مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان [رئيس "إسرائيل بيتنا"] إن حزب الله يستغل الوضع غير المستقر في سورية لكي يقيم جبهة ضد إسرائيل في الجولان.
وأضاف ليبرمان في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي المنعقد في المركز المتعدّد المجالات في هرتسليا [وسط إسرائيل] أمس (الخميس)، أن حزب الله يحاول أيضاً تهريب منظومات أسلحة متطورة ونصبها في منطقة الحدود مع إسرائيل، وحذر النظام السوري من مغبة التعاون مع هذه الإجراءات وأكد أن هذا النظام سيتحمل المسؤولية عن حزب الله. وشدّد على أنه لا يمكن استخدام مطار دمشق الدولي من أجل تهريب أسلحة إلى حزب الله، وعلى أنه عندما تصل الأمور إلى نقطة معينة لن تتردد إسرائيل في العمل.
وتطرّق ليبرمان إلى الحرب الأهلية في سورية، فقال إن إسرائيل تعمل في الشمال فقط عندما تكون هناك قنبلة موقوتة على وشك الانفجار فتسرع إلى إحباطها، وأوضح أن مثل هذه القنبلة تلوح في الأفق إما عندما يقومون بإطلاق النار علينا، أو عندما تكون هناك محاولات لتهريب أسلحة متطورة إلى حزب الله. وأعرب عن أمله أن تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من التوصل إلى اتفاق جيد حول سورية، وأشار إلى أن ذلك لن يؤثر على حرية إسرائيل في العمل في منطقة الحدود الشمالية.
وأشار ليبرمان إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ينتهج استراتيجية مزدوجة، تهدف من جهة إلى إلحاق الضرر بحركة "حماس" بواسطة تقليص الكهرباء عن قطاع غزة، وتهدف من جهة أخرى إلى دفع "حماس" لخوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل. وأكد وزير الدفاع أن الوضع في القطاع لا يمكنه أن يستمر بهذا الشكل إلى الأبد، لكنه في الوقت عينه شدّد على أن أزمة الكهرباء في القطاع هي شأن فلسطيني داخلي ولا ينبغي أن تتدخل فيه إسرائيل بأي ثمن.
وتحدّث ليبرمان عن عملية السلام مع الفلسطينيين فقال إن إسرائيل معنية بالتوصل إلى تسوية إقليمية مع الدول السنية المعتدلة ومن ثم توقيع اتفاق مع الفلسطينيين، وأشار إلى أن إسرائيل لن تقبل بعودة لاجئ واحد إلى داخل تخوم "الخط الأخضر"، وكرّر موقفه الذي يتمسك به منذ فترة طويلة القائل بأن أي اتفاق سلام مستقبلي يجب أن يستند إلى تبادل سكاني.
كما أشار إلى أن السبب وراء فشل اتفاقية أوسلو التي تم التوقيع عليها قبل 25 عاماً في إنهاء الصراع مع الفلسطينيين يعود إلى كونها استندت إلى مبدأ "الأرض مقابل السلام" الخطأ، وقال إنه مبدأ خطأ لكونه سيؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية بنسبة 100% وجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية تضم فلسطينيين بنسبة 22% من سكانها ولذا يجب أن يكون المبدأ المُوجّه هو تبادل سكاني.
قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ["أمان"] اللواء هرتسي هليفي إن حزب الله يطور قدراته العسكرية في منطقة الحدود الشمالية مع إسرائيل بمساعدة التكنولوجيا والصناعات الإيرانية، وأكد أن تنظيم "داعش" لن يختفي بل سيبقى موجوداً وسيواصل شن الهجمات الإرهابية.
وأضاف هليفي في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي المنعقد في المركز المتعدّد المجالات في هرتسليا [وسط إسرائيل] أمس (الخميس)، أن إيران وحزب الله والنظام السوري يشكلون التهديد الأساسي لمنطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، وأشار إلى أن الخطر الإيراني لا يكمن في قدرات طهران النووية فحسب إنما أيضاً في كونها موجودة بقوة في كل من العراق وسورية واليمن.
وأشار هليفي إلى أن إيران أقامت في السنة الأخيرة مصانع لإنتاج الأسلحة في العراق واليمن، وأكد أنه بالرغم من أن الاتفاق النووي الموقع معها يمنعها من إنتاج أسلحة معينة فإنها تقوم بإنتاج أسلحة أخرى الأمر الذي جعل 20 دولة مهددة بصواريخ "زلزال" الإيرانية. كما أشار إلى أنه بموازاة ذلك يقوم حزب الله في لبنان بتجهيز بنية تحتية عسكرية تستند إلى التكنولوجيا الإيرانية، ويقوم بإنتاج أسلحة يتم نقلها إلى جنوب لبنان بغية نصبها على مرمى حجر من الحدود مع إسرائيل تحت غطاء منظمة خضراء تُعنى بشؤون البيئة.
وقال هليفي إن تنظيم "داعش" لن يختفي وكذلك محاربة الإرهاب، وأكد أن محاولات بناء القوة وخصوصاً في غزة ولبنان تؤدي أيضاً إلى انتقال القوة العسكرية إلى أيد غير مسؤولة، وأن الحرب على المنظمات غير الدولتية لا تبدأ بقرار بل بتدهور العلاقات شيئاً فشيئاً مع هذه المنظمات، وشدّد على أن مثل هذه الحرب لا تنتهي بحسم عسكري واضح.
وأشار رئيس شعبة "أمان" إلى أن الخلافات الحالية في العالم العربي تنطوي على فرص جيدة بالنسبة إلى إسرائيل منها ازدياد كمية المصالح المشتركة مع الدول السنية، وأكد أن هذا يشكل فرصة إقليمية غير مسبوقة.
وتطرّق هليفي إلى الأوضاع في قطاع غزة فقال إن الجيش الإسرائيلي غير معنيّ بأي تصعيد هناك، وأشار إلى أن سبب مشكلة انقطاع الكهرباء في القطاع يعود إلى لجوء حركة "حماس" لاستعمال التيار الكهربائي لتفعيل المستشفيات وحفر الأنفاق في الوقت نفسه وعليها أن تختار بين الأمرين، وشدّد على أن إسرائيل لن تسمح لهذه الحركة ببناء جيشها الخاص من طريق استغلال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع. وقال إن الحل لمشكلة غزة يكمن في تعاون الدول السنية المعتدلة ولا سيما مصر في كل ما يتعلق بممارسة الضغط على "حماس".
تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس (الخميس) لقادة المستوطنين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] بإقامة 300 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "بيت إيل" المجاورة لرام الله في أيلول/ سبتمبر المقبل.
وستُخصّص هذه الوحدات لعائلات مستوطنين تم إخلاؤهم من مستوطنة "بيت إيل" قبل سنتين بأمر من المحكمة الإسرائيلية العليا بعد أن أقاموا بيوتهم على أراض فلسطينية خاصة.
سمح أرشيف الجيش الإسرائيلي أمس (الخميس) بكشف النقاب عن محضر الاجتماع الذي عقدته هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي يوم 19 أيار/ مايو 1967 وكان آخر اجتماع لها قبل اندلاع حرب حزيران/ يونيو في تلك السنة.
ووفقاً للمحضر، قال رئيس هيئة الأركان العامة في حينه الجنرال يتسحاق رابين إن إسرائيل لا يمكنها أن تعتمد على أحد وينبغي عليها أن تعتمد على نفسها فقط، وأكد أنه حان الوقت للكفّ عن التوهم بأن أحداً سيهبّ لنجدتها، كما أكد أن إسرائيل غير معنية بخوض حرب مع جيرانها لكنه في الوقت عينه شدّد على أن من واجبها أن تكون جاهزة لخوضها.
ويشير هذا المحضر إلى أن هيئة الأركان العامة ناقشت خلال الاجتماع التهديدات التي كانت ماثلة أمام إسرائيل في ذلك الوقت من طرف الدول العربية، كما تطرقت إلى حجم الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفياتي إلى العرب.
كما يشير إلى أن رابين اعتقد أن جيوش مصر والأردن وسورية ستشن هجوماً كبيراً على إسرائيل وطلب من كل وحدات الجيش التأهب لاحتمال خوض حرب شاملة.
وسُئل رابين في الاجتماع حول موقف الدول الغربية حيال احتمال اندلاع حرب، فقال إنه يتضح أن إسرائيل ستخوض المواجهة بمفردها، وأضاف أنه "حان الوقت لنعتمد على أنفسنا والتوقف عن التوهم بأن أحداً سيهب لنجدتنا. لا يمكن أن نعتمد على أحد وعلينا الاعتماد على أنفسنا. إنني أدعو جميع من يعتمد على الآخرين أن يرى نفسه على خطأ".
وأكد رابين لكبار ضباط هيئة الأركان العامة أنه على الرغم من كون إسرائيل غير معنية بالحرب لكن عليها التأهب لها، وقال "أريد من كل ضابط وجندي أن يعلم أننا نتأهب للحرب، وأن ما نقوم به ليس تدريبات عادية أو مناورات بقصد التمويه. على الجيش أن يعلم أنه جاهز للحرب وأنه لهذا تم استدعاء الجنود. نحن لم نختر هذه الحرب، وهذا هو الأمر الأكثر جدية".
وخلال الاجتماع نفسه أشار رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] اللواء أهارون ياريف إلى احتمال وجود مصلحة للسوفيات في توتير الأجواء في منطقة الشرق الأوسط، وقال إن تجنب المندوب السوفياتي في الأمم المتحدة عقد لقاء مع المندوب الأميركي في هذه المنظمة يزيد هذا الاحتمال.
كما سمح أرشيف الجيش الإسرائيلي بكشف النقاب عن اجتماع آخر لهيئة الأركان العامة عقد يوم 19 حزيران/ يونيو 1967 بعد شهر من الاجتماع السابق و8 أيام من انتهاء الحرب واحتلال كل من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان، وخُصّص لتقييم الوضع بعد الحرب.
وقال رئيس شعبة "أمان" ياريف خلال الاجتماع إن الزعماء العرب سيتحدون بعد الهزيمة التي منوا بها، وأكد أنه لا يستبعد أن ينصّب الزعماء العرب الرئيس المصري جمال عبد الناصر قائداً لهم. وأضاف ياريف أنه من غير المتوقع أن تهاجم الجيوش العربية إسرائيل خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، لكنه في الوقت عينه أكد أنه يجب توقع هجوم كهذا من جانب السوريين. وعارض قائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء يشعياهو غابيش، وقائد المنطقة العسكرية الشمالية دافيد إليعيزر، تقييمات ياريف هذه، وأكد إليعيزر أن السوريين تكبدوا خلال الحرب خسائر فادحة أكثر مما تم تصويره.
كذلك سمح أرشيف الجيش الإسرائيلي بكشف النقاب عن اجتماع آخر لهيئة الأركان العامة عقد يوم 3 تموز/ يوليو 1967 وخُصّص لتقييم احتمال تدخل السوفيات في الشرق الأوسط، وأكد فيه ياريف أن التهديد السوفياتي ما يزال قائماً لكنه أشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية بشأنه شحيحة.
وشارك في هذا الاجتماع وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان فدعا إلى عدم الاستهانة بالتهديد السوفياتي وإلى أخذه بمنتهى الجدية.
•"نحن نعمل بصورة مثمرة مع الأردن، كما أننا نعمل، ولا أخفي عنكم شيئاً، مع إسرائيل"، هذا ما قاله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمام أعضاء مجلس الدوما في نهاية أيار/مايو. كما أشار شويغو أيضاً إلى "المحادثات المثمرة" التي أجراها مع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي هو على اتصال هاتفي دائم معه، وتتحدث وسائل إعلام عربية عن وجود اتصالات دائمة بين طياري سلاح الجو الروسي والمسؤولين في برج المراقبة في سلاح الجو الإسرائيلي، الذين يزوّدونهم بالمستجدات وينسقون معهم خطط طلعاتهم الجوية، كما تنسق إسرائيل نشاطاتها الجوية وغير الجوية في سورية مع القيادات الروسية.
