مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
ذكر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن قوة مشتركة من الجيش ومن قوات مكافحة الإرهاب دخلت مساء إلى منزل في حي القصبة في نابلس يستخدمه ناشطون في مجموعة "عرين الأسود" كمصنع لإنتاج العبوات. وجرى خلال العملية تبادل لإطلاق النار مع المسلحين، وقام عشرات الفلسطينيين بإشعال الإطارات ورمي الزجاجات المشتعلة والحجارة على الجنود.
وتُعتبر هذه العملية، التي شارك في جزء منها مقاتلون من فرقة غفعتي، خارجة عن المألوف بالنسبة إلى قوات الجيش وقوات مكافحة الإرهاب. فقد دخلت القوات إلى المدينة بعد أن تمكن الشاباك من جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن المنزل الذي يجري فيه تحضير العبوات، وقامت قوات "يمما" بمحاصرة المنزل من خلال تبادل إطلاق النار، ثم عمدت قوات من الجيش إلى تفجيره. فالجيش الإسرائيلي أراد أن يثبت من خلال هذه العملية أنه ما زال يملك حرية العمل في قلب القصبة في نابلس، كما أراد أن يبيّن عمق التغلغل الاستخباراتي في مواجهة التنظيمات المسلحة في المنطقة. وتأتي هذه العملية بعد يومين من اغتيال المسؤول البارز في مجموعة "عرين الأسود" تامر الكيلاني في عملية تفجير عبوة ناسفة في دراجة، والتي جرى نسبها إلى إسرائيل.
من جهة أُخرى، صرّح وزير الدفاع بني غانتس، في مقابله مع إذاعة راديو ynet قبل العملية، أن هناك تزايداً في عدد الهجمات لكن ما يجري ليس انتفاضة، وتابع: "سنواصل العمل ضد كل من يحاول المس بالمواطنين الإسرائيليين في أي مكان وفي أي وقت".
وأثنى وزير الأمن الداخلي عومر بار-ليف على عمل الجيش و"يمما" والشاباك، وهنأهم على "العملية الجريئة والمهنية التي جرت في ظروف صعبة جداً في نابلس، ودمرت شبكة إرهاب فلسطينية، وقضت على مسؤولين عن هجمات أو على مخططين لهجمات مستقبلية". وتابع بار-ليف: "ستواصل دولة إسرائيل مفاجأة المخربين ومهاجمة المنفذين، أو الذين يرسلونهم، في كل مكان وزمان".
وذكر مراسل "هآرتس" (25/10/2022) أن العملية استمرت ثلاث ساعات قُتل جراءها الناشط في "عرين الأسود" حمدي صبيح الحوح (31 عاماً) ومشعل البغدادي (27 عاماً) وعلي خالد عنتر (26 عاماً) وحمدي محمود شرف (35 عاماً)، كما سقط عدد من الجرحى، اثنان منهم جروحهم بليغة.
في المقابل، دان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الهجوم الإسرائيلي على نابلس، وقال إنه سيتوجه فوراً إلى الإدارة الأميركية ويطلب منها التدخل. في غضون ذلك تجمع عشرات الفلسطينيين وساروا في مسيرات في رام الله وفي مدن أُخرى احتجاجاً على العملية الإسرائيلية، وأُطلقت دعوات إلى الإضراب العام بدءاً من صباح اليوم في كل أنحاء الضفة، وإلى تنظيم مسيرات في اتجاه الحواجز الإسرائيلية ونقاط الاحتكاك.
وتحدث الجيش الإسرائيلي عن إطلاق جنوده النار هذه الليلة بالقرب من النبي صالح شمالي رام الله على شاب فلسطيني رمى عبوة في اتجاهم، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة. وذكرت مصادر فلسطينية أن الشاب هو قصي التميمي (20 عاماً) الذي فارق الحياة جراء الجروح التي أصيب بها. وشهد مكان الحادث وقوع مواجهات أصيب خلالها عدد من الفلسطينيين جراء تنشقهم الغاز المسيل للدموع.
