مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
وصل رئيس الحكومة نفتالي بينت إلى البحرين يوم الاثنين في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي إلى هذه الدولة، وكان في استقباله في مطار المنامة وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف زياني. ومن المتوقع أن يلتقي بينت يوم الثلاثاء الملك حمد آل خليفة في قصره، ورئيس الحكومة وولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة.
تأتي هذه الزيارة بعد مرور سنة وخمسة أشهر على توقيع اتفاقات أبراهام، وبعد شهرين من الزيارة الأولى لبينت إلى الخليج. وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة أن الزعماء سيبحثون "أهمية السلام والنمو والازدهار في المنطقة، وخصوصاً الدفع قدماً بالقضايا السياسية والاقتصادية مع التشديد على مجالات التكنولوجيا والاختراعات".
وكان بينت قد صرّح قبل إقلاع طائرته إلى المنامة قائلاً: "أتوجه إلى المنامة في أول زيارة يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي وهذا حدث مؤثر. الهدف من الزيارة إعطاء مغزى للاتفاقات في هذه الفترة المضطربة، كما من المهم إرسال رسالة تعاون وصمود مشتركة في مواجهة التهديدات وبناء جسور".
وتستغل إسرائيل هذه الزيارة، بالإضافة إلى رمزيتها، لتعزيز العلاقات مع البحرين، وكي تدرك إيران، الدولة المجاورة، التعاون الإقليمي الذي يتشكل في مواجهتها. وكان وزير الدفاع بني غانتس قد زار البحرين قبل أسبوعين، كما زارها وزير الخارجية يائير لبيد في أيلول/سبتمبر. وقد قام الاثنان بجولة على قواعد الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، كما زار لبيد سفينة حربية أميركية مع مسؤولين بحرينيين رفيعي المستوى.
وسيجتمع بينت خلال الزيارة مع وزراء المال والخارجية والصناعة والمواصلات في البحرين. كما وقّع خلال الزيارة اتفاقاً للتعاون الأمني بين الدولتين في مجالات الاستخبارات والصناعات الأمنية والتدريبات. وتبدي إسرائيل اهتمامها في تعميق التعاون الاقتصادي والأمني بين الدولتين وإعطاء مضمون حقيقي لاتفاقات السلام بين الطرفين.
وقال بينت في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الأيام" البحرينية إن إسرائيل والبحرين تواجهان "تحديات أمنية كبيرة ناجمة عن المصدر عينه، الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تزعزع الاستقرار في المنطقة كلها، وهي تؤيد تنظيمات إرهابية تنشط في أراضيكم وفي أراضينا وذلك بهدف واحد هو تدمير الدول المعتدلة وإحلال تنظيمات إرهابية دموية محلها. لن نسمح لها بذلك. سنحارب إيران وأذرعها في المنطقة يومياً وسنساعد أصدقاءنا لتعزيز السلام والأمن والاستقرار لديهم بقدر ما نستطيع". ورداً على سؤال عن فرص التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران أجاب: "نعتقد أن الاتفاق مع إيران يشكل خطأ استراتيجياً. فهو سيسمح لها بالمحافظة على قدراتها النووية والحصول على مليارات الدولارات التي ستقوي آلتها الإرهابية التي تلحق الضرر بدول عديدة في المنطقة." وأضاف بينت أن إسرائيل مهتمة بـ"سلام حار جداً" مع البحرين، يشمل تعاوناً في مجالات الاقتصاد والصحة والسياحة والأمن.
تبذل إسرائيل جهدها كي لا تجد نفسها عالقة بين الغرب وأوكرانيا من جهة والروس من جهة ثانية. وكانت القدس قد وجدت نفسها في وضع معقد له علاقة بأحد أهم إنجازاتها التكنولوجية أي القبة الحديدية التي أعلنت كييف رغبتها في التزود بها. وبحسب تقديرات في الغرب فإن أمراً كهذا يمكن أن يضع إسرائيل في وضع حرج مع موسكو، وخصوصاً في هذه الأيام أي عشية الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.
