مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
أعلن بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية أمس (الخميس) أن إسرائيل تعمل على تطوير منظومة ليزر لاعتراض الصواريخ وقذائف الهاون، أُطلق عليها اسم "ماغين أور" [واقي الضوء]، وأشار إلى أن وزارة الدفاع ستوقّع، قريباً، عقداً مع شركة "رافائيل" لتطوير الوسائل القتالية لإنتاج هذه المنظومة، وسيتم في المرحلة الأولى توظيف مئات ملايين الشيكلات، ولاحقاً سيوظَّف مبلغ مماثل، وتشير التقديرات السائدة لدى الشركة إلى أن هذه المنظومة ستكون جاهزة للاستخدام العملاني بعد 3 أعوام.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام خلال جولة قام بها في مجمع شركة "رافائيل"، إن هذا التطور هو بمثابة خطوة مهمة لتعزيز أمن سكان إسرائيل حيال الأخطار المحدقة بهم من قطاع غزة ولبنان وسورية، وفي ظل التهديد الإيراني ومخاطر المنظمات الإرهابية.
وأضاف وزير الدفاع: "هذا سيستغرق الكثير من الوقت والإجراءات طويلة، لكن سنعمل بكل ما في وسعنا من أجل إنهاء المشروع في وقت أقصر، ونأمل بأن يتم ذلك بسرعة".
ووصف غانتس هذه المنظومة بأنها خفيفة وفعالة وغير مكلفة، مقارنةً بوسائل الدفاع الأُخرى، مثل "القبة الحديدية" وغيرها.
وأكد غانتس أن المشروع سيعود بالفائدة بسبب عاملين، الأول لأن المنظومة ستُستخدم من أجل الدفاع، والثاني لأن المشروع سيكون بمثابة بشرى بالنسبة إلى دول عديدة، وذلك لكون هذه التجربة تُعد الأولى من نوعها في العالم، كما أن من شأن هذا المشروع أن ينعش إسرائيل اقتصادياً.
وقال رئيس وحدة البحث والتطوير في وزارة الدفاع العميد احتياط يانيف روتيم إن منظومة الليزر التي يتم تطويرها لا تهدف إلى استبدال منظومة "القبة الحديدية"، أو منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية الأُخرى، وإنما إلى استكمالها.
قالت قناة التلفزة الإسرائيلية "كان" [تابعة لهيئة البث الرسمية الجديدة] الليلة قبل الماضية، إن النتائج الأولية لتشريح جثمان الشاب سند سلام الهربد (27 عاماً) الذي قُتل برصاص الشرطة الإسرائيلية في مدينة رهط البدوية في النقب [جنوب إسرائيل] يوم الثلاثاء الفائت، أظهرت أنه أصيب برصاصتين من الخلف في ظهره وردفيه، وأشارت إلى أن التشريح لم يتمكن من تحديد المسافة التي أُطلقت منها النار في اتجاه الشاب القتيل.
وكان بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية أشار إلى أن الهربد لقي مصرعه خلال قيام قوة خاصة من المستعربين تابعة للشرطة، بمرافقة عناصر من جهاز الأمن العام ["الشاباك"]، بمداهمة مدينة رهط لاعتقال فلسطينيين من المناطق [المحتلة] تسللوا إلى إسرائيل بصورة غير قانونية. وأضاف البيان أن القوات الخاصة تعرضت خلال المداهمة لعملية إطلاق نار من طرف ثلاثة أشخاص قام أحدهم، وهو الهربد، بتصويب مسدسه نحوها من مسافة قريبة في أثناء تبادُل إطلاق النار، وهو ما دفع أفراداً من القوة إلى إطلاق النار عليه وقتله. في المقابل، أكدت عائلة الهربد ورئيس بلدية رهط فايز أبو صهيبان أن القتيل كان غادر منزله في طريقه إلى عمله في وسط إسرائيل عندما اعترضته قوات الشرطة وأطلقت النار عليه.
وأشار أبو صهيبان إلى أن الهربد لا علاقة له بالأشخاص الذين تلاحقهم الشرطة، وربما لم يكن يعرف حتى أنهم من رجال الشرطة، لأنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية.
وقال بيان صادر عن وحدة التحقيقات الداخلية في الشرطة الإسرائيلية ["ماحش"] التابعة لوزارة العدل، إنها بدأت بإجراء تحقيق لتقصّي وقائع قيام الشرطة بإطلاق النار على الهربد.
