مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
شهد يوم أمس (الإثنين) مواجهات بين الفلسطينيين وبين القوى الأمنية الإسرائيلية في بلدة حوسان القريبة من بيت لحم، جرى خلالها إلقاء عبوات ناسفة على القوات الإسرائيلية التي ردت بإطلاق النار على الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى مقتل الشاب الفلسطيني زكريا محمد الزعول (20 عاماً). وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية سنة 2023، قُتل 171 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية، بينهم 29 طفلاً و6 نساء.
ومساء أمس، اجتمع في مخيم اللاجئين في جنين كلّ الفصائل الفلسطينية المسلحة، بينها "فتح" والجهاد الإسلامي، و"حماس" والجبهة الشعبية، من أجل توحيد الأذرع العسكرية فيما بينها، وكي تبعث برسالة تؤكد استمرار المقاومة المسلحة في مخيم اللاجئين بعد العملية العسكرية الأخيرة للجيش الإسرائيلي.
وكانت هذه العملية بدأت عند الساعة الرابعة من فجر أمس، وانتهت عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً. قامت خلالها القوات الإسرائيلية باعتقال عنصر من "حماس" وآخر من الجهاد الإسلامي، لكن عند خروج هذه القوات في الساعة السابعة صباحاً، جرى تفجير عدد من العبوات الناسفة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل عدد من المركبات العسكرية المدرعة وتعقُّد العملية واستدعاء قوات إضافية.
وشارك في عملية الإنقاذ 6 وحدات مختلفة من الجيش وفرقة مكافحة الإرهاب. وخلال العملية، قتل الجنود الإسرائيليون 5 مسلحين فلسطينيين، بينهم ناشط في الجهاد الإسلامي، واعتقلوا 4 مطلوبين. كما قام الجيش بهجمات جوية بواسطة طوافات أباتشي للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً في الضفة الغربية. وخلال العملية، أُصيب 8 مقاتلين إسرائيليين بجروح، وتعطلت 7 مركبات عسكرية جرّاء انفجار عبوات ناسفة زُرعت على الطريق.
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ليل الإثنين الثلاثاء، الحكومة الإسرائيلية إلى العودة عن قرارها، الدفع قدماً ببناء وحدات سكنية جديدة في الضفة الغربية. وقال: "القرار هو انتهاك واضح للقانون الدولي، وهو مثير للقلق لأنه سيزيد في العنف والتوتر في المنطقة، وفي الحاجة إلى تقديم المساعدة الإنسانية. كما أن تشجيع البناء في المنطقة يشكل عائقاً مركزياً أمام تحقيق حل الدولتين."
ويجب التذكير بأنه يوجد على جدول أعمال الحكومة مشروع بناء واسع النطاق، يشمل 4560 وحدة سكنية في مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية. وتضاف هذه الخطط إلى خطط سابقة لبناء عشرات آلاف الوحدات السكنية التي وافق عليها مجلس التخطيط في جلسته السابقة، الأمر الذي يجعل فترة الأشهر الستة الأولى للحكومة هي فترة الذروة، من حيث حجم البناء خلال العقد الحالي.
أصدر الاتحاد الأوروبي تعليمات جديدة يمكن أن تجعل من الصعب استيراد منتوجات إسرائيلية تنتجها المستوطنات في الضفة الغربية وفي الجولان. وتهدف التعليمات الجديدة، الصادرة عن دائرة التجارة في المفوضية الأوروبية، إلى تطبيق القرار المتخذ في سنة 2004، القاضي بعدم إعفاء المنتوجات التي تصدّرها المناطق من الرسوم الجمركية.
ومن المعلوم أن إسرائيل وقّعت في سنة 1995 اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي يعفيها من دفع الرسوم الجمركية. لكن في سنة 2004، جرى استثناء المنتوجات التي تنتجها المستوطنات في الضفة الغربية والجولان، ولم تعد معفاة من الرسوم الجمركية، مثل سائر السلع التي تُنتج في الأراضي الإسرائيلية. لكن حتى الآن، جرى تطبيق هذه التعليمات بصورة جزئية لأن الاتحاد قام بفحص جزء صغير من المنتوجات المستوردة من إسرائيل.
