مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قام طاقم خاص مؤلف من جهاز الاستخبارات الرسمي في أوغندا وقيادة العمليات الخاصة في وزارة الدفاع الأميركية في مطلع هذا الشهر بإلقاء القبض على مواطن لبناني في مطار أوغندا. بعد الحادثة قدّمت القنصلية اللبنانية احتجاجاً إلى وزارة الخارجية الأوغندية على الطريقة التي جرى فيها توقيف رجل الأعمال اللبناني، وأشارت إلى أن هذه الحادثة من شأنها أن تنعكس سلباً على عمل رجال الأعمال اللبنانيين في أوغندا.
وبحسب تقرير نشرته اليوم (الثلاثاء) صحيفة أوغندية نقلاً عن مصدر استخباراتي رفيع المستوى، الموقوف يدعى حسين محمد ياسين، وهو يعمل عميلاً سرياً لحزب الله منذ 9 سنوات. وبالاستناد إلى التقرير فإن العملية تمت بفضل عمل طاقم خاص شارك فيه جهاز الموساد الإسرائيلي الذي نجح في الكشف عن هوية العميل، وحذّر السلطات الأوغندية من كونه يعمل لمصلحة حزب الله. وبحسب مصدر استخباراتي رفيع المستوى في أوغندا، فقد جرى تجنيد العميل من وحدة العمليات الخارجية في حزب الله، وبواسطة مسؤول كبير هو علي حسين ويلقب بأبو جهاد. وبحسب التقرير فقد طلب حزب الله من العميل تحديد أهداف أميركية وإسرائيلية في أوغندا وفي المنطقة، والمساعدة في تجنيد اللبنانيين الذي يعيشون في هذه الدولة للقيام بعمليات لمصلحة حزب الله، وكذلك تجنيد مسلمين يعيشون في أوغندا ويذهبون إلى السعودية من أجل الحج بهدف جمع معلومات استخباراتية. وبحسب المصدر فإن الموقوف نجح في إقامة صلة بأكثر من 100 لبناني يعيشون في الدولة بهدف جمع معلومات استخباراتية. وأفاد المصدر أن الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة حذرتا أوغندا من تورط المتهم بعمليات إرهابية وطلبتا منها اعتقاله.
أطلقت الشرطة النار على شاب فلسطيني (21 عاماً) في الخضيرة بعد أن استل سكيناً وهدد به عناصرها، وهو ما أدى إلى إصابته بجروح. وبحسب تقرير الشرطة أنه عندما طلبت الدورية من الشاب إبراز بطاقة هويته استل سكيناً وحاول طعن أحد رجال الشرطة. والشاب من سكان المناطق، وقد نقل إلى المستشفى للمعالجة.
تطرق زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان خلال زيارته إلى مدينة عسقلان إلى التعهد الذي أطلقه عندما عُين وزيراً للدفاع بأنه قادر على اغتيال إسماعيل هنية بعد 48 ساعة من تولّيه منصبه فقال: "كنت أريد حل موضوع هنية مرة واحدة وإلى الأبد. وقدمت خطة إلى الطاقم الوزاري المصغر وكان موقفي واضحاً، نتنياهو هو الذي أوقف الخطة ومنع الهجوم".
وخلال لقائه مع سكان عسقلان وأغلبيتهم من المهاجرين الروس، وعدهم ليبرمان بالحصول على التقديمات التي يحصل عليها سكان غلاف غزة. وتطرق ليبرمان إلى زيارة نتنياهو الأخيرة إلى عسقلان قائلاً: "فجأة وقبل أشهر من الانتخابات تذكّر نتنياهو وجود مهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقاً ووعدهم بتأمين منازل وتعويضات تقاعدية. هو يعتقد أن في إمكانه أن يخدع الناس طوال الوقت."
علمت الصحيفة من مصادر مقربة من رئيس حزب أزرق أبيض أن بني غانتس قرر تغيير استراتيجيته قبيل الانتخابات المقبلة وعدم مهاجمة نتنياهو شخصياً والتركيز على أسلوب عمله. وبحسب نصائح مدير حملته الانتخابية من المهم أن يظهر غانتس كرجل دولة من أجل جذب الناخبين. وفي الوقت عينه يبدو أن غانتس يسعى لعدم إغلاق الباب أمام دخوله إلى حكومة نتنياهو المقبلة، على الرغم من تصريحاته بأنه لن يشارك في حكومة يواجه رئيسها لوائح اتهام.
