مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
صادقت الهيئة العامة للكنيست مساء أمس (الثلاثاء) بالقراءة التمهيدية على مشاريع قوانين يسعى الائتلاف الحكومي المقبل، بزعامة رئيس الليكود ورئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو، لتمريرها في عملية تشريعية خاطفة، تمهيداً لتنصيب حكومته السادسة مع أحزاب الصهيونية الدينية واليهود الحريديم [المتشددون دينياً].
وفي هذا الإطار صادقت الهيئة العامة للكنيست على تعديل "قانون أساس: الحكومة"، بما يتيح إمكان تعيين رئيس حزب شاس أرييه درعي المدان بالفساد وزيراً، وذلك بتأييد 62 عضو كنيست ومعارضة 53 عضواً. ويهدف التعديل إلى منع إلصاق وصمة عار بدرعي بعد الحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، وأن تسري وصمة العار على المحكومين بالسجن الفعلي، وبذلك يتمكن درعي من تولّي منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
كما صادقت الهيئة العامة على قانون يسمح بتوسيع صلاحيات وزير الأمن القومي المقبل لإحكام سيطرته على جهاز الشرطة والقوات التابعة له، ولا سيما قوات حرس الحدود، وذلك بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 53 عضواً. ويهدف مشروع القانون هذا إلى تعديل مرسوم الشرطة، بحيث يُمنح رئيس حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"] إيتمار بن غفير، المرشح لتولي حقيبة الأمن القومي، صلاحيات واسعة جداً فيما يتعلق بجهاز الشرطة وقائدها العام.
كما صادق الكنيست على إجراء تعديل تشريعي يتيح تعيين وزير ثانٍ في وزارة، وذلك تمهيداً لتعيين وزير ثانٍ في كلٍّ من وزارة التربية والتعليم، ووزارة الدفاع. وسيكون الوزير الثاني في هذه الوزارة الأخيرة ممثلاً عن الصهيونية الدينية ومسؤولاً عن وحدة تنسيق شؤون الحكومة في المناطق [المحتلة]، وعن الإدارة المدنية. ويهدف هذا التعديل إلى تسهيل المصادقة على أعمال البناء في المستوطنات وتوسيعها، ومنع البناء في القرى الفلسطينية في مناطق ج في الضفة الغربية، وذلك بإشراف مباشر من حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش. وتمت المصادقة على هذا التعديل بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 51 عضواً.
وعمل معسكر نتنياهو ضمن هذه العملية التشريعية الخاطفة على تمرير مشروع قانون آخر يرفع عدد الأعضاء الذين يحق لهم الانفصال عن كتلتهم البرلمانية وتشكيل كتلة برلمانية منفصلة، من 4 أعضاء كنيست إلى 7 أعضاء. وصادقت الهيئة العامة على مشروع القانون هذا بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 52 عضواً، وسعى نتنياهو شخصياً لهذا التعديل من أجل منع انشقاق أعضاء كنيست من المحتمل أن يستاؤوا من خياراته فيما يخصّ التعيينات الوزارية في الحكومة المقبلة.
وتعقيباً على ذلك، قال وزير العدل في الحكومة المنتهية ولايتها جدعون ساعر إن ما جرى في الكنيست كان عبارة عن عملية سطو في وضح النهار.
وأكد وزير الأمن الداخلي في الحكومة المنتهية ولايتها عومر بار ليف أن قانون توسيع صلاحيات بن غفير سيقضي على استقلالية الشرطة بطريقة تحوّلها إلى دمية في يد الوزير، واعتبر أن ذلك يعني تدمير الديمقراطية.
وكانت الهيئة العامة للكنيست انتخبت أمس، بأغلبية أصوات الائتلاف الذي شكّله نتنياهو، عضو الكنيست من الليكود ياريف ليفين رئيساً موقتاً للكنيست، بدلاً من عضو الكنيست ميكي ليفي من حزب "يوجد مستقبل". ومن المرجح أن يصبح ليفين، وهو أحد المقربين من نتنياهو وحلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التمهيدية في الليكود لاختيار المرشحين للكنيست، وزيراً للعدل في الحكومة المقبلة.
