مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
بعد الاتهامات الإيرانية، أكدت الولايات المتحدة على لسان مسؤول رفيع لديها أن إطلاق الصواريخ الإيرانية على أربيل استهدف مبنى له علاقة بإسرائيل. وبحسب تغريدة لمراسلة "النيويورك تايمز"، قال مسؤول أميركي رفيع المستوى للصحيفة إن المبنى المستهدف بصاروخ الحرس الثوري الإيراني كان يُستخدم كقاعدة تدريبات في كردستان، وأن القنصلية الأميركية القريبة من المبنى لم تُصَب.
وكان الحرس الثوري الإيراني أعلن أول أمس مسؤوليته عن إطلاق صواريخ على أربيل، وحذّر إسرائيل من "أن الرد في المرة المقبلة سيكون أكثر تدميراً". وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن هدف الهجوم في أربيل كان مركزاً استخباراتياً إسرائيلياً.
من جهتها، دانت الخارجية العراقية الهجوم، وادّعت حكومة كردستان أن الهدف هو مبنى مدني وليس قاعدة إسرائيلية.
في موازاة ذلك، أعلنت إيران أمس (الاثنين) أنها أحبطت محاولة تخريبية نفّذها الموساد في منشأة فوردو النووية القريبة من مدينة قم. وبحسب تقارير في طهران، أوقف الحرس الثوري الإيراني عدداً من الأفراد، بعد الكشف عن شبكة جندتها إسرائيل. وتحدث التلفزيون الإيراني عن عملاء للموساد حاولوا تخريب جهاز الطرد المركزي IR6 في فوردو، وأن الموساد جنّد لهذه المهمة أحد العاملين في المنشأة وزوّده بعتاد خاص ودرّبه عليه.
قبل أقل من نصف ساعة من الإعلان الإيراني، توقُّف العمل في شبكة الإنترنت في عدد من المواقع الحكومية، واعترف وزير الاتصالات يوعاز هندل بأن مواقع حكومية وقعت ضحية هجوم سيبراني. وذكر مصدر في الهيئة الوطنية للأمن السيبراني أن الهجوم كان موجهاً ضد مواقع إنترنت حكومية، وليس أمنية - في الأساس ضد شبكات حكومية، وهو ما أدى إلى تعطُّل العمل في هذه المواقع لفترة وجيزة، قبل أن تعود إلى عملها كالمعتاد.
ذكر بيان صادر عن الكرملين أن الرئيس بوتين تحدث مساء الاثنين مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت، بطلب من هذا الأخير، وأن المكالمة استمرت مدة ساعة ونصف الساعة، تناول فيها الزعيمان المساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والمساعدة الإنسانية الإسرائيلية للمنطقة.
وبحسب وكالة الأنباء الروسية، لفت بوتين انتباه بينت إلى العملية "الوحشية"، بحسب وصفه، التي قامت بها القوات الأوكرانية، عندما قصفت دونيتسك شرق البلد. وبالاستناد إلى الانفصاليين الموالين للروس في دونيتسك، تسبب الهجوم الصاروخي بمقتل 20 شخصاً وجرح 28 آخرين.
قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد يوم الاثنين، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزير خارجية سلوفاكيا في براتيسلافا إن "إسرائيل لن تكون مساراً للالتفاف على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا". وأضاف: "هذه الحرب يجب أن تتوقف، والأراضي الأوروبية شهدت العديد من الحروب، والأمر الوحيد الذي نتج منها هو المعاناة الرهيبة".
وتابع لبيد: "إسرائيل، مثل سلوفاكيا، تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، وتدعو إلى وقف المعارك. لا يوجد مبرر للمسّ بسيادة الأراضي الأوكرانية، ولا يوجد مبرر للهجوم على السكان المدنيين. وستبذل إسرائيل كل ما في وسعها للمساعدة في جهود الوساطة التي تهدف إلى وقف إطلاق النار وإحلال السلام. نحن نعمل مع حليفتنا الكبيرة الولايات المتحدة، ومع شركائنا الأوروبيين لوقف هذه المأساة". كما شدد لبيد على أن إسرائيل لن تكون سبيلاً للالتفاف على العقوبات، وأن وزارة الخارجية تعمل على هذا الموضوع، بمشاركة بنك إسرائيل، ووزارات المال والاقتصاد والطاقة، وإدارة المطارات، وجهات أُخرى. كما بحث لبيد مع نظيره السلوفاكي في استمرار التعاون بين البلدين على معابر الحدود مع أوكرانيا لتسهيل خروج اليهود والإسرائيليين الذين بقوا في منطقة المعارك.
