مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
طالب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة غلعاد إردان أمس (الخميس) بأن تقوم المنظمة الدولية بتعزيز الصلاحيات الممنوحة لقوة حفظ السلام التابعة لها في لبنان [اليونيفيل]، وباتخاذ إجراءات مجدية ضد حزب الله بعد تبادل إطلاق النار بين قوات الجيش الإسرائيلي والحزب ليلة الثلاثاء الفائت.
وجاء هذا الطلب في الوقت الذي تستعد الأمم المتحدة للتصويت على تمديد التفويض الممنوح لقوة حفظ السلام هذه.
وكتب إردان في سياق رسالة وجهها إلى مجلس الأمن الدولي: "إن الهجوم الأخير على قوات الجيش الإسرائيلي إلى جانب تعاظم قوة حزب الله وزيادة نشاطاته في الجنوب اللبناني يزيدان من احتمالات التصعيد في منطقة الحدود الشمالية، والتي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على لبنان، وعلى منطقة الشرق الأوسط برمتها."
وطالب إردان الأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لحث الحكومة اللبنانية وقوة اليونيفيل على التحرك.
وأرفق إردان برسالته صورة من الجو يظهر فيها موقع إطلاق النار من طرف عناصر حزب الله، وأشار إلى أن الخلية التابعة للحزب كانت بين موقعين للأمم المتحدة، وهذا يظهر عجز قوة اليونيفيل وحقيقة أنها لا تحقق هدفها.
وأعلنت قوة اليونيفيل أول أمس (الأربعاء) أنها فتحت تحقيقاً لتقصّي وقائع الحادث الأمني بين إسرائيل وحزب الله.
من ناحية أُخرى قالت مصادر رفيعة المستوى في قيادة الجيش الإسرائيلي أمس إن الجيش لا يستبعد أن يكرر حزب الله محاولاته لتنفيذ هجوم جديد ضد إسرائيل، انتقاماً لمقتل أحد ناشطيه في سورية قبل عدة أسابيع. وحذّرت هذه المصادر من أن الرد على هجوم آخر سيكون أقسى بكثير.
قال وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي [أزرق أبيض] إن إسرائيل انتقلت من سياسة الضم إلى سياسة التطبيع، وأكد أن اتفاق التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة يثبت أنه فقط عن طريق المفاوضات يمكن الدفع قدماً بعملية السلام.
وجاءت تصريحات أشكنازي هذه في سياق كلمة ألقاها أمام اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في ألمانيا أمس (الخميس)، وهي تتعارض مع تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي أكد فور إعلان الاتفاق مع الإمارات العربية أن قضية ضم مناطق من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ما زالت قائمة.
وقال أشكنازي: "أعتقد أن ما حدث مع الإمارات العربية هو دليل قوي جداً على أنه فقط عن طريق المفاوضات يمكننا أن نتقدم. وواضح جداً أن الحكومة الإسرائيلية انتقلت من سياسة الضم إلى التطبيع. إننا نترك الأبواب مفتوحة أمام جيراننا، والآن بات الأمر متعلقاً بقرارهم وباختيارهم."
وكان نتنياهو أكد في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في إثر الاتفاق مع الإمارات العربية، أن قضية الضم ما زالت مدرجة في جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية. وقال: "لا يوجد تغيير في خطة فرض السيادة في الضفة الغربية بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة. أنا ملتزم بذلك وهذا لم يتغير. أذكركم بأنني أنا مَن وضع موضوع السيادة في جدول الأعمال، وهذا الموضوع سيظل مدرجاً على طاولة الحكومة."
أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا أمس (الخميس) قراراً يقضي بإخلاء معظم المباني في البؤرة الاستيطانية غير القانونية "متسبيه كراميم" في منطقة رام الله، على خلفية تشييدها خلافاً للقانون، كما يوعز بوقف جميع أعمال البناء في أراض تابعة لقرية دير جرير الفلسطينية المجاورة.
وكان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت أكد للمحكمة أنه يمكن شرعنة إقامة هذه المباني على أساس بند ينص على أن ذلك تم بنية صادقة، اعتقاداً أن الأرض لم تكن خاصة وإنما أميرية، لكن رئيسة المحكمة العليا إستير حيوت ونائبها حنان ملتسر قالا إنه لا يمكن قبول ذلك، ويجب إخلاء المباني.
