مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
التقى وزير الخارجية يائير لبيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مساء الاثنين في ريغا عاصمة لاتفيا، في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا واحتمال انتهاء المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران في فيينا والعودة إلى الاتفاق النووي الذي وُقّع للمرة الأولى في سنة 2015.
في نهاية الاجتماع، قال بلينكن إن الولايات المتحدة تقدّر الجهود التي بذلتها إسرائيل ومحاولات التوسط لإنهاء الغزو الروسي، وأضاف أن روسيا اختارت عدم التمسك بالسبل الدبلوماسية وفضّلت العدوان، ورأى أن أي حلّ، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يجب أن يضمن استقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها.
من جهته، قال لبيد إن "إسرائيل تساهم في مساعي الوساطة مع ألمانيا وفرنسا، لكننا نواصل إدانة الغزو الروسي. لا يوجد مبرر لانتهاك السيادة الأوكرانية وقتل مدنيين أبرياء." وتابع لبيد: "بقيادة رئيس الحكومة بينت، تقيم إسرائيل صلة مستمرة مع روسيا ومع الرئيس بوتين، وأيضاً مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي. والهدف واحد، وقف الحرب ومنع المعاناة ووقوع المزيد من الضحايا. لدينا مصالح أمنية حيوية مع روسيا على حدودنا الشمالية، ونحن ملتزمون بأمن وسلامة مئات آلاف اليهود والإسرائيليين في أوكرانيا وروسيا."
ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي إلى فتح ممرات إنسانية آمنة من المدن الواقعة تحت القصف، وحضّ الطرفين على التوصل إلى وقف إطلاق نار يسمح بالمفاوضات. وقال لبيد: "هذه الحرب تذكير لدولة إسرائيل بأن لديها أصدقاء وحلفاء، لكن أمننا يجب أن يبقى دائماً في أيدينا." وبحسب مصدر سياسي إسرائيلي، بلينكن بلّغ لبيد أن الولايات المتحدة تتفهم الموقف الإسرائيلي من غزو أوكرانيا بسبب التدخل الروسي في سورية، وأيضاً بسبب الجاليات اليهودية في روسيا وأوكرانيا.
وبشأن تقدُّم المفاوضات مع إيران في فيينا، قال لبيد: "ليس سراً أن هناك فجوة في المواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن المحادثات مع إيران، لكن لدينا هدف مشترك، هو منع إيران من الحصول على سلاح نووي." وهذا ما قاله بلينكن أيضاً عندما ذكّر بالتزام الولايات المتحدة عدم حصول إيران على سلاح نووي أبداً.
وأوضح لبيد لبلينكن أن إسرائيل ترى في الاتفاق الذي سيوقَّع بين الدول الكبرى وبين إيران اتفاقاً سيئاً وغير فعال، وأنها ليست مُلزمة به، وتحتفظ لنفسها بحُرية العمل بشتى الوسائل ضد البرنامج النووي الإيراني. وخلال الاجتماع، اتفق بلينكن مع لبيد على القيام بزيارة إلى إسرائيل في وقت قريب.
وكان رئيس الحكومة نفتالي بينت تطرّق إلى الاتصالات الجارية من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، في خطاب ألقاه بمناسبة مرور 30 عاماً على وفاة مناحيم بيغن، فقال: "هذه المرة بعكس الماضي، نحن نعمل على بناء قوة كبيرة وسريعة. منذ سنة 2015 وحتى سنة 2019، أعفينا إيران، هذه المرة سنفعل العكس، وسنمضي قدماً. ونحن نستطيع تدفيع إيران أثماناً سريعة ومؤلمة في عقر دارها. أنصح الإيرانيين بوقف نشاطهم في سورية وإخراج قواتهم من هناك. ستدفعون الدم بالدم، ولن نضعف. سنتحرك على الصعيد الاقتصادي لنشرح لكل شركة دولية أن عليها عدم الاقتراب من إيران، وليس لديها ما تفعله هناك."
على صعيد آخر، أعلن رئيس الحكومة ووزيرة الهجرة والاستيعاب تعيين مئير شبيغلر مدير عام الضمان الوطني رئيساً لطاقم مهمته استيعاب الهجرة من أوكرانيا وروسيا، بالتنسيق مع كل الأطراف والوزارات المعنية، ومع الوكالة اليهودية، وسيكون تابعاً لرئيس الحكومة.
