مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
أوصى الجيش الإسرائيلي المستوى السياسي بالموافقة على سلسلة هجمات على أهداف لـ"حماس" في قطاع غزة قبل بدء المفاوضات على وقف إطلاق النار. المجلس الوزاري المصغر سيعقد اليوم (الأحد) جلسة للبحث في تطورات القتال. التقدير أنه لا يزال لدى "حماس" آلاف الصواريخ القصيرة المدى وعدة مئات من الصواريخ القادرة على الوصول إلى مركز البلد. كما أحبط الجيش الإسرائيلي عدة محاولات هجومية قامت بها "حماس" بواسطة مسيّرات وطائرات من دون طيار.
بعض الضباط الذين تحدثوا لـ "هآرتس" اعترفوا بأن العمليات الهجومية توشك على الاستنفاد، وخصوصاً بعد الهجوم الكبير ليل الخميس- الجمعة، الذي جرى من خلاله تدمير منظومة الأنفاق المتشعبة التابعة لـ"حماس" في شمالي القطاع. في أثناء الهجوم ألقت الطائرات قرابة 450 طناً من القنابل.
القلق يزداد في الجيش الإسرائيلي من تعقيد الهجمات التي ستؤدي إلى مقتل مواطنين، أو من إنجاز عملاني إضافي تحققه "حماس" يجعل من الصعب على إسرائيل إنهاء القتال من موقع تفوّق. وفي الجيش يقدّرون أنه بقيت أيام معدودة للقتال، ويتوقعون أن تحدث خلالها محاولات اغتيال لمسؤولين رفيعي المستوى في "حماس". هناك قدر من الرضا عن القدرة على تكثيف العمليات الفعالة جداً في الأيام الخمسة الماضية، مقارنة بـ50 يوماً من القتال في عملية الجرف الصامد في سنة 2014، وحتى الآن لا تأييد في هيئة الأركان العامة لعملية برية في القطاع.
"حماس" نقلت في الأيام الأخيرة رسائل إلى إسرائيل بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع. ردت إسرائيل بأن الوقت لم ينضج لذلك بعد. تدير الاتصالات عناصر من الاستخبارات المصرية برئاسة وزير الاستخبارات عباس كمال. قطر التي تتوسط دائماً بين الطرفين في الأحوال العادية ليست في الصورة هذه المرة. تفصيلات الاتفاق التي سيجري التوصل إليها في النهاية ستكون مشابهة كثيراً للتفاهمات التي جرى التوصل إليها في نهاية عملية الجرف الصامد.
طالما استمرت العملية من المتوقع أن تواجه إسرائيل صعوبة إزاء الدول التي وقّعت معها اتفاقات تطبيع في الأشهر الأخيرة: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. في المقابل العلاقة بالإدارة الأميركية مستقرة ومتعاطفة، على الأقل في المراحل الأولى للعملية. رئيس الشعبة السياسية في وزارة الدفاع كان موجوداً الأسبوع الماضي في واشنطن والتقى كبار المسؤولين في وزارة الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي. وخلال الأحاديث جرى التعبير عن تفهّم كبير لحاجة إسرائيل إلى استخدام القوة للدفاع عن مواطنيها.
في اليوم الخامس للمعركة في غزة يبدو أن الجيش الإسرائيلي ينجح في تنفيذ خطته الاستراتيجية، لكن النتائج الحقيقية لها سنعرفها بعد عام أو عامين، بعد أن يتضح ما إذا كانت "حماس" ارتدعت وأن الشعب الفلسطيني سيدفع ثمناً باهظاً لأي محاولة منها لمراكمة أرباح سياسية ودينية بواسطة مهاجمة إسرائيل والإسرائيليين.
وفي الواقع إسرائيل تخوض حالياً معركة على أربع جبهات: الجبهة الغزية، حيث يهاجم الجيش الإسرائيلي والشاباك بحسب خطة مدروسة مسبقاً والإنجازات معقولة.
الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اشتعلت نتيجة تحريض الجناح الشمالي في الجبهة الإسلامية المتعلق بالخطر المزعوم المحدق بالمسجد الأقصى، والشاباك والشرطة ينجحان ببطء في لجم وخفض ألسنة اللهب.
