مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إنه بعد العملية المسلحة التي نفّذها شابان فلسطينيان في مستوطنة "عيلي" بالقرب من رام الله أمس (الثلاثاء) وأسفرت عن مقتل 4 مستوطنين وإصابة 4 مستوطنين آخرين بجروح، سيعزز الجيش الإسرائيلي قواته في الضفة الغربية بثلاث وحدات عسكرية إضافية.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الليلة الماضية اجتماعاً أمنياً بمشاركة وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال هرتسي هليفي، ومسؤولين آخرين في المؤسسة الأمنية. وتمحور النقاش في هذا الاجتماع حول الخطط المطلوبة لمواجهة العمليات المسلحة في إطار عملية محدودة، ولا سيما من خلال التشديد على منطقة شمال الضفة الغربية.
وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية "كان 11" [تابعة لهيئة البث الرسمية الجديدة] أن هناك خلافات بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية بشأن حجم العملية في شمال الضفة الغربية، وأشارت إلى أن النقاش تركز أيضاً على مسألة فاعلية عملية من هذا النوع، وكذلك على تأثيرها في الميدان، وعلى وضع السلطة الفلسطينية.
وكان نتنياهو أكّد في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام قبل تقييمات الوضع الأمني أن كل الإمكانيات مفتوحة، وأن حكومته ستواصل محاربة "الإرهاب" بكل القوة وستتغلب عليه.
ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية عن مسؤول أمني رفيع المستوى قوله، تعقيباً على المطالبات بشن عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية، بأن "هذا يمكنه أن يتسع إلى مناطق أُخرى، كما أن الجهاز الأمني الإسرائيلي يدرك أن عملية واسعة في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية."
يشار إلى أن التقييم الأمني الذي عُقد مساء أمس، جرى من دون حضور وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير [رئيس "عوتسما يهوديت"]. وكان بن غفير قام بزيارة إلى موقع العملية المسلحة مساء أمس، وطالب في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام بشن عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية والعودة إلى عمليات الاغتيال المركّزة من الجو. وعقّب مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى على تصريحات بن غفير هذه، فقال: "إن عمليات الاغتيال من الجوّ نقوم بها عندما يكون هناك صعوبة في الاقتراب من نقطة الهدف، لكن لا يوجد سبب لتحويل الضفة الغربية إلى قطاع غزة."
وكان بيان سابق صادر عن الناطق العسكري الإسرائيلي ذكر أن مسلحيْن فلسطينييْن قاما بقتل 4 مستوطنين وإصابة 4 مستوطنين آخرين بجروح في عملية إطلاق نار وقعت بعد ظهر أمس.
وأضاف البيان أن المسلحيْن قاما بإطلاق النار بالقرب من محطة وقود في مستوطنة "عيلي"، وتم قتل أحد المسلحيْن في المكان، وبدأ الجيش عملية مطاردة أسفرت عن قتل المسلح الثاني.
وأعلن الناطق بلسان حركة "حماس" حازم قاسم أن هذه العملية جاءت ردّاً على جرائم الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين يوم أول أمس (الإثنين)، وردّاً على اقتحام المسجد الأقصى.
وقالت مصادر فلسطينية إن الشابيْن الفلسطينييْن القتيليْن هما مهند فالح شحادة (26 عاماً) وخالد مصطفى صباح (24 عاماً) من بلدة عوريف، وأشارت إلى أن صباح قُتل خلال مطاردته من طرف قوات الجيش الإسرائيلي بالقرب من طوباس، بعد أن نجح في الانسحاب من موقع العملية.
شنّ المستوطنون الإسرائيليون مساء أمس (الثلاثاء) عشرات الهجمات على السكان الفلسطينيين وأملاكهم في شمال الضفة الغربية ووسطها، وذلك عقب مقتل 4 مستوطنين وإصابة 4 آخرين في عملية إطلاق نار وقعت بالقرب من رام الله.
