مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطاب وجهه إلى الكنيست الإسرائيلي عبر تطبيق "زووم" مساء أمس (الأحد)، أن تتخذ إسرائيل خيار دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.
وقال زيلينسكي الذي طالما شدّد على انتمائه إلى الديانة اليهودية، إن أوكرانيا اتخذت قبل 80 عاماً خيار إنقاذ اليهود مشبّهاً في عدة نقاط الغزو الروسي لبلده بالهولوكوست، ومشدّداً على أن اللامبالاة من شأنها أن تقتل.
ووجه زيلينسكي انتقاداً شديداً إلى إسرائيل، متسائلاً لِمَ تتخذ هذه الأخيرة موقف المتفرج ولا تختار دعم أوكرانيا التي تتعرض للعدوان ولِمَ لا تفرض عقوبات على روسيا وتزود بلده بالأسلحة على غرار منظومة "القبة الحديدية" التي وصفها بأنها أفضل منظومة دفاعية ضد الصواريخ في العالم. وأكد أن الحديث لا يدور حول التوسط في نزاع بين دولتين بل حول الاختيار بين الصالح والشرير.
كما قارن الرئيس الأوكراني بين الاجتياح الروسي لبلده الذي وصفه بأنه حرب إبادة يسعى لتطبيق الحل النهائي وبين الاحتلال النازي له وإبادة اليهود في إبان الهولوكوست. وانتقد سياسة إسرائيل المقيّدة لدخول النازحين الأوكرانيين في الوقت الذي يدافع بلده عن مواطنيه اليهود، وأشار إلى أن إسرائيل ستكون مضطرة إلى الردّ على كل هذه التساؤلات أمام ضميرها.
وكان رئيس الكنيست ميكي ليفي أعرب قبل خطاب زيلينسكي عن تضامن الكنيست الإسرائيلي مع آلام ومحنة الشعب الأوكراني الذي يتعرض للاعتداء في عقر داره ويضحي بالأرواح. وأكد أن الغزو الروسي يشكل خرقاً سافراً للنظام الدولي ويجب القيام بكل ما هو مستطاع لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن.
ورفض بعض الوزراء انتقادات زيلينسكي وأكدوا أنه ظلم إسرائيل بأقواله هذه واستخدم الهولوكوست بلا مبرر في المقارنة التي أجراها.
وقال وزير الاتصال يوعز هندل: "إني أقدر رئيس أوكرانيا وأدعم الشعب الأوكراني، لكن من المستحيل إعادة كتابة التاريخ الرهيب للهولوكوست والإبادة الجماعية التي ارتكبت على الأراضي الأوكرانية أيضاً. إن الحرب مروعة لكن المقارنة مع الهولوكوست والحل النهائي شائنة".
وقد تابع أكثر من 1000 شخص خطاب الرئيس الأوكراني على شاشة ضخمة نُصبت في وسط تل أبيب وردد بعضهم هتافات مناوئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
علمت قناة التلفزة الإسرائيلية "كان" [تابعة لهيئة البث الرسمية الجديدة] أن اللجنة الوزارية لشؤون التزوّد بالأسلحة والمعدات القتالية صادقت مساء أمس (الأحد) على شراء صواريخ اعتراضية ورادارات بتكلفة تقدر بمئات ملايين الشيكلات لخطة أمنية إقليمية مخصصة لمواجهة تهديدات حزب الله وإيران في منطقة الحدود الشمالية.
وتنص الخطة بين أمور أُخرى على تغيير وجهة النظر المتعلقة بالدفاع عن المنطقة، وكذلك على مواجهة إطلاق صواريخ وقذائف متطورة بواسطة مراكز قيادة وسيطرة إقليمية سوف تُقام تحت الأرض.
