مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
التقى رئيس الحكومة نفتالي بينت يوم الاثنين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى منذ استلامه منصبه. جرى اللقاء في شرم الشيخ على وقع إطلاق صواريخ من غزة على إسرائيل في الأيام الأخيرة، والجهود التي تقودها مصر لإعادة إعمار غزة منذ جولة القتال الأخيرة.
وبالاستناد إلى مصدر سياسي، بحث الإثنان الموضوع النووي الإيراني، و"العداونية الإقليمية لإيران"، و"تهدئة الوضع في غزة، ومنع تعاظُم قوة حماس" من خلال تشديد الرقابة على معبر رفح، وكذلك قضايا أُخرى، بينها قضية المفقودين في غزة، و"المواجهة مع عناصر الإرهاب العالمي في المنطقة"، والتجارة والسياحة بين مصر وإسرائيل.
وقد صرح بينت في ختام الاجتماع بالتالي: "اللقاء كان مهماً وجيداً جداً. أقمنا بنية تحتية لعلاقات عميقة ولمواصلة الطريق. وبحثنا سلسلة قضايا على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، وكذلك سبل تعميق العلاقة وتعزيز مصالح الدولتين. إسرائيل تقوم بالانفتاح على دول المنطقة، والأساس لهذا هو السلام بين إسرائيل ومصر".
وذكر الناطق بلسان الرئيس المصري أن بينت والسيسي بحثا التطورات على الساحة الدولية، بما فيها القضية الفلسطينية. وأضاف أن السيسي شدد أمام بينت على تأييد مصر لمساعي التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط بالاستناد إلى حل الدولتين لتعزيز الاستقرار والازدهار لكل شعوب المنطقة.
هذه الزيارة هي الزيارة الرسمية العلنية الأولى لرئيس حكومة إسرائيلية إلى مصر خلال العقد الماضي. مع ذلك، في سنة 2018 التقى رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو السيسي على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وفي خطوة خارجة عن المألوف وضعت مصر علم إسرائيل وراء بينت في صورة الاجتماع، بينما لم يوضع علم إسرائيل في اجتماعات نتنياهو وإيهود أولمرت بالرئيس المصري، ويبدو أن هدف هذه الخطوة التعبير عن تقدير الجانب المصري.
بالنسبة إلى بينت، تُعتبر الزيارة مهمة في إطار محاولاته ترسيخ نفسه كزعيم إقليمي مهم وتعزيز قدراته السياسية. بالنسبة إلى المصريين، اللقاء العلني بين السيسي وبينت يُعتبر آلية مهمة لتعبيد الطريق أمام العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة وتعزيز مكانتهم كوسيط مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
مصدر سياسي قال إن مصر ترى في العلاقات مع إسرائيل والجهود لإعادة إعمار غزة سبيلاً إلى البيت الأبيض، وأضاف: "هم بحاجة إلى هذه العلاقة من أجل تخفيف ضغط المجتمع الدولي على مصر بشأن انتهاكها حقوق الإنسان".
من بين القضايا المركزية التي طرحها بينت في اجتماعه بالسيسي مطالبة إسرائيل من مصر بتشديد رقابتها على المعابر المصرية إلى غزة، ومنع تهريب السلاح والذخيرة. وذكر مصدر سياسي لصحيفة "هآرتس" أن التهريب إلى غزة يقلص إنجازات إسرائيل في عملية حارس الأسوار ويضر بالردع الإسرائيلي لـ"حماس". كما أن أعمال التهريب هذه تسمح للحركة بزيادة قوتها في جولة قتال إضافية في مواجهة إسرائيل. وكان بينت طرح مسألة تشديد الرقابة على المعابر مع مصر في لقاءاته في واشنطن قبل بضعة أسابيع، وذلك في محاولة لحمل الإدارة الأميركية على الضغط على مصر في هذا الموضوع.
بالإضافة إلى ذلك طرحت مصر في الاجتماع الخلاف بينها وبين أثيوبيا بشأن السيطرة على مياه النيل الأزرق. وكانت إسرائيل أوضحت في الأشهر الأخيرة أنها لن تتدخل في الخلاف بين الدولتين.
