مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
ذكر تقرير نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية مساء الإثنين، نقلاً عن مصادر استخباراتية وأمنية غربية، أن طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي شنّت هجمات على سورية في 5 آذار/مارس 2020، وفي 8 حزيران/ يونيو 2021، كان هدفها منع الأخيرة من محاولة إعادة إنتاج غاز الأعصاب. وبالاستناد إلى هذه المصادر، فإن الهجمات في آذار/مارس 2020 وفي حزيران/ يونيو 2021 جاءت بعد الحصول على معلومات استخباراتية تشير إلى محاولة سورية إعادة بناء قدراتها في مجال السلاح الكيميائي. وقبل نحو عامين، استورد الجيش السوري مواد كيميائية مطلوبة لإنتاج غاز السارين، ولاحقاً، كُشف عن بناء عدد من المنشآت المتعلقة بمنظومة السلاح الكيميائي.
منذ نشوب الحرب الأهلية في سورية، استخدم الرئيس الأسد السلاح الكيميائي عدة مرات. وفي سنة 2013، اعتبر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما استخدام هذا السلاح ضد المدنيين "خطاً أحمر" وهدد بمهاجمة سورية. بعدها اتفقت الولايات المتحدة مع روسيا على أن تسلّم سورية السلاح الكيميائي الذي في حوزتها. وانتهت المهمة في سنة 2014، لكن في الغرب كان هناك اعتقاد بأن الأسد احتفظ بجزء من هذا السلاح، وبالقدرة على إنتاجه؛ ثم تحدثت تقارير عن استخدام سلاح كيميائي ضد المدنيين في سورية. حالياً، تدرس إدارة بايدن مجدداً سياستها إزاء سورية، ومن المتوقع أن تتخذ خطوات ضد الأسد بسبب خرق تعهداته بنزع سلاحه الكيميائي.
تعليقاً على هذا التقرير، كتب المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هرئيل (14/12/2021) أن الهجمات التي نسبتها "الواشنطن بوست" إلى إسرائيل لم تحدث لمنع استخدام غاز الأعصاب ضد المعارضة في سورية، بل رغبة منها في الإبقاء على موازين القوى لمصلحتها، وهي تهدف أيضاً إلى المحافظة على الستاتيكو. ويضيف "هناك استنتاجان لعودة الأسد إلى إنتاج سلاح كيميائي؛ الأول، عندما تحين الفرصة يعود الأسد إلى سيرته الأولى، ولن تنفع كل التحذيرات الدولية؛ الثاني، أن نظام الأسد في خضم عملية واسعة النطاق لترسيخ سيطرته على شتى أنحاء الدولة. وفي رأي جهات استخباراتية إسرائيلية، يركز الأسد سيطرته على المدن الكبرى، وعلى الربط بينها وبين تجمعات الطائفة العلوية في شمال سورية وغربها. بينما تكاد سيطرته لا تظهر في سائر المناطق، التي لا تزال خاضعة لسيطرة تنظيمات المتمردين المحليين (في الشرق)، والأكراد (في الشمال الشرقي)، وتركيا (التي ضمت إليها عملياً المناطق الواقعة شمال سورية).
التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت أمس ولي عهد الإمارات محمد بن زايد في قصره الخاص في أبو ظبي، واستمر الاجتماع أكثر من 4 ساعات، بينها ساعتان ونصف الساعة اقتصر خلالها الاجتماع عليهما.
وبحسب مصادر في وفد رئيس الحكومة، تبدي الإمارات اهتماماً خاصاً بخبرة رئيس الحكومة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، الهاي تك، وبالاختراعات الإسرائيلية عموماً.
بن زايد قال في الاجتماع إنه يأمل بأن تؤدي زيارة بينت إلى الإمارات إلى الدفع قدماً بالتعاون، بما فيه مصلحة الشعبين والمنطقة عموماً. وأوضح محمد بن زايد خلال الاجتماع أن الإمارات تمتاز منذ تأسيسها باعتماد علاقاتها الخارجية على الاحترام المتبادل والحياة المشتركة، وعلى نشر قيَم السلام القادرة وحدها على تحقيق طموحات الشعوب.