أصيب شرطيان يوم الإثنين بجروح متوسطة جرّاء هجوم طعن وقع في المدينة القديمة في القدس، قام به عبد الرحمن قاسم (22 عاماً) من مخيم اللاجئين الجلزون، وقد أُطلقت النيران عليه، الأمر الذي تسبب بمقتله.
وذكرت الشرطة أن شخصاً مسلحاً بسكين وصل إلى أحد مداخل الحرم القدسي وطعن الشرطيين، فأطلق عليه رجال الشرطة النار. وأظهر شريط مصور أحد رجال الشرطة وهو يطلق النار مرة أُخرى على عبد الرحمن قاسم وهو ممدّد على الأرض. كما أُصيب في الحادث شخصان نُقلا إلى المستشفى في جبل الزيتون. وحادثة الطعن هذه هي الثانية التي تقع خلال يومين في المدينة القديمة.
وتعليقاً على الحادثة، قال وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف: "سيواصل المتطرفون محاولة إشعال النار على الأرض، وسيبقى عناصر شرطة إقليم القدس يقظين ومتأهبين. ومرة أُخرى، جرى تجنُّب كارثة بفضل الرد السريع والحازم."
دخلت قوة من حرس الحدود، مدعومة من الجيش الإسرائيلي، ليل الاثنين –الثلاثاء، إلى قرية سيلة الحارثية وهدمت منزل كلّ من محمد وغيث جرادات، لتورُّطهما بحادثة قتل مستوطن بالقرب من بؤرة حوميش الاستيطانية في كانون الأول/ديسمبر 2021. وخلال عملية الهدم، وقعت حوادث عنف جرى خلالها رشق القوات الإسرائيلية بالحجارة والزجاجات المشتعلة والقنابل المحلية الصنع، كما أطلق مسلحون النار على القوات الإسرائيلية، فردّ الجيش عليها.
أصدرت وحدة منسق أنشطة الحكومة في المناطق في وزارة الداخلية تعميماً إدارياً جديداً يحدد فيه لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية مَن هم المحاضرون الأجانب المسموح لهم بالتعليم في الضفة، وما هي مجالات التعليم المطلوبة. وذكر مصدر موثوق فيه في مكتب منسق الأنشطة أن الموافقة على دخول المُحاضر ستجري بعد التأكد من مساهمته في التعليم الأكاديمي ومدى دعمه للتعاون والسلام الإقليمي.
- المهمات الدولية التي أخذها رئيس الحكومة نفتالي بينت على عاتقه في نهاية الأسبوع، لا تعفيه من المسؤولية عن مصير اللاجئين. منذ بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا وحتى الأمس، وصل إلى إسرائيل نحو 2800 لاجئ من أوكرانيا. حتى الآن، منعت سلطة الهجرة دخول نحو 130 منهم. وفي الوقت الذي تخطى عدد اللاجئين المليون ونصف المليون إنسان، سمح لهم الاتحاد الأوروبي بالبقاء في أراضيه مدة ثلاثة أعوام أولى وآمنة - يتشكّل فوق رأس إسرائيل عار مزدوج: فهي لم تقُم فقط بعدم استقبال أناس يهربون للنجاة، بل تشددت مع الذين وصلوا إليها أيضاً، وطلبت كفالات مالية تصل إلى 10 آلاف شيكل كحد أدنى.
- جرى نقاش في لجنة الهجرة والاستيعاب التابعة للكنيست بشأن موضوع الحرب في أوكرانيا، قال بينت خلاله إن "الدولة تركز على استقبال اللاجئين اليهود". وتطرّق رئيس الحكومة إلى "مهمة تاريخية"، لكنه اختار تخصيصها لاستقبال "يهود هاربين من مناطق خطِرة". وقال بنبرة حاسمة "لا يجب أن تضع البيروقراطية الداخلية عندنا عوائق". لكن في الوقت والسياق عينه، قرّر الامتناع من قول كلمة واحدة عن المواطنين الأوكرانيين من غير اليهود. وبهذه الطريقة، أوضح رئيس الحكومة أن الحسابات العنصرية التي أظهرتها وزيرة الداخلية أييليت شاكيد خلال الأيام الأخيرة، لم تكن ردة فعل عفوية.
