مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
الطفل محمد التميمي، البالغ من العمر عامين ونصف العام، الذي أصيب يوم الخميس برصاص قناص من الجيش الإسرائيلي في قرية النبي صالح في الضفة الغربية، توفي بعد ظهر يوم الإثنين متأثراً بجراحه. ووفقاً للتحقيق الأولي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي، وقعت الحادثة يوم الخميس، قرابة الساعة التاسعة مساءً، عندما أطلق فلسطينيان آخران النار في ذلك الوقت، ولعدة دقائق، على منطقة مستوطنة حلميش القريبة، بحسب زعم الجيش. لاحقاً، قام الجيش بنشر فيديو يُظهر شخصاً يحمل بندقية ويطلق رشقاً نارياً. ووفقاً للجيش، جرى إطلاق النار من هضبة تبعد نحو 600 متر عن تحصين عسكري صغير في المكان. وبحسب الجيش، فإن أحد الجنود، الذين كانوا يقفون بالقرب من المكان، أطلق 4 رصاصات على السيارة التي كان يوجد فيها الطفل ووالده، بعد أن اعتقد، خطأً، أن السيارة هي مصدر إطلاق النيران. ولاحقاً، اعترف الناطق بلسان الجيش بأن الطفل ووالده أُصيبا بنيران الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ، معرباً عن "أسفه لإصابة أشخاص غير متورطين، وأنه سيعمل للحؤول دون وقوع حوادث من هذا النوع."
لكن والدة محمد التميمي، مروة، قالت لـ"هآرتس" إن الجندي الذي أطلق النار على زوجها وابنها كان قريباً جداً. وأضافت أن الجنود الإسرائيليين اعتادوا الاختباء بالقرب من ساحة المنزل-بالقرب من الجدار الذي يفصل بين المنزل والشارع-أي على بُعد 50 متراً من المنزل نفسه. وطوال أعوام، كان زجاج نوافذ البيت يتحطم بسبب إطلاق النار بالقرب من المنزل. وذكرت مروة أنه بعد دخول زوجها وابنها إلى السيارة، أدار الزوج السيارة وأضاء مصابيحها، عندها أُطلقت النار عليهما وتحطم زجاج السيارة فوقهما، فأُصيب الابن والزوج الذي قاد سيارته وهو مصاب في كتفه ورقبته، وقام السكان بمساعدته وأدخلوه إلى المستشفى في رام الله، حيث خضع لعملية جراحية. وقال الأب بعد خروجه من المستشفى إنه لم يكن يعلم بوجود جنود إسرائيليين في البلدة. وذكر سكان البلدة للصحيفة أنهم لم يسمعوا صوت إطلاق نار قبل وقوع الحادثة.
وزارة الخارجية الفلسطينية طالبت بفتح تحقيق دولي، وطلبت من المحكمة الدولية في لاهاي اتخاذ خطوات ضد إسرائيل، لأن التحقيق الداخلي الذي يُجريه الجيش الإسرائيلي شكلي، وهدفه حرف الانتباه وحماية المستويين السياسي والعسكري.
تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صباح اليوم (الثلاثاء) مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعد حادثة إطلاق النار على الحدود بين الدولتين في يوم السبت، والتي قُتل جرّاءها 3 جنود إسرائيليين. وشدد الطرفان في حديثهما على أهمية التنسيق بينهما في التعامل مع الحادثة.
وجاء من مكتب رئيس الحكومة أن: "الرئيس السيسي أعرب عن أسفه العميق للحادثة على الحدود المصرية. كما شكر رئيس الحكومة نتنياهو الرئيس المصري على تعهُّده إجراء تحقيق مشترك في هذا الشأن. وأعرب الرئيسان عن التزامهما الاستمرار في تعزيز السلام والتعاون الأمني بينهما، الذي له قيمة حيوبة بالنسبة إلى الدولتين."
