مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
شنّ سلاح الجو الإسرائيلي هذه الليلة (الخميس) هجوماً على أهداف تابعة لـ"حماس" في قطاع غزة، رداً على صواريخ أُطلقت من هناك على إسرائيل واعترضتها منظومة القبة الحديدية. وذكر الناطق بلسان الجيش أن الطائرات الإسرائيلية هاجمت موقعاً لإنتاج وسائل قتالية، وآخر لإنتاج وتخزين مواد كيميائية تابعة للمنظومة الصاروخية لـ"حماس" في وسط القطاع. وبحسب مصادر فلسطينية، ردّ مسلحون في القطاع على القصف باستخدام الدفاعات الجوية. وسُمعت صفارات الإنذار في سيديروت وأيفيم ونيرعام وباري، كما أُطلقت صفارات الإنذار في قرية غزة. وخلال الليل، حذّر قائد الجبهة الداخلية من تسلُّل "مخربين" إلى مستوطنة بسغوت، وبعد مرور 3 ساعات ونصف الساعة، أعلن أن باستطاعة السكان العودة إلى حياتهم الطبيعية.
في تقدير المؤسسة الأمنية، أن سبب إطلاق الصواريخ في الأمس هو التوترات التي نشأت وسط الأسرى الأمنيين في الأيام الأخيرة في السجون منذ نهاية الأسبوع، جرّاء إرسال عشرات الأسرى الأمنيين في عدد من السجون، بينها سجن كتسيعوت وعوفر، إلى السجن الانفرادي، بسبب احتفالهم بالهجوم في حي النبي يعقوب في القدس، والذي أدى إلى مقتل 7 أشخاص. بعدها بدأ أسرى "حماس" إضراباً عن الطعام.
في تقدير مسؤولين رفيعي المستوى في المؤسسة الأمنية، أنه بالإضافة إلى مهاجمة أهداف لها علاقة بالتنظيمات "الإرهابية" في غزة، جزء من وزراء الحكومة سيطالبون بخطوات أُخرى، مثل تقليص المساحة المسموح بالصيد فيها في البحر، وخفض عدد العمال الذي يعملون في إسرائيل، ووضع قيود على دخول البضائع إلى غزة. وفي تقدير هذه المصادر، أن مصدر إطلاق الصواريخ تنظيمات مارقة في غزة، لذا، من الأفضل الرد بصورة مدروسة وعدم جرّ المنطقة إلى التصعيد.
ورأت مصادر في المؤسسة الأمنية أمس أن القرارات التي اتُّخذت بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين كانت متسرعة، ولم تُتخذ بالتشاور مع الأطراف ذات الصلة. وفي رأيهم، أن مسألة الأسرى هي موضع إجماع وسط السكان الفلسطينيين. وفي تقدير جهات استخباراتية إسرائيلية، أن استمرار هذا السلوك حيال الأسرى الأمنيين يمكن أن يؤدي إلى نشوب العنف. وقال مصدر أمني كبير لـ"هآرتس" إن أي سلوك غير مسؤول إزاء هذا الموضوع يمكن أن يجرّ إسرائيل إلى جولة قتال جديدة في القطاع.
وكانت إدارة السجون وضعت ياسمين شعبان في السجن الانفرادي، وهي من قائدات الأسيرات في سجن دامون، وتنتمي إلى الجهاد الإسلامي، وذلك بعد محاولتها إشعال النار في الزنزانة، بحسب الحراس. في إثر ذلك، أعلنت الأسيرات احتجاجهن ورفضن الخروج من الزنزانات. وانتشرت شائعات في سجون أُخرى أن ياسمين تعرضت للضرب على يد السجّانين، وهو ما أدى إلى تهديد الأسرى بمهاجمة حراس السجن.
وكان المكتب الاعلامي للأسرى الفلسطينيين نشر في الأمس تسجيلاً من سجن دامون سُمع فيه صوت إحدى الأسيرات وهي تدعو الجمهور الفلسطيني والأسرى في سائر السجون إلى دعمهن.
في نادي الأسير الفلسطيني قالوا إن التوترات بدأت عندما عثر الحرس في إحدى الزنزانات على شفرة حلاقة مكتوب عليها "النصر أو الموت شهيداً". بعد هذه الحادثة، جرت عمليات تفتيش إضافية، ونُقل عدد من الأسيرات إلى السجن الانفرادي. كما قررت مصلحة السجون فرض عدد من العقوبات، مثل منع استخدام الهاتف العمومي في السجن، ومنع زيارات عائلات الأسيرات.
