مختارات من الصحف العبرية
مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
ذكر بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن الجيش أسقط أمس (الخميس) طائرة مسيّرة عبرت الأراضي اللبنانية في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.
وأضاف البيان أنه تمت مراقبة المسيّرة بواسطة جهاز المراقبة الجوية طوال الحادث، وأكد أن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل منع أي انتهاك لسيادة دولة إسرائيل، مشيراً إلى أن الطائرة كانت صغيرة من دون طيار وغير مسلحة، وتم إسقاطها من خلال استخدام الحرب الإلكترونية.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ["أمان"] اللواء أهارون حليفا حذّر في سياق خطاب ألقاه أمام مؤتمر هرتسليا يوم الإثنين الماضي، من أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يقترب من ارتكاب خطأ من شأنه أن يؤدي بالمنطقة إلى حرب كبرى، حتى بعد مرور 17 عاماً على الخطأ الذي ارتكبه نصر الله في سنة 2006، في إشارة إلى حرب لبنان الثانية.
كما تكلم في المؤتمر ذاته وبنفس اللهجة كلٌّ من وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي.
وقال غالانت: "في الآونة الأخيرة، شهدنا اتجاهاً ملحوظاً لتقارُب بين عدة جبهات. وخلف التهديدات التي نواجهها حالياً في غزة ولبنان وسورية ويهودا والسامرة [الضفة الغربية]، هناك علاقة وثيقة تربط هذه الجبهات ببعضها البعض، وهي تعود إلى إيران التي تمثل أكبر تهديد للاستقرار الإقليمي والعالمي."
هذا، وتم إسقاط الطائرة المسيّرة باستخدام وسائل الحرب الإلكترونية، إذ يتم إرسال إشارات عن بُعد تعطل حركة الطائرة وتتسبب بإسقاطها. وفي العامين الماضيين، وبهذه الطريقة، أسقط الجيش الإسرائيلي عدة طائرات من دون طيار عبرت حدود لبنان وحدود قطاع غزة. وفي الآونة الأخيرة، تم أيضاً اعتراض طائرة من دون طيار، تسللت من سورية إلى إسرائيل باستخدام هذه الطريقة، وهو ما يشير إلى ترقية قدرات الحرب الإلكترونية التي يقودها مركز الحرب الإلكترونية في قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المرتبط بالقوات البرية والجوية والبحرية.
شارك المئات من جنود تشكيلات الاحتياط صباح أمس (الخميس) في تظاهرة أقيمت قبالة المقر الرسمي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في القدس، احتجاجاً على قيامه بتدمير العلاقات الاستراتيجية المهمة مع الولايات المتحدة.
وقال بيان صادر عن الشرطة الإسرائيلية إنها صدّت مجموعات كبيرة من المتظاهرين من جماعة "إخوة في السلاح"، بعد أن دخلوا إلى المنطقة العازلة المحيطة بالمقر، وتجاهلوا التعليمات بإخلاء الطريق، وتم اعتقال اثنين منهم واقتيدا إلى الاستجواب.
ولوّح المتظاهرون بالأعلام الإسرائيلية والأميركية، وقال بعضهم إن نتنياهو يبتعد عن أكبر حليف لإسرائيل، حتى في الوقت الذي تندفع إيران نحو الحصول على أسلحة نووية.
وجاء في بيان الدعوة إلى هذه التظاهرة: "إن الولايات المتحدة تقاطع نتنياهو، وإيران تندفع نحو صنع قنبلة نووية بسبب انقلاب سيقضي على الديمقراطية الإسرائيلية [المقصود خطة التغييرات في جهاز القضاء]. إن نتنياهو خسر أفضل صديق لنا، ويحاول أن يلهينا مع التجميدات والمحادثات المزيفة. على نتنياهو أن يختار الآن: إمّا إسرائيل قوية وديمقراطية، أو قنبلة إيرانية ستعرّضنا جميعاً للخطر."
يُذكر أن واشنطن لم توجّه دعوة إلى نتنياهو لزيارة رسمية منذ أن شكّل ائتلافه الحكومي المؤلف من الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة في نهاية العام الماضي. وأبدت الولايات المتحدة مخاوفها من تصريحات عناصر يمينية متطرفة في الحكومة، ومن الإصلاح الذي يخطط الائتلاف الحكومي للقيام به في الجهاز القضائي وأدى إلى أشهر من الاحتجاجات الأسبوعية الحاشدة، بما في ذلك من طرف جماعة "إخوة في السلاح". ويقول منتقدو الإصلاح إنه سيُضعف قدرة المحكمة العليا على ضبط وموازنة الكنيست، وهو ما يضر بشكل خطِر بالطابع الديمقراطي لإسرائيل.
وعلى الرغم من أن نتنياهو علّق الإصلاح في أواخر آذار/مارس الماضي، بينما تُجرى مفاوضات مع أحزاب المعارضة، بهدف التوصل إلى صيغة متفَّق عليها للإصلاح، فإن رئيس الحكومة أعلن، بعد إقرار الكنيست ميزانية الدولة العامة، أنه سيدفع الآن قدماً بالإصلاح القضائي.
وحذّر رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي، خلال خطابه أمام مؤتمر هرتسليا يوم الثلاثاء الماضي، من تطورات سلبية محتملة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتخصيب اليورانيوم، وأكد أن من شأن هذه التطورات دفع إسرائيل إلى الرد.
وقال هليفي: "من دون الخوض في التفاصيل، هناك تطورات سلبية محتملة في الأفق، قد تدفعنا إلى اتخاذ إجراءات."
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن خطة التغييرات في جهاز القضاء ستعود بالتأكيد إلى الواجهة، بعد الانتهاء من المصادقة على الميزانية العامة للدولة لسنتيْ 2023 و2024، وأضاف: "إننا في خضم التعامل مع تلك الخطة، ونحاول التوصل إلى تفاهمات مع المعارضة بشأنها."