وجاء من مكتب الرئيس السيسي أن الرئيس المصري تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، جرى خلاله البحث في ملابسات الحادثة، مع التشديد على "مواصلة العمل معاً والتنسيق في إطار العلاقات بين الدولتين من خلال التطلع إلى التوصل إلى السلام الشامل والحفاظ على الاستقرار في المنطقة."
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الإثنين إن إدارة بايدن ملتزمة الدفع قدماً بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، لكن ليس لدى البيت الأبيض أوهام بأن هذا سيجري بسرعة. وقال بلينكن في خطاب ألقاه في حفل نظّمه اللوبي الموالي لإسرائيل (أيباك) في واشنطن، إن انضمام إسرائيل إلى الشرق الأوسط يخدم المصالح الوطنية للولايات المتحدة، لكنه شدد على أن الاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية، بينها السعودية، لا يمكن أن تحلّ محلّ السعي لحلّ الدولتين. ومن المنتظر أن يزور بلينكن السعودية هذا الأسبوع، حيث سيعمل، من بين أمور أُخرى، على الدفع قدماً باتفاق سعودي-إسرائيلي.
ومما قاله بلينكن: "قامت إسرائيل على أسس القيم الديمقراطية، ومنظومة علاقاتنا تعتمد على هذه القيم." في تلميح له إلى الصراع الدائر ضد الانقلاب القضائي. وتابع: "حلّ الدولتين مهم للحفاظ على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية،" واستشهد بالكلام الذي قاله الرئيس بايدن لدى زيارته إسرائيل قبل عام، حين تحدث عن الحاجة إلى قيام دولة فلسطينية على أساس حدود 1967.
كما تطرّق بلينكن إلى الموضوع النووي الإيراني، فشدد على أنه لا يمكن "السماح لإيران بتطوير سلاح نووي، وهذا الأمر لن يجري خلال فترة حكم الرئيس بايدن." وقال إن الإدارة الأميركية لا تزال تؤمن بالطرق الدبلوماسية والرقابة على طهران لوقت طويل.
تطرّق زعيم حزب راعام منصور عباس هذا الصباح، في حديث لإذاعة أف أم 103، إلى الاجتماع الذي جمع بنيامين نتنياهو وأعضاء الكنيست العرب أمس، للبحث في قضية العنف في المجتمع العربي، وقال: "لقد أردت أن يصل رئيس الحكومة إلى نقطة يدرك فيها أنه لا يمكن الاكتفاء بالاجتماعات والكلام." وتابع: "خلال أسبوع كامل، حاولت الحصول منهم على كلمة واحدة – ماذا يريدون أن يفعلوا غير الاستماع إلى أعضاء الكنيست العرب والتقاط الصور معهم، ولم أنجح. أرسلت رسالة إلى نتنياهو، وفصّلت فيها ماذا يجب عمله. أنا متأكد من أنه ألقى نظرة عليها، لكنه لم يذكر كلمة واحدة، ولم يرد." وأضاف: " في اللحظة التي يكون مكتب رئيس حكومة جدياً، ويريد الدفع قدماً بالأمور، سنساعده، لكن لن نكون جزءاً من هذا المسرح أمام مواطني الدولة. لا يوجد شيء سياسي هنا. وإذا لم يكن لديه أشخاص يمكنهم قيادة الخطط، فليأتِ بأشخاص جدد لهذه المهمة، وبذلك نحافظ على حياة الناس." وخلص إلى القول: "هناك حاجة إلى استبدال وزير الأمن القومي. وأطلب من نتنياهو استبدال بن غفير ونقْله إلى مكان آخر. كنت أفضل مجيء وزير محترف غير سياسي يعرف كيف يدير الأمور وكيفية التحدث مع المجتمع العربي."
وصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى مانيلا أمس، حيث التقى الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن ونظيره الفلبيني. وهذه أول زيارة يقوم بها وزير خارجية إسرائيلي منذ زيارة الوزير أبا إيبان في سنة 1967، والتي سبقتها زيارة رئيسة الحكومة غولدا مائير في سنة 1962.