في هذه الأثناء، دعت الاستخبارات المصرية كبار المسؤولين في الجهاد الإسلامي إلى اجتماع يُعقد في القاهرة، وطلبت من المسؤولين في الجهاد الامتناع من التصعيد والبحث في تهدئة التوترات مع إسرائيل. وأعلن الناطق بلسان الجهاد الإسلامي أن وفداً من الحركة سيصل إلى القاهرة اليوم، حيث سيلتقي أطرافاً سياسية ويبحث معهم في التطورات على الساحة الفلسطينية.
وتجدر الإشارة إلى أنه جرى في الأسبوع الماضي إطلاق صاروخ من غزة في اتجاه إسرائيل. واعترضت القبة الحديدية ثلاثة صواريخ، وسقط ثلاثة آخرون في أراضٍ مفتوحة، كما أُطلق عدد من القذائف التي سقطت في داخل القطاع. وأعلن الجهاد الإسلامي مسؤوليته عن ذلك، وردّ الجيش الإسرائيلي بمهاجمة القطاع مرتين.
أرسل سفير إيران في الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى الرئيس الدوري لمجلس الأمن، احتجاجاً على هجوم الذي شنته حوامات على منشأة عسكرية في أصفهان - وذكر أن التحقيق الأولي يُظهر أن إسرائيل هي التي تقف وراء الهجوم. ووصف السفير المنشأة بأنها "موقع صناعي" تابع لوزارة الدفاع في المدينة. واعتبر السفير الإيراني الهجوم انتهاكاً للقانون الدولي يجب إدانته. وتطرّق السفير في رسالته إلى تهديدات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ ورئيس الأركان بمهاجمة بنى تحتية حيوية في إيران، ودعا الأمم المتحدة إلى إدانة هذه التهديدات، وأشار إلى أن إيران تحتفظ بحقها الشرعي في الدفاع عن نفسها والرد على الهجمات الإسرائيلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد في أصفهان 4 منشآت صغيرة للأبحاث النووية، تعمل فيها مفاعلات نووية زودت الصين إيران بها قبل عدة أعوام. المنشأة التي تعرضت للهجوم تقع في وسط المدينة، ولا يبدو أن لها علاقة بالبرنامج النووي.
من المنتظر أن يصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد ظهر اليوم إلى باريس، حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه. وسوف يبحث الزعيمان في عدد من الموضوعات السياسية، وعلى رأسها الجهد الدولي لكبح البرنامج النووي الإيراني، وسبل ووسائل توسيع اتفاقات أبراهام. وتجدر الإشارة إلى أن علاقات وثيقة تربط الزعيمين الإسرائيلي والفرنسي منذ الفترة التي كان نتنياهو يتولى فيها رئاسة الحكومة السابقة، وكان آخر لقاء بينهما في كانون الثاني/يناير 2020 في القدس.
وسيلتقي نتنياهو أيضاً خلال زيارته رجال أعمال فرنسيين في المجال المالي، كما سيلتقي زعماء الجالية اليهودية.
سيقوم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس التشاد محمد إدريس ديبي بافتتاح سفارة التشاد اليوم في إسرائيل. وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان نتنياهو والرئيس التشادي في كانون الثاني/يناير 2019 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما.
واستقبل نتنياهو الرئيس التشادي في الأمس، ورحّب به قائلاً: " إسرائيل والتشاد أقامتا علاقات بينهما منذ أيام والدك المرحوم. نحن نعتبر تلك العلاقات مع أكبر دولة في وسط أفريقيا مهمة جداً، ونريد تطويرها ورفعها إلى درجات جديدة أعلى، وزيارتك اليوم إلى إسرائيل هي تعبير عن ذلك."
وتجدر الإشارة إلى أن التشاد قطعت علاقتها بإسرائيل في سنة 1973 بسبب الصراع العربي-الإسرائيلي، واستأنفتها في سنة 2019 خلال الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى التشاد، وكان يومها رئيس التشاد الحالي رئيساً للوزراء.
