مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن صفقة تزويد الهند بصواريخ "سبايك" المضادة للدبابات، والتي ألغيت سوف تخرج إلى حيز التنفيذ.
وأضاف نتنياهو الذي يقوم بزيارة للهند في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام أمس (الأربعاء)، أنه لا يزال أمامه عمل بسيط لترى هذه الصفقة النور بصيغتها الأصلية التي تم توقيعها بين الهند وشركة "رافائيل" الإسرائيلية لتطوير الوسائل القتالية بحجم 500 مليون دولار.
وكان نتنياهو قال صباح أمس إنه يعتقد أن السفارة الأميركية ستُنقل من تل أبيب إلى القدس في وقت أسرع مما يعتقد البعض، وأشار إلى أن ذلك سيحدث في السنة القريبة.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفى في مقابلة أجرتها معه وكالة "رويترز" للأنباء مساء أمس، ادعاء نتنياهو أن يتم نقل السفارة الأميركية إلى القدس في غضون هذه السنة، وقال إن هذا الموضوع غير مدرج الآن في جدول الأعمال.
يُشار إلى أن ترامب أعلن في 6 كانون الأول/ ديسمبر الفائت أنه أصدر تعليمات لتحضير نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقال ترامب إن إعلانه هذا يمثل النهج الجديد للإدارة الأميركية حيال النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
قالت مصادر فلسطينية إن شابين فلسطينيين قُتلا برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة وادي برقين غربي جنين خلال مواجهات مع قوات هذا الجيش وقعت في إثر قيامها باجتياح منطقة جنين مساء أمس (الأربعاء).
وأضافت هذه المصادر أن أحد الشابين القتيلين هو أحمد جرار (18 عاماً) نجل القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" نصر جرار الذي قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي سنة 2002 في إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية. أما الشاب القتيل الثاني فلم تُحدَّد هويته بعد.
وأفادت المصادر نفسها أن جرار تمكن من إطلاق النار باتجاه قوات الجيش الإسرائيلي وهو ما أدى إلى إصابة اثنين منهم. وأشارت إلى أن عدداً من الشبان الفلسطينيين أُصيب بجروح في هذه المواجهات كما قامت قوات الجيش الإسرائيلي باعتقال عدد آخر من الشبان وبهدم منزلين.
وذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة أن الشابين قُتلا خلال تبادل إطلاق نار مع قوات الجيش، وأشارت إلى أنهما شاركا في العملية المسلحة التي أسفرت عن مقتل مستوطن من بؤرة "حفات غلعاد" الاستيطانية غير القانونية الأسبوع الفائت.
مددت المحكمة العسكرية في عوفر أمس (الأربعاء) فترة اعتقال الفتاة الفلسطينية عهد التميمي حتى استكمال الإجراءات القضائية بحقها.
وقُدمت ضد التميمي لائحة اتهام تنسب إليها تهم الاعتداء ضرباً على ضابط وجندي من الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من شهر في قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، وإلقاء الحجارة، والمشاركة في أعمال مخلة بالنظام العام، وإطلاق التهديدات والتحريض. وقررت المحكمة أيضاً تمديد اعتقال ناريمان التميمي والدة عهد حتى انتهاء الإجراءات القضائية وعدم إطلاق سراحها بكفالة.
قال المسؤول عن أرشيف الدولة الإسرائيلية د. يعقوب لزوبيك إن إسرائيل تتستر على معلومات أرشيفية بطريقة غير متوقعة من دولة ديمقراطية، وأكد أنه لا يمكن التذرع بحجة الأمن القومي من أجل التستر على إخفاقات الماضي، ولا سيما في كل ما يتعلق بارتكاب جرائم حرب وتعامل الدولة مع المواطنين العرب.
وأكد لزوبيك في تقرير نشره أمس (الأربعاء) في مناسبة انتهاء ولايته في هذا المنصب، أن كثيراً من المعلومات الموجودة في أرشيف الدولة التابع لديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية سيبقى سرياً وغير قابل للكشف إلى الأبد، وانتقد عدداً من الجهات التي تتدخل في عمل المؤسسة المسؤولة عن الأرشيف وفي مقدمها الرقابة العسكرية. وأشار إلى أنه حتى المعلومات القليلة التي يمكن أن تُكشف في المستقبل ستُعرض بعد فرض قيود صارمة عليها.
