مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
وافقت الحكومة في الأمس على دخول 80 ألف عامل فلسطيني إلى إسرائيل، واتُّخذ القرار بعد نقاش مطول قامت به قيادة الأمن القومي بمشاركة عناصر من الجيش الإسرائيلي، والشاباك، ووزارتي الصحة والمال، ووزارات معنية أُخرى. ولقد تقرر، بدءاً من يوم الأحد المقبل في 3 أيار/مايو، السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل للعمل في المنطقة الصناعية عطيروت. وستُعطى أذونات بالدخول إلى 80 ألف عامل، 65 ألفاً لعمال يعملون في قطاع البناء و15 ألفاً للعمل في الزراعة.
ولمنع الازدحام على المعابر الحدودية خوفاً من تفشي الوباء، قررت الحكومة منح العمال إذناً بالدخول لمرة واحدة إلى إسرائيل، على أن يتولى أرباب عملهم تأمين الترتيبات لمبيت هؤلاء العمال في إسرائيل. وكل عامل يعود إلى منزله في الضفة الغربية لن يستطيع الدخول مجدداً إلى إسرائيل حتى انتهاء شهر رمضان.
جاء هذا القرار بعد مغادرة عشرات الآلاف من سكان السلطة الفلسطينية أعمالهم في الأسابيع الأخيرة وعودتهم إلى منازلهم. وبعد إعلان إجراءات الطوارىء وإغلاق المعابر الحدودية، لم يتمكن هؤلاء العمال من العودة إلى أعمالهم حتى الآن.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار فتح المعابر اتُّخذ بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية نظراً إلى أهمية عمل هؤلاء العمال بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني.
في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً انطلقت الصفارات معلنة البدء بإحياء ذكرى قتلى الجيش الإسرائيلي، البالغ عددهم 23.816 قتيلاً سقطوا في الحروب، و4166 قتيلاً سقطوا في هجمات. ومنعت السلطات الإسرائيلية أهالي القتلى من المشاركة في إحياء الذكرى بسبب القيود التي يفرضها وباء الكورونا. وأقامت الشرطة عدداً من الحواجز لمنع الاهالي من التوجه الى المقابر.
وكان رئيس الحكومة قد توجه هذا الصباح بكلمة إلى عائلات الجنود القتلى قال لهم فيها: "أخوتي وأخواتي، خلال 72 عاماً من الاستقلال شهدنا أشكالاً متعددة لإحياء الذكرى. هذا العام، نحيي هذه الذكرى في ذروة حربنا ضد وباء الكورونا. إنه عدو من نوع جديد، لكننا سننتصر عليه." وأوضح نتنياهو أن الظروف الطارئة لهذا العام فرضت عدم مشاركة الجمهور في الذكرى، حفاظاً على سلامتهم وصحتهم.
وعشية احتفال إسرائيل بذكرى إقامة الدولة، طلبت الحكومة الإسرائيلية من السكان عدم الخروج من منازلهم إلّا عند الضرورة القصوى، بدءاً من الساعة الخامسة مساء اليوم، عشية ذكرى إقامة إسرائيل، وحتى الساعة الثامنة من مساء يوم الغد، كما ستتوقف خلال هذه الفترة حركة المواصلات العامة تماماً. وطلبت وزارة الصحة من الناس التزام منازلهم والتقيد لدى خروجهم بمسافة التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة.
تستعد السلطة الفلسطينية إلى العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية ومواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تسببت بها أزمة الكورونا، بعد عدم تسجيل أي إصابات جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال اليومين الأخيرين. وبحسب رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، بلغ عدد المرضى في الضفة والقطاع والقدس الشرقية 495. وأغلبية المصابين (295) من منطقة القدس الشرقية وضواحيها. بالإضافة إلى 17 إصابة بالعدوى في غزة. كما ذكر اشتية أن عشرات المرضى تماثلوا للشفاء في الضفة، لكنه أشار إلى حالات مرضى أصيبوا مرة جديدة بالفيروس بعد تماثلهم للشفاء.