وجاءت أقوال نتنياهو هذه في سياق تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام، بعد انتهاء جولات التصويت على الميزانية العامة للدولة، وعلى قوانين التسوية المرفقة بها، في الكنيست فجر أمس (الأربعاء)، وذلك فور خروجه من قاعة الكنيست وعلامات الرضا بادية على وجهه.
يُشار إلى أن رئيس الحكومة أعلن تعليق خطة التغييرات في جهاز القضاء لغاية الأول من حزيران/يونيو المقبل، وذلك لإتاحة المجال أمام إمكان التوصل إلى تفاهمات بشأنها، بدلاً من الصدام مع المعارضة التي تنظّم احتجاجات مساء كل سبت في شتى أنحاء البلد، رفضاً لهذه التغييرات.
وتُجرى حالياً مباحثات بين المعارضة والائتلاف الحكومي برعاية رئيس الدولة في مقر إقامته في القدس، بغية التوصل إلى تفاهُم يرضي الطرفين بخصوص هذه التغييرات.
وتعقيباً على تصريحات نتنياهو هذه، توعّد رئيس تحالُف "المعسكر الرسمي" عضو الكنيست بني غانتس بالعودة إلى التظاهرات بقوة في شوارع البلد، في حال حاول الائتلاف الحكومي إعادة مسألة التغييرات في جهاز القضاء إلى واجهة الأحداث.
وقال غانتس، الذي يحظى مؤخراً بشعبية واسعة، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أمس، إنه في حال عودة الائتلاف الحكومي اليميني إلى طرح التغييرات القضائية للتصويت في الكنيست، ستهتز أركان الدولة من شدة التظاهرات التي تنوي المعارضة تنظيمها.
وأضاف غانتس: "ما أفهمه الآن هو أن نتنياهو يعاني مرة أُخرى جرّاء جنون العظمة، وذلك بعد تمريره الميزانية التي ستنفجر في وجوهنا، ولكنني مضطر إلى تذكيره بأنه من الغباء العودة إلى تكرار الخطأ ذاته وتوقُّع نتائج مغايرة. في حال عودة الانقلاب القضائي إلى الواجهة، فسنهز أركان الدولة، ونوقف تلك القوانين."
- لم يكن لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الكثير من الوقت لتفرح بنجاح حملة "درع وسهم" في غزة. بعد نهاية الحملة، بدأت تتراكم الأنباء المقلقة من الشمال، من لبنان وسورية. لم تصل بعد إلى مستوى تحذيرات طارئة، لكنها مقلقة لدرجة أنها دفعت القيادة الأمنية إلى جولة تحذيرات علنية لـ"حزب الله".
- حقيقة أن تنظيماً صغيراً، مثل "الجهاد الإسلامي"، نجح في إزعاج نصف دولة إسرائيل على مدار 5 أيام-نبهت "حزب الله" إلى رغبته في أن يعود ويشعر مرة أُخرى بأنه التنظيم القائد للمقاومة ضد إسرائيل.
- "حزب الله" يبحث في عدة أفكار بشأن عمليات ضد إسرائيل من لبنان، وأيضاً سورية، بعد شهرين على إدخاله "مخرباً" فلسطينياً قام بتنفيذ عملية على مفرق "مجيدو". يبدو أن الإيرانيين أيضاً، الذين طالبوا نصرالله حتى الآن بتبنّي نهج حذر والامتناع من الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، مستعدون الآن لمنحه حبلاً أطول.
- عندما ندمج هذه الحقيقة مع حقيقة أنه منذ عام، يقترب مقاتلون من "قوة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله" إلى الحدود أكثر فأكثر-تغدو الصورة مقلقة أكثر. "قوة الرضوان"، التي تحوي عدداً يتشكل من مجموعة من الأفواج تدربت على اختراق السياج الحدودي والسيطرة على مستوطنة إسرائيلية، أقامت في الآونة الأخيرة عدة مواقع متاخمة للحدود.
- بصورة عامة، تتكون هذه المواقع من حاويات، لكن يجري حولها الكثير من الأعمال اللوجستية: حركة مركبات وتزويد، دوريات مراقبة-والهدف من هذا كله هو تعويد الجيش على وجودهم على بُعد خطوة عن الحدود.
- أغلبيتهم من خرّيجي الحرب في سورية، لديهم تجربة عسكرية غنية، ومنذ ذلك الوقت، مرت عليهم سنوات بطالة، لم تساعدهم كثيراً. فقبل 6 أعوام، عادوا من سورية محصّنين، لياقتهم البدنية في الذروة، لكن خلال زياراتي إلى الحدود في العامين الماضيين، كان من الصعب عدم رؤية الكروش التي ظهرت عند البعض منهم.
- وعندما ننظر، عن قُرب، إلى العرض العسكري الذي نظّموه الأسبوع الماضي للصحافيين في جنوب لبنان، يمكن ملاحظة تآكل الأدوات القتالية أيضاً: الشاحنات، المركبات العسكرية وراجمات الصواريخ، كلها يبدو عليها القِدم، وترميمها ليس على أفضل وجه-هذه أدوات للاستعمال مرة واحدة.
- قدراتهم العملياتية الخاصة أيضاً لم تعد كما كانت عليه. فخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، فشل "حزب الله"، المرة تلو الأُخرى: إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية في سنة 2019 أخطأ؛ خلية حاولت التسلل إلى معسكر "غلديولا" في "مزارع شبعا" في سنة 2020 هربت، والجيش قرر تركها؛ محاولة قنص قوة عسكرية في المنارة في سنة 2020-فشلت هي الأُخرى؛ وحتى العملية في مجيدو، التي كان من المفترض أن تقتل عدة إسرائيليين-نُفّذت بشكل غير محترف.
- لم يجد "حزب الله" حتى اليوم بديلاً من العقل العملياتي المبدع لعماد مغنية، بعد 15 عاماً على اغتياله في دمشق. يشرحون لنصرالله في التنظيم أن إسرائيل المنقسمة لن تتجرأ على خوض حرب ضدهم، حتى لو تعرضت لهجوم مؤلم. يمكن أن يكونوا على حق. نتنياهو لم يتجرأ يوماً على قيادة إسرائيل إلى حرب. لكن رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات حاولا إقناع نصرالله بأنه إذا تجرأ على تنفيذ عملية-فهو يخاطر بمواجهة واسعة.
