مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت إن إسرائيل قلقة للغاية من احتمال التوصل إلى اتفاق بين القوى العظمى وإيران بشأن برنامج طهران النووي، وأكد أن ذلك قد يتسبّب بمزيد من العنف وتراجع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وسيوفر مليارات الدولارات لطهران من أجل استخدامها في مهاجمة إسرائيل.
وجاءت أقوال بينت هذه في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، المنعقد في القدس مساء أمس (الأحد)، وادعى فيها أيضاً أن طهران تطالب خلال المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بشطب "الحرس الثوري الإيراني" من قائمة التنظيمات الإرهابية، ووصف طلبها هذا بأنه ذروة الوقاحة.
وشدد بينت على أن إسرائيل لن تقبل إيران كدولة عتبة نووية، وقال: "لدينا خط أحمر واضح لا يخضع للمساومة، وستحتفظ إسرائيل دائماً بحرية التصرف للدفاع عن نفسها".
وأوضح رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هناك خلافات وصفها بأنها كبيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بالاتفاقية التي تمت بلورتها خلال مفاوضات فيينا مع إيران، وقال: "لا شك في أن الولايات المتحدة هي صديقنا الأكبر والأقوى، إلا أننا نحن مَن نعيش مع إيران في منطقة الشرق الأوسط، ونحن مَن نتحمل العواقب". وفي الوقت عينه أكد بينت أن علاقات إسرائيل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستبقى وثيقة وقوية.
وأشار بينت إلى أن إسرائيل لا تعارض تلقائياً عقد أي اتفاق مع طهران، كما أشار إلى أن عدداً كبيراً من أولئك الذين دعموا الاتفاق النووي المبرم مع طهران سنة 2015 قلِق للغاية اليوم. وأضاف: "عندما نناقش هذه المسألة مع أصدقائنا الأميركيين نتفق جميعاً على أن الإيرانيين في مرحلة متقدمة جداً من مشروع تخصيب اليورانيوم. لقد تجاوزوا الخطوط الحمر، واحداً تلو الآخر، بما في ذلك التخصيب بمستوى غير مسبوق بنسبة 60%".
وأشار رئيس الحكومة إلى أن المشكلة الكبيرة الثانية في الاتفاقية هي أنه في غضون عامين ونصف العام، أي قريباً جداً، ستكون إيران قادرة على تطوير وتركيب وتشغيل أجهزة طرد مركزي فائقة التطور.
وزعم بينت أن الاتفاقية الجديدة تضع إيران في مسار سريع للتخصيب على مستوى عسكري، كما أنه بموجب هذه الاتفاقية لن يكون مطلوباً من إيران تدمير أجهزة الطرد المركزي التي طورتها في الأعوام الأخيرة. كذلك زعم أن إيران ستحصل، بحسب الاتفاقية، على مليارات الدولارات من أموالها المجمدة بسبب العقوبات الأميركية، فضلاً عن أن الاتفاقية ستتيح لإيران إمكان الاندماج في سوق الطاقة العالمية المزدهرة، وأكد أن نسبة كبيرة من هذه الأموال ستُستخدم لمهاجمة إسرائيل.
وقال بينت: "إن الاتفاقية الآخذة بالتبلور [مع إيران] ستضخ مليارات الدولارات إلى الآلة الإرهابية الإيرانية، وستؤدي إلى إنتاج مزيد من الطائرات من دون طيار، وإلى شنّ مزيد من الهجمات على السفن وطرق الملاحة البحرية، وإلى إطلاق مزيد من الصواريخ على إسرائيل وحلفائها، عبر وكلاء إيران في المنطقة".
وكان بينت توقّع أن يتم التوصل قريباً إلى اتفاق خلال محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، وأشار إلى أن هذه الأخيرة تقدمت بصورة كبيرة في تخصيب اليورانيوم، وذلك في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في مستهل الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية قبل ظهر أمس.
أكد وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس أنه في حال توصُّل مفاوضات فيينا إلى اتفاق نووي مع إيران فلن يكون هذا الاتفاق نهاية المطاف، وستبقى هناك حاجة إلى عمل دؤوب من أجل التيقن من أن إيران لا تستمر في التخصيب في منشآت أُخرى، وإلى زيادة الإشراف، كما أن ثمة أهمية كبيرة لاستمرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التحقيق والمراقبة في كل ما يتعلق بموضوع الملفات المفتوحة.