وبحث كوهين مع المسؤولين في الفلبين في سبل الدفع قدماً بالعلاقات بين البلدين والفرص الجديدة المتاحة، بعد توقيع اتفاقات أبراهام، والموافقة على تسيير خط طيران فوق السعودية وعُمان، وهو ما يقصّر المسافة بين إسرائيل وشرق آسيا بصورة كبيرة. كما عرض كوهين على رئيس الجمهورية ووزير الخارجية في الفلبين إمكانية إقامة خط مواصلات بحري-بري يربط آسيا بأوروبا عن طريق الشرق الأوسط وإسرائيل، الأمر الذي سيخفّض تكلفة النقل الدولي للبضائع بصورة كبيرة.
وخلال الزيارة، افتتح كوهين الفرع الجديد للسفارة الإسرائيلية في مانيلا، والتقى الجالية اليهودية الصغيرة في البلد. ومما قاله كوهين خلال زيارته: "لإسرائيل والشعب اليهودي دين تاريخي للفلبين لإنقاذها حياة 1300 يهودي خلال المحرقة النازية، ولكونها الدولة الآسيوية الوحيدة التي دعمت إقامة دولة إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 1947." ورأى كوهين أن هذه الزيارة "ستعزز العلاقات الدبلوماسية والوجود الإسرائيلي في شرق آسيا، بالإضافة إلى زيارته إلى الهند في الشهر الماضي. وأن تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية في شرق آسيا وتقصير وقت الطيران، بفضل الموافقة على التحليق فوق عُمان، سيفتح أمام إسرائيل أبواب دول أُخرى في المنطقة، وسيقدم لنا فرصاً اقتصادية وسياسية رائدة."
- أضيئت كل أضواء التحذير على خريطة الشرق الأوسط، إيران تفتتح اليوم سفارتها في الرياض بعد مرور 7 أعوام على إغلاقها. في المقابل، خفّضت السعودية إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يومياً، وهي تدفع الأسواق في أميركا والغرب نحو ارتفاع إضافي في التضخم.
- الإمارات، الدولة الشجاعة التي وقّعت اتفاقات أبراهام، تبتعد خطوة إضافية عن الولايات المتحدة، وبصورة استعراضية، تغادر قوة حفظ الأمن الأميركية التي من المفترض أن تسهر على أمن الملاحة في الخليج العربي.
- وتدّعي تقارير متعاقبة أن مصر أيضاً، أول دولة عربية توقّع اتفاقاً للسلام مع إسرائيل، بدأت محادثات مع طهران، تحضيراً لإقامة العلاقات بينهما. قبلها، قامت السعودية والإمارات بلملمة منظوماتهما العسكرية في اليمن، وفعلياً، تسلّمها الحوثيون الذين ترعاهم إيران.
- في الخلاصة، في الوقت الذي تحلم القيادة الإسرائيلية بالسلام مع السعودية، وتخبر الشعب الإسرائيلي بأن ما يجري هو مجرد مظهر خارجي، فإن الواقع، لسبب ما، يرفض أن يتطابق مع هذه النظرية. الألواح التكتونية تتحرك في اتجاه طهران، وربما إسرائيل بقيت وحدها.
- إسرائيل بقيت وحدها في ساحة أُخرى أيضاً هي ساحة الوكالة الدولية للطاقة النووية. قبل أقل من عام، تعهد رئيس الوكالة رفائيل غروسي، علناً، في مقابلات أُجريت معه، أن "الوكالة لن تغلق أبداً التحقيقات التي فُتحت ضد إيران بسبب ضغط سياسي من أجل التوصل إلى اتفاق نووي معها." وها نحن اليوم، وعلى الرغم من أن خداع إيران واضح للجميع، فإن الوكالة أغلقت الملفات ضدها بسحر ساحر. يحدث هذا، تحديداً، في الوقت الذي تتراكم في إسرائيل معلومات عن محاولات أميركية يائسة للتوصل مع إيران إلى اتفاق جزئي محدود وموقت ومحدد، أو أي مصطلح آخر تريدونه. لا يمكن ألا يكون هناك علاقة بين الأمرين.