وقالت المحكمة إن وضع هذا القرار موضع التنفيذ سيؤجَّل إلى حين يتمكن سكان المباني من إيجاد مساكن بديلة في غضون ثلاث سنوات.
وأثار قرار المحكمة ردات فعل غاضبة في أوساط اليمين، إذ هدد بعض أعضاء الكنيست بسن قوانين تلتف على هذا القرار.
وانتقد عضو الكنيست شلومو كرعي من الليكود قرار العليا، ودعا إلى سن قانون لشرعنة المباني، وإلى وضع حد لملاحقة المحكمة العليا الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل.
تظاهر نحو 1500 شخص مساء أمس (الخميس) في وسط تل أبيب احتجاجاً على فساد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى سوء أداء الحكومة في مواجهة فيروس كورونا.
كما جرت في الوقت نفسه تظاهرة مماثلة في مدينة حيفا شارك فيها مئات الأشخاص، معبّرين عن غضبهم من رد الحكومة إزاء الفيروس الذي ينتشر ويُلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد.
وحذر وزير الصحة الإسرائيلي يولي إدلشتاين والمنسق العام لشؤون مكافحة كورونا روني غامزو أمس من احتمالات حصول زيادة أُخرى في حالات الإصابة بالفيروس خلال رأس السنة اليهودية الوشيكة.
وقال إدلشتاين إن وزارته تبذل قصارى جهدها لاتخاذ قرارات مهنية مع مراعاة حاجات الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، ودعا السكان إلى عدم التجمع في الأعياد تلافياً لانتشار الفيروس من جديد.
قالت مصادر سياسية رفيعة في القدس أمس (الخميس) إنه تم إلغاء الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية بعد غد (الأحد) بسبب وصول بعثة أميركية يترأسها مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير، وتضم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط آفي بيركوفتش، واجتماعها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وأضافت هذه المصادر نفسها أنه من المتوقع أن يصل الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى إسرائيل يوم الاثنين المقبل أو يوم الثلاثاء المقبل، وأشارت إلى أنه بسبب هذه الزيارات السياسية أُلغي اجتماع الحكومة.
وهذه هي المرة الرابعة على التوالي التي تلغى فيها اجتماعات الحكومة الأسبوعية، وكانت أُلغيت في المرات السابقة بسبب الأزمة الائتلافية بين حزبي الليكود وأزرق أبيض.
من ناحية أُخرى قالت المصادر نفسها إن البعثة الأميركية ستنطلق يوم الاثنين المقبل في أول رحلة رسمية من إسرائيل إلى أبو ظبي، وسترافقها بعثة إسرائيلية يترأسها مستشار الأمن القومي مئير بن شبات ومجموعة من المسؤولين الإسرائيليين. وأضافت أن أعضاء البعثتين سيجرون جولة مركزة من المباحثات مع المسؤولين في الإمارات العربية في مكان مغلق في أبو ظبي يناقشون خلاله العلاقات السياسية بين البلدين في مختلف المجالات، بينها السياحة، والأمن، والزراعة، والسايبر، وغيرها، وذلك بهدف صوغ اتفاق سلام بين إسرائيل والإمارات يتم توقيعه الشهر المقبل في البيت الأبيض.
- مضت ثلاثة أسابيع منذ قيام حركة "حماس" باستئناف إطلاق البالونات الحارقة والمفخخة من قطاع غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، ولا يرى المسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن هناك تغييراً في هذا السلوك في المرحلة الحالية.
- وعلى الرغم من قيام المبعوث القطري بزيارة إلى القطاع هذا الأسبوع، ومن المفاوضات التي تجري من وراء الكواليس، يعتقد المسؤولون في المؤسسة الأمنية أن "حماس" مصرّة على الاستمرار في ممارسة الضغط على إسرائيل بواسطة إرهاب البالونات.
- وسقطت أمس (الخميس) عشرات البالونات الحارقة والمفخخة في الأراضي الإسرائيلية. وفي إحدى الحالات تم العثور على قنبلة يدوية مربوطة ببالون أُطلق من القطاع وسقط في دفيئات إحدى المستوطنات التابعة للمجلس الإقليمي إشكول. وفي حالات عديدة أُخرى اندلعت حرائق في أراضي مستوطنات غلاف غزة تمت السيطرة عليها من طرف قوات الإطفاء والإنقاذ.