على جبهة الضفة الغربية التي يحاول الفلسطينيون إشعالها ويقوم الشاباك بكبح أعمال الشغب التي توسعت في ذكرى النكبة يوم الجمعة واستمرت اليوم على نار صغيرة. ويجب توقُّع تجدُّد الاشتباكات وأعمال الشغب الجماهيرية بحجم كبير في حزيران/يونيو لاحقاً.
الجبهة الرابعة هي الجبهة الشمالية التي يحاول الفلسطينيون تسخينها - لكن حزب الله لا يُظهر حماسة كبيرة للمشاركة. إطلاق الصواريخ من لبنان وسورية قام به فلسطينيون، واختراق السياج الحدودي والهجوم أمس شارك فيه على ما يبدو عناصر من حزب الله، لكن كأفراد وليس بمبادرة من الحزب. في جميع الأحوال الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية في حالة طوارىء، لكن ليس في حالة مواجهة قتالية، ويمكن تسمية هذا الوضع بـ"التأهب للكبح".
لماذا لم ينجحوا في وقف إطلاق الصواريخ؟
الأساس كما قلنا هو غزة. الجيش الإسرائيلي نجح بصورة استثنائية في المسّ بالقدرات القتالية لـ"حماس" على مستويين - الأول مهاجمة كبار مسؤولي "حماس" وضرب قدرتها على إنتاج القذائف والصواريخ. أضيف إلى ذلك إلحاق ضرر فعلي بوسائل القتال والدفاع المركزية للحركة، أي الأنفاق الهجومية والأنفاق التي تتسلل إلى أراضي إسرائيل.
حتى الآن نجح الجيش في منع مفاجآت أعدتها "حماس" لمواجهة كبيرة، مثل هجوم بواسطة مسيّرات مفخخة، إغارة كوماندوس بحري على مناطق عسقلان وأشدود، وإطلاق مسيّرات وغيرها.
المجال الذي لم ينجح فيه الجيش كثيراً، ويبقى مشكلة هو إطلاق القذائف والصواريخ المستمر منذ خمسة أيام على التوالي، وحتى الآن لا يوجد مؤشر واضح إلى كبحه أو تراجع كمياته. نتيجة ذلك قُتل حتى الآن 10 مواطنين في إسرائيل وجُرح مئتان بنسب مختلفة، 6 منهم في حال حرجة و11 جراحهم متوسطة. بذلك نجحت "حماس" في تحقيق إنجاز على صعيد الوعي، من خلال إطلاقها للمرة الثالثة اليوم [السبت] عشرات الصواريخ على وسط البلد، بما في ذلك تل أبيب وضواحيها.
يجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في معالجة إطلاق "حماس" القذائف والصواريخ، في الأساس بسبب توزّع مراكز الإطلاق، ولأن معظمها مخبأ تحت الأرض ومن الصعب كشفها حتى عندما يكون مكانها معروفاً إلى حد ما، فهي محصنة ومحمية نسبياً من الهجوم عليها. يمكن القول إن منصات الإطلاق موجودة في ملاجىء محصنة، وإذا لم تُصَب إصابة مباشرة فلديها فرص جيدة في الصمود.
أيضاً إعادة تسليح منصات الإطلاق محصنة بواسطة أنفاق تؤدي إليها. وفي الواقع معظم عمليات إطلاق الصواريخ تجري من تحت الأرض، والمنصة ترتفع هيدرولياً أو يدوياً فوق الأرض لفترة زمنية قصيرة مطلوبة لإطلاق الصاروخ، بعدها تنزل إلى مخبئها المحصّن نسبياً تحت الأرض. هذه أيضاً حال معظم الراجمات من عيار 120، التي تشكل مصدر النيران الأساسي على غلاف غزة القريب من السياج الحدودي.
قبل العملية كان لدى "حماس" والجهاد الإسلامي معاً نحو 13000 قذيفة وصاروخ من كل العيارات، بينها مئات الصواريخ ذات مدى يقدر على الوصول إلى وسط البلد وحتى منطقة نتانيا، وربما الخضيرة. هذه الترسانة الضخمة التي تراكمت خلال سنوات دُمرت وأُصيبت جزئياً، لكن لحسن حظنا وسوء حظ الغزيين - ثلث هذه الصواريخ من نوعية إنتاج سيئة، بينها صواريخ بعيدة المدى، سقطت في داخل القطاع وأصابت شبكة الكهرباء وفلسطينيين أبرياء. والقبة الحديدية تعترض بنسبة نجاح عالية وغير مسبوقة، وهي أيضاً تحسنت.