وأصرّ الشرطي المشتبه به بإطلاق النار، خلال استجوابه من طرف المحققين، على أن الهربد أطلق النار على القوة الشرطية، وأنه شعر بخطر يهدد حياته عندما أطلق النار عليه وأرداه قتيلاً.
وجهت السفارة الأوكرانية في إسرائيل انتقادات حادة إلى معاملة هذه الأخيرة للاجئين الأوكرانيين، وشددت على أن اللاجئين الأوكرانيين من غير اليهود القادمين إلى إسرائيل يتعرضون لتمييز مُشين.
وقالت السفارة الأوكرانية، في تغريدة نشرتها في حسابها الخاص على موقع "تويتر" أمس (الخميس)، إن السياسة الحالية التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية لا تعمل على إيجاد حل للتحديات الرئيسية الماثلة أمام اللاجئين الأوكرانيين من غير اليهود.
وأضافت السفارة أنه في الوقت الذي تقوم روسيا بارتكاب عمليات إبادة جماعية ضد الأوكرانيين، تصرّ الحكومة الإسرائيلية على إجراء مسح صارم لجميع اللاجئين من أوكرانيا. وحثّت السفارة مَن وصفتهم بأنهم أصحاب القرار في إسرائيل على إلغاء سياسات المحاصصة والعقبات المصطنعة الأُخرى التي توضع أمام النساء والأطفال الفارين من أوكرانيا التي مزقتها الحرب.
ذكر بيان صادر عن وزارة الصحة الإسرائيلية أنه اكتُشفت في إسرائيل في الأيام القليلة الفائتة حالتا إصابة مؤكدتان بالمتحور الجديد لفيروس كورونا الذي يجمع ba1 (أوميكرون) وba2، وهو متحور غير معروف بعد في العالم.
ووفقاً للبيان، تبيّن ذلك من تحليل للتسلسل الجينومي أُجريَ، مؤخراً، لشخصين عادا إلى إسرائيل من الخارج.
وأشار البيان إلى أن المُصابيْن بهذا المتحور الجديد يعانيان أعراضاً طفيفة تتمثل في ارتفاع حرارة الجسم وألم في الرأس وفي العضلات، ولم يضطرا إلى تلقّي علاج طبي استثنائي.
من ناحية أُخرى، قال بيان وزارة الصحة إنه خلال الساعات الـ 24 الماضية، تم تسجيل 6310 حالات إصابة جديدة بكورونا، وانخفض عدد المرضى الذين توصف حالتهم بأنها خطرة إلى 335، ويستعين 151 منهم بأجهزة تنفس اصطناعي، بينما وُصفت حالة 90 مصاباً بأنها متوسطة. وبلغت حصيلة حالات الوفاة الناجمة عن الوباء منذ ظهوره في إسرائيل 10.401 حالة.
أكد المدير عام لمصلحة السكان والهجرة التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية تومر موسكوفيتش أن إسرائيل تنتهج سياسة تمييز في كل ما يتعلق بموضوع الهجرة إليها لمصلحة مستحقي "قانون العودة" أولاً وقبل أي شيء، وشدّد على أنها أقيمت بالأساس من أجل هذا.
وجاء تأكيد موسكوفيتش هذا في سياق مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" وتنشر نصّها الكامل في ملحقها الأسبوعي اليوم (الجمعة)، وذلك على خلفية تصاعُد موجة الانتقاد لسياسة التمييز هذه، سواء داخل إسرائيل، أو من جانب الحكومة الأوكرانية ومنظمات دولية، ووصفها بأنها غير إنسانية، ولا تتلاءم مع القانون الدولي.
وأشارت الصحيفة في مستهل المقابلة إلى أن إسرائيل رفضت دخول لاجئين من أوكرانيا فرّوا من الحرب الدائرة في بلدهم، وسمحت بدخول لاجئين آخرين بشروط، بينها إيداع كفالة مالية بآلاف الشيكلات، لكنها في المقابل، سمحت بدخول لاجئين يوصفون بأنهم من مستحقي "قانون العودة" الذي يسمح بهجرة اليهود وأشخاص من غير اليهود، لكن لديهم قريب يهودي حتى ولو كانت هذه القرابة بعيدة.
وقال موسكوفيتش للصحيفة إن أوكرانيا هي اليوم الدولة رقم واحد في العالم التي يأتي منها مقيمون غير قانونيين بإسرائيل. كما أنه يوجد هنا مجتمع مؤلف من 200.000 إسرائيلي جاءوا من أوكرانيا [في إطار موجة الهجرة الكبيرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق في تسعينيات القرن العشرين الفائت]، ولذا توجد خلفية قوية للتخوفات الإسرائيلية.
