مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء أمس (الثلاثاء) مؤتمراً صحافياً شارك فيه أيضاً كلٌّ من وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن العام ["الشاباك"] رونين بار، تحدثوا خلاله عن العملية العسكرية "درع وسهم" التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها في قطاع غزة أمس وأسفرت عن مقتل 15 فلسطينياً، بينهم 4 أطفال و4 نساء و3 من قادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني.
وقال نتنياهو إن الحكومة قررت تعليق الدراسة في جميع المناطق الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً عن منطقة الحدود مع قطاع غزة، وفتح الملاجئ العامة في مدن الجنوب والوسط، تحسباً لرد الفصائل الفلسطينية على العملية، وطالب نتنياهو المواطنين بالصبر وإظهار العزم في الأيام القليلة المقبلة.
وهدّد نتنياهو الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن أي تصعيد من طرفها سيواجَه برد إسرائيلي ساحق. وأضاف: "لا حصانة لأي شخص. إن مَن يضرّ بنا سنوجه له ضربة قوية. ولقد أوعزت إلى القوات الأمنية بالاستعداد للتصعيد، ربما على أكثر من جبهة. نحن الآن في خضم معركة، وسنحتاج إلى الصبر وقوة التحمل في الأيام المقبلة."
وزعم نتنياهو أن العملية في غزة استهدفت ثلاثة من كبار قادة الجهاد الإسلامي المسؤولين عن إطلاق صواريخ من قطاع غزة ونشاطات "إرهابية" في الضفة الغربية، كما أن الغارات الإسرائيلية على غزة دمرت مستودعات أسلحة وصواريخ. كما زعم أن إسرائيل تبذل أقصى جهدها لتجنُّب إيذاء المدنيين.
وقال رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار إن الجهاز أحبط خلية في منطقة جنين بدأت بتصنيع صواريخ ومنصات إطلاق صواريخ من شمال الضفة في اتجاه إسرائيل. وأشار إلى أن طارق عز الدين، الذي قُتل مع طفليه علي وميار عز الدين في العملية ضد غزة أمس، موّل هذه الخلية المزعومة وقام بتوجيهها.
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إن إسرائيل قد تتعرض لإطلاق صواريخ من قطاع غزة بكثافة كبيرة على مناطق قريبة وبعيدة. وأضاف أن المؤسسة الأمنية مهيأة لأي سيناريو، بما في ذلك لحملة طويلة ومتشعبة.
وأضاف غالانت أن المؤسسة الأمنية حققت أهداف العملية بالكامل، وتم القضاء على رأس حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، لكنه حذّر من استمرار جولة التصعيد، وقال مخاطباً المواطنين الإسرائيليين: "من المهم أن نقول لكم إن هذه المعركة لم تنتهِ بعد. قد نشهد إطلاق صواريخ على مناطق قريبة وبعيدة، وبكثافة كبيرة. وقد يُطلب من جنود الجيش الإسرائيلي قريباً زيادة العمليات الدفاعية على حدود قطاع غزة، وفي يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وأماكن أُخرى. إن المؤسسة الأمنية جاهزة لأي سيناريو، بما في ذلك معركة طويلة ومتشابكة. ونحن نعمل وفق استراتيجيا وسياسة ونهج معمق ومخطط لتحقيق المصالح الإسرائيلية."
بدوره، قال رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي إن الجيش الإسرائيلي "يعدّ العدّة لهذه العملية منذ فترة، وقد انتظر واختار التوقيت الأنسب للقيام بها."
ذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن شابين فلسطينيين قُتلا برصاص جنود إسرائيليين خلال قيام قوة من الجيش باقتحام بلدة قباطية جنوبي جنين فجر اليوم (الأربعاء).
وقالت مصادر فلسطينية إن الشابين القتيلين هما أحمد جمال توفيق عساف كميل (18 عاماً) من قباطية، وراني وليد أحمد قطنات (25 عاماً) من مخيم جنين.
وأفاد شهود عيان بأن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي اقتحمت البلدة وسط تحليق مكثف للطائرات المسيّرة، وقامت بإغلاق الشوارع الرئيسية فيها ومداهمة عدد من المنازل في الحي الغربي، حيث فتشتها وعبثت بمحتوياتها. وأضافوا أن هذه القوات استهدفت مركبة في أحد شوارع البلدة بوابل من الرصاص، الأمر الذي أدى إلى مقتل الشابين وإصابة شاب ثالث بجروح.
