مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد إنه إذا لم يقتنع الإيرانيون بأن العالم جاد في إيقاف سعيهم لامتلاك أسلحة نووية فإنهم سيستمرون في السباق نحو صنع قنبلة نووية.
وأكد لبيد في تصريحات أدلى بها في إثر الاجتماع الذي عقده مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن الليلة قبل الماضية، أن إسرائيل تحتفظ بحقها في التصدي لإيران في أي لحظة وبكل طريقة.
وحذّر بلينكن، من ناحيته، الإيرانيين بأن الوقت آخذ في النفاد إزاء عودتهم إلى المسعى الدبلوماسي الرامي إلى إحياء الاتفاق النووي، وأكد أن الولايات المتحدة مستعدة أيضاً لدرس خيارات أُخرى، لكنه في الوقت عينه شدّد على أن واشنطن لا تزال تعتقد أن الخيار الدبلوماسي هو الأفضل لمواجهة التهديد الإيراني.
وفي سياق الزيارة التي يقوم بها لبيد إلى الولايات المتحدة، عُقد الليلة قبل الماضية أيضاً لقاء ثلاثي جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد.
وقال وزير الخارجية الأميركي عقب الاجتماع إن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في تقدُّم وازدهار مستمرَّين، وأكد أن واشنطن تدعم بشدة توطيد علاقات إسرائيل مع الإمارات والدول العربية في المنطقة، وتؤيد "اتفاقيات أبراهام" [لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية]، وتتطلع إلى توسيع نطاقها لتشمل دولاً أُخرى.
وأشار بلينكن إلى أنه ناقش مع وزيريْ الخارجية الإماراتي والإسرائيلي قضايا أمنية، في مقدمها إيران وسورية وأثيوبيا.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إن علاقة بلاده بالإمارات مبنية على الشراكة والصداقة ومكافحة العنف والإرهاب ونشر التسامح، مشيراً إلى أن إسرائيل والإمارات أصبحتا شريكتين على أساس من القيم المشتركة. وتطرّق لبيد إلى الموضوع الإيراني، فقال إن أي تأجيل لاستئناف مباحثات الاتفاق النووي يقرّب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي. وأضاف أن إيران أصبحت عنصراً مهدداً للأمن في المنطقة بتطوير نظامها النووي والاقتراب من إنتاج صواريخ بالستية، وشدّد على أن إسرائيل لا يمكن أن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
وأكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي أن الإمارات تتطلع إلى إنهاء النزاع في اليمن بأسرع وقت والتعاون مع المجتمع الدولي لإعادة إعماره، مؤكداً أنه لا يجب أن يكون هناك حزب الله جديد في اليمن يهدد حدود السعودية.
قال الرئيس الجديد لجهاز الأمن الإسرائيلي العام ["الشاباك"] رونين بار إن محور الشر الشيعي بقيادة إيران لا يزال يشكل التهديد المركزي للسلام الإقليمي.
وأضاف بار في سياق كلمة ألقاها خلال مراسم تسلُّمه مهمات منصبه أقيمت في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية في القدس قبل ظهر أمس (الأربعاء)، أن جهاز الشاباك سيستمر في تحركاته لإحباط هذا التهديد المركزي في أي مكان، سواء داخل البلد أو خارجه، وفي الجبهة السيبرانية أيضاً.
من ناحية أُخرى أكد بار أن جهاز "الشاباك" لن يبقى مكتوف اليدين أمام تصاعُد العنف والجريمة في المجتمع العربي، وتعهّد أن يتم درس هذا الموضوع من أجل إيجاد الطريق الأنسب لزيادة تدخُّل الجهاز بالتوازي مع تعزيز قوة الشرطة. وشدّد على أن مواجهة هذه القضية تُعتبر مهمة وطنية من الدرجة الأولى.
وقال بار: "على إسرائيل أن تحتضن وتقوّي المجتمع العربي المهتم بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وأن تفعل ذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والرفاهية. في الوقت نفسه من المهم زيادة نشاط إنفاذ القانون وإرساء الردع ضد العناصر الإجرامية من أجل تقليل عدد الأسلحة التي بحيازتهم وإحباط دافعهم لاستخدامها".
كما تطرّق بار إلى الأوضاع في المناطق [المحتلة]، فأكد أن على إسرائيل إيجاد طريقة للتعاون مع السلطة الفلسطينية وتعزيز المشاريع الاقتصادية بمساعدة دولية، وفي الوقت نفسه يجب أن تضرب حركة "حماس" بشدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتضرب قيادتها في الخارج.
