مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن حزب الله يمتلك مستودعاً سرياً للأسلحة بالقرب من مطار بيروت الدولي، وحذّر من وقوع انفجار كارثي آخر على غرار الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 آب/أغسطس الفائت، ودعا الشعب اللبناني إلى الاحتجاج ضد الحزب ورعاته الإيرانيين.
وجاءت أقوال نتنياهو هذه في سياق كلمة مسجلة تم بثها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء أمس (الثلاثاء) استهلها بالإشارة إلى موقع الانفجار في مرفأ بيروت قائلاً: "وقع الانفجار هنا. الآن هنا المكان الذي يمكن أن يحدث فيه الانفجار المقبل. هذا هو حي 'الجناح' في بيروت. إنه بجوار المطار الدولي مباشرة. وهنا يحتفظ حزب الله بمستودع أسلحة سري متاخم لشركة غاز. إنه جزء لا يتجزأ من مساكن المدنيين."
وشرع نتنياهو في عرض صور لمدخل المنشأة التي ذكر أنها مصنع صواريخ تابع لحزب الله. وقال: "أقول لأهل حي ’الجناح’ عليكم أن تتصرفوا الآن. عليكم الاحتجاج على هذا الأمر. لأنه إذا انفجر هذا الشيء، ستكون هذه مأساة أُخرى. وأقول لأهل لبنان إن إسرائيل لا تريد إلحاق الأذى بكم، لكن إيران تفعل ذلك. تعمدت إيران وحزب الله تعريضكم أنتم وعائلاتكم لخطر داهم. وما يجب أن توضحوه هو أن ما فعلوه غير مقبول. يجب أن تقولوا لهم ذلك، وأن تقوموا بهدم هذه المستودعات. يجب على المجتمع الدولي أن يصر على أن يكف حزب الله عن استخدام لبنان والمدنيين اللبنانيين كدروع بشرية."
وأصدر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق مزيداً من المعلومات عن موقعين إضافيين في بيروت زعم أن حزب الله استخدمهما لتصنيع أجزاء للصواريخ دقيقة التوجيه. وأحد الموقعين عبارة عن منشأة تحت الأرض تم بناؤها تحت 4 مبان سكنية من 7 طبقات تعيش فيها 70 عائلة، شرقي مطار بيروت الدولي، وتقع بجوارها كنيسة ومركز طبي، وتقع المنشأة الثانية تحت مجمع من 5 عمارات سكنية يسكن فيها نحو 50 عائلة وتقع على بعد نحو 90 متراً من مسجد.
من ناحية أُخرى هاجم نتنياهو إيران بسبب عدوانها الإقليمي المستمر وخططها لامتلاك أسلحة نووية. وأشار إلى أنها تنتهك القيود المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي المبرم معها سنة 2015، وبالتالي ستكون قد أنتجت ما يكفي من اليورانيوم المخصب لقنبلتين نوويتين في غضون أشهر قليلة.
وقال نتنياهو: "تعمل إيران على جيل جديد من أجهزة الطرد المركزية يطلق عليه IR9 وسيضاعف قدرة التخصيب الإيرانية خمسين مرة. ليس هناك شك في أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية."
وكرّر نتنياهو أن الاتفاق النووي لم يحدّ من العدوان الإيراني بل غذّاه وموّله. وشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على انسحابه من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات المشددة على إيران، وأشار إلى أن هذه الإدارة حاولت إقناع مجلس الأمن الدولي بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، إلّا إن الخطوة فشلت في كسب دعم أعضاء المجلس الآخرين.
كما تطرق نتنياهو إلى اتفاقيْ السلام اللذين وقّعهما مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في البيت الأبيض يوم 15 أيلول/سبتمبر الحالي. وقال: "كانت هذه أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية منذ أكثر من ربع قرن. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل ودولتين عربيتين في نفس اليوم. سيجلب هذان الاتفاقان الجديدان لشعوبنا نعمة السلام والفوائد الهائلة التي تأتي مع المزيد من التجارة والاستثمار والتبادل التجاري والنقل والسياحة وزيادة التعاون في العديد من المجالات الأُخرى. كما أنني لا أشك في أن المزيد من الدول العربية والإسلامية سينضم إلى دائرة السلام قريباً جداً."