وقال أعضاء كنيست من الليكود إن ليفين سيستقيل من منصب رئيس الكنيست قبل وقت قصير من أداء الحكومة اليمين الدستورية، وسيتم انتخاب رئيس آخر.
قال رئيس حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"] ووزير الأمن القومي المرتقب عضو الكنيست إيتمار بن غفير إن دعوة الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية الجيش الإسرائيلي إلى تحمُّل مسؤولية مقتل الفتاة الفلسطينية جنى زكارنة خلال تبادُل كثيف للنيران في جنين أول أمس (الاثنين) تدعو إلى الأسف.
وقال بن غفير في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أمس (الثلاثاء): "إن دعوة الإدارة الأميركية مؤسفة، فلا يجوز أمام تعرُّض جنودنا وجنود حرس الحدود لإطلاق الرصاص من طرف الإرهابيين أن نطلق الأحكام عليهم كما لو كانوا يعملون في ظروف عادية. مما لا شك فيه أن موت الفتاة أمر مؤسف، ولكن لا شك أيضاً في أن أي جيش في العالم كان سينهي ليلة من القتال في جنين بمقتل العشرات من الأعداء، وليس بعمليات يتم قياسها طوال الوقت."
وأضاف بن غفير: "أدعو سكان جنين المدنيين إلى عدم مغادرة منازلهم عندما يطلق الإرهابيون النار على جنود الجيش الإسرائيلي. أنا أدعم جنود الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، ولديهم الحق في الدفاع عن أنفسهم."
وكانت الولايات المتحدة أعلنت موقفها تجاه الأحداث الأخيرة في جنين عبر دعوة الجيش الإسرائيلي إلى التحقيق بعمق وتحمُّل المسؤولية عن مقتل الفتاة ابنة الـ16 ربيعاً فوق سطح منزلها.
قدمت أحزاب اليمين، التي تسعى لإقامة الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة بنيامين نتنياهو، أمس (الثلاثاء)، مشروع قانون يهدف إلى إعادة إقامة مستوطنة "حومش" في شمال يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، والتي جرى إخلاؤها في إطار خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية سنة 2005، نظراً إلى إقامتها على أراضي قريتيْ برقة وسيلة الظهر الفلسطينيتين.
وبادر إلى مشروع القانون هذا عضوا الكنيست يولي إدلشتاين من حزب الليكود وأوريت ستروك من حزب الصهيونية الدينية، ووقّعه 35 عضو كنيست من أحزاب الائتلاف الحكومي المقبل، بينهم نتنياهو نفسه.
وكان عدد من المستوطنين الإسرائيليين أقاموا بؤرة استيطانية غير قانونية في موقع هذه المستوطنة، تشمل معهداً دينياً، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا أمراً يقضي بإخلائها. وفي آب/أغسطس الماضي بلّغت الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة يائير لبيد المحكمة العليا أنها لا تعتزم إخلاء البؤرة، ورفضت تحديد موعد لإخلائها.
ويسعى مشروع القانون الجديد للسماح بوجود المستوطنين والتحرك بحرية في المنطقة التي كانت المستوطنة مقامة فيها، والسماح لاحقاً بإعادة تخطيط وبناء المستوطنات التي اقتُلعت في إطار خطة الانفصال.
وجرت محاولات في الماضي لإلغاء قانون الانفصال الذي أتاح إمكان إخلاء مستوطنة "حومش" ولجمتها حكومات نتنياهو. وينص التغيير في صيغة مشروع القانون الحالي على إلغاء الحظر المفروض على وجود المستوطنين في الأراضي التي كانت المستوطنة قائمة عليها، وذلك وفقاً لتفاهمات بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية.
وعقّبت منظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية على مشروع القانون، فقالت إنه يعني نهب الحق القانوني لأصحاب الأراضي الفلسطينيين، كما أنه يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
نشرت المحكمة الإسرائيلية العليا أمس (الثلاثاء) ردّها على جميع طلبات الالتماس التي اعترضت على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي سبق أن رفضتها، وأكدت فيه أنها لم تعثر على أي خلل قانوني في قرار الحكومة الإسرائيلية عدم طرح هذا الاتفاق لمصادقة الكنيست والاكتفاء بعرضه على الهيئة العامة.