- من السهل توجيه أسهم الانتقاد إلى شاكيد. فهي من خلال تصريحاتها السيئة، تهوّن على مَن يريد القيام بذلك. "كل عاقل يفهم أن من غير الممكن الاستمرار في وتيرة الدخول الحالية"، اشتكت ووعدت بأنها ستبلور "سياسة أكثر توازناً" خلال الأيام القادمة، كما أنها ترفض الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، قائلة إن "إسرائيل، كما يبدو، هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من الأوكرانيين منذ بداية المعارك، مقارنةً بعدد السكان، وأكثر من جميع الدول الغربية التي لا تملك حدوداً مع أوكرانيا... علينا أن نثني على إسرائيل ونفتخر بها في هذا الموضوع".
- مع كل الاحترام لشاكيد، هي وزيرة الداخلية فقط. وهي لا تحدد، وحدها، سياسة إسرائيل بخصوص اللاجئين. بينت يأتي قبلها، هو رئيس الحكومة، والمسؤولية عن السياسة الإسرائيلية السيئة تقع أولاً عليه. يجب التوقف عن المراوغة مع لعبة الشرطي الجيد (بينت) والشرطي السيئ (شاكيد).
- بدلاً من العمل في مجال العلاقات العامة والرحلات الدولية، من الأفضل أن يقوم بينت بالتركيز على تقديم المساعدة اللازمة لهؤلاء الذين يصلون إلى باب البيت، المسؤول هو عنه. عليه أن يوضح للجهات المعنية أن على إسرائيل أن تكون أكثر إنسانية تجاه غير اليهود أيضاً. لا يكفي إعلان الاستيعاب لـ "دوافع إنسانية". يتعين على إسرائيل منح المواطنين الأوكرانيين غير اليهود إقامة موقتة، تشمل تصريح عمل وحقوقاً اجتماعية معينة، بالإضافة إلى تأمين صحي.
- إسرائيل قلقة جداً من استخدام المسيّرات الإيرانية في المنطقة، وبالاستناد إلى مصادر أمنية، قبيل التوقيع المحتمل للاتفاق النووي الجديد، تنوي إسرائيل الكشف عن معلومات استخباراتية بشأن الخطر الإيراني الذي لا يشكله الاتفاق النووي فقط، بل أيضاً نشاطات فيلق "القدس" في الحرس الثوري الإيراني في شتى أنحاء المنطقة.
- تخطط إيران لضخّ أموال كثيرة لعمليات فيلق "القدس"، بعد رفع العقوبات عنها واستئناف بيعها النفط لدول العالم. وتحاول إسرائيل زيادة الوعي العالمي بالخطر المتوقع، وأيضاً ردع إيران عن مواصلة نشاطها في موضوع المسيّرات.
- أمس، كشف المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أن الجيش اعترض في آذار/مارس 2021 مسيّرتين كانتا في طريقهما إلى الأراضي الإسرائيلية، بواسطة طائرات حربية من نوع "أدير". جرى الاعتراض في أجواء المنطقة بالتنسيق مع دول مجاورة، وبهذه الطريقة جرى منعهما من التسلل إلى إسرائيل. وكانت المسيّرتان في قيد مراقبة منظومة المراقبة والتحكم طوال فترة تحليقهما.
- وبالاستناد إلى مصادر عسكرية، كانت هاتان المسيّرتان محملتين بعتاد عسكري، على ما يبدو مسدسات، والمقصود تجربة لفتح مسار للتهريب الجوي إلى قطاع غزة، بعد الصعوبات التي يواجهها الإيرانيون في تهريب السلاح إلى التنظيمات الفلسطينية في القطاع، عبر مصر.
- انطلقت المسيّرتان من إيران وحلّقتا مسافة طويلة على علو منخفض، لكن سلاح الجو كشفهما في وقت مبكر واعترضهما قبل تنفيذ مهمتهما.
- يدرك الإيرانيون جيداً ضعف الغرب في محادثات فيينا، والتقدير في إسرائيل أنه فور توقيع الاتفاق النووي الجديد ستزيد إيران في عمليات فيلق القدس وأذرعتها المتعددة في المنطقة ضد إسرائيل، ومنذ الآن، يستغل الإيرانيون الحرب في أوكرانيا لعزيز تمركزهم العسكري في الأراضي السورية. وفي تقدير مصادر أمنية إسرائيلية، وسّعت إيران، مؤخراً، نطاق عمليات نقل السلاح إلى سورية ولبنان، بما في ذلك مسيّرات وصواريخ دقيقة ومنظومات دفاع جوي.
