مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قام قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سينتكوم) الجنرال مايكل كوريلا أمس (الخميس) بزيارة إلى مقر هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، حيث عقد اجتماعاً مع رئيس هيئة الأركان الجنرال هرتسي هليفي، نوقشت فيه سبل تطوير التعاون وتعزيز العلاقات بين الجيشَين براً وجواً وبحراً.
وقال كوريلا في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في ختام الاجتماع إن الجهوزية للقتال التي شهدها في صفوف الجيش الإسرائيلي أثارت فيه انطباعاً قوياً، وأبدى إعجابه بها.
من جانبه، أوضح رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال هليفي أن "الجيش يتابع التغييرات في الإقليم مع التركيز على تنامي العدوان والإرهاب من جانب إيران"، وأكد أنه: "في هذه الفترة الحساسة تحديداً هناك أهمية كبيرة للعلاقة الوطيدة بين الجيشَين الإسرائيلي والأميركي".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد استقبل في وقت سابق أمس الجنرال كوريلا، وبحث معه آخر التطورات الإقليمية، وخصوصاً التهديدات الإيرانية في الشرق الأوسط. وقال غالانت إن إسرائيل تنظر إلى تعاظم قوة إيران ومساعيها للحصول على سلاح نووي كأمر بالغ الخطورة.
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن فلسطينياً قام مساء أمس (الخميس) بمحاولة دهس جندي إسرائيلي عند مفترق طرق بالقرب من مستوطنة أريئيل في السامرة [منطقة نابلس]، ثم ترجّل من سيارته وأشهر سكيناً، فقام أحد الجنود بإطلاق النار عليه وأرداه قتيلاً، ولم يُصب أي إسرائيلي بجروح.
وأضاف البيان أن الجيش قام بإغلاق الشارع، وباشر بأعمال تمشيط في المنطقة.
وأفادت مصادر فلسطينية أن القتيل هو أحمد يعقوب طه (39 عاماً) من قرية بديا، وكان ضابطاً في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
شارك نحو 200.000 شخص في تظاهرة مؤيدة لخطة التعديلات المقترحة من جانب الحكومة الإسرائيلية على الجهاز القضائي، وقد أُقيمت في القدس مساء أمس (الخميس)، وكان قد دعا إليها الائتلاف اليميني الحاكم، وحثّ على أن تكون مليونية.
ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد أن هذه التعديلات ضرورية من أجل إيجاد توازن بين السلطات الثلاث في إسرائيل بعد أن أقدم القضاة في المحكمة العليا على توسيع صلاحياتهم، وذلك بخلاف القانون.
وجاءت هذه التظاهرة رداً على تظاهرات الاحتجاج ضد خطة التعديلات التي تقودها أحزاب المعارضة منذ نحو 4 أشهر، وتحذّر فيها من أن الخطة تُسيّس النظام القضائي وتمسّ استقلاليته وتركز سلطات مطلقة في يد الحكومة، وهو ما يؤدي إلى تقويض الحيّز الديمقراطي.
وحيّا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المتظاهرين الذين كانوا يحملون الأعلام الإسرائيلية ويهتفون. ودعت بعض الهتافات نتنياهو إلى عدم الرضوخ لضغوط المعارضة، وذلك بعدما أعلن تجميد الإجراءات التشريعية للتعديلات.
ووصل بعض المتظاهرين إلى التظاهرة ضِمن مسيرات، الأمر الذي دفع الشرطة إلى إغلاق شوارع وطرق رئيسية، وأدى ذلك إلى ازدحامات مرورية خانقة في القدس.
وحاول منظمو التظاهرة إحضار عضو كنيست من أحزاب اليهود الحريديم [المتشددين دينياً] لإلقاء خطاب أو إحضار ممثلين عن الحريدم إلى المنصة لإظهار دعمهم التظاهرة، وذلك على الرغم من دعوات قادة الحريديم جمهورَهم إلى التغيّب عن التظاهرة.
ودانت صحيفة "ييتد نئمان" الناطقة بلسان حزب ديغل هتوراه في افتتاحية عددها الصادر صباح أمس مشاركة الحريديم في التظاهرة، وقال رئيس تحرير الصحيفة إن الذين سيذهبون إلى التظاهرة لن يكونوا جزءاً من معسكر اليهود الحريديم.
