مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قرّر رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي قطع زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة والعودة إلى إسرائيل، حيث من المقرر أن يهبط في مطار تل أبيب ظهر اليوم (الخميس)، وذلك في إثر تلقّيه إحاطة بشأن حيثيات العملية التفجيرية المزدوجة التي وقعت صباح أمس (الأربعاء) في القدس وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة 20 آخرين على الأقل.
وكانت عودة كوخافي مقررة يوم غد (الجمعة).
وأشارت التقديرات الأولية للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أن عدداً من الفلسطينيين ضالعون بشكل مشترك في هذه العملية في القدس، وأن منفّذيها عملوا من دون توجيه خارجي، ولم يتلقوا أوامر من منظمات فلسطينية، وفي الأغلب، خططوا لها منذ فترة طويلة.
وعززت الشرطة الإسرائيلية قواتها في القدس عقب عملية التفجير المزدوجة هذه، وشددت على أنه لم يتوفر لديها أي مؤشرات ملموسة بشأن عملية من هذا النوع.
وقدّر خبراء أمنيون أن الخلية التي قامت بالعملية أجرت دراسة للمنطقة التي نفّذتها فيها، ويُشتبه في أن أفراد الخلية قاموا بتصوير شريط فيديو يشير إلى وجود أكبر عدد ممكن من المدنيين في محطة الحافلات، ولذا قاموا بتفجير العبوة الناسفة الأولى من بعيد عند مدخل القدس. وبعد مرور نحو نصف ساعة، وفي مكان غير بعيد، انفجرت بطريقة مماثلة عبوة ناسفة أُخرى عند مفترق راموت.
وتشير التقديرات أيضاً إلى أن العبوتين الناسفتين كانتا صغيرتين نسبياً، إذ نتج معظم الإصابات عن المسامير والشظايا التي تناثرت على مسافة قصيرة.
وأجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها يائير لبيد نقاشاً خاصاً في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب في أعقاب العملية التفجيرية المزدوجة في القدس، وأيضاً في أعقاب اختطاف جثمان مواطن إسرائيلي في جنين من جانب مسلحين فلسطينيين. وقام لبيد فور انتهاء النقاش بإطلاع رئيس حزب الليكود ورئيس الحكومة المرتقب بنيامين نتنياهو على آخر المستجدات.
وكان نتنياهو أكد في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع "تويتر" أنه "يصلي لسلامة الجرحى، ويشدّ على أيدي القوات الأمنية التي تعمل في الميدان."
كما قام نتنياهو بزيارة جرحى العملية في مستشفى "شعاري تسيدك" في القدس، وأكد بعد الزيارة في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أن إسرائيل تواجه "إرهاباً" قاسياً وتعهّد بالتحرك من أجل إعادة الشعور بالأمان إلى جميع سكان الدولة بأسرع ما يمكن.
ووصل وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف إلى موقع العملية وتلقى إحاطة من قائد الشرطة.
وقال بار ليف في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام: "كان صباحاً قاسياً جداً. آمل أن نلقي القبض على المنفّذ، أو المنفّذين، أو المنظمة. من الواضح أننا أمام عملية معقدة، فهي ليست نتاج إلهام، أو من تدبير شخص قرر صباحاً القيام بعملية، وأعتقد أنه مع الوقت، سنلقي القبض على المنفّذين، أحياء أو أمواتاً."
كما وصل رئيس حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"] عضو الكنيست إيتمار بن غفير، الذي من المتوقع أن يشغل منصب وزير الأمن الداخلي، إلى مكان العملية عند مدخل مدينة القدس، وقال لوسائل إعلام: "أقول بأبسط طريقة إنه يجب قطع السلسلة وجباية ثمن الإرهاب. وهذا يعني أيضاً أنه يجب العودة إلى الاغتيالات المركزة، ووقف التسهيلات في السجون، التي يسخر الإرهابيون منا فيها. ويعني أيضاً أنه منذ هذا الصباح يجب أن يكون كل شيء في السجون الأمنية مغلقاً، من دون خروج ولا دخول."