وذكر موقع "N12" أن الموساد لعب دوراً مهماً في عملية استئناف العلاقات مع التشاد، وأن الهدف الإسرائيلي من ترسيخ العلاقات هو السماح للشركات التكنولوجية الأمنية الإسرائيلية تصدير منتوجاتها الأمنية إلى التشاد، بالإضافة إلى هدف مركزي آخر وراء تطبيع العلاقات مع التشاد، هو تشجيع دول أفريقية أُخرى كي تحذو حذوها. بالإضافة إلى ذلك، هناك هدف آخر مهم جداً هو إحراز تقدُّم في التقرب من السعودية، انطلاقاً من الإدراك أن دولاً إسلامية كبيرة، مثل إندونيسيا وماليزيا، تنتظران إشارة من السعودية لإقامة علاقات مع إسرائيل. وفي رأي مصادر أمنية إسرائيلية، فإن تحقيق تقدُّم في اتجاه السعودية سيكون له تأثير الدومينو بالنسبة إلى العلاقات مع دول أفريقية أُخرى.
في المقابل، نقلت صحيفة "هآرتس" (1/2/2023) عن مصدر سياسي إسرائيلي توقُّعه انضمام السودان إلى اتفاقات أبراهام في وقت قريب. ووفقاً للصحيفة، تجري الاتصالات مع السودان بمساعدة أميركية.
وسبق أن أعلن السودان نيته الانضمام إلى اتفاقات أبراهام في تشرين الأول/أكتوبر 2020، وفي كانون الثاني/يناير 2021 وقّع مع وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين الجزء الإعلاني من الاتفاق، لكنه لم يوقّع لاحقاً وثيقة الاتفاق مع إسرائيل، بعكس الإمارات والبحرين.
وقبل عامين، شهد السودان انقلاباً عسكرياً، بعده قالت مصادر إسرائيلية إن الرغبة في إقامة علاقات علنية بين الدولتين تراجعت. وعلى الرغم من ذلك، فإن العلاقات الجيدة استمرت بين المستوى السياسي - الأمني في إسرائيل وبين كبار المسؤولين في الحكم العسكري في السودان، وقامت وفود إسرائيلية بعدة زيارات إلى السودان بطلب من الولايات المتحدة في محاولة لحل الأزمة السياسية.
وذكر المصدر السياسي أن إسرائيل تتوقع الدفع قدماً الآن باتفاقات مع دول أُخرى، بينها موريتانيا وإندونيسيا، وتوقّع انضمام سبع أو ثماني دول عربية أو إسلامية جديدة إلى اتفاقات أبراهام.
- منذ تجدُّد الهجمات "الإرهابية" في آذار/مارس 2022، تعمل منظومة الأمن الإسرائيلية بشكل مستمر وبـ"شجاعة" عملياتية، بهدف قمع النشاط "الإرهابي". وفي هذا السياق، فإن العمليات التي جرت نهاية الأسبوع تشكل علامة فارقة صعبة في الصراع، لكنها ليست نقطة تحوُّل.
- وفي العودة إلى السؤال الكبير: لماذا يجري هذا مرة أُخرى؟ من المفضل العودة إلى مقال زئيف جابوتنسكي تحت عنوان "الجدار الحديدي"، والذي نُشر للمرة الأولى في سنة 1923.
- بتحليل شجاع، ونظرة استثنائية، اعترف جابوتنسكي قبل 100 عام بأن دوافع النضال العربي جدّية وجوهرية، ولذلك، لا يمكن إنهاء الصراع بالاتفاق على النيات الحسنة، أو من خلال منح مقابل ممكن ومناسب. لقد كان جابوتنسكي الأول في القيادة الصهيونية الذي تجرأ على الاعتراف بوجود قومية عربية على "أرض إسرائيل". ومن هذا الاعتراف أقرّ بعدها: "المصالحة بالاتفاق ما بيننا وبين العرب عموماً، لا يمكن أن تتم الآن، ولن تكون ممكنة في المستقبل المنظور." وأضاف: الأوهام بأنهم سيوافقون على تحقيق الرؤية الصهيونية مقابل فائدة ثقافية أو مادية تعود عليهم بسبب المستعمر اليهودي، هو تفكير طفولي."
- وعلى الرغم من ذلك، عاد وطرح الأمل في واقع فيه هناك قبول عربي بالطريق الصهيوني، بشرط أن تقوم الحركة الصهيونية ببناء قوة صامدة على شكل "جدار حديدي لا يستطيع المجتمع المحلي (العربي) اختراقه."