وقال غانتس في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (الأحد): "علينا التيقن من أن أجهزة الطرد المركزي المتطورة لا تتواجد في منشأة أُخرى قريبة أو بعيدة، والتأكد من لجم تطوير الصواريخ البالستية التي بمقدورها حمل رؤوس حربية نووية. وينبغي الاهتمام كذلك بأن تكون مدة الاتفاق لا تسمح لإيران بجعل القيود منتهية الصلاحية واستمرارها. ولزام علينا القيام بكافة الخطوات من أجل ضمان ألا تكون إيران أبداً دولة عتبة نووية. ويحظر على العالم قبول ذلك، وإسرائيل لن تقبل ذلك أبداً".
وأضاف غانتس أن إيران مسؤولة عن تسليح وكلائها في لبنان وتقويض السيادة والحكم في هذا البلد. وقال: "فقط هذا الأسبوع رأينا عدة محاولات من طرف حزب الله لانتهاك سيادة إسرائيل. وفي هذا السياق أقول، وبوضوح، إن كبار المسؤولين في حزب الله يعلمون جيداً وعن قرب أزيز محركات طائراتنا وقدراتها. إذا استلزم الأمر الهجوم بقوة، فسنفعل ذلك ونلحق ضرراً كبيراً بالحزب، وستتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية. سننفّذ عملياتنا في كل مكان يستدعي تدخُّلنا، وفي كل وقت". وأضاف أن إيران تستغل الرحلات الجوية المدنية من طهران إلى مطار دمشق الدولي لنقل أسلحة مقنّعة بعتاد مدني، وهو ما يعرّض المدنيين للخطر، كما تعرّض إيران الرحلات الجوية المدنية للخطر من خلال خطر تعرُّضها لطائرات من دون طيار، ولا سيما أن بعضها قد لا يكون قادراً على تغيير المسار.
من ناحية أُخرى، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي كافة الأطراف الضالعة في الأزمة الأوكرانية إلى بذل كل الجهود لتجنُّب إراقة الدماء.
قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد إنه في حال اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا فإن إسرائيل ستقف بطبيعة الحال إلى جانب حليفتها التقليدية الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أن هناك مصلحة إسرائيلية تقضي بالحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا.
وأضاف لبيد في سياق مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية 12 مساء أمس (الأحد)، أن إسرائيل أكثر حذراً من الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وعزا ذلك إلى سببين؛ الأول، ما وصفه بأنه الحدود مع روسيا عبر الحدود مع سورية في إشارة إلى النفوذ الواسع لموسكو في سورية، والثاني، وجود جالية يهودية كبيرة في كل من روسيا وأوكرانيا.
وأضاف لبيد: "إن وضعنا شبيه إلى حد ما بالوضع في دول البلطيق المجاورة لروسيا. لدينا حدود مع روسيا عبر حدودنا مع سورية بكل ما في ذلك من معنى"، وشدّد على أن التنسيق الأمني مع الروس هو ما يسمح لإسرائيل بمواصلة نشاطاتها المستمرة ضد الإيرانيين في الأراضي السورية.
وأشار لبيد إلى اهتمام الحكومة الإسرائيلية بسلامة وأمن الجاليات اليهودية في روسيا وأوكرانيا وأهمية هذا الاعتبار في اتخاذ القرار الإسرائيلي المتعلق بالأزمة المرتبطة بأوكرانيا.
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت إسرائيل ستشارك في العقوبات التي تهدّد الولايات المتحدة والدول الغربية بفرضها على روسيا في حال إقدام هذه الأخيرة على غزو أوكرانيا، على الرغم من الرغبة في الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو ومواصلة التنسيق الأمني معها في سورية، قال لبيد: "علينا أن ندرس ذلك". وأضاف: "في هذه المرحلة يختلف تقييمنا الاستخباراتي عن تقييم كل من واشنطن ولندن، ونحن نقدّر أن فرص غزو روسيا لأوكرانيا هي أقل بالنسبة إلى التقديرات التي يقدمها الأميركيون، لكننا بالتأكيد نستعد لكل الاحتمالات".