قال رئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل إن عمليات الاغتيال التي نفّذتها إسرائيل في قطاع غزة جريمة غادرة بحق الشعب الفلسطيني، وأكد أن الفصائل الفلسطينية ستردّ عليها بحزم.
وأضاف مشعل في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أمس (الثلاثاء)، أن عملية "درع وسهم" هي محاولة من إسرائيل لاستعادة صورتها التي فقدتها في الأسابيع الأخيرة.
في سياق متصل، أطلقت غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تهديداً، أكدت فيه أن على إسرائيل أن تدفع الثمن باهظاً لقاء ارتكابها جريمة فجر أمس.
ولم تصدر أي ردات فعل منددة بالعملية من الدول العربية، باستثناء الجزائر ومصر وقطر. أما على المستوى الدولي، فقد دعمت الولايات المتحدة العملية العسكرية، مشيرةً إلى أن ما تقوم به إسرائيل هو من حقها. ودعت روسيا إلى وقف استخدام القوة غير المناسبة، فقط بعد أن تبين أن أحد قتلى الغارات الإسرائيلية على القطاع يحمل الجنسية الروسية.
أفادت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى بأن المؤسسة الأمنية، التي قامت صباح أمس (الثلاثاء) بشنّ عملية "درع وسهم" في قطاع غزة، بدأت استعداداتها لهذه العملية منذ الأسبوع الماضي، وذلك بوضع خطة تصفية قيادات حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني. فقد أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تعليماته إلى كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية بإعداد خطة لتصفية كبار القادة العسكريين في حركة الجهاد الإسلامي، وكان ذلك يوم أُطلقت عشرات القذائف الصاروخية من القطاع في اتجاه الأراضي الإسرائيلية الأسبوع الماضي. وكادت العملية تنطلق يوم الأحد، لكن تم إرجاؤها.
وأعطت المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف - ميارا الضوء الأخضر للمباشرة بتنفيذ العملية من دون الحاجة إلى دعوة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية - الأمنية ["الكابينيت"] إلى الانعقاد، بغية الحصول على موافقته.
ووفقاً لهذه المصادر نفسها، عُقدت يوم الجمعة الماضي جلسة في مقر جهاز الأمن العام ["الشاباك"] في تل أبيب لمناقشة الأمر، وتم خلالها عرض خطة العمل على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع غالانت، وحصلت على موافقتهما، وبدأ الجيش استعداداته لأداء المهمة. وكان من المقرر أن يتم تنفيذ العملية ليلة الأحد، غير أنه لم يتسنّ ذلك، فتم إرجاؤها إلى فجر أمس.
وبقيت العملية طيّ السرية حتى على عدد من الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية - الأمنية.
وأكد وزير الدفاع يوآف غالانت أمس أن على إسرائيل إعداد العدة لأي سيناريو، ولا سيما سيناريو معركة طويلة وتعرُّض الأراضي الإسرائيلية لاعتداءات صاروخية تطاول مسافات أوسع وأطول، ودعا سكان الدولة إلى الانصياع لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية، باعتبارها منقذة للحياة.
وشدد الوزير غالانت على أن الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الأُخرى على أهبة الاستعداد بكل الوسائل، وفي كل الجبهات.
وعقّب كلٌّ من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير [رئيس "عوتسما يهوديت"] ووزير المال والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش [رئيس الصهيونية الدينية] على عملية "درع وسهم"، فأبديا ارتياحهما حيالها.
وكتب بن غفير في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "وأخيراً آن الأوان؛ أهنئ نتنياهو على العمل الاستباقي في غزة، هذه بداية جيدة، آن الأوان لتغيير السياسة تجاه غزة."
وفي ضوء العملية، قررت كتلة "عوتسما يهوديت" البرلمانية العودة إلى المشاركة في التصويت إلى جانب بقية أطراف الائتلاف الحكومي.
وفي بيان صدر عن الكتلة، بعد اجتماع عقدته قبل ظهر أمس، جاء أنها اتخذت هذه الخطوة "بعد أن قبلت الحكومة موقفها، وانتقلت من سياسة الاحتواء إلى سياسة أُخرى هجومية من خلال تصفية قادة الجهاد الإسلامي،" وأعربت عن الأمل بأن يستمر اتّباع هذه السياسة فترة طويلة.