وقالت المحكمة في ردها إن الحكومة الإسرائيلية قدمت دلائل على وجود حاجة ملحة واضحة تدعم استكمال الإجراءات للتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة.
كما أوضحت المحكمة أن "قانون أساس: الاستفتاء" لا ينطبق على المناطق البحرية.
وكانت هذه المحكمة رفضت بالإجماع يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفي قرار صادر عن هيئة مؤلفة من 3 قضاة، تضم رئيسة المحكمة إستير حيوت، ونائبها عوزي فوغلمان، والقاضي نوعم سولبرغ، طلبات التماس قدمها رئيس حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"] عضو الكنيست إيتمار بن غفير وممثلون عن قوى يمينية أُخرى، وبذا منحت المحكمة الحكومة الضوء الأخضر لإقرار الاتفاق مع لبنان.
وكتبت المحكمة في قرارها الأولي آنذاك أن الحكومة الانتقالية يحق لها توقيع الاتفاق، في ضوء المعلومات الواضحة التي قدمتها جميع الجهات المهنية المعنية.
واستمعت المحكمة إلى إفادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] اللواء أهارون حاليفا وغيره من قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وأجرت مداولات أمنية خلف أبواب مغلقة اطّلعت خلالها على مادة سرية قدمتها الدولة بخصوص الاتفاق.
وأوضحت رئيسة المحكمة حيوت في حينه أن تدخُّل المحكمة في القضايا المتعلقة بالشؤون الخارجية والأمن محدود، حتى عندما يتعلق الأمر بحكومة انتقالية. وشددت على أن صوغ الاتفاق لم يحدث خلال فترة الانتخابات، بل هو نتاج مفاوضات بدأت قبل أعوام، وقالت إن ذلك يؤكد أنه لا مجال للتدخل في قرار الحكومة الانتقالية.
وأثارت طلبات الالتماس ضد الاتفاق البحري مع لبنان 3 قضايا: الأولى، تتعلق بحق حكومة لبيد، كونها حكومة انتقالية، في توقيع مثل هذا الاتفاق؛ الثانية، تتعلق بـ "قانون أساس: الاستفتاء" وما إذا كان ينطبق على المنطقة المدرجة في الاتفاق، وبالتالي يجب إجراء استفتاء على الاتفاق، أو الموافقة عليه بأغلبية 80 عضو كنيست؛ الثالثة، في حال السماح لحكومة انتقالية بتوقيع الاتفاق، فهل تصرفت بشكل قانوني عندما قررت عدم عرض الاتفاق لمصادقة الكنيست واكتفت بوضعه على طاولة الهيئة العامة.
- جنى زكارنة، ابنة الـ16 عاماً، قُتلت أول أمس برصاصة في الرأس. قصة بسيطة وغير مهمة. في البداية، تحدث الجيش الإسرائيلي عن "مزاعم عن مقتل فلسطينية". وفي بيان أكثر تفصيلاً، ذكر "أن المقاتلين أطلقوا النار على مسلحين. وظروف مقتل الفتاة في قيد الفحص."
- على الفور، بدأت السردية الدائمة للجيش الإسرائيلي: "في التحقيق الأولّي، ذكر المقاتلون أنهم لم يشاهدوا أية امرأة أو فتاة خلال تبادُل إطلاق النار. وأن الجيش يفحص ما إذا كانت الفتاة موجودة على سطح منخفض أكثر... ويذكر الجيش أيضاً أنه يجري في كل ليلة إطلاق نار على القوى الأمنية التي تعمل على اعتقال مطلوبين، وأن القوات تردّ بإطلاق النار بدقة على المسلحين فقط." نسخة طبق الأصل من نتائج التحقيق الذي قام به الجيش الإسرائيلي في قضية شيرين أبو عاقلة، باستثناء احتمال تعرُّضها لإطلاق نار من الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ. لكن بعد دقائق، يصل توضيح "هناك احتمال كبير جداً" أن يكون أحد مقاتلي حرس الحدود قتل زكارنة عن طريق الخطأ.