- وماذا بشأن أميركا نفسها؟ صورة سقطة الرئيس جو بايدن في نهاية الأسبوع هي صورة دقيقة لبلده. دولة عظمى في حالة سقوط. لا أحد يريد التقرب منها، ولا أحد يعتمد عليها.
- لا يزال الموقف الرسمي الأميركي هو نفسه "لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي." وحتى أن رئيس هيئة الأركان المشتركة قال مؤخراً في إحاطة قدّمها إلى مجلس الشيوخ الأميركي، إن الولايات المتحدة تعارض" قفزة إلى السلاح النووي" من جانب إيران، وهو ما يعني أنها تستطيع الاحتفاظ بالسلاح، لكن وضعه على أهبة الاستعداد ممنوع. حقيقةً شيء مريح.
- أين هي إسرائيل من كل هذه القصة؟ تتحدث إسرائيل لغة مزدوجة. من جهة، تروي رواية غير صحيحة، أنه لا توجد فجوات في المواقف بينها وبين واشنطن. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي هاجم بينت ولبيد لخنوعهما أمام الأميركيين، لم يقف ضد الإدارة الأميركية كما فعل في سنة 2015. يبدو أنه استوعب أن ضرر هذا الخلاف أكبر من فائدته.
- لذلك، فإنه يلعب مع سائر المنظومة لعبة "لا تتركوني أتحرك". وهيئة الأركان العامة والمجلس الوزاري المصغر يتدربان على حرب متعددة الجبهات.
- حزب الله في الشمال، وشرطي-"مخرب" مصري في الجنوب، يمنحان هذا التدريب نكهة من خلال حوادث حقيقية واجتياز السياج الحدودي في نقاط ضعفه. ومرة أُخرى، ندرس الأحداث، ونستخلص الدروس، ونستعد للمقبل من الأيام.
- في الأمس، قال وزير الدفاع يوآف غالانت: "إن المخاطر التي تواجهها دولة إسرائيل تزداد وتتعاظم، وسنضطر إلى القيام بواجبنا للدفاع عن سلامة إسرائيل ومستقبل الشعب اليهودي." أما سلفه بني غانتس فقال: "دولة إسرائيل ستقوم بالمطلوب لمنع تهديد وجودها. وعلى الرغم من الخلافات بيننا، إذا حان الوقت الذي نحتاج فيه إلى العمل معاً، فإن الحكومة ستحصل على الدعم الكامل من المعارضة لأي عملية حازمة ومسؤولة من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي."
- ماذا يقال لأب بعد لحظات قليلة من تبليغه الخبر الرهيب بأن طفله، ابن العامين ونصف العام، توفي متأثراً بجراحه؟ ماذا نقول لأب رأى طفله يصاب بإطلاق النار أمام عينيه من قناص في الجيش الإسرائيلي؟ ماذا نقول لأب رأى النار تُطلق على سيارته وسارع إلى إغلاق بابها ليرى ابنه الطفل مستلقياً على المعقد الخلفي ينزف من الجهة اليمنى من رأسه، حيث أصيب برصاصة، وذلك بعد لحظة واحدة من وضعه هناك، وهما في طريقهما للاحتفال بعيد ميلاد إحدى القريبات؟ ماذا نقول لأب في حالة صدمة تامة، مصاب برصاصة في كتفه، يئن من الألم ويتمتم طوال الوقت بالصلاة، كأنه يصلي لنجاة طفله، على الرغم من أنه كان يعلم في تلك اللحظة بأن فرص نجاة طفله محمد معدومة، وأن الصغير محمد مات؟
- عندما وصلنا ظهر الأمس (الإثنين) إلى قرية النبي صالح، التقينا في البداية شهود عيان شاهدوا حادثة إطلاق النار التي وقعت يوم الخميس مساء. وقبل الساعة الثانية بعد الظهر، اتصلنا هاتفياً بمنزل الطفل الذي جُرح في الحادثة، وطلبنا رؤيته. نصحنا أقرباؤه بالمجيء بسرعة "لأننا لا نعرف ماذا سيحدث." بعد وقت قصير، وصلنا إلى منزل عمّ الطفل محمد. كان الصمت يسود غرفة الضيوف الصغيرة، فجأة، خرقت الصمت صرخة ألم جاءت من الغرفة الثانية، حيث تجلس نساء العائلة، وفهمنا فوراً: مات محمد.