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت كرّر في وقت سابق أمس دعوته المواطنين الإسرائيليين المتواجدين في أوكرانيا إلى العودة فوراً، وشدّد على أن قدرة الحكومة الإسرائيلية على ضمان سلامتهم في حالات الطوارئ ستكون محدودة للغاية.
وقال بينت في بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إن حكومته تبذل جهوداً كبيرة في هذا الصدد، وأوضح أن أكثر من 3000 مواطن إسرائيلي غادروا أوكرانيا بالفعل عائدين إلى البلد، لكن لا يزال هناك الكثير من الإسرائيليين.
وتشير التقديرات لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن الإسرائيليين في أوكرانيا إلى أن عددهم يبلغ 14.000 شخص، وأن نحو 10.000 شخص منهم ما زالوا متواجدين هناك.
- التقارير الأخيرة بشأن المسألة النووية تزرع الهلع في قلوب متّخذي القرارات في إسرائيل: يبدو أن هناك تقدماً واضحاً في المحادثات في فيينا بين إيران والدول الكبرى، ومن المحتمل توقيع اتفاق نووي جديد قريباً. رئيس الحكومة نفتالي بينت سارع إلى التحذير قائلاً: "منذ توقيع الاتفاق الأصلي في سنة 2015 حدث أمران: تقدّم الإيرانيون كثيراً في بناء قدرة تخصيب، وفات الأوان. إذا وقّع العالم من جديد اتفاقاً من دون تمديد مدة سريانه، فهو سيمنح في النهاية عامين ونصف العام، وبعد ذلك سيكون من حق إيران تطوير وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة من دون قيود".
- نسي بينت الإشارة إلى أن إيران بدأت بخرق الاتفاق بعد عام ونصف العام من انسحاب الولايات المتحدة منه في سنة 2018، بقرار أحادي الجانب؛ كما نسي الإشارة إلى أنه كان لإسرائيل مساهمة كبيرة في حدوث ذلك، إذ وظفت كل جهودها الدبلوماسية وقدراتها العسكرية لإفشال الاتفاق قبل توقيعه، وهي الآن تشتكي من أن الاتفاق يقدم فترة زمنية قصيرة جداً لتجميد برنامج إيران النووي.
- هذا الكلام ليس دقيقاً، فالتجميد وأغلبية القيود ستكون سارية المفعول أعواماً طويلة، وفي كل الأحوال، لن يُسمح لإيران بتطوير سلاح نووي. بالإضافة إلى ذلك، ما دام الاتفاق ساري المفعول فإن تخفيف العقوبات وزيادة الرفاه الاقتصادي لإيران سيتيحان فحص نيات طهران بجدية، وليس هناك حاجة إلى مواصلة الحديث الدائم عن مؤامرة التهديد الوجودي.
- منذ حزيران/يونيو الماضي، عندما جُمّدت المفاوضات مع إيران، في ضوء الانتخابات الرئاسية هناك، سارعت إسرائيل إلى تسويق نظرية أن إيران لا تنوي العودة إلى طاولة المباحثات - وعندما استؤنفت المحادثات تنبأت إسرائيل بأن إيران تحاول المماطلة، وتنوي تطوير برنامجها النووي تحت غطاء المفاوضات. هاتان النبوءتان لم تتحققا. لقد فاوضت إيران بحزم ولم يكن طريقها خالٍ من المطبات، لكنها أظهرت جدية وإصراراً على توقيع الاتفاق.
- إذا أُبرم الاتفاق فإنه لن يُبدد كل مخاوف إسرائيل. ستظل إيران قادرة على تطوير صواريخ باليستية، وليس من المتوقع إيقاف تأييدها لحزب الله والحوثيين في اليمن والجهاد الإسلامي، أو الميليشيات في العراق. لكن في الوقت عينه، تسعى إيران لترميم علاقاتها مع السعودية والإمارات، ومع سائر دول الخليج التي تُعتبر حليفة لإسرائيل.
- يتعين على الحكومة الإسرائيلية فحص الاتفاق بعين الشك والريبة، والمشاركة في الجهد الدولي في مراقبة كل بنوده، والعمل على إحباط أي تهديد إيراني لمواطني إسرائيل. لكن عندما ترى الحكومة أن الاتفاق بحد ذاته تهديد، فإن ذلك يتعارض مع تطلُّعها إلى تحييد التهديد الوجودي الذي تشكله إيران للمواطنين الإسرائيليين.