في موازاة ذلك، أشار اشتية إلى أن العجز في ميزانية السلطة الفلسطينية يبلغ 1.4 مليار دولار، وأن نحو 11 ألف عائلة جديدة أضيفت إلى مجموع العائلات التي تحتاج إلى مساعدة اجتماعية. وتدعم السلطة أيضاً عائلات في قطاع غزة، وبحسب اشتية، عدد كبير من العائلات المحتاجة تعيش في غزة.
أجرى رئيس الحكومة نقاشاً مع نواب رؤساء لجان الأسواق التجارية لوضع خطة لعودة الأسواق تدريجياً إلى العمل، شارك فيه ممثلون عن وزارة الاقتصاد والصحة. وتناول البحث كيفية إعادة فتح الأسواق مع مراعاة التباعد الاجتماعي وقواعد الوقاية.
تجدر الإشارة إلى وقوع تظاهرات صاخبة يوم أمس في مدينة البيرة بسبب منع الشرطة أصحاب المحلات في سوق محنيه يهودا في المدينة من فتح متاجرهم، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات مع عناصر الشرطة التي منعتهم من فتح محلاتهم.
- فيما يتعلق بردود محتملة على خطوة ضم من طرف واحد من جانب إسرائيل، هناك تقديران متعارضان:
- التقدير الأول يقول إنه لن يحدث شيء دراماتيكي، مثلما لم تحدث هزة أرضية (بخلاف المخاوف والتحذيرات)، بعد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقد جرى تفسير الرد البسيط على هذه الخطوة بانشغال الساحة الدولية بصورة عامة، والإقليمية بصورة خاصة، بموضوعات ونزاعات أكثر اشتعالاً. وهذه المرة، بالإضافة إلى انشغال العالم بوباء الكورونا، لوحظ في السنوات الأخيرة تعب من الانشغال بمحاولة الدفع قدماً بتسوية إسرائيلية -فلسطينية تبدو ميؤوساً منها، ولوحظ الانطباع بأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس المشكلة المركزية في الشرق الأوسط. انسجاماً مع هذا التقدير، كلما كان حجم الضم صغيراُ ومحدوداً، كلما كانت معقولية نشوء عاصفة في أعقابه ضئيلة جداً.
- التقدير الثاني ينظر بجدية إلى التهديدات برد قاس، مثل التي يسمعها ناطقون فلسطينيون، ويتوقع ضغطاً من جانب الجمهور الفلسطيني، وأيضاً من جانب الجماهير في الدول المجاورة، للقيام برد قاس، حتى بالقوة، على خطوات الضم. والتقدير هو أنه على كل خطوة ضم من المتوقع حدوث ردود فلسطينية شديدة وعنيفة، هجمات إرهابية، أعمال شغب، ومن المتوقع أيضاً تداعيات سلبية إضافية - نهاية مرحلة التنسيق الأمني بين إسرائيل والأجهزة الأمنية للسلطة؛ إلحاق ضرر شديد بعلاقات السلام بين إسرائيل والأردن، ومن المحتمل مع مصر؛ قطع العلاقات (غير الرسمية) مع دول الخليج؛ وقوف المجتمع الدولي ضد إسرائيل، وحتى إلى حد فرض عقوبات ومقاطعة لها.