الافتراض الأساسي: المفاجأة
- بعد أن عدّدت نقاط ضُعف التنظيم-لا يجب الاستهتار به. لديه قوة برية مدربة، يصل تعدادها إلى آلاف الأشخاص الذين يستطيعون، عند صدور الأوامر، اختراق الحدود و"احتلال" بلدة إسرائيلية. وخلفها، هناك منظومة قوية من الصواريخ والقذائف تقدم له تغطية بقوة النار، وتستطيع إلحاق ضرر كبير بالجبهة الداخلية، وضمنها إلحاق الضرر الدقيق بأهداف استراتيجية في إسرائيل.
- الجيش يفترض أن تفعيل "قوة الرضوان" سيكون فقط في سيناريو تصعيد تدريجي، أو يحدث بعد تحذيرات استخباراتية واضحة. في جميع الأحوال، إن الافتراض الأساسي يجب أن يكون أننا سنتفاجأ: بالتوقيت، أو المكان، أو بكليهما.
- قدرات الجيش في حال حدوث اختراق بري من الشمال محدودة. لم يعد سراً أن القوات البرية على الحدود الشمالية باتت أقل خلال الأعوام الماضية، وانتقلت إلى حساب النشاط في الضفة. النقص بالأساس في قيادة الجبهة الشمالية هو في عدم وجود كبير لمدافع الدبابات التي يجب أن تتواجد بشكل دائم هناك، ويمكنها استخدام قوة نار كثيفة لإحباط اختراق "قوة الرضوان" وتدفيع القرية التي تخرج منها القوة الثمن.
الجروح لم تشفَ
- "حزب الله" ومرسلوه الإيرانيون يعلمون جيداً بأن الحرب مع إسرائيل ستكون الحرب الأخيرة لـ"حزب الله"، وتترك لبنان خراباً. الإيرانيون يوضحون لنصرالله أنهم قاموا ببناء قوته الكبيرة كي يستطيع ردع إسرائيل عن ضرب إيران، أو عقابها في حال وجّهت ضربة. ممنوع أن ينجرّ إلى حرب في أي سيناريو آخر.
- بعد أن أخطأ في حساباته قبل17 عاماً، وجرّ لبنان إلى حرب لم يكن يرغب فيها، عاد نصرالله ليؤمن بأنه يتقن قراءة المجتمع ومتّخذي القرار في إسرائيل أكثر من الجميع. مؤخراً، يتصرف كأنه جاهز للمخاطرة أكثر، ويسير على عتبة الحرب. "حزب الله" لا يزال يعاني جرّاء جروح حرب لبنان الثانية، ونحن أيضاً.
- القوة التي ستُستخدم خلال حرب لبنان الثالثة، على أمل ألّا تأتي، ستخرّب جارتنا الشمالية كلياً، وتترك في الوعي الإسرائيلي جروحاً عميقة أشك في التعافي منها. هذا سبب كافٍ للطرفين كي يتصرفا بحذر، وعدم الانجرار إلى هاوية حرب كهذه. الأيام القريبة ستكشف ما إذا كانت التحذيرات الإسرائيلية حققت أهدافها، أم أن الحدود الشمالية ستعود لتكون ساحة حرب فاعلة.
- من الممكن أن يكون "حزب الله" صادقاً ويقرأ ضعفنا بصورة صحيحة. ففي الوقت الذي يقوم بعمليات الإحماء على الحدود، وإيران تقفز بصمت وثقة نحو النووي-حكومتنا مشغولة بمسألة تدليل طلاب المدارس الدينية العاكفين على دراسة التوراة كي لا يخرجوا للعمل، وإلى أي حدّ يجب رفع المساعدة لمؤسسات تعليمية لا تقوم بتدريس أي شيء.
- بعد هدوء خمسة أيام، وقبل أن ننسى أصوات القذائف التي سقطت علينا من الجنوب، تجددت حملة النهب والانتقام التي تقوم بها الحكومة، ولا تسمح لأي واقع بمنعها من تحقيق أطماعها.
- ينظر رئيس الحكومة إلى هذا الهيجان، كأنه لا علاقة له به، لكنه على الأقل، لم يفقد روح الدعابة: ففي اليوم الذي حذّر رئيس هيئة الأركان من تقدُّم المشروع النووي الإيراني، أثبت نتنياهو أنه وجد النكتة المثالية لمنصب وزير الشؤون النووية [تعيين دافيد أمسالم وزيراً عليها].
- يأمر القانون الدولي وقواعد أخلاق الحرب بالتفريق ما بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، ويسمحون بالهجوم على أهداف عسكرية فقط. هذا المبدأ القانوني والأخلاقي يسمى "مبدأ التفريق"، ويشكل حجر أساس في قواعد أخلاق الحرب. وعلى الرغم من الانتقادات لهذا التفريق، فإن هناك اتفاقاً عاماً ينصّ على أن المدنيين غير المتورطين بقضايا الحرب يتمتعون بنوع من أنواع الحصانة، ويجب عدم توجيه الضربات إليهم. ولكن، على الرغم من حصانة غير المقاتلين، فإنه من المتعارف عليه تفسير قوانين الحرب بشكل يسمح بإلحاق الضرر غير المقصود بالمدنيين، أو بأهداف مدنية، كنتيجة لضرب أهداف "شرعية"، ما دامت تحترم شروط التناسبية، التي تقضي بضرورة وجود توازُن ما بين الفائدة المتوقعة من تنفيذ العملية وبين الضرر المتوقع الذي سيلحق بالمدنيين خلالها، وفي حالات الضرورة، بحيث لا توجد طريقة أُخرى أقل ضرراً من أجل تحقيق الهدف.