- وما زال المسؤولون في إسرائيل يأملون بأن يتم وقف التصعيد الأمني في منطقة الحدود مع غزة، لكنهم في المقابل يقدّرون أنه في حال فشل المبعوث القطري في مهماته واستمرار التوتر، فإن إطلاق الصواريخ من القطاع في اتجاه الأراضي الإسرائيلية هو مسألة وقت.
- ولا بد من القول إن تفشي فيروس كورونا في القطاع يمكن أن يؤثر في الوضع. وتشير المعطيات المتعلقة بالقطاع إلى ارتفاع واضح في حالات الإصابة بالفيروس، وإلى أن عدد المصابين ارتفع خلال يومين من 41 إلى 63. ويعتقد المسؤولون في المؤسسة الأمنية أن ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في القطاع سيؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي على قيادة حركة "حماس"، وربما إلى قيام هذه القيادة بتهدئة التوتر.
- وخلال المباحثات الأخيرة التي أجراها المبعوث القطري في القطاع طرح مندوبو "حماس" مطالب مالية، وكذلك طالبوا بإدخال أجهزة تنفس وفحص وأجهزة طبية أُخرى إلى القطاع، وهذا أمر يمكن أن تساعد إسرائيل فيه، ومن شأنه أن يخفف من حدة التوتر الأمني بين الجانبين.
- الحادث الذي وقع ليل الثلاثاء - الأربعاء على الحدود الشمالية لم يكن صدفة. إطلاق النار في اتجاه قواتنا كان خطوة بادر إليها حزب الله الذي أطلق قناصته النار في اتجاه قوة من الجيش الإسرائيلي كانت تقوم بنشاطات عملياتية على الحدود، على ما يبدو في كمين يقع بالقرب من مسار تسلل محتمل من لبنان.
- قوات الجيش الإسرائيلي التي يبدو أنها كانت مستعدة لمواجهة مثل هذا الحادث ردت فوراً على إطلاق النار، في محاولة للكشف عن خلية القناصة التي هربت من المنطقة، وكذلك بإطلاق قذائف مدفعية بهدف منع هجوم من قناصة آخرين.
- ما حدث يحتاج إلى تحقيق عميق. يمكن التقدير بقدر كبير من الموثوقية أنها كانت محاولة هجوم انتقامي آخر على موت ناشط من حزب الله في دمشق. هذه المرة كمين القناصة وضعه الحزب في الأراضي اللبنانية من دون التسلل إلى أراضي إسرائيل، ولقد أحسنت القوة الإسرائيلية التصرف، وعملت كما يجب على الأرض - ولم يُصَب أحد بنيران القناصة.
- على أي حال، حادث الليلة هو بطاقة حمراء ساطعة لحزب الله الذي فهم الوضع الناشىء: محاولة هجوم أُخرى له فشلت - المرة المقبلة سيكون الرد من جانب إسرائيل أخطر بكثير مما يتلاءم مع سلم التصعيد: على التسلل في مزارع شبعا رد الجيش بإطلاق النار لإخراج خلية المهاجمين من أراضي إسرائيل من دون إيقاع خسائر بينهم. هذه الليلة رد الجيش الإسرائيلي كان مدمراً: للمرة الأولى منذ سنوات هوجمت مواقع مراقبة تابعة للحزب، لم يكن موجوداً فيها أحد، وجرى تدميرها من دون وقوع إصابات.
- جاء في بيان الناطق بلسان الجيش هذا الصباح: "كل محاولة لخرق سيادة دولة إسرائيل ستكون حادثة خطرة." تدل هذه العبارة على أن الجيش الإسرائيلي يعلم أيضاً بصورة أكيدة أن حزب الله هو الذي بادر إلى حادث القناصة، وفي المرة المقبلة في استطاعة إسرائيل الرد، ليس فقط على مواقع المراقبة لحزب الله على خط الحدود، بل أيضاً ضرب أهداف أُخرى بوسائل متعددة، وليس فقط بواسطة طوافات حربية ووسائل طيران أُخرى.
