مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
حذّر رئيس الحكومة الفلسطينية محمد إشتيه في مقابله أجرتها معه "هآرتس" من أن العقوبات التي فرضها المجلس السياسي - الأمني المصغر في نهاية الأسبوع على السلطة الفلسطينية ستؤدي إلى انهيارها. وكان هذا المجلس قد فرض عدداً من العقوبات رداً على الطلب الذي تقدمت به السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الدولية في لاهاي لإبداء رأيها القانوني في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية. ومن بين هذه العقوبات تجميد البناء الفلسطيني في المنطقة "ج"، وتجميد أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل للسلطة على المعابر، واتخاذ خطوات ضد المنظمات التي تقوم بنشاطات معادية لإسرائيل بينها نشاطات سياسية - قانونية تحت غطاء مساعدات إنسانية.
وقال إشتيه إن قرار إسرائيل تحويل 139 مليون شيكل من أموال الضرائب التي تجبيها من أجل الفلسطينيين إلى ضحايا "الإرهاب"، والاستمرار في تجميد أموال ضرائب تساوي المبالغ التي تدفعها السطلة دعماً للأسرى المتهمين بـ"الإرهاب"، يشكل "مسماراً إضافياً يُدق في نعش السلطة، في حال لم يحدث تدخل فوري من جانب المجتمع الدولي، وخصوصاً الإدارة الأميركية والدول العربية". ووفقاً له فإن الإدارة الأميركية لا تساعد السلطة الفلسطينية في ميزانيتها الحالية من ناحية التمويل الجاري، بينما يقدم الاتحاد الأوروبي أموالاً مخصصة للبنى التحتية فقط.
وقال إشتيه: "إن حكومات إسرائيل السابقة عملت على القضاء على حل الدولتين، والحكومة الحالية تحارب السلطة الفلسطينية نفسها. نحن نقرأ الخريطة بصورة واضحة: تكثيف البناء في المستوطنات إلى جانب فصل مدينة القدس عن الضفة، وضم مناطق من المنطقة "ج"، والآن تدمير السلطة – هذه هي الخطة التي تعمل على تحقيقها الحكومة الإسرائيلية".
ورفض إشتيه الربط بين توجه السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العمومية في الأمم المتحدة وبين الخطوات التي أعلنتها إسرائيل. "الشعب الفلسطيني يئن تحت احتلال وحشي، ومن حقنا أن نشتكي وأن نتحدث أمام العالم عن ألمنا. حتى الطريقة غير العنيفة لمحاربة الاحتلال تريد إسرائيل منعنا منها". ورداً على الادعاء بأن التوجه إلى الأمم المتحدة هو خطوة أحادية الجانب من السلطة قال إشتيه: "الاحتلال كله أحادي الجانب، والبناء في المستوطنات أحادي الجانب، كل شيء أحادي الجانب- والتوجه إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ممنوع وأحادي الجانب"؟
وأوضح رئيس الحكومة الفلسطينية أن إسرائيل تجبي شهرياً قرابة 900 مليون شيكل مصدرها بالأساس الرسوم الجمركية المفروضة على الخدمات والبضائع الموجهة إلى السلطة الفلسطينية - ومن هذا المبلغ تقتطع إسرائيل 300 مليون شيكل للدفعات الجارية والعمولات والمبالغ التي تحولها السلطة إلى عائلات الأسرى." وتابع: "تستخدم إسرائيل ثلاثة موظفين مسؤولين عن الأموال التي تجبيها للسلطة، ومن أجل العملية الإدارية برمتها تحصل إسرائيل على عمولة تقدر بـ30 مليون شيكل شهرياً - وهكذا تربح إسرائيل من المبالغ التي تجبيها". ويقول إشتيه: "إسرائيل تبيعنا كل شيء، بما في ذلك مياه الصرف الصحي، والكهرباء ومياه الشرب وهي نفسها تربح من كل هذه السياسة، الاحتلال يدر عليها المال".