وخلال الاجتماع اتفق الزعيمان على الدفع قدماً بالتعاون في مجالات متعددة. وكانت شخصيات إماراتية رفيعة المستوى حاضرة، بينها مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، ونائب رئيس الحكومة منصور بن زايد، ووزير الخارجية عبد الله بن زايد.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الإماراتية قال بينت إن اتفاقيات أبراهام التي أُبرمت العام الماضي لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات ودول عربية أُخرى قد "وضعت الأساس لبنية جديدة وعميقة وراسخة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية في الشرق الأوسط." وأضاف: "العلاقات بين الدولتين توطدت في كافة المجالات، ووُقِّعت اتفاقات تعاون في مجال التجارة، والأبحاث، والتطوير، والسايبر، والصحة، والتربية والتعليم، والطيران، وغيرها." ورأى أن "التعاون بين البلدين يتيح فرصاً غير مسبوقة، ليس بالنسبة إلينا فحسب، بل إلى مزيد من الدول، الأمر الذي يشكل مكوناً آخر يعزز الاستقرار والازدهار في المنطقة." وختم بينت حديثه قائلاً: "الرسالة التي أود توجيهها إلى قادة الإمارات وإلى المواطنين الإماراتيين أن الشراكة والصداقة بيننا طبيعية، ونحن جيران وأبناء عم وأحفاد سيدنا إبراهيم. والفترة التي مرت منذ توقيع اتفاقات أبراهام هي أفضل شاهد على ذلك."
واعتبرت أوساط رئيس الحكومة أن زيارة بينت كانت ناجحة، وشكلت فرصة لإنشاء شبكة علاقات شخصية ومباشرة مع محمد بن زايد، وهو ما سيساهم في توثيق العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن البيان المشترك الذي صدر عن الزيارة لم يأتِ على ذكر موضوع إيران، والسبب أن المستوى السياسي في إسرائيل أبدى تفهُّمه للحاجات الدبلوماسية الإماراتية إزاء طهران.
من المنتظر أن يصل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إلى إسرائيل غداً لعقد سلسلة اجتماعات تتعلق بالموضوع الإيراني ومناقشة المخاوف الإسرائيلية إزاء المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي في ڤيينا.
ومن المتوقع أن يلتقي سوليفان رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الدفاع بني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد. والتقدير أن سوليفان سيزور رام الله، وسيلتقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وتجدر الإشارة إلى أن سوليفان كان خلال ولاية أوباما عضواً في الطاقم المصغر الذي شكله للمفاوضات السرية مع إيران في سلطنة عُمان، والتي أدت إلى إبرام الاتفاق الموقت في ڤيينا سنة 2013. وهو يُعتبر اليوم من المؤيدين، داخل الإدارة الأميركية، لوجهة النظر التي تعتقد أنه إذا كان من غير الممكن العودة إلى تطبيق الاتفاق النووي بصورة كاملة، فعلى الولايات المتحدة محاولة التوصل إلى اتفاق موقت مع إيران يؤدي إلى تجميد تخصيب اليورانيوم على درجة 60% في مقابل رفع جزئي للعقوبات. وكان سوليفان عرض هذه الفكرة على نظيره الإسرائيلي إيال حولتا، لكن إسرائيل أبدت معارضتها لمثل هذه الخطوة. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد في حديث هاتفي مع نظيره الأميركي يوم الجمعة، إن مثل هذا الاتفاق سيكون جائزة للإيرانيين.