وقال وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، في سياق كلمة ألقاها أمام المتظاهرين، إن الشعب صوّت لمصلحة التعديلات في الاستفتاء الحقيقي قبل 6 أشهر، مشيراً إلى الانتخابات التشريعية. وتعهّد ليفين بإجراء تغيير كبير في الجهاز القضائي، وأعرب عن اعتقاده بأنه من الممكن التوافق مع المعارضة على أن الوقت قد حان لتغيير سلوك المحاكم. وانتقد كثيراً من قرارات المحكمة العليا، ولا سيما في مسائل تخص القضية الفلسطينية، ومكافحة العنف الجنسي، والهجرة، والجيش الإسرائيلي، داعيا المعارضة إلى مراجعة موقفها. كما وجّه انتقاده أيضاً إلى تركيبة قضاة هذه المحكمة، واصفاً إياها بأنها ذات توجّه سياسي وطائفي واحد، مشدداً على أنه يريد محكمة للجميع. وأردف قائلاً: "يدرك كثيرون الحاجة الملحّة إلى تصحيح كبير للوضع الحالي. أنا مقتنع بأنه يمكننا التوصل إلى تصحيح الوضع الحالي بالتوافق، لا بصورة أحادية الجانب، وهو ما يعني مفاوضات موضوعية، مع الاستعداد لقبول بنود حقيقية من التعديلات التي نقترحها."
وحينما تحدث ليفين عن التوافق، أطلق المتظاهرون صفاراتهم تعبيراً عن رفضهم التسوية.
ونفى ليفين رواية المعارضة بأن التعديلات ستؤدي إلى قيام نظام ديكتاتوري في البلد.
وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير زعيم حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"]: "يجب ألاّ نرضخ، نريد تعديلات كاملة، نريد أن ننتصر. ويجب ألاّ نختبئ وراء ما نفكر فيه، وهو أن نحكم بصورة مطلقة." فيما أكد رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست عضو الكنيست سِمحا روتمان: "نحن أمام فرصة لن تعود، ويجب ألاّ نتنازل، فمن يتنازل عن إجراء تعديلات في القضاء يتنازل عن مكافحة 'الإرهاب'." ورأى وزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم، من حزب الليكود، أن "إسرائيل ليست دولة ديمقراطية، لأنها محكومة من جانب الأقلية اليسارية، بينما الديمقراطية تعني حكم الشعب والأغلبية." وشدد وزير المال بتسلئيل سموتريتش، من حزب الصهيونية الدينية، على ضرورة عدم التنازل عن التعديلات القضائية.
ومن ناحية أُخرى، انتهت أمس جلسة المفاوضات الرابعة بشأن خطة التغييرات القضائية، والتي عُقدت في ديوان رئاسة الدولة واستمرت 4 ساعات وشارك فيها ممثلون عن الحكومة وأحزاب المعارضة.
وقالت مصادر في ديوان رئاسة الدولة إن الطرفَين لم يعودا يتحدثان بروح التفاؤل والإيجابية نفسها كما كانت الحال في السابق.
وأضافت هذه المصادر نفسها أنه تم التفاهم بشأن نقطة واحدة فقط أمس، وهي شمل حقوق أساس الفرد ضمن قوانين الأساس.
ومن المتوقع أن تُعقد جلسة أُخرى الأسبوع المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن التعديلات هي سبب رئيسي لانقسام سياسي حادّ تشهده إسرائيل منذ مطلع سنة 2023 الحالية. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات كانت حكراً لفترة طويلة على المعارضة، فإن مؤيدي التعديلات قرروا النزول إلى الميدان أيضاً. وكان الكنيست في الفترة الأخيرة في عطلة بسبب الأعياد اليهودية، وسيستأنف العمل يوم الاثنين المقبل. وقد جددت أمس طواقم الحكومة من جهة، وطواقم المعارضة المؤلفة من حزبي "يوجد مستقبل" و"المعسكر الرسمي" من جهة أُخرى، الحوارَ بينها في المقر الرسمي لإقامة رئيس الدولة الإسرائيلية في القدس بعد توقفها بسبب الأعياد اليهودية والمناسبات الوطنية. ونفت مصادر مسؤولة في ديوان رئاسة الدولة تقارير تحدثت عن أن رئيس الدولة ينوي وضع موعد ومهلة للحوار إذا لم يتجه الطرفان إلى التسوية لعدم هدر الوقت. وقالت هذه المصادر نفسها إن مهمة رئاسة الدولة الحصرية هي تهيئة الأجواء وحث الأطراف على التوصل إلى تسوية.
أظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجرته صحيفة "معاريف" أمس (الخميس)، أنه في حال تم إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة الآن، ستحصل قوائم معسكر الأحزاب المؤيدة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على 50 مقعداً، بينما ستحصل قوائم معسكر الأحزاب المناوئة له على 59 مقعداً، وستحصل قائمة التحالف بين حداش [الجبهة الديمقراطية] وتعل [الحركة العربية للتغيير] على 6 مقاعد، وقائمة راعام [القائمة العربية الموحدة] على 5 مقاعد، ولن تتمكن قائمة بلد [التجمع الوطني الديمقراطي] من تجاوز نسبة الحسم (3.25%).
ووفقاً للاستطلاع، ستتراجع قوة قائمة حزب الليكود وتحصل على 23 مقعداً، بينما ستحصل قائمة تحالف "المعسكر الرسمي" برئاسة عضو الكنيست بني غانتس على 28 مقعداً، وقائمة "يوجد مستقبل" برئاسة عضو الكنيست يائير لبيد على 17 مقعداً.
وبيّن الاستطلاع أن قائمة حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة الوزير بتسلئيل سموتريتش ستحصل على 6 مقاعد، وقائمة "عوتسما يهوديت ["قوة يهودية"]" برئاسة الوزير إيتمار بن غفير على 4 مقاعد، وقائمة حزب شاس لليهود الحريديم [المتشددين دينياً] الشرقيين على 10 مقاعد، في حين ستحصل قائمة حزب يهدوت هتوراه الحريدي على 7 مقاعد، وقائمة حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد، وستحصل قائمة كل من حزب العمل برئاسة عضو الكنيست ميراف ميخائيلي، وقائمة ميرتس على 4 مقاعد.
وشمل الاستطلاع عيّنة مؤلفة من 525 شخصاً يمثلون جميع فئات السكان البالغين في إسرائيل، مع نسبة خطأ حدّها الأقصى 4.3%.
- قيلَت أشياء كثيرة عن الارتباط بين يوم الذكرى [ذكرى مقتل الجنود الإسرائيليين] ويوم "الاستقلال" والانتقال السريع والحاد الذي يفرضه علينا الوقت القصير الذي يفصل بينهما؛ الانتقال من الحُزن الشديد إلى الفرحة، ومن الصمت والعزاء القومي، إلى الأجواء الصاخبة للعيد، والاحتفال والتهليل.
- يواجه كثيرون من الإسرائيليين، وخصوصاً العائلات الثكلى والأصدقاء المقرّبين للجنود الذين سقطوا، صعوبة في هذا الانتقال الحاد في المشاعر من أقصى درجات الحُزن إلى أقصى درجات الفرح. ومن البديهي التضامن مع الناس ومشاعرهم. وعلى الرغم من صعوبة هذا الانتقال فقد تحوَّل إلى أحد أهم رموز الهوية الإسرائيلية.
- مع مرور السنوات، تعزّز الفهم القائل إن قوة هذَين اليومَين تنبع أساساً من هذا الارتباط القائم بينهما. إن تزامن يوم الاستقلال مع يوم الذكرى، على الرغم من أنه صعب، هو ما يربط الإنجاز بالثمن؛ بين وضعنا وسيادتنا القوية على وطننا المُزدهر، وبين النُصب التذكارية القائمة على طول البلاد وعرضها، والتي تشهد على ثمن هذا الاستقلال.
- إن دولة إسرائيل موجودة اليوم في إحدى أصعب الأزمات التي شهدتها في تاريخها، فالخطر الذي يهدد الحصانة القومية حقيقي، والانقسام بين مكونات المجتمع عميق وواسع، وقد فَتَحَ جروحاً كبيرة من الماضي لم تُشف بعد. لقد تعدّى الانقسام الحلبة السياسية منذ زمن، وبات يتغلغل في شرائح أُخرى في الحياة، وفي المجتمع والتجمعات، كما تغلغل أيضاً في الحلقة التي تحيط بمجالات الأمن والثكل، التي لطالما كان التعامل معها على أنها قُدس الأقداس بالنسبة للمجتمع ومعقل الوحدة والمؤسسات. وتُظهر الأزمة الداخلية إسرائيلَ أمام أعدائها كمجتمع ضعيف مفكك وفي حالة صراع، وتمنحهم الأمل في تحقيق توقعاتهم الكئيبة المتعلقة بنا.
