مختارات من الصحف العبرية

مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
بينت: أعداؤنا يقدسون الموت ويختارون التخبط في الفقر والشعور بأنهم ضحية
اندلاع مواجهات في الحرم القدسي الشريف بسبب دخول يهود إليه
الحاخام الأكبر في روسيا: كلام لافروف صادم وعليه أن يعتذر من اليهود
هرتسوغ في مقابلة مع "هآرتس": لافروف ينشر أكاذيب تفوح منها رائحة العداء للسامية وأنتظر منه أن يعتذر
مقالات وتحليلات
شهر منذ بدء التصعيد: الضباب يتبدد
في الذكرى الـ73 لقيام إسرائيل: ميزان استراتيجي مرحلي
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"هآرتس"، 4/5/2022
بينت: أعداؤنا يقدسون الموت ويختارون التخبط في الفقر والشعور بأنهم ضحية

قال رئيس الحكومة نفتالي بينت يوم الأربعاء في حفل إحياء ذكرى ضحايا الأعمال العدائية: أعداؤنا يختارون تقديس الموت، والتخبط في الفقر والبؤس، والشعور بأنهم ضحية دائمة. وأضاف: لو يوظف أعداؤنا في بناء مستقبلهم عُشر الطاقة التي يوظفونها في إزعاجنا لكان وضعهم مختلفاً بصورة جذرية، لكنهم يختارون تقديس الموت، وهدفهم الاستراتيجي هو تحويل حياتنا هنا إلى جحيم.

وقبل ذلك قال بينت في خطاب ألقاه في ذكرى قتلى الحروب الإسرائيلية: إن وكلاء الإرهاب سيدفعون ثمن اعتدائهم على إسرائيل، وأضاف: العنف والإرهاب ليسا ظاهرتين طبيعيتين أو مشيئة قدر، وعلى إسرائيل الرضوخ لهما. وسنضرب ليس من يضربنا مباشرة فحسب، بل أيضاً من أرسله لضربنا، حتى لو كان موجوداً على مسافة آلاف الكيلومترات من هنا.

وخلال الاحتفال في جبل هرتسل قال رئيس الحكومة: نحن نقاتل عدواً شرساً متعطشاً للموت... أعداؤنا، بدلاً من بناء حياتهم ومستقبلهم، لا يتخلون عن رغبتهم في تدمير حياتنا. ولم يذكر بينت إيران بالاسم لكن لمّح إليها عندما قال: نظام يمول الإرهاب، ويسلّح الإرهاب، ويعطي أوامر للإرهاب، لا يمكن أن يختبئ بعد الآن ويبقى بعيداً، وسيدفع الثمن الذي سيزداد ويكبر.

"يديعوت أحرونوت"، 5/5/2022
اندلاع مواجهات في الحرم القدسي الشريف بسبب دخول يهود إليه

اندلعت مواجهات صباح اليوم الخميس بين شبان فلسطينيين وقوات الشرطة مع دخول يهود إلى الحرم لأول مرة منذ أسبوعين. وكانت الشرطة عملت على تفريق المصلين المسلمين من الحرم للسماح بدخول اليهود، وأغلقت بالسلاسل الحديدية أبواب المسجد حيث تحصن عشرات المصلين.

وذكرت الشرطة أن عشرات مثيري الشغب بدأوا بهتافات تحريضية ورشق الحجارة على الشرطة في الحرم، وعملت الشرطة على تفريقهم، فما كان منهم إلاّ أن اعتصموا داخل المسجد، ومن هناك بدأوا برشق الأدوات والكراسي من المسجد على الشرطة. كما قام المعتصمون بوضع مكبر للصوت في المسجد أذاعوا من خلاله مقاطع من تهديد زعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار الذي حذر يوم الجمعة الماضية بأنه ممنوع دخول عناصر الشرطة إلى المسجد الأقصى من جديد.

كذلك حذرت الفصائل الفلسطينية من السماح مجدداً لليهود بالدخول إلى الحرم القدسي، واعتبرت "حماس" قرار السماح بدخول اليهود بأنه "لعب بالنار"، وحملت إسرائيل مسؤولية التصعيد. ودعت الفصائل الفلسطينية الفلسطينيين إلى القدوم إلى المسجد الأقصى للدفاع عنه.