الهجوم الكبير على الأنفاق
تجدر الإشارة إلى الهجوم الكبير لسلاح الجو على شبكة الأنفاق القتالية والدفاعية التي حفرتها "حماس" في القطاع. هذا الهجوم الذي وقع ليلة الخميس الجمعة استهدف ضرب منظومة "حماس" القتالية التي يوجد جزء كبير من عناصرها في الأنفاق وينتظر صدور الأوامر - متى صدرت الأوامر للجيش الإسرائيلي بالغزو البري للقطاع. لقد وافق على الخطة وزير الدفاع في 31 آب/أغسطس 2020. وكانت هذه الخطة بمبادرة من قائد منطقة الجنوب حينها هرتسي هليفي وقائد سلاح الجو عميكام نوركين، وطبعاً رئيس الأركان كوخافي ونائبه السابق إيال زامير الذي كان أيضاً قائداً لمنطقة الجنوب.
وكانت النية حرمان "حماس" من قدرتها على محاربة قوات الجيش الإسرائيلي داخل القطاع من خلال الأنفاق التي ينطلقون منها ويهاجمون ويخطفون جنوداً ويعودون إلى الأنفاق. هكذا مثلاً قُتل الرقيب أورون شاول وخُطف الرقيب هدار غولدين في عملية الجرف الصامد. كانت الفكرة قلب الأمور على "حماس" رأساً على عقب وتحويل الأنفاق القتالية داخل القطاع إلى مصيدة موت.
لكن في الأيام الأخيرة اعتقدوا في هيئة الأركان العامة أنه يمكن تحقيق الإنجازات المطلوبة في المعركة في غزة من دون دخول بري، ومن دون مناورة. لذلك كان يجب أن تُنفَّذ العملية الكبيرة ضد الأنفاق بأحجام متعددة محدودة أكثر من العملية الأصلية المخطط لها. لكن المفعول يبدو خطراً.
"حماس" لا تسمح بالوصول إلى الأنفاق التي دُمرت بقصف نحو 160 طائرة ومسيّرة تابعة لسلاح الجو في يوم الجمعة. كما أن "حماس" لا تسمح بتصوير معظم الأماكن، ولا بدخول طواقم المصورين إلى الأنفاق التي يوجد في داخلها عشرات القتلى، وربما أيضاً لا يزال فيها أحياء محاصرون.
ما نُفِّذ هو خطة صغيرة تعتمد على الخداع والاستدراج والرد - وذلك عندما تحركت دبابات الجيش الإسرائيلي ومدرعاته بالقرب من السياج وخلقت لدى "حماس" انطباعاً ببداية هجوم بري. النشطاء الذين كانوا في الأنفاق بدأوا بالخروج منها، وحينها وُجهت إليهم الضربة لكن بصورة محدودة أكثر مما كان مخططاً له في الأصل.
سيمر وقت طويل قبل أن تسمح "حماس" لطواقم الإنقاذ بالوصول إلى المكان، حينها يمكن بالضبط معرفة الخسائر والأضرار التي أُصيبت بها المنظومة القتالية لـ"حماس" والجهاد الإسلامي. في هذه الأثناء يواصل سلاح الجو مهاجمة منازل مسؤولين رفيعي المستوى بعد توجيه إنذار إلى ساكنيها، وإلى قادة القتال في "حماس" والجهاد الموجودين تحت الأرض الذين لم يعد لدى عائلاتهم منازل تعود إليها، تماماً مثل الإسرائيليين الذين تضررت منازلهم في عسقلان وسديروت ورامات غان. لقد ثبت في الماضي أن هذه الأداة ناجعة، لكنها لم تُستخدم من قبل بمثل هذه الكثافة.