أيضاً مع أن خطوات الضم، حتى لو كانت موجهة على أساس من تبصّرات وافتراضات ذكية كما أيضاً المواجهة مع أزمة الكورونا - فإنها خطوات لإدارة مخاطر في ظروف من عدم اليقين. فيما يتعلق بوباء الكورونا، تمارس حكومة إسرائيل مقاربة حذرة جداً، تهدف إلى تقليص الإصابات بالأرواح بقدر الإمكان، مع الاستعداد لدفع ثمن باهظ بمصطلحات اقتصادية ومن نسيج الحياة الاجتماعية في إسرائيل. في الموازاة، من الواضح أن العناصر السياسية التي تشكل الحكومة لا يردعها احتمال دفع ثمن سياسي وأمني باهظ، والذي من المحتمل أن يترافق مع عملية الضم، حتى لو جرى تنفيذه بموافقة – وحتى بمباركة - إدارة ترامب، وتحت حماية أزمة الكورونا - التي تعتبر فرصة للقيام بذلك، بينما اهتمام العالم موجه نحو اتجاهات أُخرى. ومن هنا، يزداد الإغراء للقيام حتى بضم أرض صغيرة الحجم، كـ"بالون اختبار"، لاختبار الردود قبل الخطوات التالية (مثلاً ضم المناطق المبنية في المستوطنات فقط، والتي تشكل 4% من الأراضي في الضفة الغربية). يمكن تشبيه خطوة كهذه إذا اتُّخذت بينما العالم مشغول بأزمة الكورونا، بـ"سرقة الجياد في الليل". لكن عملياً، فإن هذا يثبت أن ليس لدى إسرائيل نية حقيقية للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، كما أنه دليل على اعتراف إسرائيلي بأن شرعية السيادة في أراضي الضفة الغربية هي محدودة ومشروطة قبل أي شيء برئيس أميركي محدد.
علاوة على ذلك، المطلوب من دولة إسرائيل في الوقت الحالي مواجهة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الثقيلة الوطأة، المرتبطة بالتحدي المعقد الذي تفرضه عليها أزمة الكورونا. بيْد أن السعي لتعافٍ صحي واقتصادي واجتماعي سريع لإعادة الاقتصاد والمجتمع إلى عمل فعال لا ينسجم مع الخطر الذي قد ينطوي عليه تجدد الانتفاضة، وهجمات إرهابية وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل وعلى وسطها أيضاً. في حساب المخاطر، ما الأهمية التي توليها حكومة إسرائيل لإمكان انهيار السلطة الفلسطينية جرّاء عمليات الضم، أو إذا قررت "إعادة المفاتيح" إلى دولة إسرائيل؟ حينها ستضطر إسرائيل إلى تحمّل المسؤولية عن كل السكان الفلسطينيين، من كل النواحي، من دون مساعدة المجتمع الدولي (كما هو الوضع اليوم)، وأكثر من ذلك، في حال تجدد تفشي وباء الكورونا. ما حجم الاهتمام الذي تستطيع حكومة إسرائيل تخصيصه لمواجهة مباشرة مع تجدد تفشي الوباء مترافقاً مع ارتفاع كبير في الإصابات بالمرض، وفي الوفيات، وبموازاة ذلك تجدد أزمة اقتصادية وأيضاً الحرص على تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين في أراضي الضفة الغربية التي ضُمت (نحو 20 ألف في أقل تقدير)، وفي الوقت نفسه، خوض معركة عسكرية تتطلب تعبئة قوات احتياطية؟
- بالنسبة إلى المجتمع الدولي، فإنه حالياً مشغول بمواجهة وباء الكورونا. لكن يجب ألّا ننسى أن هذا المجتمع يعارض بشدة ضم إسرائيل مناطق في الضفة الغربية - كلها أو جزء منها، ومن المتوقع أن يظل متمسكاً بمعارضته هذه أيضاً في اليوم التالي للكورونا. من المعقول الافتراض أن الرد على هذه الخطوة في ضوء هذه الظروف سيكون بطيئاً. مع ذلك، النقد والمعارضة بالتأكيد آتيان. في كانون الأول/ ديسمبر، أعلن بنيامين نتنياهو عن فكرة الضم، من دون نية فورية أو قدرة على التنفيذ. ومع ذلك، قوبل تصريحه بشجب من قبل المدعية العامة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وجرى تحذير نتنياهو من قبل المستشار القانوني للحكومة د. أفيحاي مندلبليت، من أن عملية الضم يمكن أن تؤدي إلى تحقيق جنائي دولي ضد جنود وضباط في الجيش الإسرائيلي، وموظفين في الدولة، وأيضاً ضد رؤساء السلطات في الضفة الغربية بشأن نشاطات إسرائيل هناك.