ووفقاً للتعليمات الجديدة التي نُشرت في الشهر الماضي، يتعين على المصدّرين الإسرائيليين استخدام رمز خاص في النظام الرقمي للاتحاد الأوروبي، يكشف ما إذا كانت المنتوجات مصنوعة في المستوطنات، وإذا كان هذا وضعها، فسيتعين دفع الرسوم الجمركية المترتبة عليها.
وذكرت ممثلية الاتحاد الأوروبي في إسرائيل لصحيفة "هآرتس" أن استخدام الرمز لا يعني تغييراً في الاتفاق الموقّع في سنة 2004، بل هو خطوة من أجل تطبيقه.
تطرّق البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة أمس، والذي تضمّن الموافقة على تنفيذ مشروع تطوير حقل الغاز مقابل شاطئ غزة، على بُعد 36 كلم من الساحل، إلى الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين مصر والسلطة الفلسطينية، والذي سيصبّ في مصلحة السلطة الفلسطينية، لكن وفقاً لمصادر مطلعة على الموضوع، ليس هناك ما يضمن عدم انزلاق المال إلى "حماس".
طوال أعوام، امتنعت إسرائيل من الدفع قدماً بالمشروع، كي لا يشكل تحولاً في مسألة الأسرى والمفقودين. لكن مصادر رفيعة المستوى في مكتب رئيس الحكومة قالت "إن موضوع الأسرى والمفقودين كان وسيبقى شرطاً لتطوير البنى التحتية في غزة. والمقصود هنا ليس بنى تحتية في غزة، بل الاتفاق بين السلطة الفلسطينية ومصر."
وذكرت هذه المصادر أن كل الجهات الأمنية في إسرائيل أوصت المستوى السياسي بالسماح بتنفيذ المشروع. وهذه المصادر نفسها سبق أن أوصت بالدفع قدماً باتفاق الغاز مع لبنان-لكن نتنياهو وموظفوه رفضوا التوصية وعارضوا الاتفاق بشدة.
وكان موضوع تطوير حقل الغاز مقابل شواطئ غزة مطروحاً على الحكومة السابقة خلال فترة الانتخابات، وانتقل إلى الحكومة الحالية لاتخاذ قرار بشأنه. ومنذ تأليف الحكومة، درس المشروع رئيس مجلس الأمن القومي ومنسّق أنشطة الحكومة في المناطق. ومارس الأميركيون ضغطاً كبيراً على إسرائيل للموافقة على تنفيذ المشروع، والتي يمكن أن تشكل بادرة إسرائيلية حيال مصر والأميركيين. وستطالب إسرائيل بالحصول على ضمانات من مصر بعدم وصول عائدات الغاز إلى "حماس".
وجاء في بيان ديوان رئاسة الحكومة: "في إطار الخطوات الجارية بين دولة إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ومع التشديد على تنمية الاقتصاد الفلسطيني والمحافظة على الاستقرار الأمني في المنطقة، تقرر الدفع قدماً بتطوير حقل الغاز-غزة مارين. وسيخضع تنفيذ المشروع لآليات أمنية وحوار مباشر مع مصر والتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وعمل الطاقم الوزاري الذي تقوده هيئة الأمن القومي، حفاظاً على المصالح الأمنية والسياسية لدولة إسرائيل في هذه المسألة."
شدد وزير الخارجية إيلي كوهين في أثناء النقاش الخاص الذي نظّمه الأمين العام للأمم المتحدة، بهدف جمع مساعدة إنسانية دولية للسودان، على التزام إسرائيل العمل على تحقيق التهدئة في السودان، وعلى العلاقة القائمة بين الدولتين منذ زيارته إلى السودان ضمن إطار توسيع دائرة التطبيع وتعميق اتفاقات أبراهام. وأعرب كوهين عن استعداد بلاده للمشاركة بصورة فعالة مع شركاء آخرين في إعادة بناء مخزون الغذاء في السودان وتأمين الموارد الضرورية. ومما قاله كوهين في الجلسة: "نحن نعمل كي نكون شركاء كاملين في الازدهار والاستقرار الإقليمي من خلال المشاركة في مؤتمر يهدف إلى تقديم المساعدة الإنسانية إلى السودان مع زعماء آخرين من دول المنطقة ومن خارجها."