- العقيدة المركزية التي تعالج حالات تتعلق بعملية محددة تؤدي، بشكل لا يمكن تفاديه، إلى نتيجة غير مرغوب فيها، بالإضافة إلى النتيجة المرغوب فيها، تسمى "عقيدة النتيجة المضاعفة" (DDE). وهذه العقيدة تميز بين نتيجة مقصودة ونتيجة متوقعة، لكنها غير مقصودة. وكيف يمكن فحص ما إذا كان الضرر المرافق للعملية يتماشى مع هذه الظروف، وهل الضربة فعلاً تتماشى مع مبدأ التناسبية؟ هذه الأسئلة المركّبة، لا نجد إجابة واحدة مقبولة لها. ومع غياب معادلة عامة لقياس "التناسبية"، يتم الوصول إلى هذه الإجابات، غالباً، بقياس مجمل التبريرات والاعتبارات المطروحة. ومع ذلك، وحتى من دون صيغة حساب شاملة، فإنه يمكن طرح عدة توضيحات بشأن مبدأ "التناسبية"، وطريقة تفسيره.
- أولاً، بحسب "مبدأ التناسبية"، يجب أن يكون هناك توازُن بين الفائدة المتوقعة جرّاء تنفيذ العملية وبين الضرر المتوقع أن يلحق بالمدنيين. الأضرار الأُخرى التي يمكن أن تنتج من العملية، وبصورة خاصة الأضرار التي ستلحق بمقاتلي "العدو"، لا تُحسب فقط مقارنةً بفائدتها، إنما تؤخذ أحياناً في إطار حسابات الفائدة من تنفيذ العملية.
- وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضرر الذي سيلحق بالمدنيين يجب أن يكون "عرضياً"، بما معناه أنه حتى لو كان متوقعاً، يجب ألا يكون مقصوداً. الادّعاء المتعارف عليه هو أننا "لم نقصد" قتل الأطفال، إذا كنا نعلم بوجودهم في محيط الهدف الذي يُعتبر "شرعياً"، ومن الواضح أن الضربة ستؤدي إلى مقتلهم؟ لقد جرى اختبار هذا الادّعاء كثيراً. أحد الاختبارات المقبولة هو "اختبار الحاجة"، وبحسبه، يجب فحص ما إذا كان يمكن تنفيذ العملية من دون الوصول إلى النتيجة غير المتوقعة. وللتعامل مع حالتنا-هل كانت إسرائيل ستستهدف قيادات "الجهاد" إذا كانت تعلم بأن هناك مدنيين سيُقتلون خلال الضربة. إذا كان الجواب نعم، فإن الحديث يدور عن ضرر متوقع، لكنه غير مقصود. وفي المقابل، إذا كان المسؤول عن العملية امتنع من تنفيذها لأنها لن تؤدي إلى أضرار جانبية، فهذا يعني أن العملية كانت تستهدف النتيجة السيئة وتقصدها.
- بُعد إضافي لطلب مبدأ "التناسبية"، وعلى عكس التفسيرات السائدة لهذا المبدأ في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، هو حقيقة أنه يتطرق إلى المستقبل، وليس إلى الماضي. فبحسب قوانين الحرب كما جاءت في البروتوكول الإضافي لـ"وثيقة جنيف"، فإن أنواع الضربات التي يتم التعامل معها على أنها لا تفرّق، كالتالي: ضربات من المتوقع أن تؤدي إلى سقوط قتلى مدنيين عرضياً، وإصابة مدنيين، وأضرار تلحق بأهداف مدنية، أو مزيج من هذه الضربات، بشكل يكون مبالَغاً فيه نسبةً إلى الفائدة العسكرية الضرورية والمباشرة المتوقعة. وهو ما يعني أن الإجابة عن سؤال ما إذا كانت العملية المحددة تتماشى مع مبدأ التناسبية، لا يتعلق بالمقارنة ما بين الضرر الذي جرى سابقاً وبين الضرر المتوقع من العملية. المقارنة المقبولة هي بين الوضع القائم من دون تنفيذ العملية، وبين الضرر الذي يمكن منعه أو تقليله نتيجة الوصول إلى الفائدة العسكرية المرجوة من تنفيذها. لذلك، فإن اتخاذ القرار، مثلاً، باغتيال قائد تنظيم "إرهابي"، لا يتعلق بحجم الضرر الذي قام به هذا القائد سابقاً نسبة إلى حجم الضرر الذي سيؤدي إليه اغتياله في صفوف المدنيين، إنما الأضرار التي سيمنعها هذا الاغتيال، مستقبلاً، في صفوف المدنيين. لذلك، فإن عناوين على نمط "إغلاق الدائرة"، أو بثّ مقولات عن الانتقام، لا تتماشى مع "مبدأ التناسبية". وأكثر من ذلك، فإن المقارنة لا يجب أن تكون مع الأضرار التي حدثت فعلاً، إنما مع الأضرار المتوقعة في وقت اتخاذ القرار، استناداً إلى المعلومات المتوفرة لدى متّخذي القرار. وعلى الرغم من ذلك، فإنه تقع على متّخذي القرار مسؤولية محاولة تقليل الضرر المتوقع أكثر ما يمكن.
- قضية إضافية مهمة في إطار الحديث عن "التناسبية" في مجال الأضرار "الجانبية" تتطرق إلى الادّعاء الذي نسمعه دائماً عن أن النشطاء "الإرهابيين" يختبئون في أوساط المدنيين، ويستخدمونهم كدروع بشرية. وفي الحقيقة، فإن الضربات التي تم تنفيذها يوم 9 أيار/ مايو، لا تندرج في إطار الحالة "الكلاسيكية" لاستخدام الدروع البشرية، فاستهداف "المخربين" جرى وهُم في منازلهم، ولكن هذه القضية تحتاج إلى توضيح. ففي الوقت الذي يُعَد فيه الامتناع من إلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء أساساً طبيعياً وعادلاً، فإن قيام "العدو" ذاته بتعريض مدنيّيه للخطر، كجزء من استراتيجيا مقصودة، يجعل الالتزام بمبدأ التفريق مترافقاً مع شعور بالظلم الواضح: "العدو" ذاته يخرق القواعد ويستغل التزام الطرف الآخر، ومَن يدفع الثمن هو الطرف الملتزم بقواعد الحرب. صحيح أن المدنيين لدى العدو الذين يُستخدمون كدروع هم مدنيون أبرياء، ولذلك، ممنوع استهدافهم، لكن عندما يضعهم العدو في خطر، قصداً، منذ البداية، يجب عليه هو تحمُّل مسؤولية إسقاطات ذلك. هذا بالإضافة إلى أن الحفاظ على مبدأ التفريق في حالات كهذه، يدفع الأطراف المشارِكة في الحرب إلى استخدام المدنيين في القتال، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ضرر أكبر بالمدنيين.