كما اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي هذه الليلة في مناطق مختلفة من الضفة ثلاثة مطلوبين، واستولت على أسلحة بينها بندقية كلاشينكوف.
غادر الرئيس الإسرائيلي هذه الليلة في زيارة رسمية للولايات المتحدة يجتمع خلالها بالرئيس جو بايدن في البيت الأبيض. وهذه الزيارة هي الأولى لهرتسوغ منذ توليه منصب رئاسة الدولة، وهي تأتي بعد دعوة شخصية تلقاها من بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل.
ويهدف الاجتماع الذي سيجري غداً، أي قبل 6 أيام من الانتخابات في إسرائيل، إلى بعث رسالة إلى الجمهورين الإسرائيلي والأميركي فحواها أن العلاقات بين البلدين هي فوق السياسة، ولن تغيرها نتائج الانتخابات، وستبقى جيدة وقوية، ولن يزعزعها شيء.
وتقول مصادر أميركية رفيعة المستوى إن بايدن يقدر كثيراً الرئيس هرتسوغ، ويعتبره شخصية مهمة جداً لديها تأثير كبير في السياسة العامة في إسرائيل. إذ تعتقد الإدارة الأميركية أن هرتسوغ قادر على منع قيام حكومة يمينية متطرفة تضم رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش ورئيس حزب قوة يهودية إيتمار بن غفير، لأن وصولهما سيؤدي إلى المس بخطة حل الدولتين التي تريد الولايات المتحدة المحافظة عليها بأي ثمن.
وسيبحث الرئيسان في موضوع اتفاق الغاز بين لبنان وإسرائيل، والذي من المنتظر أن يتم توقيعه بصورة نهائية في نهاية الأسبوع، بعد مفاوضات جرت بوساطة أميركية. فقد انتظر الأميركيون التوصل إلى الاتفاق من أجل إجراء الزيارة التي تمثل بالنسبة إليهم إشارة إلى مضي إسرائيل قدماً نحو الاتفاق.
كذلك سيتطرق الرئيسان إلى الموضوع الإيراني، إذ تتخوف إسرائيل من عودة واشنطن إلى المفاوضات مع طهران وانضمامها مجدداً إلى الاتفاق النووي، بعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة التي ستجري بعد أسبوعين. وثمة موضوع آخر يقلق إسرائيل هو العلاقة بين إيران وروسيا، وتزويد إيران الروس بمسيّرات هجومية تُستخدم في الحرب في أوكرانيا. وسيبحث هرتسوغ مع بايدن في أزمة المناخ.
وتجري زيارة هرتسوغ بالتنسيق مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع، إذ كان استمع قبل سفره إلى إحاطات معمقة من مسؤولي الأجهزة الاستخباراتية بشأن موضوعات حساسة لعرضها أمام الرئيس الأميركي. وسيلتقي هرتسوغ خلال الزيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جايك سالفيان ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إلى جانب زعماء الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة.
وسيتوجه غداً وزير الدفاع بني غانتس في زيارة لتركيا هي الأولى لوزير دفاع إسرائيلي إلى أنقرة منذ عقد من الزمن.
قرر وزير الدفاع بني غانتس تعيين اللواء أمير برعام نائباً لرئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي بناء على توصية من رئيس الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي ورئيس الأركان الجديد هرتسي هليفي. وتجدر الإشارة إلى أن برعام أمضى الجزء الأكبر من خدمته العسكرية في لواء المظليين، وكان قائد لواء عشية الانسحاب من لبنان عام 2000، وقائد كتيبة 890 خلال عملية "الجدار الواقي، بعد عامين. كما تولى قيادة فرقة الجليل والكليات العسكرية وفرقة 98. وفي عام 2019 عُيّن قائداً للمنطقة الشمالية وبقي في منصبه حتى أيلول/سبتمبر الماضي.