من جهته، قال الوزير سموتريتش: "جاءت العملية في التوقيت المناسب... شكراً للجيش وقوات الأمن على التنفيذ، ولرئيس الحكومة وقوات الأمن على المبادرة."
أفادت مصادر إسرائيلية مطّلعة بأن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أجرى قبل أيام مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تطرّق خلالها إلى الجهود المبذولة من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
ووفقاً لِما أكدته هذه المصادر لصحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن مسألة إحراز تقدُّم ملموس في مسار التطبيع مع السعودية لا يلوح في الأفق حالياً، ومن غير المتوقع حدوث هذا خلال الأشهر القريبة المقبلة، بل ومن غير المتوقع حدوثه حتى نهاية سنة 2023 الحالية.
وأشارت المصادر نفسها أيضاً إلى أنه من العقبات الصعبة المطروحة أمام سير عملية التطبيع المحتملة بين البلدين، رفض إسرائيل المطلق السماح للمملكة العربية السعودية بتطوير طاقة نووية للشؤون المدنية.
وقال مسؤول سياسي إسرائيلي للصحيفة إن إسرائيل تتمسك بموقفها التقليدي الذي ينصّ على عدم الموافقة إطلاقاً على قيام أي دولة في منطقة الشرق الأوسط بتطوير قدرات نووية، حتى لو كان ذلك متعلقاً بشؤون مدنية.
من ناحيتها، تطرح السعودية أمام الولايات المتحدة 4 شروط من أجل التقدم إلى الأمام في طريق التطبيع مع إسرائيل، وهي: إعانتها على تطوير قدرات نووية مدنية، وتطوير التبادل التجاري بين البلدين (السعودية والولايات المتحدة)، وإبرام تحالُف بينهما للدفاع المشترك، وكذلك الكفّ عن انتقاد المملكة بخصوص واقعة مقتل الصحافي جمال الخاشقجي.
- قبل أسبوع، توفي الأسير خضر عدنان بعد إضرابه عن الطعام لمدة 86 يوماً. ردّ الجهاد الإسلامي بقصف مدفعي وصاروخي على إسرائيل، بدورها، قامت إسرائيل بالرد على ذلك بهجوم مكثف. كل ذلك يتبع روتيناً ثابتاً وتلقائياً يُعرف باسم "جولة عنف"، تبدأ بحادث "استهلالي"، وتتواصل من خلال ردود متبادلة، وعموماً تتوقف بعدها.
- لكن هذه المرة، تعرّضت إسرائيل لانتقادات حادة عامة وسياسية لِما وُصف بأنه "ردّ رخو"، وسياسة "احتواء" مشينة، وبأنها ضيّعت الفرصة لتدمير "البنية التحتية للإرهاب". وفجأة، ظهرت الحكومة اليمينية المتشددة بائسة، من دون عضلات، وأكثر ضعفاً من حكومة "اليسار" التي سبقتها. الذي سارع إلى فهم الضرر الخطِر الذي لحِق بصورة الحكومة، هو الوزير إيتمار بن غفير الذي طالب، ليس فقط بالمشاركة في الاستشارات الأمنية التي لم يُدعَ إليها، بل بالعمل بصورة عنيفة لتدمير مصطلح "احتواء" المهين، وطالب بمهاجمة قادة التنظيمات "الإرهابية".
- لم يكتفِ بن غفير بالكلام الإنشائي والخطابات، بل قاطع جلسات الكنيست والحكومة، وبهذه الطريقة هدّد الائتلاف، وربما بسقوط الحكومة التي تقترب من موعد التصويت على الميزانية.
- تهديد بن غفير أوضح لرئيس الحكومة نتنياهو أن "الجولة" العسكرية تتطلب تصحيحاً. وبناءً على ذلك، طُلب من الجيش الإسرائيلي والشاباك تقديم اقتراحات للعمل، اتُّخذ في نهايتها قرار اغتيال ثلاثة قادة كبار في الجهاد الإسلامي. من حسن الحظ، لا يزال هناك قادة كبار في الجهاد الإسلامي. بعد آب/أغسطس العام الماضي، أعلن رئيس شعبة العمليات عوديد بسيوك أنه جرى القضاء على كل "القيادة الأمنية في الجهاد الإسلامي بعد عملية "بزوغ الفجر"، يمكن التقدير، من دون تردد، أنه سيجري قريباً تعيين قادة جدد لملء صفوف الجهاد، وهؤلاء سيشكلون أهدافاً للاغتيالات المقبلة.