ويشار إلى أنه تمت المصادقة على خطة مشابهة قبل عدة أعوام في جنوب إسرائيل تقدر قيمتها بـ140 مليون شيكل، أمّا الخطة الحالية فستكون تكلفتها أعلى بكثير ومن شأنها أن تتيح مواجهة جيدة وفعالة أكثر أمام التهديدات القائمة.
وجاءت المصادقة على هذه الخطة بعد وقوع سلسلة من الأحداث خلال الأشهر الأخيرة أظهرت كما لو أن هناك معركة جديدة أمام إيران ولا سيما في مجال الطائرات المسيرة المحملة بالأسلحة.
فقبل أكثر من أسبوع كشف الجيش الإسرائيلي أنه اعترض قبل نحو عام بواسطة طائرات الشبح "إف 35" طائرات مسيرة إيرانية كانت في طريقها من إيران إلى إسرائيل كانت تحمل أسلحة إلى ناشطي "حماس" في الضفة الغربية وغزة. وقبل نحو شهر أسقط الجيش الإسرائيلي مسيرتين اخترقتا الأراضي الإسرائيلية، الأولى لحزب الله اخترقت الحدود من المناطق اللبنانية، والثانية اخترقت الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة. وبعد يومين من ذلك اخترقت طائرة مسيرة منطقة الحدود من لبنان وبعد دقائق فقدت آثارها، وأعلن حزب الله المسؤولية عن إطلاق المسيرة مشيراً إلى أن الحديث يدور حول مسيرة لأغراض جمع معلومات استخباراتية اخترقت الحدود مسافة 70 كم، ومكثت في إسرائيل 40 دقيقة وعادت إلى لبنان.
ذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية أن شرطييْن أصيبا بجروح متوسطة وطفيفة في إثر تعرضهما لعملية طعن في حي راس العامود في القدس الشرقية أمس (الأحد).
وأضاف البيان أن مرتكب العملية لاذ بالفرار وأن الشرطة تقوم بأعمال تمشيط واسعة في المنطقة بحثاً عنه.
وأشار البيان إلى أنه في وقت سابق أمس تعرّض مستوطن إسرائيلي لعملية طعن في القدس الشرقية نفذها شاب فلسطيني من سكان حي الثوري الأمر الذي أدى إلى إصابته بجروح متوسطة. وأفاد أن رجال الشرطة قاموا بإطلاق النار على مرتكب العملية وهو ما أسفر عن إصابته بجروح خطرة.
أعلن بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية مساء أمس (السبت) أن رئيس الحكومة نفتالي بينت سيقوم في أوائل نيسان/أبريل المقبل بأول زيارة رسمية له إلى الهند تلبية لدعوة وجهها إليه رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي وذلك بمناسبة مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات بين البلدين.
وأشار البيان إلى أن الزعيمين التقيا أول مرة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ الذي عقد في غلاسكو [اسكتلندا] في تشرين الأول/أكتوبر 2021 وفيه دعا مودي بينت إلى القيام بزيارة رسمية إلى الهند.
ووفقاً للبيان سيناقش الطرفان خلال الزيارة تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الابتكار والاقتصاد والبحث والتنمية والزراعة، وسيلتقي بينت كبار المسؤولين الحكوميين ومن المتوقع أن يزور الجالية اليهودية في البلد.
أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت مجدّداً عن قلقه من أن توافق الولايات المتحدة على إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية بموجب الاتفاق النووي المنتظر توقيعه مع طهران.
وقال بينت في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام في مستهل الاجتماع الذي عقدته الحكومة الإسرائيلية أمس (الأحد): "نحن قلقون جداً من وجود نيّة لدى الولايات المتحدة للاستجابة للمطلب الإيراني الداعي إلى إخراج الحرس الثوري الإيراني، الذي هو أكبر منظمة إرهابية في العالم وأكثرها دموية، من قائمة المنظمات الإرهابية".