ومنذ الصيف الماضي بدأت إسرائيل سلسلة خطوات في محاولة لمنع الاصطدام مع الأميركيين (ومع الأوكرانيين)، ونجحت في شطب الموضوع عن جدول الأعمال. وقد أعربت مصادر في أوكرانيا عن خيبة أملها إزاء موقف القدس.
الموقف الإسرائيلي بشأن التزود بالقبة الحديدية هو نموذج عن الوضع غير المسبوق الذي تجد فيه إسرائيل نفسها، فعملياً هي دولة لديها حدود مشتركة مع موسكو بسبب سيطرة الكرملين الفعلية على النظام السوري. وفي إسرائيل يسود الاعتقاد أن إدارة بايدن وزعماء الكونغرس يتفهمون حاجة إسرائيل إلى الحذر، لذا يتصرفون "بحساسية ومسؤولية" فيما يتعلق بموضوع القبة الحديدية، المشروع الذي تطوره إسرائيل بالتعاون مع البنتاغون الأميركي.
وكانت القدس قد أوضحت للإدارة الأميركية في محادثات غير رسمية أنها لا تستطيع إرسال بطاريات القبة الحديدية إلى كييف، بسبب العلاقات مع روسيا. وفي الأشهر الأخيرة توجه الأوكرانيون مباشرة إلى حكومة بينت-لبيد وطالبوا بموافقة إسرائيل على تزويدهم بالمنظومات الدفاعية.
تجددت المواجهات مساء الاثنين في حي الشيخ جراح بين يهود جاؤوا من الأحياء الحريدية وقاموا برشق الحجارة في منطقة تقاطع الفنادق، وجرى الرد على ذلك برشقهم بالحجارة. وحضرت قوات كبيرة من الشرطة عملت على تفريق الطرفين، وقد أصيب شرطي بحجر.
وخلال المواجهات جرى توقيف 6 من المشتبه بهم بسبب إلحاقهم أضراراً بالسيارات المتوقفة في المكان. وقبل ذلك تم توقيف شابين بتهمة مهاجمة الشرطة، كما اعتقل شاب في الثالثة والعشرين من عمره من القدس بسبب رشقه شرطياً بالحجارة وهو ما أدى إلى إصابته في رأسه.
وكانت المواجهات في حي الشيخ جراح تجددت بعد إحراق منزل عائلة يوشفايف يوم الجمعة، من بعدها أقام عضو الكنيست إيتمار بن غفير "مكتباً برلمانياً" بالقرب من المنزل، وقامت الشرطة بإخلاء ناشطين من اليمين جاؤوا إلى "المكتب"، وخلال المواجهات سقط بن غفير وأغمي عليه.
وكان نفتالي بينت قد تطرق قبيل سفره إلى البحرين إلى المواجهات في حي الشيخ جراح وإلى "المكتب البرلماني" الذي أقامه عضو الكنيست بن غفير هناك قائلاً: "نحن لسنا بحاجة إلى استفزازات تؤدي إلى إشعال المنطقة لأسباب سياسية فقط"، وأضاف: "إن إحراق منازل لليهود في عاصمة إسرائيل أمر غير مقبول، وأؤكد لكم أنه منذ الآن سترفع الشرطة درجة حمايتها وتحرص على حماية كل مواطني الدولة".
كما تطرق وزير الخارجية ورئيس الحكومة المناوب يائير لبيد إلى "المكتب" الذي أقامه بن غفير في حي الشيخ جراح فقال: "بن غفير ليس هنا للدفاع عن السكان. هو هنا لإشعال الأرض كما فعل في الماضي. وإذا كان هناك اختلاف في الروايات بين الشرطة وبين بن غفير فأنا لا أتردد في تصديق رواية الشرطة. وأنا ضد كل من يأتي لإثارة الشغب والعنف. نحن ضد العنف وليس سراً أن حي الشيخ جراح هو مكان قابل للانفجار."
