مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن صباح الاثنين بزعيم الليكود بنيامين نتنياهو وهنأه بفوزه في الانتخابات بعد مرور 4 أيام على إعلان النتائج. وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي هنأ نتنياهو وأعرب له عن دعم الولايات المتحدة المستمر لإسرائيل. وذكرت الناطقة بلسان البيت الأبيض أن "الرئيس تحدث مع نتنياهو لتهنئته على فوز حزبه، وأثنى على الانتخابات الحرة والنزيهة في إسرائيل. كما شدد الرئيس على متانة العلاقات بين الدولتين وعلى الدعم الأميركي الوطيد لإسرائيل." وأضافت: "سنتابع عن قرب عملية تأليف الحكومة، ونأمل مواصلة العمل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة من أجل الدفع قدماً بالقيم والمصالح المشتركة فيما بيننا."
وبحسب مصادر في الليكود قال بايدن لنتنياهو: "نحن إخوة وسنصنع التاريخ معاً. والتزاماتنا حيال إسرائيل لا تزعزع." ورد نتنياهو بالقول: "سنصنع اتفاقات سلام تاريخية. والتزامي بالتحالف والعلاقات بيننا هو أقوى من أي وقت مضى."
كما اتصل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي بنتنياهو وهنأه على فوزه في الانتخابات. وكتب زيلنسكي بعد ذلك على تويتر: "هنأت نتنياهو على فوزه في الانتخابات وتمنيت له التوفيق في تشكيل الحكومة. وأعربت عن أملي بأن يكون مستوى التفاعل بين الدولتين متلائماً مع التحديات الأمنية التي يواجهها البلدان."
التقى زعيم حزب قوة يهودية عضو الكنيست إيتمار بن غفير رئيس الحكومة المقبلة بنيامين نتنياهو في تل أبيب. وخلال الاجتماع طالب بن غفير بالحصول على وزارة الأمن الداخلي، وقال قبل دخوله الاجتماع: "بعون الله سنشكل حكومة يمينية بالكامل، وسنحافظ على جنودنا وعلى رجال الشرطة وعلى المواطنين الإسرائيليين." وصرّح بعد خروجه من الاجتماع: "أجواء الاجتماع كانت جيدة، ونحن على طريق تشكيل حكومة يمينية بالكامل، ونريد النظر في عيون الناس الذين يخاف بعضهم من التجول في النقب والجليل، وسنقول لهم بأننا سنستعيد الأمن وهيبة الدولة، ولدينا الكثير من العمل."
وخلال الاجتماع طلب بن غفير من نتنياهو الحصول على وزارة الأمن الداخلي، وبلّغه أنه لن يتنازل قط عن مطلبه هذا، وأنه يريد صلاحيات واسعة. كما طالب بحقيبة المواصلات والتعليم وحقيبة صغيرة.
في غضون ذلك، ذكرت مصادر في حزب الصهيونية الدينية للصحيفة أن سلوك نتنياهو صدمهم، وأنه وأوساطه يتآمرون ضدهم. وتقصد هذه المصادر التقارير التي تحدثت عن عدم رغبة نتنياهو في إعطاء حقيبة المال إلى سموتريتش، وإعطائه بدلاً منها وزارات متوسطة الأهمية (التعليم، العدل والمواصلات).
في ضوء ذلك أصدر سموتريتش وبن غفير بياناً مشتركاً جاء فيه أن الاثنين اتفقا على إنشاء بلوك مشترك قبيل البدء بالمفاوضات الائتلافية.
في إطار قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ في مصر جرى اليوم نقاش مغلق يضم دول الشرق الأوسط شاركت فيه وزيرة البيئة تمار زاندبيرغ بحضور رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، والرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتيه، بالإضافة إلى مندوبين عن الأردن وقبرص واليونان.
