مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
بعد الهجوم في عيلي يوم الثلاثاء الذي تسبب بمقتل أربعة إسرائيليين، أُقيمت يوم الخميس وخلال ساعات معدودة وبمعرفة من المستوى السياسي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، سبع بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية.
وكان رئيس الحكومة قد أعلن قبل يومين بالتعاون مع وزير الدفاع ووزير المال إضافة 1000 وحدة سكنية جديدة إلى عيلي، سيوافق عليها في الأسبوع المقبل مجلس التخطيط الأعلى للإدارة المدنية، بالإضافة إلى 4500 وحدة سكنية ستطرح على موافقة المجلس. وفي الأمس وبدءاً من ساعات الصباح الباكر أقيمت بصورة غير قانونية خمس مزارع زراعية جديدة في تل البخور، ومزرعة هرئيل وتكواع، وعيمانويل وغيرها. هذا بالإضافة إلى أحياء جديدة أقامها مجلس بنيامين بين معاليه ليفونا وعيلي وعودة المستوطنين إلى بؤرة أفيتار.
ومع انتقال جزء من صلاحيات تطبيق القانون والمسؤولية عن البنى التحتية في الإدارة المدنية إلى الوزير بتسلئيل سموتريتش في وزارة الدفاع، توقف تقريباً بصورة كاملة تطبيق القانون ضد البناء غير الشرعي للإسرائيليين في الضفة الغربية، وهي الخطوة التي تسببت بإدانات وانتقادات من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وفي الأمس صرح سفير الولايات المتحدة في إسرائيل طوم نيدس قائلاً: "لن نقف موقف المتفرج ونشاهد عنف المستوطنين، هذا يجب أن يتوقف"، وقال نيدس بشأن إطلاق النار الذي وقع في عيلي: "قلبي ينفطر حزناً على العائلات التي خسرت أحباءها قبل 48 ساعة." وأضاف: "لقد كنت واضحاً جداً ودقيقاً بأننا لن نقف موقف المتفرج ولا نقبل ما يحدث في الأيام الأخيرة في القرى الفلسطينية. نحن نطلب من الإسرائيليين بذل كل ما في استطاعتهم من أجل وقف هؤلاء الأشخاص."
هاجم مسؤولون رفيعو المستوى في المؤسسة الأمنية وزير الدفاع القومي إيتمار بن غفير الذي يضغط من أجل البدء بالأعمال في إقامة التوربينات في الجولان بخلاف رأي مصادر مهنية وتقدير الاستخبارات التي تتوقع حدوث توترات عنيفة. وقالت مصادر في الشرطة لـ"هآرتس" إن بن غفير "يجر الدولة إلى حرب أهلية مع الدروز"، وحذرت هذه المصادر من أنه في حال لم تتوقف الأعمال من أجل التفاهم مع السكان فإن الأمر سينتهي "بسفك الدماء".
وكان القائد العام للشرطة كوبي شبتاي قد أمر بوقف الأعمال خوفاً من التوترات لكن العمل استمر بأوامر من بن غفير. وقد تباهى الوزير بذلك عندما وجّه تعليماته إلى الشرطة للسماح ببدء الأعمال في الأراضي المتاخمة لمسعدة بحجة "إن سيادة الدولة يجب أن تكون في الجنوب وفي الشمال وفي هضبة الجولان أيضاَ." وبعد مرور يوم على المواجهات العنيفة التي انتهت بجرح خمسة متظاهرين وإصابة شرطيَين، اتهمت أطراف في المؤسسة الأمنية الوزير بن غفير بأنه يفتقر إلى المنطق.
وعلمت الصحيفة أن مسؤولين كباراً في الشرطة عارضوا البدء بالأعمال في الموعد الحالي من دون التفاهم مع السكان على خلفية احتجاج الدروز في الكرمل ضد قانون كيمينتس. وتجري أطراف في الشرطة اتصالات بهدف تأجيل الأعمال إلى ما بعد عيد الأضحى إفساحاً في المجال للتوصل إلى تفاهم مع السكان.
وفي تقدير جهات في المؤسسة الأمنية فعلى الرغم من الموافقة القانونية على مشروع التوربينات فإن البدء بالأعمال يمكن أن يؤدي إلى احتجاج عنيف. وكان قد تقرر في محادثات جرت في شباط/فبراير في وزارة الأمن القومي إجراء محادثات مع الدروز وزعماء المستوطنات في شمال الجولان قبل البدء بالأعمال، لكن هذا لم يحدث.