بالاستناد إلى تقديرات مختلفة، فإن العملية في غزة لن تنتهي قبل منتصف الأسبوع المقبل، لكن في الساحة الداخلية الإسرائيلية وفي الضفة الغربية يجب أن ننتظر كي نرى ماذا سيحدث الليلة لنفهم إلى أين تتطور المعركة. في الساحة الدبلوماسية لا تزال إسرائيل تحظى بالدعم، لكن يجب أن نتوقع أن هذا المنتوج القابل للتلف، المسمى الشرعية، يمكن أن يزول ويتآكل في الأيام المقبلة.
- قبل أقل من أسبوع وجهت "حماس" إنذاراً مستحيلاً إلى إسرائيل تطلب فيه إخراج قواتها من حرم المسجد الأقصى، وإطلاق سراح الأسرى، وإلّا ستقصف القدس بالصواريخ. هذا الهجوم الذي وصفه نتنياهو بـ"تخطي الخط الأحمر" قدم ذريعة لهجوم شديد على قطاع غزة لم تحدَّد أهدافه بصورة واضحة. إن أهدافاً مثل استعادة الردع أو توجيه ضربة موجعة إلى "حماس" لم تكن تحلم بها، رداً على إطلاق الصواريخ، لا تقدم نقطة خروج من المعركة.
- ما هو عدد المنازل التي يجب على إسرائيل أن تدمرها؟ وما عدد المسؤولين الكبار في "حماس" الذين يجب أن تقتلهم كي تستطيع إسرائيل تقديم صورة انتصار؟ هذه الأرقام مرتبطة بصورة كاملة بتحديد إسرائيل لها. حتى الآن يبدو أن إسرائيل لم تجمع الحصة المطلوبة في نظرها من الدمار والقتل لإعلان الانتصار أو لـ "كيّ الوعي". هذا هو السبب الذي من أجله تؤجل إسرائيل، بتهذيب وإصرار، اقتراحات الوساطة الآتية من مصر، ومن قطر، ومن الولايات المتحدة، ومن الاتحاد الأوروبي. على ما يبدو في إمكانها الاعتماد على الدعم الشامل الذي تحصل عليه من البيت الأبيض- الذي يؤيد حقها في الدفاع عن نفسها ويرى في ردها على إطلاق الصواريخ رداً مدروساً.
- وعلى الرغم من إرسال موفد أميركي خاص، فإن الرئيس جو بايدن يُظهر قدراً من اللامبالاة حيال استمرار القتال. فهو لم يُدلِ بتصريحات حادة إزاء أي طرف، وكل ما أمكن الحصول عليه منه هو قوله إنه "يتوقع ويأمل انتهاء الموضوع في أقرب وقت من دون تأخير". بايدن أيضاً منع اجتماعاً لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بحجة أنه يمكن أن يضر بمساعي الوساطة- على الرغم من علمه بأن هذه المساعي لا يوجد لها عنوان حالياً.
- الحديثان اللذان أجراهما بايدن مع نتنياهو لا يغيّران حقيقة أن الرئيس الأميركي يتردد في تغطيس قدميه في المياه الموحلة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عموماً، وفي المعركة الأخيرة خصوصاً، من بين أمور أُخرى كي لا يورط نفسه إزاء زبونه في القدس الذي يحرص على تذكيره بأن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء للدفاع عن نفسها - سواء كان المقصود غزة أو إيران- حتى لو لم يعجب هذا واشنطن.
- تكتفي الإدارة الأميركية في هذه المرحلة بمحادثات مع رؤساء الدول المعنية- إسرائيل، مصر، الأردن ، السعودية والإمارات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار. في ضوء غياب سياسة أميركية فاعلة تفرض، أو على الأقل توجّه مساعي الوساطة، بقيت قناة التحاور على المستوى الإقليمي التي تتركز في الأساس على الاتصالات التي يجريها المبعوثون المصريون مع زعماء "حماس"، ومع نظرائهم في إسرائيل. تبلّغ القاهرة السعودية والإمارات بمستجدات مواقف إسرائيل و"حماس".
- مخطط التفاوض لا يختلف بصورة جوهرية عن ذلك الذي ميّز الاتصالات التي رافقت عمليات الجيش الإسرائيلي السابقة في غزة. وهو يتضمن المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاهمات التي جرى التوصل إليها بعد المواجهات التي جرت على السياج الحدودي في سنة 2018. لكن هذه المرة قررت مصر عدم إغلاق معبر رفح ويبدو أنها ستواصل إبقاءه مفتوحاً ولا تنوي التهديد بإغلاقه. في الوقت عينه تواصل إسرائيل السماح بعبور الأموال الشهرية من قطر.