في الشهر الماضي اجتمع بينت ووزير الدفاع بني غانتس برئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل. وجرى خلال اللقاء بحث موضوعات سياسية وأمنية واقتصادية وعلاقات إسرائيل بمصر، وكذلك موضوع الوساطة المصرية حيال قطاع غزة.
قالت وزيرة الداخلية أييليت شاكيد في المؤتمر الدولي لمحاربة الإرهاب، والذي عُقد في جامعة ريخمان، إن رئيس الحكومة ورئيس حزبها نفتالي بينت لن يلتقي رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. وقالت شاكيد: "رأيي معروف ولم يتغير. أبو مازن يدفع المال لأسرى فلسطينيين قتلوا يهوداً، وهو يلاحق الجنود الإسرائيليين وقادتهم أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لذلك هو لا يُعتبر شريكاً. رئيس الحكومة لن يلتقيه ولا ينوي أن يجتمع به".
تجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع بني غانتس اجتمع قبل أسبوعين بأبو مازن وبحث الإثنان في مسائل أمنية وسياسية ومدنية واقتصادية تتعلق بالأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة، واتفقا على البقاء على تواصل لمواصلة بحث المسائل التي طُرحت.
تستعد المؤسسة الأمنية لمواجهة تصعيد في الوضع وإمكان نشوب جولة قتال في فترة قريبة، وذلك على خلفية التطورات الأخيرة وازدياد بؤر التوترات. وثمة اعتقاد في إسرائيل أنه حتى لو حققت جهود الوساطة المصرية تقدماً فإنها بالوتيرة الحالية يمكن أن تخفف التصعيد لا أن تمنعه لوقت طويل.
مَن يقود الخط المتشدد في القطاع هو الجهاد الإسلامي، بينما "حماس"، التي لا تقوم بإطلاق الصواريخ، لا توقف الجهاد الذي يُعتبر ثاني أكبر تنظيم في غزة. علاوة على ذلك أصدر قادة الجهاد في بيان لهم أنهم سيردون على هجمات سلاح الجو على القطاع بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وهم سيردون أيضاً على هجمات سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف تابعة لـ"حماس" في القطاع.
أعلنت رابطة الأسرى في السلطة الفلسطينية أنه بدءاً من يوم الثلاثاء سيبدأ 1380 أسيراً أمنياً إضراباً عن الطعام حتى إعادة الظروف التي كانت موجودة عشية عملية الفرار من سجن جلبوع. وسبب الإضراب هو توزيع أسرى الجهاد الإسلامي بين عدة سجون. وذكرت الرابطة أن الإضراب هو خطوة أولى ستتبعها خطوات تصعيدية لاحقة ضد إسرائيل.
على صعيد آخر، بدأت طواقم هندسية خاصة بالكشف على السجون في إسرائيل وتحديد الإخفاقات في زنزاناتها. وقررت إدارة السجون القيام بعملية المسح هذه للتأكد من عدم وجود أنفاق أُخرى.
في هذه الأثناء تستمر قوات من الشرطة والأمن الداخلي والجيش في مطاردة الأسيرين الفارَّين الأخيرين بعد إلقاء القبض على أربعة منهم الأسبوع الماضي. وتتركز عمليات البحث في وادي يزرعيل وشمال شومرون، مع الافتراض أن أحد الفارَّين ربما نجح في اجتياز الخط الفاصل ووصل إلى الضفة الغربية.
- في تقاطع رمزي للتواريخ - ذكرى مرور 28 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو، وقبل وقت قليل من يوم الغفران - قام رئيس الحكومة نفتالي بينت أمس بزيارة إلى مصر للاجتماع بالرئيس عبد الفتاح السيسي. في شرم الشيخ حظي بينت باستقبال غير عادي. في البداية صدر بيان رسمي مصري بشأن الزيارة التي ظلت موضع غموض في إسرائيل في الأيام الأخيرة. بعده نُشرت صورة مشتركة للرئيسين وعلَما الدولتين خلفهما. الاجتماع بحد ذاته استمر نحو 3 ساعات.
