مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
الشرطة الإسرائيلية تستخدم برنامج التجسس بيغاسوس لاختراق هواتف المواطنين
إسرائيل والولايات المتحدة أجرتا تجربة ناجحة على منظومة "حيتس 3"
الغاز الإسرائيلي في طريقه إلى لبنان
مقالات وتحليلات
إيران والولايات المتحدة تلمّحان إلى نفاذ صبرهما، لكنهما لا تريدان الإقدام على خطوة لا عودة عنها
لجم التمركز الإيراني في سورية - يجب خفض التوقعات
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"هآرتس"، 18/1/2022
الشرطة الإسرائيلية تستخدم برنامج التجسس بيغاسوس لاختراق هواتف المواطنين

تستخدم الشرطة الإسرائيلية برنامج التجسس بيغاسوس التابع لشركة NSO لاختراق هواتف المواطنين. وبالاستناد إلى تقرير تنشره مجلة "كلكليست" اليوم، تستخدم الشرطة البرنامج من دون الحصول على أمر من المحكمة لاختراق هواتف مواطنين ليسوا مجرمين أو عليهم شبهات جنائية، بينهم قادة احتجاج الأعلام السوداء [حركة احتجاجية ضد بنيامين نتنياهو]. ويستخدم البرنامج الطواقم العملانية الخاصة في اللواء السيبراني للشرطة.

وجاء في التقرير أنه في سنة 2020، عندما كان أمير أوحانا وزيراً للأمن الداخلي، زرعت الشرطة برنامجاً عن بُعد لتعقّب هواتف قادة احتجاج الأعلام السوداء وسيطرت على أجهزتهم الهاتفية، وكان في إمكانها الاستماع إلى محادثاتهم وقراءة رسائلهم. وبحسب التقرير، اشترت الشرطة برنامج بيغاسوس في سنة 2013، وأصبح عملانياً خلال فترة تولّي روني الشيخ منصب المفوض العام للشرطة. وكان الشيخ، الذي عُيّن في منصبه في كانون الأول/ديسمبر 2015 بعد أن كان نائباً لرئيس الشاباك، من الذين ألحّوا على زيادة استخدام برنامج التجسس. وتبلغ تكلفة شراء البرنامج واستخدامه وصيانته عشرات الملايين من الشيكلات.

وعلّق وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف على ما جاء في التحقيق، فكتب على تويتر: "بعد التحقق من الموضوع ليس هناك تنصّت سري أو اختراق للهواتف من طرف الشرطة من دون موافقة قاض. وسوف أتأكد من عدم وجود أي تساهل في موضوع شركة NSO، وأن كل شيء يجري بعد الموافقة عليه من قاض".

رئيسة لجنة الأمن الداخلي في الكنيست عضو الكنيست ميراف بن أري قالت إن استخدام برنامج بيغاسوس التجسسي يشكل انتهاكاً خطِراً للديمقراطية. وأنها تنوي مناقشة الموضوع في اللجنة.

من جهة أُخرى، كذّبت مصادر في الشرطة الإسرائيلية ما جاء في التقرير الذي نشرته مجلة "كلكليست". ونقلت صحيفة "معاريف" (18/1/2022) عن الشرطة إنكارها استخدام برنامج بيغاسوس للقيام بعمليات رصد وتعقّب غير قانونية، وأن كل عمليات التنصت التي تقوم بها تجري بأمر من المحكمة، وبحسب قواعد العمل في الشرطة الإسرائيلية.

 

"معاريف"، 18/1/2022
إسرائيل والولايات المتحدة أجرتا تجربة ناجحة على منظومة "حيتس 3"

أعلنت إدارة "حوما" في إدارة البحث في تطوير الوسائل الصاروخية والبنى التكنولوجية في وزارة الدفاع مع الوكالة الأميركية للدفاع الصاروخي (ِMDA) والجيش الإسرائيلي أنهم أجروا اليوم (الثلاثاء) تجربة ناجحة للمنظومة الاعتراضية "حيتس 3"، والتي تستهدف اعتراض صواريخ باليستية خارج الغلاف الجوي. وجرت التجربة في حقل للتجارب يقع في وسط البلد بقيادة الصناعة الجوية.

وتحاكي التجربة مواجهة مع مجموعة من تهديدات الصواريخ البعيدة المدى، من صواريخ عادية، إلى تلك التي تحمل رؤوساً غير تقليدية. وهذه هي المرة الأولى التي يجري في إطارها إطلاق صاروخين اعتراضيين مختلفين من منظومة "حيتس"، ولكل صاروخ مهمة مختلفة.