وأعلنت الجهاد الإسلامي أن "مهاجمة المسجد الأقصى تتطلب منا جميعاً أن نكون مستعدين لمواجهة أي اعتداء على قدسية المسجد ومكانته"، وأضافت: دعوات المستوطنين لاقتحام المسجد هي بمثابة حرب ضد شعبنا ومقدساتنا، ولن نتردد في الدفاع عن المسجد الأقصى وعن القدس. ونحذر من دعوات المستوطنين إلى اقتحام المسجد، ونحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي شيء يحدث جرّاء ذلك، وندعو إلى المجيء إلى الأقصى ومواجهة المستوطنين الذين هدفهم تقسيم المسجد مكانياً وزمنياً.

"يديعوت أحرونوت"، 4/5/2022
الحاخام الأكبر في روسيا: كلام لافروف صادم وعليه أن يعتذر من اليهود

انتقد الحاخام الأكبر في روسيا بيرل لازار، الذي يعتبر من المقربين جداً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال فيه إن اليهود هم الأشد عداء للسامية، وأن لهتلر دماءً يهودية. وصرح لازار لوكالة الأنباء اليهودية أن "كلام لافروف صادم"، ودعا وزير الخارجية الروسي إلى الاعتذار من اليهود.

ويعتبر كلام لازار خارجاً عن المألوف في روسيا، حيث أيد رجال الدين الحرب ضد أوكرانيا، وكل معارضة لهذه الحرب اعتُبرت غير قانونية. وعلى الرغم من العلاقات الوطيدة التي تربط لازار بالرئيس بوتين، فإن الجاليات اليهودية في روسيا التي تتماهى مع حركة "حباد" عبرت عن استيائها من الحرب، لكنها امتنعت من توجيه انتقادات مباشرة إلى نظام بوتين.

وطالب لازار وزير الخارجية بالتراجع عن كلامه، والاعتراف بأنه أخطاً، وبذلك يمكن طي الصفحة.  كما رأى البعض أن كلام لازار يمكن أن يعبّر عن عدم ارتياح بوتين لكلام لافروف.

تجدر الإشارة إلى أن كلام لافروف أثار انتقادات كبيرة في إسرائيل من جانب رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الخارجية يائير لبيد، وجرى استدعاء السفير الروسي في إسرائيل إلى وزارة الخارجية من أجل تقديم توضيحات. وعلى الرغم من التوترات، فإن الأمور، في تقدير القدس، لن تتدهور إلى أزمة دبلوماسية مع موسكو.

على صعيد آخر، ادعت الناطقة بلسان الخارجية الروسية ماريا زخاروفا يوم الأربعاء ("هآرتس" 4/5/2022) أن جنوداً إسرائيليين يقاتلون إلى جانب الجيش الأوكراني، وأن مرتزقة من إسرائيل يقاتلون في فرقة "أزوف"، وهي فرقة عسكرية مؤلفة من جنود ينتمون إلى اليمين المتطرف، وجزء منهم أجانب، وبينهم مؤيدون لتفوق العنصر الأبيض وعناصر فاشية.

"هآرتس"، 4/5/2022
هرتسوغ في مقابلة مع "هآرتس": لافروف ينشر أكاذيب تفوح منها رائحة العداء للسامية وأنتظر منه أن يعتذر

أعرب رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ عن دهشته إزاء تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتي ادعى فيها أن لهتلر دماءً يهودية. وأعلن أنه ينتظر من وزير الخارجية الروسي أن يعتذر ويتراجع عن كلامه. ومما قاله هرتسوغ: في البداية لم أصدق أن هذا الكلام صدر عن وزير خارجية روسي. فقد أثار ذلك غضبي واشمئزازي.

وتوقع هرتسوغ ألاّ تؤدي هذه التصريحات إلى المس بالعلاقات بين الدولتين، لكن من الممكن أن تلقي ظلالاً عليها. وأضاف أنه يجب تذكر الدور الكبير الذي قام به الجيش الأحمر في الانتصار على النازيين.