- الرئيس السابق للحكومة بنيامين نتنياهو التقى السيسي 4 مرات، بعض الاجتماعات عُقد في الأراضي المصرية، لكن أغلب المحادثات جرى سراً بطلب من الرئيس المصري. في العقد الأخير توثقت العلاقات بين البلدين على الرغم من أن القليل جرى بصورة علنية. السيسي ونتنياهو كانا يحترمان بعضهما البعض كحليفين، ووسّعا التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين. كما قدمت مصر شكراً خاصاً لإسرائيل على المساعدة التي قدمتها لها في صيف 2013 من أجل إقناع أوباما بعدم فرض عقوبات واسعة على القاهرة على الرغم من أن السيسي وجنرالاته قاموا بانقلاب عسكري ضد حكومة محمد مرسي المنتخَبة وحركة الإخوان المسلمين.
- بينت يفتتح العلاقات مع مصر بصورة إيجابية. اللقاء العلني يخدم أيضاً مصالح السيسي في التوقيت الحالي. تسعى مصر لترسيخ مكانتها كوسيط من أجل التوصل إلى تسوية بعيدة الأمد بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة، وربما تريد أيضاً أن تكون هي مَن يطلق مبادرة سياسية على صعيد القناة الفلسطينية-الإسرائيلية. في الخلفية توجد العلاقات المشحونة بين مصر والولايات المتحدة، وعدم ارتياح إدارة بايدن لانتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان. بالنسبة إلى الأميركيين، حكومة بينت-لبيد موجودة في الجانب الإيجابي من المعادلة. إبراز علاقات مصر الجيدة مع القدس يمكن أن يساعد الرئيس المصري مع واشنطن.
- ألقت أحداث أمنية بظلها على الزيارة. وبوحي من فرار الأسرى الأمنيين الفلسطينيين من سجن جلبوع، هناك عودة إلى مظاهر العنف والهجمات في المناطق. ففي تقاطع غوش عتسيون حاول فلسطيني طعن جندي إسرائيلي فأُطلقت عليه النار وجُرح واعتُقل. في القدس طعن فلسطيني يقيم بصورة غير قانونية بالخليل تلميذيْ مدرسة دينية في داخل محل بالقرب من المحطة المركزية.
- لكن الردود الإسرائيلية على إطلاق الصواريخ من غزة كان مدروساً ومضبوطاً نسبياً، وتراجعت الحكومة تدريجياً عن سياستها المعلنة بأنها سترد عسكرياً على أي بالون حارق يُطلق من القطاع. ضبط النفس مرتبط بالاتصالات بمصر. يجب على إسرائيل أولاً أن تثبت للسيسي أنها تعطي مساعي وساطته فرصة. وإذا استُنفدَت ولم تؤد إلى وقف إطلاق نار أكثر ثباتاً، من المحتمل حينئذ حدوث تصعيد إضافي.
- على ما يبدو المسؤول عن إطلاق الصواريخ فصائل فلسطينية مختلفة، بينها الجهاد الإسلامي، لكن من المعقول أن تكون الأمور جرت بموافقة "حماس"، إن لم يكن بتشجيع منها. فالحركة غير راضية عن التسوية التي فرضتها إسرائيل، أي إدخال ثلث الهبة القطرية الشهرية من دون دفع رواتب الموظفين في "حماس".
- ما دامت مشكلة الثلث الأخير الذي يوازي 10 ملايين دولار لم تُحل، من المتوقع تساقُط متقطع للصواريخ. تريد "حماس" أيضاً التسريع في عمليات إعادة إعمار القطاع من خلال الالتفاف على المطلب الإسرائيلي حل مشكلة الأسرى والمفقودين. الفجوات بين الطرفين بشأن الصفقة لا تزال أكبر من أن تُحَل في وقت قريب.