- في الدراما الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، تؤدي إسرائيل دوراً غريباً غير مريح وغير سار: دور الصديق القديم لزوجين يمران بعملية طلاق. في البداية، عندما لم يكن الوضع بين الزوجين قد وصل إلى المحاكم، كان الصديق القديم قريباً من الطرفين. لكن بمرور الوقت، تفاقم النزاع شيئاً فشيئاً، وتحول الشجار الصامت إلى حرب صاخبة. هنا يأتي دور الصديق كي يدفع ثمن صداقته، إذ يطلب منه الطرفان، بإلحاح، اختيار أحدهما. هذا هو بالضبط الذي لا ترغب دولة إسرائيل في مواجهته.
- ومثل الصديق القديم، كان لدولة إسرائيل في العقد الأخير علاقات جيدة ومميزة مع روسيا بوتين، ومع أوكرانيا (التي أقامت معها الدولة اليهودية شبكة علاقات نوعية قبل أن يتولى رئاسة الحكومة فيها رئيس من أصل يهودي). طوال أعوام، وعلى الرغم من الاضطرابات التي حدثت بين روسيا وأوكرانيا، فإن إسرائيل نجحت في السير بين النقاط، والمحافظة على مصالحها من دون الانجرار إلى الحرب، ومن دون مواجهة خيار لا ترغب فيه واختيار الطرف الذي يجب أن تؤيده.
- في أثناء الأزمة الروسية - الأوكرانية السابقة، أزمة ضم الروس لشبه جزيرة القرم إليهم في سنة 2014، كانت المخاوف في إسرائيل مشابهة لمخاوفها اليوم. حينها، تباهى كبار المسؤولين في إسرائيل، وعلى رأسهم رئيس الحكومة آنذاك بنيامين نتنياهو، "بالعلاقات الخاصة مع الصديق بوتين". قبل عامين، نظّم نتنياهو لبوتين حدثاً مهماً في صيف 2012، كذريعة لزيارة الرئيس الروسي إلى إسرائيل. على شاطىء البحر المتوسط، وفي منطقة الكورنيش في مدينة نتانيا، أقيم احتفال لتدشين النصب التذكاري للجنود السوفيات الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية. وُلدت فكرة إقامة النصب التذكاري والاحتفال الجماهيري، ودعوة الرئيس بوتين كضيف أساسي، من رغبة نتنياهو (أو من رغبة الذين نصحوه بذلك ويعرفون شيئاً ما عن عقلية الساكن في الكرملين) في إيجاد سبل للوصول إلى قلب بوتين، وتحسين العلاقات الإسرائيلية - الروسية ورفعها إلى مستوى لم تشهده منذ سنة 1948.
- في تلك الفترة، في مطلع العقد، كان بوتين مفتوناً بفكرة توحيد الدول السلافية الثلاث، التي كانت جزءاً من دولة كبرى منذ زمن قريب، حول دورها في المساهمة السوفياتية في الانتصار على ألمانيا النازية. لم يكن للدول الثلاث - روسيا وأوكرانيا وبيلا روسيا - الكثير من الموضوعات المشتركة، لكن كانت لهم تضحية مشتركة ودموية، إذ سقط نحو 23 مليون مواطن من الاتحاد السوفياتي ضحايا في الحرب العالمية الثانية.
- أمِل بوتين بنجاحه في بناء حلف سلافي جديد حول التضحية المشتركة هذه. وقام بحملة عالمية كبيرة، وفي إسرائيل كان هناك مَن وجد في ذلك فرصة كبيرة، وسعى لإقناع نتنياهو الذي كان في بداية ولايته الأولى لرئاسة الحكومة (بعد عودته إلى الحياة السياسية)، فقفز على المناسبة بكل قوته. شخصان من محيطه المقرب، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ورئيس الائتلاف آنذاك زئيف إلكين، كانا يعرفان ويفهمان جيداً عقلية الزعيم الروسي، وهما اللذان وجّها العملية. وُجهت الدعوة إلى بوتين، وأقيم النصب التذكاري، وجاء ليبرمان بنفسه إلى مطار بن غوريون لاستقبال بوتين، والاحتفال مرّ بنجاح وتحقق الهدف.