وتركزت هجمات المستوطنين في محيط مدينتيْ نابلس ورام الله، حيث قام عشرات المستوطنين باقتحام بلدة حوارة جنوبي نابلس وسط إطلاق الرصاص الحيّ وقنابل الغاز المسيل للدموع. وأضرم المستوطنون النار في مركبة وأشجار زيتون وأملاك، ورشقوا منازل فلسطينية بالحجارة. وذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في بيان أنها تعاملت مع عشرات المصابين بحالات اختناق وكسور خلال اعتداءات المستوطنين في محيط مدينة نابلس.
وتعرّضت بلدات اللبن الشرقية والساوية وترمسعيا شمالي رام الله لهجوم عنيف من طرف المستوطنين. وأضرم مستوطنون النار في حقول زراعية، وفي ورشة مركبات.
وقطع مستوطنون عدة طرقات في الضفة، أبرزها طريق نابلس قلقيلية وطريق رام الله نابلس والطريق الواصل بين رام الله وعدد من البلدات غربي المدينة.
وتجمّع المستوطنون في عدد من المفترقات والشوارع في وسط الضفة الغربية، ورشقوا مركبات الفلسطينيين بالحجارة.
ودانت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان صادر عنها، التصعيد الحاصل في اعتداءات ميليشيات المستوطنين المنظمة والمسلحة وهجماتهم الإرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين المدنيين العزّل، وضد أملاكهم ومركباتهم.
وأكد البيان أن اعتداءات المستوطنين هي انعكاس لحملة التحريض التي يقودها وزراء متطرفون في الحكومة الإسرائيلية، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ودعواتهم المتواصلة إلى حمل السلاح وتوزيعه، ومطالبتهم بشنّ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية. وحذّر البيان من مغبة انجرار الحكومة الإسرائيلية وراء تلك الدعوات وإقدامها على تصعيد عدوانها في شمال الضفة الغربية. وطالب بتدخل دولي وأميركي عاجل وحقيقي لإجبار الحكومة الإسرائيلية على تهدئة الأوضاع ووقف موجات التصعيد المتلاحقة، تلافياً لانفجار يحضّر له غلاة المتطرفين.
قال بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن قوات الجيش قتلت الليلة قبل الماضية شاباً فلسطينياً قام بإلقاء قنبلة حارقة في اتجاه جنود إسرائيليين كانوا يقومون بعمليات روتينية في بلدة حوسان بالقرب من بيت لحم. وأضاف البيان أن الجنود ردوا بالنيران الحية، وتم تحديد إصابة.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن القتيل هو الشاب زكريا محمد زكريا الزعول (20 عاماً)، وأنه أصيب بالرصاص الحي في رأسه.
من ناحية أُخرى، ارتفعت حصيلة العملية العسكرية، التي شنها الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين أول أمس (الإثنين) وتخللتها اشتباكات، إلى ستة قتلى فلسطينيين، بينهم فتى.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل أمجد عارف فياض أبو جعص (48 عاماً) أمس، متأثراً بجروح خطِرة نتيجة إصابته برصاص الجيش الإسرائيلي الحي في البطن.
وأصيب 8 جنود إسرائيليين بجروح في الاشتباكات التي شهدت إطلاق نار من مروحيات إسرائيلية، وهو تكتيك لم تشهده الضفة الغربية منذ سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت سنة 2000.
تشهد قرى مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قينيا في هضبة الجولان [السورية المحتلة] اليوم (الأربعاء) إضراباً عاماً، رداً على قيام قوات الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلية بقمع تظاهرات الاحتجاج ضد مشروع نصب توربينات هوائية في أراضي الجولان أمس (الثلاثاء).
