مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
ذكر بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية أمس (الخميس) أن وزير الدفاع بني غانتس أصدر أوامر تقضي بأن تكون قوات الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب في شمال البلد على خلفية انتكاس الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
وأضاف البيان أن هذه الأوامر جاءت في إثر قيام غانتس بإجراء تقييم للوضع مع رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي ومسؤولين أمنيين آخرين، وبعد أن قالت إسرائيل إنها لن تقبل التعديلات اللبنانية المقترحة على مسودة اتفاق مع لبنان توسطت فيه الولايات المتحدة.
وجاء في البيان أن "وزير الدفاع أوعز إلى الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لسيناريو تصعيد في الشمال، هجومياً ودفاعياً، في ضوء التطورات الأخيرة على صعيد المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية".
يُذكر أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هدّد عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة بمهاجمة إسرائيل إذا ما بدأت التنقيب في حقل الغاز "كاريش" المتنازع عليه، لكن بدا أن نصر الله أخذ يتراجع عن تهديداته خلال خطاب متلفز في نهاية الأسبوع، وذلك بعد أن سلمت الولايات المتحدة مسودة اتفاقها إلى الجانبين. ومع ذلك رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد أمس التعديلات المطلوبة من بيروت على الصفقة المقترحة مما ألقى بظلال من الشك على جدوى التوصل إلى اتفاق. وشدّد لبيد على أنه لن يضر بمصالح إسرائيل الاقتصادية والأمنية حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق في المدى القريب.
في غضون، ذلك قال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي اللواء احتياط يعقوب ناغل لصحيفة "يسرائيل هيوم" أمس، إن إسرائيل ما زالت بعيدة عن خوض مواجهة عسكرية في منطقة الحدود الشمالية.
وأكد ناغل أنه على عكس ما يجاهر به نصر الله فإن المواجهة هي آخر ما يريده زعيم حزب الله، فهو مهتم جداً بالتوصل إلى اتفاق ينسب الفضل فيه لنفسه، لكن ليس عن طريق الانخراط في مناوشات عسكرية مع إسرائيل في هذه المرحلة، كما أكد أن نصر الله على دراية بالعواقب الوخيمة التي ستنجم في حال قيامه بانتهاك سيادة إسرائيل.
منح المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية-الأمنية مساء أمس (الخميس) تفويضاً إلى كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الحكومة البديل نفتالي بينت، باتخاذ القرارات لمواجهة أي تصعيد محتمل في الجبهة الشمالية مع لبنان من دون الرجوع إلى الحكومة، في حال فشل التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
وجاء ذلك في ختام جلسة خاصة عقدها المجلس الوزاري المصغر واستمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة، جرى التداول خلالها في الاستعدادات المطلوبة لمواجهة احتمال حدوث تصعيد في إثر التطورات الأخيرة فيما يتعلق باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان.
وقال لبيد خلال الجلسة إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستحاول الضغط على لبنان للتراجع عن بعض مطالبه، وأكد أن مساعي الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق ما زالت مستمرة، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على دفع اللبنانيين نحو توقيع الاتفاق بالصيغة الأصلية.
وقال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى إن إسرائيل تلقت مطالب لبنان بشأن تعديل مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وأشار إلى أن لبيد رفضها.
وأضاف المصدر السياسي نفسه أنه تم إطلاع رئيس الحكومة على تفاصيل التغييرات الجوهرية الجديدة التي يطلب لبنان إجراءها في الاتفاق، وأن لبيد أوعز إلى طاقم المفاوضات برفضها، وأكد أن إسرائيل لن تتنازل عن مصالحها الأمنية والاقتصادية بأي شكل حتى لو كان هذا يعني عدم التوصل إلى اتفاق قريباً.
وأشار المصدر نفسه إلى أن إسرائيل ستستخرج الغاز من منصة "كاريش" عندما يكون الأمر ممكناً، وإذا حاول حزب الله أو أي جهة أُخرى استهداف المنصة أو تهديدها فإن المفاوضات بشأن الحدود البحرية ستتوقف، وسيضطر حسن نصر الله إلى أن يفسر لمواطني لبنان سبب عدم وجود منصة غاز ومستقبل اقتصادي لهم.
بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين تركيا وإسرائيل أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس (الخميس) مرسوماً ينص على تعيين شاكر أوزكان تورونلار سفيراً جديداً لدى إسرائيل، وجاء ذلك بعد أيام من مصادقة الحكومة الإسرائيلية على تعيين السفيرة الجديدة لدى تركيا إيريت ليليان.
وشغل تورونلار سابقاً منصب القنصل العام لتركيا لدى إسرائيل في الفترة 2010-2013، كما شغل منصب سفير لدى السلطة الفلسطينية وبنغلاديش والهند.
وكانت إسرائيل وتركيا أعلنتا في آب/أغسطس الماضي التطبيع الكامل للعلاقات بينهما وعودة سفيري البلدين، وذلك بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً مع تبادل الزيارات لكبار مسؤولي البلدين.
كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد التقى الرئيس التركي أردوغان على هامش الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الفائت، وهو أول لقاء من نوعه بين رئيس حكومة إسرائيلية وزعيم تركيا منذ سنة 2008.
قبل أقل من أربعة أسابيع على الانتخابات الإسرائيلية العامة التي ستجري في 1 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أظهر استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة "معاريف" أمس (الخميس) أنه في حال إجراء هذه الانتخابات الآن سيحصل معسكر الأحزاب في المعارضة بقيادة رئيس الليكود ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو على 61 مقعداً، ولن تتمكن قائمة "البيت اليهودي" برئاسة وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، وقائمة بلد [التجمع الوطني الديمقراطي] برئاسة عضو الكنيست سامي أبو شحادة، من اجتياز نسبة الحسم (3.25٪).
وأظهر الاستطلاع أن المقاعد الـ 61 التي يحصل عليها "معسكر نتنياهو" موزعة على النحو التالي: حزب الليكود 32 مقعداً، وحزب الصهيونية الدينية برئاسة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش الذي يضم حزب "قوة يهودية (عوتسما يهوديت)" برئاسة عضو الكنيست إيتمار بن غفير 14 مقعداً، وحزب شاس لليهود الحريديم [المتشددون دينياً] 8 مقاعد، وحزب يهدوت هتوراه الحريدي 7 مقاعد.
في المقابل يحصل المعسكر المناوئ لنتنياهو على 55 مقعداً موزعة على النحو التالي: حزب "يوجد مستقبل" برئاسة رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد 23 مقعداً، وتحالف "المعسكر الرسمي" الذي يضم كلاً من حزبي "أزرق أبيض" برئاسة وزير الدفاع بني غانتس، و"أمل جديد" برئاسة وزير العدل جدعون ساعر، والرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال احتياط غادي أيزنكوت 12 مقعداً، وحزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير المال أفيغدور ليبرمان 6 مقاعد، وحزب العمل برئاسة وزيرة المواصلات ميراف ميخائيلي 5 مقاعد، وحزب ميرتس 5 مقاعد، وحزب راعام [القائمة العربية الموحدة] برئاسة عضو الكنيست منصور عباس 4 مقاعد.
وتحصل القائمة المشتركة التي باتت مقتصرة على تحالف حزبي حداش [الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة] وتعل [الحركة العربية للتغيير] على 4 مقاعد في الكنيست.
وشمل الاستطلاع عينة مؤلفة من 705 أشخاص يمثلون جميع فئات السكان البالغين في إسرائيل مع نسبة خطأ حدّها الأقصى 3.7٪.
- يبدو أن الاتصالات بين إسرائيل ولبنان وصلت في الأمس إلى حائط مسدود في ظل الضغط السياسي من جانب طرفي الحدود؛ ففي لبنان ثمة أطراف تتماهى مع حزب الله تضغط على الحكومة اللبنانية لتحسين الإنجازات التي تحققت وعُرضت في مسودة الاتفاق الآخذ في التشكل، أمّا في إسرائيل فقد شن زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو حملة شرسة ضد التفاهمات التي جرى التوصل إليها بوساطة أميركية.