بالإضافة إلى الأموال التي تجبيها إسرائيل، تجبي السلطة الفلسطينية بدورها ضرائب تصل إلى 300 مليون شيكل شهرياً. ويضيف: "وهكذا نصل إلى 900 مليون شيكل، لكن عملياً تنفق السلطة شهرياً قرابة 1.3 مليار شيكل، مما يخلق عجزاً قدره 400 مليون شيكل شهرياً."
ويتابع: "المصارف الفلسطينية لم تعد قادرة على منحنا قروضاً، ومع عدم وجود مداخيل، نضطر إلى دفع الرواتب بصورة جزئية." وأشار إشتيه إلى أنه إلى جانب النفقات الجارية تدعم الحكومة الفلسطينية المياه والخبز ومواد أساسية أُخرى.
وأشار إشتيه إلى أن السلطة الفلسطينية تنوي الطلب من جامعة الدول العربية تطبيق قرارتها السابقة وتقديم مظلة أمان اقتصادي للسلطة. وأضاف: "وحدها الجزائر تنفذ التزاماتها وتدفع سنوياً 52 مليون دولار". ومن المتوقع أن يطلب الفلسطينيون المساعدة أيضاَ من مسؤولين رفيعي المستوى في الاتحاد الأوروبي. ومن المنتظر وصول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال هذا الشهر إلى رام الله، وتنوي السلطة الفلسطينية الطلب من الإدارة الأميركية الدفع قدماً بخطوات تحول دون انهيار السلطة وتكبح محاولة إسرائيل "تدمير حل الدولتين". وبحسب كلامه، باستثناء التصريحات والوعود لم تقدم الإدارة الأميركية حتى الآن سياسة مختلفة عن سياسة الإدارة السابقة بشأن موقفها من إسرائيل.
وفي النهاية أصر إشيته على التوضيح أنه على الرغم من الوضع الصعب فإن الجمهور الفلسطيني صامد و"الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان آخر".
من المنتظر أن يزور وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إسرائيل في نهاية هذا الشهر على خلفية مخاوف الإدارة الأميركية إزاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وسيجري خلال الزيارة التحضير لزيارة نتنياهو لواشنطن في الشهر المقبل، كما تهدف الزيارة إلى فهم توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويتخوف الأميركيون من التطورات الأخيرة، وخصوصاً من زيارة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي التي اعتبروها استفزازاً لا ضرورة له، كما يتخوفون من تداعيات إصلاحات وزير العدل ياريف ليفين على الديمقراطية الإسرائيلية.
ومن المتوقع أن يصل إلى إسرائيل في 19 الشهر الجاري مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي سيجري سلسلة محادثات مع نتنياهو ووزرائه ويحاول التنسيق معهم بشأن عدد من الموضوعات الحساسة المطروحة مثل إيران، والفلسطينيين، والحرب في أوكرانيا، والمنظمات الدولية، والمحاولات الفلسطينية لنقل النزاع إلى المحكمة الدولية في لاهاي.
وكان عدد من المسؤولين في إدارة بايدن قد أعربوا في حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن غضبهم إزاء زيارة إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي واتهموه بأنه يسعى لإثارة "الفوضى". وتساءل بعضهم: "ما هو السبب لزيارة الحرم القدسي؟ هل من أجل الحصول على مزيد من المشاهدات على التيك توك؟ لديه مسؤولية كبيرة وهو اليوم وزير، ببساطة زيارته إلى الحرم أمر غير عقلاني. وهل هناك سبب لهذه الزيارة غير إثارة الانتباه. هناك الكثير من الموضوعات الساخنة لمعالجتها. ونحن نرغب في المحافظة على الهدوء. إنه لأمر مثير للغضب لو بدأت الصواريخ تتساقط هنا بسبب زيارة شخص إلى الحرم القدسي."
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل أسبوع من أداء الحكومة الإسرائيلية القسم وافق مجلس النواب الأميركي على الموازنة الأميركية للعام 2023 والتي خصصت فيها الولايات المتحدة مبلغ 3.3 مليارات دولار كمساعدة عسكرية لإسرائيل. كما سيخصص مبلغ 500 مليون دولار من أجل منظومة الدفاع الصاروخي التي تشمل القبة الحديدية، ومبلغ 72.5 مليون دولار للدفاع ضد المسيّرات والحوامات والأنفاق. وهذه السنة جرى دفع مساعدة إضافية جديدة تقدر بـ6 مليون دولار من أجل مشروع كبير في مجال الحماية السيبرانية.