وقال رئيس إدارة "حوما" في وزارة الدفاع في بيان إلى الصحافيين: "منذ سلسلة التجارب التي أجريت في ألاسكا لصاروخ "حيتس 3"، وسّعنا قدرة المنظومة، وقمنا بتحسينات كبيرة. والمقصود اليوم تجربة غير مسبوقة تمت بنجاح، وهذا دليل على تقدّم تكنولوجي كبير تشارك فيه الصناعة الأمنية في إسرائيل والصناعة الجوية".

وزير الدفاع بني غانتس أثنى على التجربة فقال: "أهنىء بالتجربة الناجحة وغير المسبوقة التي تدل على تفوق التكنولوجيا الإسرائيلية بقيادة المؤسسة الأمنية والصناعة الأمنية. خطوة تلو الخطوة، وتطوير بعد تطوير، نحافظ على قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات الكثيرة في المنطقة. هذه القدرة هي التي تسمح لإسرائيل بحرية العمل الهجومي في مواجهة أعدائنا، انطلاقاً من الإدراك أن الدفاع الجيد هو الذي سيسمح بهجوم أكثر فعالية".

"2N1"، 18/1/2022
الغاز الإسرائيلي في طريقه إلى لبنان

كتب مراسل الشؤون العربية إيهود يعاري: "هناك عنوان واحد يبرز منذ فترة من الوقت في كل وسائل الإعلام في العالم العربي، يتحدث عن "نقل الغاز المصري إلى لبنان الذي يواجه أزمة طاقة محلية". قد لا تبدو للخبر تداعيات مهمة، لكن تختبىء خلفه صفقة في إمكانها تغيير الشرق الأوسط.

يعاني لبنان منذ وقت جرّاء أزمة اقتصادية حادة تتجلى نقصاً في الوقود ومشكلات في التزود بالكهرباء، ونظام الإنترنت يعاني من انقطاعات عديدة. وهذا الأسبوع اضطرت الإذاعة الرسمية إلى التوقف عن البث بسبب انقطاع الكهرباء. الفقراء في البلد يعانون كثيراً والنخبة السياسية اللبنانية تستغل ضائقة الناس لسلبهم ما تبقى من أموالهم.

في هذا الواقع، إذ لا أحد يهتم باللبنانيين، بادر الأميركيون إلى القيام بصفقة، ربما ستمنع انهيار هذا البلد، والهدف منها إحياء القوى القادرة على الوقوف في مواجهة حزب الله ولجم الإيرانيين.

إدارة جو بايدن تدفع قدماً بنقل الغاز المصري بواسطة "خط الغاز العربي" الذي سيستقبل الغاز الذي سيتدفق من العقبة جنوبي طابا، عبر خط يمر من البحر الأحمر، ومن هناك إلى الأردن وسورية. هذا المشروع عادي جداً، لكنه ليس بسيطاً أو ممكناً. الحقيقة أن المقصود غاز مأخوذ من حقل "لفيتان" الإسرائيلي، تحت غطاء غاز "مصري". إنه غاز إسرائيلي تحت غطاء غاز مصري."