- وفي أعقاب الضغط الشعبي يخوض الطرفان معركة كباش؛ فقد تحفظت الحكومة اللبنانية على بعض بنود الاتفاق، وبالتحديد تلك المتعلقة بـ "خط العوامات" كمنطقة أمنية إسرائيلية. في المقابل رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية هذه التحفظات قائلاً: "إسرائيل لن تتنازل عن مصالحها الأمنية والاقتصادية بأي شكل من الأشكال حتى لو عنى ذلك أنه لن يكون هناك اتفاق في وقت قريب".
- من الصعب ألاّ نرى في كلام لبيد رداً مباشراً على الضغوط السياسية التي مارسها عليه نتنياهو والليكود في الأيام الأخيرة، إذ يحاول نتنياهو إظهار الاتفاق على أنه تسوية انهزامية، فكان رد لبيد على ذلك بعرض عضلاته في مواجهة اللبنانيين. في المقابل، من المهم سماع كلام رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي قال أمس إن الاتفاق "سيمنع حرباً أكيدة في المنطقة"، وأن له "أهمية استراتيجية". وبالتالي ميقاتي على حق، ذلك بأن الاتفاق يحقق اختراقاً إقليمياً نادراً ومهماً، أي حلاً دبلوماسياً يتضمن تسوية إقليمية واقتصادية هدفها منع مواجهة عنيفة بين الطرفين، وتحقيق الاستقرار والرفاه لهما.
- بالنسبة إلى إسرائيل فإن هدف الاتفاق هو ترسيم حدود بحرية متفق عليها مع لبنان، والتقليل من فرص التصعيد في مواجهة حزب الله من خلال الحصول على ضمانات دولية، وترسيخ استقرار اقتصادي طويل الأمد في لبنان المنهار، وضمان سلامة الأعمال والأرباح الإسرائيلية من حقل كاريش، وهذا أمر يستحق الثناء.
- فما دامت المصالح الأمنية الإسرائيلية مُصانة، وهذا ما تُجمع عليه كل الطواقم المهنية، فإن السلام على الحدود الشمالية، وخصوصاً في حوض شرق المتوسط، أثمن بكثير من قطعة صغيرة من الأرض البحرية، وأهم من كل الأموال النظرية من الحقول التي لن يربح أحد منها شيئاً في حال وقعت الحرب. إذاً، ينبغي ألاّ يخضع لبيد لضغوط نتنياهو، وأن يمضي قدماً نحو الاتفاق.
- الاتفاق بين إسرائيل ولبنان بات في مراحله النهائية قبل توقيعه والمصادقة عليه من جانب الطرفين. واستناداً إلى التسريبات يبدو أنه ينص على ما يلي:
- تبني الخط 23 كخط حدودي (لا كحد نهائي)، لكن ليس بكامله، إذ ستبقى مساحة الـ 5 كم الأولى الموازية للساحل على ما هي عليه، استناداً إلى الخط العائم الإسرائيلي.
- مع بدء استخراج الغاز من كاريش، والموجود كله في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، ستبدأ أيضاً الحفريات في حقل الغاز المُحتمل في الجانب اللبناني المُسمّى حقل قانا/ صيدون بواسطة مجموعة دولية تتشكل من شركتي توتال الفرنسية (40٪) وإيني الإيطالية (40٪). أمّا الشركة الروسية فقد انسحبت، وبات الجزء المخصص لها في يد الحكومة اللبنانية.
- سيتم تعويض إسرائيل عن جزء من حقل قانا (الثلث تقريباً) الموجود ما بعد الخط 23 إلى الجانب الإسرائيلي (كما يبدو بموافقة الشركات المعنية)، في حال بدأ استخراج الغاز من هذا الحقل.