بن غوريون تبنّى منطق "الجدار الحديدي"
- بعد عشرة أعوام على نشر "الجدار الحديدي"، وخلال سلسلة لقاءات أجراها بن غوريون مع قيادات عربية، حاول ومن خلال التجربة فحص استنتاجات جابوتنسكي. يصف شفتاي تيفت بالتفصيل في كتابه "بن غوريون وعرب أرض إسرائيل" هذه اللقاءات وتأثيرها في تطوّر رؤية بن غوريون بشأن المسألة العربية. وبحسب تيفت، فإن بن غوريون وصل إلى هذه اللقاءات وكان متفائلاً، ولديه الأمل بإيجاد "أرضية مشتركة للحركة الصهيونية والحركة العربية القومية." إلّا إن هذه اللقاءات زعزعت لديه الافتراض بأنه يمكن سدّ الفجوات بين الطموحات الصهيونية والطموحات العربية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1935، وفي أعقاب ما قام به عز الدين القسّام الذي "قُتل" في معركة ضد البريطانيين في يعبد، قال خلال جلسة لـ"المباي": "للمرة الأولى، يوجد لدى العرب تل حاي الخاص بهم." وأضاف أنه "يوجد لدينا ظاهرة جديدة تنمو في أوساط العرب... ليست قضية طموح سياسي أو عوائد مالية، إنما التضحية بالذات من أجل "الله"، وفي هذه اللحظة، لا يوجد فقط واحد، إنما آلاف..."
- مع بداية ثورة 1936، وخلال نقاش في مركز "مباي"، قال بن غوريون إنه وصل إلى استنتاج مفاده أنه "لا يوجد احتمال للوصول إلى تفاهم مع العرب." لذلك، يجب الوصول إلى تفاهمات مع البريطانيين، مضيفاً: "ماذا يمكن أن يدفع العرب إلى تفاهمات معنا؟ الوقائع! فقط بعد أن نتمكن من فرض حقيقة جماعة يهودية كبيرة في أرض إسرائيل، بعد أن يكون هنا قوة يهودية لا يستطيع أحد إزاحتها. حينها فقط، ستكون الظروف ملائمة للحوار مع العرب." هذه الأقوال، من حيث المعنى الحرفي والمضمون، عكست تبنّي بن غوريون الكامل لموقف زئيف جابوتنسكي كما جاء في "الجدار الحديدي" منذ سنة 1923.
الجدار الحديدي وعلاقته بالعقيدة الإسلامية
- على الرغم من أن جابوتنسكي لم يكن متخصصاً بالعقيدة الإسلامية والتعددية الثقافية العربية، فإن رؤيته تطرّقت إلى جذر الوعي الذي يؤَسَّس عليه نضال المؤمنين بالدين الإسلامي. ما يُعرف اليوم بالمقاومة - توجد له أساسات دينية وقيم إسلامية تشير إلى واجب النضال. المصطلح يشير إلى واجب ديني بعدم ترك النضال من جهة، ومن جهة أُخرى، يعكس الفهم الإسلامي الملتزم بفهم الواقع وضرورة التعامل معه.
- تشير استراتيجية "الجدار الحديدي" بعلاقتها مع أساسات الوعي الإسلامي إلى أنه وعلى الرغم من أن دافع النضال ضد الصهيونية لن ينتهي أبداً، فإنه في الوقت نفسه، يمكن الوصول معها إلى استقرار وتصالُح موقت. وهذا لا يتم من خلال النيات الحسنة، إنما من خلال تفوّق وإرادة القوة اليهودية. وفي النهاية، وكما في كل منظومة مركّبة، فإن نقطة التوازُن الصامدة للقوة الصهيونية ستكون دائماً عرضة للإهتزاز ولن تكون أبداً نهائية وثابتة، ولذلك، يجب ترميمها وتجديدها كل يوم.
التصدعات الجديدة في الجدار الحديدي
- يمكن من خلال فهم منطق "الجدار الحديدي" أن يتم تفسير صراعات إسرائيل الحالية. التصدعات في صورة الجدار الحديدي الصهيوني يمكن أن تفسّر، إلى حد بعيد، عودة ارتفاع منسوب المقاومة العربية.