- في البداية، لم يشاهد الجيش أية امرأة أو فتاة، وأن الوقت كان ليلاً. وكأن هذا لا يكفي، قالوا إنه من المحتمل أنها كانت على سطح منخفض، ولذلك لم يتمكنوا من رؤيتها. والخلاصة هي عندما يطلق الجنود النار في الليل، من المحتمل كثيراً أن يقتلوا مواطنين، وخصوصاً إذا كانوا لا يرونهم. لكن إذا كانوا لا يرونهم، فكيف يرون المسلحين، وكيف يتمكنون من إصابتهم بدقة؟ يجب على الجيش أن يعدّل قليلاً السيناريو.
- في أعقاب ذلك، ردّ أيضاً وزير الدفاع بني غانتس، وقال إنه يأسف لمقتل زكارنة "كما آسف لمقتل أيّ شخص لا علاقة له بالإرهاب، في حال كان هذا صحيحاً." هذا أسف مشروط، أسلوب جديد في نظرية العلاقات العامة للجيش الإسرائيلي. ربما هي قُتلت على يد فلسطينيين؟ وماذا كانت تفعل على السطح، بينما كانت آلاف الرصاصات تُطلق من كل اتجاه؟ الأولاد يجب أن يبقوا في المنزل عندما يطلقون النار.
- لكن التبدل المطلوب وصل فوراً. "ذكر الجيش أن هناك شكاً في أن الفتاة ساعدت المسلحين الذين أطلقوا النار على المقاتلين الذي جاؤوا إلى جنين لاعتقال مطلوبين. وكانت تراقب بالقرب من المسلحين من على سطح أحد المنازل في المدينة الفلسطينية - ولذلك، فقد اعتُبرت، عن طريق الخطأ، أحد المسلحين." هذا ما كتبته صحيفة "يديعوت أحرونوت". الآن اتضح كل شيء، زكارنة قُتلت بالخطأ، لكنها لم تكن بريئة. لا مجال فعلاً للأسف، ربما فقط للحزن.
- وماذا لو حدث هذا فعلاً؟ ففي النهاية، هذه الحادثة لها علاقة "بالشؤون الداخلية الإسرائيلية"، أو كما قال غانتس في أعقاب قرار الأف بي آي الأميركي، التحقيق في مقتل أبو عاقلة: "قرار وزارة العدل الأميركية التحقيق في مقتل أبو عاقلة المؤسف هو خطأ كبير... لقد أوضحت للمندوبين الأميركيين أننا ندعم جنود الجيش الإسرائيلي، ولن نتعاون مع أي تحقيق خارجي، ولن نسمح بالتدخل في شؤون إسرائيل الداخلية."
- هذه المرة، في إمكان غانتس وقائد المنطقة وقادة القوات أن يطمئنوا. الأف بي آي الذي قرر، بلؤم، أنه لن يكتفي بالفحص وبالتحقيق وبخلاصات الجيش الإسرائيلي، لن يوسع تحقيقه ليشمل حادثة زكارنة. فهي فلسطينية، وليست مواطنة أميركية. حادثة زكارنة سيحقق فيها المسؤولون عن الأخلاق المثالية للجيش الإسرائيلي، ويمكن الاعتماد عليهم بأنهم لن يسمحوا لفتاة فلسطينية في الـ16 من عمرها تشويه السمعة النقية من أية شائبة.
- لكن مقتل مواطنين أبرياء في أراضٍ محتلة ليس "شأناً إسرائيلياً داخلياً". الولايات المتحدة تريد إجابات، محكمة العدل الدولية تحقق في حوادث مشابهة، ومبعوثة الأمم المتحدة المسؤولة عن الأولاد في مناطق الحروب فيرجينا غامبا وصلت إلى إسرائيل، وهي تفحص إمكانية إدخال إسرائيل إلى القائمة السوداء للدول التي تؤذي الأولاد في زمن الحرب، بعد تحذيرها لإسرائيل سابقاً. تضم هذه القائمة عدداً كبيراً من الدول السيئة التي ادّعت أن ما يجري هو "شأن داخلي". وهي أيضاً عبّرت عن أسفها.
- الفرق واضح ما بين الاستقبال الذي حظيَ به الزعيم الصيني شي جين بنغ، خلال زيارته إلى السعودية، وبين الاستقبال الذي حصل عليه الرئيس الأميركي جو بايدن: من جهة، تجد الأحضان الدافئة وإطلاق الرصاص تعبيراً عن الاحترام؛ ومن جهة أُخرى، تجد المصافحة الباردة لولي العهد الذي أراد بايدن "تجاهُله".