- التصلب الذي تُظهره "حماس"، بالإضافة إلى تجدُّد إطلاق الصواريخ بعد نحو 4 أشهر من عملية "حارس الأسوار"، يزيدان في التوقعات المتشائمة في الجانب الإسرائيلي. في أوساط بينت، وأيضاً في القيادة الأمنية، تُسمع أصوات تتوقع تصعيداً جديداً في القطاع في الفترة المقبلة. من المعقول الافتراض أنه ستُبذل قبل ذلك مساعي وساطة مصرية من أجل تهدئة الأجواء.
السباق الروسي - الإيراني على إعادة البناء
- في نهاية سنة 2017 تراجعت حدة القتال في سورية واستقر ميزان القوى، وفي المقابل بدأت مساعي بناء القوة العسكرية برعاية روسية. تسارعت العملية في آذار/مارس 2020 مع التوصل إلى وقف إطلاق النار مع المتمردين في إدلب - وهو ما سمح بتحويل الاهتمام من القتال إلى إعادة البناء. منذ ذلك الوقت برز سباق إيراني- روسي على النفوذ وعلى بناء الجيش السوري وطريقة تشغيله. عملياً، لروسيا تأثير كبير في خطوات البناء العسكري والتشغيل على المستوى الاستراتيجي والعملاني. مع بداية التدخل في سنة 2015 أنشأت روسيا قيادة متعددة الأذرع ومركزاً لعمليات مشتركة أدى إلى تهميش دور قيادة الأركان العامة السورية. التلميحات إلى ذلك أن روسيا هي التي حرصت على عدم تعيين رئيس أركان للجيش السوري منذ سنة 2018 حتى اليوم. بنية القيادة والتحكم التي أرستها روسيا في سورية تضمن تدخُّل ضباطها ومستشاريها تقريباً في كل مراتب القتال في سورية، بما في ذلك تفعيل عقيدة استخدام الجيش السوري واستنفاد منظومات سلاحه في ساحة القتال.
- على الرغم من الأسبقية الروسية، تعمل إيران وحزب الله على التأثير في بناء الجيش، في الأساس من خلال التوصل إلى نشر قدرات هجومية مضادة في سورية - صواريخ أرض- أرض ومسيّرات هجومية؛ وقتال مشترك لميليشيات شيعية تحت قيادة إيرانية مع وحدات من الجيش السوري؛ وتدخّل إيران في بناء وتأهيل وتشغيل قوات خاصة في الجيش السوري - بينها الفرقة الرابعة بقيادة شقيق الرئيس ماهر الأسد، ووحدات أمن داخلي وميليشيات شبه عسكرية، محلية ووطنية موالية للنظام. يُعتبر الفيلق الأول في الجيش السوري المسؤول عن منطقة جنوب - غرب سورية والجبهة في مواجهة إسرائيل هدفاً مركزياً لتدخّل إيران وحزب الله في الجيش السوري - من خلال ضم مستشارين وضباط اتصال في قيادة الفيلق على مختلف الصعد (عملانية، استخباراتية، لوجستية، الهندسة، المراقبة، المدفعية)، والقيام بتأهيل الجنود وقادة الفيلق، بما في ذلك في مجال تطوير القدرة على جمع معلومات استخباراتية وتطوير القوة النارية (المدفعية والراجمات)، واستغلال ظروف الحياة البائسة في جنوب سورية من أجل تجنيد قوة مقاتلة. بالإضافة إلى ذلك يسمح النظام لحزب الله ببناء بنية تحتية إرهابية ومشاريع طويلة الأجل في منطقة سيطرة الفيلق، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الجيش السوري والحزب.
- تبرز ملامح السباق الروسي - الإيراني على النفوذ في تعيين القادة الرفيعي المستوى في الجيش السوري، على سبيل المثال، إقالة قائد سلاح الجو السوري المقرّب من الإيرانيين من منصبه في آذار/مارس هذا العام بطلب روسي، وتعيين القائد السابق المقرب من الروس مكانه منذ شهر؛ وكذلك من خلال التعبير عن استياء روسي إزاء تأثير إيران ووكلائها في الجيش السوري في جنوب سورية. يبدو أن النفوذ الإيراني يتقلص في الأساس لينحصر في المجالات التي لدى طهران مصلحة واضحة فيها لمواجهة إسرائيل، وهو محدود بسبب عدم وجود موارد كافية أو بسبب الكبح الروسي.