- على الرغم من أن القانون الدولي يمنع منعاً باتاً استخدام الدروع البشرية، فإنه لا يعطي إجابات واضحة عن سؤال: كيف يجب التصرف في حالات يقوم فيها "العدو" بخرق القواعد ويستخدم المدنيين كدروع. وهنا يجب الإشارة إلى مبدأين ينطبقان على هذه الحالات: المبدأ الأول هو أن المدنيين يُستخدمون كمدنيين أبرياء؛ والمبدأ الثاني هو أن المسؤولية ليست خلاصتها صفر. بما معناه: حقيقة أن "التنظيم الإرهابي" يتحمل المسؤولية المركزية عن موت المدنيين، لا تلغي مسؤولية الطرف الآخر المهاجم عن موتهم. قيام "العدو" باستغلال النساء والأطفال كدروع، لا يعني أن هؤلاء النساء والأطفال ليسوا أبرياء، وهذا لا يعفي المهاجم من ضرورة أخذ هذا الضرر بعين الاعتبار. لذلك، فإن استعمال "الدروع البشرية" لا يمنح السماح، تلقائياً، بتنفيذ ضربات تُلحق بهم بالضرر، إنما يتطلب الاستمرار في تقييم التناسبية في تنفيذ العملية بسبب هذا الضرر.
- أحياناً، يصرّح السياسيون وذوو المناصب المختلفة، بفخر، بأن "إسرائيل سترد على كل هجوم عليها بشكل غير متناسب." طبعاً، يقصدون التحذير من اليد الطولى للجيش وجاهزيته لرد عنيف. ولكن، أقوال بهذه الروح تشير، عملياً، إلى أن إسرائيل ستخرق القانون الدولي الملتزمة به، والأسوأ-مبادئ الأخلاق الأساسية. هناك فرق بين رد قاس وجدّي، وبين رد "غير متناسب"، على الرغم من صعوبة تعريف التناسبية وفحصها. لذلك، من المفضل أخذ هذا الفرق بعين الاعتبار والتعامل مع التحديات التي يفرضها، وخصوصاً أن الحروب ضد "التنظيمات الإرهابية" تجعل مهمة التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين صعبة، وأحياناً، لا يمكن تحقيق الهدف العسكري الشرعي من دون أضرار "جانبية" في صفوف المدنيين. وأكثر من ذلك، وكما في جميع الهجمات التي جرت خلال حملة "درع وسهم"، ومن أجل الإقرار ما إذا كان الضرر الذي سيلحق بالمدنيين "شرعياً"، أحياناً، يجب الوصول إلى معلومات مخفية عن الجمهور. وعلى الرغم من أن الضرر الذي سيلحق بالمدنيين سيكون "شرعياً" أحياناً، فإن إلحاق الضرر بالمدنيين يجب الامتناع دائماً من حدوثه، ولا يمكن أن يتم تشريعه باسم الانتقام، أو نزع البراءة عن المدنيين، بسبب انتمائهم إلى مجتمع "العدو".
- لدى ظهورهما في مؤتمر علني، وليس في جلسة وزارية سرية جداً، أشار كلٌّ من رئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الاستخبارات أهارون حليفا إلى أن ثقة نصر الله، المبالَغ بها، بنفسه يمكن أن تؤدي إلى حرب مع حزب الله، وإلى أن تقدُّم إيران في المجال النووي يمكن أن يفرض عملية إسرائيلية ضدها، مستقبلاً.
- وفي الواقع، عشية عيد البواكير، تنشغل الحكومة بقضايا داخلية مهمة وملحّة، مثل الانقلاب القضائي وتداعيات ميزانية الدولة، لكن مَن ينظر إلى التهديدات الخارجية، لا يمكن أن يفوته تصاعُد حدة الجبهات السياسية والأمنية. عشية عيد البواكير، من المهم أن نفهم سبعة تغييرات في مشهدنا الاستراتيجي في سنة 2023، والذي أصبح أكثر قتامة عموماً.
إيران تترسخ على عتبة النووي
- البرنامج النووي في إيران هو اليوم في المرحلة الأكثر تقدماً في تاريخه. وفقاً للتقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية الدولية، لدى الجمهورية الإسلامية اليوم ما يكفي من كميات اليورانيوم المخصّب على درجة عالية (20%-60%) لصنع خمس قنابل نووية، وإذا قررت التخصيب على درجة عسكرية 90%، فإن هذه العملية ستستغرق بضعة أيام. في تقدير الاستخبارات العسكرية-أمان، المطلوب عامان من أجل إنتاج القنبلة بحد ذاتها، ولتركيبها على رأس صاروخ، ومنذ تلك اللحظة، بحسب رأي قيادة الأركان المشتركة الأميركية، تستطيع طهران الحصول على سلاح نووي بصورة بدائية خلال أشهر فقط...
- وعلى الرغم من التوسع غير المسبوق في البرنامج النووي الإيراني، تبدو الساحة الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة، أنها ليست بصدد تشديد منظومة العقوبات والضغوط على طهران من أجل وقف تقدُّمها. هذا بسبب تحذير إيران، بواسطة التلميحات والإشارات، من أنها ستخصّب يورانيوم على درجة 90%، رداً على قرارات وخطوات دولية حادة ضدها. حتى الاتفاق النووي، الذي قال الرئيس بايدن عنه إنه مات، يمكن أن يعود من خلال صيغة "تجميد مقابل تجميد"، الأمر الذي يُبقي إيران قريبة جداً من عتبة النووي، ويعززها اقتصادياً.