من جهة أُخرى اتهم وزير الدفاع بني غانتس بن غفير بالاستغلال السياسي للوضع وقال: "أعضاء الكنيست الذين يحاولون الاستغلال السياسي للوضع وبينهم عضو الكنيست بن غفير يعملون ضد مصلحة دولة إسرائيل الأمنية والسياسية والاجتماعية. اتركوا للدولة استخدام القوة ولا تعملوا على تأجيج العنف. وهناك مسؤولية على ممثلي الشعب، والأمر ليس لعبة بل هو يتعلق بحياة الناس". وأضاف: "دولة إسرائيل ستحافظ على سيادتها وعلى تطبيق القانون والنظام في القدس، وفي كل مكان يخضع لصلاحياتها. هذا واجبنا، ونحن نعمل لمصلحة جميع السكان والمواطنين".
- بينما تتجه أنظار العالم إلى الحدود الروسية – الأوكرانية هناك من يصر على إشعال حريق صغير بالقرب منا في القدس وفي المناطق. إن عودة المواجهات في حي الشيخ جراح وفي القدس الشرقية تعيد ذكريات غير مريحة لأحداث أيار/مايو الماضي حين أدت التوترات في حي الشيخ جراح وبقوة أكبر في الحرم القدسي إلى إشعال العنف والقتال في غزة وكذلك في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر.
- بصورة تشبه وضع العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين عاد الخلاف الذي يتمحور حول أرض صغيرة في الشيخ جراح يجذب الكراهية والنفور اللذين لا حدود لهما بين الطرفين. ففي نهاية الأسبوع جرى إحراق منزل مواطن يهودي سبق وأُحرقت سيارته في الماضي عدة مرات، وكان هذا كافياً لجذب متظاهرين مشاغبين إلى الحي بينما سارع عضو الكنيست إيتمار بن غفير إلى صب الزيت على النار وأقام "مكتباً برلمانياً" في المكان.
- لكن المشكلات تأتي بمشكلات اُخرى. ففي شمال الضفة يتصاعد التوتر منذ الأسبوع الماضي أي منذ العملية التي قتلت فيها وحدة من حرس الحدود ثلاثة ناشطين مسلحين في نابلس ينتمون إلى الذراع العسكرية في حركة "فتح". وهذه الليلة بالذات هناك طرف في الجيش قرر إرسال جنود إلى قرية سيلة الحارثية في منطقة جنين لهدم منزل أحد المتهمين بقتل تلميذ اليشيفا يهودا ديمنتمان في بؤرة حومش الاستيطانية قبل شهرين. وشهد المكان مواجهات عنيفة بين الجيش الإسرائيلي وفلسطينيين قتل خلالها شاب في السابعة عشرة من عمره بنيران الجنود الإسرائيليين.
- كل ما يجري في القدس وفي الضفة يراقب باهتمام في قطاع غزة. في أيار/مايو الماضي فاجأت "حماس" الاستخبارات الإسرائيلية واستغلت التوتر في الحرم القدسي لإرسال رسالة، فأطلقت الحركة ستة صواريخ على منطقة القدس، تضامناً مع النضال الفلسطيني في المدينة، وردت إسرائيل بشن عملية "حارس الأسوار". وقد تعارض سلوك "حماس" يومها مع التوقعات المسبقة في إسرائيل، التي اعتبرت أن "قيادة "حماس" لا مصلحة حقيقة لها في الدخول في مواجهة في ذلك الوقت. لكن في غزة كان التفكير مختلفاً، إذ كانوا مستعدين لتحمل عمليات قصف إسرائيلي مكثفة من أجل إرسال رسالة موجهة أيضاَ إلى سكان الضفة بهدف الاستمرار في زعزعة سيطرة السلطة الفلسطينية هناك.
