يمثّل المكوّن المسيحي مكوّناً مهماً لمجتمعنا الفلسطيني، اضطلع، منذ أواخر القرن التاسع عشر، بدور بارز في النهضة التعليمية التي شهدتها فلسطين، وفي إطلاق الصحافة وإنشاء الجمعيات، وفي تحديث اللغة العربية وآدابها، وفي فتح أبواب النقاش الفكري واسعاً أمام قضايا جديدة كالحرية، والعدالة، والمواطنة، والعلمانية، ومساواة المرأة، والديمقراطية والاشتراكية. كما كان له، على مر العقود الفائتة وإلى اليوم، مساهمات متميّزة في النضالات الوطنية والقومية التي خاضها شعبنا الفلسطيني.
ومن هنا، يصبح الحفاظ على هذا المكوّن، بما يضمن استمرار التنوع الديني للمجتمع الفلسطيني، بصفته عامل قوة وغنى له، ومواجهة كل الذين يريدون، في الداخل والخارج، القضاء على هذا التنوع، من أبرز المهمات المطروحة أمام كل الحريصين على المستقبل الفلسطيني. أما وسائل هذه المواجهة فهي عديدة، ومن بينها نشر المعرفة، على أوسع نطاق، بتاريخ هذا المكوّن وتراثه ودوره، وإصلاح مناهج التعليم الديني وإدراج علم المقارنة بين الأديان فيها.
(الصورة: جانب من الاحتفال بإضاءة شجرة الميلاد في رام الله، عرين ريناوي)
تحل مرة أخرى أعياد الميلاد في فلسطين، وكما في كل عام تتواصل الاحتفالات تحت وطأة الاحتلال وتقييداته. وقد احتفلت مدينتا الناصرة وبيت لحم، في الأول من كانون الأول/ديسمبر، بإضاءة شجرة الميلاد بحضور جماهير غفيرة، وتلتها مدينة رام الله في احتفال مهيب، جرى خلاله إضاءة شجرتين ضخمتين في موقعين في المدينة، وإطلاق المفرقعات في الهواء بشكل غير مسبوق، وذلك بحضور أعداد كبيرة من المسيحيين والمسلمين على السواء. أما أجواء الميلاد في مدينة القدس المحتلة، فيطغى عليها طابع سياحي، إذ تهل أفواج من السياح على المدينة من كل صوب، بينما يترك الاحتلال الاسرائيلي فسحة ضيقة جداً لأهل المدينة للاحتفال.
وتكتسب أجواء الاحتفالات بأعياد الميلاد في فلسطين طابعاً خاصاً؛ فبينما تنتمي قصة الميلاد إلى هذه الجغرافيا، يواجه المسيحيون في فلسطين أوضاعاً لا تقل سوءاً عن أوضاع سائر الفلسطينيين، في ظل حصار مشدد واعتقالات بالجملة، ومنع العائلات من الوصول إلى أماكن العبادة في بيت لحم والقدس، واستمرار تناقص أعداد المسيحيين في فلسطين من جراء الهجرة الناجمة عن سياسات التضييق الممنهجة.
وننشر اليوم، في مناسبة حلول عيد الميلاد المجيد، مقالين، يتناول الأول منهما احتفالات المسيحيين الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة بهذا العيد، وظاهرة هجرتهم من فلسطين التي تستنزف وجودهم، بينما يضيء الثاني على احتفالات مسيحيي قطاع غزة بعيد السيد المسيح، في ظل التقييدات القمعية التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمنعهم من خلق بعض مظاهر الفرح في هذه المناسبة.
- غزل عثمان: 955 تصريحاً لزيارة بيت لحم لم يوافق الاحتلال على أي منها: مسيحيو القطاع يحاولون صناعة الفرح في عيد الميلاد