مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي إن إسرائيل لن تتقبل أي انتهاك لسيادتها، وأكد أنه في حال استمرار تدهور الأوضاع في المنطقة الجنوبية فإن حركة "حماس" وقطاع غزة سيدفعان ثمناً باهظاً.
وجاءت أقوال كوخافي هذه في سياق كلمة بشأن التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل ألقاها خلال مراسم تخريج دفعة جديدة من ضباط سلاح البحر أقيمت مساء أمس (الأحد) وتطرق فيها إلى التصعيد الأمني في قطاع غزة، والذي انعكس من خلال إطلاق قذائف من القطاع لليوم الثالث على التوالي في اتجاه إسرائيل وإطلاق بالونات حارقة.
وأضاف كوخافي أن الجيش الإسرائيلي يقف أمام تحديات أمنية كثيرة وعلى رأسها الساحة الإيرانية فقال: "إننا نقف كعازل بين الشعب وأعدائنا في ستة ميادين وأهمها إيران، وخلال الأسابيع الأخيرة تفاقم التحدي في الساحة الفلسطينية. إن الجيش الإسرائيلي يعمل ليلاً نهاراً للحفاظ على الأمن في كل الميادين، وخصوصاً في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]".
كما تطرّق كوخافي إلى حادث هروب الأسرى الأمنيين الفلسطينيين من سجن جلبوع والمطاردة الأمنية الجارية لاعتقال الأسيرين اللذين لم يتم القبض عليهما، فقال: "في الأسبوع الأخير عمل الجيش الإسرائيلي لإلقاء القبض على الأسرى وهو يتعاون مع الشرطة وسلطات السجون. إنها مسألة وقت حتى تصل الأجهزة الأمنية إلى آخر واحد فيهم".
قال وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس إن إيران تقوم باستخدام قاعدة كاشان التي تقع شمالي مدينة أصفهان لتدريب عناصر إرهابية على التحكم في قيادة طائرات مسيّرة من دون طيار، وأشار إلى أن إحدى أبرز المنظومات التي طورتها إيران في الآونة الأخيرة هي منظومة الطائرات الموجهة عن بُعد.
وأضاف غانتس في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر "معهد سياسات مكافحة الإرهاب" في جامعة رايخمان في هيرتسليا [مركز هيرتسليا المتعدد المجالات سابقاً] أمس (الأحد): "يمتلك الحوثيون في اليمن عشرات الطائرات المتقدمة من دون طيار التي استخدمت في الأسابيع الأخيرة لمهاجمة السعودية. وفي العراق تحتفظ الميليشيات بعشرات الطائرات المسيّرة التي تم إطلاقها بالفعل ضد القوات الأميركية وغيرها في المنطقة. وفي لبنان هناك محاولات متواصلة لتهريب طائرات متقدمة من دون طيار إلى حزب الله. وفي الآونة الأخيرة بدأ الإيرانيون بنقل المعرفة عن إنتاج الطائرات من دون طيار إلى حركتيْ ’حماس’ والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين".
وتطرّق غانتس إلى موضوع تقدُّم إيران في برنامجها النووي، فقال إنها باتت أقرب من أي وقت مضى إلى كمية اليورانيوم المخصب التي ستجعلها دولة على عتبة التسلح النووي. ودعا الدول التي لا تزال عضواً في الاتفاق النووي إلى فرض عقوبات دائمة، مؤكداً أن الوقت الحالي هو الأمثل للشروع في تحركات ملموسة تجاه ما وصفه بأنه التهديد الأكبر على العالم.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد في تصريحات أدلى بها الأسبوع الفائت أن الولايات المتحدة تقترب أكثر فأكثر من التخلي عن الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. ويُعدّ هذا التصريح أحد أكثر التصريحات تشاؤماً، التي يدلى بها مسؤول أميركي حتى الآن فيما يتعلق بجهود العودة إلى الاتفاق النووي الذي وصل إلى طريق مسدود في الأشهر الأخيرة.
واصلت الأجهزة الأمنية في إسرائيل أمس (الأحد) عمليات البحث عن الأسيرين الأمنيين اللذين لا يزالان فارَّين، وذلك بعد إلقاء القبض على أربعة من الأسرى الستة الفارّين يوم الجمعة الفائت.
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى إن التقديرات السائدة تشير إلى أن أحد الأسيرين يختبئ في مناطق الضفة الغربية.
كما أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية مساء أمس بدء عملية مسح هندسي لجميع مرافق الاعتقال في إسرائيل.