وقال نتنياهو إن اتفاقيْ السلام مع الإمارات والبحرين جاءا نتيجة انفصال واضح عن استراتيجيات الماضي الفاشلة، وأشار إلى أن الفلسطينيين استخدموا لفترة طويلة جداً حق النقض إزاء السلام بين إسرائيل والعالم العربي الأوسع، وعلى مدى عقود كان التقدم في عملية السلام رهينة مطالب فلسطينية غير واقعية على الإطلاق تشمل انسحاباً إسرائيلياً إلى خطوط 1967 وإجلاء آلاف المستوطنين فيما يُعتبر ارتكاب تطهير عرقي فعلياً.
وأكد نتنياهو أن نهج إدارة ترامب لحل النزاع راسخ في الواقع، وأشاد باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان وخطتها للسلام ["صفقة القرن"]. وأعرب عن اعتقاده أن دائرة السلام الآخذة بالاتساع ستجعل احتمال التوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين مرجحاً أكثر.
ورداً على خطاب نتنياهو هذا، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب ألقاه الليلة الماضية إن الحزب دعا ممثلي وسائل الإعلام إلى زيارة المكان الذي ذكره رئيس الحكومة الإسرائيلية بهدف كشف كذب هذا الأخير على الهواء مباشرةً.
صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة فجر اليوم (الأربعاء) على مشروع القانون الرامي إلى تقييد حق التظاهر خلال فترة الإغلاق المشدد.
وأيد مشروع القانون 46 عضو كنيست وعارضه 38 عضواً.
وأُقيمت قبالة مقر الكنيست تظاهرات حاشدة ضد هذه الخطوة. كما وصلت إلى القدس قافلة احتجاجية تضم 1000 سيارة، لكن لم يُسمح إلّا لبعضها بدخول محيط الكنيست.
قال تقرير أصدرته فرقة عمل تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] تقدم المشورة إلى وزارة الصحة الإسرائيلية أمس (الثلاثاء) إن معدل حالات الوفاة اليومية بالنسبة إلى عدد السكان في إسرائيل جراء فيروس كورونا تجاوز لأول مرة معدل حالات الوفاة في الولايات المتحدة.
كما أشار التقرير إلى أن حالات الإصابة اليومية الجديدة بالفيروس في إسرائيل لا تزال الأعلى في العالم.
ووفقاً للتقرير، بلغ معدل حالات الوفاة اليومية في إسرائيل خلال الأسبوع الفائت 3.5 حالة لكل مليون شخص بينما كان المعدل في الولايات المتحدة نحو 2.2 حالة لكل مليون.
وأظهر أحدث بيانات وزارة الصحة في إسرائيل أن حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا تجاوزت 1500 وفاة حتى الليلة قبل الماضية، مع تسجيل أكثر من 500 حالة وفاة جديدة خلال نحو ثلاثة أسابيع.
وبلغ عدد حالات الوفاة صباح أمس 1507 حالات مع استمرار ارتفاع حالات الإصابة الجديدة وعدد الحالات الخطرة.
من ناحية أُخرى استبعد وزير الصحة الإسرائيلي يولي إدلشتاين أن يُرفع الإغلاق في نهاية فترة الأعياد اليهودية بعد أسبوع ونصف الأسبوع.
وأضاف إدلشتاين، في سياق مقابلة أجرتها معه إذاعة "كان" [تابعة لهيئة البث الرسمية الجديدة] أمس، أن الخروج من الإغلاق سيتم هذه المرة بالتدريج من دون الرضوخ لأي ضغط، وذلك في إثر العبر التي تم استخلاصها من الموجة الأولى لتفشي فيروس كورونا.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 مساء أمس أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعتقد أنه من الممكن تمديد الإغلاق لمدة شهر تقريباً في محاولة لاحتواء تفشي الفيروس.
كما أكد المدير العام لوزارة الصحة حيزي ليفي ونائبه إيتمار غروتو في الأيام الأخيرة أنهما لا يعتقدان أن الحكومة ستسيطر على تفشي الفيروس بحلول يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر، وأنهما يتوقعان أن يتم تمديد الإغلاق.
ومن المقرر أن يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون كورونا اجتماعاً اليوم (الأربعاء) لاتخاذ قرارات بهذا الشأن.