- في المرة المقبلة، إذا أصر حزب الله على تجاهل الرسالة، ستكون النتيجة خطرة جداً على الرغم من أن الطرفين لا يرغبان في التصعيد. مع ذلك فهو يمكن أن يحدث إذا لم يوقف حزب الله محاولات الانتقام لمقتل ناشطه.
- كبار المسؤولين في حزب الله هددوا عدة مرات بالانتقام لموت المسؤول اللوجستي الذي عمل في خدمة إيران وحزب الله من أجل خلق معادلة ردع في مواجهة إسرائيل أيضاً في سورية، وليس فقط في لبنان. لذلك بعد كل هجوم على عناصر حزب الله في سورية في السنتين الأخيرتين، أرسل نصر الله عناصره لتنفيذ عملية انتقامية، معظمها لم ينجح.
- منذ حادثة مزارع شبعا بقي الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب تهدف إلى تقليص ظهور قوات الجيش الإسرائيلي وجعلها أهدافاً لحزب الله على الحدود، وفي الوقت عينه أحبط أي محاولة تسلل للحزب إلى أراضي إسرائيل أو إطلاق النار على قواتنا.
- يجب أن نتذكر أنه يوجد حالياً في الشمال أكثر من 100 ألف سائح وزائر، بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزوجته سارة الموجودان في صفد، لكن إسرائيل لا يمكنها أن تسكت على خرق ثان خطر للهدوء على الحدود، هدفه إيقاع إصابات بين قوات الجيش الإسرائيلي. هذا هو السبب الأول الذي من أجله هاجم الجيش الإسرائيلي بعد سنوات مواقع حزب الله على الحدود في منطقة كيبوتس منارة.
- حالة التأهب مستمرة في موازاة استمرار الحياة الطبيعية التي يعيشها سكان الشمال، لأنه بحسب قواعد اللعبة التي وضعها حزب الله، هو لا ينتقم من مدنيين، بل فقط من أهداف عسكرية، لأن مَن هاجم ناشط حزب الله في سورية كان الجيش الإسرائيلي، والمدنيون خارج المعادلة.
- يجمع حزب الله معلومات استخباراتية عن نشاطات قوات الجيش الإسرائيلي بواسطة مواقع مراقبة يقيمها فعلياً على الحدود، تحت غطاء منظمة " أخضر من دون حدود" التي تهدف إلى حماية البيئة.
- في إسرائيل يعرفون، وحذروا اليونيفيل والحكومة اللبنانية في عدة مناسبات من أن هذه المنظمة ليست سوى جهاز مراقبة متقدم لحزب الله يُقام في أبراج وأبنية عالية بالقرب من الحدود، كي يستطيع المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية عمّا يحدث في المواقع وفي المنطقة.
- عناصر حزب الله الموجودون في هذه الأبراج ليسوا مسلحين بصورة عامة، لكنهم أحياناً يتمركزون هناك مع سلاح. لكن الأكثر أهمية أنهم مزودون بوسائل رؤية ليلية، وجمع المعلومات يستمر طوال اليوم، وعلى ما يبدو على أساسه قرر حزب الله وضع كمين القناصة الليلة.
- حالة التأهب الخاصة التي ثبتت فعاليتها تستند إلى أمرين: جمع المعلومات الاستخباراتية، وتقليص الظهور العسكري على الأرض كي لا يشكل أهدافاً لحزب الله. هذا الأسلوب سيستمر أيضاً في الأيام المقبلة، يأمل حزب الله بأن اليقظة الإسرائيلية ستتبدد بعد إحباط عملية التسلل في مزارع شبعا والانفجار في مرفأ بيروت.
- مع ذلك، حقيقة أن حزب الله يواصل عمليات الاستفزاز على الرغم من الشكوى إلى الأمم المتحدة، وعلى الرغم من تصاعد الانتقادات ضده في أعقاب انفجار المرفأ والوضع الاقتصادي في الدولة - تدعو إلى القلق.
- نصر الله لا يأخذ في حسابه أن الفوضى السياسية في إسرائيل لا تؤثر حالياً في السياسة الأمنية التي تجري انطلاقاً من مبدأ واضح، هو أن إسرائيل لن تسكت على المسّ بسيادتها، حتى لو لم تسقط خسائر في الأرواح.