كما عقّب رئيس تحالُف "الصهيونية الدينية" عضو الكنيست بتسلئيل سموتريش على العملية، فأشار إلى أنها تعيد إسرائيل إلى الوراء، وإلى مشاهد يتذكرها العقل، لكن القلب يريد أن ينساها. وأضاف: "في هذه الساعة، أود فقط أن أبعث بتمنياتي بالشفاء للجرحى، وبعناقي للقوات الأمنية التي تعمل في الميدان."
على صعيد آخر، شجبت دول عديدة، بينها الولايات المتحدة وتركيا ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، العملية في القدس، وأعلنت تضامنها مع إسرائيل.
وأصدرت السفارة الأميركية في إسرائيل بياناً أكدت فيه أنها تدين بأشد العبارات الممكنة الهجمات "الإرهابية" التي وقعت في أماكن عامة في القدس، وتقدم تعازيها إلى الضحايا وأُسرهم.
وأضاف البيان: "إننا نراقب الوضع عن كثب. كما نؤكد مرة أُخرى أن الإرهاب هو طريق مسدود لا يحقق شيئاً على الإطلاق."
ذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل تسلمت فجر اليوم (الخميس) جثمان الشاب الدرزي تيران فرو، ابن دالية الكرمل، وأعادته إلى عائلته.
وأضاف البيان أن استرداد الجثمان تم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وكان جثمان فرو نُقل أمس (الأربعاء) إلى مستشفى جنين، بعد أن أصيب بجروح خطرة، في إثر حادث سير في المدينة، إلاّ إن مسلحين فلسطينيين اختطفوا الجثمان من المستشفى.
وادّعى أفراد من عائلة الشاب أن المسلحين فصلوا فرو عن أجهزة التنفس وهو في قيد الحياة واختطفوه حياً.
وقالت مصادر سياسية رفيعة المستوى في القدس إن إسرائيل أجرت اتصالات مع المنسق الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط والسلطة الفلسطينية لتسليم الجثمان إلى ذويه.
وأغلق متظاهرون دروز الليلة الماضية الطريق رقم 6 جنوباً، احتجاجاً على اختطاف الجثمان، وغادروا المكان بعد تدخّل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، وذلك بعد أن تحدث مع وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف بشأن هذا الموضوع.
علمت صحيفة "هآرتس" بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو وافق على منح رئيس تحالُف "الصهيونية الدينية" عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش مسؤولية الإشراف على الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وذلك من خلال نقل سلطة "الإدارة المدنية" في المناطق [المحتلة] من وزارة الدفاع إلى وزارة المال التي من المتوقع أن يتولاها سموتريتش في حكومة نتنياهو الجديدة، لتصبح بذلك تحت إشرافه المباشر.
ويكتسب هذا التطوّر أهمية بالنسبة إلى الاستيطان في مناطق الضفة، نظراً إلى أن سموتريتش الذي يقود حزباً يقدّم نفسه كممثل للمستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يتبنى مواقف بالغة التطرف حيال موضوع الاستيطان، بما في ذلك حماسته لضم المنطقة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة. كما يُخشى من أن يتمكن سموتريتش، من خلال موقعه الجديد، من شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقامها المستوطنون على أراضٍ فلسطينية خاصة، من دون الحصول على ترخيص من الحكومة أو الجيش.
من ناحية أُخرى، ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 مساء أمس أن حزبيْ شاس والليكود اتفقا على أن يتولى زعيم شاس آرييه درعي وزارتيْ الداخلية والصحة، بالإضافة إلى منح الحزب ثلاث وزارات أُخرى، بينها وزارة الشؤون الدينية.
وأضافت القناة أنه يرجَّح أن يتم تعيين القيادي في الليكود أمير أوحانا وزيراً للخارجية. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أن نتنياهو كان معنياً بأن يشغل هذا الموقع سفير إسرائيل السابق في واشنطن رون دريمر، الذي يُعدّ من أقرب المقربين إليه.
- لم يعلن أيّ تنظيم أو مجموعة المسؤولية عن هجوميْ القدس اللذين وقعا صباح يوم الأربعاء. الناطق بلسان "حماس" باركهما، لكن من صيغة الكلام، لا يبدو أن "حماس" كانت على عِلم مسبق بالهجوم، أو أن عناصرها هم الذين نفّذوه. يمكن التقدير انطلاقاً ممن له مصلحة، ومن أسلوب العملية الفتاكة، بأن هناك احتمالاً أن المقصود عملية نفّذها أفراد ينتمون إلى داعش، أو يريدون الانضمام إلى التنظيم، أو مقربون منه.