كما أشار إلى أنه قرر أن ينهي ولايته في هذا المنصب قبل سنتين من موعدها القانوني جرّاء قيام المسؤولين عن هذا الأرشيف باستخدام ذريعة الأمن القومي للتستر على معلومات وأحداث من شأنها إحراج الدولة في العالم، مثل انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب أو تنفيذ عمليات باسم الدولة لا يمكن التباهي بها.
وأكد المسؤول عن أرشيف الدولة أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في أماكن متعددة، وأن جهاز الأمن العام ["الشاباك"] تدخل ويتدخل في جهاز التعليم العربي، وأن إسرائيل تعاملت مع المواطنين العرب في الداخل ومع مواطنين آخرين بطريقة لا تتلاءم مع دولة ديمقراطية. وأشار إلى أنه في حال قيام إسرائيل بارتكاب أعمال يمكن أن تمنعها المحكمة هنا أو في الخارج، فعلى المواطنين معرفة ذلك. وانتقد فترة التستر على المستندات الأمنية قبل نشرها [50 سنة].
ودعا لزوبيك إلى إعادة فحص مسألة تدخل الرقابة العسكرية في مهمات أرشيف الدولة، وقال إنه يجب إجراء نقاش عام بشأن تدخل الرقابة العسكرية في مواد تتعلق بأمور حدثت قبل عشرات السنوات.
وشدد لزوبيك على أن زيادة اهتمام الجمهور العريض في السنوات الأخيرة بأرشيف الدولة أدت إلى زيادة متواصلة في عرقلة نشر المواد، وإلى تقليص إمكان الوصول إلى المعلومات، مشيراً إلى أن مواداً تم كشفها للجمهور في السابق باتت الآن تخضع إلى فحص دقيق جداً قبل نشرها مرة أُخرى.
وقال لزوبيك إنه تم السماح للجمهور بالاطلاع على نحو 550،000 ملف من أصل نحو 3 ملايين ملف موجودة في أرشيف الدولة، وكذلك الأمر في أرشيف الجيش الإسرائيلي إذ تم كشف نحو 50،000 ملف للجمهور من أصل نحو 145،000 ملف يمكن كشفها للجمهور وفقاً للقانون.
وأكد لزوبيك أن الوضع مشابه وربما أسوأ في أرشيفات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الأخرى "الشاباك" والموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"]، إذ تخضع كل المعلومات للسرية التامة ولا يمكن الكشف عن أي منها، وأشار إلى أنه في ظل الوضع القائم يستحيل الكشف عن هذه المعلومات إلى الأبد.
•سيصبح أنصار حل الدولتين، عما قريب، أشبه بـ"الأنصار الميتين"، وهو الوصف الذي أُطلق ذات مرة للسخرية من أتباع الحاخام نحمان من براسلاف، الذين تشبثوا بزعيمهم الروحي الميت ورفضوا تعيين خليفة له. وحين يُعلن موت حل الدولتين نهائياً، سيغدو التشبث به من نصيب من يمتلكون إيمانا طاهراً وساذجاً فقط. أما الباقون جميعاً، من اليسار العميق حتى اليمين المعتدل، فقد أصبحوا منذ الآن في قلب مراحل الحداد الخمس وفق نموذج كوبلر ـ روس: بعد النسيان والغضب ومحاولة مساومة الواقع، تأتي مرحلة الاكتئاب ثم تليها مرحلة الرضى والقبول.