الاتفاق على قواعد اللعبة
- بعد 75 عاماً من استقلالها، يتوجب على دولة إسرائيل أن تواجه تحدياً يُعد من أصعب التحديات التي مرّت بها على الصعيد الداخلي: هو المحافظة على الوحدة في واقع انشقاق عميق واستقطاب. قبل كُل شيء، يجب استثمار الحوارات في بيت الرئيس من أجل الوصول إلى اتفاق على القضايا المصيرية التي يتم بحثها، وهذا لمنع تفاقم الوضع وإخراج الجيش وأجهزة الأمن كلّياً من الصراع. هذه مرحلة ضرورية لـ"وقف النزيف"، لكنها ليست كافية لحل جذور الخلاف والمشكلات الأساسية التي خرجت إلى السطح مؤخراً. تتطلّب معالجة هذه المشكلات التعامل مع الأسئلة الكبيرة في كلّ مؤسسات الدولة؛ الهوية، والرؤية و"قواعد اللعبة" في حالات الخلاف. هذا ضروري لتوجيه القوى الموجودة في إسرائيل كي تحقق أهدافاً تم الاتفاق عليها، وتسمح لنا بإدارة الحياة حتى مع وجود اختلافات.
- لكن المصيدة التي نعيشها الآن تنبع أساساً من هذه الأسئلة. كُل صياغة لرؤيا أو هدف قومي من المتوقع أن يصطدم بمعارضة "مع وضد". كيف، وأين يمكن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضايا؟ سيكون من الصواب تبنّي وجهة النظر العامة التي صاغتها البروفيسورة روت غابيزون؛ التي اعتقدت أنه يتوجب على كلّ صيغة أن تعكس أساساً مشتركاً واسعاً في المجتمع الإسرائيلي، ويمكنها أن تضمن حياة ومستوى جيد من الرفاهية.
- تشبه دولة إسرائيل اليوم سفينة تبحر في مياه هائجة، وفي محيط يُهددها، وتخاف من الاصطدام بكُتلة جليدية، ومسؤولية قيادتها إلى بر الأمان تقع على القيادة، لكن يجب على كُل واحد منّا أن ينتبه إلى أفعاله التي يمكن أن تؤدي إلى إغراقها.
- مؤخراً، تجددت العمليات ضد إسرائيل من الحدود اللبنانية، وتمثّلت بحادثَين غير مسبوقَين؛ أوّلهما الهجوم في 13 آذار/مارس عند مفترق مجيدو على طريق 65، وكان من خلال وضع عبوة ناسفة من نوع كليمغور، نفّذها "مخرب فلسطيني" تسلل إلى إسرائيل عبر الحدود اللبنانية، وأدى انفجارها إلى إصابة مواطن إسرائيلي بجروح بليغة. ولقد تم القبض على "المخرب" وقُتل وهو في طريقه إلى لبنان، وكان يحمل حزاماً ناسفاً. وأعلنت منظمة فلسطينية تطلق على نفسها اسم "قوات الجليل - الذئاب المنفردة" مسؤوليتها عن الهجوم. ومن المعلومات التي انتشرت، يظهر بوضوح أن حزب الله هو الذي يقف وراء إدارة العملية وتنفيذها، وذلك على الرغم من امتناعه من تحمل المسؤولية؛ إذ تهرّب نصر الله، في الخطاب الذي ألقاه في 22 آذار/مارس، من التطرق إلى تورط حزب الله في الهجوم، وادّعى أن حزب الله ليس مضطراً إلى التطرق إلى تفصيلات الحادث الذي فاجأ إسرائيل مفاجأة كبيرة، وأن صمته (الحزب) هو جزء من إدارة المعركة، ويدل على حكمة، ويربك العدو. ويُعتقد أن الهجوم جرى بإيحاء من إيران، التي تشعر بالإحباط جرّاء فشلها في ضرب مصالح إسرائيلية رداً على العمليات التي تتعرض لها في سورية والمنسوبة إلى إسرائيل، كما أن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل على أهداف تابعة لإيران وحزب الله في سورية، والتي أدت إلى مقتل مستشارَيْن إيرانيَيْن وضرب بنية تحتية لحزب الله (في نهاية آذار/مارس - مطلع نيسان/أبريل) كانت رداً على هجوم مجيدو.