- ليس أكيداً أن النتائج القاسية للهجوم لها علاقة مباشرة بعملية التأجيج القومية التي يمر بها الشباب الفلسطينيون في الضفة الغربية حالياً، الذين يتباهون بأعمالهم ويحرّض الواحد منهم الآخر بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، بالأساس عبر التيك توك. ويبدو أن الذي نفّذ الهجوم خلية منظمة خططت جيداً لعمليتها.
- في أيار/مايو هذا العام، اعتُقل في القدس الشرقية خمسة مواطنين من العرب اشتبه الشاباك في أنهم يخططون للقيام بسلسلة هجمات في إسرائيل، وخصوصاً في القدس. كما اعتُقلت خلية أُخرى في الناصرة مؤخراً، واعترف المتهمون بأنهم كانوا يخططون لتفجير مدرسة عربية كانت مديرتها تخطط لإعطاء التلامذة دروساً في التربية الجنسية، وكان هؤلاء على علاقة بداعش خارج إسرائيل، وكانوا خططوا أيضاً لهجمات ضد أهداف إسرائيلية، بالأساس ذات طابع ديني. ووُجهت كتب اتهام ضد الخمسة. من المحتمل أن يكون أعضاء آخرون، أو مساعدون كانوا على علاقة بالمعتقلين والمتهمين، حاولوا اليوم الانتقام لاعتقال رفاقهم وإحالتهم على المحاكمة.
- أيضاً أسلوب عمل المهاجمين شبيه بأسلوب داعش - عبوتان ناسفتان في حقائب يدوية موضوعة في أماكن مدنية مزدحمة بالناس، تفصل بينهما فترة زمنية قصيرة. "حماس" والجهاد الإسلامي وجّها في الأعوام الأخيرة هجماتهما بالأساس نحو القوى الأمنية، أو عناصر عسكرية.
- كما أن العبوتين اللتين فُجِّرتا عن بُعد هما من خصائص داعش الذي سبق أن استخدمها التنظيم في أوروبا وهنا. من المحتمل أيضاً أن الهدف كان أماكن يتواجد فيها يهود متديّنون بكثافة – حريديم، الأمر الذي يمكن أن يلمّح إلى طابع ديني إسلامي للمسؤولين عن العملية.
- يُضاف هذا كله إلى حقيقة أننا شهدنا في العام الماضي تصاعداً في العمليات "الإرهابية" التي قام بها أشخاص اعتبروا أنفسهم ينتمون إلى داعش، أو حاولوا الانضمام فعلياً إلى التنظيم. موجة "الإرهاب" التي بدأت في آذار/مارس هذه السنة - كانت بدايتها هجمات نفّذها أشخاص عرّفوا أنفسهم بأنهم ينتمون إلى داعش في بئر السبع والخضيرة. بدأ الشاباك عملية تصدٍّ واسعة النطاق ضد عناصر التنظيم، كانت نتيجتها اعتقال خمسة مواطنين آخرين من القدس الشرقية في أيار/مايو. لكن يبدو أن هناك عناصر أُخرى لا تزال طليقة.
- العملية المزدوجة التي نُفِّذت صباح أمس (الأربعاء) في القدس، يبدو أنها عمل خلية متمرسة نسبياً. كان على أحدهم أن يخطط مسبقاً وضع العبوتين الناسفتين في محطات الحافلات المختلفة، وأن يجمع معلومات استخباراتية، ويركّب العبوات ويضعها وأن يخرج من المنطقة من دون القبض عليه، ثم يفجّر العبوات عن بُعد بالتزامن، خلال وقت قصير. قُتل في العملية طالب المدرسة الدينية، ابن الـ16 عاماً، آرييه تشوباك، وأصيب 22.