وانتقد مسؤول كبير في المؤسسة الأمنية قرار بن غفير البدء بالأعمال وقال: "باسم كل أنواع الشعارات باشر الأمر من دون أي توضيح غير استخدام القوة، وهو لم يفعل شيئاً قبل البدء بالأعمال". وفي رأي المسؤول فإن بن غفير لا يسيطر على أي شيء ويُدخل الدولة في حدث يمكن أن يؤدي إلى سفك الدماء.
من جهة أُخرى صرّح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مساء الخميس أنه اتفق مع زعماء الطائفة الدرزية على تأجيل العمل في إقامة التوربينات الهوائية في هضبة الجولان إلى ما بعد عيد الأضحى. ومع ذلك صرّح زعماء الطائفة الدرزية بعد الاجتماع مع بن غفير أن الأعمال ستتوقف حتى وقت لاحق.
وقدّم زعماء الطائفة الدرزية خلال اجتماعهم مع بن غفير سلسلة مطالب من بينها إلغاء قانون القومية، ووقف العمل في البنى التحتية لإقامة التوربينات، وتخصيص أراضٍ من الدولة لسد النقص في المساكن في القرى الدرزية، وزيادة عدد البلدات الدرزية، وتوسيع الأراضي الخاضعة للسيطرة القانونية للسلطات الدرزية.
بعث سفير إسرائيل في الأمم المتحدة برسالة إلى مجلس الأمن طالب فيها المجلس بإصدار إدانة لحزب الله الذي خرق قرارات المجلس وأقام خيماً على أراضٍ خاضعة لسيادة دولة إسرائيل.
واعتبر السفير في رسالته أن لبنان هو المسؤول عما يجري في أراضيه وأضاف: "لن نقبل بانتهاك السيادة الإسرائيلية وتحتفظ إسرائيل بحقها في الدفاع عن هذه السيادة".
وكان حزب الله قد توغل في أراضٍ تعتبرها إسرائيل خاضعة لسيادتها وأقام مواقع في إطار زيادة حجم قوته في الجنوب اللبناني وحتى في منطقة عمل قوات اليونيفيل. وطالب السفير الإسرائيلي بتفكيك المواقع فوراً ودعا الحكومة اللبنانية إلى القيام بالتزاماتها وتطبيق قرار مجلس الأمن بالكامل وإخلاء المواقع فوراً وإدانة حزب الله لأنه يزعزع الاستقرار في المنطقة. وأوضح السفير أن إسرائيل ستبذل كل الوسائل المطلوبة من أجل الدفاع عن أمنها وسيادتها وأمن مواطنيها.
كُشف مؤخراً عن برقيات سرية تعود إلى التسعينيات وتشمل بصورة أساسية البرقيات السرية التي أرسلها رئيس طاقم المفاوضات مع سورية ودول عربية أُخرى إيتمار رابينوفيتس إلى يتسحاق رابين وشمعون بيرس في 1992-1993.
وتشمل الوثائق تقارير سياسية للجان العمل الثنائية التي أجرت المفاوضات الصعبة بين الأطراف. ومن بين ما كشف عنه قول رئيس الوفد السوري إلى المفاوضات موفق العلاف: "بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجولان سنكون مستعدين لشرب القهوة معكم".
وتُظهر الوثائق الفجوة الكبيرة في المواقف بين الطرفين الإسرائيلي والسوري، وإصرار الجانب السوري على الحصول على تعهدات بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان.
- في مطلع هذا الأسبوع صدر بيان عن ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جاء فيه: "في إطار الخطوات التي تجري بين دولة إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ومع التشديد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني والمحافظة على الاستقرار الأمني في المنطقة، تقرر الدفع قدماً بتطوير حقل الغاز مقابل شواطىء غزة (GAZ MARIN)". وشدد البيان على أن الخطوات تضمن المحافظة على المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن محاولة جرت لاحقاً لتقديم ما يحدث على أنه تحرك بين السلطة ومصر فقط، لكن إسرائيل ستتدخل فيما يجري بشأن كل ما له علاقة بتطوير المجال البحري في غزة وكذلك "حماس".