وكان لبيد التقى أمس وزير خارجية رومانيا بوغدان أوريسكو في بوخارست، حيث صرّح: "لا مبرر لهذا الغزو، وندعو روسيا إلى وقف إطلاق النار والهجمات وحل المشكلات حول طاولة المفاوضات."
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل شاب فلسطيني اليوم (الثلاثاء) على يد فرقة من المستعربين في حرس الحدود، وذلك خلال عملية قام بها عناصر من الفرقة فجر اليوم في مخيم اللاجئين بلاطة القريب من نابلس لاعتقال أحد المطلوبين. ولدى خروج القوة من المخيم، واجهت مقاومة من سكان المخيم وتعرضت للرشق بالحجارة ونشبت مواجهات قُتل خلالها نادر هيثم (16 عاماً) بعد إصابته بطلقات من الرصاص في رأسه وصدره وبطنه ويده.
من جهة أُخرى، ذكر بيان صادر عن حرس الحدود أنه بعد عملية اعتقال مطلوب في مخيم بلاطة، وفي أثناء خروج القوة من المخيم، اندلعت أعمال شغب شملت إلقاء عبوات ورشق حجارة على القوة التي ردت، مستخدمةً وسائل تفريق التظاهرات وإطلاق النيران من بندقية روجر. وخلال المواجهات، دخل فلسطينيان على دراجة نارية وقام أحدهما بإطلاق النار من مسدس في اتجاه أحد عناصر فرقة المستعربين، فردّت عليه وأردته.
في وقت لاحق، دخلت قوة من المستعربين إلى مخيم اللاجئين في قلندية شمالي القدس واعتقلت إثنين من المطلوبين. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، أطلقت القوة النار على علاء شحام (20 عاماً) فقتل جرّاء إصابته برصاصة في رأسه، كما أُصيب 3 شبان آخرين بجروح متوسطة وطفيفة.
تجدر الإشارة إلى أن تقديرات في الجيش الإسرائيلي تتوقع حدوث تصعيد في المناطق في نيسان/أبريل، بين شهر رمضان وعيد الفصح. ويستند هذا التقدير إلى تصاعُد التوترات في القدس الشرقية والضفة الغربية. ففي الشهر الماضي، قُتل عدد من الفلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي - شاب في السادسة والعشرين من عمره من قرية النبي صالح شمالي رام الله، وشاب في الـ17 من عمره، قُتل في مواجهات في قرية سيلة الحارثية شمال الضفة، وشاب في الرابعة عشرة من عمره في قرية الخضر جنوبي بيت لحم. كما شهد الشهر الماضي نشوب مواجهات في حي الشيخ جرّاح بعد أن أقام عضو الكنيست إيتمار بن غفير مكتباً له في الحي. ويتخوف المستوى السياسي من أن تؤدي المواجهات في الحيّ إلى تصعيد أمني في الضفة وقطاع غزة. وكان رئيس الحكومة نفتالي بينت أجرى الشهر الماضي نقاشاً لتقدير الوضع في هذا الشأن.
- تخوض إسرائيل وإيران في الأعوام الأخيرة حرباً سرية، تتركز في هذه الأثناء على ساحتين: الطائرات من دون طيار (المسيّرات) والمجال السيبراني. رئيس الحكومة نفتالي بينت صاغ هدف هذه الحرب منذ كان يتولى منصب وزير الدفاع، إذ قال: "عندما تتعرض للضرب من أذرع الأخطبوط لا ترد فقط على الأذرع، بل اخنق الرأس... طوال أجيال، حاربنا أذرع الأخطبوط الإيراني في لبنان وسورية وغزة من دون كلل، ولم نركز بما فيه الكفاية على إضعاف إيران بحد ذاتها. الآن غيّرنا عقيدتنا، ونحن في معركة لا هوادة فيها لإضعاف رأس الأخطبوط الإيراني، سياسياً واستخباراتياً وعسكرياً، وأيضاً في مجالات أُخرى".