ومن التغيرات الأُخرى في حملة أزرق أبيض التي يقودها هذه المرة غانتس وليس يائير لبيد كثرة إطلالاته الإعلامية بعكس ما فعله في الحملة السابقة، بالإضافة إلى عدم التركيز في الحملة على التناوب على رئاسة الحزب مع يائير لبيد.
توفي أول أمس بسام الشكعة، الرئيس السابق لبلدية نابلس، وأحد أهم الشخصيات السياسية الفلسطينية التي ظهرت خلال سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته عن عمر ناهز 89 عاماً. وكان الشكعة قد تعرّض قبل 30 عاماً لمحاولة اغتيال نفّذها تنظيم سري يهودي، وهو ما أدى إلى بتر ساقيه.
وُلد الشكعة سنة 1932 هو ينتمي إلى إحدى العائلات الميسورة في المدينة. في مطلع خمسينيات القرن الماضي انتمى إلى حزب البعث الذي كان ينادي بالوحدة في العالم العربي. طاردته السلطات الأردنية، فانتقل إلى العمل السري وعاش متنقلاً بين سورية ولبنان ومصر. في سنة 1965 سُمح له بالعودة مجدداً إلى مدينته، وفي سنة 1976 انتُخب رئيساً لبلدية نابلس، وظل في منصبه حتى سنة 1982.
امتاز الشكعة بنضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي. في سنة 1979 اعتقلته إسرائيل وأصدرت حكماً بطرده بعد أن اتهمته المؤسسة الأمنية بتأييد الإرهاب، وذلك بعد إعلانه أمام منسق الأنشطة في المناطق المحتلة تأييده للهجوم الذي وقع على الساحل، والذي قتل فيه عناصر من تنظيم "فتح" عشرات الإسرائيليين. وبعد العديد من طلبات الالتماس جرى إلغاء قرار طرده، وعاد إلى نابلس كبطل.
في سنة 1980 قام تنظيم سري يهودي مسلح يضم مستوطنين من اليمين بهجمات ضد شخصيات فلسطينية، ووضع عبوات ناسفة في سيارات ثلاثة رؤساء بلديات في المناطق، أحدهم الشكعة الذي كان رئيساً لبلدية نابلس، الأمر الذي أدى إلى بتر ساقيه، وهو منذ ذلك الحين يتنقل على كرسي متحرك.
على الرغم من ابتعاده عن الحياة السياسية، كان الشكعة من أشد المعارضين لاتفاق أوسلو، ومما قاله حينها: "اتفاق أوسلو، وكل الاتفاقات الأُخرى التي وقعتها حكومة إسرائيل وياسر عرفات لن تحقق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ولن تمنحه حق تقرير المصير". في سنة 1994 قال لمراسل صحيفة "هآرتس" رداً على الهجوم على خط 20 في رامات غان، والذي قُتل فيه 6 إسرائيليين: "الهجوم هو رد على الاحتلال وأعماله. وما دام الاحتلال قائماً، سيظل الناس يعانون جرّاءه ولا مفر من ظهور ردات فعل على الاحتلال. الاحتلال بحد ذاته هو عمل إرهابي".
في سنة 1999 فرضت عليه السلطة الفلسطينية الإقامة الجبرية بعد توقيعه عريضة تهاجم الزعامة الفلسطينية لتوقيعها اتفاقات أوسلو.
في سنة 2005 قال الشكعة في مقابلة نادرة أجراها معه داني روبنشتاين عندما سُئل عن رأيه في حل الدولتين: "إسرائيل ليست مستعدة لذلك. هي تمارس سياسة عنصرية وتعمل طوال الوقت على توسيع المستوطنات، لذلك ليس هناك ما يسمح بالحديث عن مبدأ الدولتين".