وعلمت الصحيفة بأن النقاش غير المألوف جرى على طاولة جلس حولها ممثلو الدول لمناقشة المخاطر التي تتعرض لها دول الشرق الأوسط جراء أزمة المناخ، واحتمالات التعاون فيما بينها. وأكدت مصادر في المؤتمر أنها المرة الأولى التي يجري فيها عقد مؤتمر إقليمي للمناخ على مستوى رؤساء الدول تشارك فيه إسرائيل.
وكان رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ قال في كلمة ألقاها في المؤتمر إن الشرق الأوسط على حافة الكارثة، وشرح وجهة نظره بشأن شرق أوسط جديد، داعياً الدول المجاورة لإسرائيل إلى توحيد قواها لمحاربة أزمة المناخ، وفي نهاية كلمته استشهد بآية من القرآن بالعربية وبأُخرى من التوراة بالعبرية.
أعلن مصدر حكومي أردني أن الأردن وإسرائيل سيوقعان مذكرة تفاهم لاستكمال مشروعين مشتركين، وستعمل إسرائيل بموجب هذه المذكرة على تحلية مياه البحر الأبيض المتوسط لصالح الأردن في مقابل تزويد الأردن لإسرائيل بالطاقة الشمسية.
وبحسب صحيفة "الرأي" الأردنية سيلتقي الطرفان على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ، وذلك تطبيقاً للإعلان المبدئي الموقع بين الدولتين في دولة الإمارات العربية المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن وزيرة الطاقة كارين ألهرار عقدت مع الأردن والإمارات والولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي مذكرة تفاهم، وقعها عن الجانب الأردني وزير المياه محمد النجار، والموفد الخاص للولايات المتحدة في قضايا المناخ جون كيري، وممثل الإمارات سلطان الجابر.
وسيعمل البلدان في إطار الاتفاقية على إيجاد الحلول لمكافحة أزمة المناخ من خلال استغلال الميزات الخاصة بكل دولة؛ فتقوم المملكة الأردنية، التي لديها أراض واسعة مفتوحة، بتزويد إسرائيل بالطاقة الشمسية، بينما تقوم إسرائيل، التي تعتبر من أهم دول العالم في مجال تحلية المياه، بتحلية مياه البحر الأبيض المتوسط لصالح الأردن.
للمرة الأولى منذ 7 سنوات حصل الجمهور الإسرائيلي في الأسبوع الماضي على حسم واضح يمكن رؤيته في عدد المقاعد التي حصل عليها التكتل الذي يترأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفور تشكيل الحكومة الجديدة سيكون عليها مواجهة عدد من التحديات.
من بين القرارات الأولى التي سيضطر نتنياهو إلى اتخاذها بعد حصول الحكومة على الثقة هل سيلتزم باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. في وقت سابق قال نتنياهو إنه لن يلتزم بالاتفاق الذي اسماه "اتفاق خنوع"، لكنه من بعدها اصبحت تصريحاته أقل حدة، وقال إنه سيلتزم بالاتفاق الموقع مع لبنان كما التزم باتفاقات أوسلو.
التحدي الثاني هو أن نتنياهو مضطر أن يثبت للمجتمع الدولي بأن هذه الحكومة ليست حكومة يمينية متطرفة وأنها لن تخرج عن قواعد اللعبة الديمقراطية. وكما سبق وذكر نتنياهو في خطاب الفوز أنه سيسعى إلى توسيع نطاق اتفاقات أبراهام، وأن الهدف رقم واحد بالنسبة إليه هو اتفاق التطبيع مع السعودية. مع ذلك من المتوقع أن يواجه مشكلة كبيرة مع الدول العربية وبالتأكيد مع السعودية إذا رأت هذه الدول محاولات من جانب حكومته لتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي، الذي يشكل خطاً أحمر بالنسبة إلى العالم العربي. وفي حال حدوث ذلك فإننا ليس فقط لن نرى توسيعاً لاتفاقات أبراهام بل يمكن أن نشهد استدعاء الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل لسفرائها. ومع ذلك فإن زعماء الخليج يثقون بنتنياهو ويعتبرونه شخصاً مسؤولاً وأنه لن يسمح للعناصر المتطرفة في حكومته برفع رأسها.