خلال المقابلة سئل هرتسوغ عن رأيه في إجراء حوار مع الفلسطينيين، فقال إن بينت ولبيد صرحا بأنهما لن يدفعا قدماً بعملية سياسية مع السلطة الفلسطينية. وأشار إلى أنه على تواصل هاتفي مع محمود عباس، وحرص على تهنئته بالعيد، لكن ليس من مهماته إجراء حوار رسمي مع السلطة. كما لم يستبعد احتمال عقد اجتماع مع أبو مازن شرط التحضير له جيداً.

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
" مباط عال"، عدد 2/4/2022-العدد رقم 1595
شهر منذ بدء التصعيد: الضباب يتبدد
يوحنان تسوريف - باحث في مركز أبحاث الأمن القومي

 

  • التصعيد المستمر منذ أكثر من شهر على الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية، هو نتاج خطة أعدتها "حماس"، وبدأت قبل عدة أشهر من بداية شهر رمضان. لقد أرادت "حماس"، كجزء من استخلاصات هبّة أيار/مايو 2021، استغلال الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، بهدف تشجيع احتجاج شعبي واسع يعبر عن تضامن فلسطيني شامل في القدس والضفة الغربية وداخل إسرائيل. صحيح أن الجماهير الواسعة لم تستجب لهذا النداء، لكن الحركة سجلت ثلاثة إنجازات على ثلاثة أصعدة: تم وضع القضية الفلسطينية على طاولة الرأي العام الدولي؛ أغلبية الدول العربية انتقدت إسرائيل وحتى استدعت السفراء، وضمنها الدول التي طبعت العلاقات معها؛ تبيَّن ضعف السلطة الفلسطينية وحركة "فتح". والسؤال هو: هل من الضروري الاستمرار في التفكير في مصطلحات وخطوات عقابية بحق "حماس" إلى جانب خطوات الهدف منها تحسين حياة السكان في قطاع غزة والضفة الغربية-أفكار تضعف السلطة الفلسطينية وتزيد من قوة "حماس"؟ وهل صحيح أن انعدام الأفق السياسي يشكل ذريعة لانعدام التفكير في مسارات سياسية توقف انهيار مكانة السلطة؟
  • إن القضية ليست قضية شباب من دون أفق، ولا ثورة مراهقين. صحيح أن التصعيد على الساحة الفلسطينية - الإسرائيلية، المستمر منذ أكثر من شهر، بدأ بعمليتين إرهابيتين في بئر السبع والخضيرة (22 و28 آذار/مارس)، تم تنفيذهما على يد مواطنين إسرائيليين عرب لهم علاقة بـ "داعش"، واستمر من خلال عمليتين إضافيتين في بني براك وتل أبيب تم تنفيذهما على يد منفذين منفردين من منطقة جنين، بالإضافة إلى عملية في أريئيل نهاية شهر رمضان نُفذت على يد اثنين من القرى المجاورة، لكن التعبير الأهم عن التصعيد، كان بالمقاومة الشعبية - احتكاك مستمر بين الفلسطينيين والشرطة والجيش، ونقطة الاشتباك الأساسية هي الأماكن المقدسة في القدس الشرقية ومحيطها، وجنين، والحرم الإبراهيمي في الخليل ومناطق أُخرى في الضفة الغربية. وهذا التصعيد، هو نتيجة خطة مدروسة تديرها "حماس"، بمشاركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الشعبية، وللشباب دور فيها، لكنه لا يقودها، إنما يجد فرصة بمبادرة "حماس" وأجواء التصعيد التي يخلقها التنظيم، للتفريغ عن الضغط المتراكم منذ وقت طويل. بكلمات أُخرى، لا يجب أن يكون الاستنتاج أن هناك إجماعاً بين الشباب والتنظيمات الإسلامية حول شكل الصراع مع إسرائيل ورؤية الحل.
  • بدأت حماس بتحضير الأجواء للتصعيد في شهر رمضان منذ كانون الثاني/يناير 2022. وحذر التنظيم من مساس إسرائيل بالمسجد الأقصى، واقتحامه، وتوسيع حرية العبادة لليهود فيه، ونسخ نموذج الحرم الإبراهيمي-في أعقاب مجررة باروخ غولدشتاين سنة 1994، تم إقرار نظام جديد جرى من خلاله تقسيم الصلاة في الحرم على أوقات متعددة، يدعي المسلمون أنها منحازة إلى اليهود.