- لقد أوضحت الدول الأوروبية في الماضي مراراً وتكراراً بأنه يجب وسم المنتوجات الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات في الضفة الغربية. أيضاً المخاطرة باتخاذ دول الاتحاد الأوروبي خطوات جزئية ضد تسويق منتوجات المستوطنات، في إثر عمليات ضم بهذا أو ذاك، هي مخاطرة لا مبرر لها.
- أيضاً خطوات رمزية يمكن أن تتوسع وتصبح دائمة. يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً الضغط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي على إسرائيل: التصدير الإسرائيلي إلى دول الاتحاد الأوروبي (بضائع) بلغ في المنتصف الأول من سنة 2019 9.1 مليار دولار - نحو 38% من مجموع التصدير الإسرائيلي.
- بالإضافة إلى ذلك، من المهم التفكير في أنه في كانون الثاني/يناير 2021، من المحتمل أن يجلس في البيت الأبيض جو بايدن. بايدن كرر التصريح بأنه "يجب استخدام ضغط دائم على الإسرائيليين للتقدم نحو حل الدولتين." يبدو أن تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، تحت حماية إدارة ترامب، سيثير توترات بين إسرائيل وبين إدارة ديمقراطية ستعمل على تحديث السياسة الأميركية في هذا الموضوع.
- في الساحة الإقليمية - شهدت العلاقات مع الأردن في الماضي صعوداً وهبوطاً، ومؤخراً شهدت في الأساس هبوطاً (كما تجلى في استعادة الأردن نهاريم بعد 25 عاماً من تأجيرها لإسرائيل من دون القدرة على التوصل إلى اتفاق بين الدولتين لتمديد الإيجار)، ومن المتوقع أن تتزعزع هذه العلاقات إلى حد تعريض اتفاق السلام لخطر ملموس.
- من المتوقع أن يؤدي الضم إلى وقوف عربي وإسلامي علني إلى جانب الفلسطينيين وتأييد معارضتهم للعملية، على غرار الوقوف ضد خطة ترامب، على الرغم من توقعات مغايرة لواضعي الخطة في الإدارة، وكان تقدير أصدقاء الولايات المتحدة في العالم العربي هو أن تحقيق الخطة هو سيناريو غير معقول، لذا لا يوجد سبب للشجار مع الإدارة بإدانته. أيضاً على الرغم من ظهور تعب من القضية الفلسطينية، ستضطر الأنظمة إلى الاستجابة لضغط الشارع الذي سيعتبر عملية الضم عدواناً، ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على الأمة العربية كلها. صحيح أنه في العقد الأخير لوحظ في العالم العربي رغبة متبادلة في تشجيع العلاقات مع إسرائيل على أساس مصالح استراتيجية مشتركة، لكن لا يمكن أن نستخلص من ذلك وجود قاعدة صلبة من ناحية دول المنطقة لقبول خطوة ضم من طرف واحد من إسرائيل.