- هذا ليس عمل "مخرب" وحيد، وأشك في أن تكون العملية من صنع مجموعة محلية جديدة على نمط "عرين الأسود" من نابلس. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تبدو أسلوب عمل تنظيم قديم، مثل "حماس" أو "الجهاد الإسلامي". لن تكون مفاجأة كبرى، إذا ما تبين أن أعضاء الخلية هم من القدس الشرقية (بسبب حرية الحركة ومعرفة المنطقة)، ومن الممكن أن تكون المساعدة والتمويل من الخارج.
- العمليتان في محطتيْ الباص تعيد إلينا ذكريات مؤلمة وقديمة. خلال عشرات الأعوام السابقة، ليس هناك أحداث تركت حالات من الصدمة في الذات الإسرائيلية كعمليات الباصات أيام الانتفاضة الثانية في مطلع الألفية الثانية. حينها، كانت عمليات فدائية، في أغلبيتها، استُخدمت فيها عبوات كبيرة وقاتلة أكثر. تراجعت العمليات الفدائية مع انتهاء الانتفاضة، وتم استبدالها بمبادرات محلية وأكثر ارتجالاً. آخر مرة شهدت القدس عملية في باص، كانت في نيسان/أبريل 2016، حين فجّر "مخرب" من "حماس" نفسه بالخطأ، بينما كان يحمل عبوة. حينها، أصيب 20 راكباً في الحافلة.
- مَن اختار أهداف العملية - محطات الحافلات في القدس - يبدو أنه يعرف الخلفية التاريخية المرافقة لها. التخوف من التصعيد، بالإضافة إلى استمرار "الموجة الإرهابية" التي بدأت منذ آذار/مارس هذا العام وترفض أن تخمد، ازداد وسيُلقي بظله على الخطوات السياسية المقبلة. العمليات تجري خلال فترة انتقالية. الحكومة المنتهية ولايتها التي خسرت أحزابها الانتخابات، وأصبحت تقريباً خارج الحكم؛ والحكومة الجديدة التي لم تؤلَّف بعد.
- بنيامين نتنياهو لم يمسك المقود بعد، لكن شركاءه المستقبليين بدأوا بصبّ الزيت على النار. وزير الأمن الداخلي المستقبلي إيتمار بن غفير استصعب التنازل عن عاداته القديمة، وركض إلى ساحة العملية. إلاّ أنه اكتشف هناك للمرة الأولى في حياته أن عليه إعطاء أجوبة، لا توزيع الاتهامات فقط. الحلول التي طرحها مستهلَكة كثيراً: اغتيال "مخربين"، وحصار القرى التي خرج منها منفّذو العمليات، ووقف "المخيم الصيفي" في السجون. الذي يدعي أنه العقل الأمني في قائمته، عضو الكنيست (والجنرال) تسفيكا فوغل، لديه فكرة أكثر حدة: يوجد لدينا طائرات؟ صواريخ؟ مدافع؟ دبابات؟ علينا تفعيلها. هذا ما طالب به خلال مقابلة أجراها معه "راديو 103FM."
- نتنياهو يعرف أن الظروف أكثر تعقيداً، كما أن قيادات المؤسسة الأمنية تحفّظت عن حملة واسعة شمال الضفة، بادّعاء أن الاعتقالات المستمرة وتحقيقات "الشاباك" الكثيرة كافية للتعامل مع التهديد القائم. لكن سيكون على نتنياهو تقديم شيء ما للشركاء، إذ يوجد في الخلفية التوتر الدائم في الحرم القدسي ونية بن غفير المتوقعة، الاستمرار في الدخول إلى الحرم حتى بعد تنصيبه وزيراً. ما يُطبَخ على نار هادئة إلى متوسطة منذ ثمانية أشهر، يمكن أن ينزلق إلى مواجهة واسعة أكثر، بسبب التقاء عدة ظروف جديدة: ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، ونمو "خلايا إرهابية" محلية في الميدان، وحكومة يمين واضحة ستُؤلَّف قريباً في إسرائيل.