  • لا تستند ادعاءات "حماس" إلى أي حقائق، والهدف منها تحريض الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وداخل إسرائيل وتجهيزهم للتصعيد القادم في شهر رمضان. والسياسة الإسرائيلية، منذ تشكيل الحكومة الحالية في أيار/مايو 2021، هي الامتناع عن كل خطوة إشكالية من شأنها زعزعة استقرار الائتلاف الحكومي. لذلك، لم تقم الحكومة بأي خطوة من شأنها تغيير الوضع القائم في شرق القدس وفي محيط الأماكن المقدسة كما خلال عملية "حارس الأسوار"-جولة التصعيد التي حصلت في أيار/مايو بين إسرائيل و"حماس"، بدأت في القدس وتركزت في قطاع غزة.
  • عملياً، إن جولة التصعيد الحالية هي الجزء الثاني من الجولة نفسها التي اندلعت في أعقاب إلغاء رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن الانتخابات التشريعية. فقد انتزع هذا الإلغاء من "حماس" فرصتها بالانتصار في الانتخابات، والتحول إلى جزء من القيادة التي تمثل وتقود القضية الفلسطينية، ووضع حد لاحتكار "فتح" وأبو مازن لهذه القيادة. وهذه استراتيجيا تم تطويرها خلال فترة إدارة ترامب، حيث استدعت محاولات فرض "صفقة القرن" مقاومة فلسطينية شاملة، وتقارباً داخلياً كان يبدو للوهلة الأولى أنه سيجعل من إمكان المصالحة الفلسطينية واردة.
  • أعاد إلغاء الانتخابات "حماس" إلى دائرة المواجهة، لكن بصورة مغايرة لما كان قبل ذلك حتى عام 2014. حينها، تركزت مطالب "حماس" بفك الحصار، وفتح المعابر، وحرية الحركة من القطاع وإليه، بالإضافة إلى تحسين ظروف حياة السكان. وفي السنوات ما بعد عام 2014، واجهت الحركة صعوبات في شرعنة الكفاح المسلح ضد إسرائيل في أوساط سكان القطاع، وجاء التعبير عن هذا الأمر من خلال تبني نماذج المقاومة الشعبية على الشريط الحدودي. وبررت قيادات الحركة الخطوة بأنها خطوة ضرورية في ظل تغير الظروف الموضوعية، وضمنها التعب الذي يسيطر على الجمهور في غزة، وانعدام الدعم اللازم عربياً، بالإضافة إلى عدم وجود أفق للمصالحة الداخلية. وقبيل التصعيد الحالي، عادت "حماس" وأكدت أن قطاع غزة قدم الكثير في مقاومة إسرائيل، وجاء الوقت الذي يجب فيه على الضفة أن تقدم حصتها، مع التشديد على أن غزة لن تقف جانباً، وستنضم إلى المواجهة بحسب التطورات.
  • الهدف الذي وضعته حماس لم يكن محصوراً بمقاومة الاحتلال، بل أيضاً استغلال ضعف السلطة والانهيار الكلي لاستراتيجية المفاوضات السياسية في ظل طرح "صفقة القرن"، بهدف توحيد الشعب الفلسطيني حول العامل المشترك الواسع، وتعميق المعارضة للسلطة بهدف تحقيق ما لم تنجح في تحقيقه من خلال الانتخابات.
  • ومن خلال المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس الشرقية، نجحت "حماس" في أيار/مايو 2021 بالربط بين قطاع غزة والقدس والمواطنين العرب في إسرائيل، بالإضافة إلى بث الروح في أوساط الفلسطينيين الذين يطالبون بالتغيير. وبعد مضي عام، واقتراب شهر رمضان، أرادت "حماس" استعادة ما جرى بهدف الوصول إلى النتيجة نفسها، لكن العفوية التي ميزت التجند الفلسطيني المتعدد الجبهات في عام 2021، لم تعد موجودة، فالعمليات في الخضيرة وبئر السبع، التي لم يتضح بعد إن كان لها أبعاد أعمق من المحاكاة، لم تدفع إلى تضامن واسع مع المنفذين في أوساط المواطنين الفلسطينيين، كما أن الإدانة الواسعة من القيادات كانت واضحة وواسعة، ومنعت تطور الأحداث في هذه الجبهة.
  • أمّا في القدس الشرقية، فنجحت "حماس" بتجنيد أعداد كبيرة من شرق القدس والضفة والعرب في إسرائيل، للوقوف أمام أعداد الشرطة الكبيرة التي أرادت فرض النظام من خلال "تقريب القلوب". وعادت الحركة وشددت على الادعاءات الفارغة بخصوص تغيير الوضع القائم، ودخول اليهود للصلاة وغيرها، إذ أرادت بث رواية تفيد بأن الأقصى في خطر.
  • وفي منطقة جنين، التي خرج منها منفذو العمليات في بني براك وتل أبيب، وكانت نقطة احتكاك إضافية، حصلت مواجهات بين الجنود ومقاتلين محليين، بينهم عناصر من "فتح"، والجهاد الإسلامي وغيرهم، أدت بدورها إلى إلقاء حجارة بمشاركة جماهير من المنطقة. وبرز مخيم جنين مرة أُخرى كبؤرة للإرهاب فيها تنسيق بين مختلف الفصائل-بعضهم يعيش حالة تنافس أيضاً، كالجهاد الإسلامي و"فتح".