خطر المسيّرات
- قبل بضعة أيام، زار إسرائيل والمنطقة قائد القيادة المركزية في الولايات المتحدة (CENTCOM) الجنرال كينث ماكنزي، وكان أحد الأهداف المركزية للزيارة إيجاد حلول ناجعة مع إسرائيل والسعودية والإمارات لوقف هجمات المسيّرات الإيرانية.
- الولايات المتحدة تعمل على إقامة حلف إقليمي في وجه المسيّرات الإيرانية يضم إسرائيل والدول السّنية المعتدلة؛ في المقابل، تشهد إسرائيل والولايات المتحدة نشاطاً لتطوير قدرات تكنولوجية من أجل إقامة منظومة قادرة على كشف إطلاق المسيّرات وملاحقتها والتشويش على مسار تحليقها. وعلى ما يبدو، تخلفت الولايات المتحدة وإسرائيل عن اكتشاف خطر المسيّرات في الوقت المناسب، بحسب تقدير مصدر أمني رفيع المستوى.
- إيران وظّفت في الأعوام الأخيرة جهداً كبيراً في تطوير مسيّرات من أنواع مختلفة، حتى تلك القادرة على الطيران آلاف الكيلومترات، وأصبحت دولة إقليمية عظمى ورائدة في هذا المجال. ويستخدم المتمردون الحوثيون، يومياً، المسيّرات ضد السعودية والإمارات، وأيضاً الميليشيات الموالية لإيران في العراق. خلال الأشهر الأخيرة، هاجمت الميليشيات الموالية لإيران في العراق، بواسطة مسيّرات إيرانية الصنع، قواعد أميركية في العراق وسورية، كما هاجمت منزل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في محاولة لاغتياله.
- بالاستناد إلى مصادر أمنية إسرائيلية، الشخص الذي يقف وراء الاستراتيجيا الجديدة لإيران في استخدام المسيّرات في الشرق الأوسط ضد الدول السّنية وإسرائيل، هو الجنرال أمير علي حاجي زادة، قائد سلاح الجو في "الحرس الثوري" الإيراني.
- لقد تحولت إسرائيل، بالتدريج، إلى هدف للمسيّرات الإيرانية، فقبل شهر، تسللت طائرة صغيرة من دون طيار من الأراضي اللبنانية إلى المجال الجوي الإسرائيلي، وحلّقت مدة 40 دقيقة، وجمعت معلومات استخباراتية، ونجحت في العودة إلى لبنان من دون أن يتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من اعتراضها.
- الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن في 16 شباط/فبراير، في خطاب ألقاه بمناسبة مرور 30 عاماً على اغتيال الزعيم السابق لحزب الله عباس الموسوي، أن لدى الحزب قدرة على إنتاج المسيّرات في لبنان.
- بالاستناد إلى مصدر أمني في إسرائيل، قبل قرابة الأسبوعين، جرى في العراق اعتراض مسيّرتين أُطلقتا من إيران وكانتا في طريقهما إلى إسرائيل، على ما يبدو، في هجوم انتقامي لاغتيال عرّاب البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زادة، ورداً على قصف سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً إيرانية في سورية.
- يزداد خطر المسيّرات على إسرائيل، ويساعد الإيرانيون "حماس" والجهاد الإسلامي على تطوير مسيّرات للتغلب عن الحاجز الأرضي الضخم الذي أقامته إسرائيل حول قطاع غزة، وفي "حماس" بدأوا بإجراء تجارب على إطلاق مسيّرات جديدة.
- المخطط الإيراني هو مهاجمة إسرائيل في اليوم الذي يُعطى فيه الأمر بإطلاق عشرات أو مئات الأسراب من المسيّرات من قطاع غزة، ومن هضبة الجولان في سورية، ومن الجنوب اللبناني، لمهاجمة أهداف إسرائيلية داخل الدولة واختراق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، والمقصود خطر لم تجد له إسرائيل حتى الآن سوى حلّ جزئي، وتستعد لمواجهته.