وحضر المراسم رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت، ورئيس جهاز "الشاباك" المنتهية ولايته نداف أرغمان الذي تولى هذا المنصب خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية أمس (الأربعاء) على مشروع قانون شرعنة استخدام القنب لأغراض طبية، والذي قدمه حزب "أمل جديد" برئاسة وزير العدل جدعون ساعر.
وجرت عملية التصويت أمس بعد إسقاط مشروع القانون قبل ثلاثة أشهر، في إثر معارضة أعضاء الكنيست من راعم [القائمة العربية الموحدة] الذين أيدوه الآن.
وأيد مشروع القانون 54 عضو كنيست وعارضه 42. وسيتم تحويله حالياً إلى لجنة الصحة في الكنيست، والتي ستقوم بتجهيزه للتصويت عليه بالقراءة الأولى.
وتكلم في جلسة التصويت على مشروع القانون رئيس راعم عضو الكنيست منصور عباس، فتحدث بالعربية، موضحاً لجمهور ناخبيه أن الحديث يدور حول مشروع قانون آخر يختلف عن الذي عُرض قبل ثلاثة أشهر، كما أنه يدور حول قانون طبي لا أكثر. وأضاف أن حزبه سيصوّت ضد مشروع القانون في القراءتين المقبلتين في حال تبيّن أنه يشرعن استخدام القنب لأغراض غير طبية.
عقد وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج أمس (الأربعاء) اجتماعاً في أبو ظبي مع وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري وبحثا في كيفية التعاون المشترك بين الدولتين، وبصورة خاصة في مشاريع ثقافية وتعليمية متبادلة، واتفقا على العمل معاً من أجل تعزيز التعاون المتبادل في هذا المجال وفي أسرع وقت.
كما عقد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي عيدان رول اجتماعاً مع وزير العدل السوداني في أبو ظبي أمس، وناقشا احتمالات التعاون المشترك في مجال النظام الجامعي والتدريب التكنولوجي لمساعدة الشباب من الدول التي تُعتبر جزءاً من "اتفاقيات أبراهام"، لمواجهة تقلبات سوق العمل. واتفق الطرفان على التعاون المستقبلي بين بلديهما في إطار تلك الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل وبين كل من البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة والسودان، وبموجب هذه الاتفاقيات، سيتم تدريب الشباب على مهن جديدة، إذ سيتمكنون أيضاً من التقدم لها عن بعد، كما ناقشا التعاون التكنولوجي والثقافي.
وكان السودان وقّع رسمياً "اتفاقيات أبراهام" في كانون الثاني/يناير الفائت، وفي إثر ذلك أزالت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، والتي شكلت منذ عدة عقود حافزاً للعقوبات والعقبات التي تعترض الاستثمار الدولي.
- عشرة أمتار، وربما أقل، تفصل بين مكتب نائب رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام ["الشاباك"] ومكتب رئيس "الشاباك". وقد قطع رونين بار هذه الطريق مئات، وربما آلاف المرات، في العامين ونصف العام الأخيرين اللذين شغل فيهما منصب نائب رئيس الجهاز. وحين سيسير فيه منذ الآن، بعد توليه منصب رئيس الجهاز، سيكون الأمر مختلفاً تماماً، إذ إن الثقل كله سيكون على كتفيه. صحيح أنه سيكون وراءه آلاف العاملات والعاملين في "الشاباك"، وهم آلة بشرية تنفيذية استخباراتية وتكنولوجية هائلة، لكن عيون الجميع ستكون موجهة إليه.
- يمكن القول إن بار (أو برزوفسكي كما يسميه الجميع، على اسم عائلته الأصلي السابق قبل أن يُعَبْرَن منذ بضعة أعوام)، يمتلك كل المؤهلات المطلوبة للقيام بهذه المهمة. فهو يعرف "الشاباك" جيداً، وضليع بعمق في عمله وفي غاياته.كما أن معرفته للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية كلها عميقة وحميمة، فقد قدّم خدمات في الماضي لجهاز الموساد، وعمل مع الجهاز بتلاصُق في وظائفه العملانية المتعددة، وكذلك عمل أيضاً مع الجيش الإسرائيلي الذي استقبل تعيينه بترحاب كبير.