من ناحية أُخرى مددت محكمة الصلح في الناصرة أمس اعتقال الأسرى الأربعة الذين تم القبض عليهم بتسعة أيام. ويجري التحقيق معهم بشبهة محاولة الفرار من سجن وهم رهن الاعتقال بالإضافة إلى تدبير مؤامرة لتنفيذ جريمة والعضوية في تنظيم إرهابي وتقديم خدمات ووسائل لازمة لتنفيذ عمليات عدائية. والأسرى هم زكريا الزبيدي القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى- الجناح العسكري لحركة "فتح"، والشقيقان محمود ومحمد عارضة ويعقوب قادري الذين ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي. ومثَل الأسرى الأربعة وهم مكبّلو الأيدي والأرجل. وكان الزبيدي آخر مَن أُحضر إلى قاعة المحكمة. وحاول حراس مصلحة السجون لحظة دخوله إلى قاعة المحكمة إخفاءه عن الكاميرات بذريعة أنه قام باستفزازات على الرغم من أنه مقيّد اليدين، غير أن محامي الدفاع عنه أفيغدور فيلدمان ادعى أنهم في الواقع أرادوا إخفاء حقيقة أنه تعرّض للضرب، وطلب المحامي من القاضي السماح بعرض الزبيدي على طبيب.
وقال فيلدمان إن البنود الأمنية تم إدخالها في القضية فقط من أجل تمكين التعامل معها على أنها قضية أمنية، وبالتالي منع المشتبه بهم من لقاء محاميهم، وأكد أن الهروب من السجن ليس عملاً أمنياً.
وجرت أمام مبنى المحكمة تظاهرة تأييد للأسرى رفع المشتركون فيها الأعلام الفلسطينية وشعارات تطالب بحرية الأسرى الفلسطينيين.
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ تمكنت مساء أمس (الأحد) من إسقاط صاروخ أُطلق من قطاع غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية.
وأضاف البيان أن هذا هو اليوم الثالث على التوالي الذي يتم فيه إطلاق صواريخ من القطاع في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، حيث أُطلقت أول أمس (السبت) ومساء يوم الجمعة عدة صواريخ في اتجاه بلدة سديروت المجاورة للقطاع اعترضتها منظومة "القبة الحديدية".
وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي شنّ الليلة قبل الماضية غارات على أهداف تابعة لحركة "حماس" في قطاع غزة رداً على إطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية، وبين الأهداف التي قُصفت مجمع عسكري لإنتاج الصواريخ، ومنشأة تدريب، ومخزن أسلحة، ونفق.
وفي الليلة بين يومي الجمعة والسبت شنّ الجيش الإسرائيلي غارات على قطاع غزة رداً على إطلاق صاروخ مساء الجمعة بعد نحو ساعة من اعتقال أول أسيرين من الأسرى الفلسطينيين الستة الذين هربوا من سجن جلبوع.
طرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد خطة سياسية اقتصادية لتحسين الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة في مقابل السلام والأمن لإسرائيل أطلق عليها اسم "الاقتصاد في مقابل الأمن".
وجاء طرح هذه الخطة خلال قيام لبيد بإلقاء كلمة أمام مؤتمر "معهد سياسات مكافحة الإرهاب" في جامعة رايخمان [مركز هيرتسليا المتعدد المجالات سابقاً] مساء أمس (الأحد)، وبموجبها ستعمل إسرائيل على تحسين الاقتصاد في قطاع غزة في مقابل سلام طويل الأمد من جانب حركة "حماس".
وأوضح لبيد أن هذه العملية طويلة وتستغرق عدة أعوام، وأشار إلى أن خطته مقسمة إلى مرحلتين: الأولى تشمل إعادة إعمار إنسانية متطورة لقطاع غزة في مقابل التخلي عن التعزيزات العسكرية لحركة "حماس". وقال إن "غزة ستحصل على إعادة تأهيل لنظام الكهرباء وتوصيل الغاز وبناء مرافق تحلية المياه وتحسين كبير في الخدمات الصحية وإعادة تأهيل البنية التحتية السكنية والمواصلات، وفي المقابل ستلتزم ’حماس’ بسلام طويل الأمد مع إسرائيل". وتشمل المرحلة الثانية خطة منظمة واسعة النطاق للتنمية الاقتصادية في قطاع غزة ستوضح كيف يمكن أن يكون شكل غزة في المستقبل إذا ما قبلت "حماس" شروط الخطة.
وأكد لبيد أنه يؤيد حل الدولتين للنزاع مع الفلسطينيين، لكن على الرغم من ذلك فإن خطته ليست جزءاً من هذا الحل، مشيراً إلى أن الظروف السياسية الحالية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية لا تسمح بإحراز أي تقدم في الموضوع السياسي، لكن في غزة يمكن ويجب العمل الآن من أجل مستقبل أفضل.