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن أي مواجهات جماهيرية واسعة لم تحدث في الضفة والقدس، على نمط الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث لفتت انتباه المجتمع الدولي والدول العربية ودفعت بعد أعوام إلى مسار سياسي طموح. في الواقع الفلسطيني الحالي، من الممكن أن تشارك الجماهير الواسعة في حالتين هما: التنسيق بين "فتح" و"حماس" اللتين تملكان القدرة على خلق حالة إجماع، أو من خلال احتكاك مباشر ودائم مع الشرطة يتضمن العديد من الإصابات، ويدور حول الأماكن المقدسة، كما تعتقد "حماس". لا يبدو التنسيق بين "فتح" و"حماس" واقعياً اليوم، كما أنه لا يوجد في المجتمع الفلسطيني إجماع على مواجهة واسعة مع القوات الإسرائيلية. هذا بالإضافة إلى أن الاستعداد المسبق للشرطة وللمؤسسة الأمنية على مواجهة الاشتباكات من دون التسبب بوقوع الكثير من الإصابات، منع عملياً من حصول بعد جماهيري مهم جداً بالنسبة إلى "حماس".
  • لقد فشلت "حماس" حتى الآن في تحقيق الهدف الأساسي من التصعيد. ولم تتطور جبهات إضافية، كما أن المواجهة لم تتسع. وعلى الرغم من ذلك، فإن "حماس" سجلت إنجازات على ثلاثة أصعدة: القضية الفلسطينية عادت إلى الرأي العام الدولي بعد غيابها الصارخ عن "قمة النقب"، والأمم المتحدة والرأي العام الدولي انشغلا بما حدث، كما أن أغلبية الدول العربية أدانت إسرائيل وانتقدت بشدة ما تقوم به في الأماكن المقدسة. فقد وجه الأردن، المهدد أكثر من غيره من الدول العربية بسبب التصعيد في القدس، توبيخاً إلى مندوب السفارة الإسرائيلية، ودعا إلى اجتماع خاص لجامعة الدول العربية ناقش التصعيد ودان إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أن "حماس" أبرزت ضعف السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، والكشف عن تمرد في صفوفها. كما أن الانتقادات التي وجهتها السلطة إلى إسرائيل كانت لاذعة، إذ اتهمت إسرائيل بالتصعيد، وأعادت التشديد على رواية "حماس"، وقامت عملياً بصب الوقود على النار.
  • لقد أصبح شهر رمضان خلفنا، لكن الأيام الحساسة لا تزال أمامنا، ومن الممكن أن يدخل العامل الجماهيري الواسع إلى الصورة. ويبدو حتى الآن، أن "حماس" قامت بخطوة إضافية في طريقها إلى أن تكون البديل من السلطة في أوساط الجمهور الفلسطيني. وعلى الرغم من الفروقات بين الضفة وغزة، والتي ظهرت خلال الجولة الحالية حيث لم تشترك غزة، فإنه يبدو واضحاً أن الربط الذي قامت به "حماس" عبر إدارة المعركة من غزة، أو استناداً إلى القوة العسكرية الموجودة في غزة، يظهر الارتباط بين المكانين. فنرى أمام أعيننا المسار الذي فيه تنهار السلطة، "فتح" وأبو مازن، في مقابل صعود "حماس" كقوة مبادرة وحيوية.
  • هل تقوم إسرائيل بالخطوة الصحيحة من خلال الاستمرار في حديثها عن حلول اقتصادية وبنى تحتية، وهل من الصحيح الاستمرار في التفكير في خطوات عقابية ضد "حماس" بهدف الردع؟ هل من الصحيح الاستمرار في تجاهل حقيقة أن انعدام الأفق السياسي يضعف السلطة ويقوي "حماس" أكثر؟ التفكير السياسي لا يعني بالضرورة الوصول إلى اتفاق، إنما الاعتراف بضرورة فحص الإمكانات وفتح المسارات. وغياب هذا التفكير معناه تجاهل، والتجاهل سيفرض دائماً لفت انتباه المتجاهل ذاته.
معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة ريخمان برئاسة رئيس المعهد عاموس جلعاد، 2/5/2022
في الذكرى الـ73 لقيام إسرائيل: ميزان استراتيجي مرحلي
باحثون من معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة ريخمان برئاسة رئيس المعهد عاموس جلعاد