- نشبت الأزمة في أوكرانيا في وقت تصاعدت حدة التوتر في الشرق الأوسط حيال ما يراه كثيرون تراجعاً في مكانة الولايات المتحدة التي تطمح إلى حل الأزمات عبر الوسائل الدبلوماسية (كما يحدث في الموضوع النووي الإيراني)، وتتفادى التدخلات العسكرية (كما تجلى في أفغانستان). هذا إلى جانب تعاظُم جرأة بعض الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها إيران، الذين شعروا بأن مجال عملهم بات أوسع اليوم في ظل الواقع الجيو استراتيجي الآخذ في التشكل.
- سؤالان أساسيان يدوران في رؤوس اللاعبين في الشرق الأوسط اليوم، ومن ضمنهم إسرائيل: أولاً، هل هناك تغيير يحدث في الهندسة السياسية الدولية، وفي الأساس تراجُع مكانة وهيمنة الولايات المتحدة وارتفاع مكانة قوى منافسة، وفي مقدمتها روسيا؛ ثانياً، هل تشكل العملية العسكرية في أوكرانيا بداية تأسيس "عقيدة القوة" في الساحة الدولية وتراجُع مكانة الأدوات الدبلوماسية السياسية والاقتصادية التي تمثلها واشنطن.
المعسكر السّني - السير بين القطرات
- حتى اللحظة، تبنّى العالم العربي سياسة حذرة إزاء ما يخص الأزمة، ويفحص كيفية تطورها، في محاولة لتفادي الضرر في مصالح العرب مع الغرب، ومع روسيا أيضاً. إذاً، وباستثناء سورية والحوثيين في اليمن الذين وقفوا إلى جانب موسكو، امتنعت الدول العربية من إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا بصورة مباشرة. وفي الخلفية، يبدو القلق واضحاً لدى "الدول السّنية" من الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورة الولايات المتحدة بسبب العملية الروسية، والأمر الذي يمكن أن يعزز القلق الموجود أصلاً لدى العرب بسبب سياسات واشنطن منذ وصول إدارة بايدن إلى الحكم وتعامُلها المتهاون مع طهران، وكذلك انسحابها المتسرع من أفغانستان، وعدم رغبتها في التدخل في أزمات إقليمية، كالصراع القائم بين دول الخليج والحوثيين المدعومين من طهران في اليمن.
- خلال جلسة طارئة لجامعة الدول العربية لبحث التطورات في أوكرانيا، امتنعت الدول من إدانة روسيا، ودعت إلى التوصل إلى حل دبلوماسي بين الأطراف. وزارة الخارجية المصرية أصدرت بياناً أشار إلى أن "مصر تتابع، بقلق، تطورات الأمور في أوكرانيا"، وشدد على الحاجة إلى الدفع قدماً بالحوار، وإلى خطوات دبلوماسية لحل الأزمة سياسياً. أما قطر، والكويت، والأردن، وليبيا، فأصدرت بياناً في صيغة مشابهة شددت فيه على أهمية احترام سيادة أوكرانيا ووحدتها مع حفظ سلامة المواطنين، من دون إدانة واضحة لروسيا. وفي هذه المرحلة، يمكن الإشارة إلى أن العالم العربي، باستثناء سورية التي دعمت روسيا كلياً، يحاول أن يناور ما بين واشنطن وموسكو من دون تحمُّل التبعات التي يمكن أن تنتج من دعم مباشر وصريح لأحد الطرفين.
- الإمارات والسعودية امتنعتا من إدانة روسيا بسبب الرغبة في الحفاظ على التعاون في مجاليْ الأمن والطاقة مع موسكو، اللذين ارتفعت أهميتهما ومكانتهما خلال الأعوام الأخيرة. فالإمارات التي لديها مقعد موقت في مجلس الأمن، امتنعت من التصويت على إدانة روسيا مع الصين والهند، على الرغم من الضغط الأميركي عليها. وهنا، من المهم الإشارة إلى أن التحفُّظ السعودي - الإماراتي عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يتمحور على توجُّه واشنطن نحو آسيا، والتنافس الاستراتيجي مع الصين وروسيا، والتقليص المستمر للوجود والتدخل الأميركي في الشرق الأوسط.