وجاء في بيان صادر عن أهالي الجولان أنه بقرار من الهيئة الدينية والزمنية في الجولان، يُعلن اليوم (الأربعاء) يوم إضراب عام وغضب، ردّاً على اعتداء قوات الأمن الإسرائيلية على الجولانيين الذين احتجّوا، دفاعاً عن أراضيهم الزراعية المستهدفة بالمصادرة من أجل إقامة مشروع توربينات الهواء، وذلك في إثر اقتحام ممثلين للشركة الإسرائيلية المسؤولة عن هذا المشروع الأراضي، معزَّزة بقوات من الشرطة الإسرائيلية.
وأصيب عدد من المحتجين في الجولان جرّاء استخدام قوات الأمن وسائل تفريق التظاهرات وقنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا صدّ تقدُّم القوات في اتجاه الأراضي المستهدفة. وأفادت مصادر محلية بأن نحو 10 أشخاص أصيبوا بالرصاص المطاطي، وتم نقلهم إلى المجمع الطبي في بلدة مجدل شمس لتلقّي العلاج.
ويؤكد أهالي الجولان أن إقامة هذه التوربينات ستعيق زراعة الأرض من حولهم، وستشكّل خطراً بيئياً. وكانت المحاولة الأولى لبدء أعمال نصب التوربينات في كانون الأول/ديسمبر 2020، قوبلت بمقاومة من الأهالي الذين اعتبروها إعلان حرب على قراهم.
قام جنود عرب في الجيش الاسرائيلي من وسط إسرائيل بتوثيق أنفسهم وهم يوجهون الشتائم إلى إسرائيل ويعربون عن تأييدهم لجنين.
وصوّر هؤلاء الجنود أنفسهم وهم يقولون "الله مع جنين، الله مع فلسطين، كسحت إسرائيل، والله هذا الفيديو غير يوصلنا عند الله". وقاموا بنشر الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعقّب الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي على الفيديو، قائلاً: "إن تصرفات الجنود هذه تتنافى مع قيم الجيش الإسرائيلي، وسيتم التعامل معهم بشكل تأديبي."
ونُشر هذا الفيديو بعد يوم على اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الإسرائيلي ومسلحين فلسطينيين في مدينة جنين وقرية برقين شمالي الضفة الغربية، أدت إلى إصابة 7 جنود إسرائيليين ومقتل 6 مسلحين فلسطينيين. وتواجد الجنود الإسرائيليون داخل مركبات محصّنة، إلا أنهم أصيبوا جرّاء عبوات ناسفة وُضعت وخُبّئت في ممرات الخروج. وفي المقابل، قامت مروحية إسرائيلية بتنفيذ هجوم في جنين بعد رصد مسلحين في المنطقة حتى يتم إخلاء جرحى من المكان. وشارك في عملية الإنقاذ المئات من الجنود من منطقتيْ قلقيلية ونابلس، وكذلك جنود من وحدات مختلفة في الجيش الإسرائيلي.
- يمكن الافتراض أن الهجوم الخطِر الذي وقع أمس بالقرب من عيلي، سيقرّبنا من عملية واسعة للجيش الإسرائيلي في الضفة، وربما في شمالها. هذا على الرغم من أن هوية "المخربيْن" اللذين قُتلا والمكان الذي أتيا منه يطرحان شكوكاً في وجود علاقة تربط بينهما وبين معقل "الإرهابيين" في جنين. حتى قبل الهجوم، كان هناك ضغط للقيام بمثل هذه العملية، ونشكّ في أن حكومة "اليمين بالكامل" يمكنها أن تتصرف بصورة مختلفة في مواجهة تسلُّل الأحداث التي بلغت ذروتها بمقتل 4 إسرائيليين.
- لم يأتِ الضغط من أجل القيام بعملية عسكرية واسعة من قيادة المستوطنين. فالشاباك المؤتمن على إحباط الهجمات، يرى كيف نشأت في شمال الضفة منطقة، الدخول إليها محرّم، وتتواجد فيها مجموعات مدعومة من "حماس"، ومن حزب الله، وبصورة غير مباشرة من إيران، تدير نوعاً من الحكم الذاتي. وهذا الأمر يجعل من الصعب استمرار السيطرة المطلوبة لمنع الهجمات مستقبلاً. في الواقع، هجوم الأمس يدل على أن المرض انتشر أبعد من جنين.