- كان من الصعب تجاهل غياب الصين وروسيا عن الورشة الاقتصادية في البحرين، أواخر الشهر الماضي. بالاستناد إلى تجربة الماضي، يمكن الافتراض أنه من غير المتوقع أن يبادر الصينيون إلى إطلاق خطط بديلة لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وفي المقابل، من المتوقع أن يطرح الروس - حتى من وراء الكواليس - خططاً تشوش الروتين الإقليمي السليم الذي تقوده الولايات المتحدة وتتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
- لا تنطلق سياسة الكرملين في السياق الفلسطيني من دوافع إيثارية، بل من مصالح روسية ملموسة تماماً. فموسكو معنية بتجنيد دعم الدول الإسلامية والعربية لمشروع تمركزها في الشرق الأوسط وفي أفريقيا. ويتصل الموقف الروسي، أيضاً، بالأثر المعنوي في سكانها المسلمين الذين يشكلون نحو 10% من مجموع السكان في الدولة، ويعبّر عن السعي الدائم لتجنب حصول غليان داخلي. قبل بضعة أسابيع فقط، أعلن نائب المفتي العام في روسيا أن المسلمين في الدولة يدعمون النضال الفلسطيني بأية وسيلة. هذان العنصران يضافان إلى ميل روسيا التقليدي نحو تشجيع حركات مناوئة للغرب في مختلف أنحاء العالم. ويتبنى الكرملين، إذاً، سياسة مؤيدة للفلسطينيين في خط متعارض ليس مع المصالح الإسرائيلية فقط، وإنما مع مصالح الدول العربية والإسلامية المعتدلة أيضاً.
- تبدي روسيا، في العلن على الأقل، تمسكاً بالرؤية القائلة إن تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هي شرط لتحقيق الهدوء في الشرق الأوسط بأسره. وطبقاً لهذا الموقف، فإن تسوية نزاعات أُخرى، مصير شعوب المنطقة والانسجام عموماً في الشرق الأوسط منوطة، كلها، بمدى القدرة والاستعداد لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. هذا التوجه يرفع، طبعاً، سقف المطالب الفلسطينية ويعقّد الجهود الرامية إلى خلق واقع حياتي سليم في المنطقة. الصعوبة التي تنبع من هذا الموقف تذكّر، إلى حد بعيد، بالصعوبة التي نجمت عن النهج الذي اختطه الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي حدد في خطابه الذي ألقاه في القاهرة سقفاً جديداً لتسوية النزاع: اشتراط أي تقدم بالتجميد التام والمطلق للبناء فيما وراء الخط الأخضر. فقد أصبح هذا السقف، منذ لحظة تحديده، ملزماً للمفاوضين الفلسطينيين كنقطة بداية افتتاحية، وهو ما أجهض عملياً القدرة على التحرك نحو حوار مثمر.
- هذا التوجه الذي تبناه الروس، يمس بصورة مباشرة أيضاً مساعي وسيرورات تسوية العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية والإسلامية، التي تقوم على مصالح مشتركة لا تتأثر بالفكرة الوطنية الفلسطينية. ولا تكتفي روسيا بنشر موقفها على الملأ، بل تسعى فعلياً أيضاً لتجنيد دول عربية بارزة إلى جانبها، بصورة علنية. هذا ما حدث، مثلاً، قبيل عقد الورشة الاقتصادية في البحرين، حين صرح وزيرا الخارجية الروسي والمصري بأن للدولتين موقفاً مشتركاً بشأن الحاجة إلى حل شامل للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، أرسلت مصر ممثلين لها إلى المؤتمر في البحرين. فثمة مصلحة واضحة لها، كما لدول عربية رائدة أُخرى مثل السعودية، في التطوير الاقتصادي في المنطقة عموماً وفي المناطق الفلسطينية خصوصاً. وكلتاهما معنيتان باحتواء القضية الفلسطينية وبإخماد بؤرة محلية أُخرى تعوق تطوير المنطقة كلها.
- ثمة مصلحة لإسرائيل، طبعاً، في تفنيد هذه الرؤية التي تقول بوجود علاقة بين النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وبؤر التوتر والمواجهة الأُخرى في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، تعتبر إسرائيل كلاً من إيران وسورية مسألتين أكثر إلحاحاً على جدول أعمالها الاستراتيجي في مقابل روسيا. عليه، وفي ضوء مصالح دول مثل السعودية والدول الخليجية الأُخرى في سياق ما يحصل في محيطنا، والامتيازات التي تمتلكها هذه الدول في علاقتها مع الكرملين، فإن في إمكانها استغلال ذلك من أجل خلخلة الموقف القائل بأهمية المسألة الفلسطينية لمجمل التطورات في الشرق الأوسط.