•تشمل "النشاطات الأخرى" شحنات المساعدات الإنسانية والعسكرية التي تنقلها إسرائيل إلى ميليشيات تنشط في هضبة الجولان السورية وفي جنوب سورية، في منطقة درعا. وفي الأسابيع الأخيرة، تدور في درعا معركة عنيفة يخوضها الجيش السوري سوية مع ميليشيات شيعية وحزب الله من الذين يعملون تحت رعاية إيران، للتقدم من أجل القضاء على المتمردين. وهذه العمليات هي محور محادثات تنسيقية مشتركة بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة والسعودية. وحضر مندوبون إسرائيليون كذلك جزءاً من المحادثات التي جرت في الأردن، وفي حالات أخرى جرى التنسيق هاتفياً أو بواسطة مبعوثين جاؤوا إلى إسرائيل.
•تشكل المعركة في درعا جزءاً من خطة لإقامة مناطق "خفض التصعيد"، أي نوع من مناطق أمنية يحظرعلى طيران الجيش السوري التحليق فوقها، ويسودها وقف إطلاق للنار بين الطرفين، ويستطيع اللاجئون السوريون العيش فيها من دون خوف. وخلال الشهر الماضي جرى الاتفاق على إقامة 4 مناطق "خفض التصعيد"، لكن التفاصيل التقنية هي التي تعرقل قيامها حتى الآن. وهي تتعلق بعدم الاتفاق على 3 موضوعات: ترسيم حدود هذه المناطق، هوية المراقبين الذين سيديرون المناطق الأمنية، وحماية المعابر بين المناطق.
•وقد وجدت إسرائيل، التي أوضحت لروسيا أنها تعارض مشاركة ميليشيات شيعية في الإشراف على المنطقة الأمنية الجنوبية القريبة من مدينة درعا، في الأردن وواشنطن حلفاء لها. وضغط هؤلاء على روسيا للموافقة على هذا المطلب والموافقة على نشر قوات روسية كجزء من حماية المنطقة الجنوبية. وروسيا التي تعهدت لإسرائيل بمنع دخول قوات موالية لإيران وفهمت المعارضة الأميركية القوية، من المفترض أن توافق، على الأقل موقتاً، على عدم تدخل الجيش السوري أيضاً في مراقبة هذه المناطق. وتكون روسيا بهذه الطريقة حيّدت مطالبة تركيا وإيران بالمشاركة في الرقابة، على الأقل في هذه المنطقة، لكن أيضاً لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الرقابة على سائر المناطق.
•وكانت تركيا هدّدت بأنها إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن مسألة الرقابة، فستقيم بصورة منفردة منطقة أمنية حول مدينة إدلب، التي يتمركز فيها الجزء الأكبر من قوات المتمردين، بهدف منع سيطرة الأكراد السوريين على منطقة الشمال. من جهتها تراجعت إيران عن مطالبتها بالمشاركة بصورة مباشرة أو بواسطة ميليشيات تابعة لها، وعلى ما يبدو فإن إسرائيل، في منطقة درعا على الأقل، تستطيع أن تكون مطمئنة. لكن هذا لا ينهي مخاوف إسرائيل والأردن.
•إن إقامة مناطق أمنية هو مرحلة واحدة، مهما كانت أهميتها، في مسار طويل من المنتظر أن يبدأ في تموز/يوليو المقبل عندما سيجتمع في أستانة عاصمة كازاخستان، ممثلون عن روسيا وتركيا وإيران من أجل رسم خريطة المناطق الأمنية. لا مكان للولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الاجتماع، وستتقرر نتائجه وفقاً لمدى استعداد إيران وتركيا لحل الاختلافات في وجهات النظر بينهما في الأساس، بشأن محاور العبور إلى المناطق الأمنية. ومن الواضح لكل طرف من الأطراف أن السيطرة على المعابر ستحدد مصير المناطق الأمنية وإمكانية أن تشكل ملجأ آمناً للاجئين أم لا، كما ستحدّد الترتيبات المتعلقة بنقل المساعدات الإنسانية، وإمكانية ضم مناطق أخرى في سورية تسيطر عليها قوات النظام أو قوات المتمردين، إلى هذه المناطق. وإذا توصلت الأطراف إلى اتفاق، سينتقل النقاش إلى قمة ستعقد للمرة الأولى بين الرئيسين بوتين وترامب في هامبورغ بين 7 و8 تموز/يوليو.
•حتى الآن، لم تعرض الإدارة الأميركية رؤية متناسقة لإنهاء الأزمة في سورية، وليس واضحاً إلى أي حد يؤثر تدهور العلاقات بين الرئيسين في قدرتهما على التوصل إلى تفاهم على مستقبل سورية. مع ذلك، يوجد لروسيا شركاء مهمين في رؤيتها لمستقبل سورية. ففي السنة الأخيرة اقتربت تركيا من موقف روسيا في ما يتعلق بمصير بشار الأسد ولم تعد تعارض بقاءه في الحكم، على الأقل خلال الفترة الانتقالية وإلى حين تشكيل حكومة جديدة في سورية، وإجراء انتخابات.
•وفي هذا الأسبوع، انضمت فرنسا بصورة مفاجئة إلى موقف روسيا وإيران، عندما أوضح الرئيس ماكرون أنه لا يرى في الوقت الحالي بديلاً عن الأسد يمكنه أن يمنع تحوّل سورية إلى دولة فاشلة. وفي ظل غياب موقف أميركي حازم، فالافتراض هو أن ترامب لا يهمه من يتولى الحكم في سورية إذا كان ذلك الرئيس يتعاون في الحرب ضد داعش، حتى لو كان ثمن ذلك تعزيز مكانة إيران في سورية، شرط أن تبقى الحدود بين إسرائيل وسورية "خالية من الإيرانيين وعملائهم".
•بالنسبة إلى ترامب الأكثر أهمية هو معاودة التنسيق الجوي بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي لن يضر عدم وجوده المعركة ضد تنظيم داعش، لكن غيابه يمكن أن يؤدي إلى نشوب مواجهة عسكرية بين طائرات أميركية وروسية، في ضوء التهديد الروسي الذي يعتبر كل تحليق جوي غربي نهر الفرات انتهاكاً عدائياً. وإذا نجح الزعيمان [الأميركي والروسي] في التوصل إلى تفاهمات جديدة في هذا المجال، فإن هذا يمكن أن يعبّد الطريق إلى مؤتمر جديد في جنيف يلتقي فيه ممثلو النظام السوري مع مندوبي المعارضة من أجل الدفع قدماً بعملية سياسية. وتكون هذه الجولة السابعة من المحادثات بين الطرفين، التي من غير المضمون نجاحها في ضوء الخلافات الداخلية بين الميليشيات.