- من المفيد أن نفحص كيف جرى تنفيذ هذه الاغتيالات التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة أبرياء، بينهم 4 نساء و4 أطفال. ماذا جرى لمصطلح "اغتيال محدود" الذي كان يدل على قدرة عملانية لضرب الهدف بدقة خلال الهجوم. والأهم من ذلك، فحص عملية اتخاذ القرارات والذرائع التي جرى الاعتماد عليها. هذا النوع من الاغتيالات جرى تنفيذ العشرات منه، وهناك اختلاف في الآراء بشأن مدى مساهمة هذه الاغتيالات في تحقيق هدوء مستمر، أو تحسين الردع. يبقى الآن أن نأمل بأن فرضية العمل التي قُدمت إلى المستشارة القانونية للحكومة التي وافقت على العملية من دون دعوة المجلس الوزاري المصغر إلى الاجتماع، والتي تقول إنه ليس من المتوقع نشوب حرب بعدها، تستند إلى أسس ثابتة.
- على الرغم من زوال التهديد الذي كان يشكله بن غفير على الحكومة نأمل ألّا ينجرّ نتنياهو إلى عملية طويلة، على أمل قمع الاحتجاج ضده وترميم وضعه السياسي.
- في الأسبوع الماضي وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في زيارة إلى سورية. وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى سورية منذ نشوب الحرب الأهلية في آذار/مارس 2011. لكن يجب ألّا يخدعنا الكلام الجميل الذي سمعه الرئيس الأسد من رئيسي: فالنظام الإيراني يشكك في إخلاص الرئيس السوري لمصالح الجمهورية الإسلامية في سورية.
- قبل كل شيء، اسمحوا لي بأن أشرح كيف وصلنا إلى هذا الوضع: قبل قرابة الشهرين، اتفقت إيران والسعودية، بوساطة صينية، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد قطيعة استمرت 7 أعوام. السبب الأساسي وراء موافقة النظام الإيراني على ذلك هو الصين. فالإيرانيون يعتمدون على بيجين، كونها أكبر مستوردة لنفطهم، ومن الدول القليلة في العالم المستعدة لشرائه. بينما تفضّل سائر الدول عدم المخاطرة بتعرّضها لفرض عقوبات عليها من الولايات المتحدة. والمغزى الفعلي للقرار الصيني بوقف شراء النفط الإيراني هو الإفلاس.
- من دون ضغط الصين، ثمة شك كبير في أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي كان سيوافق على اتفاق ترميم العلاقات مع السعودية، لأنه إلى جانب ميزات الاتفاق، فهو يحتوي على عيوب كبيرة بالنسبة إلى إيران. من بين هذه العيوب أن الاتفاق سيمكّن السعودية من تحسين علاقاتها مع حلفاء إيران في المنطقة، وبينهم النظام السوري. لا يستطيع خامنئي أن يقول "لا" للصينيين، لكن هذا لا يعني أنه لا يشكك في الأسد، ولهذا السبب جاء رئيسي إلى دمشق. ففي طهران يشعرون بالقلق حيال احتمال أن تسمح سورية الآن لشركات سعودية وإماراتية بالدخول إلى السوق السورية. وهذا سيكون بالطبع على حساب شركات إيرانية.
- هناك أسباب محقة للقلق الإيراني في هذا الشأن. فهم يتعلمون من التجربة. إيران وظفت في سورية الكثير من المال والموارد العسكرية، دفاعاً عن نظام الأسد، وعلى الرغم من ذلك، فإن المستهلك السوري - ومنذ سنوات كثيرة - "سيذهب للشراء من الآخرين"، وهو يفضل المنتوجات التركية التي تتفوق على المنتوجات الإيرانية من حيث النوعية والسعر. الولاء السياسي ليس له دور هنا والأرقام تتحدث عن نفسها: في السنة الماضية صدّرت تركيا إلى سورية بقيمة 2.2 مليار، بينما بلغ حجم الصادرات الإيرانية إلى سورية 110 ملايين دولار فقط.