- هذه ليست صدفة؛ فعلى الرغم من أن لقاءات القمة الثلاثة ما بين الصين والسعودية، ومجلس التعاون الخليجي (GCC)، والدول العربية، مقررة مسبقاً، فإن زيارة شي تأتي في وقت تزداد فيه حدة التوتر ما بين واشنطن وبيجين والرياض، إلى جانب أزمة طاقة عالمية ناتجة من اجتياح روسيا لأوكرانيا. وبحسب محللين من الخليج وخارجه، فإن لقاءات القمة التي حضرتها عشرات القيادات من الدول العربية في الرياض، تضمنت بعداً تحريضياً على الولايات المتحدة. وهو ما يشكل، بحسبهم، إشارة أُخرى إلى الضعف في مكانة الولايات المتحدة في المنطقة مؤخراً.
- بالنسبة إلى الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان، فإن التوقيت ممتاز. ففي الوقت الذي يضع أمامه خطة 2030 الطموحة في بلده، تسمح له الزيارة بأن يُظهر للعالم سياسة خارجية مستقلة، وتثبيت مكانة المملكة القيادية في العالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى إثبات زعامته أمام شعبه قبل حصوله على التاج.
- وفي المقابل، أثبتت الصين خلال الأعوام العشرة الأخيرة أن اهتمامها بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعمق بكثير من اختزاله بأمن الطاقة. فبالتدريج، عمّقت التعاون مع الدول العربية عبر الاستثمار المكثف في البنى التحتية وتكنولوجيا المستقبل: تجارة، استثمار، أموال، موانئ، مراكز تجارية ولوجيستية، طاقة خضراء، شبكات اتصالات، مدن ذكية، صحة عامة، فضاء، سلاح، سيارات، ثقافة وتعليم. والهدف من زيارة شي تعميق التعاون ما بين استراتيجية التطوير الصينية وخطط الرؤية في دول المنطقة، وبذلك يتم ربط مصير هذه الخطط بالمصير الصيني.
- تستغل بيجين أيّ توتر مفتوح في علاقة الولايات المتحدة مع شركائها، بهدف اختراق الهيمنة الأميركية التي تفرض نظاماً عالمياً أحادي القطبية، يخدم مصالح واشنطن وحلفائها. فكما روسيا بوتين، بيجين تركز على المصير المشترك، ظاهرياً، بين الصين والدول العربية كضحايا تاريخيين للاستعمار والسيطرة الغربية، وهو ما يحولهم في الحاضر إلى شركاء في صناعة عالم متعدد الأقطاب، من دون التفوق الغربي. لذلك، فإن الهدف من الزيارة الحالية هو تعميق التصدعات في الثقة واختراق منظومة التحالفات الأميركية مع تعزيز "الاستقلالية الاستراتيجية" للدول العربية.
- على سبيل المثال، نشرت وزارة الخارجية الصينية تقريراً شاملاً بشأن العلاقات ما بين الصين والدول العربية في "العهد الجديد"، ويدّعي أنه وعلى عكس "الدول الأُخرى"، الصين تدعم الاستقلال الاستراتيجي لدول المنطقة، وهي لا تتدخل في شؤونها الداخلية، ولا تربط ما بين الإرهاب والإسلام، وتهتم فقط بالفائدة المتبادلة. وكتب باحث كبير في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة حزبية إن "الدول العربية تعبت من الاستعلاء الغربي"، كما أن رسائل كثيرة كهذه انتشرت في الإعلام العربي في عدة أماكن في المنطقة. مثلاً، رئيس قناة "العربية"، العملاق الإعلامي السعودي عبد الرحمن الرشيد، كتب أن الصين (على عكس الولايات المتحدة) هي حليف "مستقر، يمكن توقُّع ردات فعله، وموثوق فيه."