خلاصة
- من المعقول أيضاً أنه في 1 تموز/يوليو 2020ـ التاريخ المحدد للدفع قدماً بتطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، المذكور في الاتفاق الائتلافي الذي ستؤلَّف الحكومة الجديدة على أساسه (يبقى الموعد ساري المفعول أيضاً في حال لم تؤلَّف حكومة جديدة ومواصلة الحكومة الموقتة عملها برئاسة نتنياهو) ستكون إسرائيل ما زالت في مواجهة مع وجود وباء الكورونا، ومع تداعياته السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
- من أجل مواجهة التحديات السياسية والأمنية في آن معاً، المطلوب البحث في دلالات تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، أي الضم، على مختلف المستويات - الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية والسياسية. هذه الدلالات تتلخَّص فيما يلي ببديلين:
- البدء بتطبيق القانون/السيادة فقط على مناطق المستوطنات بحجم مقلص (3% وحتى 10% من مساحة الضفة الغربية) - هذه الخطوة لن تحسّن الوضع الاستراتيجي لدولة إسرائيل، حتى لو كان في الإمكان استيعاب النقد المتوقع ضدها والردود القاسية على تنفيذها. باستثناء الولايات المتحدة، لن يعترف أي طرف في العالم أو في الشرق الأوسط بالأراضي المضمومة على أنها جزء من دولة إسرائيل (ما جرى في هضبة الجولان هو سابقة)؛ أيضاً وضع المستوطنين الإسرائيليين في المناطق التي ضُمت لن يتغير، لأن القانون الإسرائيلي أصلاً يطبق عليهم منذ اليوم على الصعيد الشخصي. الضم سيعقّد الإجراءات البيروقراطية للتخطيط والقيام بعمليات على الأرض. علاوة على ذلك، العملية ستبعد احتمال العودة إلى مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. أيضاً في حال تمت بلورة تسوية مع الفلسطينيين في المستقبل في مرحلة معينة، فإن تطبيق السيادة سيجعل عمليات إخلاء هذه المناطق لتطبيق هذه التسوية صعبة، بسبب مطلب غالبية مكونة من 80 عضو كنيست، أو إجراء استفتاء عام للموافقة على إخلائها. بالإضافة إلى ذلك، رداً على معارضي قيام دولة فلسطينية مستقلة بأي شكل من الأشكال، فإن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية لن يمنع الفلسطينيين من المطالبة بحقهم في تقرير مصيرهم، وأيضاً الاعتراف الدولي بهذا الحق.
- بناء على ذلك، الضم سيتخلى عن عملية سياسية لها علاقة بالوعي من أساسها، وأضراره أكبر من فوائده: الضرر الأساسي هو منع إخلاء يهود من منازلهم ومن مستوطناتهم في الضفة الغربية، وهذا موضوع ليس مطروحاً في الوقت الحالي أو في المدى المنظور. هذه التداعيات السلبية للبدء بتطبيق السيادة/الضم سارية المفعول في كل وضع. لذا يجب التعاطي معها بصفتها ذات دلالة، ليس فقط في الوقت الحالي لأزمة الكورونا، أو التعاطي مع الأزمة نفسها كفرصة للتقليل دلالاتها.
- ضم نصف أراضي المنطقة ج بما يتلاءم مع مخطط ترامب - معناه إغلاق الباب أمام تسوية مستقبلية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بسبب تقلص الأرض المخصصة للاستيطان والزراعة للفلسطينيين، وكذلك بسبب المس بقدرة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. عدا ذلك، ستنشأ صعوبة إضافية في ترميم الضرر الذي سيتسبب به الضم للثقة الفلسطينية والعربية والدولية بنوايا إسرائيل، وبمدى استعدادها للدفع قدماً بفكرة "الدولتين". إضافة إلى ذلك، خطوة في اتجاه ضم واسع تزيد من معقولية "إعادة المفاتيح" من السلطة إلى إسرائيل التي ستجد نفسها حينئذ مسؤولة، ليس عن الأرض فقط، بل أيضاً عن السكان الفلسطينيين - أكثر من 2.5 مليون نسمة- وعن اقتصادهم ورفاهم وأمنهم من وجهة نظر القانون والنظام، وأيضاً عن صحتهم. ومثل هذا الوضع له ثمن اقتصادي – أمني - سياسي باهظ. وسيرافقه ثمن باهظ يتعلق بزعزعة الرؤية الأساسية لدولة إسرائيل - كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية، ذات حدود معروفة، وتتمتع بشرعية دولية. عملياً، إن هذه الصيغة من الضم معناها الانزلاق إلى واقع دولة واحدة، نظرياً وعملياً.
- تطبيق السيادة الإسرائيلية من طرف واحد على مناطق في الضفة الغربية، من دون محاولة حقيقية للتوصل إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية، وفي الوقت الراهن من أزمة الكورونا، ليس فقط لن يؤدي إلى تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي وقدرتها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية - أيضاً تلك المتعلقة بأزمة الكورونا، وتلك التي لا تتعلق بها مباشرة – وإنما أيضاً سيزعزع الرؤية الأساس والروح المؤسِّسة لدولة إسرائيل بكونها دولة تسعى للسلام مع جيرانها.