أظهر استطلاع نشرته قناة 12 الإخبارية مساء الاثنين أنه من المتوقع أن تحصل كتلة برئاسة بنيامين نتنياهو على 60 مقعداً، في حين ستحصل كتلة أحزاب الائتلاف الحالي على 56 مقعداً، ولن يتمكن حزب التجمع الديمقراطي بلد، وحزب البيت اليهودي من تجاوز نسبة الحسم. ووفقاً للاستطلاع سيحصل الليكود على 32 مقعداً، وحزب يوجد مستقبل على 24، وسينخفض تمثيل الصهيونية الدينية ليصل إلى 13. وسيحصل المعسكر الرسمي على 13 مقعداً بزيادة مقعدين مقارنة بالاستطلاع السابق، وسيحصل حزب شاس ويهدوت هتواره على 8 أو 7 مقاعد، وإسرائيل بيتنا على 5 مقاعد، و5 مقاعد لحزب العمل وحركة ميرتس، بينما سيحصل حداش مع تعل على 4 مقاعد وحزب راعام على 4 مقاعد أيضاً.
- منذ عدة أشهر، تزايدت أعمال "الإرهاب" شمالي الضفة الغربية، والتي تُنسب غالباً إلى مجموعة "عرين الأسود"، وهي مجموعة عفوية من دون هيكلية أو إطار فصائلي تجمع شباناً فلسطينيين من منطقة نابلس. لقد شكل نشاط هذه المجموعة مفاجأة للجيش والشاباك، وفي ظل غياب رد استخباراتي فعّال، اتُخذ القرار مؤخراً بالعقاب الجماعي: التضييق على حركة جميع سكان نابلس، وذلك بعد أن عمد المستوطنون إلى تعليم الطرق وإغلاق مداخلها. ما هي الأهداف التي أرادوا تحقيقها من خلال هذا الإجراء؟ لأن النتيجة جاءت عكس ما هو مطلوب، مع ارتفاع منسوب الكراهية لإسرائيل، وازدياد الدعم لمجموعة "عرين الأسود" وتزايد أعداد المنضمين إليها. ألم تكن ردة فعل المؤسسة الأمنية شعبوية، بناء على طلب المستوطنين، بدلاً من أن تكون عقلانية؟
- عارض الشاباك، على مدى أعوام، العقوبات الجماعية بحجة أن ضررها أكبر من فائدتها، معتبراً أن محاربة "الإرهاب" تتم من خلال عمليات استخباراتية-فردية وليس جماعية، إذ يجب التمييز بين "الإرهاب" وبين المجتمع الفلسطيني الواسع، لأن عدم التمييز بين الاثنين من شأنه أن يقود إلى اتخاذ خطوات صعبة قد يكون وقعها جيداً على آذان الشعبويين، لكنها من دون أي أهمية استخباراتية مهنية. مؤخراً صرح ضابط في الجيش قائلاً: "عندما يتم إطلاق النار عليك ويموت الناس، عليك إيقاف ذلك". صحيح، لكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة؟
- يبدو أن ثمة تخوفاً كبيراً من طرح هذه المسألة وسط كثيرين من العاملين في المجال الأمني خشية التعامل معهم كيساريين أو انهزاميين. وفي الآونة الأخيرة، انجرّ الشاباك خلف المؤسسة العسكرية وفقد تأثيره وقدراته المهنية، وذلك بسبب انتقادات الجمهور القاسية له منذ موجة العمليات في آذار/مارس ونيسان/أبريل. ثمة تخوف لدى الشاباك من الاعتراف بأن المعلومات الاستخباراتية عن "الإرهاب المسلح" للأفراد، أو عن مجموعات كـ "عرين الأسود" قليلة جداً، وحتى لو قاموا بشيء إزاءها، فستنشأ مجدداً مجموعات أُخرى.