الشرق الأوسط "التفكير في مسار جديد" في ظل التنافس بين الدول الكبرى
- المنافسة الحادة بين الدول الكبرى، على خلفية الحرب في أوكرانيا، واتساع الصراع بين الصين والولايات المتحدة-تحولا إلى عامل مركزي في الشرق الأوسط أيضاً. الجمهورية الإسلامية تجنّدت لمساعدة روسيا في جهدها الحربي في أوكرانيا بواسطة مئات المسيّرات الانتحارية من إنتاجها، والتي تهاجم بنى تحتية حيوية وتصيب السكان في كل أنحاء أوكرانيا، حتى في العاصمة كييف.
- توسُّع التعاون بين روسيا والنظام في طهران يعزّز هذا الأخير، ويخلق مجموعة من التحديات الأمنية لإسرائيل-بينها بيع منظومات سلاح روسي متطورة لطهران/ مثل طائرات سوخوي 35، ومساعدة روسية في الصناعة العسكرية الإيرانية، وفي المجال السيبراني، ونقل غنائم السلاح في غرب أوكرانيا إلى إيران، وتأييد روسيا لمواقف إيران في المسألة النووية، واحتمال توطيد التعاون بين الدولتين في سورية، وغير ذلك.
- الحرب في أوكرانيا والتهديد الصيني لتايوان، الذي يظهر في الأفق، عزّزا صورة الولايات المتحدة التي تريد تقليص تدخُّلها في الشرق الأوسط والتركيز على المنافسة بين الدول الكبرى والتوجه نحو آسيا. كما أن صدقيتها، كدعامة أمنية استراتيجية، تصدعت وتزعزعت، أكثر فأكثر، عندما امتنعت من الرد على هجمات إيران ضد السعودية والإمارات في الأعوام الأخيرة. في هذه الظروف، تلاشت الحدود بين المعسكرات في الشرق الأوسط، وحلّ محل دينامية "لعبة نتيجتها صفر" واقع جديد يبحث فيه كل اللاعبين عن نقطة تواصُل جديدة، ويعملون على خفض التوترات، والدفع قدماً بالاستقرار. في ظل الواقع الجديد، وضع أعداء الأمس، مثل ولي العهد السعودي والرئيس التركي، اعتبارات "الواقعية السياسية" قبل كل شيء، وباتا مستعدَّين للمصالحة والعناق.
- على هذه الخلفية، جرت عودة سورية إلى حضن العالم العربي في قمة الجامعة العربية، التي عُقدت في جدة مؤخراً، أكثر من ذلك، استأنفت السعودية علاقاتها مع إيران، بوساطة الصين التي تدأب على تقويض الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. بالنسبة إلى السعودية، الاتفاق مع إيران هو لضمان ظهرها حيال الجمهورية الإسلامية، وهذا لا يغيّر عقيدتها الأمنية التي تعتبر إيران التهديد المركزي للمملكة، ولا يتعارض بالضرورة مع المصالح المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل.
عودة طرح التطبيع مع السعودية، لكن ببساطة، هذا لن يحدث
- على الرغم من الاتجاهات الإشكالية في الساحة الفلسطينية، فإن مسألة التطبيع مع السعودية لا تزال مطروحة، وكما نُشر مؤخراً، فإن الولايات المتحدة تعمل، بدأب، على الدفع بها قدماً، بعد أن اعتبرتها، علناً، مصلحة أميركية للأمن القومي.
- ما الذي جرى هنا مع محمد بن سلمان؟ يستغل ولي العهد السعودي المكانة المستجدة للسعودية وتصاعُد أهميتها الجيو-سياسية في ظل المنافسة بين الدول العظمى وأزمة الطاقة العالمية والتدهور الاقتصادي العالمي. وهو يناور ما بين الولايات المتحدة وبين روسيا، وحوّل التطبيع إلى ورقة مساومة للدفع قدماً بمطالبه الاستراتيجية من الولايات المتحدة. وتتضمن هذه المطالب اتفاقاً لتحسين العلاقات وضمانات أمنية؛ ومنظومات سلاح أميركية متطورة؛ وتطوير برنامج نووي مدني، يشمل قدرة على التخصيب في الأراضي السعودية. وعلى الرغم من مصلحة إسرائيل العميقة في التطبيع، فإن هذه المطالب تطرح مخاطر غير بسيطة على أمنها القومي.
- من جهتها، الولايات المتحدة أدركت، على خلفية الحرب في أوكرانيا، أنه على الرغم من رغبتها في الانفصال عن الشرق الأوسط، فإنه سيظل الملعب الحيوي للمنافسة المتزايدة. إدارة بايدن بحاجة إلى السعودية من أجل تسوية أسعار النفط وإبقائها ضمن معدلات معقولة (وهذه الحاجة ستشتد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية)، وهي تريد إبعاد السعودية عن التأثير الصيني، وترى في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية قاعدة للاستقرار الإقليمي المحسّن.
- وسواء السعودية أو الولايات المتحدة، فإنهما بحاجة إلى دعم الكونغرس -المعادي، في أغلبيته، للسعودية-لأي تفاهُم أميركي-سعودي بشأن مطالب الرياض. وبهذه الطريقة، نشأ مثلث من المصالح المتداخلة، جزئياً، بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل.
- هذه هي خلفية عودة طرح التطبيع الذي يمرّ الطريق إليه في واشنطن، والذي لا يزال طويلاً ومحفوفاً بالمطبات، ويتطلب دفع مقابل ليس بسيطاً في الساحة الفلسطينية، وفي مجالات أمنية حيوية لإسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى إفشاله. التقارير التي تحدثت عن اتفاق تسيير رحلات للحجاج المسلمين مباشرة بين إسرائيل والسعودية هو وجه من هذا الاتجاه، لكن التسريبات الأخيرة عن محادثة هاتفية بين نتنياهو وبن سلمان لا تساعد في رؤية ولي العهد لإسرائيل كشريك سري، ولا في عملية التقرب من السعودية.