- أثارت الأخبار عن الاتفاق العديد من ردات الفعل في إسرائيل، وبالتحديد من طرف المعارضة السياسية التي انتقدت مضمون الاتفاق بحجة أنه ينص على تقديم تنازلات كثيرة، والتي تساءلت عمّا إذا كانت حكومة تصريف الأعمال مخولة بالمصادقة عليه أصلاً، وخصوصاً قبل وقت قصير من الانتخابات (في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر). في المقابل، يبذل الجانب اللبناني جهداً لإثبات أن السلطة في لبنان لم تتنازل عن موقفها الأصلي، حتى إنها طلبت تعديلات على الصيغة المعروضة عليها (على الرغم من الإشارة إلى أن الملاحظات ليست جوهرية). كذلك خفف نصر الله من حدة التهديدات في خطابه الأخير الذي ألقاه في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، فتوقف عن تكرار تهديداته، وادعى أن الحديث يدور حول اتفاق مهم للشعب اللبناني على الصعيد الاقتصادي، وأن توقيعه هو مسؤولية السلطة اللبنانية. وفي حال تم توقيع الاتفاق، سينسب نصر الله الانتصار إليه بسبب تهديده بضرب منصة كاريش، وسيدّعي أن الاتفاق لا يتضمن أي مكون تطبيعي مع إسرائيل، ولا يُشير إلى أي تغيير في العلاقات بين الدولتين.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن التدقيق في بنود الاتفاق التي تم نشرها يشير إلى أنه يتضمن إيجابيات لإسرائيل ولبنان سوياً، ويخلق بينهما وضع الفوز (Win-Win).
- عملياً، ماذا سيحقق كل طرف بحسب هذا الاتفاق، وعن ماذا سيتنازل؟
- بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني جرّاء أزمة اقتصادية هي الأصعب في تاريخه، فإن الأرباح التي سيكسبها هي في الأساس أرباح اقتصادية، إذ ينص الاتفاق على أن الحفريات في حقل صيدون / قانا ستبدأ مباشرة بعد أن كانت الشركات تتفادى الاقتراب من هذه المنطقة. بالطبع لن تكون هناك أرباح فورية من استخراج الغاز، والحديث يدور فقط عن بدء الحفريات، وفي حال تحققت التوقعات بشأن وجود الغاز في المنطقة فإن الاستخراج سيبدأ بعد عدة أعوام. لكن مع ذلك سيسمح الاتفاق للسلطة في لبنان بإشاعة بعض أجواء الأمل لدى المواطنين اللبنانيين الذين هم على بعد خطوة من إعلان الإفلاس الكلي لمنظومة الكهرباء في الدولة. كذلك يمكن أن يؤدي الاتفاق مع إسرائيل في هذا المجال إلى استقطاب جهات غربية (وربما خليجية أيضاً) لمساعدة لبنان. وتتمثل التنازلات اللبنانية الأساسية في قبول لبنان بالموقف الإسرائيلي الذي يشير إلى أنه لا حقوق للبنان في حقل كاريش، والموافقة عملياً على ترسيم حدود مع إسرائيل، حتى لو كانت حدوداً بحرية فقط، وبشكل جزئي، وهي خطوة امتنع عنها لبنان حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أن لبنان، وعلى عكس إسرائيل، لم يتبنَّ "الخط الأزرق" الذي تم رسمه على طول الحدود البرية بواسطة الأمم المتحدة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.
- بالنسبة إلى إسرائيل، فإن التنازل الأساسي هو قبولها بالخط 23، الذي تمسك به لبنان، كأساس لترسيم الحدود. وبذلك تكون تنازلت عملياً عن أغلبية المنطقة المتنازع عليها، والتي كانت تبلغ مساحتها نحو 860 كلم (في السابق كانت إسرائيل جاهزة للتنازل فقط عن 55٪ من مساحة المنطقة). لكن، عملياً، فإن هذا التنازل لا يؤثر كثيراً لأن هذه المنطقة تقع في معظمها في المياه الاقتصادية (EEZ) لا في المياه السيادية التي تمتد إلى 12 ميلاً من الساحل. وفي المقابل، تمت الاستجابة لمطلبين إسرائيليين مهمين، هما: أولاً، الامتناع من القيام بتغيير ترسيم الحدود البرية، وترك المنطقة الموازية للساحل بعمق 5 كلم (الخط العائم الإسرائيلي)، الأمر الذي له أهمية أمنية كبيرة بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي (وليس الخط 23)؛ ثانياً، الموافقة على حصول إسرائيل على تعويضات في أعقاب استخراج الغاز من حقل قانا الذي يمتد إلى أبعد من الخط 23 في الجهة الإسرائيلية، في حال وُجد الغاز وتم استخراجه. ومن المهم الإشارة إلى أن الشركات الدولية امتنعت من العمل في هذه المنطقة بسبب عدم وجود اتفاق بين إسرائيل ولبنان. وحتى لو كان التعويض قليلاً بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الوضع الحالي أفضل من الوضع السابق حين لم يكن ممكناً لإسرائيل ولبنان الاستفادة من الغاز في هذا الحقل.