- منذ نهاية الأسبوع الماضي دأبت "حماس" على إطلاق تهديدات عنيفة مشابهة من غزة. هل تغيرت الظروف تغيراً جذرياً؟ لا تزال السلطة الفلسطينية تواجه صعوبات متزايدة في الحكم، ولا تزال مصلحة "حماس" حشرها أكثر فأكثر في الزاوية. في المقابل الوضع في غزة مختلف قليلاَ، فبعد العملية العسكرية قامت إسرائيل بتقديم تسهيلات اقتصادية بعيدة المدى نسبياً في القطاع. وهناك قرابة 10.000 عامل من القطاع (تحت غطاء تجار ورجال أعمال) يدخلون يومياً إلى البلد للعمل. وجرى الاتفاق على شحنات الأموال القطرية كلها باستثناء مشكلة محدودة تجددت تتعلق برواتب الموظفين، كما أن البضائع تدخل بطريقة سهلة ويومية أكثر من الماضي.
- الحياة في الشتاء الغزي البارد هي أفضل بقليل مقارنة بالسنوات السابقة، والتزود بالكهرباء والماء أصبح منتظماً أيضاً. ولدى الذراع العسكرية لـ"حماس" عمل كثير ومستمر من أجل إعادة بناء الأنفاق التي تضررت في العملية الأخيرة، وتحسين قدرات المنظومة الصاروخية في القطاع. ويمكن اعتبار إطلاق صواريخ من غزة الآن خطوة مبالغاً فيها يمكن أن تؤدي إلى رد إسرائيلي حاد. وفي المقابل لا جدوى من إطلاق بالونات مشتعلة بينما الأرض في غلاف غزة رطبة واحتمالات إحراق الحقول تبدو منخفضة.
- هل تكفي كل هذه الادعاءات لكبح اندلاع العنف من جديد بينما تتركز أنظار العالم على ما يجري في أوروبا الشرقية؟ لقد أخطأ المعلقون في الصحف وفي الاستخبارات أكثر من مرة في تقديراتهم بحيث أصبح من الصعب التنبؤ. إن إخراج بن غفير و"مكتبه" المرتجل الذي لا لزوم له من حي الشيخ جراح، إذا حدث، سيكون العمل الإيجابي الأول في الاتجاه الصحيح. لكن ثمة شكاً في أن هذا سيكون كافياً لتهدئة الأجواء، في الوقت الذي لدى جزء كبير من اليمين الإسرائيلي في المعارضة مصلحة في تأجيج مستمر للوضع في القدس.
- إن حكومة بينت مضطرة إلى التعامل مع الوضع بحذر كبير في الأسابيع المقبلة لمنع الانزلاق إلى مواجهة عسكرية إضافية. وكالعادة الخطر يأتي من القدس وتحديداً من محاولات تضخيم المكون الديني في التوترات.
- الأزمة بين روسيا والولايات المتحدة تقترب من ذروتها. وبحسب المعلومات الاستخباراتية التفصيلية من الإدارة الأميركية، روسيا أسرعت في إنهاء انتشارها العسكري غير المسبوق على الحدود الأوكرانية. وبالإضافة إلى الانتشار العسكري الكثيف (أكثر من 100 ألف جندي) وقدرات مختلفة (طائرات حربية متطورة في بيلاروسيا، وسفن حربية في البحر الأسود، ومدفعية وصواريخ وقوات خاصة، وقتال إلكتروني وسيبراني)، ونشر الروس قدرات تدل على استكمال الإعداد للقتال، مثل وحدات لوجستية ووحدات تابعة للهندسة الحربية، ومساعدة جوية ومعدات طبية ميدانية، بينها وحدات دم.
- في المقابل، التقديرات في الولايات المتحدة والغرب أن الغزو الروسي لأوكرانيا محتمل، وأيضاً معقول في المدى الزمني المباشر. على هذه الخلفية، ضجت الساحة الدولية الأسبوع الماضي بنشاط دبلوماسي–ماكرون وشولتز وجونسون-تنقلوا بين موسكو وكييف وواشنطن، في محاولة أخيرة للتهدئة ومنع الحرب.