وأضاف بينت أنه يلمس تصميماً على توقيع الاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن تقريباً بما في ذلك القول إن أكبر منظمة إرهابية في العالم ليست منظمة إرهابية، وأكد أن هذا ثمن باهظ جداً. وشدّد على أن إسرائيل ستبقى ثابتة على موقفها في اعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية ومعاملته بالمثل حتى وإن صدر قرار أميركي بعكس ذلك.
وكان بينت ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد حثّا الولايات المتحدة في بيان مشترك أصدراه يوم الجمعة الفائت على عدم إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.
وجاء في البيان: "إن الحرس الثوري الإيراني هو منظمة إرهابية قتلت آلاف الأشخاص بمن فيهم أميركيون. إننا نواجه صعوبة في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستزيله من تعريف المنظمة الإرهابية. إن مكافحة الإرهاب هي مهمة عالمية ونعتقد أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أقرب حلفائها في مقابل وعود فارغة من الإرهابيين. إن الحرس الثوري الإيراني هم حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، والحوثيون في اليمن، والميليشيات في العراق. ويقف الحرس الثوري وراء الهجمات على المدنيين والجنود الأميركيين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك خلال العام الماضي. إنهم من يقفون وراء خطط اغتيال كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. كما شارك عناصر الحرس الثوري في قتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين، ودمروا لبنان، وهم متورطون في قمع قاتل للمدنيين الإيرانيين. إنهم يقتلون اليهود لأنهم يهود والمسيحيون لأنهم مسيحيون والمسلمون لأنهم لا يستسلمون لهم. إنهم جزء أساسي لا يتجزأ من آلة القمع القاتلة في إيران. أيديهم ملطخة بدماء آلاف الإيرانيين، والدوس على روح المجتمع الإيراني. إن محاولة إلغاء تعريف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية إهانة للضحايا ومحو واقع موثق بأدلة قاطعة. إننا نجد صعوبة في تصديق أنه سيتم إلغاء تعريف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية في مقابل الوعد بعدم إلحاق الأذى بالأميركيين".
وجاءت تصريحات بينت والبيان المشترك مع لبيد في إثر تقارير إعلامية أجنبية أشارت إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن يدرس مؤخراً إعادة النظر في مسألة إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية، وذلك في ضوء الاقتراب من إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وفي المقابل ستلتزم طهران بخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.
وتم تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية من جانب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم سنة 2015.
وقالت مصادر سياسية رفيعة المستوى في واشنطن الأسبوع الماضي إنها قريبة من إبرام اتفاق مع إيران لإحياء اتفاق 2015 الذي شهد تخفيف القوى الغربية للعقوبات، في مقابل فرض قيود على برنامج طهران النووي، وذلك كمحصلة للمحادثات التي جرت في فيينا بشأن استعادة الاتفاق المذكور والتي بدأت في نيسان/أبريل الماضي بين بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وإيران، مع مشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
في المقابل أكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى في إيران أن هناك نقطتين شائكتين متبقيتين في فيينا، وهما الحصول على ضمانات اقتصادية في حال تكرار إدارة أميركية مستقبلية خطوة إلغاء الاتفاق كما فعلت إدارة ترامب، وإعادة النظر في وضع ومكانة الحرس الثوري الإيراني.
- يقوم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بجولة في برلمانات العالم، بدأها قبل أسبوعين في "أم البرلمانات" البريطاني، وانتقل بعدها إلى الكونغرس الأميركي والبوندستاغ الألماني، ثم زار البرلمان الكندي في أوتاوا، والأوروبي في ستراسبورغ، ولا يزال أمامه اليابان وإيطاليا. وعلى الطريق، منح الكنيست في إسرائيل عشر دقائق.
- وفي جميع خطاباته حتى الآن، انتقد بشدة الحكومات المستضيفة بسبب عدم تقديمها مساعدات عسكرية كافية لأوكرانيا، وهاجم الأميركيين والبريطانيين بسبب رفضهم استخدام سلاح الجو الخاص بهم، وسائر دول الناتو، كي تفرض مناطق حظر جوي في سماء أوكرانيا. أمّا انتقاده لإسرائيل فكان بسبب رفضها تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية.