- نحو 30 إسرائيلياً وأكثر من 140 فلسطينياً قُتلوا في عمليات وأحداث منذ بداية العام في الضفة وداخل الخط الأخضر. حتى الآن، شهدنا عمليات فردية، وخلايا محلية، وقليلاً من التنظيمات الممأسسة أكثر، مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وللتعامل مع هذا كانتفاضة، لا يزال ينقص مركّب إضافي: تدخُّل شعبي واسع في الجانب الفلسطيني، وهو ما ينقص حتى الآن. إسرائيل، بوعي، حالت دون ذلك، عبر امتناعها من سياسة "العقاب الجماعي" في الضفة. دخول القدس إلى الساحة، وبصورة خاصة إذا تضافر هذا مع عمليات فدائية، من الممكن أن يرجّح الكفة مستقبلاً. الحاجز المركزي الذي يمنع الوصول إلى هذه النتيجة يكمن في قدرة "الشاباك" و"الجيش" على إحباط هذه العمليات.
- يتعين على الحكومة الجديدة التي ستؤلّف وضع ردّ على التحديات الاستراتيجية المطروحة في أقرب وقت، سواء على صعيد النظام الإقليمي، أو في الساحة الدولية، انطلاقاً من الفهم أنها ستخضع للاختبار من خلال أعمالها على الأرض. والمطلوب من هذه الاستراتيجيا تقديم جواب منظّم عن الوضع المتأزم حيال السلطة الفلسطينية، وتصاعُد التهديد من جانب إيران، وذلك من خلال المحافظة على الدعامات الاستراتيجية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، وعلى العلاقات مع دول السلام والتطبيع.
السلطة الفلسطينية الآخذة في التلاشي - انفجار سياسي وأمني
- التحدي المركزي اليوم هو التهديد الأمني المتزايد في شمال الضفة الغربية، والذي يهدد بالامتداد إلى مناطق أُخرى في الضفة. هذا بالإضافة إلى الإحساس بخيبة الأمل واليأس لدى القيادة والجمهور الفلسطينييْن، وصعوبات الحكم التي تواجهها السلطة، والتي تتجلى في الصعوبة المتزايدة وعدم الرغبة في تحمّل المسؤولية عن بؤر الفوضى الناشئة. ونتيجة ذلك، وإزاء ازدياد العبء، أصبحت إسرائيل مضطرة إلى تحمّل المزيد من المسؤولية، والطلب من الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات واسعة النطاق، من دون التعاون مع القوى الأمنية الفلسطينية، وبالتالي ازدياد الاحتكاكات بالسكان في الضفة الغربية. هذا الواقع يؤدي إلى زيادة التوجهات نحو نزع الشرعية عن إسرائيل، ويمكن أن يعرقل جهود بناء الثقة والتعاون بين الحكومة الجديدة وبين الإدارة الأميركية، وأن يُلحق الضرر بشبكة العلاقات مع الدول السّنية في المنطقة.
- في ضوء هذه التحديات، المطلوب من الحكومة الجديدة أن تدرك أن مساعيها في التصدي للتهديدات الأمنية المباشرة تشكل رداً موقتاً وجزئياً فقط، وأن احتمال الانفجار سيزداد، وبمرور الوقت، سيكون المطلوب منها إحداث تغيير جوهري في الاستراتيجيا، وفي منظومة العلاقات مع السلطة الفلسطينية. عملياً، ستكون الحكومة مُجبرة على الاستمرار والمحافظة على كل قنوات التنسيق مع السلطة، وخصوصاً الأمنية منها. في المقابل، ومن أجل ضمان قيام نسيج حياة مدنية، فإن إسرائيل مضطرة إلى الامتناع من القيام بخطوات عقابية اقتصادية قد تؤدي إلى مفاقمة الضائقة الاقتصادية، وإلى المزيد من التآكل في استعداد الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتعاون في التصدي "للإرهاب"، وستزيد في حدة مشاعر الاستياء لدى الناس، وخصوصاً وسط جيل الشباب.
- في المقابل، يجب على إسرائيل تجنُّب القيام بخطوات أحادية الجانب يمكن أن تغيّر الواقع على الأرض. وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بفرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية، والموافقة على بؤر غير قانونية، وتغيير الستاتيكو في الأماكن المقدسة في القدس.
"حماس"- كبح تعاظُم قوتها مع المحافظة على التهدئة
- تستغل "حماس" الهدوء النسبي في القطاع والتسهيلات المدنية الواسعة النطاق من أجل ترسيخ قوة حُكمها العسكري وتحسين استعداداتها قبيل سيطرتها على المنظومة الفلسطينية كلها في "اليوم التالي" لأبو مازن. هذا بالإضافة إلى الدفع قدماً بـ"الإرهاب" والتحريض من داخل القطاع، إلى جانب إقامة وتشغيل بنية تحتية عسكرية في الضفة الغربية. في مواجهة هذا كله، يتعين على إسرائيل انتهاج سياسة تحافظ على التهدئة من جهة، ومن جهة ثانية، تزيد في الردع ضد قيادة "حماس"، وذلك من خلال وضع شروط واضحة لاستمرار تقديم التسهيلات الاقتصادية في مقابل لجم مساعي "الإرهاب" والتحريض.
المحافظة على العلاقات مع دول السلام والتطبيع
- منظومة العلاقات مع العالم العربي هي من المكونات الحيوية في قوة إسرائيل السياسية والأمنية. الحكومة الجديدة مضطرة إلى أن تفهم أن الدفع قدماً بالعلاقات مع هذه الدول مرتبط بصورة مباشرة بالقضية الفلسطينية. بناءً على ذلك، ما دام لم يحدث أيّ تقدّم سياسي إزاء السلطة، وبالتأكيد إذا حدث تصعيد على الأرض، فإن إسرائيل ستصطدم بسقف زجاجي فيما يتعلق بتعميق التعاون، وخصوصاً في المجالات المدنية العلنية.
- هناك أهمية خاصة للعلاقات مع الأردن الذي يشكل دعامة مهمة للغاية، وأيّ ضرر يلحق بهذه العلاقات سيؤدي إلى تقويض المجال الأمني الاستراتيجي لدولة إسرائيل. لدى الأردن حساسية كبيرة حيال كل ما له علاقة بالتطورات في الضفة الغربية والخطوات الإسرائيلية في القدس، والتي يمكن أن تقود إلى تصعيد وتؤدي إلى المسّ بالمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة، وفي سيناريو أقصى، يمكن أن تشكل تهديداً للاستقرار الداخلي في المملكة. بناءً على ذلك، يجب على الحكومة الجديدة الامتناع من خطوات أحادية الجانب حيال الفلسطينيين تفاجىء الملك وتشكل تحدياً له، وخصوصاً في القدس، والعمل على بناء علاقات تقوم على الثقة بين قيادتيْ البلدين وتخطّي رواسب الماضي.
التهديد الإيراني- بلورة ردّ استراتيجي شامل
- التهديد الإيراني لإسرائيل يزداد ويتعاظم على مختلف الصعد - الدفع قدماً بالبرنامج النووي؛ مواصلة مراكمة مواد مخصبة على درجة 60%؛ تحسين القدرة الهجومية في مجال المسيّرات والصواريخ؛ تعميق العلاقات الأمنية مع روسيا؛ تقديم مساعدة كثيفة لحزب الله؛ الجرأة المتزايدة في مهاجمة مدنيين وأهداف إسرائيلية في أنحاء العالم.
- نافذة الفرص لكبح إيران تنغلق. في ضوء ذلك، على الحكومة الجديدة العمل منذ بداية الطريق على بناء قدرة عسكرية لمواجهة الخطر المتزايد، إلى جانب تعميق التنسيق والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، المهم والحيوي، من أجل التوصل إلى ردّ شامل على التحدي. في المقابل، يتعين على إسرائيل الاستمرار في تعميق تعاونها الأمني مع دول الخليج، والدفع قدماً بخطط لزيادة الضغوط على النظام الإيراني من الداخل والخارج.
الحساسية حيال الإدارة الأميركية
- شكل وتركيبة الحكومة الجديدة أثارا مخاوف كثيرة لدى الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة وإزاء السياسة التي ستنتهجها حيال مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والأقليات، والمنظومة القضائية والفلسطينيين. نجاح الديمقراطيين في الانتخابات النصفية يمكن أن يشجع الإدارة الأميركية على الدفع قدماً بأجندة ليبرالية – ديمقراطية بقوة أكبر، وبصورة يمكن أن تنعكس على العلاقة مع إسرائيل.