- إن التحديات الماثلة أمام "الشاباك" تحت قيادة بار معروفة، وأساسها إحباط "الإرهاب" بمظاهره المختلفة في الساحات المتعددة: يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، حيث يسيطر "الشاباك" بتفوّق واضح كما أثبت في الفترة الأخيرة، وكذا قطاع غزة الذي يوجد لـ"الشاباك" فيه دور مهم ومزدوج، في الإعداد للمعركة التالية، وكذلك في تسوية محتملة مع حركة "حماس". وسيكون موقفه محرجاً إذا ما طُلب منه الوصول إلى حسم في صفقة محتملة لتبادل الأسرى. وسيجد رئيس الحكومة صعوبة شعبية في السير ضد موقف رئيس "الشاباك" إذا ما حذر من ثمن محتمل لتحرير أسرى قتلة. ومن المعروف أن رئيس "الشاباك" السابق يوفال ديسكين، الذي عارض "صفقة شاليط"، ساعد رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت في رفض ثمن الصفقة، بينما رئيس "الشاباك" السابق يورام كوهين، الذي أيد الصفقة، ساعد بنيامين نتنياهو على تنفيذها.
- في ولاية بار ثمة احتمال أيضاً بأن يُخلي محمود عباس مكانه في رئاسة السلطة الفلسطينية. وسيكون لـ"الشاباك" دور مركزي في تشخيص السيرورات وتحديد الخلفاء المحتملين، وخصوصاً منع التطرف والتصعيد ومنع محاولات محتملة من "حماس" لاستغلال التغييرات من أجل السيطرة على الضفة أيضاً.
- وسيكون بار مطالباً بأداء دور مركزي أكبر في مكافحة الجريمة في القطاع العربي. ومن المعروف أن سلفه نداف أرغمان عارض ذلك، لكن بار يتبنى نهجاً فاعلاً وموسعاً أكثر. وسيكون تحقيقه منوطاً بقرارات حكومية وبإقرارات قانونية مركبة.
- ثمة سيرورات أُخرى سيقودها بار، بعضها بنيوي وبعضها شخصي. وهذه الأخيرة تتعلق ببعض التعيينات في الجهاز. لكن اختباره الأساسي لن يكون هناك، بل في الشجاعة التي يبديها في الغرف المغلقة، ولا سيما أمام رئيس الحكومة. ولا شك في أن العلاقات بين الرجلين حرجة في كل ما يتعلق بأداء الجهاز لمهماته، لكنها حرجة للديمقراطية أيضاً، فرئيس الحكومة هو قائد "الشاباك"، لكن على رئيس "الشاباك" أن يعرف كيف يكون مستقلاً ويقول رأيه باستقامة ومهنية، ومن دون خوف، حتى لو اضطر إلى دفع ثمن ذلك. بناء على ذلك، سيكون بار مطالباً بأن يتذكر دوماً أنه موظف لدى الجمهور وليس لدى الحكومة، وإذا ما نجح في ذلك فسيحظى بكل أسباب النجاح.
- سنة 1948 ترفض الاختفاء من الخطاب الإسرائيلي وهذا أمر جيد. مؤخراً، اندلع نقاش حاد في أعقاب دعوات صدرت عن إعلاميين ومفكرين في إسرائيل تطالب بتعليم النكبة الفلسطينية في نظام التعليم اليهودي، برز هذا النقاش في وقت قريب من اندلاع أحداث أيار/مايو التي أكدت هي أيضاً أن 1948 لم تكن حدثاً عابراً انتهى، بل هي قصة مفتوحة لا تزال فصولها تكتسح المجتمعين في الحاضر أيضاً.
- ربما من الصعب التحرُّر من الانطباع بأن النقاش الدائر هو نقاش ثنائي النظرة مطليّ باللونين الأبيض والأسود. هناك طرف يؤدي دور المدعي العام للتاريخ ويعتبر نفسه محقاً وضحية دائمة، ولا يشعر بالحاجة إلى إجراء نقد ذاتي. وهناك طرف يجلس دائماً على مقعد المتهمين التاريخي ومطلوب منه الاعتراف بالظلم الذي تسبب به مجرد وجوده، ويُنتظر منه الاعتذار. هذا النهج يعبّر عن وجهة نظر الفلسطينيين عموماً، أولئك الذين يعيشون في الشتات، أو في السلطة، أو في قطاع غزة، وكذلك المواطنون العرب في إسرائيل.