- بالاستناد إلى مصادر في السلطة الفلسطينية وفي "حماس"، إصرار الحركة على مطلبها بإخراج قوات الجيش الإسرائيلي من الحرم القدسي - الطلب الذي يرمز، في نظرها، إلى سبب الهجوم وتنفيذه، يُعتبر هو الإنجاز المطلوب لتبرير عملياتها. الحرم القدسي هو القاسم المشترك الذي اعتمدت عليه "حماس" للحصول على دعم الجمهور العربي، بما فيه العرب في إسرائيل. التحدي الأساسي الذي يواجه الوسطاء المصريين الآن هو إقناع إسرائيل بالفصل بين العملية العسكرية في غزة وبين الحاجة إلى تهدئة التوتر في الحرم القدسي، أي تحييد العامل الذي يوحد بين الجمهور الإسلامي وبين المواجهة إزاء "حماس".
- في رأي المصريين، هذا الفصل ضروري ليس فقط لفصل المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار عن دوافعه الأيديولوجية، بل أيضاً لحرمان "حماس" من أن تكون المواجهات في القدس التي أشعلت القتال ملكاً لها. بيْد أن إسرائيل تعتبر هذا الفصل تحديداً تنازلاً لـ"حماس"، لأن أي انسحاب إسرائيلي من الحرم سيُعتبر من الآن انتصاراً للحركة. المَخرج المحتمل من هذه الحلقة المغلقة يكمن ربما في مفاوضات بين الأردن وإسرائيل، يجري فيها تحديد الترتيبات الأمنية في الحرم مع عمّان- من دون أن يبدو هذا خضوعاً لمطلب "حماس".
- ثمة صعوبة أُخرى تكمن في الضمانات التي ستطلبها إسرائيل من "حماس" من أجل فترة طويلة من الهدوء. الاتفاقات السابقة كلها اعتمدت على ضمانات وتعهدات مصرية بالمشاركة مع قطر كدولة تموّل الإدارة المدنية في القطاع. هذه الضمانات لم تصمد في اختبار الحرم القدسي ووضعت مصر في موقع ضعف لا تستطيع انطلاقاً منه إقناع إسرائيل بكبح عملياتها - وفي الوقت عينه لا تستطيع مصر انتقاد "حماس"، خوفاً من أن تصوَّر أنها لا تؤيد النضال الفلسطيني-الإسلامي في الدفاع عن المسجد الأقصى.
- في الوقت نفسه ليس لإسرائيل شريك أفضل من مصر. أي مفاوضات لإنهاء الحرب تتطلب من إسرائيل مرونة في مواقفها إزاء القاهرة كي تستطيع هذه الأخيرة إنهاء المواجهة. مثل هذه المرونة ضروري لأن أي مخطط سيجري الاتفاق عليه سيعتمد على إدراك أن إسرائيل ليست قادرة، أو لا تريد إسقاط "حماس" بصفتها الطرف الذي يدير الحياة في القطاع.
- هذا هو الموقف المركزي لسياسة إسرائيل في المناطق، الذي يقوم عليه الفصل بين الضفة الغربية وبين القدس وغزة، ويشكل جداراً واقياً ضد الضغط الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ما دام هذا الفصل هو سياسة دولة إسرائيل، فهو سيواصل فرض الانحراف الذي يميز علاقتها بـ"حماس".
- تمر دولة إسرائيل بأيام صعبة مع تضافر غير مسبوق لحادث أمني مؤلم، مع أزمة سياسة وحكم مستمرة، واشتباكات عنيفة واسعة في البلدات المختلطة، والتي تتمدد في كل اتجاه. لقد فوجئنا بحجم الأحداث وهولها وصُدمنا من الضحايا الذين سقطوا جرّاءها، والآن نتساءل إلى أين سيقودنا ذلك. لا شك في أن جدول السنة قدّم مزيجاً متفجراً من التواريخ والمناسبات المحملة بالمعاني والمشاعر القوية لكلا الطرفين- شهر رمضان، يوم القدس، الحسم القريب بشأن العقارات موضوع الخلاف في حي الشيخ جرّاح وغيرها.