- وعندما يرفض الشاباك الاعتراف، يتخذ إجراءات تفتقر إلى الذكاء. فعلى سبيل المثال، "المخرّب" عدي التميمي، الذي قتل الجندية نوعا لازر في مخيم شعفاط، هرب ولم يتم القبض عليه، ونتيجة ذلك تم فرض حصار لعدة أيام على مخيم شعفاط، الذي يعيش فيه قرابة 100.000 فلسطيني، وبعد عشرة أيام عاد التميمي ونفذ هجوماً آخر في معاليه أدوميم و"قُتل". هل تجرأ أحد وأعلن أن حصار مخيم شعفاط كان قراراً خاطئاً؟
- يبدو واضحاً للجميع أن ما يجري في الضفة الغربية هو عبارة عن حالة مقاومة شعبية متصاعدة، لا علاقة لها بـ "حماس"، أو الجهاد الإسلامي، أو "فتح". فالشارع هو الذي ينهض ويحتج ونشاطه غير مرتبط بقواعد التنظيمات "الممأسسة". والاغتيال لا يكون "ناجعاً" إلاّ عندما تكون الأهداف محددة، لكن الوضع مختلف اليوم، وكل مَنْ في الميدان في حالة غليان.
- وبعكس الرأي السائد، لا يدور الحديث بالضرورة حول اتجاهات جديدة؛ فانتفاضة السكاكين عام 2015-2016، التي باغتت أجهزة الأمن والشاباك، ولم يكن بيد هذه الأخيرة ما يمكن القيام به إزاءها، كانت أيضاً انتفاضة الجيل الشاب الذي لم يعد يؤمن بقيادته، التي، بحسبه، لم تقم بما هو مطلوب منها لوقف الاحتلال. إن ظاهرة "إرهاب" الأفراد هي ظاهرة عفوية غير منظمة تتطور منذ عدة أعوام، وها هي الآن تعود من جديد بعد استراحة قصيرة.
- والسبب لذلك هو أن الفلسطينيين باتوا يفهون جيداً الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي يلاحظون تطور الظاهرة التي في إطارها تنشأ "جيوب" فلسطينية معزولة نحو 150 ويمكن إغلاقها ببساطة في الوقت الذي يتجوّل المستوطنون بحرية على الطرق الالتفافية. وليرفع يده من يعتقد أن هجمات المستوطنين-نحو 100 هجوم خلال الشهر الأخير فقط، جزء كبير منها يجري بغض نظر من الجيش-لا تخترق وعي الفلسطينيين؟ ألا نشاهد أمام أعيننا السيناريو الذي يسعون من خلاله إلى تأجيج الأوضاع على الأرض بهدف إيجاد ذريعة جماهيرية لحملة "السور الواقي 2"؟
- إن هذه الاتجاهات ستتعمق وستدفع بالفلسطينيين إلى مزيد من اليأس، فهؤلاء لا يرون أن قيادتهم تعمل بشكل ناجع، ولا أمل لديهم بأبو مازن وبالفصائل الممأسسة، ويعرفون أن السلطة تمر في مرحلة تفكك، وبالتالي يعلمون أن القادم أسوأ. وعند هكذا مستوى من اليأس، الاغتيالات التي يقوم بها الجيش تزيد من رغبة الفلسطينيين في الاحتجاج، وليس العكس.
- إذاً، إلى أين نتجه؟ لقد نسينا كلياً موضوع الأفق السياسي الذي يمكن أن يمنح الأمل للطرف الآخر. صحيح أن رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الأمن يتطرقان، من وقت إلى آخر، إلى هذا الموضوع بشكل فضفاض، وأيضاً رئيس هيئة الأركان السابق غادي آيزنكوت، لكن تصريحاتهم لن تقود إلى تغييرات حقيقية، وبدلاً من ذلك تتمأسس في الوعي مقولة أنه من غير الممكن تغيير الوضع القائم.
- الشاباك هو المسؤول عن تقدير ما يجري في الضفة، على الرغم من أننا لا نعرف ما هو تقديره للوضع وتوقعاته بالنسبة إلى المستقبل، كما أننا لا نعلم إن كان يطرح مواقفه أمام المستوى السياسي ومتخذي القرار، وإن كان هؤلاء يتعاملون معها كما يجب.