- مستشار الرئيس جو بايدن للأمن القومي جايك سوليفان قال أمس إن هناك خطراً مباشراً لغزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا. وأضاف: "ما زلنا نشاهد دلائل تصعيد من جانب روسيا، بينها وصول قوات إضافية إلى منطقة الحدود." الرئيس بايدن سيحاول وقف الغزو في حديث سيجريه قريباً مع الرئيس بوتين، لكن يبدو أن هذا الأخير مُصرّ على إعطاء الأوامر للجيش الروسي بالتحرك غرباً وجنوباً.
- إذا فشلت كل الجهود الدبلوماسية وقرر الرئيس بوتين القيام بالغزو، فليس واضحاً أي مخطط سيختار. القوات التي جمعها حول أوكرانيا تمنحه مرونة ومجموعة واسعة من الاحتمالات. في السيناريو الأخطر، يمكنه استخدام كامل القوات التي نُشرت، وتوجيه ضربة جوية إلى مراكز السلطة، وفرض حصار إلكتروني، وشنّ هجمات سيبرانية تشل القدرة الأوكرانية على السيطرة والعمل. ويمكن أن تجري عمليات برية للالتفاف على القوات الأوكرانية في شرق البلاد في مواجهة قطاع دونباس والسيطرة السريعة من اتجاه بيلاروسيا على العاصمة كييف. الهدف المباشر-إزاحة الحكومة الحالية واعتقال القيادتين السياسية والعسكرية.
- يحذر الأميركيون من أنه في مثل هذا السيناريو سيسقط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وستنشأ أزمة إنسانية وسياسية خطِرة. من جهة ثانية، من المحتمل أن تكون روسيا غير راغبة في الاحتفاظ بمناطق واسعة ومواجهة ثورة محلية وحرب عصابات، وخصوصاً في منطقة آهلة، وهي تفضل مخططاً محدوداً يشمل إطلاقاً كثيفاً للنار وهجمات سيبرانية واسعة، وسيطرة برية على المحافظات الانفصالية الموالية للروس في شرق أوكرانيا ودونتيسك ولوغانسك.
- في جميع الأحوال، القرار يعود إلى شخص واحد هو الرئيس بوتين، الذي يحتفظ بكل الأوراق لنفسه. أهدافه في أزمة "على عتبة الغزو" التي خلقها تتعلق بإصراره على أن يثبت أن روسيا دولة كبرى لا يمكن تجاهُلها. الجمهور المستهدف هو مواطنو روسيا الذين يريد توحيدهم حول شعار واحد وتحويل الانتباه عن المشكلات الداخلية والضائقات.
- يريد بوتين ألّا تنضم أوكرانيا أبداً إلى حلف الناتو؛ وألّا يتوسع الحلف شرقاً نحو مناطق نفوذ تُعتبر روسية؛ ووضع حدود للسلاح الاستراتيجي للولايات المتحدة في أوروبا. في الواقع، المطالبة القصوى لبوتين هي إعادة الوضع العسكري في أوروبا إلى العهد السوفياتي ما قبل سنة 1989، ولا مجال لقبول الغرب بذلك.
- مما لا شك فيه أن بوتين اختار التوقيت المناسب بالنسبة إليه، ضعف الولايات المتحدة كما بدا في الانسحاب من أفغانستان، الأسعار المرتفعة للطاقة، والتي ستواصل الارتفاع على خلفية الأزمة، فوائض كبيرة في العملة الأجنبية (نصف تريليون دولار) تسمح لروسيا بمواجهة عقوبات متوقعة، جيش شهد عملية تحديث وإصرار كبير على استخدامه. كل هذا يفرض على العالم التعامل مع روسيا ومع مطالبها. وحتى لو حقق بوتين جزءاً صغيراً من هذه المطالب، فإنه سيسجل لنفسه إنجازاً استراتيجياً مهماً. السؤال المطروح: إذا جرت تلبية مطالبه بصورة مقنعة تتيح له، من وجهة نظره، إعلان "انتصاره" والنزول عن الشجرة فهل سيقبل بذلك من دون أن ينفّذ تحركاً قوياً في أوكرانيا؟
- ثمة مصلحة لبوتين في استرجاع المجد القديم، وأن يثبت، كجزء من هذا الإرث، أن روسيا ليست "قوة إقليمية عظمى" فقط (كما وصفها الرئيس أوباما ساخراً) بل هي قطب ثالث ومهم إلى جانب الولايات المتحدة والصين، وفيما يطلق عليه اسم "المنافسة بين القوى العظمى". في الأيام الأخيرة حصل الرئيس الروسي على دعم من الرئيس الصيني بشكل دعم علني لموقف موسكو وتعاون روسي-صيني في مجال الغاز، الذي يُفترض أن يعوض حصة السوق الأوروبية التي يمكن أن تخسرها روسيا نتيجة قرارها "إغلاق الحنفية"، أو عقوبات تُفرض عليها.