- توفي محمد ظهر أمس في غرفة العناية الفائقة في مستشفى صفرا للأطفال في تل هاشومير. ابن العامين ونصف لفظ أنفاسه الأخيرة، وكانت بقربه أمه وجدّته، وكان والده زاره في الأول من أمس بضع ساعات، لكنه لم يكن قادراً على البقاء بسبب جراحه. 80% من دماغ محمد الصغير أصيب بالرصاصة التي انفجرت في رأسه وتسببت بموته. كان طفلاً أشقر الشعر، مثل أغلبية الأطفال في هذه القرية المميزة، ومثلهم، كبر في قرية-سجن مع برج حراسة محصّن على مدخلها. ومن هذا البرج، أُطلقت الرصاصة على رأس محمد.
- الجيش الإسرائيلي نشر في الأمس نتائج تحقيقه، واعترف "أخطأنا في الهدف". القناصة أطلقوا النار بواسطة مناظير ليلية، لكنهم أخطأوا العنوان. ألم تسمح لهم مناظيرهم المتطورة بأن يروا أنهم يطلقون النار على رأس طفل؟ ألم يروا الأب قبل لحظة وهو يحمل محمد ويُجلسه على المقعد الخلفي للسيارة ويسارع إلى الجلوس في مقعد السائق، ويصاب بإطلاق النار قبل دخوله إلى السيارة؟ هل الخطأ في تحديد العدو يشمل أيضاً الخطأ في تقدير عمر العدو؟ هل الجندي كان يعرف، أو لا يعرف على مَن يطلق النار؟ فإذا كان يعرف لماذا أطلق النار، وإذا لم يكن يعرف لماذا أطلق النار؟
- هيثم، والد الطفل المصدوم، قال في الأمس إنه لم يسمع أي إطلاق نار قبل إدخال محمد إلى سيارته. وبذلك، هو يناقض رواية الناطق بلسان الجيش الذي ادّعى أن إطلاقاً للنار حدث قبل مقتل الطفل. ابن عم والد الطفل سامح التميمي مهندس سيبراني من سان فرانسيسكو كان في زيارة إلى البلدة، طرح في الأمس احتمال أن يكون الذي أطلق النار على محمد مريضاً نفسياً. "مَن غير هذا يطلق النار على رأس طفل؟" تساءل ابن العم من أميركا. وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعت إلى القول إن إطلاق النار كان عن طريق الخطأ، مَن قال لهم ذلك؟ هل كانوا موجودين هناك؟ وهل رأوا الساحة؟ يكفي أن الناطق بلسان الجيش أعطاهم توجيهات لقول ذلك.
- لكن الناطق زعم أيضاً أنه سبق الحادثة إطلاق نار، وفي القرية لم يسمعوا شيئاً. ولو كان هناك إطلاق للنار، من الطبيعي أن الأب لم يكن ليُخرج ابنه من المنزل إلى السيارة. كان الأب وطفله في طريقهما إلى القرية القريبة، دير نظام، للاحتفال بعيد ميلاد خالة الطفل أخت الأم. والأب هيثم الذي يعمل في مخبز للحلويات، حمل معه قالب حلوى لصاحبة العيد من محل الحلويات الذي يعمل فيه، وأخذه معه قبل اصطحاب ولديه. من حسن الحظ أن ابنه الثاني أسامة، ابن الخامسة، بقي في المنزل.