 

  • عشية الذكرى الـ 73 لقيام إسرائيل تواجه الدولة سلسلة تحديات معقدة تتبلور في تهديد استراتيجي عام، في طليعته إيران (البرنامج النووي والتوسع الإقليمي)، والمشكلة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، والأزمة العالمية بأبعادها التاريخية وتداعياتها المباشرة على الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك تعيش إسرائيل مرحلة استقرار، وتعكس قوة استراتيجية على الساحتين الدولية والإقليمية من خلال ترسيخ الردع والتفوق العسكري.

الساحة الفلسطينية: قابلة للانفجار تكتيكياً واستراتيجياً

  • استعدت إسرائيل لمواجهة سيناريو تصعيدي في شهر رمضان، فعملت مسبقاً على تحييد مراكز الاحتكاك في القدس (الشيخ جراح والحرم القدسي الشريف)، وسمحت بدخول واسع النطاق للمصلين المسلمين إلى المسجد الأقصى، وبالاحتفالات برمضان في بوابة نابلس، ومنعت العقوبات الجماعية من خلال المحافظة على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
  • في المقابل، قامت "حماس" بجهد تحريضي واسع النطاق بهدف تصعيد الوضع في القدس والضفة الغربية ووسط العرب في إسرائيل، وعملت على جعل إسرائيل تدفع الثمن على صعيد الوعي على الساحتين الدولية والإقليمية. وكان الهدف من تحرك "حماس" تعزيز قيادتها على الساحتين الفلسطينية والإقليمية كمدافعة عن "المقدسات الإسلامية"، وتعزيز موقعها للاستيلاء على الزعامة السياسية في "اليوم التالي" بعد أبو مازن.
  • في هذه المرحلة، نجحت إسرائيل في منع التدهور إلى تصعيد واسع النطاق في الضفة الغربية وفي قطاع غزة (على الرغم من إطلاق الصواريخ من القطاع ومن لبنان)، وفي عدم تحويل الانتباه الدولي من الساحة الأوكرانية إلى الشرق الأوسط. في المقابل، لم تجعل إسرائيل "حماس" تدفع الثمن على الرغم من أن الأخيرة هي التي قادت التصعيد من وراء الكواليس، فخاضت معركة لجم واحتواء تكتيكية في مواجهة استراتيجيا "حماس" الشاملة.
  • على الصعيد الإقليمي، باءت محاولات التنسيق الاستراتيجي المسبق مع الأردن بالفشل، وأدت إلى نشوب أزمة علاقات ثنائية بين الدولتين بسبب سلوك إسرائيل في القدس، وطالب الأردن بتعزيز دور الوقف والتشدد في تطبيق الوضع القائم. مع ذلك، وعلى الصعيد الإقليمي الواسع النطاق، وعلى الرغم من ارتفاع حجم التحريض والانتقادات العلنية ضد إسرائيل، فإن هذا لم يؤد إلى تصدع التعاون الاسترتيجي والأمني الجاري.