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية إن أحد أفراد الشرطة أطلق النار على فلسطيني حاول القيام بعملية طعن بالقرب من باب المجلس في البلدة القديمة في القدس بعد ظهر أول أمس (الجمعة).
وأضاف البيان أن الفلسطيني وصل إلى باب المجلس وحاول طعن رجال شرطة فتم إطلاق النار عليه وقتله، بينما أصيب أحد رجال الشرطة بجروح طفيفة بشظايا إطلاق النار.
وأشار البيان إلى أن الشرطة الإسرائيلية قامت على الفور بإغلاق أبواب المسجد الأقصى والبلدة القديمة ونشرت قوات كبيرة في المكان.
وقالت مصادر فلسطينية إن القتيل هو حازم جولاني (51 عاماً)، وهو طبيب من بلدة شعفاط في القدس الشرقية.
- إن "يوم الغفران" [أحد الأعياد العبرية وهو يوم مقدس عند اليهود مخصص للصلاة والصيام فقط. كما أنه اليوم المتمم لأيام التوبة العشرة التي تبدأ بيومي رأس السنة. وهذا اليوم، بحسب التراث اليهودي، هو الفرصة الأخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية. ويصادف، هذا العام، يوم الخميس 16 أيلول/سبتمبر الحالي] هو موعد جيد لإجراء حساب صادق للذات، ليس على الصعيد الشخصي فقط، بل على الصعيد الجماعي أيضاً. طوال أعوام عديدة ظل النقاش بشأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني محكوماً بحل الدولتين. في عهد بنيامين نتنياهو تخلت إسرائيل عن هذا الحل، وبعد انتهاء هذا العهد - يجدر بنا أن نُجري حساباً للذات، وأن نسأل أنفسنا بصدق: إلى أين المسير من هنا؟ إذا لم يكن الحل دولتين لشعبين، فما هي الرؤية البديلة التي تطرحها إسرائيل إذاً؟ عندما نتخيل المستقبل، ماذا نرى هناك بالضبط؟
- تعالوا نفترض أن السيناريو الإسرائيلي الأكثر تفاؤلاً هو الذي سيتحقق، وأن إسرائيل ستنجح في تحقيق رؤيتها كاملة. كيف سيبدو الأمر؟ في مثل هذه الحالة، كما في سياستنا في مجال الأسلحة النووية، سيختار معظم الإسرائيليين إبقاء الأمور رهن الغموض. ولكن، عند العيش في إسرائيل بأذنين مصغيتين وعينين مفتوحتين، تبدو الرؤية البديلة واضحة وضوح شمسنا الشرق الأوسطية.
- باختصار، انتقلت القوى الحاكمة في إسرائيل من حل الدولتين إلى حل الطبقات الثلاث. فهي ترى، في مخيلتها، دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن يعيش فيها ثلاثة أنواع من البشر: اليهود، الذين سيتمتعون بكامل الحقوق؛ العرب من الصنف أ (الدرجة الأولى)، الذين سيتمتعون بجزء من الحقوق؛ والعرب من الصنف ب (الدرجة الثانية)، الذين لن يتمتعوا بأي من الحقوق، تقريباً. هذا هو الواقع القائم اليوم فعلياً، وإذا ما أردنا الحكم وفقاً لنتائج التصويت في صناديق الاقتراع، فيبدو أن أغلبية اليهود في إسرائيل تفضل استمرار هذا الوضع، كما هو عليه الآن، إلى الأبد.
- الشيطان في المصباح: حل الطبقات الثلاث ليس جديداً، إذ تطبقه إسرائيل منذ عشرات الأعوام بطريقة تدريجية، خطوة تلو أُخرى. لكن إسرائيل تنكر نياتها حتى الآن. المعاملة المختلفة التي تعتمدها تجاه اليهود، تجاه العرب مواطني إسرائيل وتجاه العرب غير المواطنين، يجري تبريرها بالادعاء أن هذا الوضع موقت تفرضه حاجات دولة إسرائيل الأمنية. واليوم أيضاً، حين يلقي ممثلون إسرائيليون خطابات علنية - في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على سبيل المثال - لا يجرؤون على الحديث صراحة عن حل الطبقات الثلاث باعتباره حلاً دائماً وثابتاً، لأن لهذا الحديث رائحة غير مرغوب فيها.