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
"هآرتس"، 17/1/2022
إيران والولايات المتحدة تلمّحان إلى نفاذ صبرهما، لكنهما لا تريدان الإقدام على خطوة لا عودة عنها
تسفي برئيل - محلل سياسي
  • "أنصح وزير الخارجية الأميركي ببذل كل ما في وسعه لإقرار الخطة "أ"، لأن الخطة "ب" لا تعجب أي طرف من الأطراف"، هذا ما قاله الناطق بلسان الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة يوم الإثنين. وأضاف زادة أن الوزير بلينكن "يعرف أكثر من أي شخص آخر أن لدى كل دولة خطة "ب"، وخطتنا قد لا تعجبهم".
  • تحذير خطيب زادة جاء في مؤتمر صحافي عُقد بمناسبة بدء الجولة الجديدة من المحادثات النووية بين إيران والدول الكبرى في فيينا. وتطرق في كلامه إلى الإلحاح الذي أظهرته الإدارة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً في الأيام الأخيرة، وتلميحها إلى أنه بقيت أسابيع قليلة كي تقرر عدم جدوى الاستمرار في المحادثات، وإذا تبين لها أنها ستبقى تراوح مكانها من دون فائدة، فإنها ستنظر في خيارات أُخرى.
  • لكن لا إيران ولا الولايات المتحدة حددتا بدقة عدد الأسابيع المقصودة - وفي الأساس ما هي الخيارات الأُخرى، أو "الخطة ب" التي تحوم فوق المحادثات. فرضية العمل هي أن واشنطن لن تتبنى خياراً عسكرياً في مواجهة طهران، ما دامت هذه الأخيرة لا تخصّب يورانيوم على درجة 60%، ولا تطور أو تشتري وسائل لإطلاق سلاح نووي. من جهتها، إيران أعلنت أنها ستتوقف عن تخصيب اليورانيوم فوق هذه الدرجة، سواء أُبرم الاتفاق أو لم يُبرم.
  • والظاهر أيضاً أن فكرة تشديد العقوبات استنفدت نفسها، بعد أن أظهرت إيران قدرة على الصمود الاقتصادي والسياسي، حتى في زمن "الضغوط القصوى" التي مارسها ضدها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. هناك فرضية عمل أُخرى، هي أن الطرفين بحاجة إلى الاتفاق ويريدانه، وأن الوضع القائم الناشىء منذ 2018-2019 يهدد استقرار النظام في إيران لأسباب اقتصادية.
  • هذا التهديد هو الذي يكبح تطلُّع إيران إلى أن تصبح قوة إقليمية كبرى، وهو عامل توتر إقليمي دائم يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى التدخل - الأمر الذي يحطم استراتيجيا انفصالها عن الشرق الأوسط. يبدو أن هذا الحافز المتبادل، وليس أدوات الضغط، هو الذي سيؤدي إلى حدوث انعطافة.
  • الطواقم القانونية للولايات المتحدة وإيران تفحص، كل على حدة، كل عقوبة فرضتها الإدارة الأميركية، لتوزيعها على مجموعتين أساسيتين: تلك التي لها علاقة مباشرة بالبرنامج النووي الإيراني، وتلك التي فُرضت لاعتبارات أُخرى، مثل انتهاك حقوق الإنسان وتأييد الإرهاب، أو تطوير برنامج الصواريخ الباليستية. المشكلة أن ترامب في أثناء تولّيه الرئاسة، وبعد انسحابه من الاتفاق النووي، فرض على إيران عقوبات كثيرة لم تحدَّد كعقوبات لها علاقة بالبرنامج النووي - بل هدفها منع الإدارة المقبلة من رفعها، في حال عودتها إلى الاتفاق.
  • وهذا ما حدث مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض قبل نحو عام. إلغاء العقوبات "غير النووية"، والتي فُرضت في إطار قوانين سنّها الكونغرس وليس بأمر رئاسي، تتطلب تشريعاً جديداً. وإذا نالت التأييد فهي ستستغرق وقتاً، وستعرّض بايدن لضغوط كبيرة، ويمكن أن تعرقل تطبيق الاتفاق الجديد إذا أُبرم.
  • لكن حتى لو وافق الطرفان على لائحة معينة للعقوبات، لا يستطيع بايدن أن يتعهد بأن أي إدارة تأتي من بعده ستلتزم بالاتفاق ولن تنسحب منه مستقبلاً. تيد برايس الناطق بلسان الخارجية الأميركية أوضح أنه "لا وجود لشيء اسمه ضمانات في العلاقات الدولية"، وتابع: "يمكننا التحدث باسم هذه الإدارة التي أوضحت بصورة قاطعة أنها مستعدة للعودة الى التطبيق الكامل للاتفاق النووي، والتمسك به ما دامت إيران تلتزم بشروطه".
  • يبدو أن إيران تتفهم هذه الصعوبة لأنها تطالب الدول الأوروبية بضمانات بأنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق بصورة أحادية الجانب ستواصل الدول الأوروبية الالتزام به بالكامل - بعكس ما فعلته بعد انسحاب الولايات المتحدة. صحيح أن هذه الدول لم تنضم إلى واشنطن بعد انسحابها في سنة 2018، لكنها أيضاً لم تنجح في إقامة آلية للالتفاف على العقوبات، في ظل تهديد الولايات المتحدة بالمسّ بنشاط الشركات الدولية التي ستخرق العقوبات.
  • ... يبدو أن مسألة الرقابة على رفع العقوبات هي مشكلة من السهل حلّها، لأن الإدارة الأميركية صرّحت بأنه سيكون من الممكن رؤية إلغاء هذه العقوبات على الأرض فور إبرام الاتفاق. لكن إيران تتخوف من إمكان استخدام واشنطن عقوبات غير مباشرة وتهديدات غير علنية ضد شركات أو دول تعود إلى العمل معها. لذلك، هي تطالب بإنشاء آلية محايدة متفَّق عليها تفحص رفع العقوبات.
  • إن مستقبل المفاوضات في فيينا مرتبط بحجم التقدم الذي سيتحقق في الأيام المقبلة - وفي الواقع، من الأصح القول إنه مرتبط بتفسير مصطلح "التقدم". لا يريد أي طرف أن يُتهم بإفشال المفاوضات وإحباط فرص التوصل إلى اتفاق. لذلك، من المهم اتفاق إيران والولايات المتحدة على مسألة تحديد هذا التقدم بطريقة تكبح نية الانسحاب من المفاوضات - حتى لو كان معنى ذلك ضرورة تمديد الوقت المخصص للمحادثات.