•إن طموحات مؤتمر جنيف البعيدة المدى هي التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل، يجري في أعقابه تشكيل حكومة موقتة جديدة تحضّر للانتخابات، وتعمل على وضع دستور جديد، وتغيّر وجه النظام السوري. لكن يبدو أن إقامة مستعمرة مأهولة على سطح المريخ أقرب إلى التحقق من هذه الأهداف السياسية في سورية.
•هنا تكمن أهمية "المحاولة" التي ستجري في درعا لإقامة منطقة أمنية من حولها. ففي درعا ستُختبر قدرة روسيا على الوفاء بتعهداتها ومنع دخول الميليشيات السورية وجيش النظام، وإتاحة الفرصة لحياة "منخفضة التوتر" في هذه المنطقة. لكن ليست روسيا وحدها ستكون موضع اختبار، ففي المنطقة تنشط كتلتان من الميليشيات على الأقل. الأولى مدعومة وتنسق مع "غرفة العمليات الأردنية" التي تشارك فيها الولايات المتحدة، والسعودية، والأردن، والتي تسلّح، وتدرّب، وتموّل جزءاً من الميليشيات، وبينها الجيش السوري الحر.
•أما الكتلة الثانية فتسمى "البنيان المرصوص" (تعبير الرسول محمد في وصف وحدة وإصرار المقاتلين في سبيل الله)، وتتضمن خليطاً كبيراً من الميليشيات، بينها وحدات من الجيش السوري الحر انشقت عن الكتلة الأولى، ووحدات من تنظيمات إسلامية راديكالية كبيرة مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"" وكذلك "جبهة فتح الشام"، الاسم الجديد لتنظيم "جبهة النصرة" التي تنتمي إلى القاعدة.
•لا تعتبر هذه التنظيمات نفسها ملزمة بتوجيهات "غرفة العمليات" في الأردن، وهي تقوم بعمليات مستقلة للمحافظة على قوتها ومكانتها في مدينة درعا وضواحيها، وأحياناً من خلال الاشتباك مع قوات تابعة لميليشيات أخرى. وبعض هذه التنظيمات لا يشكل جزءاً من ائتلاف تنظيمات المتمردين الذي تعترف به الدول العظمى كممثل شرعي للمعارضة، ولهذا لم تشارك هذه التنظيمات في المؤتمرات التي عُقدت سابقاً، ولن تشارك في المؤتمر الذي سيعقد في تموز/يوليو. وبالتالي ليس هناك ما يضمن أن تعترف هذه الميليشيات بأي اتفاق يتم التوصل إليه في أستانة أو جنيف.
•ثمة احتمال لأن تشكل هذه الميليشيات جبهة مستقلة ضد قوات الرقابة الروسية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى معركة عسكرية من شأنها أن تشعل الحدود بين سورية والأردن وإسرائيل. وفي ضوء هذا السيناريو ستتحول الحدود إلى رهينة المعارك في جنوب سورية بصورة لن تمكن إسرائيل أو الأردن من الرد عسكرياً، طالما تنشط في هذه الجبهة قوات روسية. وسيؤدّي ذلك إلى انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية التي اعتمدت حتى الآن على التعاون الصامت والسري مع جزء من الميليشيات. لقد كان هدف التعاون بصورة خاصة المتابعة، وأيضاً قدر الممكن منع دخول ميليشيات موالية لإيران إلى المنطقة. وفي حال دخول قسم من هذه الميليشيات في مواجهة مع القوات الروسية، ستضطر إسرائيل إلى التمسّك بالتعاون المهم مع روسيا، ومن المحتمل أن يكون ذلك على حساب تعاونها مع "ميليشياتها".
•إن إسرائيل التي تبنت منذ بداية الحرب الأهلية في سورية موقفاً قاطعاً بعدم التدخل بأيّ صورة من الصور في تلك الحرب باستثناء مهاجمة مخازن سلاح أو شحنات سلاح موجهة إلى حزب الله، تجد نفسها تزحف إلى داخل الساحة السورية، وليس فقط بصورة تكتيكية تهدف إلى المحافظة على علاقات وجمع معلومات استخباراتية بشأن ما يحدث في الجهة السورية من الحدود الشمالية.
•في الواقع، فإن تعاون إسرائيل في عمليات التنسيق العملاني التي تجري في الأردن، والحوار العسكري الذي تجريه مع روسيا، والتعهدات التي تطالب بها كلاً من روسيا والولايات المتحدة على حد سواء لمنع دخول قوات إيرانية إلى منطقة الحدود، حوّلها إلى شريكة في عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية في هذه الحرب.
"عدم استقرار مستقر" في الشرق الأوسط
•تبدو درجة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط اليوم، بسبب تعقيدها وقابليتها للانفجار، أكبر منها في أية بقعة أخرى في العالم. فالشرق الأوسط "الجديد" يمتاز بخليط كبير من اللاعبين، بدءاً بدول كبيرة وصغيرة، مروراً بمنظمات وشبكات غير دولتية، وانتهاء بتدخل نشط، لكن متغير، من جانب دول عظمى ومراكز قوة دولية. الانتقال من النزاعات الحدودية، التي ميزت الشرق الأوسط في السابق، إلى نزاعات تحركها الأديان، بين السنة والشيعة، بين الإسلام الراديكالي والغرب الليبرالي، لا يزيد البيئة الإقليمية إلاّ تعقيداً. كما أن تحوّل الشرق الأوسط إلى واحد من بؤر الصراع بين الدول العظمى لا يساعد على الاستقرار الإقليمي.
•تتعمق، في المقابل، الفجوات بين إسرائيل وجاراتها تقريباً في مختلف مجالات التطوير الاقتصادي، الاجتماعي والبشري. ولئن كان بإمكان إسرائيل أن تزهو بهذه الفجوات في الماضي، فيجب أن تثير قلقها في الوقت الراهن. ذلك أن تخلف التنمية الإقليمية، الذي يخلق شرق أوسط فقيراً، يشكل أرضاً خصبة لاستمرار التطرف الديني ولنشاط التنظيمات الإرهابية.