- وزير الخارجية مايك بومبيو سجّل خلال اجتماعاته في القدس يوم الثلاثاء، خطاباً قصيراً لمؤتمر الحزب الجمهوري، عدّد فيه إنجازات الإدارة في ساحات متعددة في العالم. بُثّ الخطاب يوم الثلاثاء ليلاً، بعد وصول بومبيو إلى الخرطوم - المحطة الثانية في جولة الحوارات التي يجريها من أجل توسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة.
- يجب التشديد على الأمور التي ختم بومبيو كلامه بها، عندما ذكر القس الأميركي أندرو برونسون الذي احتُجز كرهينة في تركيا بين سنتيْ 2016-2018. برونسون اعتُقل ظلماً بعد الانقلاب الفاشل ضد حكم أردوغان في صيف 2016. في سنة 2017 عرض أردوغان على ترامب صفقة: في مقابل إطلاق سراح القس، تتسلم تركيا الزعيم الديني التركي المنفي فتح الله غولان الذي يعيش منذ سنوات عديدة في بنسلفانيا. أردوغان يتهم غولان ومؤيديه بالمسؤولية عن الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو 2016.
- الأميركيون لم يتجاوبوا، وبدلاً من تسليم غولان إلى تركيا، فرض ترامب رسوماً جمركية عالية على التصدير التركي إلى الولايات المتحدة. بعد عدة أشهر من تطبيق السياسة الجمركية الجديدة، أطلق أردوغان برونسون من دون مقابل، باستثناء إلغاء الرسوم.
- حقيقة أن بومبيو اختار التذكير بمعاناة برونسون في تركيا، بدلاً من معاناة الرهائن الأميركيين الذين أطلقهم ترامب من كوريا الشمالية أو من إيران، تشير إلى استعداد الإدارة الأميركية اعتبار تركيا- الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي – دولة عدوة.
- في الفترة الأخيرة تزداد هجمات الإدارة الأميركية على تركيا وتتوسع بالوتيرة نفسها الأفعال العدائية التي تقوم بها تركيا ضد الولايات المتحدة وحلفائها. أيضاً في يوم الثلاثاء مثلاً هاجمت الناطقة بلسان الدائرة السياسية في الخارجية الأميركية تركيا بسبب استضافتها زعماء "حماس"، بينهم مسؤول كبير مطلوب من السلطات الأميركية.
- تركيا هي التي قادت حملة التنديدات ضد اتحاد الإمارات بسبب اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل. الإمارات من ناحيتها أرسلت هذا الأسبوع 6 طائرات من طراز أف- 16 للمشاركة في تدريبات في اليونان.
- استعداد الإدارة الأميركية للاعتراف بالعداء إزاء تركيا، وحتى التشديد عليه، على الرغم من أنها عضو رسمي في حلف الناتو، هو تعبير عن إعادة تنظيم لشبكة التحالفات التي تجري حالياً في المنطقة.
- قبل عشر سنوات، تسبب الربيع العربي وتأييد إدارة أوباما الإخوان المسلمين وإيران ضد السُنة وإسرائيل، بزلزال كبير وسط العرب السُنة. مصر، والسعودية، واتحاد الإمارات خرجوا من هذا الزلزال بفكرة ثورية هي أن إسرائيل هي الحليف والدرع القوي لهم في مواجهة إيران والإخوان المسلمين (في صورة "حماس")، قطر وإيران أقامتا كتلة منافسة.
- المرة الأولى التي خرجت فيها الكتلتان إلى العلن كانت في سنة 2014، في أثناء عملية الجرف الصامد. يومها دعمت تركيا وقطر وإدارة أوباما "حماس" وشروطها لوقف إطلاق النار. الجمهوريون، والإمارات، ومصر، والسعودية أيدوا إسرائيل. وبفضل الكتلة السُنية، نجحت إسرائيل في صد ضغط إدارة أوباما للخضوع لمطالب "حماس".
- فور دخوله إلى البيت الأبيض عمل ترامب على السيطرة وقيادة وتوسيع الحلف السُني-الإسرائيلي. حالياً مع إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، أحجام المشروع وتداعياته على الواقع الاستراتيجي في المنطقة، وعلى المنظومة الدولية بصورة عامة، بدأت تظهر للجميع.