هل هناك عودة إلى الاتفاق النووي؟

  • قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين أمام مجلس الشيوخ إن إيران تستطيع أن تطور قنبلة نووية خلال أسابيع معدودة إذا قررت أن تفعل ذلك. وفي توضيح أصدره البيت الأبيض جرى التشديد على أن الحجة التي عُرضت تتعلق بالوقت الذي تستطيع خلاله إيران تخصيب المادة الانشطارية المطلوبة من أجل إنتاج قنبلة، بدءاً من اللحظة التي تقرر فيها تطوير سلاح نووي وليس إنتاج قنبلة فعلاً. وشدد بلينكين على أن الحل الدبلوماسي ما زال هو المفضل، ولم يستخدم لغة تهديدية ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
  • في هذه المرحلة، لم تتقدم المفاوضات بسبب مسألتين مركزيتين هما: عدم استعداد الولايات المتحدة إزالة الحرس الثوري الإيراني عن قائمة التنظيمات الإرهابية في ظل الانتقادات السياسية والأمنية، والتخوف من تداعيات القرار على الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر، وضغط حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الوسط على واشنطن وعلى البيت الأبيض؛ مطالبة إيران بضمانات أميركية بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق الجديد في حال تغيرت السلطة في واشنطن.
  • بالنسبة إلى إيران، فإن العودة إلى الاتفاق النووي ستؤدي إلى تحرير الأموال المجمدة في الحسابات المصرفية في الخارج (حوالي 100 مليار دولار)، وإلى انخراطها كلاعب مهم في سوق النفط والغاز في فترة أزمة عالمية وارتفاع أسعار. مع ذلك، فإن عدم الثقة والشكوك المتبادلة بين الطرفين، بالإضافة إلى ظروف سياسية داخلية، كلها أمور يمكن أن تؤدي إلى فشل بلورة الصفقة.
  • الاستراتيجيا الإيرانية شاملة وثابتة، فإلى جانب الاستمرار في التوظيف في تطوير المعرفة والقدرات النووية، تعمل طهران على تعزيز نفوذها الإقليمي، سواء بواسطة مواصلة تمركزها الإقليمي في العراق وفي سورية ولبنان أو من خلال إجراء حوار استراتيجي لتحسين العلاقات الثنائية مع السعودية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الإمارات. في المقابل لا تتخوف طهران من استخدام الضغط على دول الخليج بواسطة قوات وكلائها في اليمن، أو الضغط على الولايات المتحدة من العراق، بل هي تسعى إلى تصديع اتفاقات أبراهام، وإضعاف المنظومة الموالية لأميركا في المنطقة، والدفع نحو انسحاب القوات الأميركية، وبالتالي ترسيخ نفوذها الإقليمي واستخدام ضغط عام على إسرائيل من خلال إبعاد التهديدات عن حدودها.
  • في المقابل تتحرك إسرائيل من خلال المعركة بين الحروب لمنع التمركز الإيراني في المنطقة، والمحافظة على حرية تحركها العملاني من خلال آلية منع الاحتكاك مع الروس، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية-الأمنية مع المعسكر السني الموالي لأميركا بهدف استخدام ضغط معاكس على طهران. وفي هذا الإطار فإن عودة الحرارة إلى العلاقات مع تركيا لها أهمية استراتيجية، في المدى البعيد، في المعركة في مواجهة إيران، وفي إضعاف الاعتماد الأيديولوجي والاقتصادي لـ "حماس".

...