وبرّر موسكوفيتش هذه السياسة الإسرائيلية ضد اللاجئين من أوكرانيا بقوله "هناك حروب كثيرة في العالم، وهناك مجاعة وكوارث طبيعية، وهناك نساء تهربن من رجال عنيفين، وباختصار، هناك مصائب كثيرة وتجري أمور رهيبة طوال الوقت، فهل يعني ذلك أن علينا أن نستوعب هنا أشخاصاً من دون أي تمييز؟ أنا أعتبر نفسي حارساً لحدود الدولة، ولا يمكنني فتح البوابة أمام الجميع. في حال قيام إسرائيل بالإيحاء للعالم أن حدودها مفتوحة، لن يكون بالإمكان وقف تدفُّق اللاجئين إليها، وهذه وصفة للقضاء بشكل مطلق على إسرائيل كدولة غربية وديمقراطية، وبالأساس كدولة يهودية".
وأضاف موسكوفيتش: "أنا لا أخجل بتاتاً من’ قانون العودة’ ومن أننا دولة الشعب اليهودي. يقولون إنني أميز بين لاجئ وآخر، وأنا لا أنكر ذلك بل أفعله على رؤوس الأشهاد، وعلى دولة إسرائيل أن تميز في سياسة الهجرة لمصلحة مستحقي’ قانون العودة’، وحتى عندما تُقرع طبول الحرب، يتعين على مراقبي الحدود انتقاء الداخلين إلى البلد بكل الصرامة المطلوبة".
- مَن يملك القدرة على توزيع انتباهه على أكثر من جهة، استطاع هذا الأسبوع أن ينتبه إلى ما يحدث في إسرائيل أيضاً، واطّلع على قرار مهم جداً اتخذته الحكومة: إقامة مدينة جديدة. المدينة التي سيُطلق عليها اسم "كاسيف"، ستقام في وسط النقب، وتخصَّص للجمهور الأرثوذكسي الحريدي. في المرحلة الأولى، سيُبنى فيها نحو 20 ألف وحدة سكنية، بالإضافة إلى منطقة صناعية للتكنولوجيا المتطورة. وإلى جانب حل أزمة السكن لدى الحريديم، فإن إقامة المدينة في المنطقة المذكورة، تحديداً، ستساعد بصورة غير مباشرة في منع استيلاء البدو على الأراضي في النقب، الأمر الذي ازداد بصورة مرعبة خلال الأعوام الأخيرة.
- القرار ذاته أيضاً يشمل توسيع نيتسانا، التي كانت حتى اليوم مؤسسة تعليمية دينية تأسست على يد لوبا إلياف. في نيتسانا، في الحي الموجود في الجزء الجنوبي من النقب على الحدود مع مصر، سيسكن في المرحلة الأولى قرابة 10 آلاف شخص. هنا أيضاً، يوجد هدف سياسي واضح جداً: وقف مبادرات مختلفة لـ "تبادُل أراضٍ"، يحلم بها بعض مراكز الأبحاث "الاستراتيجية"، ومنظمات داعمة للفلسطينيين تعيش على "صناعة السلام". الفكرة: نقل أراضٍ في منطقة حلوتسا إلى الدولة الفلسطينية، في مقابل تنازُلها عن قطعة ضيقة موجودة في الضفة الغربية، وفيها تتركز "كتل استيطانية".
- قرار الحكومة التي تملك فيها حركة ميرتس وحزب العمل والقائمة العربية الموحدة (راعام) حق النقض (فيتو)، هو جزء من خطة أوسع: إقامة عشر بلدات إضافية، بدفع ومبادرة من وزير الإسكان زئيف إلكين ووزيرة الداخلية أييليت شاكيد. ويبدو أن "حكومة بينت التي تخدم الإخوان المسلمين"، بحسب وصف بنيامين نتنياهو، تقوم بتمرير قرارات صهيونية أكثر شجاعة من حكوماته التي لم تقُم بأي شيء. نعم، يتضح، تحديداً، أن حكومة "القائمة العربية الموحدة"، بحسب الوصف الدوري في القناة 14 وإذاعة "الجيش الإسرائيلي"، تبادر وتنفّذ في مجالات صهيونية استراتيجية كثيرة لم يقُم نتنياهو بفعل أي شيء من أجلها.