- يكشف البيان تغيراً سياسياً مهماً ليس بديهياً. تم اكتشاف حقل الغاز الغربي في غزة في سنة 1999، وهو مخزون صغير نسبياً وبحسب الخبراء يحتوي على قرابة 30 مليار متر مكعب (BCM) ما يساوي عشرات مليارات الدولارات. والمقصود هو عُشر كمية الغاز الطبيعي الموجودة في حقل "تمار" (قرابة 280 مليار متر مكعب). ومع مرور السنوات تبين أن المنطقة تحتوي مخزونات محتملة أُخرى لم تُفحص بعد.
- وفقاً لقواعد القانون الدولي فإن وثيقة المياه والاتفاقات السياسية التي وقعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية في التسعينيات، تضمن للسلطة الفلسطينية السيادة على كل ما يتعلق بالتنقيب وبتطوير المخزونات الطبيعية الموجودة في البحر في قطاع غزة. لكن إسرائيل هي التي تسيطر عملياً على المجال البحري حيث يوجد المخزون وأي أعمال فيه تتطلب موافقتها.
- حاول جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين الدفع قدماً بتطوير حقل الغاز وتنظيم طريقة استخدام الأرباح المتوقعة كي لا تُستخدم في "الإرهاب"، وإنما في تأمين رفاهية السكان. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل أمام الواقع الأمني وتزعزع العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأيضاَ في ظل عدم اليقين الاقتصادي فيما يتعلق بالقطاع الخاص وحماسته لتطوير حقل صغير نسبياً في بيئة سياسية غير مستقرة. كما أن سيطرة "حماس" على غزة في سنة 2007 وجولات القتال مع إسرائيل جعلا تطوير المخزون أكثر تعقيداً، وبقي الغاز في بطن البحر.
- هناك فرضيات متعددة بشأن السبب الذي دفع إسرائيل إلى القيام بهذه الانعطافة وعلى ماذا حصلت في المقابل. تتأرجح هذه التقديرات بين محاولة التخفيف من الغضب الأميركي المتوقع بعد قرار الحكومة الدفع قدماً بالبناء في المستوطنات؛ ومساعدة مصر على صوغ خطة هدنة بين مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة؛ والدفع قدماً بالمفاوضات في موضوع الأسرى والمفقودين؛ والترويج لاتفاق التطبيع مع السعودية؛ وتشجيع مشروع إقليمي لإقامة بنى تحتية جديدة للغاز مع تركيا. وهناك افتراض آخر هو أن مصر التي ستستفيد من الغاز الطبيعي مقابل غزة سترعى الاتفاق الجاري بلورته، لأنه من الناحية الاقتصادية لا مبرر لتطوير الحقل إذا جرى توجيه الغاز إلى أسواق السلطة وقطاع غزة فقط.
- من دون تجاهل الفرضيات السابقة، يخيل إلينا أن أحد العوامل التي سمحت بهذه الانعطافة هو اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بوساطة أميركية. إذ على الرغم من الانتقادات القاسية التي وجهها أعضاء الحكومة الحالية للاتفاق، فإن سلسلة التفاهمات التي جرى التوصل إليها مع لبنان وحزب الله شكلت سابقة قانونية ودبلوماسية أيضاَ حيال غزة.
- هناك ثلاث نقاط مهمة متشابهة بين الحالتين. أولاً، في الحالتين المقصود سكان بحاجة ماسة إلى مصادر كبيرة للدخل من أجل تحسين مستوى الحياة، وتعتقد إسرائيل أن هذا الأمر يساعد أيضاً في تحقيق الهدوء الأمني. ثانياً، في الحالتين يوجد مخزونات غاز محتملة أُخرى غير تلك التي شملها الاتفاق، والتقدير أن اتفاقاً سياسياً يشجع شركات الطاقة الأجنبية على استثمار مبالغ مالية كبيرة مطلوبة. ثالثاً، السابقة الأكثر أهمية أنه سواء في لبنان أو في قطاع غزة فإن السيطرة الفعلية هي بين يدي تنظيمات "إرهابية" تخوض نضالاً شرساً ومستمراً ضد إسرائيل، ولا تعترف بوجودها، الأمر الذي يجعل من الصعب إجراء مفاوضات. ومع ذلك وعلى الرغم من الخطاب العدائي، تحقق الاتفاق مع لبنان الذي يسمح بمحاولة حقيقية لتطوير المجال البحري اللبناني ويشجع شركات الطاقة الأجنبية على التنقيب عن مخزونات جديدة.
- ويبدو أنه بالاستناد إلى التجربة اللبنانية تطالب دول المنطقة، وخصوصاً مصر والولايات المتحدة بالدفع قدماً باتفاق الغاز في غزة. والموافقة الإسرائيلية على تطوير مخزون الغاز لا يمكن تفسيرها بأي شيء آخر سوى استعداد إسرائيل للقيام بحوار ولو بصورة غير مباشرة مع "حماس".
- وسواء أدى القرار الحالي إلى تطوير حقل الغاز في غزة أم لا، فلا شك في أن المجال البحري والموارد الكامنة فيه تخلق كثيراً من الفرص الدبلوماسية الجديدة بالنسبة إلى إسرائيل. وفي العقد الأخير تحولت إسرائيل إلى دولة غاز عظمى إقليمية بفضل اكتشافات الغاز في تمار ولفيتان، وكاريش والتنين، والاكتشافات واعدة. إن امتلاك إسرائيل مخزونات غاز كبيرة وقوة بحرية فعّالة ينعكس على المنطقة كلها ويجعل إسرائيل نقطة ارتكاز مهمة في تطوير المجال والموارد في منطقة شرق البحر المتوسط، وربطها المحتمل بالقارة الأوروبية.
- إن الاتفاقات بين إسرائيل ولبنان، وإسرائيل ومصر، وإسرائيل وقبرص، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وربما لاحقاً بين إسرائيل وتركيا، تبعث إلى المجتمع الدولي والقطاع الخاص برسالة من الاستقرار الإقليمي وتجعل المنطقة منصة مريحة للصفقات التجارية العابرة للحدود بقيادة إسرائيل على الرغم من الصراعات السياسية والداخلية.
- وكما ثبت في الحالة اللبنانية فإن المجال البحري يسمح بمرونة خلاقة من أجل بناء تفاهمات وتواصل بين الأطراف المتعادية التي من الصعب أن تتوصل إلى مثل هذه التفاهمات في مجال البر. ويبدو أن عدم وجود حدود مادية في البحر وبُعد المنطقة عن أعين الجمهور هما مفتاح الحلول المحتملة التي ربما ستنعكس مستقبلاً على اليابسة.
- من الصعب التنبؤ إلى أي حد تنوي إسرائيل المضي قدماً في تطوير حقل غاز مارين وإلى أي حد ستسمح التوترات الداخلية بالتعامل بمرونة مع مطالب "حماس". ومع ذلك، فإنها عملية ضرورية وإيقافها سيضر بمصالح جميع الأطراف في المنطقة. إن أكبر تحدٍ ستواجهه حكومة إسرائيل هو أن تشرح لجمهورها الحاجة إلى اتفاق يشبه في طبيعته الاتفاق الذي عارضته مع لبنان. الأيام كفيلة بأن تخبرنا ما إذا كانت الأطراف ستنجح هذه المرة في القيام بخطوة إضافية مثلما جرى مع لبنان، وتفتح أفقاً جديداً بكل ما له علاقة بالمجال البحري.
- جاءت العملية الدامية في "عيلي" بينما كانت الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية في حالة من التردّد بشأن القيام بعملية عسكرية واسعة ضد مراكز "الإرهاب" في الضفة، وبصورة خاصة في محافظتي جنين ونابلس، يكون الهدف الأساسي منها منح مواطني إسرائيل الأمان. وتركز النقاش، وخصوصاً في الإعلام، على الأبعاد العملياتية، وهو نقاش ضروري في ظل المطالبات بـ"سور واقي 2"، لكن في نهاية المطاف، تبدو السياسة الإسرائيلية في الضفة مسألة أوسع بكثير ولها انعكاسات استراتيجية من الدرجة الأولى.
- وتختلف الظروف العملياتية والاستراتيجية التي سادت خلال عملية "السور الواقي" كلياً عن الوضع الحالي، فمن المهم جداً دراسة الهدف الاستراتيجي لعملية كهذه، أولاً من ناحية الإنجازات المتوقعة ومن ناحية الأثمان ثانياً. بمَ ستساهم العملية مع طريقة العمل المتبعة حالياً، وكيف يمكن دفع الوضع إلى الاستقرار من بعدها؟ هل عبر سيطرة عملياتية مباشرة لقوات الجيش المعززة في الميدان؟ أو العودة إلى روتين "كاسر الأمواج" والاقتحامات والاعتقالات؟ أو عودة أجهزة الأمن التابعة للسلطة للسيطرة بالتدريج على الميدان، وضمنها التنسيق الأمني الفعّال؟
- من أجل قيادة سليمة لقطار الأمن القومي، على المستوى السياسي أن يصغي جيداً لتوصيات الجيش و"الشاباك"، وأن لا يتخذ قراراته على أساس حسابات وحجج سياسية، أو من أجل خدمة الأجندات المسيانية للمستوطنين المتطرّفين في الحكومة، الذين يسعون لتفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة العسكرية من جديد على كامل أراضي الضفة وضمها.
اتجاهات التصعيد والتحذير من الاشتعال
- العملية في "عيلي" وما سبقها من حادث مؤلم جرّاء تفجير عبوة ناسفة ضد جنود الجيش في جنين، هما جزء من اتجاه نحو التصعيد في مناطق الضفة، وخصوصاً في شمالها. هذا الاتجاه ينعكس من خلال ارتفاع وتيرة "الإرهاب" وقدرته على القتل، وفي العمليات على المحاور، ومحاولات اقتحام المستوطنات، وإطلاق النار على البلدات في إسرائيل، والاحتكاك المتصاعد بين مسلحين وقوات الجيش، وتصنيع عبوات ذكية أكثر وغيرها. وجزء كبير من هذه العمليات ينفّذ على يد شبّان في إطار تنظيمات محلية أو على يد أفراد، وبعضهم يتم توجيهه من جانب "منظّمات إرهابية". وتبذل إيران جهوداً لإيصال الأموال والسلاح إلى الميدان، وزيادة ضغط "الإرهاب" على إسرائيل.
- قبل عدة أعوام، وضعت شعبة الاستخبارات العسكرية على طاولة المستوى السياسي تحذيراً استراتيجياً من انفجار واسع في الضفة، سيُترجم عبر تصعيد واسع "للإرهاب" على مستوى الحجم، والمساحة الجغرافية، والمشاركة الشعبية والوقت. ويبدو أن هذا التحذير لا يزال قائماً اليوم، حتى لو لم يتحقق كاملاً. فظروف الانفجار قائمة: جيل لم يعرف الانتفاضة وأثمانها الكبيرة؛ استمرار الاحتلال من دون أمل أو أفق سياسي؛ تراجع مكانة السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم في نهايات حكم عباس، وضعف أجهزتها الأمنية الفاعلة في ظل فجوات في السيادة والشرعية، ومنطقة مليئة بالسلاح، بالإضافة إلى تشجيع "الإرهاب" من جانب إيران و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" وجهات أُخرى.
لماذا تُعتبر العملية العسكرية الواسعة مسألة استراتيجية؟
- أولاً، لأنه من الضروري تعريف أهدافها السياسية، والإنجازات العسكرية المطلوب تحقيقها، وما هي تداعيات العملية على سلم الأولويات القومي، كأهداف إسرائيل في مقابل إيران، و"حزب الله" وقطاع غزة، وعلى علاقاتها مع دول المنطقة والساحة الدولية.
- ثانياً، لأنه يمكن أن تكون لكل عملية عسكرية تداعيات غير مرغوب فيها، كأن لا تسير العملية العسكرية كما خطط لها، أو أن تلحق ضرراً كبيراً بالأبرياء، أو تدفع قواتنا إلى داخل البلدات ومخيمات اللجوء، وتلحق الضرر بروتين حياة المواطنين، وتوسيع دائرة المشاركين في "الإرهاب" وهو ما يؤدي عملياً إلى جعل الواقع أسوأ، بما معناه تحقق التحذير الاستراتيجي، وهو ما يمكن أن يرافقه ضرر كبير في مكانة إسرائيل الدولية واقتصادها. في هذه المرحلة، لا يزال الجيش يوصي بعمليات محدودة ضد جهات "إرهابية"، مع الإبقاء على الفصل بين المجتمع المدني و"الإرهاب" على أساس معلومات استخباراتية دقيقة، لكنه من دون شك يبحث في البدائل الأُخرى - وعلى رأسها طريقة العمل العملياتية - الاستخباراتية المختلفة في شمال الضفة - مع التشديد على ألاّ ينزلق الوضع هناك إلى مناطق أُخرى لا تزال تسيطر عليها أجهزة الأمن التابعة للسلطة.