- هذه التصدعات متعددة الأبعاد، وهذه بعض مميزاتها الأساسية:
- في البعد المناطقي، هناك اتجاه مقلق في مجال انتشار السكن اليهودي في دولة إسرائيل. هذا الاتجاه يتركز في قيام حكومة إسرائيل بالبناء المركز في حزام الشاطئ، من نهاريا، وصولاً إلى أشكلون. اليهود يتركون المناطق الواسعة في الدولة ويتركزون في أبراج حزام الشاطئ. وفي مناطق واسعة، وبصورة خاصة الجليل والنقب، اليهود تحولوا إلى أقلية واضحة. يعيش نحو 15% من اليهود في وسط الجليل فقط. وهو ما يشير إلى أن المشروع الصهيوني ترك عملياً طموحه بمأسسة سيطرة يهودية على كافة مناطق "أرض إسرائيل". وبكل ما يخص الانتشار الإسرائيلي في مناطق أبعد من حزام الشاطئ، فإن الرسالة الصهيونية التي تفيد بأننا "هنا لنبقى" تتصدع.
- المجتمع الإسرائيلي تخلى منذ وقت عن جاهزيته للعيش في حالة صراع، والوعي بأننا أمة طلائعية، مسلحة ومجندة. الادّعاء السائد هو أن الدولة أقيمت وأيام الطلائعية والتضحية انتهت. المجتمع الإسرائيلي يميل إلى إنكار الحقيقة البسيطة، وهي أن الدولة، ككل ظاهرة طبيعية وإنسانية، موجودة في دائرة دائمة من التطور والتراجع، وفي حالة تقلُّب دائم بين الاستقرار والصراع، بين النمو والتراجع، بين النهوض والانهيار. لذلك، فإن انهيار الوحدة الوطنية والصراعات الآخذة بالازدياد بشأن الهدف القومي المشترك هي بمثابة إشارة إلى شقوق آخذة بالتوسع في أساسات الجدار الحديدي. الاحتجاجات الاجتماعية للمواطنين اليهود الذين يهددون أنه في ظروف سياسية مختلفة سيجدون طريقهم إلى المنفى من جديد، تؤدي إلى تصدعات كبيرة.
- في هذه الظروف، الواجب الأساسي للقيادة القومية الإسرائيلية هو إعادة بناء الجدار الصهيوني الصلب والمتعاضد.
- بعد شهر على تأليف الحكومة، تواجه إسرائيل تهديدات متعددة الأبعاد، تنبع من المزيج ما بين مسارات داخلية سلبية وبين القدرة على التعامل مع تحديات خارجية متصاعدة. الحديث يدور، أولاً وبالأساس، عن خطر تآكل الوحدة الداخلية والحصانة الاقتصادية لإسرائيل، واحتمالات الانجرار الحاد والسريع في مواجهة السلطة الفلسطينية والتهديد المتزايد من إيران.
- وأكثر من ذلك، فإن الخطوات التي تطمح الحكومة إلى الدفع بها قدماً، تتعارض جوهرياً مع المواقف الأساسية للإدارة الأميركية في قضايا ترتبط بالقيم الليبرالية والعلاقات مع الفلسطينيين. لذلك، يجب النظر إلى التوضيحات المتكررة من الإدارة بخصوص السياسة المتوقعة من الحكومة كتحذير استراتيجي بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين.
- صحيح أن المسارات المتوقعة سلبية، لكن الحديث يدور عن مسارات يمكن قلبها، ويمكن أن تغيّر الحكومة الاتجاه الذي تتطور فيه هذه المسارات. لذلك، على الحكومة أن تتبنى طريقة أكثر حذراً ونضوجاً سياسياً، كما جرى خلال إخلاء بؤرة "أور حاييم"، وأيضاً من خلال زيارة رئيس الحكومة إلى الأردن، بهدف منع التصعيد والحفاظ على الارصدة الاستراتيجية لدينا، وعلى رأسها العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة والتعاون مع دول "السلام" والتطبيع. التدريب العسكري المشترك مع الجيش الأميركي يدلل على أهمية التنسيق الاستراتيجي العملياتي مع الولايات المتحدة.
- عملياً، على الحكومة أن توقف نهائياً الدفع بالإصلاحات القضائية، والامتناع من القيام بخطوات تبدو أنها تحضير للضم وتغيير في الوضع القائم في المسجد الأقصى. وفي المقابل، فإن الاستمرار في السياسة الحالية، سيؤدي إلى تأزيم التهديدات التي تقف أمام إسرائيل، ويضر بقدرة الحكومة على صوغ ردّ استراتيجي شامل للتعامل معها.