- قبل أيام معدودة، أجريتُ حديثاً مع مصدر سياسي رفيع المستوى، أخبرني، بزهو ظاهر، أن منتدى النقب سيُعقد في وقت قريب في المغرب. بالتأكيد، هذا مدعاة إلى الفخر. صحيح أن المقصود مبادرة قام بها يائير لبيد عندما كان وزيراً للخارجية، لكن كل حكومات إسرائيل، من دون استثناء، تواصل دعمها لاتفاقيات ومبادرات الحكومات السابقة. ففي النهاية، الليكود لم يُلغِ حتى اليوم اتفاقات أوسلو، لأنه يعلم أن البديل عنها أسوأ بكثير. وعلى الرغم من تملمُل اليسار حيال اتفاقات أبراهام، فإنه لم يجرؤ على الهجوم عليها، والذين تحدثوا ضدها بذلوا جهدهم كي ينسى الناس ما قالوه.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن قمة المغرب لن تُعقَد. لأنه يوجد ثمن لحماقة الحكومة الإسرائيلية. لا يمكن إعلان إقامة 4500 وحدة سكنية جديدة، أو المزيد من البؤر الاستيطانية، والحصول على الابتسامات العريضة. لقد سبق أن أجّل المغرب عقد المنتدى عدة مرات. هذه المرة، الولايات المتحدة نفسها هي التي وجّهت صفعة مدوية إلى إسرائيل وقررت تأجيل القمة. جرى هذا بعد قرار الحكومة نقل المسؤولية عن البناء في المناطق من "وزير الدفاع إلى وزير آخر في الوزارة". والمقصود هو تعديل لقرار الحكومة رقم 150، العائد إلى سنة 2016. كما يشمل التعديل تسهيلات في منح الموافقة على البناء.
- حظيَ قرار الحكومة في مختلف وسائل الإعلام باهتمام قليل. فالمقصود في نهاية الأمر تطبيق البند 121 في الاتفاق الائتلافي بين الليكود وبين حزب الصهيونية الدينية. وزير الدفاع أُخذت منه صلاحياته، وبتسلئيل سموتريش حلّ محله. وبعد أكبر تظاهرات شهدتها إسرائيل في تاريخها، لم تتم إقالة غالانت من منصبه، بل تقلصت صلاحياته. لكن كيف يمكن تحمُّل المسؤولية عن الأمن في المناطق عندما يكون الوزير المعيّن ليس مسؤولاً مباشرةً عن البناء في المناطق؟
- هذه مشكلة صغيرة، لأن المقصود مشكلتان أكبر بكثير. الأولى، أن مَن يريد دولة ثنائية القومية سيحصل عليها. حتى في داخل الليكود، لا يوجد موقف موحد. هناك مؤيّدو الدولة اليهودية، وفي مقابلهم، هناك مؤيّدو الدولة الثنائية القومية. وزير الدفاع غالانت ينتمي إلى الفريق الأول، وهو ليس وحده. لكن حكومة اليمين تخلت عن المجال الأكثر أهمية سياسياً، وتركته بين يدي اليمين الذي يقف على يمين اليمين، اليمين المعادي للصهيونية، الذي يحقق رؤيا حركة الـ BDS في الدولة الكبيرة الواحدة.
