مختارات من الصحف العبرية

نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)

أخبار وتصريحات
نتنياهو: "الجيش الإسرائيلي هو الجيش الوحيد الذي يحارب الجيش الإيراني"
لقاء في واشنطن يجمع بين وزير الخارجية الإسرائيلية كاتس ووزير خارجية البحرين
فشل المساعي لبلورة قائمة مشتركة بين الأحزاب العربية
انضمام ليفي أبو قسيس إلى حزب العمل
مقالات وتحليلات
"حزب الله" لا يتسلح فحسب، بل يهيئ مجتمعاً مخلصاً لساعة الحسم
ملحق خاص
حيال تشكّل نظام عالمي جديد: تركيا ترنو إلى الشرق ثانية
أخبار وتصريحات
من المصادر الاسرائيلية: أخبار وتصريحات مختارة
"يسرائيل هَيوم"، 19/7/2019
نتنياهو: "الجيش الإسرائيلي هو الجيش الوحيد الذي يحارب الجيش الإيراني"

قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مقابلة أجرتها معه الصحيفة، بعد أن تخطت مدة تولّيه هذا المنصب الرقم القياسي لرؤساء الحكومات الإسرائيلية، إن إسرائيل هي الدولة الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط وتحارب الإسلام المتطرف وتابع: "الجيش الإسرائيلي هو الجيش الوحيد في العالم الذي يحارب الجيش الإيراني". وعن مدى صحة اتخاذ قرار بالهجوم العسكري على إيران خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قال: "كنا جديين جداً. ولم يكن هذا خدعة. إدارة أوباما قررت نتيجة مجموعة من الاعتبارات فرض عقوبات. إيران انهارت وبدأت تشعر بالضغط. حينها جاء الاتفاق النووي الذي حرر إيران فعلياً من الضغوطات. وفتح لها الطريق كي تصبح دولة نووية خلال بضع سنوات. وكانت الحجة إذا حصل الإيرانيون على مليارات الدولارات نتيجة رفع العقوبات فإنهم سيتحولون إلى دولة معتدلة. بينما أنا قلت العكس. سررت لأن الرئيس ترامب انسحب من الاتفاق وهو يضغط من جديد." وقال نتنياهو إنه لا يهمه تغيير النظام في إيران، بل يهمه أن تتغير سياسته، وفي رأيه أن إيران حالياً تسعى بصمت للحصول على سلاح نووي، وتحاول السيطرة على الشرق الأوسط.

وعن العلاقات مع روسيا قال إنه فور دخول القوات الروسية إلى سورية اتصل بالرئيس بوتين الذي تجمعه به علاقة وثيقة تعود إلى سنة 2000، وبلّغه أنه لن يقبل تمركز قوات عسكرية إيرانية بالقرب من حدود إسرائيل، وأنه سيكون مضطراً إلى التحرك في سورية. وقال: "منذ ذلك الحين التقيت نحو 12 مرة بالرئيس بوتين، ووضعنا خطاً أحمر بين الجيش الإسرائيلي والجيش الروسي. ومن وقت إلى آخر أرسل رئيس الأركان أو رئيس الاستخبارات العسكرية أو قائد سلاح الجو إلى  موسكو لتوثيق التنسيق بيننا". ورأى نتنياهو أن وجود نحو مليون يهودي من أصل روسي في إسرائيل يشكل جسراً اجتماعياً وإنسانياً مع روسيا. كما أشار نتنياهو إلى أنه في الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في نهاية الشهر الماضي بين مستشاري الأمن القومي في الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل جرى التوصل إلى اتفاق لإخراج إيران من سورية.

"يسرائيل هَيوم"، 18/7/2019
لقاء في واشنطن يجمع بين وزير الخارجية الإسرائيلية كاتس ووزير خارجية البحرين

التقى وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة يوم الأربعاء الماضي ضمن إطار مؤتمر حرية الأديان الذي عُقد في واشنطن برعاية وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو. ولقد تحدثا عن إيران والتهديدات الإقليمية، وعن التعاون المشترك بين الدولتين، واتفقا على البقاء على اتصال. وكان كاتس قد التقى قبل أسبوعين خلال زيارته إلى أبو ظبي شخصيات إماراتية رفيعة المستوى.

وكان الوزير كاتس قد اتفق مع رئيس الحكومة على وضع هدف واضح للسياسة الخارجية الإسرائيلية وهو الدفع قدماً بتطبيع العلاقات والسعي لتوقيع اتفاقات سلام مع دول الخليج العربي خلال السنوات المقبلة.

 

"هآرتس"، 19/7/2019
فشل المساعي لبلورة قائمة مشتركة بين الأحزاب العربية

أعلنت لجنة الوفاق الوطني التي عملت على حل الخلافات بين الأحزاب العربية يوم أمس (الخميس) فشلها في التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تشكيل قائمة مشتركة من جديد للانتخابات الإسرائيلية المقبلة. وأشار رئيس اللجنة  في مؤتمر صحافي عقده في الناصرة إلى  أن"الأنانيات انتصرت على الأمل بالوحدة"، وقال إن الأحزاب لم تنجح في التركيز على المسائل الجوهرية وانشغلت بأماكنها في القائمة.