بعد ظهر أمس، جلس الأب الثاكل، وجلس شقيقه وهو يمسح الدموع من عينيه، وجلس والده المُسن صامتاً، كان يبدو كأنه منفصل عن الواقع، ولم يعد قادراً على تحمُّله، كان يتمتم بالصلاة والبكاء المكبوت ويحدّق في فضاء الغرفة. وشيئاً فشيئاً، بدأ المعزّون بالحضور، ورويداً رويداً، بدأ يتسلل الإدراك أن محمداً لن يحتفل بعيد ميلاده الثالث.
- يجب فحص سلوك الجبهة "المدنية" في إسرائيل خلال حملة "درع وسهم" عبر ثلاثة أبعاد مرتبطة ببعضها البعض: تصرُّف الجبهة الداخلية في ظل هجمات "الجهاد الإسلامي" وإسقاطات ذلك على مواجهات مستقبلية؛ حصانة المجتمع الإسرائيلي في إطار العلاقة المباشرة بالجولة القتالية؛ والحصانة الإسرائيلية في السياق الأوسع خلال الأزمة السياسية/الاجتماعية التي اندلعت بقوة بسبب مبادرة الحكومة إلى القيام بـ"إصلاحات قضائية".
- أولاً، يجب الاستنتاج والقول إن منظومات الجبهة المدنية في إسرائيل تصرفت خلال الجولة القتالية بمعقولية. التطور التدريجي للقتال خلق توقعات لدى المجتمع بأنه سيكون هناك جولة إضافية، وخلقت لديه وعي طوارئ أمني. لكن قدرة الجبهة المدنية على التعامل مع العدو كانت نابعة بالأساس من الفجوة الكبيرة جداً بين قدرات الهجوم والدفاع لدى إسرائيل، مقارنةً بالضعف الاستراتيجي والتكتيكي لدى "الجهاد الإسلامي"-بالتأكيد مقارنةً بحزب الله و"حماس" أيضاً. هذه الفجوة يمكن أن تتقلص كثيراً في مواجهة واسعة، يمكن أن تكون متعددة الجبهات، ولذلك، يمكن أن تفرض تحديات أكبر بكثير على قدرة وفاعلية هذه المنظومات التي بُنيت في إسرائيل خلال الأعوام الماضية كي تعمل بصورة صحيحة في مواجهة أمنية. هذه الفاعلية انعكست أيضاً، بوضوح، في السياق العسكري-الهجومي-توجيه ضربة قاسية إلى التنظيم "المتطرف" وتقليص احتمال التهديد من طرفه؛ وأيضاً في السياق العسكري-الدفاعي (على الرغم من وجود خلل تقني في منظومة الدفاع "القبة الحديدية"، وخلاله قُتلت مواطنة في رحوفوت). وفي هذا الإطار، عملت منظومات الجبهة الداخلية جيداً، وتضمّن ذلك أيضاً منظومة الإنذار وإطلاق صفارات إنذار متطورة ومتقدمة، بالإضافة إلى خطوات إرشادية وتوجيهات للجمهور، إلى جانب الرد الأولي المدني. والخلاصة من هذا كله أن الرد الإسرائيلي في مواجهة تهديد صاروخي محدود، موجود-على المستوى العملياتي-معقول، حتى لو لم يكن صارماً بشكل تام.
- هذا الإنجاز مهم ومبارك. وينعكس في العدد القليل للمصابين في الجانب الإسرائيلي (قتيلان و32 مصاباً، و45 إصابة بالهلع). وعلى الرغم من ذلك، فإن الإنجاز على الصعيد العسكري لا يشير إلى جديد بالنسبة إلى موازين القوى ما بين إسرائيل وقطاع غزة، أو عما يمكن أن يحدث في مواجهة محتملة مستقبلاً، في حال كانت أوسع، أو متعددة الجبهات، وتشارك فيها "التنظيمات الإرهابية" الأُخرى، وضمنها حزب الله اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية. مواجهة واسعة كهذه ستترافق مع تهديد أوسع بكثير مما شهدناه مؤخراً في الجبهة الإسرائيلية. وأشك كثيراً في أن يكون الأداء الإسرائيلي على الصعيد الدفاعي شبيهاً بما شهدناه في الجولة القتالية الأخيرة مع "الجهاد الإسلامي".