- بالإضافة إلى هذا، لا يزال التوتر موجوداً في العلاقات السعودية - الأميركية في أعقاب قتل الصحافي جمال خاشقجي، على الرغم من العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. فلا يزال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، شخصية غير مرغوب فيها في البيت الأبيض. هذا بالإضافة إلى تجميد بيع مقاتلات F-35 للإمارات بسبب التخوف من استخدامها في اليمن وتسريب بياناتها السرية التكنولوجية إلى الصين، وعدم استعداد الولايات المتحدة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات عليهم. والأهم، الاتفاق النووي الذي تنوي الولايات المتحدة توقيعه مع إيران في فيينا، والذي يزعزع استقرار السعودية والإمارات، أدى إلى بلورة سياسة خارجية نفعية، تخدم قبل كل شيء المصالح الخاصة بالأمن القومي الخاص بالرياض وأبو ظبي.
- لذلك، يبدو قرار السعودية والإمارات بشأن تعزيز التعاون مع روسيا والصين في مجال الطاقة وعلى المستوى الأمني ضرورياً، في ضوء قراءة الوضع الاستراتيجي، وحاجة كل منهما إلى تنويع الاعتماد على أكثر من مصدر للتعاون، واتخاذ قرارات بشأن إدارة سياسة خارجية مستقلة، حتى لو كانت غير مطابقة للمصالح الأميركية. ونموذج من ذلك رفض السعودية زيادة إنتاج النفط على الرغم من ارتفاع الأسعار، وكذلك التنسيق المستمر بين الرياض وموسكو في "أوبك +"، حيث تلعبان دوراً مركزياً.
- وفي الخلاصة، يبدو أن السعودية والإمارات لن تسارعا إلى تصديع العلاقات الاستراتيجية مع موسكو، والتي تم بناؤها في الأعوام الأخيرة، وبصورة خاصة في ظل الإدراك أن الولايات المتحدة تقوم بتقليص وجودها في الخليج، ولا تردّ على الاستفزازات والعمليات الهجومية التي تقوم بها أذرع إيران في المنطقة ضدها وضد حلفاء لها.
- عبّر الصحافي والمحلل السياسي المصري عماد الدين أديب عن الشعور المهيمن في مداخلة له في البرنامج الشهير "الحكاية"، فقال إن الحرب في أوكرانيا تعبّر عن صراع بين "ضابط استخبارات تعلّم على يد ستالين، وبين عجوز، هو تلميذ رديء لأوباما". ويرى بعض المحللين العرب أن خطوة روسيا خطوة عنيفة، هدفها إعادة بلورة نظام عالمي جديد، ناجم عن الضعف الذي تُظهره الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وعن قدرة روسيا على عدم التردد في استعمال قوتها العسكرية لتحقيق مكاسب استراتيجية. إلى جانب هذا، يوجّه العديد من الأصوات في الإعلام العربي (في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي) انتقادات حادة إلى العدوان الروسي الذي يقوّض القانون الدولي، ويستهدف سيادة أوكرانيا وحياة المواطنين العزل في دولة مجاورة.
- وعلى الرغم من كل هذا، في موازاة ذلك، فإن القلق الأساسي في النقاش المؤسساتي والشعبي العربي يتعلق بارتفاع في الأثمان الاقتصادية الباهظة التي يمكن أن تنجم عن ارتفاع أسعار الطاقة، والنقص المتوقع في التزود بالقمح، والتدهور إلى أزمة اقتصادية دولية، في ضوء الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي من الممكن أن تنعكس، بالتالي، على استقرار الأنظمة.
المفاوضات في فيينا في ظل الحرب
الأوكرانية - الزاوية العربية
- وصلت المفاوضات بشأن الاتفاق النووي في فيينا إلى مراحلها الحاسمة. تبدو واشنطن كأنها تريد "تنظيف الطاولة" مقابل إيران، لتتفرغ للمنافسة الاستراتيجية مقابل روسيا والصين، وألّا تضطر إلى الانجرار إلى حرب إضافية في الشرق الأوسط. هذه الخطوة، يتم التعامل معها على أنها تهديد استراتيجي لأمن دول الخليج والدول العربية، وتؤدي منذ الآن إلى إعادة تنظيم شاملة لمنظومة التحالفات والعلاقات في المنطقة.
- في هذا الإطار، تقود السعودية والإمارات عملية حوار مع إيران بهدف تخفيف التوتر ووقف التصعيد، تخوفاً من مواجهة مباشرة مع طهران، والتقدير أن الاتكال على الولايات المتحدة غير ثابت. هذا التقدير تعزّز بعد الخروج الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، ويمكن أن يتعزز أكثر في حال حققت عملية القوة الروسية في أوكرانيا أهدافها الاستراتيجية. ضمن هذا الإطار، فإن تعزيز العلاقات بين دول الخليج وإيران، من شأنه أن ينعكس على تطور العلاقات الأمنية والسياسية مع إسرائيل، وعلى قدرة "القدس" على بلورة تأسيس بنية دفاعية إقليمية للجم إيران.