ومن أجل تهدئة المجتمع الدولي وإثبات أن إسرائيل ما تزال دولة ديمقراطية ليبرالية - يدرس نتنياهو تعيين أمير أوحنا – الشخصية ذات الميول المثلية علناً- في منصب وزير الخارجية أو رئيساً للكنيست. وهو يتحدث في أحاديث مغلقة عن احتمال تعيين امرأة في أحد هذين المنصبين.
سيكون نتنياهو بحاجة إلى التنسيق مع إدارة بايدن في عدد من الموضوعات - وفي طليعتها التهديد الإيراني وقضية البناء في المستوطنات. وسيواصل نتنياهو انتهاج خط الحكومة المنتهية ولايتها بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لكنه سيكون مضطراً إلى التنسيق مع الأميركيين بشأن ماذا يجري لو تحولت إيران إلى دولة على عتبة النووي.
النقطة الحساسة الثانية بالنسبة إلى الأميركيين البناء في المستوطنات. سيتعرض نتنياهو إلى ضغوط كبيرة من اليمين في هذا الموضوع، لأنه أخيراً هناك حكومة يمينية لا تعتمد على أطراف من الوسط واليسار. الأميركيون لن يتساهلوا بشأن كل ما يمكن أن يمس فرص قيام دولة فلسطينية مثل البناء الكثيف في المستوطنات، والمس بالأقلية، أو الإضرار بالأبرياء وعنف المستوطنين.
لكن الأمر لن يتوقف عند ذلك فالمشكلة الفلسطينية واسعة النطاق ورئيس الحكومة العتيدة سيضطر إلى أن يقرر هل سيواصل سياسة الحكومة الحالية بشأن تعزيز قوة الاقتصاد الفلسطيني وتقديم تسهيلات إلى السكان في الضفة الغربية وغزة. من المعقول ألاّ يعود نتنياهو إلى سياسة حقائب الدولارات التي توقفت في أيام رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت. ويأتي نتنياهو في مرحلة حساسة حيث الضفة تغلي، وعدد الهجمات الفلسطينية في ارتفاع مقلق.
كما سيكون على نتنياهو أن يقرر كيف سيتصرف إزاء الحرب في أوكرانيا. في حملته الانتخابية أعلن أنه سيبحث إمكانية تزويد أوكرانيا بالسلاح إذا أصبح رئيساً للحكومة. ومن المعقول أنه قال ذلك من أجل الحصول على صوت اليهود من أصل أوكراني في الانتخابات الإسرائيلية. إذ من المعلوم أن تزويد أوكرانيا بالسلاح سيؤدي إلى مواجهة مع روسيا. وكان نتنياهو قد تحدث عن إمكانية قيامه بالتوسط بين روسيا وأوكرانيا. ومن المهم ألاّ ننسى أن روسيا تطالب بإغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في أراضيها، وإسرائيل بحاجة إلى الحوار مع بوتين.
يبقى التحدي الأكبر للحكومة الجديدة كسر موجة "الإرهاب". أكثر من 240 حادثة إطلاق نار ضد الجيش الإسرائيلي وقعت في الضفة الغربية خلال 3 آب/أغسطس الماضي. إقدام النشطاء الفلسطينيين المسلحين على إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين في كل مرة يدخلون فيها إلى المخيمات أو إلى المدن الكبرى انتقل إلى أماكن أُخرى مثل الخليل. يضاف إلى ذلك الكميات الكبيرة من السلاح الموجود بين أيدي الفلسطينيين الذين ينتظرون اللحظة الملائمة لإشعال المنطقة.