- معنى هذا أن الصادرات التركية إلى سورية هي 20 ضعف الصادرات الإيرانية. وعلى الرغم من أن معظم الاستيراد السوري يتركز على السلع اليومية، فإننا يمكن أن نتوقع اليوم إنفاقاً أكبر بكثير في مجالات الطاقة والبناء. يريد النظام السوري إعادة إعمار الدمار الكبير الذي خلّفته الحرب الأهلية في هذه المجالات، وللسعوديين والإماراتيين ما يقترحونه على هذا الصعيد. فشركة البناء الإماراتية "إعمار" مثلاً هي من أكبر الشركات في الشرق الأوسط. ولدى السعوديين شركات بناء تدير مشاريع بعشرات مليارات الدولارات. علاوةً على ذلك، وبعكس خصمهم الإيراني، فإن للشركات السعودية والإماراتية صلة بالمهندسين والتكنولوجيا الغربية. يضاف إلى ذلك أن أي مساعدة مالية تأتي من الرياض أو من أبو ظبي إلى دمشق سيكون شرطها الاستثمار في مشاريع سعودية وإماراتية.
- في نظر الإيرانيين، كل ذلك يمكن أن يرجّح الكفة ضدهم ويضرّ بمصالحهم في سورية، في وقت تعاني الجمهورية الإسلامية من ضائقة اقتصادية حادة - الأقسى منذ الثورة في سنة 1979 - وبحاجة إلى كل دولار يمكن أن تربحه من السوق الدولية.
- في إيران تزداد حالياً التساؤلات بشأن الفائدة التي تعود إلى إيران من المساعدة المالية التي تقدمها إلى سورية. ووفقاً للدكتور حشمت فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بلغت ديون نظام الأسد لإيران 30 مليار دولار، حصل عليها منذ سنة 2011. وقبل يومين من زيارة رئيسي، صرّح حشمت لصحيفة إيرانية بأنه يأمل بأن يوضح الرئيس الإيراني الموضوع، وقال: "السوريون دفعوا ديونهم لروسيا، ولم يدفعوها لإيران."
- حشمت فلاحت ليس وحده الذي يشعر بخيبة الأمل. فعدد الإيرانيين الذين يتدهورون يومياً إلى ما تحت خطر الفقر يكبر ويزداد. وحتى الدعارة، فإنها وصلت إلى الطبقات الوسطى، حيث يقل أكثر فأكثر عدد العائلات القادرة على كسب رزقها في ظل الجو الاقتصادي الحالي. و30 مليار دولار هو مبلغ هائل بالنسبة إلى دولة تشكو من النقص في الأدوية. والآن، بالإضافة إلى ذلك، ثمة خوف من أن المناقصات المهمة يمكن أن تأخذ طريقها نحو خصوم إيران في الخليج، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من تآكل سياسة طهران المتعلقة باستثماراتها في سورية وفي نظام الأسد.
- ويوجد هنا تحدٍّ آخر بالنسبة إلى الإيرانيين: استثمار سعودي وإماراتي كبير في الاقتصاد السوري سيؤدي إلى مطالبة سورية بتحقيق الهدوء والاستقرار. لكن ما دامت طهران تستخدم الأراضي السورية لتهريب السلاح إلى حزب الله وتهديد إسرائيل، فإن سورية لن تعرف الاستقرار والهدوء، والهجمات الإسرائيلية ستستمر. وكل هذا يمكن أن يزيد التوتر على محور دمشق - طهران، ويلحق الضرر بالعلاقات بين الدولتين.
- صحيح أن "الجهاد الإسلامي" في غزة هو التنظيم الثاني من حيث الحجم، لكنه تنظيم صغير ومعزول، يشكل تحدياً استخباراتياً ليس بالبسيط بالنسبة إلى "الشاباك" والجيش. لذلك جرت العملية الشاملة ضد قيادات التنظيم وبعض أملاكه العسكرية فقط ليلة أمس، على الرغم من أن التحضيرات لها استمرت أكثر من شهر، منذ أطلق التنظيم قذائف على إسرائيل بعد المواجهات في المسجد الأقصى.