معايير البناء والترميم - تغيّر التهديد المرجعي وطبيعة القتال
- في سابقة فريدة في نوعها، التهديد المرجعي المركزي في بناء الجيش السوري وترميمه هو داخلي، وعلى رأسه الحاجة إلى إخضاع قوات المتمردين - التي تصنَّف كمجموعات إرهابية إسلامية متطرفة - ومنع عودة نمو البنى التحتية الإرهابية. في الماضي كان التهديد المرجعي المركزي هو التهديد العسكري الإسرائيلي.
- يتمركز بناء القوة حالياً على تشكيل وتأهيل وحدات مقاتلة لتحقيق السيطرة على أراضي الدولة والدفاع عنها، وقدرة عالية على الحركة للقوات لقمع التمرد والسيطرة مجدداً على الأراضي، بمشاركة ميليشيات مستقلة وشبه عسكرية.
- البناء والتنظيم - بتوجيه روسي، ومن أجل توسيع نطاق القيادة والتحكم، يجري اليوم تحويل موارد مركزية إلى وحدات الجيش السوري والأجهزة الأمنية المتعددة، وإعادة حصرية استخدام القوة إلى يد الجيش. وذلك من خلال دمج ميليشيات ووحدات المتمردين الذين استسلموا في الجيش السوري. في المرحلة الحالية الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، والمتورطة في الحرب الأهلية إلى جانب نظام الأسد منذ سنة 2012، لا تزال تعمل من دون الخضوع لقيادة الجيش السوري. أحياناً لا يوجد تنسيق عملاني بين الميليشيات الشيعية التي تعمل بصورة مستقلة ومنفصلة عن أي خطة قتالية أو تكتيكية للجيش السوري - هذا النموذج أدى إلى حدوث احتكاكات بقوات الأسد أكثر من مرة. على الرغم من الخطة الروسية لدمج مجموعات المتمردين السابقين في الجيش من أجل ترسيخ سيطرة النظام على المناطق التي احتلها وتقليص خطر التمرد من جديد، لكن تظهر في أحيان كثيرة عداوات بين المتمردين السابقين وبين قادة الجيش. في الوقت عينه تُطرح مسألة الولاء وعلاقات القوة بين الجيش والميليشيات الخاضعة للنفوذ الإيراني - كما يظهر في النموذج العراقي، إذ يبدو الجيش العراقي ضعيفاً مقارنة بالميليشيات.
- القوة البشرية - بدءاً من نهاية سنة 2018 جرى التشديد على تجنيد مقاتلين وضباط في الجيش، بحيث لا يقل عدد المقاتلين في كل لواء عن 11 ألف مقاتل، مع التشديد على عدد المقاتلين وليس على نوعيتهم. بعد "فوزه" في الانتخابات، قرر الأسد القيام بتغييرات في الجيش شملت تعيينات جديدة في نحو 20 منصباً رفيع المستوى في الجيش، جزء منهم ضباط عُينوا قبل أشهر معدودة. من هنا تأتي الدعاية أن روسيا هي التي تقف وراء التعيينات الجديدة في الجيش والأجهزة الأمنية من أجل الدفع قدماً بضباط علويين يكونون بارعين وموالين لها وليس لإيران. فمن أصل 152 ضابطاً رفيع المستوى في الجيش السوري يوجد اليوم 124 من الطائفة العلوية، أي نحو 82%، في مقابل 22 ضابطاً سنياً يشكلون 14% فقط، من المعقول الافتراض أن هذه الشخصيات التي اختارتها روسيا هي التي ستقود المعركة العسكرية المقبلة، سواء داخل سورية أو في مواجهة تهديدات خارجية.