- منذ ذلك الحين، تقدم بينت ويواصل هذا الخط بقوة. وسجّل هذا الأسبوع تصعيداً إضافياً في المواجهة عندما هاجمت إيران بالصواريخ، انطلاقاً من أراضيها، ما وصفته بأنه قاعدة استخباراتية إسرائيلية سرية في كردستان. وجرى تبرير الهجوم بأنه رد على قصف مسيّرات إسرائيلية انطلقت من الإقليم الكردي في الشهر الماضي "وتسببت بضرر كبير"، بحسب قناة مقربة من إيران. قبل ذلك، قتل الجيش الإسرائيلي ضابطين من الحرس الثوري الإيراني في قصف بالقرب من دمشق. أمس، اتهم الطرفان بعضهما البعض بمحاولة الهجوم على المنشأة النووية في فوردو، وهجمات سيبرانية على منشآت حكومية في إسرائيل. تجري هذه الجولات العنيفة في ظل المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران، والتقارب الأمني العلني بين إسرائيل ودول الخليج.
- في إسرائيل، لا يجري نقاش عام بشأن الأهداف وأساليب العمل ونتائج "المعركة بين الحروب" في سورية ولبنان وإيران. ومن وقت إلى آخر، تنشر وسائل الإعلام أشرطة فيديو عن القصف في سورية، منسوبة إلى إسرائيل، ويتباهى كبار المسؤولين في الجيش والحكومة، في مناسبات مختلفة، بالنشاط العملاني الواسع النطاق في الشمال والشرق، وبعدد الهجمات، وعدد القتلى والمسيّرات التي خسرها العدو. في الأسابيع الأخيرة، يستخدمون في إسرائيل المعركة بين الحروب لتبرير الموقف الحيادي الإسرائيلي بين روسيا وأوكرانيا، وذلك على عكس موقف الحكومات الغربية المؤيد لكييف، بحجة أن فلاديمير بوتين يسمح لسلاح الجو بالعمل في سورية، ويمكن أن يندم ويعرقل.
- الغموض الرسمي تفرضه الرقابة العسكرية التي تمنع النقاش العام، ولا تسمح بالحديث عن كيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بالمعركة بين الحروب، ولا عن بدائل من الصدام العنيف، هذا إذا فُحص عموماً.
- يجب عدم الاستخفاف بالتهديدات من طهران: فقد يستيقظ الجمهور الإسرائيلي ذات يوم على مواجهة علنية وعنيفة من دون أن يعرف لماذا نقاتل فعلياً وماذا يجري هنا. ولا تكفي خطابات بينت عن الأخطبوط وأذرعته. يتعين عليه أن يشرح للمواطنين الإسرائيليين ما هي أهداف الحرب ضد إيران، وهل تبادُل القصف والمعارك السيبرانية ضروريان لأمن الدولة، وكيف يمكن، في رأيه، الحؤول دون حدوث تصعيد واسع. مثل هذا النقاش ضروري في دولة ديمقراطية.
- في البداية، إليكم بعض الأرقام: في سنة 1989 بلغ تعداد سكان إسرائيل أقل بقليل من 4.5 ملايين نسمة. في أعقاب تفكُّك الكتلة السوفياتية، استوعبت إسرائيل خلال عامين قرابة مليون مهاجر من الاتحاد السوفياتي السابق. بكلمات أُخرى، في سنة 1990، شكّل المواطنون من الاتحاد السوفياتي السابق نحو خُمس السكان.
- على الرغم من مشكلات الاستيعاب، فإن هذه الهجرة ساهمت مساهمة كبيرة في نمو إسرائيل. نحو نصف المهاجرين البالغين الذين جاؤوا كانوا يحملون شهادة أكاديمية وتعليماً عالياً، وأصبحوا جزءاً مهماً في تأسيس صناعة الهاي - تك. في إبان موجة الهجرة، وصل إلى إسرائيل 110 آلاف مهندس، و80 ألف تقني، و35 ألف أستاذ، و17 ألف عالم، و40 ألف طبيب وممرض، ونحو 60 ألف عامل صناعي.
- وكانت المساهمة في نمو دولة إسرائيل كبيرة جداً، سواء بالمفهوم العام أو النسبي. يشكل الناتج المحلي العام مقياساً لاقتصاد البلد، لكن الأهم منه هو الناتج الفردي العام. بينما الناتج العام الحالي في الصين هو 14.7 تريليون دولار، وفي إسرائيل هو "فقط" 402 مليار، فإن نصيب الفرد من الناتج العام في الصين هو 8.840 دولارات، بينما في إسرائيل هو 43.600 دولاراً - أي خمسة أضعاف تقريباً. هجرة المهاجرين المتعلمين تشكل عاملاً مهماً جداً في النمو الاقتصادي في إسرائيل.