- الوضع القائم ليس صحيحاً؛ نشاط "الشاباك" لا يجب أن يتأثر بالجو العام المتغير أو بالانتخابات، وعلى الشاباك ألاّ يتخوف من طرح تقديراته.
- إذا كان صحيحاَ أن إسرائيل هي التي تقف وراء اغتيال تامر الكيلاني ليل السبت-الأحد في نابلس، فإن هذا يدل على الطريقة المغايرة والذكية التي اختارتها إسرائيل لمعالجة بؤر "الإرهاب" والتحريض شمالي الضفة. وثمة تخوف في إسرائيل، بدأ يتحقق كما رأينا أمس، من أن يشكل التحريض الذي تقوم به مجموعة "عرين الأسود" في نابلس وفي أزقة مخيم اللاجئين في جنين، والهجمات التي تنفذها هذه المجموعة، مصدرَي إلهام ومحاكاة في سائر مناطق الضفة الغربية والقدس. يبدو واضحاً أن "الإرهاب" الجماهيري (رشق الحجارة والزجاجات الحارقة) بدأ يتصاعد قبل ثمانية أشهر ولم يخمد، وما دام مصدر التأجيج نشطاً سيستمر في التصاعد. لذا اتخذ المجلس الوزاري المصغر هذا الأسبوع قراراً عاجلاً للتعامل مع مجموعة "عرين الأسود" في نابلس ومع المسلحين الذين ينفذون هجمات، والذين يأتون من مخيم اللاجئين في جنين.
- في نهاية الأسبوع بدأ الشاباك والجيش والشرطة بترجمة توجيهات رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس إلى خطة عملانية استناداً إلى الخبرة التي تراكمت خلال عملية "كاسر الأمواج"، وبالتحديد خلال عملية تصعيد التيك توك الحالية. ويمكن الافتراض أن اغتيال الكيلاني هو جزء من التكتيك العملاني الجديد المستخدم بعد التوجيهات التي أقرها المجلس الوزاري المصغر بهدف إخماد موجة "الإرهاب" بالقوة، وتنفيذ ذلك بطريقة تحول دون نشوب ثورة (انتفاضة) شعبية شاملة في الضفة الغربية.
- لقد طُلب من القوى الأمنية العمل بطريقة خلاّقة لكن في ظل القيود التالية:
- أولاً، الحد قدر الإمكان من عدد القتلى الفلسطينيين الذين لا يشكلون خطراً مباشراً على مقاتلي الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود الذين ينشطون في قلب التجمعات السكانية؛ ثانياً، إتاحة الفرصة أمام السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لأن تستعيد قوتها وتعيد فرض سلطة القانون التي ضعفت كثيراً في العامين الأخيرين؛ ثالثاً، عدم الدخول في عملية واسعة النطاق في كل أنحاء الضفة الغريبة، كي يتم الفصل بين السكان غير المتورطين وبين "الإرهابيين"، وكي لا تجري الانتخابات في إسرائيل في ذروة مواجهات عسكرية تتسبب بوقوع العديد من الضحايا وبتأجيج المشاعر.
- يبدو واضحاً الجهد المبذول من أجل تقليص عدد الضحايا؛ كل فلسطيني يقُتل، سواء أكان مسلحاً أو وُجد بالصدفة وسط تبادل لإطلاق النار، تُصنع منه أسطورة شهيد بطل، تؤججها وسائل التواصل الاجتماعي وتنشرها وسط مئات آلاف الشبان الغاضبين. وتتحول الجنازات إلى حدث جماهيري، إلى جانب الضجيج الذي يرافقها في وسائل التواصل الاجتماعي، لتشكل حافزاً قوياً للبعض لتنفيذ هجمات مماثلة تمنح مَن يقومون بها شهرة واعترافاً.