- حتى الآن، ضبط الجيش نفسه بصورة كبيرة. ليس لأنه ينظر إلى الوقائع بصورة مختلفة، بل لأن قادته يتخبطون إزاء الحدث التالي. بعد الدخول بقوات كبيرة، والمخاطرة بسقوط خسائر والتسبب بوقوع عدد كبير من المصابين لدى الطرف الثاني-وفي ضوء المقاومة التي شكّل كمين الأول من أمس في جنين مقدمة لها-ما الذي سيحدث؟ هل نبقى في قلب مخيمات اللاجئين؟ هل نقوم بعمليات مشابهة في مدن فلسطينية أُخرى، تنشأ فيها مناطق مشابهة، الدخول إليها محرّم؟ وهل نخاطر باشتعال غزة أيضاً، وربما خارجها؟
- هناك مسألة أُخرى تُقلق الجيش لا يتحدث عنها أحد: في الوضع السياسي الحالي لإسرائيل، حيث دوافع الحكومة الحالية ومن يترأسها مشكوك فيهما، في نظر جزء كبير من الجمهور، ولم يتردد المحتجون في طرح الرصيد القيم للخدمة العسكرية على الطاولة، كيف يمكن أن يؤثر مثل هذه العملية في النسيج الهش لجيش الشعب؟ هذا هو المكان المسموم الذي أوصلتنا إليه الحرب على الهوية الإسرائيلية والطابع المشوش للحكومة الحالية، حتى في نقاش مهني لمسائل أمنية.
- إسرائيل في عيلي، وفي جنين، وفي الضفة كلها، وأيضاً في غزة، تأكل حصرم سياسات كل حكوماتها في العقد الأخير: إضعاف السلطة الفلسطينية؛ تمكين "حماس"، بصفتها الجهة الوحيدة الذي تأخذها إسرائيل على محمل الجد وتقوّيها؛ الاستبعاد المطلق لأي عملية سياسية، بحجة "عدم وجود شريك"، كأن المشكلة ليست مشكلتنا. وأيضاً ليس لإسرائيل أي هدف لاستخدام القوة سوى الحفاظ على الوضع وإعادة الهدوء بأي ثمن تقريباً-الأمر الذي يساعد الأعداء في كل الساحات على تطوير عقيدة الاستنزاف المتعدد الساحات ضد دولة يعتبرون أنها أصبحت ضعيفة وزائلة.
- لا يوجد خلاف حقيقي بشأن هذه السياسة في الخريطة السياسية الإسرائيلية. الحكومة الحالية تضيف إلى هذا كله تطلُّعها المعلن إلى القضاء على حل الدولتين وقيام وضع لا عودة عنه في المناطق. الأطراف في داخل الحكومة وفي الأوساط المقربة منها، الذين يضغطون للقيام بعملية كبيرة، لا يفعلون ذلك على أمل "القضاء على الإرهاب"، بل من أجل تحقيق ما تعتبره القيادة الأمنية سيناريو رعب-الانهيار الكامل للسلطة الفلسطينية. وفي الواقع، حتى هذا الموقف، ليس هناك مَن يعارضه: مَن يتحدث عن "إدارة النزاع"، أو عن "تقليصه"، هو في الحقيقة يؤيد استمرار عدم وجود سياسة، وهو ما سيؤدي إلى النتيجة عينها.
- هكذا وصلنا إلى الوضع الحالي الذي يطرح معضلة حقيقية وصعبة: هل نستخدم القوة المفرطة في العمل ضد أوكار "الإرهاب" في المدن الفلسطينية، وعلى رأسها في أتونوميا "الإرهاب" في جنين، وتفكيكها ولو بثمن باهظ، مع المخاطرة بتمدُّد النيران إلى جبهات أُخرى، أو الاستمرار في العمل بصورة محدودة مع استمرار الهجمات وازدياد خطر "لبننة" المناطق؟
- كما في إسرائيل دائماً، يمكن الافتراض أن ما سيقرَّر في نهاية الأمر هو الأحداث، والهجوم "الإرهابي" الكبير الذي شهدناه في الأمس هو صيغة عن هذه الأحداث. إن المعضلة التي أوصلتنا إليها هذه السياسة القصيرة النظر، والشرخ الداخلي الذي تسببت به الحكومة الحالية، أمران صعبان للغاية: عملية القتل التي حدثت تفرض رداً حاداً، ومن الواضح أن مناطق الحكم الذاتي "للإرهاب" يمكن أن تزداد وتتطور. اللعبة الحقيقة تكمن في اتخاذ قرار مهما يكن، لأنه ما دامت هذه هي الطريق التي تسير فيها إسرائيل، فإن النهاية معروفة-المزيد من "الإرهاب" والانزلاق إلى دولة ثنائية القومية بكل تداعياتها.
- دعوة رئيس الحكومة اليوم (الثلاثاء) إلى استشارات أمنية بعد الهجوم في عيلي، تحديداً في مركز القيادة الوسطى، لم يكن صدفة. بل الهدف منه الإيحاء أن المقصود ليس تقديراً عادياً للوضع، بل هو نقاش طارئ، الغرض منه اتخاذ قرارات عملانية لتنفيذها على الأرض.
- الأيام ستُظهر لنا ما إذا كان هذا صحيحاً. احتمال القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد البنى التحتية "للإرهاب" في شمال الضفة، جرى فحصها لأشهر طويلة. الأسباب المؤيدة لها كثيرة: "الإرهاب" الذي رفع رأسه خلال الأشهر الـ 18 الأخيرة، وتحديداً، منذ بداية سنة 2023. يجب أن نضيف إلى ذلك الكميات الهائلة من السلاح الموجودة على الأرض، سواء العادية، أو المحلية الصنع، بينها الكثير من العبوات من أنواع مختلفة، انفجرت في العملية التي تعقّدت أمس في قطاع جنين؛ التحريض الوحشي للتنظيمات "الإرهابية"، وعدم سيطرة السلطة، أمور كلها أدت إلى حالة من الفوضى على الأرض. الأمر الوحيد الذي يحول دون اندلاع واسع للمواجهات هو حجم عمليات التصدي غير المسبوق التي يقوم بها الشاباك والجيش الإسرائيلي-375 عملية إحباط مهمة منذ بداية سنة 2023 (بينها إحباط هجومات بإطلاق النار)، مقارنةً بـ 474 عملية إحباط مهمة جرت في سنة 2022 كلها.
التخوف الأساسي: غياب المعلومات الاستخباراتية
- كل ما سبق سيدفع الجيش الإسرائيلي في نهاية المطاف إلى القيام بعملية واسعة في شمال الضفة. ومثل هذه العملية يمكن أن يكون وراءه محفّزان: الأول، هجوم غير مسبوق، والثاني معلومات استخباراتية نوعية محددة، تسمح بهجوم منهجي وعميق على البنى "الإرهابية".
- يتعين على الحكومة أن تقرر ما إذا كان الهجوم في عيلي يتطابق مع المعيار الأول، ومن الواضح حتى الأمس، أن المعيار الثاني ليس متوافراً بما يكفي، وإلا لكانت إسرائيل شنت العملية التي يجري الحديث عنها منذ وقت. في إمكان المستوى السياسي أن يأمر بالقيام بمثل هذه العملية، حتى مع معلومات استخباراتية جزئية، لكن مع إدراك المخاطر: فعندما لا يكون هناك معلومات استخباراتية وافية، فإن العملية قد تتعثر، وقد تضطر القوات إلى البقاء مدة طويلة على الأرض، ولن تكون النتيجة مُرضية من ناحية الإنجازات، وستكون إشكالية من ناحية الأضرار- الانتقادات في العالمين الغربي والعربي-الضرر الذي سيلحق بالساحة الفلسطينية (وربما تطور الوضع إلى مواجهة في غزة، وفي المنطقة الشمالية)، سقوط عدد كبير من القتلى في الجانب الفلسطيني، ومن المصابين بين قوات الجيش الإسرائيلي.
- يجب أن يؤخذ هذا كله في الحسبان مسبقاً، قبل خوض العملية. من واجب المستوى السياسي بناء شرعية دولية، ليس فقط فيما يتعلق بهذه العملية المحددة، بل أيضاً فيما يتعلق بما سينجم عنها. هناك أهمية كبيرة لحقيقة أن "المخربيْن" ينتميان إلى "حماس"، لأن هذا يُعتبر دليلاً على اللعبة المزدوجة التي تلعبها الحركة: الحرص على الهدوء في القطاع، وتشجيع عناصرها على القيام بهجمات في الضفة.
- بسبب هذه اللعبة المزدوجة تحديداً، استهدفت إسرائيل الجهاد الإسلامي في غزة. والآن، يجب عليها أن تسأل نفسها: هل تلعب تكتيكياً فقط في شمال الضفة، أم يجب عليها أن توضح لـ"حماس" الحدود، حتى لو كان الثمن تجدُّد التصعيد في الجنوب (وربما في الشمال أيضاً). المطلوب الآن هو العودة الفورية للأمن والشعور بالأمان في الضفة الغربية، لكن التدهور الأمني في الأشهر الأخيرة في مجمل القطاعات، يدل على أن الذي لا يفرض الردع في شمال الضفة سيتعرض للتحدي، عاجلاً أم آجلاً، في القطاعات الأُخرى.
- المواجهات العسكرية الأخيرة في منطقة جنين، حصلت على اهتمام واسع في المجتمع الإسرائيلي، وبحق. إلا إن نقاش الموضوع يتركز بالأساس على التهديدات العسكرية جرّاء هذه الاشتباكات في هذه المنطقة-وعلى رأسها تفجير العبوات الناسفة ذات القوة الكبيرة ضد قوات الجيش، ومشاركة طائرات حربية في المواجهات، للمرة الأولى منذ الانتفاضة الثانية، أكثر مما يركز على البعد الاستراتيجي للتحدي الكامن في جنين بصورة خاصة، وفي الضفة بصورة عامة.
- الأيام الأخيرة عززت الاتجاه المستمر منذ عدة أيام، وفي إطاره، تشكل منطقة جنين التحدي المركزي الأمني في الضفة، التي تتحول تدريجياً إلى منطقة تسيطر عليها "الميليشيات" العسكرية، وضمنها شبكات تابعة لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وفي الوقت عينه، يتراجع تأثير السلطة ووجودها فيها. التهديدات الحالية تضاف إلى تهديدات على شكل إطلاق نار مستمر على البلدات في المناطق الإسرائيلية، واستعمال القناصة، ومحاولات أولية، ليست فعالة حتى الآن-لتصنيع قذائف وإطلاقها على المستوطنات الإسرائيلية.
- هناك عدة أسباب وراء تحوُّل منطقة جنين، وبالأساس مدينة جنين، إلى رأس حربة في التوتر الأمني في الضفة الغربية خلال الأعوام الماضية: الرواية القديمة التي تفيد بأن شمال الضفة برمته هو مركز تمرُّد ضد السلطات الحاكمة (بدءاً من نابليون الذي أحرق المدينة بعد احتلالها، مروراً بالبريطانيين الذين قاتلوا الخلايا التي قادها عز الدين القسّام في المنطقة في ثلاثينيات القرن العشرين، وصولاً إلى السلطات الأردنية)؛ التنسيق الواسع منذ أعوام طويلة بين الأذرع العسكرية لكافة الفصائل على أساس عشائري، أو على أساس مناطق وحارات مشتركة؛ والتركيبة الاجتماعية للمنطقة، وعلى رأسها مخيم جنين الذي يعيش فيه نحو 11000 نسمة (الثاني من حيث الحجم في الضفة)، والمنطقة الريفية المحيطة الواسعة التي تصعّب على سلطة رام الله فرض سيادتها عليها.
- تنضم إلى هذه الأسباب القديمة عدة أسباب راهنة يجب أن ينتبه لها متّخذو القرار في إسرائيل. وعلى رأسها: الضعف المستمر للسلطة الفلسطينية، التي لا تزال تسيطر على أغلبية مناطق الضفة، لكن صورتها الجماهيرية تتراجع، وهناك علامات سؤال بشأن مستقبلها في مرحلة ما بعد أبو مازن؛ تعزُّز قوة "حماس" التي تستغل الفراغ الحكومي في شمال الضفة لتعزيز قوتها، من خلال الإثبات أن لديها القدرة على الدفع بالمقاومة المسلحة في الساحات المريحة لها- ليس غزة- وفرض هذا التقسيم على إسرائيل؛ الأزمة العميقة لدى الجيل الفلسطيني الشاب الذي تعيش أغلبيته من دون أمل، وهو مكشوف على التحريض المتفلت، وينضم بشغف إلى بنى "الإرهاب"، أو يؤسس بنى كهذه، التي بدورها تزعزع حُكم السلطة، وتعمّق الفوضى في مناطق الضفة الغربية.
- التوتر في جنين لا يستوجب دراسة أمنية فقط، بل استراتيجية أيضاً. الأحداث تعكس مشاكل أساسية خطِرة على صورة فراغ حكومي، وارتفاع في التهديدات "الإرهابية"، وتعزيز مكانة "حماس"، وفي الخلفية أيضاً محاولات تدخُّل إيرانية (التي لا يجب المبالغة في تأثيرها أكثر من اللزوم). كل هذه الأمور يمكن أن تتمدد إلى مناطق أُخرى في الضفة، وهو أمر يمكن ملاحظته منذ الآن بصورة واضحة في نابلس، وبصورة محدودة أكثر في طولكرم وأريحا، وفي الوقت نفسه، زعزعة مكانة السلطة وخلق واقع فيه العديد من التهديدات لإسرائيل في وقت قصير نسبياً.
- ولأن الحديث يدور عن تحدٍّ استراتيجي، فعلى إسرائيل تحليله مع أبعاده المختلفة. التهديد المتصاعد من جنين يدفع، كما يبدو، إلى عملية عسكرية واسعة أكثر، وتكون موجهة بالأساس ضد البنى العسكرية المنظمة في المنطقة، وخاصة تلك التابعة لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي". وعلى الرغم من ذلك، وبالاستناد إلى خبرة الماضي، فإنه يجب الاستعداد لأن هذه الخطوة يمكن أن تتعقد: وأن تستغرق وقتاً أطول مما خُطط لها؛ وأن يكون هناك حاجة إلى ايجاد حلّ لمشكلات المجتمع في المدينة (تقريباً 65000 نسمة)؛ وأن تؤثر سلباً في مناطق أُخرى، وضمنها مناطق قابلة للاشتعال في الضفة، لكن في غزة أيضاً، وفي أوساط المجتمع العربي في إسرائيل، ومن الممكن أيضاً في لبنان.