المنظومة الفلسطينية في حالة غليان
- مقابل المنظومة الفلسطينية، يتصاعد التوتر الناتج من مزيج ما بين "العنف" في الميدان وبين الأزمة الحادة بين إسرائيل والسلطة في أعقاب حسم أموال العائدات. وفي الخلفية، هناك استياء دولي متصاعد بسبب إسقاطات خطوات الحكومة الجديدة، بالأساس بكل ما يخص موقفها من مكانة السلطة والضرر الذي سيلحق بها اقتصادياً.
- لذلك، فإن احتمالات أن تكون إسرائيل والسلطة الفلسطينية على مسار اصطدام تتعزز، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة مكانة السلطة، التي تعاني أيضاً جرّاء تراجُع مكانتها الجماهيرية وضعف قدرتها على ضبط الميدان. وبالإضافة إلى التحدي القائم بكل ما يخص الفراغ الذي ستتركه ومَن سيملأ هذا الفراغ، ترتفع احتمالات المواجهة كلما اقترب شهر رمضان، الذي سيحلّ في آذار/مارس القادم. التصعيد في الضفة الغربية، وبصورة خاصة إذا كان له علاقة بالمسجد الأقصى، فيمكن أن ينعكس على جبهات أُخرى، ومن ضمنها الجبهة الداخلية في إسرائيل. وليس هذا فقط، إن تصعيداً كهذا يمكن أن تستغله "حماس" التي تحاول الدفع قدماً بعمليات "إرهابية" في الضفة الغربية.
تحذير أردني
- الهدف من زيارة رئيس الحكومة العلنية الأولى منذ سنة 2018 إلى الأردن، هو بثّ رسالة تعكس أهمية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع المملكة بالنسبة إلى إسرائيل. وجاءت الزيارة في أعقاب "زيارة" الوزير بن غفير إلى المسجد الأقصى، وحادثة منع دخول السفير الأردني إلى المسجد الأقصى. البيان الذي صدر عن الأردن في ختام الزيارة يعكس الحساسية العالية للسياسة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، في ظل التخوف من أن تقوم الحكومة الجديدة بتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة، بشكل يضرّ بمكانة الأردن الخاصة، كما تم صوغها في اتفاقية "السلام".
- الشراكة الاستراتيجية ما بين إسرائيل والأردن مركّب مركزي في رؤية الأمن القومي الإسرائيلي، وفي المعركة الشاملة ضد إيران والتهديد "الإرهابي". لذلك، على إسرائيل الاستمرار في العمل لتقوية المملكة والامتناع من اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب، وخصوصاً في المسجد الأقصى، من شأنها أن تشعل مواجهة "عنيفة" مع الفلسطينيين، وتؤثر في مكانة الملك عبد الله. وفي هذا السياق، نقترح أن تعمل الحكومة على تعزيز مكانة موظفي الأوقاف في المسجد الأقصى وتعزيز التنسيق معهم.
الحرب في أوكرانيا - التصعيد المقبل
- روسيا وأوكرانيا تتجهزان لتصعيد القتال خلال الأسابيع المقبلة، عندما تسمح حالة الطقس والميدان بذلك. وفي هذا الإطار، تبرز الجاهزية لدى الغرب لتزويد أوكرانيا بمنظومات أسلحة أساسية، وعلى رأسها منظومة "باتريوت" ودبابات متطورة. وهذا ينبع من الفهم أنها الطريقة الوحيدة التي يمكنها أن تسمح لأوكرانيا بكبح الهجوم الروسي المضاد، وفي الوقت نفسه، القيام بهجوم خاص بها.
- وإلى جانب ذلك، يبدو أن المحور الاستراتيجي ما بين روسيا وإيران لا يزال يتوسع، وهناك حديث عن تزويد إيران بطائرات SU-35 خلال الربيع. عملياً، كلما استمرت الحرب وازداد النقص بالأسلحة لدى روسيا، كلما ازداد اعتماد موسكو على المساعدة العسكرية الإيرانية. ونتيجة لذلك، سيزداد أيضاً استعداد موسكو لمنح إيران قدرات عسكرية وتكنولوجية تساعدها على تعزيز مواقعها.