في أي صف تقف
- الأهداف الأساسية من زيارة بايدن في تموز/يوليو هذا العام كانت زيادة إنتاج النفط في المدى القصير، بهدف خفض أسعار السوق وتقليص العبء عن أميركا وشركائها في أوروبا، وكذلك التلميح إلى الدول العربية بأن بلاده لا تتركها في المدى البعيد. وصرّح بـ"أننا لن نغادر ونترك الفراغ لتملأه الصين، أو روسيا، أو إيران"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان."
- لكن كان من الواضح أن القيادات العربية التي اجتمعت في السعودية غير مقتنعة. وفي الوقت الذي اعتقدت الإدارة الأميركية أنها وصلت إلى تفاهمات مع أكبر دولة منتجة للطاقة في ظل الأزمة الدولية، أعادتها منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك+) بقيادة السعودية، من دون أن تمنحها ما تريد. وأكثر من ذلك، المنظمة أغضبت واشنطن حين قررت تقليص إنتاج النفط بـ2 مليون برميل يومياً، قبل شهر من الانتخابات النصفية الأميركية. الاستقبال الملكي للزعيم الصيني يتطابق مع الإجابة التي منحتها السعودية للبيت الأبيض، بحسبهم: قواعد اللعبة تغيرت، لا تضعوا لنا الشروط ولا ترغمونا على الاختيار.
- حتى لو كانت دول الخليج تبالغ في تقييم نفسها، لا شك في أن التدخل الصيني المتصاعد في ظل الأزمة العالمية والتنافس بين القوى العظمى يمنحها بدائل. وستستمر الدول العربية في تنويع مصادر اعتمادها، بهدف تطوير مصالحها القومية، وإدارة المخاطر، والاستفادة من جميع الأطراف، أما الولايات المتحدة فهي، في رأيهم، مَن يجب أن يلائم نفسه من جديد.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة بايدن لا تزال متمسكة برأيها، وتدّعي أمام العرب أنه ما من بديل حقيقي في المنطقة من الولايات المتحدة. ففي الاجتماع الأمني الذي عُقد الشهر الماضي في عاصمة البحرين، أراد المسؤولون الأميركيون تمرير الرسالة: الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على الدفع قدماً بالتعاون الإقليمي لإقامة تحالُف (أمام إيران)، وأنه "سيكون من الخطأ أن تقوم دول المنطقة بالمراهنة ضدها."
- وحذّرت الولايات المتحدة من أن شبكة الإنذار المسبق من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي تعمل هي على إنشائها، بالتعاون مع إسرائيل، سيلحق بها الضرر بسبب الاختراق الصيني للبنى التكنولوجية في الخليج. فالأميركيون يعتقدون أنه كلما ازداد التعاون مع الصين، كلما ضعف الغطاء الدفاعي الأميركي في المنطقة، ويدّعون أنهم "لا يطالبون أياً من الدول بالاختيار بين الأطراف"، لكن كل ما تسمعه دول المنطقة هو "إما أن تكونوا معنا، أو معهم."
- بالنسبة إلى دول الخليج، فإن الالتزامات الأمنية للإدارة الأميركية تتزعزع. الولايات المتحدة لم تنجح في منع هجمات إيران وأذرعتها على السعودية في سنة 2019، وعلى الإمارات في كانون الثاني/يناير هذا العام. وفي نظر السعودية، لم تقُم إدارة بايدن فقط بإزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب، إنما "أذلّت" أيضاً ولي العهد بشكل شخصي، وأضرّت بالتعاون التاريخي، عبر استغلال موضوع "حقوق الإنسان". وفي رأي الدول العربية، الولايات المتحدة فشلت أيضاً في منع تحوُّل إيران إلى دولة نووية. إذ يتم التعامل مع الأخيرة في المنطقة على أنها دولة على "عتبة نووية" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
نظرية اللعبة
- على الرغم من الشكاوى المتكررة، فإن الدول العربية عموماً ترى في العلاقة بالولايات المتحدة، مع قدراتها الكبيرة، حاجة حيوية لأمنها، وتدرك أن الصين لا تقدر، وغير مهتمة بأن تكون بديلاً من هذه العلاقة في المدى القريب. في نظرة إلى المستقبل، تتخوف هذه الدول من عدم اهتمام البيت الأبيض بالتحديات الأمنية التي تواجهها، ومن النبرة القاسية ضدها في الكونغرس، والاختلاف في الآراء بشأن موضوعات، مثل الحريات السياسية وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من عدم خفض القوة البشرية العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، فإن هناك شكوكاً في استعداد الولايات المتحدة لاستخدام هذه القوة للدفاع عن أمن دول الخليج.