- الدليل الأبرز على هذه الفجوة هي في مجال الملاجئ في الدولة عموماً، وفي الجبهة الشمالية خصوصاً. الوضع في هذا المجال غير كاف. تنفيذ الخطة المتعددة الأعوام لتعزيز الملاجئ في الجنوب تأجّل عدة مرات منذ أعلنتها الحكومة في سنة 2018، وفقط مؤخراً بدأ التنفيذ، بالتدريج، في أماكن قليلة في بلدات قريبة من الشريط الحدودي مع لبنان. عملية بناء الملاجئ هي شرط ضروري كي تتعامل الجبهة الداخلية بشكل ناجع في حالات الطوارئ الأمنية، وبالتالي ضرورية لحصانة الجمهور المدني.
- نموذج آخر هو القضية الحساسة، الإجلاء الذاتي والمنظّم للمواطنين من المناطق التي ستكون مستهدفة بصواريخ لديها مسارات ملتوية. بدأ نقاش هذه القضية منذ حرب لبنان الثانية، حين قام ما يعادل ثلث سكان الشمال بعمليات إجلاء ذاتي من بيوتهم في أوقات متفاوتة، من دون أي استجابة حكومية لأزماتهم. حتى الآن، لا تزال حكومة إسرائيل تمتنع من تجهيز رد نظامي شامل على هذا التحدي، الذي يمكن أن يندلع من دون سابق إنذار، وذلك إما بسبب حدث أمني واسع وأضرار كبيرة، وإما بسبب هزة أرضية صعبة. الحل التكتيكي والصغير الذي كان هذه المرة على شكل خطة تسمح للأفراد والمجموعات من مستوطنات "غلاف غزة" بالقيام بإخلاء المناطق بحسب رغبتهم، بتمويل من الحكومة، لعدة أيام "للترفيه عن النفس"، بعيد كل البعد عن كونه رداً نظامياً في سيناريو واسع. المطلوب وعي قومي وخطة شاملة وقُطرية ممولة، بالإضافة إلى تحضيرات لوجستية مفصلة، وشرح وتدريب.
- وأكثر من ذلك، فإن مجموعة الجولات القتالية مع "تنظيم إرهابي" فلسطيني ضعيف وصغير في القطاع، من دون تدخُّل "حماس"، الأقوى منه بأضعاف، يمكن أن تدفع المجتمع الإسرائيلي إلى حالة وهم وكسل خطِرة بشأن قدرة إسرائيل على التعامل بنجاح مع هجمات صاروخية. الخبرة تشير إلى أن الوعي الذاتي بقدرات التعامل مع هجوم معين مختلفة عن سيناريو تهديد مختلف. هذا أيضاً يمكن أن يؤثر سلبياً في الالتزام من طرف المستوى السياسي لاستثمار الموارد المطلوبة من أجل الدفاع عن الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ وتعزيز الحصانة الاجتماعية.
- بحسب الأدبيات البحثية، فإن الحصانة الاجتماعية تنعكس في قدرة المجتمع والجماعة على التعامل بنجاح مع حالة ارتباك صعبة، واحتوائها بمرونة، والحفاظ على هيكلية قيادية خلالها، والشفاء منها بسرعة (bouncing back)، والتطور بعدها إلى أبعاد إضافية ومحسّنة في مجال النجاعة النظامية (bouncing forward). من وجهة النظر هذه، يجب التعامل مع فاعلية المجتمع الإسرائيلي خلال جولة "درع وسهم" على صعيدين متوازيين: أولاً، على الصعيد الضيق، حيث تكون الجولة القتالية ذاتها حلقة إضافية في سلسلة لا تنتهي من الجولات القتالية، وشبيهة من حيث مميزاتها وأيضاً نتائجها؛ وثانياً-على الصعيد القومي الواسع أكثر، المرتبط تحديداً بحصانة وقدرة المجتمع الإسرائيلي وفاعلية الأداء في هذا الوقت، حيث يعيش حالة (موقتة؟) من الأزمة الاجتماعية/ السياسية الكبيرة التي اندلعت في أعقاب "الإصلاحات القضائية"، وبين الجولة الأمنية ذاتها.