- التدريبات - ثمة تشديد إضافي على استعادة وتيرة التدريبات من أجل رفع الكفاءة العملانية. من هذه الزاوية أيضاً الأسبقية هي لروسيا التي تعمل على استئناف التدريبات الأساسية على مستوى القسم والكتيبة. إيران أيضاً وبواسطة حزب الله تدرب قادة ومقاتلي القوات القتالية، لكن بصورة محدودة وأقل منهجية مع التركيز على جنوب سورية القريب من الحدود مع إسرائيل.
- بناء قدرات دفاع جوية - روسيا تساعد الجيش السوري على استئناف بناء منظومة دفاع جوية من خلال مزج وتشغيل منظومات سلاح وصواريخ أرض - أرض متطورة، وذات قدرة على اعتراض عمليات قصف موجهة عن بعد. مع ذلك، امتنعت روسيا من إعطاء قوات الدفاع الجوي السورية بطاريات صواريخ أرض - جو من طراز 300 و400 أس، التي تشكل خطراً على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، خوفاً من التصعيد، ومن كشف ضعف هذه المنظومات. أيضاً إيران من جهتها أعلنت في الماضي نقل منظومات دفاع متطورة إلى سورية: صواريخ أرض - أرض من طراز Bavar 373- منظومة صواريخ أرض- جو بعيدة المدى (250 كيلومتراً)، التي تشكل نسخة إيرانية من منظومة أس 300 الروسية: منظومة خرداد – صواريخ أرض-جو متوسطة المدى (50-75 كيلومتراً).
- بناء قوة هجومية مضادة - القدرات السورية على إنتاج وتركيب صواريخ أرض- أرض تضررت خلال الحرب، وأيضاً بسبب الهجمات الإسرائيلية على منشآت الإنتاج والتركيب، وخصوصاً تلك التي أقيمت بالتعاون مع إيران، بينما يجري اليوم التشديد على السلاح الصاروخي. توظف إيران وسورية جهداً مشتركاً موازياً في تركيب صواريخ أرض – أرض ذات أبعاد مختلفة، وتحسين دقة الصواريخ، في الأساس من أجل تهديد الجبهة الخلفية الاستراتيجية لإسرائيل. ولقد نشرت إيران في سورية منظومات من الطائرات من دون طيار، ليس من الواضح ما إذا نُقلت إلى الجيش السوري، أم سيستخدمها وكلاء إيران عند حدوث مواجهة.
- قدرة هجومية بسلاح كيميائي - تدل سلسلة تقارير صادرة عن الأمم المتحدة وعن جهات في الإدارة الأميركية خلال السنة الماضية على أن سورية تعمل على تجديد ترسانتها الكيميائية، في الأساس غاز الكلورين والسارين، وبمساعدة إيرانية؛ كذلك تعمل على ترميم قدرتها على الإنتاج في داخل سورية نفسها. يحدث ذلك على الرغم من تعهّدها في سنة 2013 التخلص من سلاحها الكيميائي. تتجمع الأدلة على ذلك لدى منظمات استخباراتية ومنظمات مراقبة السلاح التي تدّعي أن سورية تواصل الاحتفاظ بسلاح كيميائي وقد استخدمته في هجماتها على مدنيين خلال سنوات الحرب. هذه القدرات الاستراتيجية للجيش السوري ستكون موجهة كما في الماضي نحو الداخل، ومن المفترض أن تشكل سلاحاً رادعاً في مواجهة إسرائيل.
- العقيدة القتالية - تسعى روسيا لتطبيق عقيدة قتالية على وحدات برية متحركة وعالية النوعية وتحويلها إلى قوة تدخّل سريع تسمح بحركة كبيرة وهجوم واحتلال سريع للأرض. والمقصود استراتيجيا أكثر ملاءمة لاحتلال مناطق داخلية في مواجهة المتمردين وأقل ملاءمة لهجوم استباقي في مواجهة إسرائيل.