- وفي المقابل، تُظهر الحرب في أوكرانيا أهمية وجود بنية عسكرية، ومركزية وجود قوة ردع نووية بهدف تعزيز السيادة وإبعاد التهديدات. فالتعاظم العسكري الإيراني المتوقع ما بعد توقيع الاتفاق النووي، سيؤدي إلى تسريع بناء القوة العسكرية لدول الخليج والدول السّنية، وإلى سباق تسلُّح إقليمي. هذا بالإضافة إلى أن الإدراك أن إيران قادرة على إنتاج قوة نووية شرعية بعد عقد، سيدفع، بمعقولية عالية، دولاً أُخرى في المنطقة (السعودية، مصر، تركيا) للاستثمار في هذا أيضاً، بهدف بناء توازن ردع استراتيجي.
تركيا - تفادي نقطة "اللا عودة"
- تركيا هي اللاعب الشرق الأوسطي التي تتبنى الموقف الأكثر وضوحاً حيال الأزمة، والوحيدة التي توجّه انتقادات واضحة ضد موسكو. في الخلفية، هناك تضافُر لعدة عوامل، أولها حقيقة أن تركيا هي جزء من حلف شمال الأطلسي - الناتو، بالإضافة إلى طموح أردوغان إلى تحسين صورته ومكانته في الغرب، على أمل أن يثمر الموقف التركي، مستقبلاً، مساعدة خارجية تخفف من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تركيا. ومع هذا، فإن العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وروسيا تخفف من السياسة الخارجية لأنقرة، التي لا تزال تمتنع من اتخاذ خطوات "لا عودة" عنها.
- التعبير العملي عن الموقف التركي كان إعلان إغلاق مضيقيْ البوسفور والدردنيل أمام السفن العسكرية، بناءً على طلب من كييف والناتو. وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أشار إلى أن الحرب في أوكرانيا تُرغم تركيا على تفعيل معاهدة مونترا التي وقّعتها في سنة 1936، والتي تحدّ من حركة السفن العسكرية الروسية في البحر الأسود. ومع ذلك، تعبّر الخطوة، في الأساس، عن تضامن رمزي مع الناتو، ومن غير المتوقع أن تؤثر في الحرب في أوكرانيا.
- تدير تركيا شبكة علاقات معقدة مع روسيا. فمن جهة، هناك تنسيق وتعاون وطيد في القضايا الأمنية وقضايا الطاقة (غاز، وسياحة، واستخدام نووي لأغراض مدنية، وبيع سلاح، وغيرها)، ومن جهة أُخرى، يقف كلّ من موسكو وأنقرة على جانبيْ المتراس في سورية وليبيا، كما أن الأزمة الحادة التي اندلعت بين الدولتين بسبب اعتراض مقاتلة روسية في سنة 2015 لا تزال تؤثر في الوعي التركي. وعملياً، عارضت تركيا ضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014، وأعربت عن تأييدها العلني لسيادة أوكرانيا، وباعت طائرات متطورة من دون طيار لكييف، وهو ما أثار غضباً روسياً، يومها.
- وفي مقابل إعلان إردوغان تفعيل الصلاحيات التي تمنحها له المعاهدة لمنع عبور سفن حرب (28 شباط/فبراير)، صرّحت تركيا عن امتناعها من فرض عقوبات وإغلاق المجال الجوي أمام الطيران الروسي. ومع ذلك، من شأن استمرار الأزمة الأوكرانية وازدياد الضغوط من جانب الناتو والولايات المتحدة، أن يؤديا إلى التشدد في السياسة التركية حيال موسكو، وزيادة التوتر القائم أصلاً بين البلدين.