- لم يكن ثمة فرق كبير في حدة الانتقاد الذي وجهه زيلينسكي إلى كل من إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، لكن انتقاده السياسة الإسرائيلية كان ممزوجاً بخيبة أمل ظهرت في الخطاب. لقد توقع المزيد من إسرائيل بسبب التاريخ المشترك للشعبين؛ صحيح أنه غيّر في التاريخ قليلًا حين حاول أن يقدم الأوكرانيين على أنهم أنقذوا اليهود خلال المحرقة، لكنها تبقى سردية تاريخية مريحة لإسرائيل، باعتبار أن أقلية تقف في مقابل أكثرية مجرمة.
- لقد كان خطاباً صهيونياً بامتياز عرض فيه زيلينسكي وجه الشبه بين الشعبين الأوكراني والإسرائيلي، ووفقاً لكلامه، كلاهما شعبان يريدان السلام، ولا يطلبان سوى العيش بسلام، مقتبساً من غولدا مئير قولها: "إن أعداءنا يريدون إبادتنا"، تماماً كما يريد الروس إبادة الأوكرانيين. وبالمناسبة، لن يجد المختصون في "الدعاية" الإسرائيلية صياغة أفضل من هذه. ومن هنا تبرز خيبة أمله الكبيرة بسبب رفض حكومة إسرائيل تزويده بالسلاح، وعدم انضمامها إلى الدول التي فرضت عقوبات على روسيا.
- على المستوى الأخلاقي فإن هذه الانتقادات في مكانها، لكن في الوقت عينه يجب عدم التعاطي بجدية مع انتقاده الموجه إلى نفتالي بينت بأن "التوسط ممكن بين الدول، لا بين الخير والشر"، ولا سيما أن زيلينسكي ذاته بارك جهود بينت بالوساطة، واستثمر ساعات طويلة في الحديث معه هاتفياً خلال الأسبوعين الأخيرين. وقبل خطابه في الكنيست بوقت قصير، اتهم حلف الناتو خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" بأنه لا يقول مباشرة إن كان على استعداد لرؤية أوكرانيا تنضم إليه "في الوقت الذي يموت أهلها يومياً"، وبذلك عملياً "تركنا في موقع إشكالي". وفي هذا إشارة واضحة إلى أن زيلينسكي يعلم جيداً أن أي اتفاق مع الروس سيكون بعد إلغاء إمكان الانضمام إلى الناتو كلياً، ويتوقع أن يقوم الحلف بذلك بدلاً منه.
- فالخطابات شيء، والدبلوماسية شيء آخر، إذ يحاول زيلينسكي أيضاً إيجاد المعادلة التي ستسمح بإنهاء هذه الحرب في أقرب وقت ممكن. وعلى الرغم من أنه لا يؤمن بأن الرئيس فلاديمير بوتين سيُبدي ليونة كافية للوصول إلى اتفاق كهذا، فإن أي مساعدة من بينت في هذا الاتجاه ستسعده، على الرغم من الانتقادات اللاذعة.
- إن الطريقة غير اللائقة التي تم فيها ترتيب الخطاب، ذلك بأن بعض أعضاء الكنيست كانوا موجودين في منازلهم، والبعض الآخر في رحلة خارج البلد، بدلاً من وجودهم جميعاً في قاعة الكنيست، تطرح السؤال بشأن حاجة زيلينسكي إلى خطاب كهذا. لكن هذا سيكون دلالة على انعدام الفهم العميق لما يحاول القيام به، والأهم لما يحاول الحفاظ عليه. فزيلينسكي لا يتوجه إلى البرلمانات، إنما إلى الرأي العام الدولي، وهو قلق من أن يخف التعاطف والتضامن مع أوكرانيا مع مرور الوقت.