وإلى جانب المساعدة الأمنية لإسرائيل تستثمر الولايات المتحدة 225 مليون دولار في مجال المساعدة الإنسانية والتطوير الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة. والمقصود زيادة قدرها 6 مليون دولار مقارنة بالسنة الماضية، وزيادة 40 مليون على الميزانية الأساسية للرئيس بايدن نفسه. وسيخصص مبلغ الـ50 مليون دولار للسنة الثالثة من أجل الدفع قدماً باتفاق سلام فلسطيني - إسرائيلي بواسطة الصندوق المنشأ على اسم عضو الكونغرس السابقة نيتا لوي، بالإضافة إلى ذلك ستواصل الولايات المتحدة سياستها الرسمية التي تدين دفع السلطة الفلسطينية أموالاً إلى عائلات الأسرى.
بدأت الاستخبارات التركية فرض قيود على قيادة "حماس" في أراضيها في أعقاب المصالحة بين إسرائيل وتركيا. صحيح أن تركيا لم تستجب حتى الآن للطلب الإسرائيلي طرد قيادات "حماس" من تركيا، لكنها تفرض قيوداً على نشاط هذه القيادات وسعيهم للاستقرار في أراضيها. الحظر ليس محكماً لكنه على الأقل يجبر صلاح العاروري رئيس قيادة "حماس" في الضفة الغربية الذي يعمل بالأساس من تركيا إلى قضاء ساعات إضافية على خط تركيا لبنان. كما جرى تقييد نشاط أعضاء آخرين في الحركة داخل تركيا.
يشكل هذا القرار مشكلة بالنسبة إلى "حماس"، فالجهود التي تبذلها الحركة لإشعال الضفة الغربية تجري عن بعد من غزة ومن قيادات "حماس" في الخارج. والجناح الأساسي الذي يهتم بذلك هو قطاع الضفة برئاسة العاروري الذي ترك منزله في منطقة رام الله في 2010. والقيادة التي يترأسها تخضع لها هيئة أركان الضفة التي تعمل من القطاع، وجزء من عناصرها هم من الذين أُطلقوا في صفقة شاليط لتبادل الأسرى في سنة 2011، ومن الذين رفضت إسرائيل عودتهم إلى منازلهم في الضفة. وإذا كانت "حماس" والجهاد الإسلامي حرصا في الماضي على تفعيل خلايا "إرهابية" أيديولوجية تابعه لهما، فإن توجههما اليوم أصبح أقل تشدداً، وهما يعملان على تجنيد ناشطين "مستقلين" من الضفة يعملون لمصلحتهما في مقابل أموال وسلاح من أجل هدف أساسي - إشعال الضفة. وحتى الآن كان الوضع في المناطق مريحاً بالنسبة إلى "حماس"، إذ تتم المحافظة بشدة على وقف إطلاق النار في غزة، والمال القطري يتدفق، و17 ألف عامل فلسطيني من غزة يعملون في إسرائيل - بينما ينحصر العنف في الضفة والخط الأخضر، بصورة تضع السلطة الفلسطينية في مواجهة مع إسرائيل من دون انجرار "حماس" إليها في هذه المرحلة.
- من بين مجموعة المشكلات التي طبعت قرار المجلس الوزاري المصغر "لمعاقبة" الفلسطينيين بسبب نضالهم الدبلوماسي ضد الاحتلال، اتخذ قرار مستفز بصورة خاصة. فقد جاء في البند الخامس من البيان الختامي المتعلق بقرارات: "سيتم اتخاذ خطوات ضد مؤسسات في الضفة تدفع قدماً بنشاطات "إرهابية" أو كل نشاط عدواني آخر، ومن ضمنه النشاط السياسي- القضائي ضد إسرائيل بغطاء أعمال إنسانية".
- يُعتبر هذا القرار إعلان حرب رسمية على كل مؤسسة مدنية فلسطينية تناضل ضد الاحتلال بالطرق السلمية. لا حاجة إلى فذلكة قانونية بهدف رصد دلائل تربط ما بين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية و"الإرهاب"، كما فعل بني غانتس مع مؤسسات حقوق الإنسان السبع التي وضعها خارجة عن القانون مؤخراً، بقرار أثار استغراب دول كثيرة. وبدلاً من اختراع علاقات كهذه، أعلنت حكومة إسرائيل أنها تعتبر كل نشاط سياسي وقضائي - أي مقاومة غير عنيفة هو عمل "عدائي" من أساسه، ويوضع بذات الخانة مع "نشاطات إرهابية".
- هذا يعني، وبحسب دولة إسرائيل أن الدبلوماسية الفلسطينية هي "إرهاب سياسي"؛ الدعاوى الفلسطينية هي "إرهاب قضائي"؛ وحركة المقاطعة الداعمة للفلسطينيين هي "إرهاب اقتصادي"؛ تظاهرة فلسطينية هي "إرهاب" ضد النظام العام، والأناشيد الفلسطينية الاحتجاجية هي تحريض "إرهابي" موسيقي. أمّا فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية الديمقراطية، من خلال صناديق الاقتراع، فلا يمكن الحديث عنها بتاتاً. بالنسبة إلى إسرائيل هذا إرهاب ديموغرافي.
- وكما في "تعليمات أمنية في المناطق المحتلة للكاتب المسرحي" لحانوخ لافين: كل إنسان يمر في الشارع وينظر بتوتّر شمالاً ويميناً وإلى الخلف - يُشتبه به بأنه "مخرّب" عربي؛ وكل إنسان يمر في الشارع وينظر براحة إلى الأمام - يشتبه به بأنه "مخرّب" عربي بدم بارد. بالنسبة إلى إسرائيل فإنه لا يوجد للشعب الفلسطيني أي سبيل شرعي أو قانوني لمقاومة الاحتلال وتحقيق طموحاته القومية. وهذا لأن إسرائيل لا تحارب فقط "الإرهاب" الفلسطيني، بل هي تحارب أيضاً النضال الفلسطيني الوطني بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه.
- هذا القرار ليس منافياً فقط للمنطق لأنه يساوي قانونياً وقيمياً بين المقاومة "العنيفة" والمقاومة السلمية (كلاهما، بحسب إسرائيل، ممنوع بالقدر نفسه)، وإنما لأنه يفرغ التعريف الإسرائيلي للإرهاب من مضمونه. عندما يرى العالم أن إسرائيل تغلق مؤسسات حقوق إنسان فلسطينية بتهمة "نشاط سياسي عدائي" أو "نشاط قانوني عدائي"، أو أن تكون تهمة هذه المؤسسات الوحيدة هي "نشاطات إنسانية" قرّرت إسرائيل أنها غطاء لعداء عام - كيف سيتم التعامل مع ادّعاءات إسرائيل بشأن منظمات أُخرى عرّفتها على أنها "منظمات إرهابية" على مدار الأعوام؟ إسرائيل، بنفسها، تمحي الفروق بين هذه المنظمات. في حالة المؤسسات السبع التي تم إخراجها عن القانون، يمكن أن يكون هذا جيداً. فإسرائيل الآن تساعد الدول التي تتبرّع لهذه المؤسسات على الاستهزاء بتعريفها للـ"إرهاب" والاستمرار بتقديم الدعم.
- وفي حال تم تطبيق قرار المجلس الوزاري المصغر بالتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية كـ"منظمات إرهابية" فعلياً (مع أنه من غير الواضح ما هي الخطوات التي ستتخذ ضدهم حتى الآن) فإن هذا سيكون امتحاناً لمؤسسات حقوق الإنسان على الطرف الآخر من الخط الأخضر. سيكون التضامن ضرورياً ليس لأنه الأمر الصحيح، بل لأن هذه القيم والممارسات والملاحقات لن تتوقف أبداً في الضفة، وغالباً تصل إلى "إسرائيل". إن مقارنة نشاط المجتمع المدني بـ"الإرهاب" والمساواة بينهما لن يتوقف عند الفلسطينيين، بل سيتغلغل إلى داخل "حدود إسرائيل"، في البداية من خلال التعامل مع مؤسسات فلسطينية داخل الدولة ومن بعدها مع منظمات يسارية يهودية.
- في 30 كانون الأول/ديسمبر، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب محكمة العدل الدولية (ICJ) بتقديم وجهة نظرها القانونية بشأن سؤالين: الأول، التداعيات القانونية الناجمة عن خرق إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، والاحتلال المستمر، والمستوطنات، والضم، بالإضافة إلى الخطوات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وشكل القدس ومكانتها، وتبنّي قوانين وخطوات عنصرية في هذا السياق. أمّا الثاني، فهو كيف تؤثر هذه الخروقات على المكانة القانونية للمناطق المحتلة وتداعيات هذا الأمر في دول العالم والأمم المتحدة. وقد حظي القرار بتأييد 87 دولة، وعارضته 26 دولة ضمنها الولايات المتحدة، وكندا، وألمانيا، وبريطانيا، وامتنعت 53 دولة، ضمنها معظم دول أوروبا.
- هذا القرار يعكس مرّة أُخرى، الانحياز ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وتركيزها "غير المتوازن" عليها. ويجب الإشارة في هذا السياق إلى أن غالبية الدول في الأمم المتحدة عارضت، أو امتنعت من المشاركة في التصويت (106 دول). وهذا، يعود إلى الجهود التي بذلتها إسرائيل في إقناع جزء من الدول التي دعمت القرار في البداية لتغيير موقفها. وعلى الرغم من ذلك، فلم يكن هناك احتمال حقيقي لمنع القرار. من جهتها دانت إسرائيل القرار وأشارت إلى أن "الشعب اليهودي لا يُعتبر محتلاً في أرضه ولا يحتل عاصمته الأبدية القدس. ولا يستطيع أي قرار للأمم المتحدة أن يشوّه هذه الحقيقة التاريخية".
- القرار عملياً هو تبنّي للتوصية التي شملها التقرير الذي صدر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد عمليّة "بزوغ الفجر". إذ جاء في التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني بسبب الخطوات التي تقوم بها إسرائيل والوقائع التي تفرضها على الأرض، وفي مقدمتها الاستيطان. وأشار إلى أن الهدف من التبريرات الأمنية هو للتغطية على النيات الحقيقية لإسرائيل بضم أجزاء من المنطقة، عملياً وقانونياً.
- وبحسب القانون الدولي فإن "المناطق المحتلة" هو وصف لواقع تسيطر فيه دولة محتلة على منطقة عدوة، بشكل فعلي. وتفرض قوانين الاحتلال الدولية شروطاً وقيوداً على القوة المحتلة خلال إدارتها المنطقة. لا يوجد في قوانين الاحتلال أمر يتعلّق بـ"عدم قانونية" الاحتلال بحد ذاته (على عكس خرق القواعد المفروضة من الاحتلال بحد ذاته)، أو أي قيود على مدة الاحتلال. خلال الأعوام الأخيرة، هناك من يطالب بالاعتراف بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، ذلك لأنه يتعارض جوهرياً مع المبدأ الأساسي لقوانين الاحتلال - أن يكون موقتاً، ومع عدم فرض القوة المحتلة سيادتها على الأرض، وعدم إدارة الأراضي المحتلة كنظام "وصاية". وفي المقابل، هناك الادّعاء القائل بأن مجرّد التوجّه إلى المحكمة الدولية هو بحد ذاته محاولة لخلق أمر واقع جديد غير معترف به في القانون الدولي لدوافع سياسية.
- تُعتبر محكمة العدل الدولية (ICJ)، التي تأسست في إطار إعلان الأمم المتحدة سنة 1945، الجهة القضائية الأساسية للأمم المتحدة. ويتركز معظم نشاطها في حل النزاعات بين الدول التي منحتها الصلاحية، وتلتزم بقراراتها. هذا بالإضافة إلى أن المحكمة تبدي وجهات نظر في مسائل قانونية بطلب من مؤسسات الأمم المتحدة المخوّلة بذلك. وعلى الرغم من أن وجهة النظر غير مُلزمة، فإنه يتم التعامل معها باحترام كبير، وتحظى باهتمام كبير في الساحة الدولية.
- هذه هي المرة الثانية التي تطلب فيها الأمم المتحدة من المحكمة أن تبدي رأيها بشأن إسرائيل. ففي 9 تموز/يوليو 2004، أصدرت المحكمة رأياً قانونياً استشارياً بشأن بناء "الجدار الأمني"، جاء فيه أن بناء "الجدار الفاصل"، يخلق واقع ضم فعلي، وهو ما يشكّل خرقاً للقانون الدولي. وأن على إسرائيل أن تحترم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وقوانين الحرب ومبادئ حقوق الإنسان. كما أشار إلى أن المستوطنات تُعد خرقاً للقانون الدولي. وبدورها، انتقدت إسرائيل وجهة النظر القانونية هذه. وصادقت المحكمة العليا في إسرائيل على مواصلة بناء الجدار واعتبرت أن المحكمة الدولية لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع على الأرض. ولم تؤدِ وجهة النظر هذه إلى أي خطوات عملية ضد إسرائيل، لكنها استُعملت كثيراً ولا تزال من جانب منتقدي إسرائيل كمرجعٍ للدلالة على عدم قانونية السياسات الإسرائيلية في الضفة. ومن المهم الإشارة إلى أن الادّعاء المضاد المُهم الذي ساعد على تخفيف تأثير وجهة النظر القانونية في سنة 2004، كان أن النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يحل عبر القنوات السياسية لا عبر المسارات القضائية، وجرت فعلاً خطوات سياسية في تلك الفترة وما تلاها، ومن ضمنها قرار "فك الارتباط" [الانسحاب من غزة]. بالإضافة إلى ذلك تعرض القرار إلى انتقادات من جانب جهات أُخرى بسبب تجاهله خطر "الإرهاب" في حين كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاربون في العراق وأفغانستان، ضد "جهات إرهابية".
- أمّا فيما يتعلق بالخطوات المتوقعة الآن، فبعد قرار الجمعية العامة، ستبحث المحكمة في صلاحيتها منح رأيها. ومن المتوقع أن تجد أن لديها مثل هذه الصلاحية، ثم يتم اختيار القضاة وتبدأ المداولات بالادّعاءات بحد ذاتها. ويمكن لدول وجهات متعددة أن تقدّم رأيها إلى المحكمة. ومن المتوقع أن يستمر المسار من عام إلى عامين. أمّا بشأن وجهة النظر فمن المتوقع أن تتضمن عدة انتقادات بشأن عدم قانونية السياسات الإسرائيلية في الضفة وشرقي القدس، وخطوات الضم التي تقوم بها، على الرغم من أنه من الصعب تقدير تداعيات هذه الانتقادات. ومع ذلك، فإن وجهة النظر لن تتطرّق مباشرة إلى "الأبرتهايد"، إلّا أنها ستتطرّق إلى "القوانين والوسائل التمييزية". وفي تقرير لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان، تمت الإشارة إلى أن إسرائيل تمارس "التمييز والقمع الممنهج استناداً إلى الهوية القومية، الإثنية، العرقية أو الدينية". هذه الصياغة تسمح للمحكمة بأن تتطرّق في رأيها القانوني أيضاً إلى الادّعاءات القائلة بأن إسرائيل تمارس نظام "أبرتهايد" في الضفة الغربية.
- من المتوقّع أن تطالب وجهة النظر الأمم المتحدة والدول والمنظمات باتخاذ خطوات عملية بهدف الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها غير القانونية، ويمكن أن توصي أيضاً بفرض عقوبات على إسرائيل. وحتى في هذه الحالة، يبدو أن احتمال فرض الأمم المتحدة عقوبات على إسرائيل ضئيل جداً، وذلك بسبب "الفيتو" الأميركي. لكن القرارات القاسية الصادرة عن المحكمة ضد إسرائيل يمكنها أن تؤثر جدّياً في علاقات إسرائيل الخارجية، وأن تؤدي إلى تراجع الدعم لإسرائيل من حلفائها الذين في الأساس لديهم مواقف نقدية تجاه سياسات إسرائيل في الساحة الفلسطينية. فمثلاً، جمّد الاتحاد الأوروبي في بداية كانون الأول/ديسمبر مسودة اتفاق متقدمة لتبادل المعلومات بين شرطة إسرائيل والشرطة الأوروبية، بسبب الخلاف على المعلومات في الساحة الفلسطينية. ويمكن لوجهة النظر أن تشجّع خطوات دبلوماسية أحادية الجانب من طرف الفلسطينيين كطلب انضمام كامل للأمم المتحدة وتعزيز التمثيل الدبلوماسي في دول العالم.
- لا شك في أن وجهة النظر النقدية ستكون سلاحاً بيد حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وأطراف أُخرى تدفع بمبادرات ضد إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أنه وفي أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بدأت تبرز ظاهرة جديدة تقرر من خلالها شركات دولية من جانب واحد الامتناع من العمل في دولة معيّنة لأسباب مبدئية. يمكن لوجهة النظر أن تدفع هذا الشركات إلى خطوات شبيهة ضد إسرائيل. ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنه وفي كانون الأول/ديسمبر، صدرت تقارير تشير إلى أن صندوق الاستثمار النرويجي، الذي يستثمر 1.3 ترليون دولار ويعد من الأكبر بالعالم (استثمر في العام 2020، 1.3 مليار دولار في شركات إسرائيلية)، يدرس من جديد استثماراته في إسرائيل، ليتأكد من أن استثماراته لا تذهب إلى المستوطنات أو الشركات التي تعمل وراء الخط الأخضر. هذا بالإضافة إلى أن العالم يعيش من جديد حالة انقسام بين الدول الديمقراطية - الليبرالية والدول الاستبدادية غير الليبرالية، ويمكن أن تؤدي وجهة النظر إلى تصوير إسرائيل كجزء من المعسكر الثاني.
- يمكن لوجهة النظر أن تؤثر أيضاً في التحقيق بشأن إسرائيل في المحكمة الأُخرى (والمنفصلة) الموجودة في لاهاي، المحكمة الجنائية الدولية (ICC). التحقيق الذي بدأ رسمياً في آذار/مارس 2021، يركّز على الادّعاءات بارتكاب جرائم في الضفة، وشرقي القدس وقطاع غزة بدءًاً من 13 حزيران/يونيو 2014، ويشمل "جريمة المستوطنات"، كما يجري تعريفها في قانون المحكمة. النائب العام للمحكمة، كريم خان، امتنع منذ استلامه المنصب قبل عام ونصف من التطرّق إلى التحقيق، ويبدو أنه ليس في رأس سلّم أولوياته، على الرغم من وجود إشارات إلى أنه من الممكن أن يتقدّم بشكل ما خلال العام المقبل. ويمكن لوجهة نظر المحكمة أن تدفع قدماً بمسارات جنائية ضد جهات إسرائيلية، وخصوصاً في مجال المستوطنات، ويمكنها أن تشكّل أداة ضغط تسرّع التحقيق. هذا بالإضافة إلى أن إقرار المحكمة بوجود تمييز ممنهج يمكن أن يؤثر في التحقيق، حيث تُعد جريمة "الأبرتهايد" ضمن الجرائم ضد الإنسانية ومن صلاحيات المحكمة البت فيها.
- وعلى الرغم من ذلك، يجب التذكير بأن سياسات الدول تنبع من مصالحها أولاً، وهي أوسع بكثير من أن يتم حصرها بالالتزام بالقانون الدولي. لذلك، وحتى لو كانت وجهة النظر نقدية، فإن حجم تأثيرها سيحدده كيفية تعامل المجتمع الدولي معها وتبنّيه لها. كما أن سياسات حكومة إسرائيل وإدارتها ستؤثر في مضمون وجهة النظر ومدى حدّتها أيضاً، وبصورة خاصة في درجة الدعم التي ستحظى بها وجهة النظر لدى المجتمع الدولي. إن التصريحات والخطوات التي تتجاهل بصورة واضحة القانون الدولي، أو يُفهم منها أن ليس لدى إسرائيل أي نية لإنهاء السيطرة على حياة الفلسطينيين ضمن إطار مسار سياسي، ستُستخدم ضد إسرائيل في المعركة الدولية.
...