- تشتد الحاجة إلى تعزيز قوة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لأن إسرائيل لا تشعر بالقلق من موجة "الإرهاب" التي يقوم بها "المارقون" في نابلس وجنين فحسب، بل أيضاً من خطر استمرار هذا المسار الذي يؤدي إلى إضعاف السلطة في رام الله وانهيارها لاحقاً. في مثل هذه الحالة، يمكن أن تسيطر "حماس" على الضفة الغربية أيضاً، وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى العودة إلى هناك كي يكون المسؤول الأوحد عن المناطق، وستضطر دولة إسرائيل إلى تحمل كامل العبء الأمني والاقتصادي والإداري المتعلق بالسيطرة المباشرة على 2.6 مليون فلسطيني.
- مؤخراً تعمّق ضعف السلطة الفلسطينية وأجهزتها في ضوء الصراعات على خلافة الرئيس الفلسطيني، والتي كان يجب أن تبدأ بعد مغادرة أبو مازن الساحة السياسية، لكنها بدأت الآن. كذلك ضعفت الأجهزة الأمنية بعد أوامر أبو مازن، قبل عامين، بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. صحيح أنه تراجع عن قراره هذا، لكن الفراغ الذي نشأ في هذه الأثناء، وخصوصاً في نابلس ومخيم اللاجئين في جنين، استقطب عناصر مسلحة لا تأتمر بأوامر السلطة وتدخل في مواجهات مع قوات الأمن الإسرائيلية.
- يعتقد كل من الشاباك وشعبة الاستخبارات في الجيش ومنسق النشاطات في المناطق غسان عليّان أنه ما زال للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية القدرة على فرض إرادتها في نابلس وكبح مجموعة "عرين الأسود"، لذلك امتنع الجيش عن قصد من إدخال قوة كبيرة إلى نابلس. ففي إمكان الجيش تحييد هذه المجموعة المؤلفة من بضعة عشرات من "المخربين"، وحتى القضاء عليها بواسطة عملية كبيرة ولمرة واحدة، لكن إسرائيل تفضل أن تقوم السلطة بذلك بأسلوبها الذي يجمع بين الإقناع والإغراء (من خلال الانضمام إلى الأجهزة الأمنية والحصول على راتب)، وأحياناً باستخدام القوة بصورة وحشية.
- وهذا الاعتقاد ليس ناجماً عن الرغبة في تفادي وقوع خسائر بين قواتنا فحسب، بل أيضاَ من أجل إعطاء السلطة الفرصة لاستعادة سيطرتها على نابلس عاصمة شمال الضفة الغربية. ولهذا امتنع الجيش من الدخول إلى المدينة بقوات كبيرة، واكتفى بمحاصرتها من الخارج، لأن العمليات داخل المدينة تنفذها الأجهزة الأمنية للسلطة، وقد أدى اتباع هذا الأسلوب إلى خفض عدد الهجمات التي مصدرها نابلس.
- لكن مجموعة "عرين الأسود" ما زالت تشكل خطراً، وبعض عناصرها أخطر من غيرهم، بينهم تامر الكيلاني الذي قتل هذه الليلة. ويمكن الافتراض أن إسرائيل توجهت في هذا الشأن إلى السلطة وطلبت منها تحييده لأنه يشكل قنبلة موقوتة، كما يمكن الافتراض أن الطلب قوبل بالرفض، ويمكننا أن نفهم السبب؛ لا يريد الفلسطينيون التورط في ردات فعل عنيفة، مثل التظاهرات وأعمال الشغب التي اندلعت في نابلس قبل قرابة شهر بعد اعتقال الأجهزة الأمنية مصعب إشتيه، العضو البارز في مجموعة "عرين الأسود".
فيما يتعلق بجنين، حيث خسرت السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها قدرتها على فرض النظام بصورة تامة، يواصل الجيش والشاباك العمل وفق الأسلوب السابق مع تجنب أعمال القتل قدر المستطاع. إذ يبدو أنه في الإمكان إضعاف رغبة المسلحين في الدخول في مواجهات من خلال وسائل أقل عنفاً من رصاصة في الرأس، فإصابة الساق كافية في العديد من الحوادث.