- الدعم الصيني لروسيا غير مسبوق. في أزمات الماضي وقفت الصين موقفاً نقدياً حيال روسيا، وامتنعت من تأييد تحرُّكها في جورجيا وضم شبه جزيرة القرم. يبدو هذه المرة أن الحلف المعادي للغرب أصبح أعمق، كجزء من تحدي قواعد لعبة "النظام العالمي" بقيادة الولايات المتحدة. بذلك ترسّخ روسيا والصين مقولتهما إن النظام الأميركي الذي كان قائماً بعد الحرب البادرة قد انتهى، وهما تريدان أن تثبتا أن أسلوب الحكم المفضل والشرعي هو أسلوبهما السلطوي كبديل من النموذج الديمقراطي الذي فُرض في العقود الثلاثة الأخيرة.
- الغزو الروسي لأوكرانيا، إذا حدث، سيكون عملية عسكرية-برية هجومية هي الأكبر على أراضٍ أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، ومن المتوقع أن تحدث "هزة أرضية" في ميزان القوى، وفي هندسة نظام الأولويات على المستوى العالمي، وفي الاقتصاد العالمي، وفي سوق الطاقة. الارتفاع في أسعار النفط والهبوط في أسهم البورصة يشيران إلى ما هو منتظر إذا جرى توجيه الضربة الروسية بكل قوتها.
- الاضطرابات والأصداء الثانوية المتوقعة لن توفر الشرق الأوسط، وستطرح على إسرائيل سلسلة تحديات، بالإضافة إلى فرص.
- على المستوى الاستراتيجي، من المتوقع أن تقلص الأزمة أكثر اهتمام الولايات المتحدة بتحديات الشرق الأوسط، بينما تسعى الولايات المتحدة لتقليص تدخُّلها في المنطقة من أجل التفرغ لآسيا والمنافسة الاستراتيجية مع الصين، والتي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً تاريخياً للنظام العالمي.
- مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشكل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط. ولديها حلف مع إسرائيل وعلاقات استراتيجية مع الدول العربية، وهي ملتزمة بالدفاع عن أمنها في مواجهة التهديد الإيراني. الولايات المتحدة هي التي تضمن حرية تدفُّق النفط من الخليج، ومنه إلى آسيا، ولديها قواعد بحرية وجوية مهمة ووجود واسع في المنطقة، وهي المزود الأساسي بالسلاح. لكن سجلّ هذه القوة تضاءل، في ضوء التحفظات الواضحة عن استخدام القوة في مواجهة الهجمات عليها وعلى حلفائها.
- في مثل هذه الظروف، ضرر إضافي يمكن أن يلحق بصورة قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتقليص وجودها ونفوذها هي أخبار سيئة، بالنسبة إلى إسرائيل. مثل هذا الواقع قد ينعكس سلبياً على الاستقرار في المنطقة، وعلى مسعى لجم توسُّع إيران، وبصورة غير مباشرة على استقرار إسرائيل وقوتها الردعية في المنطقة.