- بالإضافة إلى هذا، يتميز التنظيم أيضاً بمركزية قيادية، تنشغل فقط بالقضايا العسكرية، على عكس "حماس" التي لها أذرع مختلفة تجعل من جمع المعلومات عنها، وبالتالي إلحاق الضرر بها، أسهل - في الوقت الذي يعمل نشطاء الجهاد طوال الوقت بتوجيه إيراني وثيق وتمويل من طهران، على نمط خلايا تعمل تحت الأرض؛ لذلك، كان من الصعب الوصول إلى وضع يمكن فيه ضبط القياديين الثلاثة الذين اغتيلوا ليلة أمس معاً، وبينهم القائد الأعلى المسؤول عن جميع أعمال التنظيم في القطاع، خليل البهتيني، والمسؤول من طرفه عن النشاط في الضفة، وبصورة خاصة في شمال الضفة (جنين ونابلس)، طارق عز الدين. هذا الأخير عمل أيضاً على تهريب القذائف إلى الضفة، لإطلاقها من هناك للمرة الأولى.
- كما جرى في حملة "الحزام الأسود" - حين تم اغتيال قائد الجهاد في شمال الضفة، بهاء أبو العطا، وكما جرى في حملة "بزوغ الفجر"، التي تم خلالها استهداف قيادات التنظيم، فإن "درع وسهم " استهدف أيضاً قياديي الجهاد الذين يسيطرون على نشاطه - وبذلك كان من الممكن إلحاق الضرر بكل نشاطات التنظيم التي تخرج من القطاع.
- الحملة التي شارك فيها الشاباك والجيش كان لها ثلاثة أهداف: الأول: الردع؛ الثاني: منع تنفيذ عمليات "إرهابية" إضافية كان مخططاً لها بالأساس في الضفة الغربية؛ والثالث: انتقام وتدفيع ثمن، وهي أهداف نفسية، وليست عملياتية. حملات كهذه لا يمكن القيام بها خلال لحظة، ولتحقق أهدافها ولا تكون مجرد إشباع لرغبات السياسيين الغاضبين والمستفزين، يجب الانتظار، لأن "الجهاد" في غزة، كما "حماس"، يرسل قياداته إلى المخابئ المحمية تحت الأرض قبل أن يطلق القذائف، أو ينفّذ عمليات.
المعادلة والثمن
- الآن، بات واضحاً تماماً لماذا لم يسارع نتنياهو ومنظومة الأمن إلى الاستجابة للمطالبات الصارخة التي صدرت عن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. وزير الدفاع ورئيس الحكومة أثبتا أن الصبر وضبط النفس ناجعان، وأن ساعة قيادات "القتلة" لن تحين في الوقت الذي يلائم قيادات حزب "قوة يهودية". بالنسبة إلى الساحة الدولية، من غير المتوقع أن يكون هناك مشكلة، ويمكن الاعتقاد أن الإدارة الأميركية في واشنطن ستتفهم أن لإسرائيل "الحق" في إلحاق الأذى بقيادات الجهاد في غزة، بالضبط كما للولايات المتحدة "الحق"، وعليها واجب أيضاً، في اغتيال بن لادن وقيادات "داعش" في سورية.
- هناك مَن سيدّعي، وبصورة خاصة في الساحة الدولية، أن الهدف من وراء الحملة بالأساس هو الحفاظ على ائتلاف نتنياهو؛ وأن اغتيال القيادات وإلحاق الضرر الكبير بالبنى "الإرهابية" للجهاد الإسلامي جاء كنتيجة للضغوط السياسية التي قام بها إيتمار بن غفير وأعضاء حزبه على رئيس الحكومة، ومن خلاله على قيادات المنظومة الأمنية والجيش. إلا إن الحقائق مختلفة. قرار استهداف قيادات الجهاد الإسلامي جاء بعد يوم من المواجهة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. حينها، أطلق "الجهاد" قذائف من غزة، بالتنسيق مع "حماس"، في إطار سياسة التنظيمين التي تفيد بأنهما المسؤولان عن الدفاع عن الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس، وبالنسبة إليهما، غزة والضفة هما جبهة وطنية واحدة - لذلك، فإن "سقوط قتلى" في شمال الضفة يستوجب الرد من غزة.
- إسرائيل بادرت إلى حملة "درع وسهم" لتوضح للغزّيين أنها ستدفّعهم ثمناً كبيراً إذا استمروا في جني الأرباح في العالم الإسلامي والشارع الفلسطيني من خلال هذه المعادلة التي يعاني جرّاءها سكان جنوب إسرائيل. لذلك، من المعقول الادعاء أن وراء الحملة حسابات "موضوعية" للأمن القومي، وليس إرضاء سياسياً لوزير الأمن القومي وداعميه.