•في المقابل ثمة فرح وابتهاج في أوساط اليمين. فخطاب [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس كما يدّعي بنيامين نتنياهو، يثبت أننا صدقنا وكنا على حق. وفي ذروة غضبه ويأسه عبّر عباس جهراً عن الرواية الفلسطينية المؤسِّسة، التي يحاول في المعتاد إخفاءها، بينما لا يمكن أن يتنازل عنها الفلسطينيون أبداً كما يعرف نتنياهو نفسه. لكن بدلاً من التركيز على حل براغماتي قد يفضي إلى المصالحة والسلام في يوم من الأيام، كما حدث في أي مكان جرت فيه تسوية نزاعات إثنية قديمة ومستمرة، يطالب نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف أولاً بأنهم وآباءهم قد أخطأوا، وفقط بعد هذا الاعتراف ستقرر إسرائيل أي فتات يمكنها أن ترمي لهم. إن عبقرية نتنياهو تتجسد في نجاحه في إقناع الرأي العام الإسرائيلي من اليمين أساساً لكن ليس منه فقط، بأن ادعاءه الدعائي يجب أن يشكل اختباراً أولياً مُلزماً للعملية السياسية برمتها.
•إن الاحتفالات في اليمين مضاعفة، ويفاخر قادته بما يعتبرونه برهاناً على صدقهم التاريخي ظاهرياً لكنهم يبتهجون أيضاً ليس أقل من ذلك حيال الضائقة الشديدة التي يعيشها اليسار وهو يشهد احتضار أغلى ما يملك. فمع دونالد ترامب الذي لا حدود له ولا ضوابط في واشنطن، ومع الدول الأوروبية والعربية التي يعنيها الفلسطينيون الآن كما تعنيها قشرة الثوم، في الإمكان التقدم بارتياح نحو القضاء النهائي على الفرصة الأخيرة لتقسيم البلد. وسيضطر الفلسطينيون إلى الاختيار بين استمرار الاحتلال والحكم الذاتي في بانتوستانات. لكن سواء كان اختيارهم هذا أم ذاك، ستبقى إسرائيل هي المسيطرة عليهم والمتحكمة فيهم إلى الأبد. وداعاً لحلم اليقظة بشأن حل الدولتين وأهلاً بكم في جحيم الضم.
•غير أن اليمين في انتشائه بالانتصار الإيديولوجي الذي حققه ظاهرياً، يتجاهل إسقاطات هذا الانتصار المتوقع منها وغير المتوقع. ربما كان معسكر السلام يخسر الراية التي وحدته حتى الآن، لكن اليمين سيفتقد منذ الآن القبة الحديدية التي احتمى بها. حتى لو كان حل الدولتين وهماً كما يدّعي نفتالي بينت [رئيس "البيت اليهودي"] وأمثاله، إلاّ إنه يوفر منذ عشرات السنين الستار الدخاني الذي تمكنت حكومات اليمين من السير خلفه، وتعميق الاحتلال من دون تقديم أي حساب، لا للرأي العام الإسرائيلي ولا لدول العالم. هذا ما أدركه جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل، غير أن شهوة الظهور بصورة الصادق في عهد نتنياهو تغلبت على الحاجة إلى الحكمة.
•لن يضطر اليسار وحده فقط إلى مواجهة الخيار الوحيد المتبقي منذ الآن، ما بين السيء والأسوأ، وما بين الأبارتهايد بحكم الواقع والدولة الثنائية القومية بحكم الاحتمال. ففي غياب أي أفق سياسي، ستفقد ثقة الرأي العام الإسرائيلي بقدرة اليمين على جلب السلام الآمن مبرر وجودها. وكذلك هي الحال على الصعيد الدولي أيضاً، إذ إن حقيقة اعتبار الاحتلال ومستوطناته حالة موقتة هي التي وفرت الحماية له حتى الآن.
•إن إسرائيل تتجرد الآن من أقنعتها وتسير عارية بسرور تظاهري، لكن في اليوم الذي تتوقف فيه النجوم الدولية عن الابتسام لها ستغدو مكشوفة ولا تمتلك المبررات ولا الحماية. إن إصدار شهادة الوفاة الرسمية لحل الدولتين سيخلق أزمة عميقة في اليسار بالتأكيد، لكن اليمين قد يشتاق إلى هذا الحل أكثر على المدى البعيد.