- وفي هذه الظروف، فإن الاحتمالات أمام إسرائيل للتغلب على العلاقات الآخذة بالتطور بين روسيا وإيران ضئيلة جداً. لذلك، نقترح على الحكومة تركيز جهودها على الأهداف المحدودة التي تتماشى مع المصالح الروسية- والتأكد من أن روسيا لن تساعد إيران في مجال النووي العسكري، ولا تغيّر سياستها في سورية.
- على إسرائيل الاستمرار في السياسة الحذرة التي تسمح لها بالوقوف، قيَمياً و"أخلاقياً"، إلى جانب أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، الامتناع من مواجهة روسيا، بهدف الحفاظ على حرية الحركة والعمل ضد أهداف إيرانية في المنطقة. نقترح عملياً، على الحكومة الاستمرار في التعبير عن دعمها القاطع لأوكرانيا، وتزويدها بمساعدة واسعة ضمن إطار القيود القائمة، مع الامتناع من تزويدها بمنظومات دفاع جوي وأسلحة أُخرى.
الحصانة القومية - تراجُع وانقسام
- يمكن القول، بوضوح، ومن دون حسابات إحصائية، أنه وفي مؤشر الوحدة الداخلية الاجتماعية، هناك تراجُع جدّي وواضح خلال الأسابيع الأخيرة داخل المجتمع الإسرائيلي. وهذا بالأساس بسبب خطوات الحكومة في المجال القضائي. ما عرّفته الحكومة كإصلاحات قضائية لتعزيز الديمقراطية، هو بحسب فئات واسعة داخل المجتمع، انقلاب على الحكم، يُضعف الديمقراطية ويعزز نظام حكم مركزي وعدواني.
- يشير التحليل العملي لمكونات الاصلاحات المقترحة إلى أن هذه التغييرات ستغيّر جوهرياً في نظام الحكم في إسرائيل. فمن جهة، يمكن أن يؤدي التغيير في تركيبة لجنة اختيار القضاة إلى ضرر جدّي على مستوى مهنية القضاة والثقة بهم، كما سيجعل النظام القضائي خاضعاً للحكومة والكنيست. وفي حال تم الدفع قدماً بـ"فقرة التغلب" بأغلبية 61 عضو كنيست فقط، فستسمح للحكومة بالالتفاف على كل قرار للمحكمة العليا، وتجاهُل المبادئ الديمقراطية الكثيرة. أما إبطال "مبرر المعقولية" المتّبع في أغلبية الدول الغربية، فسيضر جدّياً باستقلالية المحكمة وقدرة الفرد على الدفاع عن نفسه أمام السلطات. والخطوة الأخيرة هي تحويل المستشارين القضائيين في مكاتب الحكومة إلى موظفين موالين للوزير، وهو ما يمكن أن يضر بمهنيتهم، ويشكل فجوة يمكن من خلالها اتخاذ قرارات من دون أي قيود قانونية جوهرية.
- هناك تخوُّف جدّي من إضعاف الديمقراطية، يبدو واضحاً مع تحليل الخطوات التي تنوي الحكومة تطبيقها في المجال القضائي. الهدف من هذه الخطوات هو خلق قدرة حوكمة مطلقة للحكومة ومَن يقف على رأسها، من دون أي إزعاج أو نقد قضائي، كما يجري في الأنظمة الديكتاتورية الأُخرى في العالم. وسيكون لذلك تداعيات سلبية على مكانة إسرائيل وصورتها وحصانتها الاقتصادية في العالم، وكذلك على قدرتها على العمل في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها.
- من شأن هذا المسار أن يعمّق، أكثر فأكثر، من التصدع والانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، في وقت تجري خطوات أُخرى إضافية وسريعة، يمكنها أن تؤثر في قدرة الحكومة على التعامل مع الجهات الدولية، وتعمّق التصدع والانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، في مجال التعليم والعلوم والتديُّن، وفي مجال الخدمة العسكرية، وصلاحيات المرجعيات الدينية العسكرية، وصلاحيات التنسيق في الضفة، بالإضافة إلى مجال المواصلات العامة في أيام نهاية الأسبوع. إذاً، يبدو أن هناك تراجعاً حاداً ومستمراً في مجالات الحصانة الوطنية، يمكنه أن يؤثر مباشرةً في مجال الأمن القومي والاقتصادي الإسرائيلي.