- عملياً، أجهزة الأمن ورئيس الحكومة يعتبران وزير الأمن القومي، الذي طلب تسميته وزيراً للأمن القومي، خطراً على الأمن القومي: يتم إبعاده عن المشاورات والقرارات، خوفاً من أن يسرب معلومات عن الحملة التي يتم الترتيب لها، وبالتالي يمنع تنفيذها.
"حماس" لا تسيطر كلياً على "الجهاد"
- بشأن المستقبل، إن الجيش يقدّر أن "الجهاد"، وكما في الحملات السابقة ضده، سيحاول أن يرد بالأساس عبر إطلاق قذائف من القطاع على الجنوب، وبضمنه أسدود وبئر السبع. لذلك، أصدرت الجبهة الداخلية توجيهاتها بإغلاق الطرق ووقف بعض القطارات، كما أن وزير الدفاع وجّه أوامره بالسماح لسكان غلاف غزة بالخروج إلى مناطق أُخرى. ولكن في كل بلدة هناك مدخل ومخرج مؤمن، ومَن سيبقى، عليه أن يبقى قريباً من الملاجئ.
- بحسب تقديرات أجهزة الأمن، من المتوقع أن يكون هناك عدة أيام قتال. السؤال الكبير هو ما إذا كانت "حماس" ستنضم إلى تبادُل إطلاق النار، أو تمتنع، كما جرى في الحملات السابقة التي استهدفت تحديداً "الجهاد". "حماس" شجعت الجهاد على إطلاق القذائف بعد المواجهات في المسجد الأقصى، وبالأساس بعد "وفاة" المضرب عن الطعام في السجن، خضر عدنان، الأسبوع الماضي. حتى أن التنظيمين أصدرا بياناً مشتركاً، على الرغم من أن "حماس" اكتفت بإطلاق نار رمزي لقذائف في الجو، الهدف منها كان إطلاق صافرات الإنذار. "حماس" تتصرف كتنظيم يتحمل مسؤولية السكان في القطاع، وذلك لأنه الحاكم ومَن له السيادة على الأرض، وهذا كان المبرر للامتناع من الانضمام إلى المعركة في المرات السابقة.
- "حماس" أيضاً تعارض، أيديولوجياً، الخط العسكري - المندفع لـ"الجهاد"، الموجّه من إيران، بقيادة زياد النخالة، المتواجد في لبنان وسورية. وعلى الرغم من ذلك، فإن "حماس" لا تستطيع السيطرة كلياً على "الجهاد"، الذي لا يقل عنها حجماً، من حيث العتاد والمقاتلين. لدى "الجهاد" آلاف القذائف التي تصل إلى مسافات مختلفة، ومن المتوقع أن يأتي الرد اليوم على اغتيال ثلاثة قياديين كبار، ومَن كانوا بالقرب منهم، وضمنهم أطفال.
- ومن المهم الإشارة إلى المعلومات الاستخباراتية الاستثنائية، وخاصة تلك التي جاء بها "الشاباك"، الذي سمحت وحداته العملياتية بإلحاق الضرر بدقة بثلاث قيادات كبيرة في التنظيم، وبأرصدته العسكرية. قسم الاستخبارات في الجيش كان المسؤول عن جمع ومعالجة المعلومات، وكانت غرفة العمليات التابعة للشاباك هي المسؤولة عن المعلومات الأولية التي سمحت بذلك. سلاح الجو أيضاً فعّل 40 طائرة مختلفة بتنسيق لا يتعدى الثواني، وبرزت لديه قدرات مميزة، وضمنها قدرات الطيارين في جيش الاحتياط.
- يبدو أن الجيش مستعد لمواجهة مستمرة، ستمتد على مدار عدة أيام على الأقل، ولذلك تمت المصادقة أيضاً على تجنيد الاحتياط، وبصورة خاصة منظومات الدفاع الجوي ومنظومات القيادة والسيطرة في سلاح الجو وشعبة الاستخبارات. خلال الحملة الأخيرة ضد الجهاد - بزوغ الفجر، تم التوصل إلى هدوء استمر نصف عام. لننتظر ما الذي سيحدث هذه المرة - وهو يتعلق إلى حد بعيد جداً بالسياسة التي ستختارها "حماس".