في كل ما يتعلق بغزة من الصعب أن تغير الحكومة الجديدة السياسة التي انتهجتها الحكومة المنتهية ولايتها بعد أن أثبتت نفسها بصورة نسبية خلال ربع العقد الأخير الذي شهد جولات من التصعيد. تقوم سياسة "العصا والجزرة" في هذه الأثناء بدورها في الجنوب منذ عملية "حارس الأسوار" بالإضافة إلى الضربات التي تكبدها الجهاد الإسلامي والتسهيلات المقدمة إلى سكان غزة التي ترفع من ثمن الخسارة.
فيما يتعلق بالجبهة الشمالية فإن سياسة الهجمات السرية على شحنات سلاح حزب الله وضد التمركز الإيراني في سورية ستتواصل لكنها ستواجه تحديات أكبر. روسيا ما تزال موجودة في سورية ويمكن أن تستخدم هذه الساحة من أجل فرض قيود على حرية عمل وعلى تفوق سلاح الجو الإسرائيلي إذا زودت إسرائيل الجيش الأوكراني بالسلاح الدفاعي مثل منظومات الدفاع الجوي أو بسلاح هجومي.
ومن أهم المشكلات الاقتصادية التي ستواجهها الحكومة الجديدة إيجاد حل لأزمة السكن وغلاء الأسعار، ومواجهة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي وتداعياتها على إسرائيل.
- لستَ بحاجة إلى أن تكون عبقرياً كي تدرك ما هو مصدر أخطاء كتلة التغيير: بينما يعتقد الجميع أن الكتلة الدينية التي وحدت بين المتدينين المحافظين والصهيونية الدينية والأحزاب الحريدية ولدت فقط بسبب بنيامين نتنياهو، نكتشف عندما نتعمق في الأمر أن كتلة اليسار أدت دوراً مهماً أيضاً في هذا التحالف.
- صحيح أن نتنياهو هو اليوم الممثل الوحيد لكتلة المتدينين، وأن اليمين والجمهور المحافظ لديهما أيضاً، منذ البداية، شعبية لدى الأحزاب الحريدية. لكن كان في إمكان اليسار أن يتصرف بطريقة مغايرة تجاه هذه الأحزاب. فلدى اليسار عدد من الشعارات التي يرفعها بفخر، بدءاً من النضال من أجل السلام بما في ذلك التخلي عن مناطق، مروراً بالنضال الاجتماعي في موضوعات الرفاه والدفاع عن الضعفاء وعن الآخر، وصولاً إلى النضال من أجل إسرائيل ليبرالية وحرة. وفي السنوات الأخيرة قرر اليسار رفع كل هذه الشعارات معاً، ولم يقبل التخلي عن أي منها فخسر كل شيء.
- عندما تقرر كتلة التغيير عدم الفصل بين الشعار (القومي) النضال ضد المستوطنات، وبين الشعار (الديني) المواصلات العامة في يوم السبت، فإنها بذلك تكون قد أصرت على الهوية المعادية للدين والمعادية للقومية. وبهذه الطريقة خلقت الاتحاد في المعسكر الخصم. وعندما تضع في سلة واحدة: بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ويتسحاق غولدكنوف [يهدوت هتوراه] وموشيه غفني [ديغل هتوراه]، تكون النتيجة أن ينشأ اتحاد محكم بينهم.
- من يعرف السياسة الداخلية لهذه الأحزاب لا بد أنه يعرف بوجود مواجهات داخلية قاسية داخل الكتلة الدينية، مثلاً بين غفني وبن غفير، إذ يتهم غفني بن غفير بأن زيارته إلى الحرم القدسي كانت مخالفة للشريعة اليهودية "الهالاخاه"، بينما يتهم بن غفير غفني بأنه يساري ويميل إلى بني غانتس. مشكلة اليسار - الوسط هي أنه لم يركز على هذه الاختلافات، بل فعل العكس - وضع الحريديم والصهيونية الدينية في الكفة نفسها.