- بناء على ذلك، نوصي الحكومة الجديدة في إسرائيل بدعوة قيادة السلطة الفلسطينية إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، في الواقع بحيث تشمل هذه المفاوضات "مخطط ترامب". إذا واصل الفلسطينيون رفضهم مناقشته، المطلوب من الحكومة أن توضح للجمهور في إسرائيل ميزات وتداعيات خطوات الانفصال عن الفلسطينيين من طرف واحد، وأن تحاول تجنيد تأييده لخطوة الضم، بينما توجد في الخلفية نية مبدئية للانفصال عن الفلسطينيين. في الوقت عينه، سيكون عليها العمل لإقناع المجتمع الدولي بأن إسرائيل لن تبقى أسيرة الرفض الفلسطيني للبحث في تفصيلات التسوية. فقط مع استمرار معارضة السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات، والتنسيق مع الولايات المتحدة، تستطيع إسرائيل البحث في ضم تدريجي ومدروس للمستوطنات والكتل الاستيطانية التي يوجد إجماع واسع وسط الجمهور الإسرائيلي على ضمها إلى أرض ذات سيادة إسرائيلية. يجب أن تكون العملية مشروطة بعدم إلحاق الضرر بقدرة تقديم أمن شامل لمواطني إسرائيل، وبأن ضم المنطقة إلى إسرائيل لا يتعارض مع نية الانفصال الجغرافي والديموغرافي والسياسي عن الفلسطينيين.
- في الأيام الأولى لوباء الكورونا حدث أمر هامشي، ظاهرياً، لم يجذب اهتماماً خاصاً: أعلنت إسرائيل أنها ستسمح لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين من المناطق [المحتلة] بالبقاء للمبيت داخل إسرائيل، كي يستطيعوا مواصلة العمل فيها. عشرات الآلاف من المخربين المحتملين سينامون في إسرائيل، وأيضاً في فترة وباء؟ أين الشاباك عندما سنحتاج إليه، وأين الشرطة والأذرع الأمنية؟ من سيحمينا من عشرات آلاف القنابل الموقوتة التي ستنام بالقرب من غرف نوم أطفالنا وغرف نومنا؟ 20 عاماً خفنا منهم خوفاً مميتاً، 20 عاماً حذرونا منهم، ومنذ الانتفاضة الثانية لم يسمحوا لهم بالنوم هنا، وفجأة اختفى الخطر كما لو أنه لم يكن موجوداً ومعه منع المبيت. فجأة من يبني بلدنا مسموح له بالنوم فيها. الفلسطينيون ناموا هنا ولم تسقط السماء على الأرض. يمكننا طبعاً الاعتماد على إسرائيل: عندما يخبو الوباء سيضطر بُناة البلد إلى العودة للتنقل بين الحواجز تحت جنح الظلام.
- فيروسات كثيرة تفشت منذ ذلك الحين بين النهر والبحر، إسرائيل والسلطة اجتمعتا تحت غطاء سميك من الضائقة والقلق. هذه الأشهر كانت الأكثر هدوءاً في المنطقة منذ سنوات. حدود إسرائيل، مدنها وقراها؛ مخيمات اللاجئين؛ مدن الضفة والقطاع، كلها عرفت هدوءاً نسبياً لم نعرفه منذ زمن. يد خفية أوقفت إطلاق النار، والبالونات المشتعلة، والصواريخ، وأيضاً الاعتقالات والاغتيالات. هدنة بمناسبة الوباء، وهي لا تزال مستمرة. قد تختفي هي أيضاً، على ما يبدو، كأنها لم تكن. وربما لا.
- في الوقت عينه، وقف في جبهة محاربة الوباء طبيبات وأطباء، ممرضات وممرضون، صيادلة وعمال مساعدة عرب. وسائل الإعلام الجماهيرية التي لم تكن تراهم قط ولم تر أبناء شعبهم، ولم تكن تحسبهم في عدادها في الأيام العادية، فجأة شعرت تجاههم بالاحترام والتقدير. فجأة أصبح العرب بشراً، ربما للمرة الأولى في تاريخهم.