فعالية عملانية محدودة
- على الرغم من توجيه جهود إعادة بناء الجيش السوري في الأعوام الأخيرة وجعله ملائماً لمواجهة التحديات الحالية، فإن القدرة القتالية لقوات النظام لا تزال محدودة، وكذلك الفعالية العملانية في مواجهة تهديدات داخلية وخارجية بسبب سلسلة التحديات التي يواجهها: إن تعدد عناصر القوة في سورية وتنافسها فيما بينها، وعلى رأسها الميليشيات التي تعمل بصورة مستقلة والوحدات التي تدين بالولاء لروسيا أو إيران، يجعل من الصعب جعل حصرية استخدام السلاح في يد الجيش؛ أزمة اقتصادية حادة تتسبب بفقدان الموارد؛ فساد الجيش كما سائر الأجهزة الأمنية؛ عدم وجود قدرة بشرية نوعية ذات حوافز؛ قدرة تجنيد منخفضة؛ استمرار القتال الداخلي في سورية الذي يستنفد الموارد والاهتمام؛ بالإضافة إلى المعركة الإسرائيلية المستمرة ضد التمركز الإيراني في سورية.
- يشكل الاقتتال الداخلي اليوم في سورية دليلاً على الصعوبات التي يواجهها الجيش السوري: فشل كل المحاولات للسيطرة، أو لتقليص منطقة سيطرة المتمردين في إدلب؛ وفي شرق سورية، حيث المنطقة التي تشمل الأرصدة الاستراتيجية للنظام- حقول النفط والحدود مع العراق- الجيش السوري يراوح مكانه ويواجه صعوبة في إثبات فعاليته على الأرض؛ أيضاً في جنوب سورية، لدى تجدد القتال في نهاية تموز/يوليو 2021 في درعا البلد، فشلت محاولات الجيش السوري في استعادة سيطرته على المنطقة وجمع السلاح من تنظيمات المتمردين.
تداعيات على إسرائيل- تحديات في المنطقة، وفرص على الأرض
- الجيش السوري يشكل صورة طبق الأصل للنظام- صلاحيات وقوة متزعزعة، واعتماد على روسيا وإيران. بناء قدرات مدرعة مهمتها احتلال مناطق في مواجهة جيوش نظامية، مثل الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان- تراجعت من حيث الأولوية. على المستوى الهجومي، يعتمد الجيش السوري اعتماداً كبيراً على إيران وحزب الله، في الأساس من ناحية نقل وتركيب وسائل هجومية، مثل السلاح الصاروخي ومسيّرات هجومية تحسّن قدرة إيران على ضرب معظم أراضي إسرائيل من سورية. يتعين على إسرائيل أن تكون منتبهة أيضاً إلى القدرات الكيميائية التي يعمل نظام الأسد على ترميمها بمساعدة إيرانية، انطلاقاً من الإدراك أن هذا السلاح الاستراتيجي يمكن أن يوجَّه ضدها أيضاً.
- مع ذلك، فإن التحدي العسكري الأساسي الذي يشكله الجيش السوري اليوم للجيش الإسرائيلي هو قدرته الدفاعية الجوية التي تعتمد على قدرات روسية يشغّلها مستشارون عسكريون روس. لذلك يجب على إسرائيل الاستمرار في الضغط سياسياً على روسيا لمنع إعطائها الجيش السوري بطاريات صواريخ أرض - جو متطورة، وإذا وُضعت هذه المنظومات في استخدام الدفاع الجوي السوري يجب مهاجمتها قبل أن تشكل تهديداً لسلاح الجو الإسرائيلي. كما يتعين على إسرائيل تدمير بطاريات الدفاع الجوي الإيراني لمنع انتقالها ذات يوم إلى الجيش السوري أو نشرها في داخل سورية.
- يجب استخدام وسائل مختلفة ضد تمركُز إيران وحزب الله في جنوب سورية، والذي يجري بالمشاركة والتنسيق مع الجيش والنظام. من المعقول أن توجَّه هذه القوة إلى مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية عندما يحين الوقت. بالإضافة إلى المعركة المستمرة ضد التمركز العسكري لإيران وحزب الله في سورية، يجب على إسرائيل التعاون من أجل الدفع قدماً بالتعاون مع السكان المحليين المعارضين للوجود الشيعي في المنطقة، والذين يمكن أن يقفوا ضد مساعي التمركز الإيراني.