صرّح وزير الأمن الداخلي عومر بارليف اليوم بأنه يتمسك بالكلام الذي قاله أمس ضد ظاهرة عنف المستوطنين في الضفة الغربية على الرغم من الهجمات التي تعرّض لها من زملائه في الحكومة. وكتب على حسابه على توتير: "أفهم أنه من الصعب على بعضكم أن يروا أن عنف المستوطنين المتطرفين ينتقل إلى كل العالم، وأن حكومات أجنبية مهتمة بالموضوع. وأضاف: "سأستمر في محاربة الإرهاب الفلسطيني كأنه لا يوجد عنف للمستوطنين المتطرفين، ومحاربة عنف المستوطنين المتطرفين كأنه لا يوجد إرهاب فلسطيني."
وأمس قال بارليف، خلال اجتماعه بمساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، إن إسرائيل تنظر بخطورة إلى عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وإنه يعمل مع وزارة الدفاع لوضع حد لهذه الظاهرة، الأمر الذي أدى إلى رد عنيف من وزيرة الداخلية [من حزب يمينا] أيليت شاكيد، ومن وزير الأديان [يمينا] متان كهانا، وكذلك من زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش.
وكان وزير الدفاع بني غانتس عقد جلسة طارئة مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الذين طلب منهم التشدد في تطبيق القانون والتحقيق في حوادث العنف في الضفة الغربية. كما أعطى الجنود الإسرائيليين أوامر واضحة، طالباً منهم عدم الوقوف موقف المتفرج عندما يتعرض فلسطينيون لهجمات. وبحسب الأرقام التي قُدمت في الجلسة، سُجل ارتفاع يقدَّر بنحو 150% في عدد حوادث الاحتكاكات الجسدية بين مستوطنين وفلسطينيين مقارنة بسنة 2019. وكانت سنة 2020 شهدت تراجعاً معيناً في عدد الحوادث مقارنة بالأعوام الماضية خلال فترة الكورونا.
- قبل أسبوع من هبوط طائرة رئيس الحكومة نفتالي بينت في الإمارات، شهدت إيران زيارة تاريخية. مستشار الأمن القومي لحاكم الإمارات طحنون بن زايد وصل إلى طهران بعد خمسة أعوام من القطيعة بين الدولتين. "نحن على وشك فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع الإمارات"، هذا ما صرّح به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبل أسبوع من زيارة طحنون.
- هذه الصفحة ليست فصلاً جديداً، بل هي جزء من دفتر ممتلىء. فقبل نحو عامين وقّعت الإمارات وإيران اتفاقاً للتعاون الأمني لضمان أمن الملاحة في الخليج الفارسي - تضمّن أيضاً وقف الهجمات ضد الحوثيين في اليمن، وضد أهداف وسفن تابعة لدولة الإمارات. وبالاستناد إلى تقديرات غير رسمية، يقيم بالإمارات نحو 600 ألف مواطن إيراني. في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى توقيع اتفاق للتعاون التجاري بين الإمارات وإيران وتركيا يسمح للسلع المصدّرة من أبو ظبي بالمرور عبر إيران، ومنها إلى تركيا عبر الطريق البرية. هذه الطريق ستقصّر مدة الرحلة إلى أسبوع بدلاً من عشرين يوماً، المدة التي تستغرقها الرحلة عبر قناة السويس.
- بحسب أرقام غير رسمية نشرتها إيران، الإمارات هي الشريكة التجارية الثانية لها من حيث الحجم بعد الصين، ومع حجم تبادُل تجاري يقدَّر بعشرة مليارات دولار في العام. من الصعب الاعتماد على هذا الرقم، لأن إيران نشرت قبل أسبوعين فقط لائحة الدول التي تحتل المراتب الأولى في التجارة معها، فاحتلت الإمارات المرتبة الرابعة بعد الصين والعراق وتركيا. تشير هذه اللائحة إلى أن حجم التجارة مع أبو ظبي يصل إلى 3 مليارات دولار فقط - لكن حتى هذا الرقم المتواضع يدل على العلاقات التجارية المتشعبة التي تربط الدولتين. بالإضافة إلى ذلك، يعمل في الإمارات ما بين 3000 و5000 شركة إيرانية تصدّر، عن طريق الإمارات، نحو 15% من مجموع الصادرات الإيرانية غير النفطية، وتستورد نحو 10% من مجموع الاستيراد الإيراني. وتتحدث الدولتان عن تطلُّعهما إلى زيادة حجم التجارة فيما بينهما إلى ما بين 15 و20 مليار دولار سنوياً.
- المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين أبو ظبي وطهران توضح أن المنظومة المسماة "الائتلاف العربي ضد إيران"، والتي بادرت السعودية إلى تشكيلها في سنة 2016، لم تعد موجودة. السعودية نفسها أجرت 3 جولات من المحادثات المباشرة مع ممثلين إيرانيين رفيعي المستوى، هدفها استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
- لقد صرّح بينت بأن هدف زيارته إلى أبو ظبي تعزيز العلاقات الاقتصادية، وإضفاء مضمون إضافي إلى اتفاقات أبراهام، والبحث أيضاً في المسألة الإيرانية، لكن ثمة شك في أنه سيجد لدى محمد بن زايد، الذي من المنتظر أن يزور إيران هذا العام، شريكاً في الأصوات الإسرائيلية التي تدعو إلى الحرب ضد إيران.
- تعارض الإمارات، مثلها مثل السعودية، خطوات عسكرية ضد جارتها، لأنها يمكن أن تحول الخليج إلى منطقة قتال تضر بالمشاريع الاقتصادية التي تدفع بها الدولتان قدماً. ومن الصعب أن تدعم أبو ظبي فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب الضرر المباشر الذي يمكن أن يلحق بها تحديداً، بينما تحاول أن تبني مع إيران مخزوناً من اتفاقات يضمن لها الأفضلية عندما تُرفع العقوبات.
- بحسب مصادر عربية، أوضح بن زايد لبينت أن العلاقات مع إيران لا تأتي على حساب العلاقات مع إسرائيل التي تتطلع أبو ظبي إلى توسيعها وتطويرها. وهذان المساران السياسيان لا علاقة بينهما. طبعاً، إيران دانت اتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل والإمارات، لكنها لم تطلب من بن زايد قطع علاقاته، أو إلغاء الاتفاق، لقاء التعاون الاقتصادي معها - تماماً كما لم تطلب من تركيا قطع علاقاتها مع إسرائيل كشرط لاستمرار التعاون التجاري معها.
- مَن فهم جيداً قوة الإمارات في التأثير في إيران هو الرئيس الأميركي جو بايدن الذي توجه إلى بن زايد وأمير قطر الشيخ تميم، طالباً منهما إقناع إيران بالدفع قدماً بالمفاوضات بشأن الاتفاق النووي. ليس بواسطة التهديد، بل من خلال تقديم سيناريو اقتصادي إيجابي يساعد إيران على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها. ومن المتوقع أن يصل وفد أميركي رفيع المستوى إلى أبو ظبي للتحذير من استمرار العقوبات بشكل غير مباشر، من خلال مصارف تعمل في الإمارات، كرسالة أميركية تعبّر عن نيتها فرض دفعة جديدة من العقوبات على إيران إذا لم تتقدم المفاوضات كما هو مفترَض.
- مع ذلك، وعلى الرغم من لغة التهديدات، فإن خطوط خطة عمل أميركية بديلة لا تزال غامضة. فلو أرادت واشنطن إرسال رسالة عدائية إلى إيران لكانت سمحت بصفقة الطائرات أف-35 التي اشترتها الإمارات كجزء من مقابل توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل. وكانت الإمارات أوضحت للولايات المتحدة أن صبرها يكاد ينفذ عندما وقّعت، في لفتة حظيت بتغطية إعلامية جيدة، صفقة شراء 80 طائرة حربية فرنسية من طراز رافال بقيمة 19 مليار دولار. وهذه الصفقة كانت في قيد الإعداد منذ نحو عقدين، وفجأة تحققت مؤخراً، وهذه ليست صدفة. صحيح أن الصفقة تسببت بإدانات إيرانية، لكنها لم تزعج طهران إزاء مواصلة تطوير علاقاتها مع الإمارات.