- بدلاً من ذلك، يتحدث ممثلو إسرائيل مطولاً عن التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل، أو يشرحون كيف أنه على الرغم من كون الحيز الممتد ما بين البحر ونهر الأردن هو ملك لإسرائيل، كله، إلاّ أنها لن تمنح سكان نابلس أو بيت لحم حق التصويت، لأنهم ينتمون إلى كائن عجيب يدعى "السلطة الفلسطينية". إنه كائن فريد من نوعه أشبه بمصباح علاء الدين.
- هذا الكائن حبيسٌ داخل مصباح صغير معظم الوقت، ولا يعيق شيئاً مما نرغب في تنفيذه. فإسرائيل هي المسيطرة على الأغلبية الساحقة من الأراضي ومصادر المياه، وعلى الحيز الجوي والرقمي، بالكامل، في الضفة الغربية. وإسرائيل تتدخل أيضاً، من دون توقف، في كل تفاصيل حياة السكان الفلسطينيين اليومية وتقرر، مثلاً، المدة الزمنية التي يستغرقها السفر من نابلس إلى بيت لحم، وما إذا كان بإمكان عائلة خليلية المغادرة للمشاركة في حفل زفاف قريب لها في الأردن. قلّبوا صفحات هذه الصحيفة وانتقلوا إلى الصفحة الأخيرة منها، ثم انظروا في الزاوية اليسرى من الأعلى. ستجدون هناك خريطة الأحوال الجوية المتوقعة. كل الحيز الواقع ما بين البحر ونهر الأردن - بما في ذلك قطاع غزة أيضاً - مصبوغ بلون واحد. لن تعثروا على السلطة الفلسطينية، ولا حتى بواسطة عدسة تكبير.
- ولكن، عندما نرغب في التنصل من المسؤولية - عن تطعيم السكان الفلسطينيين ضد فيروس كورونا مثلاً - لسنا في حاجة سوى إلى فرك المصباح فقط. فجأة يظهر هذا الكائن بكامل هيبته ويُسقط عنّا أية مسؤولية. "تطعيم سكان نابلس وبيت لحم؟ ما هي علاقتنا بهم؟ نابلس وبيت لحم ليستا تابعتين لنا أصلاً، وإنما للسلطة الفلسطينية".
- لكن ربما كان بإمكاننا أن نكون أكثر صراحة ووضوحاً في "يوم الغفران" بالذات، حين يخلو كل شخص بنفسه وحيداً، أو برفقة مجموعة من الأصدقاء الذين يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم. ألا يمكننا الاعتراف بأننا نسير نحو حل الطبقات الثلاث؟ أي نحو دولة واحدة يعاني مليونان من مواطنيها التمييز في التعليم، وفي السكن، وفي الخدمات الشُرَطية، بينما ملايين أُخرى من سكانها لا تتمتع حتى بحق التصويت في الانتخابات؟ دولة واحدة فيها ثلاثة أنواع من الناس. دولة واحدة فيها نوع واحد من الناس متمتع بأفضلية في الأمن الشخصي، وفي الحركة والتنقل، وفي العمل، وفي كل شيء.
- ثمة أشخاص يذكّرهم هذا بنماذج مختلفة من التاريخ. هذا ليس ذا صلة أو أهمية. ليس ثمة حالتان متطابقتان في التاريخ، وفي اللحظة التي تُجرى فيها مقارنات تاريخية تبدأ على الفور جدالات فيما إذا كانت الأمور متشابهة أو غير متشابهة، وإلى أي حد متشابهة، بينما يُنسى الأمر الأساس ـ ما يحدث هنا والآن. عن هذا يجب أن يدور الحديث.
- خَوَنة: القاعدة الأولى الخاصة بحل الطبقات الثلاث هي أنه محظورٌ الحديث عن حل الطبقات الثلاث. ليس في العلن، على الأقل. محظور الحديث عنه في العلن لأنه من الواضح تماماً أنه ليس حلاً عادلاً. إنه نابع من منظور إلى العالم يضع فوق العدالة مبدأ آخر هو: الولاء القبلي. المؤمنون بمبدأ الولاء القبلي يعتقدون أن مجرد المطالبة بالعدل لمن هم ليسوا أبناء القبيلة هي بمثابة خيانة.