- وإلى جانب العائد الاقتصادي المتوقع لإسرائيل، فإن الترتيبات بشأن الحدود البحرية مع لبنان تعود عليها بعائدات مهمة أُخرى تتركز في الأساس فيما يلي:
- على الصعيد الأمني: بالإضافة الى الاتفاق على عدم إجراء تغييرات بشأن المسؤولية الإسرائيلية عن مساحة الـ 5 كلم الموازية للساحل، فإن توقيع الاتفاق وبدء أعمال الحفر في الجانب اللبناني من شأنهما ضمان الهدوء في المنطقة البحرية، وتقليص الحاجة إلى حماية منصة كاريش. وعلى الرغم من أن الاتفاق لن يمنع احتمال أن يجد حزب الله مبرراً جديداً لاستئناف تهديداته في حال أراد ذلك، فإن من شأنه أن يكبح جماح الحزب بسبب وجود مصلحة اقتصادية للبنان بالانضمام إلى الدول المصدرة للغاز في المتوسط، وبسبب مشاركة عدد من الدول الغربية في عملية استخراج الغاز (فرنسا وإيطاليا في الجانب اللبناني، وبريطانيا واليونان في الجانب الإسرائيلي)، وفي السعي من أجل التوصل إلى الاتفاق (الولايات المتحدة). في المقابل، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الوضع الأمني المتوتر سيبقى على ما هو عليه، مع احتمال اندلاع معارك مع حزب الله في المنطقة البحرية.
- على الصعيد الاستراتيجي: من شأن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل أن يُحدث تغييراً إيجابياً جوهرياً في العلاقة بين الدولتين اللتين هما في حالة عداء، كما من شأنه أن يفتح الباب أمام تطورات في العلاقة المستقبلية بين الدولتين، على الرغم من نفي هذا الأمر من جانب السلطة اللبنانية الرسمية، كما من جانب الناطقين باسم حزب الله، وعلى رأسهم نصر الله. إذ من المتوقع أن يحاول نصر الله التقليل من أهمية الاتفاق، الذي يجعل ادعاءاته بشأن عدوانية إسرائيل وضرورة حفظ سلاحه كـ"حارس للبنان" تفقد معناها. كذلك تستطيع إسرائيل أن تشير إلى مساهمتها في مساعدة لبنان على النهوض باقتصاده المنهار، لأن في استقراره مصلحة لإسرائيل.
- أمّا بالنسبة إلى الأبعاد القانونية التي لها علاقة بمسار المصادقة على الاتفاق، والتي يستند إليها معارضو الاتفاق داخل النظام السياسي الإسرائيلي فهي على الشكل التالي:
- الإطار القانوني: قانون ترتيبات الحكم والقضاء كما تم تعديله في عام 2010، وقانون أساس الاستفتاء العام لعام 2014 يقران بأن التنازل من خلال اتفاق عن منطقة سيادية تابعة للدولة يجب أن تصادق عليه أغلبية أعضاء الكنيست في استفتاء عام، إلاّ في حال المصادقة عليه بأغلبية 80 عضو كنيست. كذلك تم سابقاً الاستناد إلى قاعدة يتم وفقها عرض الاتفاقات الدولية على الكنيست قبل المصادقة عليها في الحكومة، باستثناء حالات الطوارئ والأوضاع السرية، كما يمكن أن يتم عرض الاتفاقيات السياسية المهمة للمصادقة في الهيئة العامة للكنيست. ولا يبدو واضحاً ما إذا كان من الممكن اعتبار الاتفاق الحالي "اتفاقاً سياسياً مهماً"، كذلك تجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات ليست موجودة في نص قانوني، ومن غير الواضح إن كان هناك شرط قانوني يمكن الاحتكام إليه، وما هو حجمه الدقيق. هذا بالإضافة إلى صلاحيات حكومة تصريف الأعمال المحدودة في المجال السياسي، ذلك بأن الامتحان الأساسي المسيّر لعملها هو ضبط الوضع، إلاّ في حال بروز حاجة جماهيرية ملحة.