- تدل هذه الصفقات على التآكل الكبير في قدرة إسرائيل على التأثير في واشنطن، وفي الإمارات؛ كما تدل على أن الأخيرة تعمل وفق جدول أعمال مستقل خاص بها، يشمل الآن استئناف العلاقات بينها وبين تركيا، كجزء من الغطاء الاستراتيجي الذي تبنيه في مواجهة انسحاب الولايات المتحدة من الساحة الشرق - الأوسطية. إسرائيل تشكل في جدول الأعمال هذا أحد المكونات، وتصريحاتها الأخيرة تهدد الآن الهدوء والاستقرار في الخليج الفارسي، وتتعارض مع الرؤيا التي ترسمها دول الخليج. خريطة المصالح الاستراتيجية هذه أوضحها بن زايد لبينت، ويمكن التقدير أنه كما حاول بينت إقناع مضيفه بالانضمام إلى التهديد العسكري ضد إيران، فإن بن زايد سعى لتهدئة خطاب القدس العدائي.
- هذا الأسبوع، حدثت انعطافة مثيرة للاهتمام قام بها صحافي يسمى إيتمار فلايشمان كان في الماضي ناطقاً بلسان نفتالي بينت. ففي برنامج تلفزيوني على القناة الـ14 قال فلايشمان الكلام التالي: "في النهاية، ما حدث هنا أن العرب نسوا النكبة، وحان الوقت للبدء بتذكيرهم بها".
- حتى لو كان هذا الكلام بالمقلوب ("العرب نسوا... ويجب تذكيرهم")، فإننا لا نرى في كل يوم يهودياً صهيونياً يعترف بالمأساة الفلسطينية بصراحة.
- على الرغم من أن النكبة كانت الثقب الأسود منذ قيام دولة إسرائيل، وعلى الرغم من أن الاعتراف بالنكبة كان شرطاً للحياة المشتركة، فإن إسرائيل، الدولة المستقلة، لا تزال تنكرها إنكاراً كاملاً. ومن خلال التقنيات التي تستخدمها الدولة للذاكرة وعملائها من المثقفين، لا يزال الحديث عن النكبة مغلقاً ومحجوباً؛ وأي محاولة للعودة إليه تواجه جداراً من المحرمات، مثلما جرى إغلاق جميع "نقاط الدخول" إلى نقاش نقدي للنكبة. الكتب المدرسية في الجهاز التعليمي لا تتضمن اعترافاً بالنكبة، بل تقدّم وجهة نظر تاريخية سطحية تثقف أجيالاً من التلامذة الإسرائيليين على الجهل المنظم. كما جرى طمس تاريخ النكبة أيضاً في رؤيا الحكم، وفي التفكير السياسي المتمثل في نموذج "الدولة اليهودية والديمقراطية"، وفي محاولات التبرير الملتوية ("العرب بدأوا" و"هم لم يقبلوا خطة التقسيم"، وهم الذين "ضيّعوا الفرصة"، و"زعماؤهم أمروهم بالرحيل").
- سبب هذا الإنكار الساحق هو الهياكل العظمية التي تحتفظ بها إسرائيل في خزانتها، هياكل إذا ظهرت فإنها تهدد بتقويض صورتها الأخلاقية كدولة صالحة. يشكل إنكار النكبة عموداً أساسياً للنظام في إسرائيل، الهياكل العظمية التي يخبئها هي التطهير العرقي الذي جرى في سنة 1948، والمذابح، وتدمير القرى العربية، ونهب أراضي الفلسطينيين وأملاكهم. كلمة النكبة بحد ذاتها التي ترمز إلى المأساة الفلسطينية لم يكن يعرفها الإسرائيليون حتى سنة 2011، وبفضل القانون الأحمق المعروف بـ"قانون النكبة"، تعرّف كل بيت إسرائيلي تقريباً إلى وصف للمأساة الفلسطينية. في ذلك الوقت، كان استخدام كلمة نكبة بحد ذاته يزيد في حدة الإنكار الذي اتخذ أوجهاً متعددة، مثلاً من خلال صورة مبتذلة في كتاب قبيح (معادٍ للسامية) تحدث عن "نكبة الهراء"، والذي نشرته منظمة "إم ترتسو" [منظمة صهيونية يمينية متطرفة معادية للعرب].