- بينما يُحَرَّم الحديث العلني عن حل الطبقات الثلاث، تُرمى كلمة "خائن" في الفضاء، صبح مساء. "الخائن" في الأصل هو مَن يشي بأسرار عسكرية لدولة معادية. على سبيل المثال ماركوس كلينغبرغ الذي سرّب إلى السوفيات معلومات عن برنامج الأسلحة البيولوجية الإسرائيلي. أما اليوم، فـ"الخائن" في عُرف إسرائيليين كثيرين هو كل مَن يعتقد أن العدالة تكون، أحياناً، أكثر أهمية من الولاء للقبيلة اليهودية. المعارضون لحل الطبقات الثلاث، باسم العدالة، حصلوا على ترقية من مجرد كونهم "ذوي النفوس الجميلة" إلى "خوَنة"، حتى لو كانوا يحملون رتبة جنرال في الجيش.
- فكِّروا، مثلاً، في الموقف من المحكمة العليا التي تُتَّهَم هي أيضاً بالخيانة، أحياناً كثيرة. المشكلة التي تقف بين كثيرين من الإسرائيليين والمحكمة العليا لا تنبع من قرار حُكم قضائي عينيّ أو من هوية هذه القاضية أو تلك، وإنما من هوية المحكمة العليا ذاتها - كونها "محكمة العدل العليا"، وليس "محكمة الولاء العليا". فعلياً، لم تُجهض المحكمة العليا حتى اليوم أياً من الإجراءات أو الخطوات الأساسية التي تقودنا نحو حل الطبقات الثلاث، غير أن المعنيين بهذا الحل يتخوفون من احتمال أن تحاول هذه المحكمة في يوم من الأيام، ربما، معارضة هذا الحل باسم العدل ذاته. لذلك، هم يفضلون تصفية "محكمة العدل العليا" مسبقاً، لأنهم لا يريدون في الدولة مؤسسةً تضع العدل فوق الولاء.
- يمكن فهم مَن يضعون الولاء فوق العدالة. ثمة ملايين السنين من التطور خلفهم. كل المخلوقات الاجتماعية - من النمل حتى الشمبانزي - تقدس الولاء للجماعة. صحيح أن الشمبانزي يعرف ما هو العدل، لكنه يأتي في نظرهم بعد الولاء، دائماً. في النزاع بين عضوين من السرب نفسه، يقف الشمبانزي إلى جانب الحق والعدل. أمّا في نزاع بين عضو من السرب وشمبانزي آخر غريب، فإن الشمبانزي يفضل القريب دائماً، حتى لو كان واضحاً تماماً أن الحق مع الطرف الآخر. هكذا يتصرف بنو البشر أيضاً في حالات عديدة، كما في الصراعات بين عصابات إجرام، أو في منافسات، و/أو خصومات بين فرق رياضية (عندما سجل مارادونا الهدف بيده، لم يحتج مشجعو الأرجنتين على غياب العدل، بل ادّعوا أنها كانت "يداً إلهية").
- إن الحساب هنا واضح تماماً. في العديد جداً من الحالات، إذا ما فضّلتُ العدل على الولاء للقبيلة فسيعود هذا بالضرر على مصالحي، بل قد يعرّض حياتي للخطر. لكن لهذا السبب بالذات يطلقون على تفضيل العدل اسم "الأخلاق"، وليس "المصلحة". الأخلاق حاضرة في تلك الحالات التي تشد فيها المصالح في اتجاه ما، بينما تشد العدالة في اتجاه آخر. ما من شك في أن التصرف بطريقة أخلاقية هو أكثر صعوبة من التصرف بطريقة مصلحية. وهذا هو السبب، على ما يبدو، في أن الديانة اليهودية قد حددت يوماً خاصاً في كل سنة لكي نسأل أنفسنا: "هل نتصرف بطريقة أخلاقية كافية؟". لسنا في حاجة إلى يوم خاص كي نسأل أنفسنا "هل نتصرف بطريقة مصلحية كافية؟"، لأننا نسأل أنفسنا هذا السؤال كل الوقت، دائماً.
- في "يوم الغفران" القريب، إذاً، وقبل أن نردد "أذنبنا، خُنّا، سَرَقنا"، يجدر بنا أن نسأل أنفسنا: ما هي المبادئ الأخلاقية التي نعرّف بموجبها الذنب والخيانة والسرقة أصلاً؟ هل نعتقد أن اليهود هم أشخاص علويون بطبيعتهم ويحق لهم التمتع بحقوق وامتيازات خاصة؟ هل نعتقد أن العدالة أكثر أهمية من الولاء القبلي أحياناً، أم أن الولاء للقبيلة هو المتقدم على العدالة دائماً؟ وعلى الرغم من ذلك هل ثمة طريقة للتجسير بين المطالبة القيمية بالعدالة والمطالبة القبلية بالولاء، من دون الحاجة إلى الاختيار بينهما، ومن دون أن تُعتبر المطالبة بالعدالة خيانة؟