مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
أقرّ الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة تعديل قانون أساس الذي يسمح للحكومة بتعيين آرييه درعي (زعيم حزب شاس) وزيراً، على الرغم من الحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، وتعيين وزير آخر في وزارة الدفاع يكون مسؤولاً عن الإدارة المدنية. وأُقرّت التعديلات بأغلبية 63 عضو كنيست ومعارضة 53 عضو كنيست. بعد التصويت، استقال ياريف ليفين من منصبه كرئيس للكنيست قبيل أداء الحكومة الجديدة القسم، والذي من المتوقع أن يجري يوم الخميس المقبل. وبحسب التقديرات، من المنتظر أن يعيَّن ليفين وزيراً للعدل.
وتجدر الإشارة إلى أن تعديل قانون أساس الأخير يسمح بتعيين وزيرين مع صلاحيات في وزارة واحدة. وهذا التعديل سيسمح لوزير من حزب الصهيونية الدينية في وزارة الدفاع بالحصول على صلاحيات في الضفة الغربية، من بينها المسؤولية عن الإدارة المدنية، وعن منسّق أنشطة الحكومة في المناطق. وبحسب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين نتنياهو وحزب الصهيونية الدينية، من صلاحيات الوزير في وزارة الدفاع تعيين منسّق جديد لأنشطة الحكومة في المناطق ورئيس جديد للإدارة المدنية، شرط موافقة رئيس الحكومة. كما اتفق حزب الليكود وحزب الصهيونية الدينية على أن يجري كلّ تعيين بموافقة رئيس الأركان والوزير في وزارة الدفاع ووزير الدفاع نفسه ورئيس الحكومة.
رئيس الأركان أفيف كوخافي التقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل أداء الحكومة القسم، وعبّر أمامه عن تحفُّظه عن التغييرات التي يطالب شركاؤه في الائتلاف بإدخالها على عمل الجيش والمؤسسة الأمنية. والمقصود إخضاع الإدارة المدنية ومنسّق أنشطة الحكومة في المناطق لرئيس الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي سيعيَّن كوزير إضافي في وزارة الدفاع، وإلغاء صلاحيات رئيس الأركان في تعيين الحاخام العسكري الأول.
وطلب كوخافي من نتنياهو إعطاء الجيش فرصة للتعبير عن رأيه المهني قبل اتخاذ هذه القرارات، نظراً إلى أهمية تداعياتها على الجيش، وعلى عمله. وتطرّق كوخافي إلى الإساءات التي يتعرض لها كبار المسؤولين في الجيش، وإلى الهجوم الحاد الذي تعرّض له الناطق بلسان الجيش العميد ران كوخاف في الأسبوع الماضي، والذي اتهمه رئيس المجلس الإقليمي في السامرة يوسي ديغن بأنه حوّل الوحدة إلى "حزب يساري متطرف". ولقد أثار هذا الكلام احتجاجاً عنيفاً من كوخافي الذي ردّ بالقول: "كل محاولة للربط بين الناطق بلسان الجيش ونشاط سياسي هي جزء من حملة بشعة يجب وقفها فوراً."
كما أعرب كوخافي عن قلقه من المسّ بصلاحيات رئيس الأركان ووزير الدفاع. فقد تضمّن الاتفاق الائتلافي بين الليكود وبين حزب الصهيونية الدينية بنداً يقضي بأن تدفع الحكومة المقبلة قدماً بقانون يقضي بخضوع الحاخام العسكري الأول للحاخامين، وليس لرئيس الأركان، في الموضوعات التي لها علاقة بالهلاخاه، وأن يجري تعيينه وفق توصيات لجنة يترأسها الحاخام السفاردي الأول. وجرى تقديم اقتراح القانون إلى الكنيست في 20 من الشهر الجاري، وكان سموتريتش أحد المبادرين إليه. وما يتخوف منه الجيش أن يتخذ الحاخام العسكري قرارات صارمة بشأن موضوعات خلافية، مثل الخدمة العسكرية المشتركة للرجال والنساء، الأمر الذي قد يفسّر دعماً من جانب القيادة الرفيعة المستوى للجنود المتدينين الذين يعارضون ذلك، وهو ما سيشجعهم على رفض الأوامر.