•يزداد الصدام بين الكتل الداخلية في الشرق الأوسط، [وخاصة] بين إيران والعربية السعودية، احتداماً في السنوات الأخيرة. صحيح أن جذوره تعود إلى التاريخ البعيد، إلى الصراع العميق بين التيارين المركزيين في الإسلام، غير أن ما يجري هو، أيضاً، صراع مرير على القوة والتأثير، على الهيمنة الإقليمية. وقد أدى الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى والتغيرات الداخلية التي حصلت في العربية السعودية إلى تعميق الخصومة وانعدام الثقة بين الدولتين العظميين إقليمياً. فللمرة الأولى منذ زمن طويل تجد إيران نفسها في مواجهة خصم عنيد - السعودية بقيادة الملك سلمان - يعتمد توجهاً فاعلاً وهائجاً تجاه الداخل والخارج، على حد سواء. تحاول السعودية، من خلال سلسلة من الإصلاحات الجدية العميقة، تقليص حجم اتكالها الاقتصادي على النفط وتطوير مصادر بديلة للنمو الاقتصادي. ومع ذلك، ثمة شكوك حول قدرة المملكة على تطبيق الإصلاحات. لكن، في المقابل، تقود السعودية خطاً حازماً وتحالفاً قوياً مقابل إيران، حتى وإن كانت خطواتها هذه لا تؤتي ثمارها المرجوة دائماً، كما هي الحال في حرب اليمن مثلاً.
•في إيران حصلت خلال السنة الأخيرة جملة من التغيرات المهمة. الاتفاق النووي الإيراني محدود بفترة زمنية لا تتعدى السنوات القليلة المقبلة، غير أن تطلع إيران لامتلاك القدرة النووية لا يزال قائماً على حاله، مثلما بقيت أيضاً غالبية البنى التحتية اللازمة لتحقيق هذه القدرة. والذي حصل، عملياً، هو أن إيران نالت الشرعية الدولية للإبقاء على مشروعها النووي وتخصيب اليورانيوم على أراضيها، وإن كان ذلك بصورة محدودة. وهذا إنجاز لم يكن أحد يتوقع، عند بدء التحركات الدبلوماسية، أن تستطيع إيران تحقيقه. ولذلك، من المتوقع، في أفضل الأحوال، أن تلتزم إيران بالاتفاق النووي وأن تحترم أحكامه خلال السنوات الأولى وأن تكون إنجازاته قصيرة الأمد.
•يدور، في الأثناء، جدل في أوساط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول وجهات إيران المستقبلية وآفاق الصراع بين معسكريّ البراغماتيين والمحافظين فيها. ومن المهم التوضيح بأن المعسكر البراغماتي، أيضاً، يولي أهمية كبيرة لتعزيز مكانة إيران الإقليمية ويدعم مشروعها النووي. غير أن هذا المعسكر يدفع نحو سلم أولويات يختلف عن ذاك الذي يتبناه المحافظون ويضع مهمة إعادة تنظيم الاقتصاد الإيراني في مرتبة متقدمة من سلم أولوياته، ويشمل ذلك تقليص سيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد وتدخله فيه. وما من شك في أن تفضيل جدول الأعمال البراغماتي سيسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، إلا إنه من غير الممكن الآن توقع نتائج هذا الصراع. ومع ذلك، يشير تعيين أحمد جنتي، الشخصية المحافظة المتطرفة، رئيساً لمجلس الخبراء المسؤول عن انتخاب القائد الأعلى (أو عزله)، إلى عزم المحافظين على منع إحداث تغيير جوهري داخلي في إيران.
•بمعزل عن الصراع الداخلي، تواصل إيران تطوير وتعزيز قدراتها العسكرية وتخوض سباقاً تكنولوجياً مع إسرائيل أيضاً في مجال تطوير الرؤوس الحربية طويلة المدى وفي مجال القدرات السبرانية، الدفاعية والهجومية على حد سواء. ويدل هذا الجهد على أن سعي إيران نحو الهيمنة الإقليمية لم يضعف ولم يتبدل، مع أنه جرى تقييدها على المدى القصير بفعل التدخل الاستراتيجي الروسي. وفوق هذا، لم تتغير سياستها السلبية حيال إسرائيل في أعقاب الاتفاق النووي، بل تواصل بذل جهود كبيرة ضد إسرائيل. وبالإضافة إلى حزب الله، تموّل إيران أيضا أكثر من نصف ميزانيتيّ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لكي تمكّنهما من العمل ضد إسرائيل. وهكذا، تبقى إيران هي الخطر الأمني المركزي على إسرائيل، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة عبر وكلائها وشركائها.
•يتمثل الخطر الفوري الناجم عن إيران في ذراعها المركزي في المنطقة، أي "حزب الله". فرغم تورطه في المعارك الدائرة في سورية، يواصل "حزب الله" العمل على تعزيز قدراته مقابل إسرائيل. وطبقاً للتقديرات الإسرائيلية، تكبد "حزب االله" نحو 1,500 قتيل في سورية يشكلون 5% من إجمالي قواته المقاتلة. وتثير هذه الخسائر التي تلحق بحزب الله حالة من الاضطراب بين الجمهور الشيعي وتؤثر سلباً، إلى حد ما، في التأييد اللبناني الداخلي لحزب الله، الذي يجد نفسه مضطراً إلى مواجهة مصاعب اقتصادية أيضاً. وتعود العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية والسعودية بالضرر على حزب الله، لا سيما وأن تدفق الأموال من إيران ليس دون حدود، طالما أن اقتصادها لم ينتعش بعد. أما العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد حزب الله وتمنعه من التوجه إلى البنوك الدولية، فقد راكمت صعوبات كثيرة أمام أدائه اليومي.