- موضوع السيادة البحرية: بحسب القانون الدولي فإن الأميال الـ 12 الأولى بعد الساحل هي مياه إقليمية تابعة لسيادة الدولة، والمنطقة ما بعد المياه الإقليمية هي مياه اقتصادية (EEZ). ففي المنطقة الاقتصادية يحق للدول استغلال الموارد الاقتصادية في المنطقة، لكن الحديث لا يدور عن المياه السيادية للدولة. وبالتالي، فإن الاتفاق على تقسيم هذه المنطقة، وبالتحديد الاتفاق على تقسيم الموارد الموجودة في المياه الاقتصادية التابعة لأكثر من دولة، لا يعدُّ تنازلاً عن المنطقة السيادية للدولة، ومن هنا لا حاجة إلى استفتاء عام من أجل تحديد هذه المنطقة. ومثال لذلك، عندما تم الاتفاق مع قبرص على المياه الاقتصادية، وأعلنت الحكومة تحديد المنطقة الشمالية للمياه الاقتصادية عام 2011، لم يجرِ استفتاء عام بهذا الشأن، كما لم يتم طلب موافقة 80 عضو كنيست.
- المياه الإقليمية: هناك خلاف على الحدود بين إسرائيل ولبنان تم التعبير عنه في الأوراق الرسمية التي قدمتها كل من الدولتين إلى الأمم المتحدة في عام 2011. وفي حال كان الاتفاق على خطوط حدودية نهائية فيه تنازل عن الخط الذي حددته إسرائيل في هذه الأوراق، يمكن عندها الادعاء أن إسرائيل تنازلت عن منطقة سيادية تابعة للدولة. في المقابل قد يستند الادعاء العكسي على أنه لم يتم الاتفاق أبداً على خط حدودي، وأن الورقة التي قدمتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة جاءت رداً على مطالب لبنان، لكنها لا تعكس الحدود النهائية، ويمكن دعم هذا الادعاء بأن إسرائيل لم تمنح عملياً حقوق استخراج غاز في هذه المنطقة.
- صوغ الاتفاق: إذا سمح أسلوب صوغ الاتفاق بترك الاتفاق النهائي بشأن الحدود للمستقبل، يمكن عندها الادعاء بأن لا حاجة إلى استفتاء عام أو إلى موافقة أغلبية أعضاء الكنيست. وكلما كانت الصياغة أكثر ليونة، بسبب الاستعجال الأمني والسياسي، ولا سيما إذا افترضنا أنه لن تكون هناك فرصة أُخرى للوصول إلى اتفاق كهذا، سيكون من السهل على الحكومة الدفع قدماً في المصادقة على الاتفاق حتى في فترة الانتخابات، ومن دون إجراء مداولات في الكنيست.
- في الخلاصة، من شأن الاتفاق مع لبنان، في حال تم توقيعه، أن يخدم عدة مصالح إسرائيلية بعيدة المدى على الصعيد الاقتصادي والأمني والاستراتيجي، كما يمكن أن تسمح بنود الاتفاق بتخطي العقبات القانونية التي طرحتها المعارضة. لذا من الضروري أن تصر الحكومة الإسرائيلية على المصادقة عليه والدفع قدماً في سبيل توقيعه، قبل البدء باستخراج الغاز من حقل كاريش، والذي من المتوقع أن يبدأ في الأسابيع المقبلة.
- في ضوء عملية "كاسر الموج" الدائرة في شتى أنحاء الضفة الغربية هذه السنة، بالإضافة إلى تكثيف حضور القوات في المنطقة، أصدر مراقب الدولة، مؤخراً، تقريراً سريعاً بالاستناد إلى زيارات فجائية قام بها لقاعدتي كفير الجوية في غور الأردن وياكير العسكرية في السامرة، توصل فيه إلى الخلاصة التالية: الجيش الإسرائيلي بوضعه اللوجستي الحالي غير مستعد للقتال في الضفة الغربية، وبعد سنوات من التحذيرات يمكن القول إن هذا كان ظاهراً بوضوح.