- اليوم أيضاً، تواجه الدولة موجة هجرة كبيرة بدأت بشائرها تبرز على الأرض. هناك أصوات تشتكي من أن إسرائيل لا تستطيع السماح لنفسها باستيعاب هؤلاء المهاجرين لأسباب عديدة، في الأساس اقتصادية، وعملياً، لا نستطيع أن نسمح لأنفسنا باستيعابهم.
- نصف الذين يصلون من أوكرانيا يحملون شهادة جامعية، ويجري هذا في فترة يعاني الاقتصاد نقصاً في اليد العاملة، وخصوصاً المهندسين. وبالاستناد إلى مصلحة الاختراعات في سنة 2021، كان هناك 13 ألف وظيفة شاغرة في صناعة الهاي – تك في إسرائيل، ونحو 60% من الشركات لم ينجح في إيجاد أشخاص مناسبين لتوظيفهم. ونتيجة ذلك، استعدت الحكومة لاستقدام عمال أجانب في قطاع الهاي – تك لتغطية النقص الحاد في العاملين. وصول أعداد كثيفة من المتعلمين من أوكرانيا سيجعل هذه الخطوة غير ضرورية.
- لكن ليست صناعة الهاي - تك وحدها بحاجة إلى يد عاملة نوعية. ففي قطاع البناء هناك نقص يقدَّر بنحو 5000 مدير للعمل، الأمر الذي يؤثر في عدد المنازل التي تستطيع شركات المقاولات تشييدها سنوياً. كما يشتكي قطاع الفنادق من نقص يقدَّر بنحو 16 ألف عامل، وكان هناك نية لاستقدام عمال أجانب. هناك نماذج لقطاعات تعاني جرّاء النقص في اليد العاملة، لكن يمكن التوقف هنا.
- بدلاً من التذمر، يجب التركيز على استيعاب الفارّين من الحرب في أوكرانيا. لقد استوعبت إسرائيل موجة الهجرة من الاتحاد السوفياتي عندما كانت دولة صغيرة وضعيفة أكثر من الناحية الاقتصادية، وهذه المرة سيكون هذا أسهل بكثير. يجب الاستعداد لذلك من الناحية البيروقراطية واستيعاب المهاجرين من خلال إعداد برامج لتعليمهم اللغة العبرية وتسجيل أولادهم في المدارس. ويجب التأكد من أن كل الأطراف التي تهتم بتحديد الفجوات التعليمية والمهنية ستعمل بصورة مثمرة وناجعة من أجل ردم هذه الفجوات، مثلاً في المهن الطبية والمالية. ويجب وضع أطر للتأهيل المهني متاحة للذين يتحدثون باللغة الأوكرانية، أو للذين هم بحاجة إلى الإعداد والتعليم المطلوبيْن في الاقتصاد الإسرائيلي.
- يجب على إسرائيل أن تضع لها هدفاً، أنه خلال عام من الهجرة إلى البلد، يستطيع المهاجرون من أوكرانيا العمل وتحصيل معيشتهم بأنفسهم. وإذا تصرفنا بصورة صحيحة، وخصوصاً من الناحية البيروقراطية، سنجنّب أنفسنا مشاهد رأيناها في التسعينيات، عندما اضطر علماء إلى العمل كعمال تنظيفات. هناك مثل يقول: النجاح هو في التوقيت. والتوقيت صحيح، وهذه الهجرة ستنجح – فقط إذا سمحنا بذلك.
- التراجيديا الإنسانية التي تحدث في أوكرانيا مؤلمة، وحتى الآن، لم يتم ترتيب آلية لإنهاء الحرب. أما الهدف الذي حدده كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو - فهو تكبيد روسيا خسارة من العيار الثقيل، من شأنها أن تردع بوتين عن عدوان مستقبلي، وفي ذات الوقت إدارة الصراع بحكمة لمنع الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة. ومع تصاعُد وتيرة القتال، يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها بحث التداعيات بسبب الإصابات المتزايدة في صفوف المدنيين، وأيضاً خطورة اتساع الحرب وانزلاقها أبعد من حدود أوكرانيا. استناداً إلى حقيقة أن استمرار الحرب يعزز احتمالات التصعيد إلى مستويات لا يريدها أيّ من الطرفين، على الولايات المتحدة معرفة اللحظة الفاصلة التي من شأنها تحويل مسار الحرب وحدودها، ثم استباقها، عبر الموافقة على مفاوضات مع بوتين وحتى إظهار ليونة معينة، وبصورة خاصة تعهدات بالامتناع من ضم دول إضافية، لها حدود مع روسيا، إلى حلف الناتو.
- قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرب أوكرانيا عسكرياً، عندما تبين له أنه لا يملك أي أوراق ضغط سياسية قادرة على تغيير النظام السياسي فيها. وأيضاً، بعد أن رفضت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، مطالبه بشأن تقسيم مناطق التأثير في شرق أوروبا وفرض قيود على انتشار قوات الناتو وقدراته العسكرية في المنطقة.
- أخطأت الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو في فهم النتائج المحتملة لجهودهم في اختراق الحزام الدفاعي الذي يغلف روسيا - دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أجل تحجيم روسيا واضعافها ومعرضة للهجوم. فسّر بوتين خطواتهم بأنها تآمر واستعلاء على روسيا، في محاولة لمنع عودتها إلى موقعها التاريخي القوي. واستناداً إلى تقديراته بأن الغرب لن يقف ضده، وأُخرى تفيد بتراجُع مكانة الولايات المتحدة، كقائدة للعالم الحر، قرر أن هذا هو الوقت المناسب للتحرك. والآن، بعد مرور 18 يوماً على بدء الحرب، تبدو تقديرات الرئيس الروسي غير دقيقة بخصوص النتائج والتداعيات غير المقصودة لقرار اجتياح أوكرانيا.
- مجلس المستشارين الذي يحيط بالرئيس بوتين مصغر جداً. وفيه يجلس كلّ من وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان العليا فاليري غيراسيموف، ورئيس جهاز الاستخبارات الوقائي سيرغي نريشكين. وفي دائرة اتخاذ القرار، كما يبدو، لا يشارك كلّ من يعارض سياساته ونهجه. هذه الحقيقة تفسر، ولو بصورة جزئية، القراءة المغلوطة للواقع لدى الرئيس بوتين، وخياراته العسكرية: تقديرات أجهزة الاستخبارات الروسية قللت من قدرات القوات العسكرية الأوكرانية كما أنها لم تتوقع اصرارها وأيضاَ المقاومة وتجنُّد المجتمع الأوكراني ضد الاجتياح الروسي؛ قيادات الجيش الروسي عظّمت شعور القوة لدى بوتين وقدرته على إنجاز انتصار سريع بأثمان معقولة فقط؛ بوتين تبنّى السيناريو الأكثر تفاؤلاً بحرب سريعة، من دون دراسة إمكانية تطورها إلى حرب طويلة مكلفة على صعيد الدماء والأموال، واحتمال هزيمة عسكرية؛ ولقد تفاجأ متخذو القرارات في موسكو بردّة فعل الغرب، وتوحد حل الناتو بهدف عزل روسيا وإرغامها على دفع ثمن عالٍ جداً. قدّر بوتين والمقربون منه أن الغرب سيفضل العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، لكنهم تفاجأوا بحجم العقوبات - رقم قياسي يقدَّر بـ5000 بند - مع إصرار خاص على تطبيقها. هذا بالإضافة إلى أن دول الناتو فهمت أن عليها زيادة الاستثمار في الأمن، وتزايد الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على حليفاتها في أوروبا للتوقف عن شراء النفط الروسي، وبصورة خاصة في المدى المتوسط والبعيد.
صراع على مستويين
- عملياً، يدور الصراع في أوكرانيا على مستويين: الأول، على المستوى الثنائي - حرب بين روسيا وأوكرانيا لفرض التأثير الروسي في جارتها الغربية. والثاني هو الجبهة الإقليمية والعالمية، بين الولايات المتحدة والناتو من جهة، وروسيا من جهة أُخرى. وخلالها يحدث الصراع على حدود التأثير في أوروبا وقواعد السياسة الدولية. من جانبه، يسعى بوتين إلى توسيع إطار التأثير الروسي لدول شرق أوروبا وكبح توسُّع الناتو شرقاً. وفي المقابل، تناضل الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها الدولية وأمن حلفائها، وسط مخاوف من إسقاطات الصراع مع روسيا ومفاقمة التنافس بين الدول العظمى، وخصوصاً المنافسة بينها وبين الصين.