- ثانياً؛ وجود الولايات المتحدة في الخلفية. إنها العماد الاستراتيجي لإسرائيل. فالهجوم على المشروع النووي الإيراني غير ممكن من دون دعم أميركي. والدفع قدماً بالعلاقات مع السعودية؟ لا يمكن أن يحدث إلا بواسطة الإدارة في واشنطن. وتطوير وسائل قتال متطورة؟ ممكن فقط بالتعاون مع الصناعات في الولايات المتحدة، وبموافقة الإدارة الأميركية. هذا من دون ذِكر المساعدة الأميركية طوال عقد كامل، أي قرابة 4 مليارات دولار سنوياً تعهدت إدارة باراك أوباما تقديمها. ويمكن مواصلة التعداد، فالقائمة طويلة.
- إن قائمة المصالح القومية التي تعتمد على الولايات المتحدة كبيرة وطويلة، لكن ماذا تساوي كل هذه المصالح مقارنةً ببند في الاتفاق الائتلافي ينقل المسؤولية عن البناء في المناطق إلى وزير في الحكومة يرفض أي مندوب أميركي الاجتماع به؟ هذا وضع غير مسبوق. وضع مهين، كأننا نوجّه هدفاً ضد أنفسنا. حكومة إسرائيل ضد دولة إسرائيل. وقبل أن يجفّ حبر قرار الحكومة، رفعت الولايات المتحدة الثمن. قمة منتدى النقب تم تأجيلها إلى موعد غير محدد.
- في القناة الـ14 اشتكوا من أنه حتى الآن كان هناك حاجة إلى الحصول على موافقة أمنية للانتقال من مرحلة إلى مرحلة في البناء في المستوطنات. هم فرحوا لأنه لم يعد هذا مطلوباً الآن. أي بكلام بسيط، ليذهب الأمن إلى الجحيم. قواتنا الأمنية تخضع لضغط أمني كبير. فقط في الأمس، أصيب 7 مقاتلين جرّاء عملية ضد وكر "الإرهاب" في جنين. اليمين المعادي للصهيونية لا يهمه الأمر، لأنه إذا تحققت الخطة الكبرى وأقيم المزيد من البؤر الاستيطانية – وحينها، كل عشرة من شبان التلال بحاجة إلى عشرات من الجنود لحماية الشبان المتهورين. وبهذه الطريقة، نهمل أمن الدولة لأن هناك حاجة إلى تحقيق رؤيا الـBDS. هل فقدنا عقولنا؟ نعم.
- ضمن إطار محاربة الدعاية المعادية لإسرائيل مع قليل من الإرادة والمعرفة، يمكن أن نهزم الدعاية التي تسعى لشيطنة إسرائيل. لكن اسمحوا لي بالاعتراف بأن هناك أمراً واحداً يقف أمامه الناطق بلسان إسرائيل عاجزاً حتى أمام جمهور مؤيد للصهيونية، هو: الاستيطان في المناطق، أو للمزيد من الدقة، الإصرار على توسيع المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية وانتهاك التعهدات التي قدمتها إسرائيل إلى الإدارة الأميركية بإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية. ما يجري ليس أننا لا نقوم بالإخلاء فحسب، بل نوسع ونرسخ. الإدارة الأميركية، سواء أكانت ديمقراطية أو جمهوريةـ وأيضاً أنصار إسرائيل والأعضاء والنشطاء في الجمعيات اليهودية، يريدون الدفاع عنا. لكن نحن، من جانبنا، نتمسك بهؤلاء [اليمين المعادي للصهيونية] الذين يقفون ضدنا.
- إن النضال من أجل دولة يهودية ديمقراطية أمر مهم، ومهم جداً. لكن في الوقت الذي يدور الصراع على الجبهة القضائية، تدفع الحكومة قدماً بواقع الدولة الثنائية القومية. يجب أن نستيقظ لأنه إذا نجحت المؤامرة المعادية للصهيونية، لا سمح الله، فإن إسرائيل لن تبقى يهودية، ولا ديمقراطية.
- لقد كانت مسألة وقت حتى يطوّر "المخربون" في منطقة جنين، وبصورة خاصة في مخيم جنين، أدوات وطرق عمل من أجل وقف الاقتحامات والاعتقالات وإحباط الخلايا "الإرهابية" التي يقوم بها الجيش. أمس الإثنين، نجحوا في القيام بذلك بواسطة عبوة أصابت مركبة عسكرية عملياتية من نوع "النمر" تابعة للجيش، تواجدت فيها قوة من المستعربين من "حرس الحدود" وجنود من الجيش كانوا يعملون سوياً.
- الضرر الذي لحِق بالمركبة العسكرية لم يكن نتيجة فخ ذكي تم التخطيط له، بل نتيجة عملية زرع عبوات قام بها "المخربون" خلال الأشهر الماضية على طول الطريق المؤدية إلى مخيم جنين، وإلى جنين ذاتها، وأيضاً إلى وادي برقين القريب منها. مركبة "النمر" أصيبت وهي في طريق الخروج، بعد نهاية حملة اعتقالات "ناجحة". تحركت المركبة في الساعة 7 صباحاً، في ضوء النهار؛ وبالإضافة إلى العبوة، تم إطلاق النار في اتجاهها عن بُعد من أطراف مخيم جنين.
- هذه الحقائق مهمة لفهم أنه لم يكن هناك فخ تم التخطيط له من أجل استهداف القوة، أو تسريب معلومات عن الحملة إلى "المخربين" الفلسطينيين، إنما كان هناك تحليل صحيح يستند إلى عام تقريباً من الخبرة في محاور الوصول والانسحاب التي تستخدمها القوات الخاصة في الجيش، للقيام باقتحامات موضعية، استناداً إلى معلومات استخباراتية لاعتقال "مطلوبين"، أو "إحباط" خلايا "إرهابية" تخطط لتنفيذ عمليات.
- "المخربون" الفلسطينيون، التابعون لـ"الجهاد الإسلامي" و"حماس"، بدأوا بزرع العبوات على المحاور المتوقع أن يستخدمها الجيش منذ نهاية العام الماضي. فعملياً، منذ أيلول/سبتمبر 2022، واجهت قوات الجيش، التي كانت تعمل في شمال الضفة وجنين ونابلس، عبوات ناسفة تم زرعها على المحاور المركزية، من أجل إلحاق الضرر بالمركبات المحصنة التي تنسحب فيها القوات بسرعة، ولذلك، تسير هذه المركبات على الطرقات الرئيسية التي لا يستطيع الفلسطينيون إغلاقها مسبقاً، وأيضاً خلال عملية الاعتقالات.
- الهدف الأساسي من هذه العبوات هو تدفيع القوات الثمن في أثناء انسحابها، بعد تنفيذ عمليتها. هذه الظواهر لا نراها في مناطق أُخرى في الضفة الغربية، لأن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ما زالت تعمل هناك، وعملها يقلل جدوى وضرورة النشاط "الإحباطي" الذي يقوم به الجيش في هذه المناطق.
- تقريباً، لا حاجة إلى اقتحامات القوات الخاصة التابعة للجيش، أو "الشاباك"، أو "حرس الحدود"، في الخليل مثلاً، حيث توجد للسلطة الفلسطينية سيادة جيدة. وفي المقابل، منذ آذار/مارس 2022، تواجه أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية صعوبة في فرض النظام والقانون، بالأساس في منطقتيْ نابلس وجنين. ومؤخراً، تحسّن الوضع في نابلس نتيجة عمل مكثف قام به الجيش و"الشاباك"، اللذين نجحا في قمع حركة "عرين الأسود".
- في منطقة جنين، لا تزال الأزمة هي نفسها: أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لا تنجح، ولا تتجرأ أيضاً على العمل بصورة مكثفة وفعالة هناك. وهو ما يدفع "الشاباك" و"اليمام" [قوات مكافحة الإرهاب] و"الجيش" إلى إحباط النشاط "الإرهابي" في المنطقة بأنفسهم. ضابط كبير في الجيش عرّف، مؤخراً، الحالة في منطقة جنين بمقولة صائبة: "حملة كاسر الأمواج التي بدأت في آذار/مارس 2022، تحولت إلى وضع كاسر الأمواج الذي نعيش فيه منذ أكثر من عام."
تطوير وتحسين طرق الدفاع
- يبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ليست الوحيدة التي طورت طرق القتال التي سمحت بحملات "إحباط" خاصة وناجحة جداً، تقريباً من دون خسائر في طرفنا. الفلسطينيون أيضاً، كما اتضح في أيلول/سبتمبر الأخير، طوروا طرق دفاع خاصة بهم للتصدي لحملات "الاقتحام العميق" التي يقوم بها الجيش و"الشاباك" و"الوحدات الخاصة" التابعة لـ"حرس الحدود".
- لقد رصدوا محاور خروج المركبات التي تحمل القوات من الميدان كنقطة ضعف، وزرعوا فيها عبوات ناسفة بكميات كبيرة جداً على طول تلك المحاور. في البداية، كانت هذه العبوات مصنوعة من مواد متفجرة، صناعة محلية بأوزان وقوة ضئيلة، لكن القوات الخاصة تواجه في الأشهر الأخيرة عبوات كبيرة، يبلغ حجمها أكثر من 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، يتم تفعيلها عن بُعد، عبر الهواتف النقالة.
- الجيش انتبه لهذه الظاهرة منذ بداية الشهر الحالي، ونشر المراسل العسكري لقناة "كان 11"، روعي شارون، خبراً مفاده أن الجيش بدأ بتحصين قاعدة المركبات العسكرية المستعملة في عمليات العمق داخل مخيم جنين، وفي المنطقة.
- وهذا معناه أن العبوات ليست ظاهرة جديدة. لقد واجهها الجيش خلال حملة "السور الواقي" سنة 2002. أنا جربتها بنفسي حين رافقت قوات الجيش في دخولها إلى مخيمات اللاجئين في طولكرم وبلاطة ونابلس. الجيش أيضاً لديه خبرة في التعامل مع هذه العبوات الذكية والقاتلة من لبنان، ومن ضمنها "عبوات المقلاع" التي تستطيع اختراق المركبات المحصّنة، وقتل مَن فيها.
- العبوات التي يستعملها "الجهاد الإسلامي" وأيضاً "حماس" في جنين ليست بهذا الذكاء، وليس لديها القدرة على الفتك كتلك التي استعملها "حزب الله" في لبنان. العبوات في شمال الضفة تستند، جزئياً، إلى مواد متفجرة صالحة يتم زرعها، ليس فقط على جوانب الطريق، بل أيضاً في الأماكن التي يمكن الحفر فيها، وسط طرقات ترابية. وعلى الرغم من أنها ليست ذكية وفتاكة كتلك التي استُعملت في لبنان، فإن الانتشار الواسع لهذه العبوات البسيطة، نسبياً، والتي يزرعها "المخربون" في شمال الضفة، تحدّ حرية الحركة العملياتية للجيش و"الشاباك" و"حرس الحدود". وما جرى صباح أمس كان الدليل.
- يمكن التخمين أن العبوة التي أصابت "النمر" الذي حمل قوات "اليمام" و"حرس الحدود" تم تفعيلها تحت المركبة العسكرية المحصّنة، وبالإضافة إلى أنها أصابت نقطة ضُعف المركبة، فإن إحدى العجلات الخلفية انفصلت عن المحور ودفعت بالمركبة العسكرية إلى السقوط أرضاً بشكل يستوجب دفعها. وزن مركبة "النمر" 10 أطنان تقريباً، وتصل سرعتها إلى 70 كلم في الساعة. وتوجد فيها أماكن جلوس مريحة لـ14 جندياً، ويمكن أن تُستعمل لإخلاء المصابين أيضاً.
- لكن، وبسبب الوزن الثقيل للمركبة، فإنه من الصعب جداً جرّها، في حال فقدت أحد إطاراتها، من المنطقة التي أصيبت فيها. ولسوء الحظ، فإن مركبة "النمر" أصيبت في الصباح بنيران أُطلقت من أطراف المخيم. لذلك، أصيبت عدة مركبات أصغر أيضاً وجنود أكثر في المنطقة التي أصابت مركبة "النمر" الكبيرة وبعض ركابها.