- ومن المفاجئ أن قرار الحكومة اتُّخذ في ظل انتقادات واسعة من الحريديم. هؤلاء الذين بنَت لهم الدولة بلدات وأحياء كاملة في الشمال والوسط، يرفضون النقب. ما علاقة الحريديم بالمهمات القومية، حتى لو لم تكن هذه المهام عبارة عن خدمة عسكرية، أو حتى خدمة مدنية. حقيقة أن الدولة ستدعم، بسخاء، أسعار الوحدات السكنية، كما تدعمها دائماً، لم تكن كافية بالنسبة إلى نائب رئيس الكنيست يعقوب آشر. "هذه الحكومة"، كما جاء في ردّه، "تعمل على تحويل الحريديم إلى مواطنين من الدرجة د". وأضاف: "أقترح على الوزير إلكين أن يرسل أولاده للسكن في الكسيفة، إلى جانب شركائه الحكوميين من راعام".
- تجار أصوات حريديم آخرون، مثل يعقوب ليتسمان وموشيه غافني، ردوا بالطريقة عينها. هذه التصريحات ضد إقامة خطط بناء على شاكلة كاسيف، وضد قوانين كقانون التجنيد، تؤكد إلى أي درجة وصل انفصال هؤلاء عن حاجات جمهورهم. قانون التجنيد الذي أُقرّ قبل نحو شهر، يعفي الحريديم من التجنيد. كل طالب متدين يستطيع الخروج إلى الحياة المدنية في جيل الـ 21 عاماً، ويحصل على مهنة. وأيضاً، هذا القانون المضحك يعتبره السياسيون الحريديم "كارثة".
- إذا تمّ بناء كاسيف، من دون حل آخر لمشكلة السكن لدى الحريديم، فإنهم سيسكنون فيها، جماعياً. بذلك، سيتحولون على الأقل في مجال واحد، من فئة تأخذ فقط، إلى فئة تساهم أيضاً في جهد قومي أهميته لا تضاهى، حتى لو كان هذا من دون قصد.
- في مؤتمر صحافي عقده سفير أوكرانيا في إسرائيل لطلب المساعدة من إسرائيل، قارن بين الوضع في بلاده بعد الغزو الروسي وبين الوضع في إسرائيل في حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]. طبعاً، لا مجال لهذه المقارنة، باستثناء نقطة واحدة. في الحالتين، كان لدى الدولتين المعرّضتين للتهديد ضمانات دولية تبين أنها لا تساوي الحبر على الورق الذي وقّعتها به الدول الكبرى. في "مذكرة بودابست" الموقّعة في كانون الأول/ديسمبر 1994، حصلت كييف في مقابل تخلّيها عن مخزون السلاح النووي، الذي بقي هناك منذ الفترة التي كانت فيها عضواً في الاتحاد السوفياتي، على ضمانات من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا باحترام حدودها وسلامة أراضيها والامتناع من تهديدها، أو استخدام القوة ضدها. قبل الاحتلال الروسي، حاولت كييف تفعيل بند الخطوات العملية لضمان أمن الأوكرانيين، مثلما طلبت إسرائيل في حرب حزيران/يونيو تطبيق الضمانات التي أُعطيت لها في مقابل انسحابها من سيناء في سنة 1957، ونحن نعرف النتيجة.
- طبعاً، هذه ليست المرات الوحيدة التي ثبت فيها أن الضمانات الدولية غير قابلة للتطبيق. ونشوب الحرب العالمية الثانية هو المثل الأبرز في التاريخ الحديث على فشل الدول الكبرى في أوروبا في الوفاء بتعهداتها في مواجهة انتهاكات ألمانيا النازية للاتفاقات. والحرب العالمية الأولى، تحديداً، هي نموذج من منظومة التحالفات بين الدول الأوروبية، والتي استُخدمت وتسببت بملايين القتلى، قرابة 40 % منهم من المدنيين. ضمن هذا الإطار، من المفيد تذكُّر الحجة التي طُرحت خلال حرب فيتنام، وهي أنه لو كانت وسائل الإعلام في الستينيات موجودة خلال الحرب العالمية الأولى، وأظهرت حجم الدمار في معركة فردان مثلاً، التي قُتل فيها نحو مليون جندي، لكانت الحرب توقفت في سنة 1916. كما أن حجم الدمار الذي شاهده العالم، مؤخراً، ومقتل مئات الآلاف من المدنيين في سورية من دون أن يثير ذلك ردة فعل ملموسة من العالم "المتنور"، غذّى طبعاً الحديث عن وسائل الإعلام الحديثة كأدوات كابحة للقتل الجماعي.