وأكدت الشرطة الإسرائيلية أمس أنها ستستمر في حملتها القُطرية التي أطلقت عليها اسم "المسؤولية ستنتصر"، والهادفة إلى تطبيق الإغلاق وتعليمات وزارة الصحة لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
وقالت مصادر مسؤولة في قيادة الشرطة أنه سيتم نصب نحو 40 حاجزاً في الطرقات الرئيسية وتكثيف النشاطات داخل المدن والبلدات الإسرائيلية، وستشدد الشرطة أكثر فأكثر على فرض القانون.
قال المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت أنه قد يقرر في مرحلة معينة أن بنيامين نتنياهو غير قادر على ممارسة مهماته كرئيس للحكومة بسبب لوائح الاتهام المقدمة ضده بشبهة ارتكاب مخالفات فساد.
وجاءت أقوال مندلبليت هذه في حديث أدلى به إلى صحيفة "همشبحاه" [العائلة] وبثت قناة التلفزة الإسرائيلية 12 مقاطع صوتية منها مساء أمس (الثلاثاء).
وخاطب مندلبليت في سياق حديثه نتنياهو قائلاً: "إذا قمت بخلط الأمور واستخدمت سلطتك الحاكمة كرئيس للحكومة للتأثير في وضعك الجنائي قد تبدأ الأمور بالاتجاه نحو مشكلة كبيرة"، وأكد أنه مع مشكلة كهذه قد تصل الأمور إلى وضع يصبح فيه نتنياهو غير قادر على القيام بمهماته كرئيس للحكومة.
ورداً على سؤال متى يمكن معرفة ما إذا كان من المستحيل التعامل مع المشكلة؟ أجاب مندلبليت أن الأمر ليس مسألة حسابية، وشدّد على أنه في كل مرة يعُد للألف وليس فقط للعشرة قبل اتخاذ القرارات.
واعتبر المستشار القانوني للحكومة أن الطريقة الأسلم للتعامل مع استخدام نتنياهو سلطته الحكومية هي التوصل معه إلى تسوية بشأن وجود تضارب مصالح بين كونه رئيس حكومة وفي الوقت عينه متهماً بارتكاب شبهات جنائية.
ونفى مندلبليت الاتهامات التي وجهها نتنياهو إلى الجهاز القضائي وإلى النيابة العامة بشأن حياكة ملفات ضده، وأكد أن جميع الأدلة التي عُرضت عليه تنطوي على احتمالات كبيرة لإدانته من طرف المحكمة.
وأشار مندلبليت إلى أنه طالب بعقد محاكمة سريعة لنتنياهو، وخصوصاً في ظل الادعاءات التي يطلقها الأخير. وأضاف: "قلت إن ذلك يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن لأن الجمهور يريد أن تُحسم هذه المسائل وأن يُتخذ قرار سريع في هذا الشأن. لا يجوز جرّ هذه المسألة طيلة خمس سنوات، هذا أمر سيئ للغاية. يجب أن تتم المحاكمة خلال أيام متتابعة بغية الانتهاء منها في أقرب وقت ممكن والبت في جميع الادعاءات وحسمها."
- في مثل هذا اليوم تحل ذكرى مرور 20 عاماً على نشوب الانتفاضة الثانية، أو كما كان يسميها الفلسطينيون "انتفاضة الأقصى". ما جرى هو أحد المنعطفات المهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، بالتحديد في العقود الثلاثة الماضية. بعد مرور 7 سنوات على توقيع اتفاق أوسلو - الذي اعتُبر في نظر كثيرين في إسرائيل وفي العالم قراراً نهائياً تاريخياً للفلسطينيين بالتوجه إلى المسار السياسي وتنمية الدولة المقبلة، تراجعوا إلى الوراء، إلى خنادق القتال. الصراع الذي نشب كان واحداً من الصراعات الأكثر ضراوة في تاريخ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وجسّد استمرار التخبط التاريخي وغير المحسوم للفلسطينيين بين تشكيلة واسعة وكثيرة التناقضات من الأهداف الوطنية.
- نشوب الصراع في أيلول/سبتمبر 2000 كان بداية فترة كثيرة الاضطرابات في المنظومة الفلسطينية، تغيرت في نهايتها صورتها الذاتية وموازين القوى في داخلها، وشبكة العلاقات بينها وبين القوى الخارجية وعلى رأسها إسرائيل. بعد مرور 20 عاماً يمكننا تلخيص التغيرات التي أحدثتها الانتفاضة الثانية، وتحليل السيناريوهات التي يمكن أن تتطور في المنظومة الفلسطينية، وما ستكون تداعياتها على إسرائيل.