- الفراغ في القيادة الناشىء، بين نهاية حكومة انتقالية وبين مسار معقد لتأليف حكومة أُخرى، قدم فرصة ذهبية لـ"حماس" التي يمكن وصفها باللاعب الذي يقود ويفرض قواعد جديدة في المنطقة. نأمل بانتهاء الجولة الأمنية إزاء غزة قريباً، بعد أن يوجه الجيش الإسرائيلي ضربة قاسية إلى "حماس" - إلى بناها التحتية وقادتها، وأيضاً إلى وكلائها الذين أمِلوا بأن تؤدي صليات الصواريخ على تل أبيب إلى أن نطلب مهلة من الوقت.
- في مرحلة معينة سيأتي يوم غد وسنستفيق مجدداً على نفس الواقع الخادع من الهدوء الوهمي، ومن الجمود والثبات وعدم الجدوى. ممنوع بأي طريقة قبول مثل هذا الوضع والعودة إلى نفس المسار الآلي الذي يقودنا إلى اللامكان. من واجب متّخذي القرارات ونواب الجمهور من كل أطراف الطيف السياسي التفكير من جديد في المشكلات العميقة في كل القطاعات. بدءاً من مواجهة المسألة الفلسطينية في الجنوب والشرق من دون أوهام، وصولاً إلى مكانة العرب في إسرائيل في الاقتصاد والمجتمع والسياسة الإسرائيلية.
- بالإضافة إلى المخاطر التي اشتدت في الأحداث الأخيرة، مثل الربط بين القدس وغزة، وبين أقلية هائجة وسط العرب في إسرائيل، ظهرت أيضاً مؤشرات تبشر بواقع مختلف واعد. على سبيل المثال كلام منصور عباس وزعماء عرب آخرين دعوا (بالعربية) إلى تهدئة الأجواء. كذلك تطلُّع أغلبية المواطنين العرب في الأيام العادية إلى الاندماج في الاقتصاد والمجتمع. يتعين علينا أن نعزز بقدر المستطاع هذه التوجهات الإيجابية، في الوقت الذي يوجه الجيش الإسرائيلي إلى التنظيمات المسلحة في قطاع غزة ضربة مدمرة. في المقابل يجب على الشرطة أن تستخدم قوة مكثفة من أجل إعادة الهدوء إلى مدن إسرائيل.
- ننتظر أن نسمع من زعماء الجمهور ومن ممثليه في الكنيست، وفي الحكومة، وفي السلطات المحلية، صوتاً واضحاً يدين العنف الداخلي بغض النظر عن مصدره، والعمل بحزم على قمعه.
- إذا كان هناك كلمة واحدة تصف شعورنا في الأيام الأخيرة فهي كلمة "مفاجأة". المعركة التي تدور في هذه الأيام لم نكن مستعدين لها، وقد جرت في أحرج الأوقات بالنسبة إلينا. تحديداً بعد أن بدأنا بالعودة إلى الحياة واستعادة العافية والروتين الذي افتقدناه طوال السنة الماضية - فإذ بنا نتلقى جرساً يوقظنا على الواقع الذي نجحنا في نسيانه.
- منذ مساء يوم الاثنين لم تتوقف "حماس" عن مفاجأتنا. إطلاق صواريخ بكثافة على غوش دان، ومباشرة بعد ذلك إطلاق صواريخ على القدس. هذا دليل على اللامبالاة التي كنا نعيش فيها، بينما بنت "حماس" والجهاد الإسلامي خلال الأعوام السبعة الماضية، منذ عملية الجرف الصامد، قوة عسكرية قادرة على ضرب قلب إسرائيل. قلبها الحسّاس القدس، وعاصمتها وقلبها الاجتماعي والمالي الذي لا يتزعزع تل أبيب.