- السعي الدؤوب لإثبات ظلم تاريخي لا لبس فيه، ودفْع الطرف الثاني إلى الاعتراف والاعتذار ليس وصفة مصالحة، بل يؤدي إلى عدم اهتمام وتعاطُف الجانب اليهودي إزاء ماضي ومصير الفلسطينيين. 1948 كانت حدثاً معقداً، وما دامت تصوَّر كجريمة جرى التخطيط لها مسبقاً ونفّذها مجتمع ضد المجتمع الثاني، فإنها ستؤدي إلى نقاش عقيم لا ينتهي. من الضروري أن يعترف الجمهور اليهودي بالنكبة كي يفهم عمق هذه الذكرى في الوعي الجماعي الفلسطيني - وخصوصاً لدى المواطنين العرب في إسرائيل - وبهذه الطريقة يجري تطوير نقاش نقدي إزاء ماضي الدولة.
- من المفيد أن تظهر وجهة كهذه وسط الفلسطينيين، مثلاً من خلال تطوير تيار من "المؤرخين الجدد" يدرس الماضي بصورة نقدية ويبحث، بعمق، الأصداء التاريخية، وعلى رأسها رفض خطة التقسيم في سنة 1947، والمبادرة الهجومية على الييشوف اليهودي والمسؤولية عن المذابح التي تعرّض لها اليهود، وخصوصاً في البلدات التي استسلمت.
- على مرّ الزمن، برز فعلاً نقاش نقدي إزاء 1948 وسط المؤرخين الفلسطينيين، لكنه تمحور على تحليل الأسباب التي أدت إلى النكبة، وفي طليعتها إخفاق زعاماتهم، وافتقارهم إلى الوحدة الداخلية، وخيانة الأشقاء العرب لهم. في هذا الخصوص ادّعى المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها أنه بينما برزت هذه النظرة النقدية الداخلية في إسرائيل، لا يزال الفلسطينيون يعانون جرّاء ظروف تفرض عليهم التجنّد من أجل الدفع قدماً بأهداف وطنية، ولذلك يجدون صعوبة في تطوير نهج نقدي إزاء ماضيهم.
- المطلوب من الفلسطينيين الاعتراف بأن "النكبة" لم تهبط عليهم كعاصفة رعدية في يوم صاف، بل كانت جزءاً من حدث تاريخي متعدد الأبعاد كان لهم دور فاعل فيها، والمواقف التي وقفها زعماؤهم وحظيت بتأييد شعبي جارف كان لها عواقب وخيمة.
- المطالبة باعتذار إسرائيل عن النكبة يوازي إلى حد بعيد مطالبة اليابان وألمانيا من الحلفاء بالاعتذار عن الضرر الذي تسببوا به لمواطني بلديهما خلال الحرب العالمية الثانية. لقد هُزم الفلسطينيون في سنة 1948 وعاشوا صدمة جماعية يجب على اليهود الاعتراف بها والمشاركة في نقاش حيال الوسائل المؤدية إلى حل تداعياتها البعيدة الأجل.
- يمكننا أن نندم على الماضي، لكن لا حاجة إلى الاعتذار عنه. إن الاستمرار في التمسك بتصوير الذات بصورة الضحية المطلقة والمطالبة بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء يشكلان أساساً لعدم الثقة وإدامة الصراع، وليس للمصالحة.
- الجرائم الخطِرة التي يشهدها الشارع العربي، واحتدام الوضع في النقب، والصعوبة التي تواجهها الشرطة في مواجهة هاتين الظاهرتين، كلها أمور تخلق إحساساً مريراً لدى الجمهور الإسرائيلي. الانطباع السائد أن "الدولة راحت" وتلاقي صعوبة في التصرف بفعالية وكبح ما يبدو جيوباً مارقة في المجتمع الإسرائيلي، وفي الأساس مواجهة ظاهرة الحكم الذاتي التي فرضتها مجموعات في داخلها.
- ما يبدو اشتعالاً غير مسبوق لبؤر العنف في المجتمع الإسرائيلي هو أحد أوجه ظاهرة أوسع بكثير ولا تنحصر فقط في القطاع الداخلي الإسرائيلي، بل أيضاً تصل إلى القطاع الخارجي. إعلان "حماس" الحرب على إسرائيل في أيار/مايو الماضي، واستعداد إيران المضي قدماً في مشروعها النووي، وخداع الغرب فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وتهديدات حزب الله لإسرائيل، كل ذلك هو أوجه لعملة واحدة، قاسمُها المشترك تآكل ردع الدولة.