- هناك ادعاء راسخ اليوم بين الباحثين في المحرقة النازية، هو أن هتلر توصل إلى نتيجة الحل النهائي بعد أن رأى لامبالاة العالم إزاء الاضطهاد وعمليات القتل الجماعي التي تعرّض لها يهود أوروبا الشرقية. في المقابل، ما من شك في أن عدم تدخُّل الغرب لمنع قتل مدنيين واستخدام سلاح غير تقليدي، ونزوح ملايين اللاجئين من سورية، كان درساً استوعبه الكرملين. العامل الوحيد الذي يمكن أن يمنع بوتين من التسبب لأوكرانيا بالدمار والخراب الذي أصاب سورية، هو الجبهة التي تتبلور في الغرب وتداعياتها الاقتصادية على روسيا، وربما ردود داخلية على نتائج الغزو، والتي لا توجد دلائل عليها حتى الآن.
- ما هي الدروس بالنسبة إلى الدولة اليهودية؟ قبل نشوء الدولة، أدركت الزعامة اليهودية، التي كانت لا تزال تعاني جرّاء صدمة المحرقة النازية، بسرعة أن قرار التقسيم، الذي أعلنته الأمم المتحدة وأيّدته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، لن يقدم لها دولة "على طبق من فضة". وتحول مبدأ الاعتماد على نفسها فقط إلى مبدأ أساسي في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وعلى الرغم من الانتقال إلى التفاهم مع الغرب، فإن بن غوريون فهِم بسرعة كبيرة بأنه لن يحصل على ضمانات لوجود إسرائيل من الدول الكبرى في الغرب، ولو حصل عليها، فإنها لن تصمد أمام اختبار الزمن. صحيح أنه هو الذي وضع مبدأ عدم خوض حرب من دون الاتفاق مع دولة كبرى، لكن هذا لم يكن كافياً، وكان هناك حاجة إلى مكون آخر في القدرة الردعية الإسرائيلية.
- ووفق الدلائل التي بدأت تظهر في الأعوام الأخيرة، بدأ التفكير في خيار نووي بالظهور في مراحل سبقت تشكُّل الدولة. على خلفية هذا التفكير، كان بن غوريون مستعداً للدخول في مواجهة مع الرئيس الكاريزماتي والشعبي في الولايات المتحدة [هاري ترومان]. لاحقاً، رسّخ رئيس الحكومة مناحيم بيغن، القادم من المعسكر المضاد (الليكود)، هذا التفكير من خلال مواجهته مع رئيس صديق مثل رونالد ريغان، عندما هاجم خيار خلق توازُن نووي بين إسرائيل وبين الدول العربية. الحكومات برئاسة أولمرت ونتنياهو، ومؤخراً بينت، التي لا يوجد شك في قُربها من بعضها البعض، استمرت في نهج عدم المسّ بحصرية الخيار النووي الإسرائيلي.
- في الختام، نود الإشارة إلى زاوية أُخرى في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، ربما كانت خفية، لكنها ظهرت من جديد، وهي الوجود الروسي في الشرق الأوسط. يتبنى بوتين العقيدة الكلاسيكية الروسية التي تعتبر الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط منطقة يجب التواجد فيها. هذا الإدراك تجلى في سياسات عدم التضامن مع إسرائيل في الأعوام الأولى للدولة، والانسحاب من سيناء في سنة 1957 تحت التهديد السوفياتي، ومسؤولية الكرملين عن أزمة أيار/مايو 1967، وخوف دايان من الدخول في مواجهة مع الجيش الروسي خلال حرب الأيام الستة وبعدها. ويجب علينا أن نتذكر الأزمة الاستراتيجية التي نشبت بين واشنطن وموسكو مع نهاية حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973].
- الوجود الروسي في سورية والتنسيق مع بوتين الذي سمح لحكومة نتنياهو بقصف الميليشيات الإيرانية الموجودة هناك، تحول إلى "ثروة نفيسة" في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. بناءً على ذلك، وفي عالم لا تقدّم فيه الضمانات الدولية أمناً موثوقاً به، يتعين على رئيس الحكومة بينت الاستمرار في سياسته الحذرة، أو سياسة "السير بين النقاط" التي انتهجها، والتي تعرضت للسخرية من اتجاهات مختلفة. وفي الواقع، فإن الغرض من التوسط بين روسيا وأوكرانيا، من بين أمور أُخرى، تبرير موقف إسرائيل هذا. هذه الوساطة، على الرغم من الوعظ الأخلاقي للرئيس الأوكراني اليهودي، الذي نقدّر صموده البطولي في الأزمة الحالية، وعلى الرغم من الوعظ الأخلاقي في وسائل الإعلام الغربية، فإنه يجب عدم التهاون بها. ففي عالم نرى فيه الضمانات الدولية تُداس أمام أعيننا، لا مجال للمجاملات.