- يبدو أن الجزء الأهم في خطاب زيلينسكي في الكنيست كان التحذير، الذي عاد وكرره في نهاية الخطاب، من "اللامبالاة" بمصير أوكرانيا. صحيح أنه لم يمضِ على عمل زيلينسكي في السياسة أكثر من أربعة أعوام، لكنه فهم جيداً أن الخطابات البرلمانية لن تغير من السياسات المحسوبة الباردة والبراغماتية للحكومات. وليس هذا سبب قيامه بهذه الجولة بين البرلمانات، بل المقصود هنا محاولة يائسة للإبقاء على أوكرانيا في العناوين الرئيسية. فمَنْ أكثر من زيلينسكي، الذي أعد وقدم أدوار بطولة ناجحة تلفزيونياً، يعي أهمية الاستمرار في تشويق الجمهور. الآن، عليه أن يقوم بذلك من على منصة دولية، ما دام الأمر ممكناً.
- أدى صمود الشعب الأوكراني في وجه الاجتياح الروسي، وتحول زيلينسكي إلى قائده المحبوب، إلى زيادة المساعدات الغربية العسكرية وفرض عقوبات جدية على روسيا. أمّا الآن، وبعد أن تبين أن احتمال تحول الحرب إلى حرب استنزاف طويلة ومؤلمة، أصبح يتعين عليه الحفاظ على زخم الرأي العام. نعم، فبالإضافة إلى فلاديمير بوتين، اللامبالاة هي العدو الأقوى والأصعب لزيلينسكي والشعب الأوكراني.
الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية يعبران عن وجهتي نظر متعارضتين: الأولى تؤيد استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، والثانية تفضل استخدام رافعات سياسية واقتصادية لتغيير منطق عمل الخصم.
منطق العمل الروسي: السحق والاستيلاء
- أثبت الرئيس الروسي طوال سنوات حكمه استعداده استخدام القوة من أجل تحصين سلطته في الداخل، والدفع قدماً برؤيته بشأن تعزيز قوة روسيا في الساحة الدولية وفي المنطقة التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي سابقاً. وفي رأيه، فإن أسلوب العمل هذا أثبت نفسه أكثر من مرة، إذ نجح داخلياً في سحق الأوساط المعارضة له وإزاحة أي تهديد لسلطته مهما يكن صغيراً (مثال لذلك تسميم ألكسي نافالني واعتقاله)، ونجح خارجياً في السيطرة على أقاليم في جورجيا وفي جزيرة القرم، وأنقذ نظام بشار الأسد، ورسّخ مكانته في كازاخستان.
- في الواقع بعد أن خابت آمال بوتين بتنفيذ عملية عسكرية سريعة تؤدي إلى تغيير الحكم في أوكرانيا خلال أيام معدودة، انتقل إلى أسلوب عمل مغاير تماماً يستند إلى إدارة عملية عسكرية واسعة النطاق ودموية للسيطرة على مدن وأقاليم استراتيجية في الدولة، لإجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الخضوع لمطالبه ومغادرة البلاد، الأمر الذي يسمح له بتعيين حكومة تناسبه. ولهذا يعمل الجيش الروسي على سحق الجيش الأوكراني والسكان المدنيين المحليين، بالتدريج، من خلال تكثيف قوة النار المستخدمة ضد أهداف مدنية، فضلاً عن التقدم البطيء والحذر نحو العاصمة كييف، واستكمال احتلال مدن أساسية في جنوب أوكرانيا.