 

"مباط عال"، العدد 1550، 16/1/2022
لجم التمركز الإيراني في سورية - يجب خفض التوقعات
أودي ديكل - باحث في معهد دراسات الأمن القومي
  • في إطار استجواب قام به مجلس الشيوخ الأميركي بشأن طريقة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، اعترف مسؤولون رفيعو المستوى في البنتاغون - وزير الدفاع ورئيس القيادة المركزية في الولايات المتحدة Centcom - بأنهم أخطأوا في الاعتماد على تقدير متفائل بشأن تداعيات الانسحاب. في إسرائيل، وبالاستناد إلى كلام رئيس الاستخبارات العسكرية المنتهية ولايته تامير هايمن عن الوضع على الجبهة السورية، فإن "نشاطات إيران مستمرة وتغيّر شكلها، لكن تمركزها في سورية لُجم". كما قال: "حزب الله يبتعد عن هضبة الجولان". وبحسب الصورة التي رسمها اللواء هايمن عن الوضع في سورية، يوجد اليوم بضع مئات من الضباط الإيرانيين ونحو عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية، التي تعمل بقيادة فيلق القدس الإيراني. وأشار هايمن إلى أن "الجيش الإسرائيلي عرقل بصورة كبيرة محاولة إيران بناء منظومة صاروخية وإخفاءها في المنطقة السورية كما فعل في لبنان"، وشدد على "أن العمليات في سورية لم تكبّد إيران فقط ثمناً باهظاً، بل أيضاً الأسد، وهذا ما أدى إلى لجم التمركز الإيراني، ودقِّ إسفيناً بين الأسد والإيرانيين - وفهم الأسد أنه سيتلقى ضربات قاسية جرّاء استضافته الإيرانيين".