- لا بديل من العلاقات الاستراتيجية الخاصة مع الولايات المتحدة، ولا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بالمس، ولو بصورة ضئيلة، بالعلاقات معها، والتي تعتمد إلى حد بعيد على قيم مشتركة بين الدولتين. في ضوء ذلك، على الحكومة أن تُظهر حساسية أكبر لدى صوغ خطوط سياستها، وفي سلوكها، وتقليص عناصر الاحتكاك، وأن تكون حذرة، وألا تنجرّ إلى مواجهات علنية مع الإدارة الأميركية يمكن أن يستغلها الجمهوريون من أجل النيل من الديمقراطيين. ضمن هذا الإطار، نوصي الحكومة باستخلاص الدروس من الماضي، والعمل على الدفع قدماً بالعلاقات مع كل مكونات الطيف السياسي في الولايات المتحدة.
- يجب أن تتجنب الحكومة اتخاذ قرارات يمكن أن تُفسّر لدى أوساط يهودية واسعة في الولايات المتحدة بأنها قرارات تمييزية وتمس بحقوقهم، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من التآكل في دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل (الذي شهد في الأعوام الأخيرة تراجعاً تدريجياً، وخصوصاً وسط جيل الشباب).
المحافظة على السياسة الحذرة في مواجهة روسيا
- من بين القضايا المشحونة في السياسة الخارجية الإسرائيلية مسألة تأييد أوكرانيا، وبالأساس تزويدها بمنظومات دفاعية (دفاع جوي). وفي ضوء تعقيد العلاقات مع روسيا، وخصوصاً في مواجهة قدرة روسيا على إلحاق الأذى بمجموعة مصالح إسرائيلية في المنطقة، وفي طليعتها الحفاظ على حرية العمل في الساحة السورية والخوف على أمن يهود روسيا. وتحديداً على خلفية تعزيز التعاون الأمني بين روسيا وإيران، يجب على إسرائيل أن تكون حذرة أكثر، وألاّ تقوم بخطوات يمكن أن تثير معارضة في موسكو وتساعد إيران.
- في ضوء هذا كله، نوصي الحكومة الجديدة بالامتناع من تزويد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي، أو منظومات سلاح أُخرى. في المقابل، يتعين على إسرائيل مواصلة تأييدها العلني لأوكرانيا، وإدانة جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا، والدفع قدماً بالتعاون مع كييف (بصورة مباشرة، أو من خلال طرف ثالث).
الساحة الداخلية - معالجة مشكلات أساسية
- سيكون على الحكومة الجديدة العمل من أجل رأب التصدعات والبحث في العمق في التحديات التي يواجهها المجتمع والاقتصاد في الدولة، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بغلاء المعيشة وأسعار الشقق ومنظومتيْ التعليم والصحة. من دون معالجة جذور هذه المشكلات، سيكون من الصعب على الحكومة مواجهة التحديات الاستراتيجية التي تُزَج بها بنجاح.
- يجب إيلاء اهتمام خاص للمحافظة على استقلالية القضاء الذي يلعب دوراً جوهرياً في قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في مواجهة مساعي نزع الشرعية عنها والتحديات القانونية المتزايدة في الساحة الدولية (وفي طليعتها محكمة لاهاي ولجان التحقيق المختلفة).
خلاصة
- الحكومة الجديدة ستدخل في فترة "كل شيء مرتبط بكل شيء". وبعكس الأعوام الأخيرة، فإن زعزعة منظومة العلاقات مع الفلسطينيين يمكن أن تنعكس على العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة، وعلى التعاون الخاص مع دول الخليج. ومثل هذا التطور، سيؤثر في نوعية الرد على مجموعة واسعة من قضايا الأمن القومي، وفي طليعتها المواجهة مع إيران. في مواجهة العاصفة الاستراتيجية التي تقترب بقوة، يجب على الحكومة الجديدة إظهار حكمة سياسية وأمنية، والامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب تُعتبر أنها تزعزع الاستقرار (بما في ذلك في الضفة الغربية) وتُلحق الأذى بحقوق الإنسان، كما عليها المحافظة، بأيّ ثمن، على الحلف الاستراتيجي العميق مع الولايات المتحدة، وعلى العلاقات مع العالم العربي.