- يتعين على اليسار أن يسأل نفسه: هل فعلاً من المهم بالنسبة إليه أن يدرّس الحريديم في مدارسهم إلى جانب التوراة مواد التعليم الأساسي؟ هل من المهم فعلاً "للإنسانويين" ولدعاة السلام أن يخدم تلامذة اليشيفوت في الجيش الإسرائيلي؟
- على اليسار أن يختار نضالاته الأيديولوجية، وأن يقرر إذا كان عليه محاربة صعود اليمين المتطرف أو أن يضع موضوعات الدين في رأس أولوياته. الأكيد أنك عندما تريد كل شيء تخسر كل شيء.
- الإخفاق الكبير لهذه الكتلة أنها حتى الآن لم تستوعب أنه من دون الحريديم لا فرصة لها بالوصول إلى الحكم.
- لا شك في أن الإنجاز الانتخابي الأبرز في هذه الانتخابات هو إنجاز "الصهيونية الدينية"، وخصوصاً إنجاز إيتمار بن غفير. لقد فعل نتنياهو كل ما يمكنه من أجل شفط الأصوات المؤيدة لبن غفير لكنه لم يفلح في ذلك.
- ولا يقتصر إنجاز بن غفير على عدد الأصوات التي حصل عليها، بل قام أيضاً بتوسيع حدود السياسة الإسرائيلية؛ فحتى وقت قريب، كانت مواقفه تعتبر خارج الإجماع ولا تستحق طرحها أمام الجمهور، بيد أن الائتلاف بينه وبين بتسلئيل سموتريتش، والذي تم بفضل جهود نتنياهو لأسباب انتخابية، أعطاه شرعية، وسمح لكثيرين في المجتمع الإسرائيلي بأن يشعروا بأن هناك من يعبّر عن صوتهم المكتوم. فقد ازداد في الأعوام الأخيرة شعور الخوف من العرب، وخسارة الكرامة القومية، ولمّا انكسرت المحرمات جرى التعبير عن هذه المشاعر، وربح بن غفير كل الأصوات في الصندوق، واستفاد الشركاء في "الصهيونية الدينية" من هذا أيضاً.
- لكن الإنجاز السياسي لهذه الانتخابات يعود برمته إلى نتنياهو، الذي أثبت أمام كل الساخرين، وبينهم كاتب هذه السطور، أن نجمه لم يتراجع؛ فجهوده من أجل ترتيب الائتلاف بشكل صلب، وحل الخلافات والمشكلات، والتأكد من أن أي صوت لن يذهب سدى، هي التي حققت هذا النصر. ولم يتحقق هذا كله نتيجة العمل بجد فحسب، بل أيضاً بسبب السلطة الممنوحة له من جميع الجهات السياسية والدينية في هذا الائتلاف. وهذا الأمر يبرز بقوة أيضاً لدى النظر إلى ما جرى في معسكر اليسار والعرب؛ فقد استقطب هذا المعسكر أصوات الناخبين، لكن عدم التنظيم وعدم وجود صلاحيات لدى يائير لبيد، أديا إلى تفككه وتشرذمه، وبالتالي خسر كثيراً من الأصوات، كذلك خاض ميرتس وحزب العمل الانتخابات منفصلَين، واستنفد العرب كل إمكانات التقسيم الذاتي، بالإضافة إلى الصراع بين غانتس ولبيد على المرشح لرئاسة الحكومة، كلها أمور أدت في النهاية إلى الفشل السياسي لليسار.
- لكن أسباب فشل اليسار أعمق من ذلك بكثير، فباستثناء "فقط لا بيبي"، ليس هناك أي فكرة أيديولوجية تنظّم معسكر اليسار، وحتى فكرة "حل الدولتين" لم تعد صالحة وجرى تخطيها، كذلك لا شيء مشترك بين لبيد - غانتس والعرب، أو بين ليبرمان و"ميرتس" و"حزب العمل". ففشل معسكر اليسار له أبعاد تاريخية يمكن تلخيصها بالاستنتاج أن اليهود انتصروا على الإسرائيليين مرة أُخرى. وعلى عكس معسكر نتنياهو الذي تشكل فيه الهوية اليهودية العامل المشترك والموحد، لا يوجد لدى اليسار أي فكرة موحدة. وعندما لا يكون هناك أي شيء مشترك على الصعيد الأيديولوجي، فإن الفشل لا يغدو مفاجأة، وهذا على ما يبدو الخلاصة التي يتعين على معسكر اليسار أن يستنتجها من هذه الانتخابات.
- فالهوية اليهودية، بكل ما تتضمنه، من الحريديم مروراً بالقلنسوات المنسوجة وصولاً إلى المحافظين من ناخبي "الليكود"، هي الروح المشتركة التي تمنح ائتلاف نتنياهو هذا العمق التاريخي والأساس الأيديولوجي الصلب. إلاّ إن ثمة مركّبات كثيرة في معسكر اليسار تتناقض مع هذا الجوهر؛ فعلى الصعيد السياسي، يتم التعبير عن عدم وجود الوعي اليهودي المتطور بالاستعداد للتنازل عن أجزاء من "أرض إسرائيل" ورؤيتها كأداة لا كقيمة بحد ذاتها، الأمر الذي كان وراء تبنّي اليسار أفكاراً ما بعد حداثية تقدمية وليبرالية ومتطرفة. ولا يدور الحديث هنا عمَّن صوتوا لـ"ميرتس" و"حزب العمل" فحسب، بل المقصود أيضاً الجيش الإسرائيلي الذي قدم تنازلات لمصلحة أفكار نسوية متطرفة وأجندات حركة المثليين، وتغلغلت هذه الأفكار في معسكر "اليسار - الوسط" برمّته. ناهيك بأن الروح القومية تأثرت جرّاء غياب الوعي اليهودي المتماسك، بالحديث عن "دولة كل مواطنيها" وفقدان الشعور بالكرامة القومية. فالانقطاع عن الهوية اليهودية هو ما يجعل الأغلبية اليهودية بعيدة عن اليسار، وهذا أساس فشله.
- من الطبيعي أن يتحضر معسكر اليسار للعودة إلى "بلفور" والميادين والجسور والأعلام السوداء، وأن يخطط للقيام بما قام به اليمين في الحكومة السابقة، أي جوقة تحريض وانقسام وكراهية. إذ يمكن لبن غفير وسموتريتش من جهة، والحريديم من جهة أُخرى، بالإضافة إلى "المتهم" بنيامين نتنياهو، أن يمنحوه الكثير من الأسباب لنشر السموم، لكن لن ينمّ تصرفهم هذا عن أي فهم أو نضوج، وإنما سيكون مجرد "بكاء" وتعبير عن اليأس والإحباط.
- على المستوى التاريخي، فازت الهوية اليهودية، وليس في استطاعة اليسار الانتصار عليها، حتى بمساعدة المجتمع العربي، لذلك يتعين عليه أن يستخلص العبر وأن يعيد بناء ذاته على أساس جديد. فالهوية اليهودية ليست بالضرورة هوية دينية، ذلك بأن أغلبية المصوتين للائتلاف الفائز في الانتخابات لا يؤدون فرائض دينية، بل هم يهود بهويتهم القومية والثقافية. وإذا أراد اليسار أن يعود ليغدو ذا دلالة بالنسبة إلى أغلبية الجمهور الإسرائيلي، عليه أن يعود إلى الهوية اليهودية. طبعاً، على اليسار أن يقوم بهذا على طريقته، لكن في حال غياب العمق اليهودي والقومي والثقافي والتاريخي، سيغدو اليسار الإسرائيلي أضعف وأقل عدداً ومشرذماً ومفككاً. كما أن الجوهر العلماني الإيجابي والضروري الذي جاء به لشعب إسرائيل خلال الأجيال الأخيرة سيختفي في حال عدم وجود أساس يهودي يبث فيه الروح. وبالتالي، وبهذه الطريقة لا يمكن بناء دولة.