•في المقابل، اكتسب حزب الله تجربة قتالية خلال المعارك في سورية، وخاصة في إدارة المعارك العسكرية إلى جانب جيوش نظامية. فقد انكشف حزب الله في سورية على أسلحة متطورة واستولى على بعضها. من جانبها، تراقب إسرائيل عمليات بناء القوة في "حزب الله" وخططه القتالية لنقل المعارك إلى داخل حدود دولة إسرائيل. يمتلك "حزب الله" اليوم أكثر من 100 ألف صاروخ، القسم الأكبر منها صواريخ بعيدة المدى. وفي هذه الأيام، عادت الصناعات الحربية السورية إلى إنتاج قذائف مُعدّة لحزب الله، وذلك في خرق فظ لقرارات مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً القرار رقم 1701 الذي صدر قبل عقد من الزمن، مع انتهاء حرب لبنان الثانية. وإلى جانب ذلك، تواصل إيران تزويد "حزب الله" بوسائل قتالية متطورة، ظاهرياً مُعدّة للاستخدام في المعارك الجارية في سورية، غير أن جزءاً كبيراً منها معدّ، في الحقيقة، للقتال ضد إسرائيل. إن الهدوء المخيّم على حدود إسرائيل الشمالية، قبالة "حزب الله"، مصدره الردع الإسرائيلي، لكن لا يجوز الافتراض بأن هذا الردع سيبقى قائماً لوقت طويل.
•يسود التقدير في إسرائيل بأن سورية لم تعد موجودة كوحدة سياسية واحدة وبأن احتمال إعادة توحيدها من جديد ضئيل جداً. تمثل سورية كارثة إنسانية واستراتيجية واحتمال التوصل إلى تسوية فيها ليس كبيراً. ومن الصعب رؤية كيف سيكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق دولي بشأن مستقبل سورية وإخراجه إلى حيز التنفيذ، بينما لا يزال مجرد التوصل إليه موضع شك. الصمت الدولي عن جرائم الحرب التي يقترفها النظام هو أمر مروّع ويلقي بظلال معيارية ثقيلة على المجتمع الدولي.
•التهديد الذي يشكله "داعش" على إسرائيل كان حتى اليوم محدوداً. لكن، على الرغم من تراجع قوة هذا التنظيم، فإنه لا يزال قادراً، هو وأذرعه المختلفة، على تشكيل تهديد أكثر جدية في المستقبل. في السنة الأخيرة، فقد تنظيم "الدولة الإسلامية" أرصدة كثيرة، سواء من حيث المناطق التي كان يسيطر عليها أو من حيث مدخولاته من عائدات النفط. والتجند الدولي والإقليمي أدى إلى دحر "داعش" في سورية وفي العراق، على السواء. كما تلقّت امتداداته في شمال أفريقيا وشبه جزيرة سيناء خصوصاً ضربات قاسية ومنيت بخسائر فادحة. لكن إضعاف "داعش" قد يزيد من دوافعه لتنفيذ عمليات تفجيرية في أوروبا والشرق الأوسط، وقد تكون إسرائيل هدفاً لإرهاب "داعش"، في الجبهة الجنوبية بشكل خاص. ومع ذلك، فإن صورة نهاية يبدو فيها "داعش" مجرداً من أرصدته كلياً، والدول العظمى مغادرة المنطقة، مع بقاء المحور الراديكالي بقيادة إيران على حاله ولديه قدرات ووسائل قتالية متطورة ـ هذه الصورة ليست في صالح إسرائيل.
•إن تعامل إسرائيل مع سيناريو التهديد الإرهابي من جانب "داعش" أو مع سيناريو نهاية تعزز مكانة إيران ومحورها الراديكالي، يستلزم رداً عسكرياً أمنياً إلى جانب خطوات سياسية واستراتيجية تبتغي ممارسة التأثير في تصميم ورسم صورة النهاية للحرب السورية وفرصة اجتثاث "داعش"، نهائياً.
•ليس من الواضح أيضاً مستقبل الساحة الأقرب إلى إسرائيل - الساحة الفلسطينية. فموجة "إرهاب الأفراد" تشهد تراجعاً ولم تنجح في حشد الشارع الفلسطيني خلفها، وهذا يعكس محدودية تأثير "حماس" خارج قطاع غزة، من جهة، والحنكة التي تعاملت بها إسرائيل مع هذه الموجة، من جهة أخرى، حين امتنعت عن فرض عقوبات جماعية، بالرغم من الضغط الجماهيري عليها. وفي المقابل، تحقق محاولات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الرامية إلى تدويل الصراع وخوض معركة سياسية ضد إسرائيل نجاحات وإنجازات محدودة جداً فقط. ويثير رفض عباس المستمر الدعوات لتنظيم عملية انتخاب وريث له علامات استفهام حادة في ما يتعلق بمستقبل السلطة الفلسطينية. وتزداد الشكوك حيال المستقبل على خلفية القطيعة التي تبدو في الأفق بين القيادة القديمة والجيل الشاب، الذي هو بمثابة لغز. وإجمالاً، يُحجم الجيل الشاب عن الانضمام إلى التنظيمات وينخرط بعض منه في "إرهاب الأفراد". وهذا ما قد يؤدي إلى استئناف "إرهاب الأفراد".
•ثمة تشابه غير قليل بين سلوك "حماس" وسلوك "حزب الله" حيال إسرائيل. ويبدو أن "حماس" أيضاً مردوعة عن القيام بخطوات تجرّ إلى التصعيد، لكنها في المقابل توظف موارد كثيرة وكبيرة في تصنيع وإنتاج وسائل قتالية وفي حفر الأنفاق الإرهابية. ومع ذلك، يبقى احتمال حصول تغيير سريع وغير متوقع في الجبهة مقابل "حماس" أعلى منه في الجبهة اللبنانية، وذلك على خلفية استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والتي تتجسد في انعدام البنى التحتية الكافية في مجالي المياه والكهرباء، إلى جانب معدلات مرتفعة جداً من البطالة. ويكمن التحدي المركزي على هذه الجبهة في محاولة كسر دائرة العنف والهدم الدورية وتحسين مستوى حياة السكان، من دون تعزيز قوة "حماس" وقدراتها. وتستلزم مواجهة هذا التحدي بفاعلية المزج ما بين إظهار القوة العسكرية، من جهة، والتعاون والتنسيق الاستراتيجيين مع لاعبين إقليميين آخرين، من جهة ثانية.