توصيات لإسرائيل

  • التصعيد على الساحة الفلسطينية خلال شهر رمضان يؤكد من جديد الحاجة إلى مناقشة الاستراتيجيا الإسرائيلية إزاء "حماس". فالمبادرات الإسرائيلية الواسعة النطاق التي أُعطيت لغزة بعد عملية "حارس الأسوار"، من دون المطالبة في المقابل بتنازلات من جانب "حماس"، سمحت للحركة بتوجيه "الإرهاب" والتحريض نحو الضفة الغربية وإسرائيل، مع المحافظة على مساعي إعادة إعمار القطاع، وعلى المساعدة في مقابل تهدئة أمنية. كذلك نجحت "حماس" في حمل العصا من الطرفين، وتطبيق استراتيجيا تؤدي إلى موضعتها في الساحة الفلسطينية بصفتها "المدافع عن القدس"، بالإضافة إلى تعزيز قوتها وبناها التحتية في غزة، في مقابل الحفاظ على الهدوء الأمني.
  • يتعين على إسرائيل بلورة استراتيجيا شاملة هدفها إضعاف "حماس"، وتعزيز السلطة الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يجب أن تدفع "حماس" ثمن أفعالها التدميرية، إلى جانب تعزيز السلطة الفلسطينية أمنياً واقتصادياً. ومن شأن عدم وجود استراتيجيا إسرائيلية شاملة، باستثناء السياسة الحالية لـ"إدارة النزاع" بواسطة سياسة "الجزرة والعصا"، تقليص القدرة الإسرائيلية على العمل في المجال العملاني وفي مجال الرد، الأمر الذي يساعد "حماس" على الساحة الفلسطينية.
  • يشكل الأردن رصيداً استراتيجياً في عقيدة الأمن القومي لإسرائيل، وزعزعة الاستقرار فيه ستنعكس بصورة مباشرة على الأمن الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، وعلى الصعيد التكتيكي-العملاني (حدود، و"إرهاب"، وتمركز قدرات نارية لقوى وكلاء إيران). على هذا الصعيد يجب انتهاج سياسة إسرائيلية حكيمة من خلال تعميق الأرصدة الإسرائيلية في أمن المملكة، وذلك على الرغم من الخطاب الهجومي لعمّان بشأن كل ما له علاقة بالمسجد الأقصى والوضع القائم في القدس.
  • مستقبل الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وبين إيران لم يُحسم بعد، لكن في أي سيناريو سيكون على إسرائيل مواجهة تهديد معقد ومتعدد الأبعاد. إذ تفرض الاستراتيجيا الإقليمية لإيران والتطورات المحتملة لبرنامجها النووي على إسرائيل توطيد التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الأمنية مع المعسكر السني في المنطقة. وفي هذا النطاق المطلوب من إسرائيل التوظيف في بناء قوة خاصة بمساعدة أميركية من أجل تعزيز قدراتها المستقلة لمواجهة التهديدات الناشئة في الدائرتين الثالثة والأولى.
  • بالإضافة إلى ذلك لا تزال المعركة بين الحروب تشكل أداة فعالة لإخراج إيران من الساحة السورية، والمس بعمليات بناء حزب الله لقوته، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة. حتى الآن يبدو أن التنسيق الاستراتيجي مع موسكو لم يتضرر، وما زال الجيش الإسرائيلي يحتفط بحرية التحرك العملاني، لكن مع ذلك يتعين على إسرائيل أن تستعد لمواجهة انعكاسات الصراع العالمي على السياسة الروسية في الشرق الأوسط، وخصوصاً حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
  • تعزز تطورات المعركة في أوكرانيا المخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا. ذلك بأن حدود المعركة تتوسع، ويحاول كل جانب بلورة منظومة تحالفات استراتيجية لتشديد /أو كسر الحصار على روسيا. في السياق الشرق الأوسطي تنعكس الأزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات على قدرة واشنطن على بلورة ائتلاف إقليمي ضد روسيا.
  • - تقضي المصلحة الأمنية الإسرائيلية بقاء دول الخليج ومصر والأردن تحت الدعم الأميركي، في ضوء التداعيات الاستراتيجية الخطرة، في المدى البعيد، على أمن إسرائيل في حال حدوث تغيير، ولإسرائيل دور في التوسط بين واشنطن وبين المعسكر السني وتبديد التوترات. وهذا الدور يعزز أيضاً مكانة القدس وأرصدتها في واشنطن وفي دول المنطقة.
  • تقدم المعركة في أوكرانيا دروساً على المستوى العسكري – التنظيمي، وعلى المستوى العملاني –التكتيكي، منها: أهمية وجود استخبارات ذات دلالة ونوعية، والحاجة إلى تعزيز التفوق الجوي، وقدرة فعلية على المناورة، ونيران دقيقة وفتاكة، والدفع من المستوى الاستراتيجي إلى المستوى التكتيكي، إلى جانب تعزيز الدفاع المتعدد الأبعاد، والقدرة على الصمود وامتصاص الضربات، وترسيخ شرعية دولية وداخلية.
  • إن هذه الدروس يجب تعميقها في حال حدوث معركة على الجبهة الشمالية، أو معركة متعددة الجبهات قد تدخل فيها إسرائيل.