- إذا فحصنا كل ظاهرة من هذه الظواهر على حدة فلن نجد جديداً. إسرائيل تواجه منذ أكثر من عقد مشكلة الجريمة في القطاع العربي، وكذلك ظاهرة الحكم الذاتي في النقب، وأيضاً فيما يتعلق بتحدي حزب الله في الشمال و"حماس" في الجنوب. الاستراتيجيا التي انتهجتها إسرائيل لمواجهة التحديات الداخلية اعتمدت على عقيدة معاكسة لعقيدة الحسم التي انتهجتها في العقود الأولى من قيامها. فقد انتهجت إسرائيل استراتيجيا هدفها إدارة التحديات، وبهذه الطريقة تلطيفها والتخفيف من خطورة هذه المخاطر من دون حلها من أساسها.
- يوجد اعتباران في أساس هذا النهج الذي تبناه بنيامين نتنياهو: الأول، الإدراك أن محاولة حل المشكلات الجذرية مرتبط بمواجهات عنيفة من المشكوك فيه أن المجتمع الإسرائيلي مستعد لدفع ثمنها؛ والثاني، الإدراك أن نهج الحسم أو المعالجة الجذرية لا ينطوي فقط على مغامرة، بل هو أيضاً باهظ الثمن من الناحية الاقتصادية، وسيشكل عقبة أمام نمو الدولة، وفي الأساس تأمين مستوى ونوعية حياة مرتفعة للمواطنين. لذلك فضّلت إسرائيل ما يُطلق عليه نهج "التأجيل" فيما يتعلق تحديداً بمشكلات محددة، لكن هذا النهج فتح الطريق أمام تحول إسرائيل من دولة تتنمر على جيرانها إلى دولة عظمى، اقتصادياً وتكنولوجياً.
- على الرغم من هذه الاستراتيجيا نجحت إسرائيل في ردع معارضيها في الداخل والخارج. فقد ترددت إيران عن مهاجمتها مباشرة وحافظ حزب الله على الهدوء منذ سنة 2006، ولم يسيطر بلطجية القطاع العربي علناً على الشوارع. هذا الردع تحقق بفعل صورة القوة التي أظهرتها الدولة، وبفضل الصورة التي سوّقها نتنياهو لنفسه كزعيم وطني من النموذج الإصلاحي يميل إلى العدوانية والاستباقية إزاء أعداء الدولة - بعكس النهج الرخو والإنساني الذي أظهره الذين سبقوه أو الذي أظهره منافسوه السياسيون.
- هكذا نشأ واقع يقوم على المفارقة، لكنه ناجع، انتهجت فيه إسرائيل فعلياً سياسة متزنة وحذرة في القطاعين الداخلي والخارجي على حد سواء، وامتنعت من خوض الحروب والمواجهات، لكنها أظهرت للخارج صورة معاكسة من الهجومية والاستعداد لاستخدام القوة.
- ضمن هذه الموازنة الدقيقة بين سياسة تسعى لإدارة المخاطر وليس حلها بثمن باهظ، وبين إظهار صورة هجومية حيال الخارج لردع الخصوم، حدث تغيّر في الأشهر الأخيرة. بينما حافظت حكومة بينت-لبيد على الخط الذي وضعه نتنياهو، طرأ تآكل كبير في قدرة إسرائيل على إظهار قوتها إزاء الخارج. هذا التآكل تأثر بالواقع السياسي الهش الذي ساد في الأعوام الأخيرة وتفاقم في الأشهر الأخيرة، وكان له تأثيره في تأليف الحكومة الجديدة التي أعطت وزناً لوجود أطراف يسارية، وربطت أيضاً السياسة اليهودية بالعربية. هذا هو الذي أعطى الإشارة للأطراف المارقة في الداخل والخارج لفحص حدود الردع الإسرائيلي مجدداً...
- الخبر السيئ أنه من أجل ترسيخ الردع من جديد الحكومة مضطرة إلى القيام بالأمر الصعب، أي خلق مواجهة جبهوية بأسلوب حاسم مع أحد الأطراف التي تشكل تحدياً لها من أجل رسم الحدود إزاء سائر الأطراف المارقة.
- بصرف النظر عن الثمن الإنساني والاقتصادي الناجم عن مثل هذه المواجهة، هناك أيضاً الثمن السياسي الكامن في تفكك الائتلاف الحكومي من الداخل. كل هذا سيشكل قيوداً مهمة أمام أية محاولة إسرائيلية لاستعادة الردع المتآكل. لكن من دون الاستعداد لمثل هذه المواجهة التي ترسل إلى الدول المحيطة صورة قوة من شأنها تحصين الردع الإسرائيلي من جديد، سيحكم على إسرائيل في العقد المقبل أن تعيش واقعاً استراتيجياً سيئاً، وفي الأساس على نقيض الذي عاشته في الأعوام الأخيرة.