صورة التمركز الإيراني

  • بيْد أن صورة الوضع هي أكثر تعقيداً مما وصفه اللواء هايمن. التمركز العسكري والمدني لإيران في سورية مستمر ويتبدل مع تغيُّر الظروف، على الرغم من أنه يجري بصورة محدودة أكثر مقارنة بالمخطط الأصلي. كان الهدف من خطة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، قبل أن تغتاله الولايات المتحدة في مطلع 2020، خلْق منطقة احتكاك بإسرائيل في هضبة الجولان من أجل توجيه الجهد العسكري الإسرائيلي القتالي على طول الحدود، وفي الوقت عينه، ردْع إسرائيل ومنعها من التركيز على بناء قدرة عسكرية لضرب المنظومة النووية في إيران نفسها، وإيران نجحت بصورة محدودة في إقامة منشآت وبنية عسكرية تحتية في هضبة الجولان. إسرائيل من جهتها، ردت بحزم ومنعت إيران من الحصول على موطئ قدم عسكرية بالقرب من حدودها، وعرقلت ملف "الجولان" لحزب الله، والرامي إلى إقامة خلايا إرهابية في جنوب سورية.
  • التغيّر الذي ظهر في التمركز الإيراني - التقليل من ظهور القوات الإيرانية، وإقامة ميليشيات محلية تعتمد على مجندين سوريين، والتسلل إلى نسيج الحياة المدنية والدينية في الدولة - لم يحدث فقط بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي، بل كان نتيجة تغيّر الظروف بعد أكثر من عشرة أعوام على الحرب الأهلية في سورية. طهران معنية بعدم الدخول في مواجهة مع روسيا وتهمها مخاوف موسكو من تداعيات استمرار الهجمات الإسرائيلية، ومن المسّ بقوات الأسد ومستقبل نظامه. ومن أجل تصوير نفسها كحليفة مسؤولة تتقيد بقواعد اللعبة التي تضعها روسيا، استجابت إيران لطلب روسيا سحب وكلائها - في الأساس الميليشيات الشيعية وليس حزب الله- من جنوب سورية، وتقليص تدخُّلها في بناء واستخدام قوة الجيش السوري. لكن طهران لم تتخلّ عن أهدافها الاستراتيجية البعيدة الأمد، وهي: التأثير في المجال السوري؛ بناء جسر بري من إيران، عبر العراق وسورية، وصولاً إلى لبنان؛ الضغط لخروج القوات الأميركية من شمال شرق سورية؛ بناء قاعدة لإطلاق الصواريخ والمسيّرات الهجومية على إسرائيل. ومن أجل الدفع قدماً بهذه الأهداف تركز إيران نشاطها على عدد من المجالات:
  • تعزيز موطىء قدم لها في شرق سورية - من خلال نشر قوات وكلائها وتسليحهم بوسائل قتالية متقدمة، كنقطة انطلاق للسيطرة على الحدود العراقية – السورية في اليوم الذي تجلي فيه الولايات المتحدة الأميركية قواتها من المنطقة. وذلك للمحافظة على خطة الجسر البري والوصول إلى مصادر الطاقة في سورية.
  • مواصلة بناء قوة عسكرية - وهي في معظمها، لا تعتمد على قوات إيرانية نظامية بل على حزب الله وميليشيات شيعية محلية تقوم هي بإنشائها؛ والاحتفاظ بعشرات المنشآت العسكرية في شتى أنحاء سورية؛ وتحسين قدرة إنتاج محلية ونقل عتاد عسكري إلى سورية وحزب الله في لبنان. ويتمركز وكلاؤها في منشآت وقواعد عسكرية في وسط سورية، وفي مطار القصير العسكري والشعيرات في محافظة حمص بسبب قربهما من الحدود السورية - اللبنانية، وهو ما يسمح لها بتزويد حزب الله بالسلاح؛ مؤخراً، تسعى إيران لنقل ونشر منظومات دفاع جوية في سورية وسهل البقاع في لبنان للتصدي لهجمات جوية إسرائيلية؛ كما يتواصل تهريب المسيّرات الهجومية. وفي تقدير وزير الدفاع بني غانتس، خلال بضعة أعوام "سيكون لدى الميليشيات الإيرانية في سورية مئات المسيّرات"، معظمها لديه قدرة هجومية.

ج- إيران تعتمد أكثر على وكلاء مجندين سوريين - جنّد الإيرانيون عشرات الآلاف من سكان المناطق التي اضطرت إيران إلى تقليص نشاطها فيها، وخصوصاً في جنوب سورية، وقاموا بتنظيمهم ضمن عشرات الميليشيات المحلية التي تعمل بقيادتها، بتمويل وتدريب إيرانيين، حتى رواتب المجندين تدفعها إيران. تقوم هذه الميليشيات بمهمات متعددة، بينها ترسيخ وجودها، وردع السكان المحليين، وتنظيم عسكري أمامي يمكن أن تنضم إليه قوات إضافية، والمساعدة في تجنيد نشطاء جدد، وإقامة شبكة مدنية، وتهريب السلاح والمخدرات. وينفّذ أعضاء الميليشيات، يومياً، مهمات جمع معلومات استخباراتية ومحاولات القيام بعمليات إرهابية ضد إسرائيل في هضبة الجولان.

د-   التسلل إلى النسيج الاجتماعي في سورية - أقامت إيران عشرات مراكز التأثير في سورية تجري فيها أنشطة اقتصادية ودينية، وتربوية وثقافية، وتقديم مساعدات إنسانية وخدمات طبية، ومؤسسات اقتصادية - على رأسها مركزا التجارة الأساسيين في دمشق وحلب. بالإضافة إلى ذلك، تبني إيران ضاحية شيعية في شرقي دمشق بالقرب من مزار السيدة زينب، ومن هناك تسيطر على الطريق المؤدية إلى المطار الدولي للعاصمة.