(موجز: ما زال الغموض يكتنف تفاصيل ومكوّنات خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط، غير أن التصريحات الأخيرة التي صدرت عن البيت الأبيض تحمل تبصّرات مفتاحية بشأن تفكير الإدارة الحالية في هذا الموضوع. استراتيجية الأمن القومي التي صاغها الرئيس ترامب تُفرد دوراً بعيد المدى للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وتضع مسؤولية كبيرة على عاتق الدول العربية السنية. وفي ما يتعلق بإسرائيل، تستخدم الولايات المتحدة حالياً محفزات إيجابية (إعلان القدس، امتيازات إقليمية وغيرها) لحث إسرائيل على العودة إلى مائدة المفاوضات. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فالولايات المتحدة تحاول تأكيد الخسائر العينية الملموسة التي سيتكبدونها جرّاء عدم مرونتهم، بالإضافة إلى التشديد على أن الفرص الأفضل المتاحة أمامهم لتحقيق الإنجازات تكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات. ويبدو أن إدارة ترامب ترفض المقاربة المتعددة المراحل في المفاوضات بشأن التسوية النهائية، والتي تعتمد على حلول مرحلية أو تسويات لبناء الثقة. ستجد إسرائيل صعوبة في رفض مبادرة أميركية لاستئناف المفاوضات لدى عرضها. وعلى أي حال وبغية تجنيد تأييد أميركي لمواقفها، يوصى بأن تحدد إسرائيل مواقفها بمفاهيم استراتيجية، وسط تقديم نماذج عن كيفية ارتباط هذه المواقف بالأهداف الأميركية في المنطقة، بدلاً من عرض مواقفها من منطلقات تاريخية وأخلاقية)
•لا تزال التفاصيل المعروفة عن خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط التي ينتظرها الجميع منذ وقت طويل قليلة جداً بصورة متعمدة، ذلك بأن الطاقم المنضبط الذي يتولى صوغ هذه الخطة برئاسة المستشار الكبير جاريد كوشنير، يحرص على عدم نشر أو تسريب أي معلومة عنها. ومع ذلك فإن تحليل ملاحظات كوشنير التي طرحها في "منتدى تسبان 2017"، إلى جانب قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس والفصل المخصص للشرق الأوسط في استراتيجية الأمن القومي الأميركية التي نُشرت مؤخرا تقدم لنا معاً تبصرات مفتاحية بشأن طريقة التفكير التي تعتمدها الإدارة الأميركية الحالية في موضوع المفاوضات. ومثل هذا التحليل يقودنا إلى الاستنتاج بأن هذه الأيام تحديداً تشهد صوغ وبلورة نماذج جديدة للمفاوضات تُسقط جملة من المبادئ التقليدية الأساس التي تبنتها الإدارات الأميركية السابقة.
تطلع لإبرام "صفقة القرن"
•يبدو أن إدارة ترامب ترفض المقاربة المتعددة المراحل في المفاوضات لتحقيق التسوية النهائية، والتي تقوم على حلول مرحلية أو تسويات لبناء الثقة. وبدلاً من هذا، تصب جل جهودها في المبادرة إلى إجراء مفاوضات لتحقيق تسوية نهائية وشاملة. بحسب هذا المنطق، تعتري المقاربة المتعددة المراحل جملة من النواقص، نظراً إلى انعدام الثقة السائد بين الطرفين، بينما ليس في وسع هذه المقاربة إيجاد الثقة اللازمة للتغلب على المصاعب الجوهرية التي تعترض سبيل المفاوضات والتي لا بد من أن تظهر لاحقاً أيضاً، سواء خلال العملية نفسها أو بتأثير أحداث وتطورات إقليمية سلبية. هذه المسيرة المثقلة بالأزمات، لن يكون من شأنها تعريض عملية السلام نفسها للخطر فحسب، بل أيضاً إعاقة تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، إلى جانب التسبب بضرر جدي لجزء من الاستراتيجية الأميركية الرامية إلى إضعاف إيران وعزلها. الإدارة الأميركية تؤمن حقاً بأن العالم العربي لن يتقدم نحو تطبيع علاقاته مع إسرائيل من دون تحقيق حل شامل ونهائي مع الفلسطينيين. وأكثر من هذا، يمكن القول إن الإدارة الأميركية واعية للتشكيك الفلسطيني والعربي حيال المقاربة المتعددة المراحل، استناداً إلى التقويم القائل إن إسرائيل ستأتي إلى هكذا عملية بنيّة جرجرة المفاوضات وإطالة أمدها، بموازاة استمرارها في فرض "الوقائع على الأرض" في الضفة الغربية.