تحليل التغييرات
- الانتفاضة الثانية هي حدث تاريخي له تاريخ بداية متفق عليه (في 28 أيلول/سبتمبر زار أريئيل شارون الحرم القدسي، في اليوم التالي نشبت مواجهات مسلحة واسعة النطاق في جميع أرجاء "المناطق")، لكن ليس لها تاريخ انتهاء محدد. يوجد بين الفلسطينيين مَن يدّعي أن الانتفاضة الثانية وصلت إلى نهايتها مع موت ياسر عرفات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 وصعود أبو مازن الذي تبنى رؤيا استراتيجية مختلفة تماماً؛ وهناك مَن يقول إن الانتخابات العامة في السلطة الفلسطينية في سنة 2006 التي فازت فيها "حماس"، وسيطرة الحركة بالقوة على قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007 هما اللذان أنهيا الانتفاضة الثانية؛ وهناك مَن يزعم أن المواجهة لم تتوقف أبداً، بل تحولت من هجمات بإطلاق النار وهجمات انتحارية إلى معارك عسكرية وجولات تصعيد في قطاع غزة، وهجمات أفراد في الضفة الغربية.
- التطورات في الانتفاضة الثانية أثبتت - مثل حالات كثيرة أُخرى في التاريخ الفلسطيني - أن دينامية التصعيد أقوى بكثير من الخطط، وهي توصل الفلسطينيين تقريباً على الدوام إلى واقع مختلف وأسوأ من الذي خططوا له. "التفجير" الأول الذي بادر إليه عرفات قدماً بصورة استباقية ومقصودة في نهاية أيلول/سبتمبر 2000، على ما يبدو من أجل العودة إلى المفاوضات من موقع قوة، ترافق مع مواجهات شعبية واسعة النطاق، لكنها تحولت بسرعة إلى صراع مسلح، قادته التنظيمات المسلحة وعلى رأسها "فتح" - الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية التي كانت في طليعة الداعمين للعملية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، الانتفاضة التي بدأت كمواجهة وطنية شاملة ضد إسرائيل تحولت إلى صراع فلسطيني داخلي شرس، غيّر بصورة دراماتيكية صورة المنظومة الفلسطينية.
- مقارنة المنظومة الفلسطينية في سنة 2000 بما هي عليه اليوم تكشف التغييرات العميقة التي طرأت عليها. في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد من الفوارق الجوهرية بين الماضي والحاضر:
- من ساحة إلى ساحات: بدأت الانتفاضة الثانية بينما كان يسيطر على المنظومة الفلسطينية عنصر قوة واحد (السلطة الفلسطينية) وزعيم واحد (عرفات). بعد مرور عشرين عاماً، تسيطر على المنظومة الفلسطينية حكومتان مستقلتان - في الضفة الغربية وفي قطاع غزة - لم تنجحا (أو لمزيد من الدقة - ليستا معنيتين) بالدفع قدماً بالمصالحة بينهما. في نظر الكثيرين من الفلسطينيين الانقسام الذي يزداد ترسخاً مع مرور الزمن هو أحد الثمار المُرة الواضحة للانتفاضة الثانية. ما بدأ كصراع ضد إسرائيل أدى إلى زعزعة مركز الحكم الفلسطيني، وعزز قوة "حماس" التي اعتبرت نفسها دائماً بديلاً من قيادة منظمة التحرير في المنظومة الفلسطينية، بعد سنوات طويلة كان فيها المعسكر الإسلامي على هامش المنظومة الفلسطينية، وعمل من موقع المعارضة، أو كحركة سرية ملاحَقة، قلب الواقع رأساً على عقب في قطاع غزة.