أسلوب عمل الغرب: عقوبات واستنزاف والامتناع
من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة
- في المقابل هناك وجهة النظر الغربية التي تفضل الامتناع، بأي ثمن، من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، وتعتقد أن في الإمكان إخضاع بوتين بواسطة العقوبات، وتعزيز قدرة الجيش الأوكراني على المقاومة لاستنزاف الجيش الروسي الذي يعاني جراء صعوبات لوجستية كثيرة. وكان أهم قرار اتخذه الرئيس بايدن عشية الغزو الروسي هو الامتناع من إرسال قوات عسكرية أميركية إلى أوكرانيا. واليوم أيضاً، وبعد ثلاثة أسابيع على نشوب الحرب، وبعد وضوح حجم الكارثة الإنسانية (أكثر من ثلاثة ملايين لاجىء)، ما زال بايدن متمسكاً بموقفه ويرفض طلبات زيلينسكي المتكررة بإعلان مناطق حظر للطيران في أوكرانيا.
- عملياً، انتهج بايدن عقيدة عزل المعركة العسكرية الدائرة بين الجيشين الروسي والأوكراني ضمن حدود الدولة الأوكرانية ومنع انزلاقها إلى أماكن أُخرى، لأن هذا التطور ينطوي في نظره على احتمال إشعال مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية قد تتدهور إلى معركة واسعة النطاق وحرب عالمية ثالثة.
- في هذا الإطار ركّز بايدن وزعماء الغرب جهدهم على الدفع قدماً بعقوبات غير مسبوقة في حجمها ضد روسيا، تقوم في أساسها على عزل روسيا دولياً واقتصادياً وثقافياً إلى جانب ضرب عناصر القوة في الدولة. والمقصود فرض عقوبات اقتصادية قاسية من جانب دول ومؤسسات دولية، بالإضافة إلى مغادرة العديد من الشركات الاقتصاد الروسي، بهدف إرجاع هذا الاقتصاد سنوات إلى الوراء، إلى فترة التقشف في المرحلة السوفياتية. في الوقت عينه، فُرضت عقوبات على شخصيات في القيادة الحاكمة، بينهم بوتين شخصياً، مع التركيز على قائمة طويلة من الأوليغارشيا بهدف المس بأموالهم وحرية تنقلهم. كذلك أعلنت دول كثيرة إغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات الروسية، الأمر الذي يقلص بصورة كبيرة قدرة انتقال البضائع والأشخاص من روسيا وإليها. وفي الواقع تحولت روسيا إلى دولة فُرض عليها أكبر قدر من العقوبات (أكثر من 5000 عقوبة، أي أكثر من العقوبات المفروضة على إيران وسورية وكوريا الشمالية وفنزويلا).
- كذلك تجندت دول في غرب أوروبا وشرقها في عملية واسعة النطاق لتزويد أوكرانيا بالسلاح. وفي هذا السياق، نقلت الولايات المتحدة وعشرون دولة أوروبية أسلحة صاروخية إلى أوكرانيا تقدر بمئات ملايين الدولارات، بينها صواريخ مضادة للدبابات، وقذائف، وسلاح خفيف، وغيره. كما وافق الكونغرس الأميركي على تقديم مساعدة طارئة لأوكرانيا تقدر بـ13.6 مليار دولار، نحو 6.5 مليار منها مخصصة لتمويل النفقات الأمنية للولايات المتحدة في المعركة. ولم يكن من قبيل العبث اعتبار روسيا قوافل نقل السلاح الصاروخي هدفاً مشروعاً لها بسبب تأثير هذا السلاح في ساحة القتال، وقدرته على إلحاق الأذى بالجيش الروسي.
- ويقدّر زعماء الغرب أن صعوبة حسم المعركة، وغرق الجيش الروسي في الوحل الأوكراني، بالإضافة إلى تحول روسيا إلى دولة معزولة ومنبوذة، كلها أمور ستجعل بوتين يدرك عدم جدوى استمرار القتال وثمنه الباهظ، أو قد تؤدي إلى سيناريو ضئيل الحدوث، وهو نشوب ثورة داخلية تطيح به، ومن هنا التعامل الخاص مع الأوليغارشيا.