- طبيب الأوبئة أو مدير مستشفى عربي لم يكونا معتبرين خبيرين بما فيه الكفاية للظهور في المجالات المتخصصة لوسائل الإعلام، فجأة تظهر صور عرب في الصفحة الأولى من "يديعوت أحرونوت"، وهم ليسوا مخربين، هل تصدقون؟ حتى بين مضيئي الشعلة في الاحتفالات الرسمية الصهيونية، سيكون لهم تمثيل هذا العام، هذه ليست المرة الأولى، طبعاً، لكن هذه السنة لن يكون المندوب هو "عربي جيد" أو متعاون، بل شخصاً من طاقم طبي، اختير بسبب إخلاصه للواجب، لا بسبب "ولائه".
- إلى جانب ذلك، حدثت ظاهرة مفاجئة من الصعب تحديد مدى تأثيرها: للمرة الأولى في تاريخهم، يشعر الإسرائيليون كالفلسطينيين. ليس تماماً، ومع ذلك: إغلاق، منع تجوُّل، حواجز وبطالة بأحجام مذهلة. هم يعرفون أن هذا موقت، وأن الهدف مبرر - بعكس ما يفعله الاحتلال - لكن مع ذلك تذوقوا طعم احتلال صغير. هل سيساعدهم ذلك على الشعور بذرّة من التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين؟ هل سيدرك الإسرائيليون أن ما عاشوه هنا مدة شهرين في ظروف فاخرة، يعانيه الفلسطينيون منذ أكثر من عشرات السنين في ظروف من الإساءة والإهانة لا تصدق؟ ثمة شك كبير، لكن ربما.
- الكورونا دفعت بنا قدماً ميليمتراً واحداً نحو حل الدولة الواحدة، الذي على ما يبدو، لم يعد يوجد حل آخر غيره. خطوة صغيرة للإنسان وخطوة هائلة للإنسانية، هشة وقابلة للانعكاس تماماً. العرب في إسرائيل صُوروا كبشر مثلنا عرضة لنفس الخطر ويواجهونه مثلنا، ولا ينشرونه أكثر منا، كما كانوا، وبالتأكيد كما أملوا. الإرهاب في المناطق [المحتلة] مات، الاهتمام لدى الطرفين أصبح مدنياً، كما في أي دولة طبيعية، حتى مع الإغراء بتقديم مساعدة طبية هنا وهناك. غزة بقيت في السجن، المستوطنون الذين لا يضيعون فرصة للعنف، حتى في مواجهة الوباء، ضربوا، هدموا، وسرقوا أكثر من المعدل، وإسرائيل لم تطرح أي مبادرة حسن نية في ظل الكورونا، مثل إطلاق سراح أسرى. لكن في الجو كان هناك للحظة ما يبعث الأمل.
- هل سيستخلص الإسرائيليون استنتاجات من هذه التطورات الصغيرة؟ هل زُرعت بذرة تغيير مصيري في النظرة، لم يحدث قط من قبل، تدفع الإسرائيليين إلى أن يفهموا أن الفلسطينيين هم بشر مثلنا تماماً، لهم نفس الأحلام والحقوق؟ لا مجال لتوقعات كبيرة. تجار الحروب والكراهيات والقوميات والعنصريات لا يزالون أقوياء كما كانوا. ومع ذلك، شعبان، وباء واحد، دولة واحدة. الدولة الواحدة التي يعيش فيها شعبان تحت ثلاثة أنظمة أوقفت قليلاً من سباقها المجنون نحو التسلح والدم.
- على ما يبدو، ثمة حاجة إلى كارثة أكبر بكثير لحدوث التغيير. عزاؤنا أن الكارثة الصغيرة أدت إلى تغيير صغير للغاية، وعلى ما يبدو زائل. كذلك هو فرح الفقراء.