هل أصبحت إيران غير مرغوب فيها في نظر الأسد؟

  • الرأي السائد وسط أوساط في إسرائيل أن إيران لم تعد مرغوباً فيها، في نظر الرئيس السوري بشار الأسد. وذلك بالاستناد إلى تقارير تحدثت عن مسعى الأسد لإزاحة قائد فيلق القدس في سورية جواد غفاري. مع ذلك، يبدو أن هذا الأخير أنهى مهمته كما خطط هو لها؛ وما يعزز هذه الفرضية أن صورة الارتباط بإيران تضع سورية في "معسكر المقاومة"، الأمر الذي يشكل حاجزاً على طريق عودة سورية إلى الجامعة العربية وتخفيف العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة وأوروبا. يضاف إلى ذلك التقارير التي تتعلق بمعارضة النخبة السورية الموالية للأسد لدفع ثمن النشاطات الإيرانية في سورية وتأييد طهران للنظام. علاوة على ذلك، يتخوف السوريون الموالون للنظام من أن تسعى إيران لتغيير الهوية والثقافة العربية السورية.
  • لكن تقديرات وجود تصدُّع في العلاقة بين الأسد وإيران مبالَغ فيها. يوجد في هذه التقديرات عيبان أساسيان: الأول، من الصعب الافتراض أن الأسد مستعد للتخلي عن شراكة استراتيجية وثيقة عمرها 40 عاماً بين سورية وإيران، في مقابل فوائد محتملة من تحسّن العلاقات مع دول الخليج التي دعمت مجموعات المتمردين التي كادت تطيح نظامه؛ الخلل الثاني، لا يزال المستشارون العسكريون والميليشيات الشيعية يقومون بدور مهم في الدفاع عن نظامه، في وقت يبدو أن الحرب في سورية لم تنتهِ بعد. قدرات القوات البرية في الجيش السوري لا تزال ضعيفة، ولا يزال النظام يعتمد على الميليشيات الشيعية التي ينظمها ويشغّلها فيلق القدس.
  • تسلُّل إيران إلى عمق طبقات الدولة والمجتمع في سورية يجعل أي محاولة لاقتلاعها غير عملية. لا يزال لدى الأسد أسباب كثيرة للاعتقاد أن ترميم مكانته الدبلوماسية ستستمر، حتى لو بقي قريباً من إيران.

خلاصة ودلالات

  • يجب الامتناع من التقديرات المتفائلة بشأن لجم التمركز الإيراني في سورية. لا تزال إسرائيل بعيدة عن تحقيق الهدف الاستراتيجي لإخراج قوات إيران ووكلائها من سورية والحد من تأثيرها هناك، سواء بواسطة المعركة بين الحروب المستمرة، أو من خلال التوقع بأن روسيا والرئيس الأسد سيقومان بالمهمة بدلاً منها.
  • النفوذ في سورية مهم بالنسبة إلى المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تحقيق هيمنة في المشرق العربي وتحدّي إسرائيل على حدودها مع سورية ولبنان. وفي ضوء الظروف المتغيرة، وللمحافظة على تأثيرها في سورية، بلورت إيران بدائل سياسية وعسكرية واقتصادية ودينية. ففي جنوب سورية، هي تعتمد أكثر على ميليشيات محلية وعلى حزب الله؛ في دمشق، تستغل التغيرات الديموغرافية بعد نزوح السكان السّنة من أجل بناء ضاحية شيعية تحت هيمنة إيرانية؛ ومن أجل السيطرة على منطقة الحدود بين سورية ولبنان، تحتفظ بالسيطرة على المطار في منطقة حمص وتعتمد على قوات حزب الله؛ وفي شرق سورية، تبني إيران قوة سيطرة سريعة مدربة ومستعدة لمواجهة انسحاب القوات الأميركية من المنطقة.
  • أيضاً فكرة دقّ إسفين بين الأسد وطهران وإقناعه بإبعاد القوات التي تشغّلها إيران عن أراضيه هي فكرة متفائلة وغير واقعية. لا يملك الأسد القوة لإجبار إيران على الخروج من سورية، وهو لا يزال يسيطر على ثلث أراضي الدولة، ويعرف أن الحكام العرب يمكن أن يحملوا إليه الهدايا، لكنهم لن يقدموا له الولاء الذي قدمته طهران بثمن دموي، وبتوظيف موارد كبيرة.
  • بناء على ذلك، لا تستطيع إسرائيل الاعتماد على أن الأسد هو الذي سيُبعد إيران عن سورية. ويجب عليها مواصلة المعركة المستمرة ضد التمركز العسكري لإيران ووكلائها في سورية، والتعاون مع مجموعات محلية معارضة للنفوذ الإيراني ونظام الأسد. وفي الوقت عينه، من المهم تعزيز الحوار الثلاثي مع روسيا والولايات المتحدة من أجل التأثير في بلورة مستقبل سورية.