تداعيات وتوصيات لإسرائيل
- مع تواصل القتال يبدي الطرفان إصراراً أكبر على تصعيد خطواتهما في محاولة للوصول إلى حسم. لكن ما يجري في الواقع هو حلقة مفرغة، ذلك بأن كل طرف يصعّد خطواته رداً على عمليات الطرف الثاني. والخطر الذي ينطوي عليه هذا السلوك هو سوء تقدير الرد المتوقع من جانب أحد الطرفين عندما يشعر أنه محشور في الزاوية، وأن عليه أن يقوم بخطوات قصوى لإنقاذ نفسه. كما أن حقيقة طرح أطراف أميركية احتمال استخدام بوتين السلاح الكيميائي تؤكد مدى حساسية الوضع.
- حتى الآن لا يظهر تغيير جوهري في الأهداف الاستراتيجية لبوتين، لذا قد يواصل في الأيام المقبلة عملية السحق والاستنزاف من خلال إظهار استعداده لتكثيف قوة النار الموجهة نحو المراكز السكانية، فضلاً عن توسيع منهجي لأهداف الهجمات أيضاً نحو غرب أوكرانيا في محاولة لتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض (سيطرة واسعة على الجنوب ومحاصرة كييف بصورة كاملة) بهدف زيادة مخاوف الغرب من توسع المعركة، وتجسيد الثمن الاقتصادي والبشري بصورة تخدم في نظره الوصول إلى المفاوضات مستقبلاً مع أوراق قوية في يده.
- إن من شأن استمرار القتال وتعاظم حجم الكارثة الإنسانية تعميق الضغوط من جانب المجتمع الدولي على إسرائيل لانتهاج سياسة أكثر وضوحاً، والانخراط في الجهود المبذولة ضد روسيا. حتى الآن نجحت إسرائيل في التصرف بحذر ووازنت بين الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والاعتبارات الأخلاقية، وبين المصالح الأمنية المهمة إزاء روسيا والمحافظة على التنسيق الأمني معها. وتعبّر المحادثات التي يجريها رئيس الحكومة بينت مع بوتين وزيلينسكي عملياً عن نجاح وجهة النظر الإسرائيلية، وعلى إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها للاستمرار في هذه السياسة.
- إن القدرة الإسرائيلية على الاستمرار في المناورة بين روسيا والغرب من دون دفع أثمان كبيرة تتأثر أيضاً بسلوك إسرائيل فيما يتعلق بمسألة اللاجئين. فحتى الآن أثارت السياسة الإسرائيلية إزاء هذه المسألة ضجة كبيرة، وتسببت بضرر على صعيد الوعي على الساحة الدولية، وأيضاً إزاء الحكومة الأوكرانية. فإلى جانب الواجب الأخلاقي الذي يحتم على إسرائيل، باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، تقديم كل المساعدة الإنسانية للاجئين، فإن عليها أيضاً، ولاعتبارات استراتيجية لها علافة بالوعي، أن تنتهج فوراً سياسة أرحب بشأن كل ما له علاقة بدخول اللاجئين الأوكرانيين، والاهتمام بهم بصورة لائقة ضمن الأراضي الإسرائيلية من دون فرض قيود على دخولهم ما دامت الحرب مستمرة في أوكرانيا.
- تتيح عودة الحرب الباردة وانعكاساتها على سلوك الدول الكبرى في الشرق الأوسط فرصاً لإسرائيل كي تؤكد أهميتها للولايات المتحدة وبصورة تساعد على تحسين التعاون الأمني، وتساهم في ضمان تفوقها العسكري النوعي (في الأساس في مواجهة سيناريو سباق إقليمي على التسلح). في المقابل، يتعين على إسرائيل أن تدرك أنه في الواقع الحالي ستكون الولايات المتحدة أقل تسامحاً مع العمليات الإسرائيلية التي يمكن أن تنتهك الاستقرار الإقليمي، وتفرض عليها تحويل الانتباه والموارد الموجهة نحو أوكرانيا.