- لقد شاهدتُ هذا كله وأكثر خلال عملي كمفوض عن قبول الجنود، فقبل أربع سنوات كتبت تقريراً حساساً عن جهوزية الجيش الإسرائيلي للقتال، وصل إلى المجلس الوزاري المصغر ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ولجنة الأمن والخارجية في الكنيست وإلى رئيس الأركان. وحتى اليوم، وبعد انتهائي من تولي منصبي، تصل إليّ تقارير من كبار القادة في الجيش، ومن صغار الجنود، يتحدثون فيها عن الوضع السيئ للجيش من الناحية اللوجستية، ومن ناحية ظروف الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى الوضع المزري لسلاح الاحتياطيين.
- وكشف مراقب الدولة الحقيقة المرة بالقول: ثمة خلل كبير وعدم محافظة على الحافز في سلاح الاحتياطيين، والاستجابة في مجال الطبابة العسكرية ضعيفة، وقوائم الغذاء فقيرة والكميات قليلة وغير كافية، والأوقات المخصصة للتدريب لا تكفي المقاتلين الموجودين على جبهة النشاطات العملانية، وهذا كله غيض من فيض الوضع الراهن للجيش الإسرائيلي. منذ سنة 2006، بدأ يظهر تقصير استراتيجي حقيقي في مجال الصيانة واللوجستيات ترافَقَ مع عملية خصخصة المجال اللوجستي في الجيش الإسرائيلي. فعملية خصخصة منظومات أساسية في الجيش، والتي كان يمكن عدم إجرائها، تسببت بفقدان السيطرة في أوقات الطوارئ مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات مصيرية على أداء الجيش الإسرائيلي عند نشوب قتال طارئ متعدد الجبهات.
- ما هي مهمة آلاف المصانع التي أُسند إليها الاهتمام بمنظومات أساسية تابعة للجيش الإسرائيلي؟ فالصيانة وتعديل الوسائل القتالية وتأمين قطع الغيار للجيش هي على عاتق شركات تصنيع السلاح، والخدمات اللوجستية للقوات تقوم بها شاحنات تابعة لشركات مدنية (الغذاء والذخيرة والعتاد والنقل وإصلاح المركبات والعتاد الثقيل وغيره). حالياً يعتمد الجيش بصورة كلية على هذه المصانع الأساسية في حالات الطوارئ، الأمر الذي قد يتسبب بخلل كبير في أداء الجيش عند وقوع أحداث طارئة، أو عند اندلاع قتال.
- بعد عملية نقل المسؤولية من الجيش إلى شركات مدنية، تخلى الجيش بصورة غير معهودة عن مسؤوليته في التشغيل الصحيح لهذه المصانع في زمن الحرب. وليس هناك أي ضمانة فيما يتعلق بعمل هذه المصانع في حالات الطوارئ، أو عند نشوب قتال يمكن أن يؤثر في شتى أنحاء دولة إسرائيل.
- في الخلاصة، إن السبب الرئيسي لهذا الضرر الخطر في أداء الجيش يكمن في عدم شراء الجيش احتياطي الطوارىء لهذه المصانع الأساسية بسبب الرغبة في توفير الموارد والمال. ففي المجال اللوجستي هناك حاجة إلى آلاف السائقين في الشركات المدنية، ونتيجة لذلك قد يكون ثمة نقص في مجال تقديم المساعدة للجيش في حالات القتال المتعدد الجبهات.
- في الوضع الراهن يتعين على الجيش أن يقوم بمراجعة عميقة جداً لطريقة سلوكه وثقافته التنظيمية والقيادية المليئة بالعيوب، إذ لا يمكن الاستمرار في هذه الطريقة. لقد فقدت القيادة الرفيعة المستوى في الجيش السيطرة بصورة مطلقة، وهي ستتسبب بفشل الجيش في الحرب المقبلة المتعددة الجبهات.