السياق الإقليمي
•إن استراتيجيا الأمن القومي التي بلورها الرئيس ترامب توكل للولايات المتحدة دوراً طويل الأمد في الشرق الأوسط، بغية تحسين موازين القوى والاستقرار، إلى جانب الدفع قُدُماً بالمصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية. والفوضى الإقليمية تُعتبر نتاجاً للعلاقة بين اتساع التأثير الإيراني والإرهاب الجهادي من جهة، والإيديولوجيا المتطرفة، الدول الضعيفة، الجمود الاجتماعي ـ الاقتصادي والخصومات الإقليمية المتعددة، من جهة أُخرى. على هذه الخلفية لا تنظر الولايات المتحدة إلى النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعد اليوم باعتباره سبباً حاسما في المشاكل الإقليمية. مع ذلك يظل تحقيق اتفاق سلام عاملاً مهماً، من شأنه أن يسمح بتوثيق العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، وهي علاقات ستخدم المصالح الأميركية أيضاً، وخصوصاً مصلحتها في تحسين موازين القوى الإقليمية والقدرة على مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
•تبعاً لهذا، تلقي المقاربة الأميركية جملة من المهمات على عاتق الدول العربية السنية البراغماتية، في مقدمتها المساعدة في جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وإسباغ الشرعية على التنازلات التي سيكون من الحتمي تقديمها على طول الطريق. هذا بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية والسياسية التي يمكن لهذه الدول تقديمها في اليوم التالي لتوقيع اتفاقية السلام كمحفزات لإجراء المفاوضات.
مقاربة تجارية
•يبدو أن ما يحرّك طاقم الرئيس ترامب هو الاعتبارات السياسية القائمة على المصالح، أكثر مما هو قواعد قائمة على القيم التي يدين بها الجزء الأكبر من المجتمع الدولي، والتي تمسكت بها أيضاً إدارات أميركية سابقة. وبناء على هذا، يبدو أن الجهود التي يبذلها هذا الطاقم تنطلق من نظرة تستشرف المستقبل وتطمح إلى حل المشاكل بما يخدم المصالح الأميركية الإقليمية، أكثر من كونها جهوداً تستند إلى قيم تطرح حلولاً مثالية لما يُعتبر إجحافاً من الماضي أو مطالب تاريخية، بعضها يصطدم ببعضها الآخر. هذا منظور يفتح الباب أمام احتمال تبنّي مقاربات جديدة لحل مشاكل قديمة. وكما يثبت إعلان الرئيس ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد نجح طاقم الرئيس ترامب في كسر المسلّمات السياسية التي حددتها وكرستها إدارات أميركية سابقة. ومن المرجح أن تكون الإدارة الحالية أكثر تقديراً وتفهماً للمقترحات التي قد يقدمها الطرفان، طبقاً لمدى فائدتها العملية لا لمدى شرعيتها التاريخية.