- أمّا الحادث الثاني غير المسبوق، فكان إطلاق صواريخ على إسرائيل في 6 نيسان/أبريل من جنوب لبنان ضمن إطار مسعى فلسطيني لفتح عدد من الساحات (القدس، وقطاع غزة، ولبنان)، وذلك بعد المواجهات التي وقعت بين مصلين مسلمين والقوى الأمنية في حرم المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. وقد شمل القصف الذي قام به عناصر من "حماس" في لبنان 35 صاروخاً (جرى اعتراض 25 منها، وسقطت خمسة صواريخ داخل الأراضي الإسرائيلية)، وهذا الحجم لم نشهده منذ حرب لبنان الثانية سنة 2006. وعلى الرغم من عدم وجود ما يدل على تورط مباشر لحزب الله، فإنه يمكن التقدير بمنطقية كبيرة أن الهجوم حدث بموافقة مبدئية منه، في عمليات التنسيق الاستراتيجي بين كبار المسؤولين في حزب الله و"حماس"... . وفي ضوء سيطرة حزب الله على منطقة جنوب لبنان، فإن هذا يفرض على المنظمات الفلسطينية، التي تنشط في لبنان ضد إسرائيل التنسيق معه، والتي من الممكن أن تورطه في مواجهة معها.
......
- تجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تتحرك فيها أطراف فلسطينية ضد إسرائيل من جنوب لبنان؛ فقد سبق أن تحركت من هذه الساحة خلال عملية "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، وذلك حين جرى إطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل. في ذلك اليوم، أطلقوا عدداً ضئيلاً من الصواريخ (3 في كل مرة)، لم يسقط منها شيء في الأراضي الإسرائيلية، بل سقطت في البحر في 13 أيار/مايو، وفي 18 أيار/مايو، سقطوا داخل الأراضي اللبنانية. في مواجهة هذه الحوادث غير المسبوقة، اكتفى الجيش بقصف مصادر إطلاق الصواريخ، لكن بعد الحادث الذي وقع في آب/أغسطس 2021، والذي سقط فيه صاروخان داخل إسرائيل وعرّضا حياة المواطنين للخطر، والذي نُسب أيضاً إلى أطراف فلسطينية، هاجمت طائرات سلاح الجو أهدافاً في جنوب لبنان للمرة الأولى منذ 2013. ردّ نصر الله، الذي سبق أن وعد بالرد على أي هجوم على لبنان، على هجوم سلاح الجو بإطلاق صواريخ على مناطق خالية في مزارع شبعا، وذلك رغبة منه في "إغلاق" الحادث من جانبه.
- وبعكس المرات السابقة، امتنع حزب الله من أي رد على هجوم سلاح الجو في 7 نيسان/أبريل، وعلى عملية سرّية أُخرى ضد حزب الله (تحدثت عنها مصادر صحافية، لكن لم يجر تأكيدها رسمياً في إسرائيل) بعد إطلاق الصواريخ. وفي خطابه في 14 نيسان/أبريل في يوم الجمعة الأخير من رمضان ويوم القدس، تطرق نصر الله باستخفاف إلى الهجوم الإسرائيلي، وادّعى أنه لم يكن موجّهاً ضد أهداف لحزب الله في لبنان، على عكس كلام رئيس الحكومة نتنياهو الذي قاله في خطاب ألقاه في 10 نيسان/أبريل، بل استهدف بستاناً من الموز. وكرر نصر الله تشديده على توحيد صفوف محور الممانعة مدّعياً أن المس بحرم المسجد الأقصى وبالشعب الفلسطيني هو خط أحمر بالنسبة إلى حزب الله. كما شدّد على الضعف الداخلي لإسرائيل، بالإضافة إلى ضعف التأييد الأميركي لها.