- لذا، هناك حاجة إلى نقاش أساسي على المستوى الاستراتيجي. يمكن تعريف الاستقرار في الضفة اليوم بأنه محفوف بالمخاطر ويتعرض لتهديد كبير، لكنه ما زال يُعتبر رصيداً لإسرائيل العالقة في أزمة داخلية حادة، وعليها تركيز جهودها وانتباهها على التهديدات الخارجية الكبيرة، وعلى رأسها التهديد الإيراني. هذا الاستقرار النسبي يفرض الحفاظ على وجود السلطة الفلسطينية التي على الرغم من المشاكل التي تعانيها واستفزازاتها لإسرائيل، فإنها لا تزال الأفضل بين الخيارات السيئة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار البدائل التي ستفرضها الفوضى الواسعة في الضفة، وسيطرة "حماس" على المنطقة، أو سيناريو الرعب الذي يفرض على إسرائيل التدخل لملء الفراغ، لتتحول مرة أُخرى إلى الحاكم الفعلي المسؤول عن أكثر من مليوني فلسطيني، وهو ما يعني دولة واحدة عملياً.
- تقوية السلطة هو مصطلح واسع في التصريحات أو الكتابات، لكن ترجمته الفعلية معقدة. لأنها لا ترتبط فقط بإسرائيل، إنما أيضاً تتعلق بما تقوم به قيادات السلطة نفسها، التي لم تتغير منذ 20 عاماً تقريباً، ومعزولة عن شعبها، وفاسدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن لإسرائيل أن تساهم في استقرار السلطة في الوقت الحالي، من خلال 5 خطوات:
- الامتناع من فرض العقاب الاقتصادي الذي سيضرّ بأداء النظام الفلسطيني، صورته ومكانته وحاجة السكان إليه.
- الاستمرار، وحتى الإسراع في الخطوات الاقتصادية التي تساهم في إخراج أغلبية المجتمع الفلسطيني من دائرة "العنف"-بما معناه الحذر من "الإفراط في التمييز"-أي الدفع بتسهيلات تعزز حاجة المجتمع الفلسطيني المباشرة إلى إسرائيل، وذلك عبر دمج السوق الفلسطينية بالإسرائيلية.
- إعادة النظر في تسريع البناء الاستيطاني في الضفة حالياً، وهي خطوة يمكن أن تؤدي إلى أزمة في العلاقة بالمجتمع الدولي، وخاصة الإدارة الأميركية والدول الشريكة في "اتفاقات أبراهام "، وأيضاً إلى رد حاد من السلطة، وبصورة خاصة العودة عن اتفاقيات "أوسلو"، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زعزعة إضافية في الواقع الأمني الصعب في الضفة.
- زيادة الجهود ضد "حماس"-فرض قيود على عمل الحركة في الضفة على كافة الصعد، وتدفيعها الثمن الحقيقي في مجال "التسهيلات" التي تدفع بها إسرائيل مقابل غزة، وهي الساحة التي منها تدفع "حماس" بخطوات "إرهابية"، وتحرّض بقوة في ساحات أُخرى.
- حتى الآن، لا حاجة إلى القيام بخطوات شبيهة بحملة "السور الواقي" (2002). في أغلبية مناطق الضفة لا يوجد توتر أمني شبيه بالموجود في شمال الضفة، والدخول الواسع لقوات الجيش إلى كافة المدن في الضفة سيعزز التهديدات الأمنية، ويمكن أن يؤدي إلى نهاية السلطة الفلسطينية.
- إذاً، يجب أن يكون التوتر الأمني في جنين بمثابة صافرة إنذار استراتيجية لإسرائيل، وليس فقط بسبب التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتصاعد، بل بسبب التغيير الدراماتيكي الذي يمكن أن يحدث في الخريطة السياسية الفلسطينية برمتها، وينعكس على غزة، وعلى الوضع الداخلي الإسرائيلي، وإلى حد ما، على هويتها الأساسية. يجب تطوير نقاش اجتماعي سياسي وجماهيري عميق-غير موجود تقريباً-بشأن مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، وبصورة خاصة صوغ استراتيجيا معمقة وبعيدة المدى لهذه القضية الوجودية.