- أحد الأسئلة التي طُرحت هذا الأسبوع كيف استطاعت "حماس" أخذنا على حين غرة من دون أن نكون مستعدين. وكيف لم يعلم الجيش الإسرائيلي بالقدرة التي طورتها "حماس" في الأعوام الأخيرة. لكن ليست المعطيات الاستخباراتية الجافة هي التي يجب أن تقلقنا. المشكة الأهم هي القدرة على استخلاص الخلاصات من المعطيات. من المحتمل أن يأتي أحد ما في الجيش، أو في شعبة الاستخبارات، أو في الشاباك، ويدّعي أنهم كانوا على علم بتعاظُم قوة "حماس". لكن تُقاس ميزة الاستخبارات من خلال قدرتها على استخلاص تنبؤات من المعطيات النفسية والشخصية تسمح لنا بمعرفة كيفية تصرُّف خصومنا في الأوضاع المختلفة.
- هذه كانت مشكلة التقدير في حرب يوم الغفران وهذه هي المشكلة اليوم. في يوم الغفران اعتقد الجيش الإسرائيلي أن مصر لن تشن حرباً لأن ليس لديها قدرات عسكرية. الاستخبارات لم تقدّر قوة الإرادة والحافز لدى أنور السادات وشعوره بالهزيمة. لقد قام الجيش بتحليل عقلاني للغاية على الرغم من أننا نعرف أن 80% من قراراتنا يعتمد على المشاعر. هذه المرة أيضاً وفي المعركة الحالية يبدو أن الجيش قدّر أنه على الرغم من تعاظُم قوة "حماس" في غزة إلّا إن الردع لا يزال قائماً، وكان هذا خطأً جسيماً في التقدير. ليس فقط "حماس" لم ترتدع، بل استطاعت أن ترسّخ صدقيتها بصورة لم تصل إليها قبل اليوم. منذ بداية العملية كل تهديد من "حماس" تحقق بالكامل.
- على ما يبدو تحرك الجيش وفق النظرية التي تقول أنه كلما تحسّن وضع سكان غزة وخفّت ضائقتهم الاقتصادية والصحية، كلما كانت "حماس" أكثر استعداداً للموافقة على تسوية وتهدئة بعيدة الأجل مع إسرائيل. إسرائيل من جهتها معنية بالحفاظ على "حماس" بصفتها الحاكم في غزة، وبذلك نصل إلى وضعٍ الكلّ يخرج منه رابحاً. إسرائيل قدّرت أن التخوف الأكبر بالنسبة إلى "حماس" هو خسارة سيطرتها على القطاع، ووفقاً لهذا المنطق، هناك مصلحة واضحة لـ"حماس" في التخفيف عن كاهل السكان والحفاظ على السلطة.
- لكن المنطق في مكان والواقع في مكان آخر، وفي الأسبوع الماضي انهار المنطق تماماً. لقد بدا أن لدى "حماس" دوافع أُخرى تدفعها إلى التحرك لم تأخذها إسرائيل في الحسبان.
- الخطأ الثاني لإسرائيل هو أنها متأخرة أيضاً في الحرب على الوعي. في كل معركة هناك لعبة مزدوجة. هناك ما يجري على الأرض، وهناك ما يجري تسويقه للجمهور. لسبب ما إسرائيل تتأخر في الرسائل التي ترسلها. الرسائل تؤثر كثيراً في صوغ المقاربات والمواقف فيما يتعلق بالمعركة الحالية. وزارة الدفاع الأميركية تعرّف الحرب النفسية بأنها "استخدام مخطَّط له للدعاية وعمليات نفسية أُخرى هدفها الأساسي التأثير في آراء ومشاعر ومواقف وسلوكيات العدو بطريقة تساعد على تحقيق الهدف الوطني."
- المهم في صورة النصر ليس نتائج المعركة فعلياً بل المشاعر والإدراك الذي يتبلور طوال العملية. صحيح أن الكلمة الأخيرة مهمة في هذه الحالات، لكن صورة النصر من المهم أن نبنيها طوال المعركة. إن دماغنا مصنوع بطريقة أن الأحداث العاطفية تؤثر فيه أكثر بكثير من المعلومات الموضوعية، لذلك لا أهمية للنتائج الموضوعية في معركة من هذا النوع ما لم تتم الاستفادة منها في الوقت الفعلي لضرب معنويات الخصم ورفع معنوياتنا. الطريقة الصحيحة لذلك أن نبث مشاهد عن الوضع في غزة، والضغط على "حماس" لوقف العملية، والتقليل من التغطية الكثيفة لما يجري في تل أبيب.