الأزمة الداخلية تعكس ضعفاً إلى الخارج
- الانقسام الداخلي الذي حدث في إسرائيل جرّاء الانقلاب القضائي، أدخل أعداءها في حالة من الغبطة. زعيم إيران علي خامنئي صرّح بأن إسرائيل تدمر نفسها كما تنبأ، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله استشهد، بحماسة، بتحذير رئيس الدولة هرتسوغ من مغبة صراع داخلي وحرب أهلية.
- أعداؤنا في غزة وطهران وبيروت شعروا بأن حصانة إسرائيل تضررت، وكذلك الوحدة الداخلية وقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود وعلاقة إسرائيل بدعامتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، وخصوصاً أن رئيس الحكومة لا يزال ينتظر دعوته إلى البيت الأبيض. وعلى هذه الخلفية، يسمحون لأنفسهم بالعمل ضدنا في خطط لم نشهدها منذ أعوام عديدة، مثل قصف صاروخي مكثف من غزة ولبنان والجولان، عشية عيد الفصح.
اختبار الردع واحتمالات الحرب
- عملية "درع وسهم"، الهدف منها معاقبة الجهاد الإسلامي ونقل رسالة ردع إلى أعداء إسرائيل في المنطقة. لقد أثبتت العملية أن إسرائيل بعيدة عن التفكك، وعلى الرغم من الانقسام الداخلي، فإنها تملك استخبارات متفوقة وسلاح جو فتاكاً ودقيقاً، وسلاحاً من الاحتياطيين معبأً، وجمهوراً موحداً في اللحظة الحاسمة. مع ذلك، المقصود إنجاز تكتيكي في مواجهة عدو ضعيف جداً، ولا يمكن أن نستنتج من المواجهة المحدودة هذه استنتاجات عامة بشأن ترميم الردع الذي يشكل بحد ذاته مصطلحاً فضفاضاً، ومن الصعب قياسه. في جميع الأحوال، يبدو أن الاختبار في هذا المجال لا يزال أمامنا.
- في الميدان، وفي الساحات المختلفة، يكشف سلوك أعداء إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في شهر رمضان وفي الأعياد اليهودية، جرأةً واستعداداً متزايداً للمخاطرة، بالاستناد إلى التقدير أن إسرائيل تتخوف من الانجرار إلى الحرب: الجهاد الإسلامي و"حماس" التي تسمح له بالعمل من غزة وتقوم بنفسها بالدفع قدماً بهجمات في الضفة الغربية، وإطلاق صواريخ على إسرائيل من 3 جبهات في عيد الفصح، واشتباك شبان مسلحين مع الجيش الإسرائيلي في كل مرة يدخل الجيش ويقوم باعتقالات في جنين ونابلس؛ وحزب الله يُظهر ثقة بنفسه وجرأةً واستعداداً للمضي على حافة الحرب، وإيران التي تسلّح الجميع، تتقدم في برنامجها النووي، وتبادر إلى هجمات "إرهابية" في شتى أنحاء العالم.
- يبرز التآكل في الردع بصورة خاصة في مواجهة حزب الله. نصر الله هدد، علناً، بحرب خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وأطلق مسيّرة نحو منصة الغاز، وأعلن مسؤوليته، وبادر بصورة غير مسبوقة إلى شن هجوم في عمق إسرائيل، بواسطة "مخرب" جاء من لبنان، ويهدد إسرائيل بالرد على هجماتها في سورية، ويعزز وجوده العسكري العلني، ويقيم استعراضات قوة استفزازية على طول الحدود، خارقاً قرار مجلس الأمن، ويشكل تهديداً لحرية تحليق الجيش الإسرائيلي في لبنان وغيره.
- استعداد أعداء إسرائيل لزيادة المخاطرة في ساحات مختلفة، والتي يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى سوء حسابات، وتجرّ كل الأطراف إلى حرب لم يرغبوا فيها. هذه هي تماماً خلفية تقدير أمان الذي نُشر في نيسان/أبريل، والذي تحدث عن ارتفاع معقولية حدوث تصعيد واسع في السنة المقبلة. هذا الأسبوع، قدّر رئيس أمان أن الهجوم الذي شنّه حزب الله من لبنان في مجيدو "قد يتكرر... ونصر الله يوشك على ارتكاب خطأ يمكن أن يدهور المنطقة إلى حرب واسعة." كما قال رئيس الأركان هرتسي هليفي إن حزب الله "يعتقد أنه يفهمنا، وهو يتجرأ على تحدّينا، على الرغم من ثقته بأن هذا سيؤدي إلى حرب." مغزى هذا الكلام أن الجيش الإسرائيلي يرى شهية نصر الله المتزايدة لتحدّي إسرائيل من خلال هجمات إضافية في منطقة هي، في تقديره، على حافة حرب. تدل التجربة على أنه عندما يكون الطرفان غير معنيين بالحرب، فإن الاستعداد للمخاطرة بعمليات محدودة، أو بـ"أيام قتال" محدود، وهو بمثابة اختبار مفتوح لتصعيد سريع، نهايته الحرب. تصريحات كبار المسؤولين هي تحذير لنصر الله، وهي أيضاً تذكير للجمهور بمدى حساسية الوضع الأمني وخطورة التهديدات الخارجية لإسرائيل.
سيناريو تعدُّد الساحات
- خلال عملية "حارس الأسوار" قبل عامين، نشب في غزة تصعيد واسع، رداً على الأحداث في القدس، وهو ما أشعل، لاحقاً، اضطرابات غير مسبوقة في المدن المختلطة داخل تخوم الخط الأخضر. ومنذ ذلك الحين، تحول سيناريو توحيد الساحات المختلفة-الذي برز في أحداث رمضان الأخيرة والمواجهات في حرم المسجد الأقصى، والتي أدت إلى إطلاق صواريخ من غزة ولبنان وسورية-إلى جزء لا يتجزأ من سيناريو استعداد الجيش الإسرائيلي والقوى الأمنية والمستوى السياسي.
- هذا الواقع يفرض نشر قوات كبيرة في القدس و"المناطق" ويقظة عالية ومستمرة في منظومات الدفاع الجوية وقوات الجيش والشاباك. رفع درجة التأهب والجهوزية، والذي سُجّل في يوم القدس الأخير، والتصعيد في ساحات مختلفة بوتيرة متزايدة، يأتي على حساب قدرة المؤسسة الأمنية على توظيف الوقت والاهتمام لمواجهة التهديدات الأكثر خطراً والأبعد، وفي طليعتها النووي الإيراني وتعاظُم القوة العسكرية لحزب الله، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة.
- على الرغم من ذلك، فإنه من المهم أن نرى أن لا أحد من أعداء إسرائيل يريد تجربتها والدخول في مواجهة واسعة النطاق معها، أو في حرب. وكلٌّ منهم يريد إثارة تصعيد في ساحات بعيدة عن أراضيه؛ "حماس" في غزة تريد إشعال الضفة الغربية. وعندما خاض الجهاد الإسلامي قتالاً في مواجهة إسرائيل في عملية "درع وسهم"، توحّد شركاؤه في الساحات المختلفة في التصريحات والدعاية، وامتنعوا من استخدام القوة، في آن معاً، ضد إسرائيل من ساحاتهم.
السلطة الفلسطينية-الحاضر الغائب
- الأزمات الأخيرة في الساحة الفلسطينية أظهرت الغياب الكامل للسلطة الفلسطينية كعامل مؤثر بأي صورة من الصور في الأحداث. السلطة تتلاشى، كمنظومة حُكم شرعية وعاملة وفعالة، بمرور الزمن، وتخسر السيطرة والحوكمة في شمال الضفة، وخصوصاً في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين. كما تضررت فعالية وشرعية أجهزتها، ولا سيما المسعى لإضعاف "حماس" وكبح تحركاتها للسيطرة على الضفة الغربية-الأمر الذي يشكل مصلحة مشتركة بين السلطة وبين إسرائيل.
- يشكل تفكُّك السلطة الفلسطينية تهديداً استراتيجياً متعدد الأبعاد لإسرائيل. وبالإضافة إلى الحاجة إلى ملء الفراغ الأمني بواسطة نشر واستخدام واسع لقوات الجيش الإسرائيلي، فعملياً، كلما تبددت السلطة، فإن المسؤولية عن جميع نواحي الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين ستنتقل إلى إسرائيل بالتدريج. وتُقدَّر تكلفة هذا العبء بالكثير من المليارات، وهذا سيقع على كاهل دافع الضرائب الإسرائيلي، بعد التقليص المتوقع في المساعدة الدولية للسلطة. وهذا التوجه يترسخ مع ضغوط أعضاء الصهيونية الدينية في الحكومة الذين يسعون لإسقاط السلطة وضم معظم مناطق الضفة إلى إسرائيل.
ما الذي ينبغي على إسرائيل فعله؟
- في البيئة الاستراتيجية الصعبة والمعقدة لإسرائيل، تحدث عمليات تغيير تتطلب زعامة وسياسة ملائمتين من أجل التصدي للتهديدات وخلق الفرص.
- الخطوة الفورية المطلوبة هي تعزيز الردع الإسرائيلي. وأول خطوة من أجل ذلك، هي الوقف الفوري للانقلاب القضائي، الأمر الذي سيوحي للخارج والداخل بعودة وحدة المجتمع والجيش. تجدُّد مساعي التشريع القضائي، بعد تمرير الميزانية سيزيد في الأزمة الداخلية، وسيقوض ردع إسرائيل في كل الجبهات، ويشجع على خطوات استفزازية أُخرى من جانب أعداء إسرائيل في الإقليم.
- في المقابل، يتعين على إسرائيل إعادة الاستقرار إلى الساحة الفلسطينية، والامتناع من المواجهات المتكررة التي تهدد بالتمدد إلى ساحات أُخرى، وتعرقل التركيز على لجم التهديد الإيراني وإيجاد فرص في مجال التطبيع. والمطلوب من إسرائيل تهدئة الوضع في القدس، وخصوصاً في حرم المسجد الأقصى والضفة الغربية، والعمل على تعزيز قوة السلطة الفلسطينية، لا إضعافها. ثمة إجماع بين صنّاع القرار في إسرائيل على أن السبيل الأفضل لاستقرار الميدان هو عودة الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى القيام بعملياتها الأمنية بصورة فعالة في المدن. القدس وحرم المسجد الأقصى والأسرى والقتلى الفلسطينيون هي مشكلات حساسة يمكن أن تفجّر تصعيداً من الصعب السيطرة عليه.
- إن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط تشكل فرصة لإسرائيل، كما ثبت ذلك من خلال عودة الحرارة إلى العلاقات بين تركيا وإسرائيل. جوهرة التاج في هذا السياق هي السعودية التي من المتوقع أن يؤدي التطبيع معها إلى تسوية العلاقات مع دول أُخرى في العالمين العربي والإسلامي. وإسرائيل بحاجة إلى سياسة مركّبة للقيام بهذه العملية. ويجب أن تتأكد مسبقاً من الثمن الذي ستحصل عليه من السعودية، ومن الولايات المتحدة، وضمان ذلك من خلال طاقم عمل منظّم من المؤسسة الأمنية بأنها ستحافظ، في المقابل، على مصالح عميقة أُخرى، وعلى رأسها منع السباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط، والمحافظة على التفوق العسكري والنوعي في المنطقة.
- في مواجهة إيران، المطلوب تهديد عسكري ذو صدقية، بالأساس أميركي، وضغط اقتصادي دولي يثني إيران عن التخصيب على درجة 90%، وعن الاستمرار في توسيع برنامجها النووي، ويدفع قدماً نحو اتفاق "أطول وأقوى" كما طالبت الولايات المتحدة منذ البداية. التدريب العسكري المشترك الذي أجرته إسرائيل والولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير الماضي، كان غير مسبوق من حيث حجمه، وخطوة في الاتجاه الصحيح في كل ما له علاقة بوضع تهديد عسكري ذي صدقية في مواجهة إيران.