يجسد التصعيد الذي حدث مؤخراً في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران تصميم كل من الطرفين على عدم التنازل عن مواقفه، انطلاقاً من الفهم بأنه سيكون لذلك انعكاس على قدرته على المساومة في أية مفاوضات مستقبلية بينهما. إلى جانب استعراضات القوة المتبادلة، تُبذل جهود للوساطة أيضاً، بقيادة الرئيس الفرنسي حالياً، في محاولة لبلورة شروط ومحددات الحوار المستقبلي. في نظرة إلى الأمام، يتضح أنه ثمة هناك، بين السيناريوهات المحتملة سيناريوهين أساسيين كانا ولا يزالان: (1) مواجهة مستمرة بين الطرفين، بعناصرها الحالية؛ (2) عودة إلى المفاوضات. حتى ولو كان الطرفان غير معنيين بمواجهة عسكرية أوسع من نطاقها الحالي، إلّا إن الديناميكية الراهنة قد تدفع بهما إلى هناك. ويجب أن يكون الاستعداد الإسرائيلي موجهاً للتعامل مع السيناريوهين: الأول، وربما الأكثر خطورة من ناحيتها: تواصل إيران تجميع اليورانيوم، بل وربما ترفع من مستوى التخصيب. والنتيجة هي تقصير جدي للجدول الزمني المعد لـ"اختراق" محتمل نحو قدرة نووية عسكرية. والثاني، الشروع في مفاوضات. في هذه الحالة، يُسأل السؤال: هل المصلحة الإسرائيلية هي في التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة واسعة أم اتفاق في مسألة النووي فقط؟ في أي من السيناريوهين، على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان فجوات محتملة بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة، وبصورة خاصة حيال حماسة الرئيس ترامب الواضحة لتحقيق مكسب سياسي بصورة اتفاق جديد مع إيران.
- التصعيد الذي حدث مؤخراً في المواجهة بين إيران وجهات في الحلبة الدولية، وفي مقدمها الولايات المتحدة، هو نتاج قرار إيران بشأن عرض تصميمها على الرد على سياسة الحد الأقصى من الضغوط المفروضة عليها. عملياً، تقوم الولايات المتحدة وإيران باتخاذ إجراءات متوازية سواء في استخدام القوة أو في المستوى الدبلوماسي اللذين يبدو في الظاهر أنهما متعارضان. لكن الخطوات في كلتي القناتين ترمي، عملياً، إلى تجميع أوراق مساومة استعداداً للمراحل المقبلة من هذه المواجهة.
- تمضي الولايات المتحدة في طريق تشديد الضغوط: إلغاء جميع الإعفاءات على شراء النفط من إيران. ويُستدل من التقارير الأخيرة أن صادرات النفط الإيرانية قد هبطت حقاً إلى أقل من 500 ألف برميل يومياً ـ وهو مستوى خطِر فيما يتعلق بالحد الأدنى من المداخيل الذي يستطيع الاقتصاد الإيراني تحمّله؛ إلغاء الإعفاءات في مجال الذرّة أيضاً، والتي كانت تشكل جزءاً من الاتفاق النووي، بما يخص قدرة إيران على تصدير اليورانيوم المخصب والماء الثقيل؛ فرض عقوبات على القائد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والصناديق التي تحتوي على أمواله الوفيرة. في المقابل، تراجعت إيران، بالتدريج، عن تعهداتها في إطار الاتفاق وبموجبه: في المرحلة الأولى، تم تجميع كمية من اليورانيوم المخصب فاقت كمية الـثلاثمائة كيلوغرام المسموح بها؛ رفعت مستوى التخصيب إلى ما فوق المستوى المسموح به وفق الاتفاق أي إلى نحو 4,5%؛ وتهدد إيران الآن بأنها ستلجأ إلى خطوات أُخرى في غضون أقل من شهرين من الآن، بينها إمكان رفع مستوى التخصيب إلى نحو 20%.
- إلى جانب هذا كله، من الملاحظ أن الطرفين يعيشان حالة من الاحتكاك المتزايد في منطقة الخليج منذ بضعة أسابيع. في أعقاب بعض الهجمات ضد ناقلات النفط في الخليج، والتي كانت إيران ضالعة فيها، ثم إسقاط طائرة التجسس الأميركية وإطلاق قذائف على مناطق تنتشر فيها قوات أميركية في العراق، وبدأت الولايات المتحدة بشن هجمة سيبرانية ضد إيران لم تتضح أضرارها بعد، ثم عززت من حضورها البحري في الخليج، وزادت حجم قواتها في دول المنطقة وتسعى نحو تشكيل تحالف دولي لحماية خطوط الملاحة البحرية في الخليج. خلال الأيام الأخيرة، وفي إثر توقيف الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق لأنها كانت تحمل النفط إلى سورية، أوقفت إيران في مضيق هرمز ناقلة بريطانية كردّ واضح أعلنه القائد الأعلى، خامنئي. وهذا، إضافة إلى الاعتقالات التي نفذتها بحق مواطنين يحملون جوازات سفر مزدوجة ـ بريطانية وفرنسية.