- الابتعاد عن تحقيق الأهداف الوطنية: في صيف 2000، وقبل تعثر المفاوضات، ساد شعور وسط كثيرين في المنظومة الفلسطينية (وأيضاً الإسرائيلية والدولية) بأن الطرفين على وشك التوصل إلى تسوية تاريخية. وبحسب هذه النظرة، يمكن أن يؤدي الأمر إلى تحقيق أهداف وطنية فلسطينية استراتيجية، وعلى رأسها قيام دولة مستقلة. بعد 20 عاماً يبرز لدى الجمهور الفلسطيني شعور بالابتعاد المستمر عن إمكان تحقيق الأهداف الجماعية، وعلى رأسها الدولة المستقلة التي تستند إلى رؤيا دولتين لشعبين. هذا في الأساس بسبب الجمود المستمر في المفاوضات السياسية، بالإضافة إلى التغيير المستمر في الواقع الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية. تلاشي الإيمان بالعملية السياسية كأداة مركزية لتحقيق الأهداف الوطنية لا يعني بالضرورة زيادة التأييد لفكرة "المقاومة" التي تمثلها قيادة "حماس". نموذج الحكم الذي تمثله الحركة في قطاع غزة ليس مغرياً بالنسبة إلى أغلبية الفلسطينيين: رافقت الـ13 عاماً الأخيرة ثلاث معارك فتاكة ومدمرة، وضائقة مدنية مستمرة للجمهور الغزاوي. في حالة اليأس بين البديل من العملية السياسية وبين المقاومة، تطورت فكرة متواضعة أكثر واقعية هي تحسين نسيج الحياة كما يعبّر عنه شعار" بدنا نعيش". يجسد هذا الأمر، من بين أمور أُخرى، التعب الجماعي للفلسطينيين من سنوات من الشعارات، والنضال والأيديولوجيا النضالية، لم تؤد إلى إنجاز مهم. هذا الشعور بالإضافة إلى ذكرى الصدمة التي لا تزال محفورة في الوعي الجماعي الفلسطيني في ضوء نتائج الانتفاضة الثانية، لجما حتى اليوم (ومستمران في لجم) تحقُّق سيناريو انتفاضة ثالثة.
ج- زعزعة الثقة الجماعية بين إسرائيل والفلسطينيين: المراحل الأولى والقاسية للانتفاضة الثانية، وخصوصاً العمليات في قلب التجمعات السكنية الإسرائيلية، التي ألحقت أذى كبيراً في الوعي العام الإسرائيلي بشأن كل ما يمس الصلة بالفلسطينيين وفرص التوصل إلى تسوية سياسية معهم. هذا التوجه ترسخ بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة، ونشوب معارك عسكرية قاسية في العقد ونصف العقد الأخيرين، والتي انطوت على تهديد قلب إسرائيل (في الأساس بواسطة إطلاق الصواريخ)، وكل ذلك بعد انسحاب إسرائيل من المنطقة في سنة 2005. يبرز التغيير في الرأي العام الإسرائيلي بصورة واضحة في المعارك الانتخابية في العقدين الأخيرين التي فاز بها فقط زعماء من كتلة اليمين - الوسط. عدم الثقة واضح أيضاً في الجانب الفلسطيني، وخصوصاً الذين يعيشون في الضفة الغربية، والذين في تقديرهم أن إسرائيل لا تنوي الدفع قدماً بالعملية السياسية، بل تسعى لتغيير مستمر للواقع في المنطقة من أجل أن تتمكن من السيطرة عليها في نهاية الأمر (كل ذلك من دون إعلان رسمي للضم، الذي لم يعد مطروحاً على ما يبدو على جدول الأعمال في أعقاب تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، والذي يبدو في نظر الفلسطينيين تهديداً لا يزال موجوداً).