- طوال 40 عاماً من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي انقسم العالم إلى كتلتين. مع سقوط جدار برلين في سنة 1989، انهار هذا الانقسام. صحيح أن الولايات المتحدة كانت تحتكر موقع القوة العظمى الوحيدة في بداية التسعينيات، لكن مع نهاية العقد بدأت دول ولاعبون غير دولتيين بالخروج من الصدمة. حركات يسارية معادية لأميركا بدأت تثير اضطرابات في شوارع العالم الغربي باسم النضال ضد العولمة. هذه الاضطرابات عززت العداء التقليدي للولايات المتحدة من دول في أوروبا الغربية، وساهمت في زيادة راديكالية اليسار في أوروبا والولايات المتحدة.
- بدأ تنظيم القاعدة حربه ضد الولايات المتحدة مع الهجمات على سفارتيْ كينيا وتنزانيا في سنة 1998، والصين بدأت برفع رأسها كدولة مستقبلية عظمى، وبدأت روسيا بترميم مكانتها الدولية كدولة معادية للولايات المتحدة تحت زعامة فلاديمير بوتين.
- المقارنة بين السهولة التي بنى فيها الرئيس بوش الأب ائتلافاً برعاية الأمم المتحدة لإخراج قوات صدام حسين من الكويت في سنة 1991، والصعوبة التي واجهها نجله عندما حاول إقامة ائتلاف دولي لإسقاط صدام حسين في سنة 2003، هي دليل على تآكل مكانة الولايات المتحدة في التسعينيات. تطلع بوش الابن إلى تحويل العالم العربي إلى عالم ليبرالي ديمقراطي صدم زعماء المنطقة وأغضب الإخوان المسلمين. إسقاط صدام حسين قوّى إيران. بينما عجز بوش عن فهم الوضع، كانت سياسة أوباما في الشرق الأوسط وليدة نظرة معادية للغرب، زادت فقط الضرر الذي تسبب به مَن سبقه.
- داخل هذه الفوضى الاستراتيجية، العمل العقلاني المهدّىء الأول كان اليد الممدودة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نحو الزعامات السُنية - الجيش المصري، والسعودية، واتحاد الإمارات - في عاصفة الربيع العربي.
- الحلف بينهم وبين إسرائيل أوقف اللحظة المؤاتية للإخوان المسلمين وإيران، ومنح فرصة للجمهوريين لإيجاد بديل منطقي وناجع، ليس فقط من سياسة أوباما الراديكالية، بل أيضاً من الفراغ الفكري منذ سقوط الجدار.
- أسوأ شخص في القدس هذا الأسبوع كان وزير الخارجية البريطاني دومينيك راف الذي لا يرى التطورات، وجاء من أجل "الدفع قدماً بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين". بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي في أعقاب البريكسيت، توقع الأميركيون من بريطانيا أن تجدد حلفها مع واشنطن على حساب مشاركتها في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، المعادية لأميركا وإسرائيل. لكن بوريس جونسون خيّب التوقعات. مع خيبة أمل الأميركيين الكبيرة، تواصل حكومته العمل إزاء إيران والفلسطينيين بصفتها وفية لسياسة بروكسيل.
- يعارض البريطانيون سياسة الضغط على إيران، وامتنعوا من تأييد الولايات المتحدة في مجلس الأمن في الأسبوع الماضي. وزارة الخارجية البريطانية، شأنها شأن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ردت ببرودة على إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات من خلال التشديد على "الحاجة" إلى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
- الكتلة السُنية - الإسرائيلية هي عامل استقرار في الشرق الأوسط، ولها تأثير في أوروبا وآسيا نحو الأفضل أيضاً، لأنها كتلة منظمة. هي ليست وليدة سياسة قوى استعمارية، بل وليدة مصالح مشتركة ثابتة في المدى المنظور. قيام مثل هذه الكتلة يسمح للأميركيين بمواجهة تفكك حلفهم مع تركيا. وهو يسمح أيضاً للأميركيين بالعمل ضد إيران من دون دعم مجلس الأمن. كتلة كهذه ستتوسع إذا انتُخب ترامب من جديد، وستبقى حتى إذا فاز بايدن.