الفلسطينيون: "حسم عدم الحسم"
- كما سائر العالم العربي، الفلسطينيون يجدون أنفسهم وسط مصالح متشابكة أمام الأزمة في أوكرانيا، ويحرصون على عدم تبنّي موقف رسمي وواضح من الموضوع، باستثناء بعض فصائل اليسار الصغيرة، وعلى رأسها الجبهة الديمقراطية التي وقفت إلى جانب موسكو منذ بداية الحرب. فمن خلال مراجعة عدد قليل من التصريحات والتحليلات، من الممكن فهم المزاج العام في المنظومة الفلسطينية. فمن جهة، هناك قلق لدى السلطة من أن الأزمة ستهمّش القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، أكثر فأكثر، وتعمّق تراجُع مكانة الولايات المتحدة، في الوقت الذي يقودها رئيس يقدّر الفلسطينيون أنه سيضغط على إسرائيل للمضي قدماً في مفاوضات سياسية بين الطرفين.
- لكن من جهة أُخرى، يبدو أن هناك بوادر تساؤلات لدى "حماس"، مفادها أن الأزمة الحالية ستؤدي إلى ضرر كبير في صورة ومكانة واشنطن بشكل سينعكس مباشرةً على إسرائيل. وفي هذا السياق، برز تصريح عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، وبحسبه، فإن الأزمة الحالية تؤشر إلى فقدان الولايات المتحدة هيمنتها في العالم. وأن "من لا يستطيع تفعيل قوته العسكرية، لا يستطيع أيضاً الدفع بخطوات سياسية"؛ هذا إلى جانب تحليلات في قنوات إعلامية تابعة للحركة، وفيها ادعاء أن الأزمة تعزز مخاوف وجودية لدى إسرائيل التي تفهم أن دعامتها وحاميتها الاستراتيجية تتضعضع.
- موقف "حماس" يعكس متابعة ودراسة معمقة تجري أيضاً، كما يبدو، لدى حزب الله وإيران بخصوص الأزمة، تصاحبها محاولة لفهم الدلالات الاستراتيجية العميقة لها، وفي رأسها: هل هناك تغيير في النظام الدولي، وفي إطاره هناك شرعية أكثر مما مضى لاستخدام القوة العسكرية، بصورة تسمح لمحور المقاومة باتخاذ خطوات أكثر جرأة؛ ما هو حجم الضرر الذي لحق بقوة الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وكيف سينعكس هذا على مكانة إسرائيل وسلوكها؛ وإلى أي درجة سيؤثر الواقع الدولي الجديد في مناطق عمل إسرائيل في كل ما له علاقة بسورية، على سبيل المثال.
خلاصات:
- سيكون لنتائج الحرب في أوكرانيا انعكاسات مباشرة على الشرق الأوسط على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي. النجاح الغربي في وضع حدّ للعدوان الروسي، وإظهار قوة من خلال الأدوات الاقتصادية والسياسية للحفاظ على النظام الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة، من شأنه تعزيز مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة مع "المحور السّني" الذي عبّر منذ وقت عن قلقه المستمر من تضعضُع مكانة الدعامة الأميركية. هذا الأمر يمكن أن يحدث في الأساس في حال "تراجُع" موسكو، ولكن أيضاً في حال غرقت في صراع طويل ومستمر يستنزف قدراتها في أوكرانيا.
- في المقابل، فإن نجاح الاستراتيجيا الروسية في أوكرانيا (إخضاع الدولة عسكرياً، أو تنصيب حكومة طوارئ توقّع تنازلات سياسية)، بالإضافة إلى إظهار موقف صامد، والتمسك بأهدافها، مع إبراز ضعف الغرب وأميركا في ردعها، سيسرّع مسار النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط. وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى المزيد من زعزعة أمن "المعسكر السّني" الذي يواجه جرأة إيرانية متزايدة على أكثر من جبهة، إلى جانب توقيع متوقع للاتفاق النووي، وسيدفع به إلى تفاهمات إضافية مع موسكو، بهدف لجم التهديدات المتزايدة لهم.
- في جميع الأحوال، إن عودة "الحرب الباردة" بين روسيا والولايات المتحدة ستؤثر في قدرة إسرائيل على المناورة بين القوتين، ومن شأنها حصْد ثمن عالٍ جداً منها. فوجودها الواضح إلى جانب الولايات المتحدة، وتعريفها الولايات المتحدة بأنها السند الاستراتيجي، من شأنه أن ينعكس مباشرة على صورة إسرائيل في عيون اللاعبين في الشرق الأوسط، وفهمهم لحدود العمل مقابلها، وبصورة خاصة إذا اتضح أكثر الافتراض أن تغييراً حدث في قواعد اللعبة والتوازنات الاستراتيجية.