- على خلفية التوتر، تتواصل أيضاً جهود الوساطة، بتشجيع مباشر ونشط من جانب رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب؛ وقد كان آخر هذه الجهود تلك التي قام بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والسيناتور الجمهوري راند بول، الذي أقرّ ترامب نفسه بأنه وافق شخصياً على اللقاء بينه وبين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي وصل إلى نيويورك لعقد سلسلة لقاءات في الأمم المتحدة. الرئيس ماكرون، الذي أجرى مؤخراً عدة محادثات مع الرئيس ترامب، بينها محادثة مباشرة، وجهاً لوجه، خلال لقاء "مجموعة العشرين" (G20) في أوساكا، ومحادثات هاتفية مطولة مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أوفد إلى طهران مستشاره السياسي في محاولة لفحص إمكان البدء بمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. وقد أفيد أن الرئيس ماكرون يفحص إمكان عقد صفقة "تجميد في مقابل التجميد" تشمل، بين ما تشمله، تصدير نفط إيراني بنحو مليون برميل يومياً في مقابل رجوع إيران عن الخطوات التي أقدمت عليها في المجال النووي، والتي تشكل خروجاً عن الاتفاق. وفي موازاة الجهود المباشرة التي يبذلها الرئيس ماكرون، تتواصل أيضاً الجهود الأوروبية الرامية إلى منع انهيار الاتفاق النووي بصورة تامة ونهائية ومنع التصعيد في الخليج، والذي قد ينزلق إلى صدام عسكري. وقد تجنب مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في البيان الذي نشره، وصف الخطوات الإيرانية في المجال النووي بأنها خرق جوهري للاتفاق، بل أكد أهمية الاستمرار في المحافظة على الاتفاق.
- يبدو، في المرحلة الراهنة، أن نقاشاً يدور في كل من الولايات المتحدة وإيران، على حد سواء، حول السياسة التي يتعين اعتمادها والتقدم بموجبها خلال الأشهر المقبلة:
- يضع الرئيس ترامب نصب عينيه هدفاً مصغراً في صلبه إقناع إيران بالجلوس إلى المفاوضات من دون أية شروط مسبقة، بينما هو يعود ويوضح أنه لا يسعى لإسقاط النظام في إيران وتغييره، بل إنه مستعد حتى لمساعدة النظام القائم في تحسين حالة الاقتصاد الإيراني وأوضاع المواطنين في الدولة، إذا ما وفقوا فقط على اتفاق جديد يضمن ألاّ تمتلك إيران سلاحاً نووياً. في المقابل، لا يخفي ترامب خشيته من الانجرار إلى مواجهات عسكرية. وعلى عكس الرئيس ترامب، نشر وزير الخارجية، مايك بومبيو، 12 نقطة تفصّل المطالب الموجهة إلى إيران في جملة من القضايا، بينها: صواريخ أرض - أرض، السياسة الإقليمية ومساعدة حلفائها في المنطقة، وحقوق الإنسان. أمّا مستشار الأمن القومي، جون بولتون، فيعتقد أن إسقاط النظام الحالي في إيران هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن وضع حد للسياسة السلبية التي تمارسها إيران. في كل الأحوال، لا يبدو أن الإدارة الأميركية تمتلك خطة بديلة حيال الإصرار الإيراني على مواصلة تحدي العقوبات الاقتصادية إلى جانب الاستمرار في تقليص شروط الاتفاق النووي.