- ثالثاً، كما تعلمنا من الأحداث الأمنية خلال العامين الماضيين، فإن التصعيد الحاد في ساحة يمكن أن يشكل "عدوى" تنتقل إلى ساحات إضافية كغزة والقدس والمدن المختلطة وحتى الساحة الشمالية، وهذا من شأنه أن يوسّع دائرة المواجهة، وأن يزيد حدة التوتر في مواجهة "حزب الله" الذي انفتحت شهيته على تحدّي إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أنه من الواضح أن تخصيص قوات إضافية للضفة سيكون على حساب جاهزيتهم للحرب ضد "حزب الله"، التهديد الأكبر على حدودنا. وعلى الرغم من ذلك، يجب على المجلس الوزاري المصغر أن يبحث في سياسته تجاه "حماس" في قطاع غزة، التي توجّه "الإرهاب" في الضفة وتتمتّع بالهدوء والمال في غزة.
- رابعاً، إن تصعيداً واسعاً ومستمراً في الضفة، وخصوصاً في سيناريو متعدّد الجبهات، سيؤثر في الواقع السياسي - الأمني الاستراتيجي لإسرائيل: ويلحق الضرر بشكل كبير بقدرة إسرائيل على التعامل مع التطورات المركّبة في مجال الملف النووي الإيراني، ويستنزف الفرصة غير المؤكدة بشأن التطبيع مع السعودية. أمّا الإدارة الأميركية، التي تزعزعت علاقاتنا معها أصلاً، فإنها تحذّر منذ الآن من أن الأحداث في الساحة الفلسطينية يمكنها أن تلحق الضرر بجهود التطبيع، وأيضاً بالسياسة تجاه الملف النووي الإيراني والاستراتيجية الإسرائيلية التي تستند في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة وإدارة بايدن.
سلم الأولويات الوطني
- في ظل أوضاع كهذه، وبالتزامن مع مواجهة الجهات "الإرهابية" والجهود المركّزة لإعادة الأمن لكل مواطني إسرائيل، يجب عدم اتخاذ خطوات تصعيدية متسرّعة تؤدي إلى تراجع الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة، وتغيير السياسة التي تفصل بين المجتمع الفلسطيني و"الإرهاب"، والتدخّل السياسي الفج بشأن تفعيل قوات الأمن، وخطوات الضم، وتشريع البؤر والبناء غير المسيطر عليه في المستوطنات، وهو ما يعزّز الإدانات على نطاق عالمي ويجعل علاقاتنا مع واشنطن أسوأ؛ هجمات الإرهاب اليهودية ضد الفلسطينيين؛ إضعاف إضافي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية (التي تعتقد جميع الجهات الأمنية أنها لا تزال تؤدي وظيفة مهمة في الحفاظ على الاستقرار)، والأهم من هذا كله - أحداث في المسجد الأقصى تفسّر على أنها تغيير للوضع القائم هناك.
- في نهاية المطاف، على الحكومة الإسرائيلية أن تجد الرد اللازم تجاه "الإرهاب" المتصاعد، لكن عليها أيضاً أن تقرّر إن كانت غايتها الإبقاء على الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها، أي وقف مسار تحول إيران إلى نووية وعلاقات مع السعودية، أم الغرق في "الوحل الفلسطيني" الذي يريد المتطرّفون وإيران أن يدفعوا إسرائيل إليه.
- يجب أن تكون طريقة العمل العملياتي واضحة وذكية من حيث الوقت والمكان، وأن تسمح بتحسين الوضع الأمني، من دون أن تسيطر الساحة الفلسطينية كلياً على سلم الأولويات الوطني، وتسحب الجيش إلى داخل المدن الفلسطينية في الضفة استجابة لرغبات أعداء إسرائيل، فيصبح مستقبلها كدولة يهودية و"ديمقراطية" بخطر.
- ختاماً، من الواضح أن الواقع الأمني المركّب يرتبط مباشرة بالأزمة التي دخلتها إسرائيل نتيجة الانقلاب القضائي. فالمواجهة الداخلية بهذا الشأن، كما أزمة جنود الاحتياط، والعلاقات المتزعزعة بين وزير الأمن والأجهزة الأمنية من جهة ورئيس الحكومة من جهة ثانية، كما الفجوة مع واشنطن - جميعها أمور تبث الضعف. هذا هو الوقت المناسب للامتناع عن الخطوة المضرّة والتركيز على التحديات الاستراتيجية الكبيرة أمامنا التي تستوجب وحدة وطنية وقدرة على الصمود وقيادة.