- وبفضل التحصين الجيد لـ"النمر"، خرج الجنود الذين كانوا فيه بإصابات متوسطة وخفيفة فقط. حتى الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المركبة ضمن المركبات التي عزّز الجيش تحصينها مؤخراً، وذلك لتفادي إصابتها بعبوات كهذه. ما جرى بعد ذلك كان "معركة إنقاذ كلاسيكية"، استعمل فيها الجيش طائرات ومسيّرات مسلحة من نوع "زيك"، للتغطية على حملة الإنقاذ وجرّ المركبات، وضمنها "الفهد" التي أصيبت محركاتها نتيجة إطلاق النار، وكان يجب جرّها من المنطقة.
- زرع العبوات عملية من الصعب القيام بها في السر، لأنها تحتاج إلى نقل العبوة وحفر حفرة وزرعها، ثم تغطيتها والتأكد من أن منظومة تفعليها ستستقبل الإشارة. كان يجب على أجهزة جمع المعلومات الاستخباراتية لدى الجيش اكتشافها والعلم مسبقاً بها، بالأساس في ساعات الليل، وأن تحدد للقوات مكان هذه العبوات، وأن تختار لها أيضاً طريقاً التفافياً غير مزروع بالعبوات. لماذا لم يحدث هذا؟ وإذا حدث، فلماذا لم ينجح؟ هذه الأسئلة يجب الإجابة عليها بسرعة كبيرة.
- من الواضح، ومنذ هذه المرحلة، أن الاستعمال الواسع للعبوات على يد "المخربين" يستوجب تغيير الجيش طريقة عمله والأدوات التي يستعملها لتنظيف محاور الخروج المخطط لها في كل حملة لمنع إلحاق الضرر بالمركبات الخارجة التي تحمل القوات بعد تنفيذ مهمتها. يمكن الافتراض أن هذه العبوات التي زرعها الفلسطينيون ستتعزز، وسيتم توسيع طرق عملهم، وأيضاً الضرر الذي سيُلحقونه سيكون أكبر وقاتلاً أكثر بكثير.
الوضع تغيّر
- يمكن الافتراض أن زرع العبوات بيد "المخربين" لن ينحصر في محاور الدخول والخروج من منطقة جنين والبلدات المحيطة بها، بل سيتوسع إلى محاور الحركة الأُخرى في شمال الضفة لإلحاق الضرر بالمركبات الإسرائيلية والركاب فيها. هذه الحقيقة تفرض على الجيش تطوير وتفعيل أدوات جمع المعلومات الاستخباراتية الاستباقية، والقيام بعمليات حركة على هذه المحاور عموماً، وفي مخيم اللاجئين ومدينة جنين خصوصاً.
- يجب الاعتراف بأن الوضع تغيّر، ويفرض تطوير طرق عمل ملائمة. يكثر الحديث عن عملية عسكرية كبيرة على طريقة "السور الواقي"، لكن عملية كهذه تستوجب احتلال كل المنطقة، وهو شيء غير ضروري، إذ لدى "الشاباك" و"الجيش" استخبارات ممتازة، وهما ينجحان في قمع "الإرهاب" وإحباط العمليات، عبر عمل موضعي.
- وفي المقابل، إن ظهور العبوات وانتشارها الواسع على الأرض يبرر حملة واسعة، ولكن يجب أن تكون محدودة، وتستند إلى استخبارات مفصلة ودقيقة تسمح بالوصول إلى المختبرات التي تصنع المتفجرات، وإلى مخازن المركبات الإلكترونية ومخزون المواد المتفجرة الصالحة الموجودة في المخيم ومدينة جنين والمناطق المحيطة. هذا لن يمنع كلياً تصنيع العبوات وزرعها، لكن من المؤكد أنه يمكن أن يقلل الظاهرة ويعيد إلى الجيش حرية الحركة التي باتت محدودة، مؤخراً، بسبب العبوات، كما اتضح صباح أمس.