- يجب الاعتراف بأن جدران الإنكار تآكلت في العقدين الأخيرين، في الأساس بفضل التيارات الإصلاحية في تأريخ 1948، ومن خلال الكشف عن أرشيفات جديدة (أغلبيتها بالعربية) تصف التطهير العرقي للفلسطينيين، ومن خلال عمل منظمات حفظ الذاكرة، وأبرزها منظمة "زوخروت". يتبين لنا من خلال المادة التي كُشف عنها أنه حتى لو قبِلنا الحجة المرفوضة في أنه تحدث عمليات طرد في كل حرب، فإن ما حدث هنا لم يكن نتيجة مرافقة فقط للحرب، لأن إسرائيل، الدولة المستقلة، منعت عودة اللاجئين إلى بيوتهم في نهاية الحرب، وصادرت أراضيهم ونهبت أملاكهم. لذلك، إن مصطلح "التطهير العرقي" لا يشمل فقط حرب 1948، بل أيضاً منع عودة اللاجئين بعد قيام السيادة اليهودية ومحو التاريخ الفلسطيني. هذا أحد تبريرات الادعاء أن النكبة لم تنتهِ قط، ويُشار إليها في السردية الفلسطينية " النكبة المستمرة".
- كلام فلايشمان يدفعنا خطوة أُخرى إلى الأمام بشأن الاعتراف بالنكبة، وليس مفاجئاً صدور هذا الكلام عن صفوف اليمين المتطرف. أحد المظاهر غير الطبيعية والمذهلة في النقاش الإسرائيلي هو أن اليمين كان يتقدم دائماً على اليسار بشأن طرح مسألة الاعتراف بالنكبة، حتى لو كان هدفه الاستفزاز والتحريض. فقبل عشرة أعوام، عندما جاء إيتمار بن غفير للتظاهر أمام جامعة تل أبيب بحجة أنها مقامة فوق آثار قرية الشيخ مُونّس [قرية عربية هُجّر سكانها في حرب 1948 وضُمّت أراضيها إلى بلدية تل أبيب] خرج الطلاب والأساتذة اليساريون لطرد المتظاهرين. إعادة طرح قضية 1948 للنقاش تقوّض فكرة الدولتين لشعبين، التي تعتمد على حل النزاع من دون الاعتراف بالنكبة واعتبار أن النزاع بدأ في سنة 1967.
- لكن إذا عدنا إلى فلايشمان، فهو فعلاً لا يهتم بالكشف عن ذكرى النكبة أو تاريخها. وبدلاً من ذلك، يعرض علينا رؤيته للمستقبل. "إذا لم يتعقّلوا، وإذا واصلوا قتل أولادنا، فإن المحطة الثانية لهم هي الانتقال إلى الأردن، أو إلى مخيم اليرموك في سورية. هذا سيحدث إذا استمرت الأمور على هذا المنوال. مأساة العرب الكبرى هي... ببساطة، نأخذهم في الشاحنات ونرميهم خارج الحدود، هكذا سينتهي الأمر".
- يرسم فلايشمان خطاً مباشراً بين الماضي والمستقبل من خلال التهديد بالطرد المقبل. والتهديد بنكبة جديدة هو جباية ثمن الاعتراف بالنكبة الأولى. هذا التهديد بالنكبة ليس له تاريخ انتهاء صلاحية. سيبقى يرافق الفلسطينيين كسيف مسلط على رقابهم ما داموا أحياء يتنفسون. تاريخ انتهاء صلاحية هذا التاريخ هو التهديد بالكارثة. اعتراف إسرائيل بالنكبة هو فرصة يمكن أن ينبثق منها نقاش يمنع حدوث نكبة ثانية.