- إن المشكلة الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً اليوم في الشرق الأوسط هي البرنامج النووي الإيراني. الأزمة في أوكرانيا يمكن أن تقوّي طهران التي تريد استمرار المفاوضات في فيينا كي تحصّل أكبر قدر ممكن من التنازلات من الولايات المتحدة. في حال نشوب مواجهة مع الولايات المتحدة، يمكن أن تدعم موسكو مواقف إيران التي تشكل علاقاتها معها وزناً مضاداً للهيمنة الأميركية في المنطقة. من جهة ثانية، الإدارة الأميركية في واشنطن، والتي منحت إيران سلسلة إنجازات في إطار مفاوضات فيينا، يمكن أن تقترح تنازلات إضافية بهدف "إعادة إيران إلى الصندوق" بأي ثمن، والتفرغ للمواجهة بين القوى الكبرى في أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ.
- ساحة أُخرى يمكن أن يسوء فيها الواقع، في نظر إسرائيل، هي سورية، في حال أرادت روسيا توجيه رسائل إلى الولايات المتحدة على حساب إسرائيل بصورة قد تهدد حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
- خطر مهم آخر يتعين على إسرائيل مواجهته، يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الدولتين الكبيرتين. فهي من دون شك ستضطر إلى المناورة بين "الدب الروسي" و"الذئب الأميركي" في ظل أزمة عالمية خطِرة، إذ من المتوقع أن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تأييداً واضحاً لمواقفها، وسيكون على إسرائيل إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع حليفتها الكبيرة والوحيدة، والتصرف مع واشنطن بشفافية مطلقة فيما يتعلق بعلاقاتها الضرورية والعملية مع روسيا (من أجل المحافظة على حرية العمل لكبح إيران)، وأن تحاذر من إظهار علاقات" قريبة جداً" مع موسكو (زيارات مع تغطية إعلامية والمشاركة في مناسبات)، وهو ما يمكن اعتباره مشكلة، في نظر الولايات المتحدة.
- في المقابل، من المحتمل في ظروف معينة أن يكون في استطاعة إسرائيل الاستفادة من فرصة الأزمة والاقتراح على الدولتين الكبيرتين هامشاً لتجسير الفجوات بينهما. وذلك بالاستناد إلى المنصة السياسية الثلاثية التي بُنيت في الماضي بين الطرفين في الشأن الروسي، والاجتماعات الثلاثية التي عُقدت في إسرائيل على مستوى مستشاري الأمن القومي. كما تستطيع إسرائيل أن تأخذ على عاتقها جزءاً من العبء الأمني في المنطقة، مثلاً في المجال الاستخباراتي، وفي مجال الأمن البحري، والحرب ضد داعش، والتخفيف قليلاً من أعباء حليفتها الكبيرة في وقت الأزمة.
- ثمة فرصة أُخرى على المستوى الإقليمي. على خلفية ضعف الاعتماد الأمني على أميركا وتصاعُد العدوانية الإيرانية، تسعى دول المنطقة لتقليص النزاعات، وتحاول أيضاً عقد أحلاف جديدة، وهذه العملية تؤدي إلى تغيُّر تدريجي في الهندسة الإقليمية. هذه الدينامية أدت، من بين أمور أُخرى، إلى اتفاقات التطبيع وحل الأزمة بين قطر ودول الخليج، واتفاقات ومحادثات بين إيران والإمارات، وإنهاء الخلاف الأيديولوجي والشخصي العائد إلى أكثر من عقدين بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحاكم الإمارات محمد بن زايد. ومن المتوقع أن يعزز تحوُّل الاهتمام في الدول الكبرى إلى أوروبا هذا التوجه، بينما لإسرائيل الكثير لتقترحه على المستوى التكنولوجي والاقتصادي والأمني، في الأساس في مجاليْ الدفاع الجوي والسيبراني.
- على هذه الخلفية، وفي مواجهة التهديدات الإيرانية، ثمة فرصة لتوسيع نطاق العلاقات مع لاعبين مهيمنين في المنطقة، مثل السعودية والإمارات والبحرين وتركيا، وتعميق إعادة الحرارة إلى العلاقات مع الدول التي وقّعت اتفاقات سلام، مثل مصر والأردن.