جلب الطرفين إلى مائدة المفاوضات
•يبدو أن طاقم المفاوضات الأميركي يعتبر انعدام المرونة من الجانب الفلسطيني العقبة الأساسية أمام استئناف المفاوضات. خلال جولة الوساطة الأميركية السابقة سنة 2014، سُجل إحراز تقدم في المحادثات بين إسرائيل والولايات المتحدة، بينما كان الفلسطينيون الطرف الذي انسحب من العملية السلمية (كما فعلوا سنة 2008 حين عرض عليهم رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت اقتراحاً لاتفاقية السلام). وكان الرئيس باراك أوباما قد عرض على الرئيس الفلسطيني أبو مازن، في 17 آذار/ مارس 2014، مقترحات كان بعضها يميل لمصلحة الطرف الفلسطيني بوضوح. لكن أبو مازن امتنع من جانبه من إعطاء جواب وطلب إمهاله بعض الوقت للنظر في هذه المقترحات وبحثها. وقد حصل على مهلة حقاً حتى يوم 25 من الشهر نفسه، غير أنه لم يعطِ جوابه عليها حتى هذا اليوم. وبدلاً من ذلك أطلق الفلسطينيون حملة لتدويل الصراع وسط محاولة لتدفيع إسرائيل ثمناً باهظاً على الجمود في العملية السلمية ولتحسين موقفهم التفاوضي. من جهة أُخرى، وبالنظر إلى تعلق إسرائيل بالولايات المتحدة وتقديرها الكبير للإدارة الحالية وموقفها حيال مسألة القدس، يبدو أن تحدي العودة إلى مائدة المفاوضات ـ حتى بوجود حكومة الائتلاف اليميني الحالي ـ هو أسهل كثيراً. وهذا شريطة أن يتخلى الفلسطينيون عن الشروط المسبقة المتشددة التي كانوا قد طرحوها من قبل.
•بناء على هذا، اتخذت الإدارة الأميركية جملة من الخطوات التي استهدفت التأكيد أمام القيادة الفلسطينية أن الحديث يدور الآن حول لعبة جديدة متعددة جوهرياً، يعود فيها استمرار حالة الجمود بخسائر على الفلسطينيين وبأرباح على إسرائيل. وجاء الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في سياق هذا الطرح ولخدمة هذا الهدف، إذ إنه ينمذج للفلسطينيين كيف يمكن إصلاح الضرر وتعويض خسارتهم فقط من خلال التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن المكانة الدائمة لمدينة القدس في ختام مفاوضات بين الطرفين.
•كما يشكل رفض الرئيس ترامب إعلان التأييد العلني الكامل لـ"حل الدولتين" رسالة إضافية أُخرى إلى الفلسطينيين. فحديثه عن أنه سيدعم "حل الدولتين إذا كان مقبولاً على الطرفين"، يرمز إلى أن الولايات المتحدة قد تؤيد وضعاً يحظى فيه الفلسطينيون بـ"سيادة ناقصة"، إذا لم يتم استئناف المفاوضات أو إذا لم تتكلل المفاوضات بالنجاح.
•تستخدم الولايات المتحدة الآن في كل ما يتعلق بإسرائيل، محفزات إيجابية (إعلان القدس، امتيازات إقليمية وغيرها) لحثها على العودة إلى مائدة المفاوضات. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فتحاول الولايات المتحدة تأكيد الخسائر العينية الملموسة التي سيتكبدونها جرّاء عدم مرونتهم، بالإضافة إلى التشديد على أن الفرص الأفضل المتاحة أمامهم لتحقيق الإنجازات تكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات.
إسقاطات
•تبدي إدارة الرئيس ترامب التزاماً واضحاً بالعمل على الدفع قدُماً بعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية سعياً لتحقيق "صفقة القرن". الجدول الزمني في هذا السياق مرن جداً ويبدو أن التأجيل عائد إلى التردد الفلسطيني في العودة إلى طاولة المفاوضات برعاية أميركية، وذلك في إثر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة جهدها في إعادة تحديد وبلورة نموذج جديد للمفاوضات وضم أطراف إقليمية أُخرى لتكون شريكة في هذه العملية التي من شأنها أن تهيئ لإسرائيل جملة من الفرص حتى في ظل انعدام المفاوضات، وأن تحسن مكانتها الإقليمية.
•ستجد إسرائيل صعوبة في رفض مبادرة أميركية لاستئناف المفاوضات من أجل تحقيق سلام في المنطقة، إذا ما طرحت مثل هذه المبادرة. وعلى أي حال وبغية تجنيد تأييد أميركي لمواقفها، يوصى بأن تحدد إسرائيل مواقفها بمفاهيم استراتيجية، وسط تقديم نماذج عن كيفية ارتباط هذه المواقف بالأهداف الأميركية في المنطقة، بدلاً من عرض مواقفها من منطلقات تاريخية وأخلاقية.