- بعد مرور عامين على إقامة النصب، واجه الإنجاز الدبلوماسي اختبار ضم الروس لشبه جزيرة القرم. ليبرمان ونائبه إلكين ساهما في إقامة الخط الدبلوماسي الإسرائيلي، المبتكر والذكي، في النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وأثبت هذا الخط الدبلوماسي نفسه: فقد قامت إسرائيل بكل ما تستطيع القيام به، ونقلت رسائل محسوبة جيداً، ونجت من المشكلات.
- الآن، من المهم توضيح ماهية اللاعبين الذين تحاول إسرائيل المناورة بينهم من دون أن تصاب بأذى. القصة اليوم ليست بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا والولايات المتحدة. على الأقل بالنسبة إلى كل ما له علاقة بالمصلحة الإسرائيلية. فوائد الصداقة المرغوب فيها مع بوتين معروفة وواضحة. لم تمر زيارة واحدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية إلى روسيا من دون التشديد على "أنه بفضل العلاقات المميزة جداً مع الصديق بوتين، تحظى إسرائيل بحُرية العمل فوق الأراضي السورية".
- مقارنةً بالمكانة المركزية لروسيا في خريطة المصالح الاستراتيجية لدولة إسرائيل، ليس لأوكرانيا أهمية استراتيجية عموماً، بالنسبة إلى إسرائيل. وعلى الرغم من قسوة كل هذا الكلام، فإن أوكرانيا بدأت تصبح مهمة، بالنسبة إلينا، بسبب المواطنين الإسرائيليين من أصول أوكرانية، وليس بسبب الرئيس زيلنسكي اليهودي، الذي يبدو مؤثراً جداً، لكن لا يمكن أن يكون عاملاً مهماً في لعبة جيوسياسية كبيرة. العامل المقرر هو حقيقة واحدة ووحيدة، وهي أن أوكرانيا مدعومة من الولايات المتحدة وتشكل مصلحة أميركية في أوروبا الشرقية. نقطة على السطر.
- هنا يبدأ التردد الإسرائيلي الحقيقي مع كل وضع جديد لجولة توتُّر بين موسكو وكييف: هل من الأفضل الآن إثارة غضب بوتين، أو الرئيس بايدن؟ مثلاً، عند التصويت في الأمم المتحدة على الإدانة الدولية لضم شبه جزيرة القرم، وبعد نقاشات وترددات، قررت إسرائيل التغيب عن التصويت. ونجح ذلك، الطرفان غضبا، لكن الحدث كان هامشياً وحافظت إسرائيل على علاقاتها الجيدة مع الطرفين.
- بمرور الوقت، هدأت الأجواء بين روسيا وأوكرانيا قليلاً، وواصل ليبرمان وإلكين زياراتهما لبوتين أكثر من مرة. وبعد انتخاب فلاديمير زيلنسكي رئيساً لأوكرانيا، نجح إلكين، وهو من مواليد أوكرانيا، خلال وقت قصير، في بناء شبكة علاقات قريبة ومتطورة مع الرئيس الجديد والدائرة المقربة منه. وكان الرابح دولة إسرائيل حتى الجولة الحالية.
- في الأيام الأخيرة، أجرى المدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشبيز جولة محادثات ماراتونية شملت حديثاً معمقاً مع ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط. وسعى وزير السياحة، المقرب جداً من وزير الخارجية يائير لبيد، إلى تنظيم لقاء مع السفير الروسي في إسرائيل أناتولي فيكتوروف في محاولة لفهم ما يجري من وجهة نظر موسكو، وما هي الخطط القادمة، من خلال حديث مباشر، ومن دون الحاجة إلى مترجمين. إلى جانب المشاورات الداخلية بين الوزارات، تحدث يائير لبيد في أيام التوتر الأخيرة مع نظيره وصديقه وزير المال. يقولون إن تقدير أفيغدور ليبرمان كان طوال الوقت أنه "لن تحدث حرب ولا غزو، ومن المفيد لنا أن نهدأ".
- طبعاً، هذا التقدير المتفائل يُعتبر في الأحاديث المغلقة موثوقاً به، لكن حيال الخارج تستمر الخارجية الإسرائيلية في الالتزام بالخط الأميركي، من خلال التركيز على سلامة الإسرائيليين الموجودين في أوكرانيا...