- بشأن الحصانة الاجتماعية خلال الحملة الأخيرة، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي، في أغلبيته، تصرّف بمسؤولية، وبصورة عامة بحسب توجيهات الجبهة الداخلية، وفي الوقت نفسه، حافظ على روتين الحياة قدر الإمكان، بحسب التهديد المتغير في مناطق مختلفة، إلى جانب مبادرات ذاتية أكثر حذراً من رؤساء السلطات المحلية في منطقة "الوسط"، حيث ألغوا فعالية ثقافية وتعليمية غير رسمية، التزاماً بتوجيهات قيادة الجبهة الداخلية. حالة الطوارئ التي كانت موجودة في معظم المناطق في البلد، تشير إلى نموذج الاحتواء والمرونة، وهو مركّب من مركّبات الحصانة.
- هذا بالإضافة إلى أن الجمهور منح الدعم اللازم عموماً لسياسات الحكومة في مواجهة العدو، وكذلك إدارة الجيش للمعركة في قطاع غزة. وهو ما قامت به أيضاً أحزاب المعارضة الكبيرة. الأمر الذي يضاف إليه أيضاً بعض مجموعات الاحتجاجات القيادية ضد "الإصلاحات القضائية" التي أعلنت أخذ "إجازة" من التظاهرات خلال الجولة، وضبطت نفسها، تخوفاً من ضرر يلحق بالمواطنين المحتجين، وأيضاً تعبيراً عن التضامن مع سكان غلاف غزة الموسع. ولقد شكّل ذلك تعبيراً عن صحة الافتراض السائد القائل أنه في حالات الطوارئ والتهديدات الأمنية الخارجية (وبالأساس في حالات لا تبادر فيها إسرائيل إلى مواجهة عسكرية، علناً)، تحدث ظاهرة تسمى "الدخول تحت العلم".
- هذه المرة دخلت إسرائيل في مواجهة أمنية خلال فترة اضطرابات صعبة وأزمة سياسية/ اجتماعية عميقة، عكست بالأساس زعزعة في قيم التضامن، وأيضاً الاستقطاب الآخذ بالتطرف في المجتمع الإسرائيلي. في هذه المرحلة، يبدو أن قيم التضامن في المجتمع خلال حملة "درع وسهم" جاءت بسبب حدث خارجي، وتركزت في تبرير طريقة العمل الإسرائيلية ضد "الجهاد الإسلامي". لذلك، لا يزال مبكراً الحكم على تأثير الأزمة السياسية/ الاجتماعية في الحصانة القومية في حال حدوث جولة عسكرية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنه وفي الطروف الحالية للأزمة السياسية/الاجتماعية-فإن مجرد التطرق إلى الحصانة القومية مع مكوناتها المختلفة، وخاصة التضامن الاجتماعي والثقة بمؤسسات الدولة، يتحول إلى قضية هوية سياسية لدى المواطنين والجماعات التي ينتمون إليها. يبدو أن الحديث يدور عن اختلافات آخذة بالتصاعد في مرحلة استقطاب بين الرؤى المتناقضة في التعامل مع قضايا الأمن القومي، كما ظهر فيما يتعلق بالتجنيد للجيش والالتزام بالخدمة العسكرية. كقاعدة، كلما تعززت هذه الظاهرة، ومع استمرار الأزمة الاجتماعية/ السياسية، فإنه سيكون لذلك إسقاطات صعبة أكثر فأكثر على الأمن القومي، الضروري لإدارة ناجعة للمواجهات العسكرية الواسعة المتوقعة.