•ثمة حاجة، في هذه البيئة الإقليمية والعالمية التي تمتاز بهذه الدرجة العالية من عدم الاستقرار والغموض، إلى الإبقاء على حالة التأهب والاستعداد الاستراتيجي والأمني للتمكن من مواجهة التطورات المتسارعة وغير المتوقعة. ويقدم صعود "داعش" وانتشارها مثل النار في الهشيم نموذجاً واضحاً على تطور من هذا القبيل. وهو الحال أيضاً بالنسبة لمجريات الثورة في مصر بما أفرزته من إيصال "الإخوان المسلمين" إلى سدة الحكم لفترة وجيزة. مثل هذه الأحداث قد تحصل في منطقة قريبة جدا من الحدود الإسرائيلية وقد يكون لها، بالتالي، تأثير أكثر جدية وفورية على وضع إسرائيل الأمني وعلى احتمالات التصعيد والتورط في مواجهة مسلحة.
استعداد إسرائيل للحروب وللمواجهات المسلحة
•وضع إسرائيل، على خلفية التحولات الإقليمية، تحسَّن من الناحيتين الأمنية والاستراتيجية وأصبحت تمتلك قوة ردع تردع بواسطتها أعداءها وخصومها المجاورين لحدودها، لكنها تعيش في عين العواصف، في قلب بيئة معقدة وقابلة للانفجار.
•إسرائيل هي الطرف العسكري الأقوى في المنطقة وتمتلك قدرة على التأثير الإقليمي أكثر من ذي قبل. ويُنظر إليها في المنطقة كدولة قوية ذات قدرات وإمكانيات كبيرة وغير متوقعة. وتشكل هذه الصورة رصيداً مركزياً وهاماً ينبغي المحافظة عليه، لأنه يكرّس الصورة الردعية واستقرار إسرائيل الاستراتيجي المتين في المنطقة، رغم أن هذه الصورة وهذه المفاهيم تشكل أحياناً مصدراً لانتقادات دولية تحدّ من مشروعية استخدام القوة العسكرية، حتى في حالات الدفاع عن النفس. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل تحجم عن استخدام صورتها الإقليمية وتمتنع عن التصرف كدولة عظمى إقليميا.
•من ناحية، يبدو احتمال اندلاع حرب تقليدية متدنياً جداً، بل هو قريب من الصفر. إلاّ إن احتمال تطور دينامية التصعيد مقابل عدويّ إسرائيل المركزيين، "حماس" و"حزب الله"، سوية أو كل منهما على حدة، هو احتمال كبير جداً، حتى وإن كانت جميع الأطراف ذات الصلة غير معنية بذلك.
•صحيح أن التنظيمات الإرهابية لا تمتلك قدرات عسكرية كالتي توفرت للجيوش العربية، التي شكلت في الماضي الأعداء الأكثر جدية لإسرائيل، وفي الحالة السورية حتى بضع سنوات قليلة فقط. لكن، ينبغي أن نتذكر أنه في الوقت الحالي قد تنطوي العمليات الإرهابية التكتيكية على انعكاسات استراتيجية هامة بالنسبة لإسرائيل. وفوق ذلك، أدت المواجهات العسكرية غير المتوازية مع التنظيمات الإرهابية، والتي ميزت المواجهات المسلحة خلال العقود الأخيرة، إلى نشوء نمط قتالي جديد ينطوي على إسقاطات استراتيجية وعملانية تشكل تحدياً لإسرائيل في مواجهة اللاعب الدولتي، الذي يمتلك القوة العسكرية التقليدية. وفي أعقاب سلسلة المواجهات المسلحة التي شاركت إسرائيل فيها خلال العقد الأخير، جرى تضمين هذه الاسقاطات في استراتيجية الجيش الإسرائيلي، في مفهوم تفعيل القوات وفي سيرورات بناء القوة.
•أولاً، في هذه المواجهات، يجد اللاعب الدولتي صعوبة في تعريف الإنجاز المطلوب تحقيقه على المستوى العملاني التنفيذي. وعلاوة على ذلك، يتحول احتلال منطقة ما والسيطرة عليها من حل للمشكلة إلى مشكلة، كما تغيرت مسألة الوقت. وإذا كانت القيادة السياسية في الماضي بحاجة إلى "شراء" الوقت كي يستطيع الجيش إتمام مهمته، فإن استمرار المعركة اليوم هو في غير صالح اللاعب الدولتي. وعليه، لا تنجح هذه المواجهات في إنجاز يتّسم بحسم واضح و"صورة انتصار".
•ثانياً، صحيح أن هذه المواجهات لا تشكل تهديداً وجودياً للدول، لكن التهديدات في الحالة الإسرائيلية تصدر عن لاعبين غير دولتيين موجودين بالقرب من حدودها. ولذا تغيرت التهديدات المتصلة بالحرب التقليدية التي تجري مباشرة بين دولتين. وأكثر من ذلك، ثمة تعاظم في قوة اللاعبين غير الدولتيين، من حيث امتلاكهم قدرات نيران شديدة متمثلة في القذائف ذات المسار المنحني، وإمكانية اختراق فعلي للأراضي الإسرائيلية، وفي هذا ما يغيّر وجه المعركة وصورتها تماماً.