- يدور في إيران نقاش بين موقفين رئيسيين: الأول، الذي يبدو أن الرئيس روحاني هو ممثله، يقول إن استمرار عزل الولايات المتحدة والحصول على دعم الدول الأُخرى الشريكة في الاتفاق النووي، وفي مقدمها الدول الأوروبية، يخدم إيران بصورة جيدة، إلى أن تتضح هوية الرئيس الذي سيجلس في البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2021. أمّا الموقف الآخر، الضدّي الذي يتبناه المعسكر المحافظ - المتطرف الذي اعتبر الاتفاق النووي خطأ منذ البداية فإنه يضغط من أجل اعتماد سياسة متحدّية تشمل التقدم في المشروع النووي إلى جانب خطوات أُخرى توضح للولايات المتحدة وللعالم أجمع ثمن التصعيد بانعكاسه على أسعار النفط، وكذلك الإسقاطات المحتملة على الدول الأُخرى في المنطقة، التي ستصبح بالضرورة جزءاً من المواجهة الإقليمية الشاملة، في حال وقوعها. ويبدو أن القائد الأعلى، خامنئي، أقرب إلى موقف المحافظين. فقد كان متحفظاً على الاتفاق النووي منذ البداية، على الرغم من مباركته إياه، وكان موقفه العلني أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة التي تفتقر إلى الصدقية. والسياسة التي تم اختيارها واعتمادها أخيراً تسير في منحى التصعيد التدريجي والحذر، سواء في المجال النووي أو في المجال الإقليمي، مع تشديد خاص على منطقة الخليج تحديداً. لكن النظام الإيراني يوضح، بتصريحاته كما في تصرفاته، أنه إلى جانب التعبير العلني عن الاستعداد للدخول في حوار مع الولايات المتحدة، شرط أن ترفع العقوبات وتلغيها أولاً، وأن تعود إلى الاتفاق السابق، وأن تسمح بعقد لقاء بين ظريف وراند بول، فإن أي إجراء ضد إيران، سيقابَل برد فعل. وزيادة على هذا، ترى إيران إن استمرار وقوفها في وجه العقوبات الأميركية والصمود أمامها هو، في حد ذاته، سياسة صحيحة حيال رغبة ترامب الجامحة في الدخول في مفاوضات مباشرة، بل طريقة جيدة لتجميع أوراق مساومة إلى حين بلوغ المفاوضات.
- في نظرة إلى الأمام، يتضح أن ثمة سيناريوهين أساسيين، بين السيناريوهات المحتملة، كانا ولا يزالان: (1) مواجهة مستمرة بين الطرفين، بأبعادها الحالية ـ عقوبات أميركية صارمة وضاغطة من الجهة الأولى، تقابلها إجراءات إيرانية متحدية وسط تبني "الاقتصاد المقاوم" الذي أعلنه الرئيس روحاني. ومن الجهة الثانية؛ (2) عودة إلى المفاوضات التي قد تكون ثنائية، أميركية - إيرانية، أو في إطار الدول الأعضاء في الاتفاق النووي أو في إطار آخر جديد، لا يكون شبيهاً بذاك الذي قاده الرئيس باراك أوباما، والذي يقول عنه ترامب إنه "وقّع الاتفاقية الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة".
- لكن، إلى جانب هذين السيناريوهين المركزيين، يبقى من الممكن أن يصل الطرفان إلى صدامات عنيفة، محلية أو واسعة، وخصوصا في منطقة الخليج. فعلى الرغم من أن الطرفين غير معنيين بمواجهة عسكرية، إلّا إن الديناميكيات بينهما، والاستفزازات المحتملة وسوء التقدير بالأساس من جانب إيران التي تلاحظ الآن عدم الرغبة الواضحة لدى الرئيس ترامب في أي عمل عسكري، قد تدفعها لاتخاذ "خطوة واحدة أكثر من اللازم". مثل هذه المواجهة التي من المتوقع أن تكون محصورة في منطقة الخليج فقط، يمكن أن تشكل أيضاَ مقدمة أو نتيجة لأي تطور في الديناميكيات بين الطرفين.
- ينبغي لإسرائيل، من جانبها، الاستعداد للتعامل مع السيناريوهين المذكورين: الأول، وربما الأكثر خطورة من ناحيتها هو استمرار وتصعيد الوضع القائم، وهو أن العقوبات لم توصل الطرفين إلى المفاوضات، وأن إيران تواصل تجميع اليورانيوم، وربما ترفع حتى من درجة التخصيب. والنتيجة هنا هي تقصير جدي للجدول الزمني المعد لـ"اختراق" محتمل نحو القنبلة النووية، طبقاً لقرار إيراني. والثاني، الشروع في مفاوضات. لكن السؤال في هذه الحالة هو: هل المصلحة الإسرائيلية هي في التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة واسعة (Grand Deal) أم اتفاق في مسألة النووي فقط؟ يجب الأخذ في الحسبان أن الصفقة الواسعة تحمل في طياتها خطرين اثنين على إسرائيل - جدول زمني متواصل ومفاوضات تشمل مقايضات (Trade Offs) بين قضايا متعددة، وليس بما ينسجم مع المصلحة الإسرائيلية بالضرورة.
وفي أي من السيناريوهين، على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الفجوات المحتملة بين مصالحها هي ومصالح الولايات المتحدة. ويجب أن تكون فرضية الأساس، اليوم أيضاً: لا تطابق بين إسرائيل والولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالخطوط الحمراء في مقابل إيران.