- إن حزب الله تهمه المحافظة على سيطرته على الفصائل الفلسطينية التي تستغل الأراضي اللبنانية للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل، ويهمه التنسيق معها، كي لا تَجُرَّ لبنان إلى تصعيد، ما دامت تخدم مصلحة محور المقاومة الآخذ في الاتساع، والذي يشمل "حماس" والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى المحور الشيعي. في جميع الأحوال، فإن "منطقة المواجهة" التي نشأت بعد صمت حزب الله حيال تورطه في النشاطات الفلسطينية وعملياتها مناسب للحزب المستفيد على جميع الصُعُد؛ ففي إمكانه أن يتباهى بضعف إسرائيل، والمساهمة في محور المقاومة في النضال الفلسطيني وفي خدمة المصالح الإيرانية، وادعاء أن قوته تردع إسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية، فإن إنكار تدخّله يحرره من رد إسرائيلي ضده.
- أدت هذه العمليات ضد إسرائيل، والتي تنضم إلى سلسلة حوادث سابقة، إلى التآكل في ميزان الردع بين إسرائيل وحزب الله لمصلحة الحزب، الذي يعمل بكل قوته على تحسين قواعد اللعبة لمصلحته ضمن إطار معادلة الردع التي تبلورت بعد حرب لبنان الثانية. وفي الواقع، يستطيع حزب الله أن يسجل لنفسه عدداً من الإنجازات؛ بينها أن تحركه أدى إلى تقليص نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وتوسيع تواجد عناصر الحزب بالقرب من الحدود مع إسرائيل تحت غطاء جمعية "أخضر بلا حدود"، هذا بالإضافة إلى الاحتكاكات مع جنود الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، والإحساس بالثقة لدى نصر الله بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2022، الذي يعتبره نصر الله إنجازاً جرى بفضل تهديدات حزب الله لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يرى حزب الله، كسائر عناصر محور المقاومة، الجدل الداخلي العميق في إسرائيل، بشأن الأزمة الدستورية والاحتجاج الواسع ضد حكومة إسرائيل، تعبيراً عن الضعف إسرائيل البنيوي، وهو يفسره بصورة غير صحيحة، بأنه ألحق ضرراً كبيراً بقوة إسرائيل. هذا الوعي الكاذب الذي طوّره نصر الله في السنة الأخيرة، والذي عبّر عنه بوضوح في خطاباته، هو على ما يبدو في أساس الجرأة الواضحة التي أظهرها في الأحداث الأخيرة.
- مع ذلك، فإن كلّاً من عدم القيام بعملية عسكرية، ولو محدودة، كرد من جانب حزب الله، وامتناع الحزب من الاعتراف رسمياً بتدخّله في العمليات ضد إسرائيل، يؤكد أنه على الرغم من الجرأة الزائدة، فإن الحزب لا يزال حذِراً، ويريد منع مواجهة جبهوية مع إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق تلحق ضرراً كبيراً، ليس بالحزب فحسب، بل أيضاً بإيران، وكذلك لبنان، حيث تتوسع الانتقادات ضد حزب الله على الرغم من ادعاء نصر الله أنه مستعد أيضاً لمواجهة واسعة.
- في كل الأحوال، تشير الأحداث الأخيرة إلى تآكل الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله وشركائه في المحور. وفي أوضاع كهذه، يتوجب على المستوى السياسي في إسرائيل أن يُجري نقاشاً عميقاً وشاملاً مع المؤسسة الأمنية لبلورة استراتيجيا تعزز الردع في مواجهة حزب الله، الذي يشكّل رأس حربة محور المقاومة الموسع، كما يشكّل اليوم التهديد التقليدي الأساسي على إسرائيل. ويبدو أن المطلوب هو القيام بعملية عسكرية ضد حزب الله لتوضيح الثمن الذي سيدفعه إذا استمر في استفزازه إسرائيل، وذلك من أجل منع تحوّل العمليات "الإرهابية" المنبثقة من لبنان إلى أمر يومي، بما في ذلك إطلاق "حماس" الصواريخ.
- تواجه إسرائيل تحدياً معقداً؛ كيف يمكنها تعزيز الردع في مواجهة حزب الله و"حماس" من دون التسبب بتصعيد والتدهور إلى حرب؟ لدى إسرائيل مجال للعمل، وعليها أن تختار الطريقة الأفضل له، والتوقيت المناسب، والاستعداد للتداعيات.