د- خسارة الدعم الخارجي: نشبت الانتفاضة الثانية في حيز إقليمي مختلف تماماً عن اليوم. على الأقل في المراحل الأولى من المواجهات حظي الفلسطينيون بدعم واسع من المجتمع الدولي ومن الحيز العربي. تجلى ذلك من خلال قطع علاقات دول الخليج مع إسرائيل، واستدعاء سفيريْ مصر والأردن إلى بلديهما لعدة سنوات، وتظاهرات تأييد كبيرة للفلسطينيين جرت في شتى أنحاء العالمين العربي والإسلامي، والتي شكلت قيداً ثقيلاً على الأنظمة بشأن كل ما يمس علاقاتها مع إسرائيل. بعد مرور 20 عاماً، المجالان الدولي والعربي مشغولان بمشكلات أكثر صعوبة من المشكلة الفلسطينية (الكورونا، الاضطرابات الإقليمية، المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، أزمة إيران وسورية، التوتر بين العالمين السني والشيعي، التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وغيرها)، وقد أظهرت هذه التغيرات تعباً ويأساً من النزاع الذي لا نهاية له بين إسرائيل والفلسطينيين. يبرز هذا خصوصاً في العالم العربي الذي يرغب في تطوير علاقات وثيقة مع إسرائيل في ضوء صعود التهديد الإيراني، وهو مستعد لتقويض المبدأ الذي حاول الفلسطينيون زرعه طوال سنوات، والقائل إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ممكن فقط بعد التوصل إلى تسوية بينها وبين الفلسطينيين. الشارع العربي من جهته يواصل إظهار تعاطف أساسي إزاء الموضوع الفلسطيني، لكن بعد سنوات من الاستنزاف والضائقة بسبب أحداث "الربيع العربي"، أصبح أقل استعداداً للخروج في تظاهرات كبيرة تأييداً للفلسطينيين، وبناء على ذلك هو لم يعد يشكل قيداً ثقيلاً كما في الماضي على الحكام العرب. ثمة تعبير حاد إضافي لخسارة الدعم الخارجي يتجلى في الشرخ العميق بين رام الله وواشنطن منذ بداية ولاية الرئيس ترامب، الذي قوّض هو أيضاً مبدأً أساسياً حاول الفلسطينيون الدفع به قدماً طوال سنوات، وهو عدم إجراء أي تغيير في وضع القدس حتى التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك عندما نقل في أيار/مايو 2018 السفارة الأميركية إلى القدس.
ه- تغيّر الحرس في القيادة والشارع: بالإضافة إلى البعدين السياسي والاستراتيجي، حدثت تغيّرات أيضاً في التيارات العميقة في الساحة الفلسطينية. في مركزها - صعود جيل شاب وُلد في الواقع الناتج من اتفاقات أوسلو، وجزء منه ولد بعد الانتفاضة الثانية، وفي المقابل رحيل جيل المؤسسين للمنظومة الفلسطينية، وضعف الجيل الذي قاد الانتفاضة الأولى في "المناطق". تختلف سمات الجيل الشاب عن الأجيال التي سبقته: هو أكثر انفتاحاً على ما يجري في العالم (في أعقاب الثورة في وسائل التواصل الاجتماعي)، ويولي تحقيق ذاته أهمية، وأحياناً يفضل ذلك على التضحية من أجل الأهداف الوطنية، وبصورة عامة أقل انجذاباً نحو الأيديولوجيات التي جذبت المنظومة الفلسطينية.
نظرة إلى المستقبل
- لن نجد فلسطينيين كثر يستطيعون أن يلخصوا بصورة إيجابية العقدين الأخيرين اللذين، في نظر كثيرين، يجسّدان تراجعاً وطنياً مستمراً. رؤيا دولتين لشعبين تتبدد تدريجياً ويحل محلها واقع معقد لكيان فلسطيني ذاتي موجود في الضفة الغربية، منقسم وضعيف، وفي المقابل كيان فلسطيني آخر من الصعب تعريفه موجود في قطاع غزة، له نهج فكري وسمات اجتماعية وثقافية مختلفة.
- اليأس الجماعي الفلسطيني من كافة البدائل الاستراتيجية سيؤدي على مدى سنوات طويلة إلى التخلي عن فكرة "دولتين لشعبين" واستبدالها بفحص جدي لحل "الدولة الواحدة". في ضوء عدم القدرة على تحقيق الأهداف الوطنية وعلى رأسها الدولة المستقلة، يعتقد عدد متزايد من الفلسطينيين، وخصوصاً من الجيل الشاب، أن وجوداً مشتركاً في دولة واحدة تمتد من البحر إلى نهر الأردن مع الجمهور اليهودي فكرة ليست مرفوضة. هذا لا يعني التخلي عن الهوية الوطنية الفلسطينية، بل "تأطيرها" وصوغها بصورة تقدم جواباً على حاجات الحاضر للجمهور الفلسطيني في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
- تطور سيناريو "الدولة الواحدة" لا يمكن بالضرورة أن يُتخذ بقرار من إسرائيل، أو من الفلسطينيين. هو يمكن أن يكون نتيجة غير مخطَّط لها وغير مرغوبة أو واعية لمسار ستضعف في سياقه السلطة الفلسطينية مع مرور الزمن وتصل إلى اضمحلال قدرتها على القيام بوظيفتها، في المقابل تتوسع الصلاحيات العملية لإسرائيل في إدارة حياة المدنيين في الضفة الغربية. بهذه الطريقة سيجد الشعبان نفسيهما في حياة مشتركة في دولة واحدة، من دون حل المشكلات الأساسية الجوهرية بينهما.