هناك اتفاق آخر يقلّص قوة الجيش الإسرائيلي، هو الموقّع مع رئيس حزب قوة يهودية إيتمار بن غفير، والذي يمنح الوزير المعيّن في وزارة الأمن القومي المسؤولية عن حرس الحدود في منطقة الضفة الغربية، وهذه المسؤولية كانت حتى الآن من صلاحيات وزارة الدفاع.
توجد اليوم 18 سرية من حرس الحدود تخدم في الضفة الغربية تحت القيادة الكاملة للجيش الإسرائيلي الذي يحدد أجر المقاتلين والنظاميين، ويمول كل نفقات التسليح والعتاد لأكثر من 2000 مقاتل. ويعمل حرس الحدود كذراع عملانية للجيش الإسرائيلي، وخصوصاً حيال المواطنين المدنيين في البؤر الاستيطانية. لذلك، من المتوقع أن يؤدي نقل الصلاحيات إلى بن غفير إلى عرقلة هدم بؤر استيطانية غير قانونية.
بعد عملية استمرت عدة أسابيع بقيادة الشاباك ومساعدة الجيش الإسرائيلي، جرى في 14 كانون الأول/ديسمبر إحباط شبكة "إرهابية" عملت على التحضير لهجمات انتحارية في إسرائيل. وفي إطار هذه العملية، تم القبض على عدد من النشطاء في الضفة الغربية، الذين عملوا بتوجيهات من "لجان المقاومة" و"شهداء الأقصى"، وهما تنظيمان فاعلان في قطاع غزة.
وتم العثور على عبوة ناسفة مُعَدة لتنفيذ هجوم انتحاري في إسرائيل. كما قُبض على عدد من الفلسطينيين في الضفة الغربية بتهمة التورط بالإعداد للهجمات.
رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لبيد علّق على ذلك بالقول: "محاربة الشبكات الإرهابية لا تزال مستمرة في كل يوم، وفي كل القطاعات. وتواصل القوى الأمنية العمل على اجتثاث أي محاولة لمهاجمتنا. الصراع لم ينتهِ، ودولة إسرائيل تعمل طوال الوقت، ولا تتهاون في حربها ضد الإرهاب. بهذه الطريقة نسمح بحياة عادية إلى جانب نضال لا هوادة فيه."
يقدّر مسؤولون رفيعو المستوى في المؤسسة الأمنية أن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بتوقيع اتفاق نووي مع إيران وحدوث انعطافة تؤدي إلى استئناف المحادثات في الأشهر المقبلة. هذا على الرغم من قول الرئيس جو بايدن في الشهر الماضي إن الاتفاق "مات". ووفق هؤلاء المسؤولين الكبار، فإن المستوى العسكري في الولايات المتحدة يؤيد توقيع الاتفاق، والعقبة الأساسية في هذه المرحلة هي الدعم الإيراني لروسيا في حربها في أوكرانيا.
وبالاستناد إلى هذه المصادر، تعتقد واشنطن أن الاحتجاجات الداخلية في إيران والأزمة الاقتصادية في الدولة يمكن أن تؤديا إلى عودة الإيرانيين إلى المفاوضات مع الدول الكبرى، والمعلّقة منذ عدة أشهر. ويعتقدون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن كلام بايدن بشأن موت الاتفاق هو زلة لسان وليس كلاماً ملزماً، وذلك على الرغم من توضيح الناطق بلسان البيت الأبيض في شؤون الأمن القومي جون كيربي، في الأسبوع الماضي، عدم حدوث تقدُّم في الاتصالات، و"عدم توقُّع حدوث تقدُّم في المستقبل القريب".
إلى جانب التهديد النووي، تتخوف المؤسسة الأمنية من ازدياد النفوذ الإيراني في مناطق جديدة في الشرق الأوسط. ويعتقد مسؤولون في الاستخبارات أن تكثيف الوجود الإيراني في العراق هدفه توسيع النفوذ الإيراني إلى مناطق أُخرى، بينها الأردن. ووفقاً لكلامهم، يرى الإيرانيون في الأردن، الذي يعاني جرّاء أزمة داخلية حادة، هدفاً محتملاً، وهم يعملون من أجل تحقيقه.
و هناك إجماع واسع في المؤسسة الأمنية على أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب – بتشجيع من إسرائيل- كان خطأً استراتيجياً. وفي رأي مصادر استخباراتية، الانسحاب من الاتفاق لم يترافق مع خطة عمل بديلة لمواجهة الخطر النووي الإيراني. وفي رأيهم، الإيرانيون اليوم في وضع أفضل بكثير منذ بدء العمل في البرنامج النووي. وادّعى مصدر سياسي أن حكومة نتنياهو السابقة لم تعمل بما فيه الكفاية للجم الإيرانيين ومنعهم من تطوير القنبلة، وقال: "الجميع اعتقد أن الضغط الاقتصادي سيُخضع الإيرانيين، لكن من الواضح أن هذا كان غير صحيح."
وبحسب المصدر، خصصت حكومة لبيد - بينت مليارات الدولارات لتحضير بديل عسكري جرت في إطاره بلورة خطة عمل جديدة وشراء عتاد عسكري متطور. وعملت الحكومة على تعزيز التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة ودول الخليج. ومع ذلك، يشدد المصدر على أن "إسرائيل لا تملك القدرة اللازمة على مواجهة البرنامج النووي الإيراني من دون تأييد الولايات المتحدة والتعاون معها، وكل مَن يقول غير ذلك، فإنه لا يقول الحقيقة."
كما تتخوف المؤسسة الأمنية من أن يؤدي تغيُّر السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى المسّ بالتعاون مع الولايات المتحدة، وتأمل بأن يكبح نتنياهو الخطوات التي يمكن أن تتسبب بضرر لا يمكن العودة عنه. مع ذلك، تتخوف مصادر أمنية من أن تقوم الحكومة الجديدة بخطوات بعيدة المدى. "ما نراه الآن لن يؤدي إلى مكان جيد - والأميركيون لا يخفون استياءهم"، قال مصدر أمني رفيع لـ"هآرتس".
بالإضافة إلى التهديد النووي، في إسرائيل قلقون من عدم استعداد الولايات المتحدة للعمل ضد التمركز الإيراني في الشرق الأوسط. وقد أعربت المؤسسة الأمنية عن خشيتها من صفقات السلاح التي من خلالها زوّد الإيرانيون الروس بسلاح متطور، في مقابل تعهدات روسية بنقل وسائل قتالية إلى لبنان ومساعدة الوجود الإيراني في سورية. وتتخوف المؤسسة الأمنية بصورة خاصة من الوجود الجوي الروسي في المجال الجوي في سورية ولبنان، الأمر الذي يمكن أن يشكل تحدياً لحرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي.
- في الأسبوع الماضي تحدث تقرير كتبه عيدان أفني ونشرته "يسرائيل هَيوم" عن ارتفاع الحوادث التي وقعت على السياج الحدودي مع لبنان بنسبة 420%. عناصر حزب الله يقومون بدوريات بالقرب من الحدود، يراقبون، ويشقون طرقات.
- وتحدث التقرير عن أسلوب جديد مثير للاهتمام: عناصر حزب الله المنتشرون في المنطقة القريبة من المطلة يقومون باستخدام الليزر ضد سكان المستوطنة في محاولة لإزعاجهم. رداً على ذلك، وُضعت أضواء كاشفة قوية. وجاء في التقرير أن جرافات للجيش الإسرائيلي اجتازت السياج الحدودي وقامت بأعمال حفر في المنطقة الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، راقبها عناصر حزب الله الذين وقفوا على مسافة أمتار قليلة من الجرافات والعمال وجنود الجيش الإسرائيلي الذين كانوا يوفرون لهم الحماية. وذكر التقرير أن هؤلاء الأشخاص ليسوا موظفين في مكاتب، بل هم على الأرجح من المقاتلين.
- أود أن أذكّر القراء بأن القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن في نهاية حرب لبنان الثانية في آب/أغسطس 2006، واعتبرته وزيرة الخارجية، آنذاك، تسيبي ليفني قمة الإنجازات في فترة عملها، حدد أن الجيش اللبناني هو الذي يجب أن ينتشر على طول الحدود مع إسرائيل، ويجب أن يمنع عناصر حزب الله من الاقتراب من الحدود. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق وقّعته إسرائيل وممثلو الحكومة اللبنانية.
- لا أعتبر هذا الاتفاق "إنجازاً"، وباستثناء ليفني ورئيس الحكومة إيهود أولمرت وبعض "خبراء الأمن" الإسرائيليين، لم يأخذ أحد الاتفاق الموقّع بجدية. السيدة ليفني والسيد أولمرت اختفيا من عالمنا السياسي، يهمني أن أقول ذلك للذين يتباهون باتفاق الغاز الموقّع مؤخراً بين دولة إسرائيل وبين جهة لا تتمتع بأي صلاحية أو مسؤولية في لبنان، والذين يعتمدون هم أيضاً على جهات أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، ومعرفتهم الأمنية بالساحة اللبنانية تذكّرني، مع الأسف، بمسؤولي شعبة "تيفيل" في الموساد. هذه الشعبة التي تولى عناصرها المسؤولية عن معالجة العلاقات مع المنظمات اللبنانية في سنة 1976، وأيّدوا، عن جهل، الفكرة غير القابلة للتحقيق لوزير الدفاع، آنذاك، أريئيل شارون، "إقامة نظام جديد في لبنان".
- من المثير جداً للقلق تأييد المسؤولين الرفيعي المستوى في المؤسسة الأمنية أفكاراً تبدو لاحقاً أنها خطأ، مثل اتفاق أوسلو، أو تأييدهم الشديد للانسحاب من الجولان في مقابل اتفاق سلام مع سورية. مواقف هؤلاء المسؤولين الرفيعي المستوى تطرح تساؤلات عن قدراتهم المهنية.
خمسون عاماً مرت على حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، التي كشفت حوادث كثيرة جداً وقعت خلالها عن تحجّر جهات مهنية - بالأساس المواجهة بين عناصر الاستخبارات ورئيس الاستخبارات العسكرية الذي تمسّك بنظرية خاطئة، والدوافع التي جعلته يواصل التمسك بوجهة النظر هذه، على الرغم من المعلومات التي تدفقت من وكالات الاستخبارات، والتي أشارت إلى حرب أكيدة لم يُحقَّق فيها حتى اليوم، وثمة شك في حدوث ذلك. - إسرائيل وقّعت في سنة 2022 اتفاقاً مع كيان سياسي غير قادر على الالتزام بشروط الاتفاق السابق الموقّع في سنة 2006، وفي الحالتين، جرى الأمر برعاية ومباركة وإلحاح جهات أمنية رفيعة المستوى لا تتحمل المسؤولية عن أخطائها.
- أحد التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة في إسرائيل، هو الحفاظ على قوة الدفع الإيجابية في التطبيع الثقافي- الديني مع المغرب. فمنذ إعلان تجديد العلاقات بين الدولتين في 22 كانون الأول/ديسمبر 2020، سرّعت المملكة جهودها لإحياء الإرث اليهودي المغربي، بدءاً من ترميم مئات المواقع الأثرية اليهودية، مروراً بالقرار الحكومي بتثبيت مكانة الجالية اليهودية في الدولة، وصولاً إلى فتح كنيس - الأول من نوعه في العالم العربي، القائم داخل جامعة.
- الالتزام المغربي بحياة يهودية - إسلامية مشتركة ينعكس جيداً أيضاً في متحف "بيت يهودا" الذي تم افتتاحه في شهر آب/أغسطس الأخير في كنيس أسييغ، طنجة- وهو المتحف اليهودي الثالث في الدولة، والثاني الذي تم افتتاحه خلال سنة 2022، بدعم مباشر من ملك المغرب محمد السادس. هذا المشروع، الذي أُقر تمويله منذ سنة 2019، كما "اتفاقيات أبراهام"، ينبعان من رواية قومية واحدة: الهوية القومية والتاريخية المتعددة الثقافات للمغرب.
- تتميز طنجة من غيرها من المدن المغربية بالحي المنفصل الخاص باليهود (ملاح). هذه الحقيقة تعكس نهضة الجالية اليهودية في المدينة ومساهمتها المهمة لكافة السكان، وضمنها إقامة مستشفى وتبادُل تجاري مع دول أوروبا. أغلبية اليهود، الذين عاشوا في طنجة وكان عددهم 18000، هاجرت في الخمسينيات من القرن الماضي، في أعقاب إقامة "دولة إسرائيل". اليوم يبقى هناك نحو 30 يهودياً فقط، أغلبيتهم من كبار السن، إلّا إن التزامهم بصورة المدينة كنموذج للتعايش بين الأديان بقي على حاله.
- جدران المتحف الطويلة مزينة بحاجات يهودية طنجية - كتب توراة قديمة، مخطوطات، خرائط وأعمال حرفية. صونيا كوهين أزغوري، إحدى قيادات الجالية اليهودية في المدينة، كانت المسؤولة عن إقامة المتحف، بعد أن حافظت لسنوات طويلة على بقايا الإرث اليهودي من بيوت العبادة القديمة، التي لا تعمل اليوم. وبحسب أزغوري، فإن المزيج بين الرموز العبرية والفرنسية والحيكية (لهجة إسبانية تكلم فيها يهود شمال المغرب)، إلى جانب تصميم إسلامي مغربي - جميعها تضع الزائر في بيئة ثقافية يهودية ومغربية، تستمد قوتها من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
- مساهمة الملك في ترميم "بيت يهودا" تبرز منذ الدخول إلى المتحف، هناك وُضعت لافتات تصف مسار الترميم، إلى جانب رسالة خاصة بتوقيع الملك محمد السادس، الذي يصرّح بمسؤوليته عن حماية جميع الجاليات الدينية والإثنية في الدولة، وبينها اليهودية.
"اليهود هم أبنائي، كما كل المغربيين"
- التوجه الإيجابي لدى المغرب بكل ما يخص الإرث اليهودي يرتبط بهويته القومية وبالعلاقة القريبة التي تشجعها الدولة مع كافة الجاليات المغربية في العالم. وعلى مدار التاريخ، كان لدى الجالية اليهودية في المغرب علاقات جيدة مع الأغلبية المسلمة، وكان ملوك المغرب متسامحين معها ومع أبنائها. فمثلاً، أشار الملك الحسن الثاني، والد الملك الحالي، خلال مناسبات مختلفة إلى أن اليهود هم جزء لا يتجزأ من المغرب، ووجودهم في الدولة كان قبل وصول الإسلام.
- هذه اللهجة ليست مخصصة لآذان الجالية اليهودية أو للمستمعين الإسرائيليين. فخلال افتتاح مؤتمر دولي في مدينة فاس خلال تشرين الثاني/نوفمبر، تحدث المستشار اليهودي للملك محمد السادس أندرا أزولاي باسم الملك. وبحسب ما قال الملك، فإن جده دافع عن يهود بلاده في مواجهة البربرية النازية، ووالده عزز روح الأخوّة بين يهود المغرب والمسلمين، وهو يعمل للحفاظ على إرث يهود المغرب وتقويته.
- لذلك، فإن العلاقة مع الديانة اليهودية هي جزء من مشروع واسع أكثر للعائلة المالكة: تعزيز الهوية القومية التي تتميز بالانفتاح الديني والثقافي والإثني. هذا التوجه واضح في دستور الدولة منذ سنة 2011، الذي يقر بأن "وحدة المغرب هي نتاج صَهر مكونات عربية - إسلامية، بربرية (أمازيغية) وصحراوية، يغنيها التأثير الأفريقي، الأندلسي، العبري والمتوسط."
- تستثمر المغرب جهوداً كبيرة في تقوية العلاقات مع الجاليات المغربية في العالم. وبحسب التقديرات الرسمية، يصل عدد الشتات إلى نحو 5 ملايين نسمة (نحو 15% من مجمل عدد المغربيين). الإسرائيليون من أصول مغربية، الذين يصل عددهم إلى 800 ألف تقريباً، يتم التعامل معهم كجزء من هذا الشتات، ويشكلون الجالية الثانية بعد الفرنسية من حيث العدد. فمنذ سنة 1956، وفي أعقاب هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل، قال الملك محمد الخامس إن "اليهود أبنائي، كبقية المغاربة".
- إلى جانب الحسابات التاريخية، تنبع جهود الحفاظ على الإرث اليهودي في المغرب من دوافع آنية أيضاً. فعلى الرغم من أن المغرب رمّم مواقع تاريخية يهودية قبل تجديد العلاقات مع إسرائيل، فإن هذا التوجه تمت تقويته، بسبب الرغبة في استهداف السياحة الإسرائيلية إلى المملكة. مدير عام وزارة السياحة القومية المغربية عادل الفقير قال إن المغرب يطمح إلى مضاعفة عدد السياح الإسرائيليين الذين يصلون إليه بثلاثة أضعاف - من 70 ألفاً إلى 200 ألف.
- بُعد آخر لتطوير الإرث اليهودي - المغربي هو تقوية شرعية الملك الذي يحمل لقب "أمير المؤمنين" أيضاً. يحصل الملك على هذا اللقب من الدستور الذي يستمد منه شرعيته، ومن خلاله يكون مسؤولاً عن الحفاظ على الانفتاح الديني في المجتمع المغربي. وكما يقول الملك عادة "بصفتي المسؤول عن المؤمنين - جميع المؤمنين - وظيفتي هي ضمان حرية العبادة في مملكة المغرب."
الجانب الفلسطيني من العملة
- هناك بُعد إضافي للقب "أمير المؤمنين"، وفي حالات معينة يمكن أن يؤثر في العلاقات مع إسرائيل. فإلى جانب التزام القصر بتطوير الإرث اليهودي، هو مُلزَم أيضاً بالقضية الفلسطينية والقدس. حتى الآن، استطاع المغرب أن يناور بنجاح ما بين توترات كلّ من التزاماته. كأسلافه، الملك محمد السادس يولي الموضوع الفلسطيني أهمية كبيرة ويلتزم بذكره. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وفي ظهور علني نادر، ألقى خطاباً بمناسبة يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، شدد فيه - وليست المرة الأولى- على دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين.
- لملك المغرب أيضاً وظيفة ثابتة كرئيس لـ"لجنة القدس" في منظمة التعاون الإسلامي، لذلك أيضاً، تقع على عاتقه مسؤولية تجاه المواقع الإسلامية المقدسة والجاليات الإسلامية في المدينة. هذه الصفة أيضاً تمنح الملك المغربي تأثيراً واسعاً في الخطاب الإسلامي بكل ما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي، وتشكل مرساة دينية لشرعية الملك. وكذلك تسمح هذه الصفة للملك بتخفيف حدة الخطاب الديني ضد إسرائيل، وفي الوقت ذاته تضع عليه ضوابط بكل ما يخص قدرته على الدفع قدماً بالتطبيع معها في أوقات التصعيد.
- وإلى جانب هذا كله، التزام العائلة المالكة المغربية بالموضوع الفلسطيني وحقوق المسلمين في القدس هو تعبير عن الرأي العام الشعبي في المغرب وفي بقية الدول العربية: خلال المونديال في قطر، عندما رفع الكثير من الجماهير العربية علَم فلسطين، على الرغم من عدم وصول منتخب فلسطين إلى المونديال، ذهب منتخب المغرب إلى أبعد من ذلك ورفَع علَم فلسطين (إلى جانب العلم المغربي) بعد فوزه.
- حاجة النظام المغربي إلى إبراز دعمه للقضية الفلسطينية ازداد منذ إعلان تجديد العلاقات مع إسرائيل، في ظل الاتهامات الموجهة إليه بخيانة الفلسطينيين. لذلك، ففي أوقات التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، يغدو الحفاظ على الحيادية لوقت طويل صعباً.
توصيات سياسية
- قوة الدفع الإيجابية بالعلاقات المغربية الإسرائيلية ليست مفهومة ضمناً في ظل التحديات القائمة، وعلى رأسها علاقات المغرب مع الفلسطينيين. قضية أُخرى يمكنها أن تؤثر في العلاقات هي اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. هذه قضية مركزية في السياسة الخارجية المغربية، التي تتوقع موقفاً واضحاً داعماً من طرف حلفائها، وضمنهم إسرائيل. على الحكومة الجديدة استثمار جهود كبيرة في الحفاظ على دافع التطبيع. ومن هنا يشتق بعض التوصيات السياسية:
- أولاً، على إسرائيل أن تتفهم مكانة الملك المغربي الحساسة في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتأثير هذا في العلاقات الإسرائيلية- المغربية. الخبرة تدلل على أنه في أوقات التوتر، كما خلال التطورات التي يتم التعامل معها على أنها تهديد للوضع الديني القائم في شرقي القدس، يمكن أن يحدث تأثير سلبي في العلاقات الإسرائيلية - المغربية. لذلك، على الحكومة الجديدة أن تكون حذرة إزاء كل ما يخص تعزيز التوترات الدينية في القدس، وأن تتجهز لمنع سيناريوهات توتُّر ممكنة. وفي الوقت ذاته، بسبب مكانة المغرب المميزة بكل ما يخص الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، من المفضل أن تبحث الحكومة عن طرق يمكن من خلالها أن يقوم الملك بدوره الإيجابي أكثر في المدينة، بالتنسيق مع إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
- ثانياً، على إسرائيل والمغرب الاستمرار في الاستناد إلى الإرث المشترك كأداة لتطوير العلاقات، وبصورة خاصة في المجالات المدنية، وضمنها الرياضة والأكاديميا والفن والثقافة، حيث العلاقات البشرية ضرورية. بذلك يمكن الاستفادة من العلاقة الثقافية التي يتشاركها كُثر في الدولتين من أجل تقوية الحوار والعلاقات.
- التوصية الأخيرة مرتبطة بروح "اتفاقيات أبراهام" و"قيَم التسامح" الموجودة فيها. التطرف الديني يصعّب تطوير الحوار والاحترام المتبادل. لذلك، سيكون من المهم أن تشجع الحكومة الجديدة الحوار بشأن الانفتاح الديني والثقافي في المغرب، وتبحث بجدية خطوات سياسية لتطوير الحوار بين الأديان والتعايش اليهودي - الإسلامي في إسرائيل، وبين إسرائيل وجاراتها. هذه السياسة ستساعد على تشجيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وأيضاً ستساعد المجتمع الإسرائيلي نفسه.