•يحتل خطر النيران وخطر الاختراق مكانة مركزية في سياق التهديدات الراهنة. وينعكس هذا، بصورة جلية، في التغيير الذي طرأ على العلاقة بين الجبهة الداخلية والجبهة الخارجية. ففي المواجهة المسلحة المستقبلية مع "حزب الله"، ستكون تجربة الحرب القادمة في الجبهة الداخلية أقسى بكثير مما كانت عليه في أية حرب من حروب إسرائيل السابقة. صحيح أن إسرائيل الآن أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى وهي قادرة على إصلاح وترميم ما تتكبده من أضرار وخسائر جراء الحرب القادمة، إلاّ إن الطريق إلى تحقيق إنجاز عسكري لن تكون سهلة، وستجبي الحرب ثمناً باهظاً. فحزب الله سوف يوظف في الحرب المقبلة، على الأرجح، جهودا كبيرة جدا من أجل تحقيق إنجاز برّي في داخل الأراضي الإسرائيلية، ولو لوقت قصير ومحدود. ومثل هذا الاحتمال يحتّم على إسرائيل ليس الاستعداد العسكري المناسب فحسب، وإنما أيضاً إدخال تحسينات جدية جداً على إدارة الجبهة الداخلية. بعد مرور عقد من الزمن، ثمة مكان للأمل بأن إسرائيل قد أحسنت استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية في كل ما يرتبط بالاهتمام بالجبهة الداخلية وأنها تستعد لمواجهة نمط العمل المحتمل من جانب "حزب الله" المتمثل في محاولة اختراق الحدود والسيطرة لوقت قصير على منطقة ما في داخل إسرائيل. ومع ذلك، من المهم التذكير بأن الثمن الذي سيجبى من الطرف المقابل سيكون أقسى بكثير جداً وأن قدرته على الإصلاح وإعادة التأهيل في المدى القصير ستكون موضع شك كبير. من جهتها، تؤكد مصادر عسكرية أن إسرائيل على أتم الجاهزية والاستعداد لمواجهة "حزب الله" في أي وقت. وفي تقديرها، أنه لم يحصل من قبل أن عرف جيش ما عن عدو له مثلما يعرف الجيش الإسرائيلي عن "حزب الله" الآن. وتقول هذه المصادر أيضاً إنه يمكن الافتراض بأنه إذا كان قادة "حزب لله" الكبار يعرفون قدرات إسرائيل وماهية المعلومات الاستخبارية التي في حوزتها عنهم، فلن يفكروا بالمخاطرة وخوض المواجهة.
•تكتسب "المعركة بين الحربين" في هذه الظروف أهمية مضاعفة. الفترة الزمنية بين المواجهات العسكرية تصبح حاسمة من ناحية محاولة منع دينامية تصعيد يبدو أن الطرفين غير معنيين بها، ومن ناحية تعزيز الجاهزية العسكرية لأي تصعيد محتمل. وخلال هذه الفترة، ثمة حاجة إلى جهد كبير للمحافظة على الصورة الردعية وصيانتها، وللجم وإحباط محاولات الأعداء الحصول على أسلحة متطورة ومتقدمة قدر الإمكان.
•تعكس عملية بناء القوة في الجيش الإسرائيلي خلال هذه السنوات التغيرات المحتملة في ساحة الحرب المتوقعة. علنية هذه العملية ـ وإن كانت محدودة، لأسباب ودواع مفهومة - تكتسب أهمية قصوى أيضاً في مجال المحافظة على صورة إسرائيل الرادعة. في المواجهات المستقبلية، من المتوقع أن يعتمد الجيش الإسرائيلي أكثر فأكثر على العمليات المتعددة الأذرع الموجهة نحو الهدف، والتي تدمج، بواسطة اتصالات شبكية، تشكيلة واسعة من القوات، بما فيها الوسائل المُستخدَمة والموجَّهة عن بُعد. ويتيح هذا النمط من العمل توظيف القوة العسكرية الإسرائيلية على أفضل وجه، ومن المفترض أنه يخلق تفوقاً استراتيجياً واضحاً حتى في المواجهة المسلحة مع لاعب غير دولتي أيضاً. وفي الوقت نفسه، ستكون المحافظة على حصانة وسلامة سلاح الجو مهمة حاسمة. فـ"حزب الله"، بدعم إيراني، سيبذل كل ما في وسعه للمس بقدرات هذه الذراع الاستراتيجية، سواء المسّ بالطائرات نفسها أو بقواعد سلاح الجو أو بشبكات الاتصال بين سلاح الجو والأذرع الأُخرى من القوات المحاربة، وبواسطة الحرب السبرانية أيضاً.
•مع ذلك، فإن الرد العسكري، المتمثل بمنع التصعيد، سواء "في المعركة بين الحربين" أو أثناء القتال، ليس كافياً وحده. فقد أكدت المواجهات العسكرية خلال العقد الأخير مركزية المركّب السياسي الاستراتيجي في العمل فيما يتعلق بالدول العظمى. فالتنسيق الاستراتيجي الحالي مع روسيا يتيح اليوم حماية مصالح إسرائيلية حيوية في الساحة السورية. كما شكل التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية عنصراً مركزياً إبان حرب لبنان الثانية، وإبان العمليات العسكرية مقابل "حماس" في قطاع غزة أيضاً. لكن المعركة الأخيرة في غزة - عملية "الجرف الصامد" - أبرزت أهمية توافق المصالح بين إسرائيل والكتلة البراغماتية بين الدول العربية السنيّة. ففي تلك المعركة، لعب التنسيق الاستراتيجي مع مصر، ومع السعودية أيضاً بصورة غير مباشرة، دوراً مركزياً في منع "حماس" من تحقيق أية مكاسب أو إنجازات.
•يصف مسؤولون أمنيون إسرائيليون العلاقات المتنامية مع الدول العربية البراغماتية بمصطلحات "العصر الذهبي" التي تعكس مردوداً أمنياً مميزاً. هذه العلاقات تتكئ على سيرورة من توافق المصالح عمرها سنوات، بدأت في العقد الماضي وتتعمق اليوم. كانت البداية في إدراك أن التهديد الإقليمي المتمثل في إيران يشكل قاسماً مشتركاً بين دول الخليج السنّي وإسرائيل، واستمر التوافق مع تصاعد الخطر من جانب عناصر جهادية راديكالية، مثل "القاعدة" و"داعش". وهكذا، فإن تصدّي مصر لتنظيم "داعش" في سيناء يخدم مصالح إسرائيل الأمنية. ومن المنطقي الافتراض بأنه على الرغم من غياب التوقيع الواضح، فإن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها من أجل مساعدة مصر في هذه المعركة. أما التنسيق والتعاون الأمنيان مع الأردن، فقد أديا إلى إحباط عدد من محاولات التسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
•وهكذا، تشير السياسة الإسرائيلية الساعية إلى توسيع مدى تأثير الدبلوماسية الإسرائيلية وتوسيع العلاقات الاستراتيجية مع الدول المجاورة القريبة إلى الأهمية المتزايدة للعملية السياسية، إلى جانب الإجراءات العسكرية "في المعركة بين حربين"، في مواجهة التحديات الأمنية في البيئة غير المستقرة المحيطة بإسرائيل.