- على الصعيد الداخلي - الفلسطينيون يجدون أنفسهم منذ عدة سنوات في حالة انتظار رحيل أبو مازن، حدث يبدو أنه سيؤشر إلى الانتقال من مرحلة الجيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة الذي لا يزال يتمسك بالشعارات التي رافقت الفلسطينيين، والتي فقد الجزء الأكبر منها دلالته ولم يعد يلائم حاجات الحاضر، إلى مرحلة جديدة لم تتبلور صورتها وسماتها بطريقة واضحة بعد.
- على الأقل حتى الآن لا يبدو مثل هذه الزعامة في الأفق، وما يمكن أن يتطور مكانها صراعات عنيفة بين مجموعات تطمح إلى وراثة "الريّس" (من خلال الانقسام بين ثلاث صلاحيات يترأسها حالياً: السلطة الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، وفتح)، من دون القدرة على الحسم بينها، ومن خلال إضعاف مؤسسات الحكم الفلسطينية، وفتح الطريق أمام "رفع رأس" جهات متشددة، وعلى رأسها "حماس". ليس المقصود سيناريو للمستقبل البعيد، بل واقع يمكن أن يتطور في الأمد القريب، وهذا لن يقتصر على المنظومة الفلسطينية بل سينعكس خارجها، وخصوصاً على إسرائيل.
- الضائقة الاستراتيجية المتعددة الأبعاد للفلسطينيين لا يمكن أن تشير إلى رضا الجانب الإسرائيلي. الحركتان الوطنيتان [الفلسطينية والصهيونية] تخوضان صراعاً قوياً بينهما منذ أكثر من 100 عام، لكنهما مرتبطتان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، والواقع في إحداهما ينعكس مباشرة على الثانية. في مرحلة أولى يتعين على إسرائيل أن تركز جهدها من أجل عودة سريعة للفلسطينيين إلى التنسيق معها وأيضاً استئناف الحوار السياسي بين الطرفين. استمرار الوضع القائم معناه "اضمحلال وظيفي" مستمر للحكم الفلسطيني، وتعزيز مستمر للصلة بين إسرائيل والجمهور الفلسطيني، وتعميق المصالحة بين "فتح" و"حماس" بصورة تقوي إمكان تعزيز قوة الأطراف الإسلامية في الضفة الغربية وانخراطهم في الحكم الفلسطيني للمنطقة، وانتقال تدريجي للمسؤولية، في الأساس في المجال المدني، إلى يدي إسرائيل.
- من دون رؤيا قابلة لتحقيق انفصال استراتيجي، الحركتان الوطنيتان تسيران بثبات نحو سيناريو "الدولة الواحدة": الفلسطينيون بدافع اليأس من رؤيا الدولتين وتطلع جماعي نحو تحسين ظروف الحياة، والإسرائيليون بدافع عدم اهتمامهم ولا مبالاتهم حيال ما يجري في ساحة "توأمهم السيامي الخفي"، وبسبب التأجيل المستمر لحسم استراتيجي بشأن علاقتهم بالفلسطينيين. ما يجري هو طمس متصاعد لخط الفصل بين الشعبين، ودمج عميق للبنى التحتية والاقتصادية والجغرافية بينهما. ومن دون إعلان رسمي لخطوات الضم يجري واقع الضم في الضفة الغربية. يتطلب هذا الأمر اهتماماً ومعرفة واسعة من الجمهور الإسرائيلي للواقع المعقد والمستقبل المنتظر، إلى جانب حوار واع ومؤثر (حالياً ليس موجوداً)، وفي الأساس السعي للحسم، والضغط على القيادة من أجل حسم التوجه الاستراتيجي الوطني: الفصل هنا الآن وقبل أن يصل الطرفان إلى "نقطة اللاعودة"، أو الاستعداد لتغيرات داخلية عميقة في دولة إسرائيل وإعادة صوغ هويتها وأهدافها.