- تتخوف دول الناتو وتتفادى التدخل عسكرياً بصورة مباشرة إلى جانب القوات الأوكرانية، خوفاً من قتال مباشر مع الجيش الروسي. صحيح أن هناك مطالبات غربية بالتدخل عسكرياً في القتال، كفرض حظر جوي في سماء أوكرانيا. لكن فرض حظر جوي كهذا، سيفرض على مقاتلات سلاح الجو الأميركي والناتو الخروج في جولات في سماء أوكرانيا وإسقاط مقاتلات ومروحيات روسية تخترق هذه الأجواء، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ستحارب، الواحدة منهما الأخرى، وهذا كله لتحقيق إنجاز صغير ومحدود، وخصوصاً أن لدى روسيا القدرة على قصف مدن في أوكرانيا بصواريخ أرض - أرض بدلاً من الطائرات. اقتراح آخر تم طرحه، هو القيام بتحديد ممر إنساني آمن غرب أوكرانيا، في المناطق التي لم يحتلها الروس بعد، يكون الهدف منه تحديد منطقة آمنة للاجئين الأوكرانيين تحميها قوات الناتو بغطاء سياسي تضمنه دول الأمم المتحدة، وتمنع في الوقت عينه تقدُّم القوات الروسية. النتيجة الفعلية لهكذا خطوة ستكون تقسيم أوكرانيا إلى جزئين: الأول تحت سيطرة روسيا، والثاني غربي تحت سيطرة الناتو. أما النتيجة المتوقعة فستكون خلق منطقة احتكاك مباشر ما بين الجيش الروسي وقوات الناتو، مع احتمال عالٍ جداً للانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة. لذلك، فإن خيار الولايات المتحدة والدول الأوروبية هو الامتناع من قتال عسكري مباشر، والاستمرار في الضغط من خلال العقوبات الاقتصادية، ومن خلال الاستمرار في إمداد الجيش الأوكراني بالأسلحة، ومراقبة الجيش الروسي وهو يغرق في الوحل الأوكراني، ويتكبد الخسائر في الأرواح، ولا يستطيع تحقيق أهدافه.
- المساعدات الغربية للجيش الأوكراني تشمل تقديم معلومات استخباراتية محدثة ودقيقة في أغلب الأحيان بشأن التحركات الروسية؛ وتزويد أوكرانيا بعدد كبير من الصواريخ المتحركة المضادة للدبابات، ومن ضمنها صواريخ Javelin، وصواريخ Stinger المضادة للطائرات، التي يمكن تشغيلها على يد مجموعات صغيرة ومتحركة موزعة ومستقلة؛ تزويد وتشغيل طائرات هجومية من دون طيار من تركيا وبولندا ودول أُخرى. لذلك، فالولايات المتحدة والناتو تؤثران فعلاً في القتال في أوكرانيا، من دون مقاتلة روسيا بصورة مباشرة. لكن الظلم بأن الصراع يدور على حساب الأوكرانيين، الذين يدفعون الثمن بالأرواح، كما تزداد أعداد النازحين (أكثر من 2.5 مليون نازح حتى الآن) إلى خارج حدود الدولة، بالإضافة إلى دمار كبير يزداد مع كل يوم يمر في القتال.
الصعوبة في "إنهاء اللعبة"
- ترفض الولايات المتحدة، علناً، المفاوضات مع روسيا، لكنها تسمح بمفاوضات ثنائية بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك بمحاولات الوساطة، وضمنها ما يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت. ومن المستبعد أن تؤدي هذه المفاوضات الثنائية إلى وقف إطلاق النار. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين خاض هذه الحرب لتغيير قواعد اللعبة بين القوى العظمى، وليعيد إلى روسيا موقعها كقوة عظمى، وليعيد أيضاً أوكرانيا إلى موقعها الطبيعي بالنسبة إليه - دولة برعاية روسية. وعلى ما يبدو، أنه كلما ازدادت الصعوبات في الدفع قدماً نحو تحقيق الأهداف العليا في الصراع مع الغرب، وكلما تعرقلت الخطط الحربية الروسية، يبدو بوتين أكثر استعداداً لإجراء مفاوضات مع القيادة الأوكرانية، الفاقدة للشرعية، في نظره. تطرح روسيا مطالب لوقف إطلاق النار: وقف المقاومة العسكرية الأوكرانية؛ الاعتراف بشبه جزيرة القرم كدولة مستقلة؛ الاعتراف بجمهوريات الانفصاليين في دونيسك ولوجانسك كدول مستقلة؛ تعهُّد أوكراني منصوص عليه في الدستور، بالحياد وعدم الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي؛ نزع سلاح الجيش الأوكراني.
- بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن مرحلة "نهاية اللعبة" يجب أن تستند إلى تفاهمات روسية - أوكرانية، من دون مقابل كبير لروسيا إلا تخفيف العقوبات، وتحديداً، من دون تنازلات في مجال انتشار قوات الناتو. من المهم لواشنطن أن تثبت أن لدى الناتو القوة والإرادة، كما التصميم على الدفاع عن كل شبر من أراضي الدول الشريكة فيه، كما تعهد الرئيس بايدن. لكن، في ظل انعدام الرغبة في منح بوتين أي إنجاز من طرف الناتو والولايات المتحدة، فأنه مرغم على إدارة المفاوضات خلال القتال على أمل تحقيق أهدافه. لذلك، يستمر الجيش الروسي في جهوده لمحاصرة العاصمة كييف، بموازاة محاولات مستمرة لاستهداف الرئيس فولوديمير زيلينسكي ذاته؛ فصل أوكرانيا عن البحر الأسود؛ السيطرة كلياً على المناطق الشرقية التي تم إعلان استقلالها من موسكو؛ واحتلال مدن رئيسية في أوكرانيا.
- إن لم يكفِ هذا، ولم يستجب الغرب بالإيجاب لمطالب بوتين منه، فمن المتوقع أن يصعّد الهجوم العسكري على مدن أوكرانية واحتلالها، والسيطرة على مفاعلات طاقة نووية - تضاف إلى ما تمت السيطرة عليه فعلاً، بهدف قطع الكهرباء عن الدولة، وهو ما سيعزز المخاوف من خطر تسرّب إشعاعات نووية، وكذلك التهديد باستعمال أسلحة غير تقليدية - كيميائية ونووية. ومن المهم الإشارة إلى أن روسيا رفعت درجة التأهب النووي. وفي عقيدتها النووية من سنة 2020، جرى الحديث عن أنها ستبحث في الاستعمال الأول للسلاح النووي في ظروف "هجوم غير تقليدي يهدد وجود الدولة". في هذه المرحلة، روسيا بعيدة عن الانهيار (يُشار إلى أنه لا يوجد أي دولة نووية تعاملت مع احتمال انهيارها بسبب ضغوط اقتصادية وسياسية). هذا هو السبب الذي من أجله تم رفض كافة الاقتراحات التي جرى طرحها في الغرب، وتدفع باتجاه محاولة إسقاط بوتين عن الحكم.
صعوبة اكتشاف نقطة التحول
- على الرغم من طموح الولايات المتحدة وحلفائها "لتركيع بوتين"، عليهم دراسة تداعيات استمرار القتال بسبب تراكُم حالات استهداف المدنيين في أوكرانيا، وأيضاً بسبب احتمال اتساع رقعة الحرب خارج حدود أوكرانيا، وانزلاقها إلى حرب غير تقليدية. الهدف الأساسي الذي وضعته الولايات المتحدة أمامها في هذا الوقت هو خسارة روسية ثقيلة: سياسية وعسكرية واقتصادية بسبب الحرب على أوكرانيا، لردع بوتين مستقبلاً. لكن، كلما ازدادت خسائر بوتين، كلما ازداد تمسكاً بأهدافه وكان تقديمه للتنازلات أصعب. النتيجة المحتملة ستكون استمرار الحرب، مع تصاعُد احتمالات ومخاطر التصعيد ووصولها إلى مراحل لا يريدها أيّ من الطرفين. لذلك، على الولايات المتحدة استباق نقطة التحول في فقدان السيطرة على الوضع، والدفع قدماً بحوار مع روسيا بهدف إنهاء الحرب ومنع استمرارها. وفي إطار هذه التسوية، على الولايات المتحدة أن تبدي ليونة وتتعهد حتى بعدم ضم دول إضافية، لديها حدود مشتركة مع روسيا، إلى حلف الناتو. التراجيديا الإنسانية التي تحدث في أوكرانيا مؤلمة، والشعب الأوكراني يستحق الحياة بحُرية، وعلى الولايات المتحدة والناتو إدارة الصراع بحكمة، لمنع تكرار أحداث مشابهة، ووقف الانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة.