه الأيام. وأضاف أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان يأمل بأن تحيي هذه المحادثات اتفاق 2015 النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب، لكن مسؤولين أميركيين وأوروبيين عبّروا عن استيائهم بعد محادثات الأسبوع الفائت بسبب مطالب تقدمت بها حكومة إيران الجديدة وصفوها بأنها متشددة، وهو ما زاد الشكوك في أن طهران تسعى لكسب الوقت بينما تقوم بتطوير برنامجها النووي.
التقى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد أمس (الخميس) الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، حيث ناقشا التهديد الإيراني ومحاولات إسرائيل التوصل إلى اتفاق مع حركة "حماس" في غزة.
وذكرت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه في الشأن الإيراني تحدث لبيد والسيسي عن برنامج طهران النووي والتهديد الذي يمثله دعمها للجماعات المسلحة التي تعمل بالوكالة عنها. كما قدّم لبيد رؤيته فيما يتعلق بقطاع غزة، والتي من شأنها تقديم حوافز اقتصادية في مقابل وقف هجمات حركة "حماس"، وناقش قضية الإسرائيلييْن وجثتيْ الجنديين الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة في القطاع.
وأضافت هذه المصادر نفسها أن محادثات السيسي ولبيد شملت أيضاً مواضيع أُخرى، مثل محاربة "الإرهاب"، والإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتعزيز السلطة الفلسطينية، ومستقبل العلاقات الثنائية بين إسرائيل ومصر والرغبة في توسيع التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والزراعة والتجارة.
وقال لبيد في بيان صادر عنه بعد الاجتماع: "إن مصر شريك استراتيجي مهم بصورة خاصة لإسرائيل. هدفي تعزيز علاقاتنا الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية مع مصر. من المهم مواصلة العمل من أجل السلام بين البلدين. أشكر الرئيس السيسي، الذي كانت مساهمته في المنطقة والعلاقات بيننا ذات أبعاد تاريخية، على كرم الضيافة، وعلى هذا اللقاء الدافئ والمفتوح".
وأضاف البيان أن لبيد قدّم إلى السيسي قطعاً أثرية مصرية مسروقة تم تهريبها إلى إسرائيل واحتفظت بها سلطة الآثار الإسرائيلية.
وعقد لبيد في وقت لاحق أمس اجتماعاً مع وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وتُعتبر زيارة لبيد إلى القاهرة جزءاً من سلسلة اتصالات مكثفة رفيعة المستوى جرت مؤخراً بين إسرائيل ومصر. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان صادر عنها، على أعتاب الزيارة، أنه من منظور سياسي - أمني يُعدّ تعزيز العلاقات الإسرائيلية- المصرية مصلحة مهمة للغاية لدولة إسرائيل. وأكد البيان أن زيارة الوزير هي استمرار مباشر للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية في استخدام المصالح المشتركة كوسيلة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وكان لبيد التقى شكري في تموز/يوليو الفائت عندما كانا في بروكسل لحضور مؤتمر الاتحاد الأوروبي. كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت عقد لقاءً مع السيسي في شرم الشيخ المصرية في أيلول/سبتمبر الماضي، في أول قمة من نوعها بين الزعيمين، المصري والإسرائيلي، منذ أكثر من عقد. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أفادت تقارير أن الرئيس الجديد لجهاز الأمن العام ["الشاباك"] رونين بار، ومستشار بينت لشؤون الأمن القومي إيال حولتا، سافرا إلى مصر لإجراء محادثات بشأن قطاع غزة.
أعلنت النيابة الإسرائيلية العامة أمس (الخميس) إغلاق ملف التحقيق في قضية قيام جنديين من شرطة حرس الحدود بإطلاق النار على منفّذ عملية طعن فلسطيني وقتله بعد أن طعن يهودياً في هجوم وقع في القدس الشرقية يوم السبت الفائت، وأكدت أنه كان هناك مبررات قانونية لإطلاق النار.
وتم التحقيق مع الجنديين من طرف وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة ["ماحش"] في وزارة العدل الإسرائيلية بعد ظهور مقطع فيديو للحادثة يظهر فيه الجنديان وهما يطلقان النار على منفّذ الهجوم محمد أبو سليمة بينما كان مُصاباً بجروح وممدداً على الأرض.
وذكر بيان صادر عن النيابة الإسرائيلية العامة أن النائب العام عميت ألسمان تبنى توصيات وحدة "ماحش" وقرر إغلاق التحقيق مع الجنديين. وادعى البيان أن الوحدة المذكورة أجرت تحقيقاً شاملاً ومهنياً، وأشار إلى أن توضيحات الجنديين بأنهما تصرفا على هذا النحو دفاعاً عن النفس كانت متسقة مع بقية نتائج التحقيق. وأكد أنه في ضوء ذلك، تبيّن أن هناك مبرراً قانونياً لاستخدام السلاح، ولذلك تقرر إغلاق الملف.
وكان الجنديان قد حظيا بدعم كبير من رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزير الدفاع والقائد العام للشرطة ومسؤولين كبار آخرين.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية 13 مساء أمس أن القائد العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي وقائد حرس الحدود أمير كوهين يعتزمان تكريم الجنديين على فعلتهما.
وكان شبتاي رحّب بقرار إغلاق الملف وأكد أن الجنديين يُعتبران بطلين لكونهما قاما باتخاذ إجراءات تهدف إلى إنقاذ الأرواح.
- يجسّد حدثان حلت ذكراهما في تشرين الأول/أكتوبر الأخير مفترق الطرق الذي تقف عنده دولة العراق: الحدث الأول، الذي استقطب انتباهاً عالمياً شديداً، هو الانتخابات البرلمانية التي تم تبكير موعدها بمبادرة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، اعتقاداً منه أن نتائجها ستساهم في تعزيز استقرار الدولة وإعادة بنائها، وهي الغارقة في أزمة المواجهات الداخلية والوضع الاقتصادي الخطر. أما الحدث الثاني، الأكثر رمزية، لكن ليس أقل أهمية، هو إحياء الذكرى السنوية الثانية لهبّة تشرين الأول/أكتوبر 2019 الاحتجاجية، التي كانت عفوية وأصيلة على غرار احتجاجات "الربيع العربي"، وشارك فيها جيل الشباب بصورة أساسية. هؤلاء الشبان حملوا أرواحهم على أكفّهم حين انطلقوا في مواجهات ميدانية مع قوات الشرطة والميليشيات المؤيدة لإيران، والتي سعت لقمع الاحتجاجات، كما يجري في إيران نفسها. إلى جانب العدد الكبير من القتلى الذي سقط خلال تلك الاحتجاجات، فقد عبّرت عن رفض الجيل الشاب في العراق، من مختلف الطوائف والمذاهب - شيعة، وسُنة، ومسيحيين، وأكراداً - السير برؤوس مطأطئة نحو مستقبل مهدد بالضياع. كان يثير غضبهم، بصورة خاصة، حقيقة أن العراق، إحدى الدول الغنية بالموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط، بلد بلا مستقبل، ليس بحكم قَدَر مكتوب عليه، وإنما بحكم آفة الفساد التي تفشّت في أعلى هرم السلطة والإخفاقات الإدارية التي صاحبتها ونجمت عنها، بالإضافة إلى التدخلات الإيرانية. أمور كلها أغرقت الدولة في أزمة اقتصادية خطرة جداً. وهذا علاوة على الأزمات المتعددة الأُخرى التي حلت بالعراقيين خلال السنة الأخيرة، ومنها جائحة كورونا واحتراق عدد من المستشفيات بمن فيها جرّاء قصور قوات الإنقاذ وإخفاقها، فضلاً عن الموجة المتجددة من الاعتداءات التي نفّذها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أنحاء متعددة من الدولة، والتي عمّقت الشعور بالفوضى العارمة في البلاد.
- تعرضت التظاهرات للقمع بوحشية، من جانب الميليشيات الموالية لإيران بصورة خاصة، لكن الحملة الاحتجاجية لم تخبُ. ما زال الإرهاب السُني والتدخل الإيراني على حالهما، وكذلك أيضاً الإخفاقات الأُخرى العديدة في إدارة الدولة العراقية، في مجالات الاقتصاد والأمن، وفي ضمان السيادة الفعلية عموماً. ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمات على حالها في المدى المنظور أيضاً. لكن ثمة أمل في التغيير بين الشباب، ولذلك أيضاً ارتفعت أسهم رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي، الذي نجح في تأليف حكومة جديدة في منتصف العام الماضي، بعد أن فشل سابقوه في هذه المهمة (وهم الذين تعتبرهم إيران والميليشيات الموالية لها أفضل منه). وقد وضع الكاظمي لنفسه هدفاً واضحاً يتمثل في إعادة الدولة إلى مؤسسات الحكم ووقف الانحدار، ولو بالقوة العسكرية، نحو سيطرة الميليشيات التي تتسّم علاقته بها بالتوتر الشديد، على خلفية تصدّيه لهجمات هذه الميليشيات ضد المواطنين العراقيين والقوات الأميركية في العراق، والتي اتسعت وتصاعدت خلال العامين الأخيرين.
- ولوحظت تأثيرات التطلع نحو التغيير الذي بشّرت به الحملة الاحتجاجية على الانتخابات التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر الأخير أيضاً. فقد قاطعت أغلبية أصحاب حق الاقتراع الانتخابات، وامتنعت من المشاركة فيها، تعبيراً عن الاحتجاج، أو عن الشعور باليأس. أما مشاركة الذين اختاروا التوافد إلى صناديق الاقتراع، فقد تمخضت عن نتائج مفاجئة جداً وغير مريحة لإيران وميليشياتها التي مُنيت بهزيمة مُذلّة. فقد هبط تمثيلها في البرلمان إلى نحو الثلثين، من 48 مقعداً إلى 17 فقط، وهو ما شكّل مفاجأة كبيرة مقارنة بالاستطلاعات والتقديرات التي سبقت الانتخابات. أما النجاح الأكبر، نسبياً، فقد كان من نصيب القائد الشيعي مقتدى الصدر (الذي كان يدعو إلى مقاطعتها حتى أيام قليلة قبل موعد إجرائها)، الذي حصد 73 مقعداً من أصل الـ 329 مقعداً، فأصبح بذلك "مُتوِّج الملوك" الجديد في بغداد، بينما ادّعى المهزومون الموالون لإيران حدوث تزوير في نتائج الانتخابات ورفضوا التسليم بالهزيمة.
- نتيجة لذلك، انطلقت تظاهرات مناوئة للنظام تطورت إلى صدامات عنيفة في بغداد بين متظاهرين موالين لإيران وقوات الأمن الرسمية، سقط خلالها قتيل من بين المتظاهرين. في أعقاب ذلك، وجّه زعيم إحدى تلك الميليشيات تهديداً مباشراً إلى رئيس الحكومة، ثم تصاعد التوتر بدرجة عالية عقب محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الكاظمي، والتي جرت في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، بواسطة مروحيات رباعية مفخخة. في مقابل تلك الميليشيات - التي كانت إحداها مسؤولة عن تنفيذ محاولة الاغتيال، كما يبدو، ووفقاً لتقديرات جهات أمنية حكومية في العراق، من دون توجيهات من النظام الإيراني - يقف الآن ائتلاف حكومي أوسع مما كان سابقاً، يوحده الحرص على رفاهية المواطنين العراقيين، الاقتصادية والأمنية، والدعوة إلى تحرير العراق من الخضوع للتأثيرات الأجنبية بوجه عام، ومن الهيمنة الإيرانية بوجه خاص.
- إن الانتخابات التي جرى تبكير موعدها في مسعى لتعزيز الاستقرار ومحاصرة الفوضى في بغداد، عبر إرساء نظام جديد يستمد شرعيته من انتخابات سلمية ونزيهة (وهو ما كان فعلاً، في رأي المراقبين)، قادت إلى تعميق الاستقطاب بين القوى المتصارعة في الحلبة العراقية، وإلى مفاقمة الأزمة السياسية وعدم الاستقرار السلطوي. وبذلك، غيرت المواجهة الداخلية في العراق صورته: من انتفاضة شعبية ضد النظام الفاسد والميليشيات الموالية لإيران، إلى معركة على تأليف السلطة الجديدة بين مؤيدي الهيمنة الإيرانية من جهة، وبين رئيس الحكومة الحالي الكاظمي والزعيم الشيعي الذي ارتفعت أسهمه في الانتخابات مقتدى الصدر، من جهة أُخرى، واللذين يريدان وضع شروط محددة وواضحة لاستمرار العلاقات مع "تنظيم السقف" الجامع للميليشيات، المسمى "الحشد الشعبي": منع النشاط خارج دائرة القانون (إخضاع السلاح للرقابة الحكومية) ومنع أي توجيهات أو إملاءات من الخارج - وهذه رسالة موجهة إلى النظام الإيراني بصورة مباشرة. بناءً عليه، يصرّ الصدر، في إطار الاتصالات التي تجري هذه الأيام بينه وبين ممثلي القوى الموالية لإيران، على أن ترتكز الحكومة العراقية الجديدة على قرار الأغلبية الفائزة في الانتخابات، وليس على تسوية وسطية تفرضها الضغوط التي تمارسها الميليشيات وإيران.
- فيما يتعلق بالسياق الإقليمي والدولي، يبدو بصورة واضحة تجنُّد النظام الإيراني في محاولات لتعميق التدخل وتشديد القيود على الميليشيات الشيعية والتنسيق معها، على خلفية تقارير بشأن ترهُّل السيطرة عليها في إطار الصراع الداخلي الذي قاد إلى محاولة اغتيال الكاظمي. ويبدو أن هذا ينطلق من إدراك حقيقة أن الدينامية التي تتشكل في العراق الآن قابلة للانفجار، وقد تكون سهماً يرتد إلى نحر النظام الإيراني. وعلاوة على هذا، يظهر بوضوح الآن التدخل المباشر الذي يمارسه ممثلو النظام الإيراني، وفي مقدمتهم قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني والسفير الإيراني في العراق إيراج مسجدي، في الاتصالات الجارية في العراق حالياً، سعياً لتشكيل ائتلاف حكومي يلبّي توقعات إيران، على الرغم من الخسارة المؤلمة لحلفائها في الانتخابات. في المقابل، يبدو بوضوح أيضاً أن الإدارة الأميركية ليست متحمسة للتدخل في الساحة العراقية المتوترة، مثلما كانت في السابق. فبعد ساعات من محاولة اغتيال الكاظمي، أصدر البيت الأبيض بياناً ضمّنه تعقيباً أولياً على الحادثة، قال فيه إن الإدارة تشجب بشدة هذا العمل وتدعو إلى ملاحقة الجناة. لكن، من الجليّ أن هذا التعقيب كان فاتراً مقارنةً بتحرشات وتهديدات الميليشيات الموالية لإيران، كما تعمّد عدم تسمية هذه الميليشيات بصراحة. يعكس هذا التعقيب ابتعاد الإدارة الأميركية عما يحدث في العراق، إلى درجة التخلي عن أي محاولة جدية للجم المحاولات المتواصلة من جانب إيران والميليشيات الموالية لها لفرض إرادتها على مجريات الأمور في العراق، بما في ذلك بواسطة تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف القوات الأميركية والسفارة الأميركية في بغداد، في ظل القرار الأميركي بشأن إنهاء جميع المهمات العسكرية في العراق حتى نهاية العام الجاري. يُضاف هذا الانطباع إلى ذلك الذي تولّد في أعقاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والذي أفضى إلى سيطرة حركة "طالبان" على البلاد وبسط سلطتها عليها. ففي واقع غياب الإصرار الأميركي على التدخل، يغيب أيضاً أي وزن مضاد لإيران وحلفائها في العراق.
- على الرغم من ذلك، فإنه لا يجب تحميل تقليص الوجود والتدخل العسكري الأميركيين أكثر مما يحتملان، واستخلاص ما لا يجوز استخلاصه منهما - الانسحاب من أفغانستان والعملية الأكثر استمراراً وبُطئاً، الخاصة بتقليص التواجد في سورية والعراق - وكأن العراق سيتهاوى مثل حجر الدومينو بين يدي المحور الإيراني، أو ربما يتحول، من جديد، إلى معقل لـ"داعش" والتنظيمات الإرهابية الأُخرى. ثمة قوة داخلية وازنة في العراق تشكلها القوى التي توحدت لتكريس وتعزيز سيادة الدولة وسلطة القانون. هذه القوة تشكل عبئاً كبيراً على أكتاف القوى الموالية لإيران، وتجعل من الصعب على الحرس الثوري الإيراني الإمساك بزمام الأمور في بغداد والتصرف فيها كما يروق لها. إنها انطلاقة سياسية للقوى المعارضة للهيمنة الإيرانية. فقد جاءت نتائج الانتخابات لمصلحة خصوم الميليشيات الموالية لإيران، أولاً، وقوة داعمة لحركة الاحتجاج ضد التدخل الإيراني. ولا يزال في بغداد رئيس حكومة غير مريح بالنسبة إلى النظام الإيراني، مثلما كان سلفه، ولا يزال يسود بين الجمهور العراقي غضب متأجج ضد إيران ينبع من ردّ الإخفاقات في إدارة الدولة إلى التدخل الإيراني والميليشيات الموالية لإيران. ونتيجة لذلك، تجعل الحركة الاحتجاجية من الصعب على إيران تصميم الواقع في العراق على هواها وجعله دولة تابعة لها، خدمةً لأهدافها ومصالحها الاستراتيجية الإقليمية، بما فيها امتلاك المزيد من الوسائل القتالية المتطورة ونقلها إلى سورية، من دون أية معارضة من القوى السياسية التي تتعاظم قوتها في العراق.
دلالات إقليمية
- بقدر ما يمكن البناء على تصريحات مسؤولين رفيعين في النظام العراقي في هذا الشأن، يمكن القول إن ليس لدى إسرائيل ما يبرر توقُّع حدوث أي تطبيع إسرائيلي ـ عراقي في المدى المنظور، علماً بأن الحلبة العراقية ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل، بسبب إسقاطاتها المحتملة على ما يجري في سورية والأردن، وكجزء من المحور الإيراني في المنطقة، على الرغم مما تواجهه إيران من مصاعب ومتاعب في هذه الحلبة. من المهم النظر إلى المواجهة الداخلية الحادة المتفاقمة في العراق في أعقاب الانتخابات البرلمانية، باعتبارها أيضاً تجسيداً للفجوة بين رؤية الحرس الثوري الإيراني وبين الواقع الفعلي. لا تستطيع إيران تحقيق كل ما تريده في العراق. وفي المقابل، ليست كل نتائج وتبعات تدخُّلها هناك، أي تمرُّد الميليشيات الموالية لإيران، محبّذة ومرغوباً فيها من جانبها.
- فوق هذا، من شأن التطورات في العراق أن تكون بمثابة ملهم ومحفّز لقوى معادية لإيران تنشط في دول أُخرى، وبصورة خاصة في لبنان الذي يتخبط الآن في أزمة مدنية - سياسية - اقتصادية هي الأخطر في تاريخه. فهناك أيضاً يتصاعد التوتر الشديد بين حزب الله وإيران، من جهة، وبين خصومهما من الجهة الأُخرى. والحالة العراقية تجسّد صعوبة تواجه دولاً تتدخل في شؤون دول أُخرى (إيران في العراق، تركيا وروسيا في سورية) حين تحاول خدمة مصالحها هي من خلال حلفاء محليين، أو مبعوثين، تتكفل الدولة المتدخِّلة بتسليحهم وتمويلهم، بل وبإشراف مباشر عليهم من قادتها، بينما تتخبط الدولة التي تتعرض للتدخل في أزمات خانقة جرّاء أوضاع اقتصادية مزرية، وصراعات داخلية عنيفة، وسلطة مركزية ضعيفة. تشير الحالة العراقية، إذاً، إلى أن الأزمة قد تتفاقم بسبب الاحتجاج السياسي الذي يبدأ من الشارع ويصل إلى صناديق الاقتراع. وقود حركة الاحتجاج ووحدة القوى المعادية لإيران في العراق هو الاقتصاد الهشّ وتعاظُم النفور من القوى التي تدين بالولاء لإيران بصورة واضحة وصريحة، فلا يكون وجودها ونشاطها من أجل مواطنيها، وإنما من أجل نفسها وراعيها الإيراني.