- بالإضافة إلى ذلك، وبينما هذه الدول غارقة في رؤاها التنموية، تحاول واشنطن تقليص خيارات التنمية، من خلال فرض "اختيار طرف" في مواجهة ليست مواجهتها. وكلما تعمقت الخصومة بين الدول الكبرى في كل ساحة ممكنة، فإن هذه الدول تتعامل مع الشرق الأوسط بمصطلحات لعبة حصيلتها صفر؛ فأيُّ تقارب بين بيجين ودولة إقليمية يُعتبر ضد واشنطن، والعكس صحيح.
- زيارة الرئيس الصيني أثبتت على الأقل أن الدول العربية عموماً، ودول الخليج خصوصاً، ليست عاجزة. فالصين تحولت إلى أكبر شريكة تجارية والمستثمرة الأكبر في أغلبية الدول العربية، ووقّعت مذكرات تفاهُم واتفاقات تساوي عشرات مليارات الدولارات في أكثر من 30 قطاعاً استراتيجياً. من الناحية التكنولوجية مثلاً، يُذكر أنه خلال زيارة الرئيس بايدن إلى الرياض جرى التوصل إلى اتفاقات على شراكة أميركية - سعودية في بناء شبكة بنى تحتية للاتصالات من جيل متطور، بينما تضمنت رزمة الصفقات التي وقّعها شي هذا الأسبوع مذكرة تفاهُم بين الشركة الصينية العملاقة هواوي من أجل تركيب إنترنت سريع للهاتف الخليوي ومنشآت للحوسبة والـcloud في المملكة. كما أن الصين تشارك في المشروع الضخم لولي العهد السعودي، بناء مدينة المستقبل نيوم رغماً عن إرادة الأميركيين.
- من الناحية الأمنية، شركات أمنية صينية تعرض منظومات سلاح سيبرانية بأسعار تنافسية. على سبيل المثال، ذكرت وسائل إعلام صينية أن السعودية اشترت سلاحاً يقدَّر بـ4 مليارات دولار في الشهر الماضي من أحد المعارض الأمنية في مدينة تشو - هاي، وقبل عام، جرى الحديث عن بناء الصين معملاً لإنتاج المسيّرات المتقدمة في المملكة، وهي تأمل بأن تبيعها طائرتها الجديدة "الشبح"، وذلك بعد أن وقّعت صفقة لتزويد الإمارات بطائرات تدريب/وهجومية خفيفة (في ضوء صفقة طائرات أف-35 العالقة). في العقد الأخير، كثرت التقارير التي تحدثت عن تعاون صيني- عربي في إنتاج الصواريخ وسلاح الليزر للدفاع الجوي، وفي السايبر، والاستخبارات، وفي محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى نشاطات مشتركة في مجال الوقود النووي. وهذا التعاون يتطلب اهتماماً إسرائيلياً.
- في الخلاصة، تدرك الدول العربية أفضلية الولايات المتحدة على الصين، ولا سيما في المجال العسكري - الأمني، وهذه الدول ربطت نفسها في المجال الأمني بالولايات المتحدة أعواماً طويلة مؤخراً. فمن خلال العلاقة بالصين، ترغب الدول العربية في الحرص على نمو واستقرار دولها، وفي المقابل، الحصول على أداة ضغط على الولايات المتحدة. وهذه عملية توازُن دقيقة وحساسة، ومن المحتمل أن يكون بعض زعماء دول الخليج بالغ في تحديد المخاطر. إن علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط تتأسس بالتدريج، بعيداً عن مجال الطاقة، وعن علاقتها بالولايات المتحدة. فقد ثبت في العقد الأخير أن هذه العلاقات هي علاقات استراتيجية ومهمة بحد ذاتها. ولا شك في أن الولايات المتحدة هي جزء مهم من القصة، وسيواصل كبار المسؤولين الأميركيين التشديد على أن الولايات المتحدة باقية وليست ذاهبة إلى أي مكان. لكن زيارة شي أثبتت أن هذا الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى الصين.