وأكدت اللجنة ما سبق أن نشرته "هآرتس" في الأسابيع الأخيرة أن العقبة الأساسية في الاتصالات بين الأحزاب تتعلق بالمركز الـ12 في القائمة المشتركة، وذلك في ضوء مطالبة حزب التجمع الوطني  الديمقراطي "بلد" بتخصيص هذا المركز لأحد مرشحيه، بينما اقترحت اللجنة تخصيص المركز لمرشح عن الجبهة الديقراطية للسلام والمساواة "حداش"، على أن يتولى مرشح "بلد" المركز الـ13. ويقولون في اللجنة إنه لو جرى حل هذه العقبة لكانت جميع المشكلات الأُخرى حُلّت أيضاً.

 من جهة أُخرى رفض حزب التجمع الانتقادات التي وجهتها إليه اللجنة، ورأى أن توزيع المقاعد بحسب ما اقترحته اللجنة كان خطأ، وأنه لا يزال ممكناً التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب، من دون تدخّل اللجنة. لكن بحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة فإن الحزب لا ينوي التخلي عن مطالبته بالمركز الـ12، وهو يفكر في خوض الانتخابات في قائمة مستقلة وحتى عدم المشاركة في الانتخابات القادمة.

من ناحية أُخرى ذكرت "حداش" أنها لا تزال تتمسك بمخطط القائمة المشتركة الذي اقترحته لجنة الوفاق، وأنها قدمت مقترحات إلى كل من "بلد" و"تعل" بهدف المضي قدماً في المفاوضات. وقالوا في حداش إنه "على الرغم من أحداث الأيام الأخيرة، فإن التصرف الصحيح من جانب جميع الأحزاب يمكن أن يؤدي إلى النجاح في تشكيل قائمة مشتركة من جديد".

"هآرتس"، 19/7/2019
انضمام ليفي أبو قسيس إلى حزب العمل

أعلن يوم أمس رئيس حزب العمل عمير بيرتس انضمام أورالي أبو قسيس زعيمة حزب "غيشر" الذي لم ينجح في تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات الماضية إلى حزب العمل. ومن المعروف أن أبو قسيس كانت عضواً في حزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان قبل خروجها منه وتشكيلها حزباً خاصاً بها، وهي تُعتبر ذات ميول يمينية معتدلة، ومن شأنها أن تعزز القاعدة الاجتماعية لحزب العمل. يأتي هذا بعد إعلان شيلي يحموفيتش استقالتها من حزب العمل وانسحابها من الحياة السياسية.

إن تفضيل عمير بيرتس انضمام أبو قسيس إلى حزبه على نيتسان هوروفيتس زعيم حركة ميرتس، هو من الخطوات الأكثر أهمية في هذه الانتخابات، ويكشف عن محاولة بيرتس الوصول إلى ناخبي الوسط - اليمين من الجمهور وتوجهه أيضاً إلى الناخبين الذين غادروا حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون بعد انضمام الأخير إلى حزب الليكود.

مقالات وتحليلات
من الصحافة الاسرائلية: مقتطفات من تحليلات المعلقين السياسيين والعسكريين
"معاريف"، 18/7/2019
"حزب الله" لا يتسلح فحسب، بل يهيئ مجتمعاً مخلصاً لساعة الحسم
عاموس جلبواع - محلل سياسي

الهدف الأعلى لدى "حزب الله" هو تحويل الطائفة الشيعية في لبنان إلى "مجتمع مقاومة"، أي: مجتمع يساند المعركة ضد إسرائيل

  • بعد أن رأيت في كل مكان وفي كل موقع إعلانات لحزب "إسرائيل ديمقراطية" (الحزب الجديد الذي أقامه إيهود براك مؤخراً) وفيها تعهد بوضع دستور لإسرائيل في غضون سنتين؛ وبعد أن قرأت أن خبيراً كبيراً في العلاقات العامة قد جزم (كحقيقة، لا كتخمين أو تقدير أو رجاء أو توقّع) بأن سحر بنيامين نتنياهو قد تبدد ـ ارتاح عقلي وهدأ بالي. ولذا، ستتركز هذه المقالة على أحد أعداء إسرائيل ـ تنظيم "حزب الله"، الذي عاد إلى احتلال العناوين هذا الأسبوع. فقد توعد الأمين العام، حسن نصر الله، باستهداف 1.000 هدف في الخاصرة الرخوة لدولة إسرائيل. وردّ عليه قادتنا، كعادتهم، بأن نهايته ستكون تحت الأنقاض. تهديد الكمية المرعبة من القذائف والصواريخ التي يملكها "حزب الله" يشكل، في رأيي، المشكلة الأمنية الأخطر بالنسبة إلى إسرائيل، لكن ليس هذا ما أريد معالجته هنا، بل البنية التحتية المدنية لهذا التنظيم الشيعي، بالذات.
  • يعكف مركز المعلومات في مجال الاستخبارات والإرهاب، التابع لمركز التراث الاستخباراتي، هذه الأيام، على مشروع فريد يقوم بدراسة البنية التحتية المدنية لدى "حزب الله" وترسيم خريطتها. ما الذي يمكن الاستفادة منه، حتى الآن؟ يتضح، إذاً، أن "حزب الله" قد أنشأ منظومة إدارية متشعبة، أشبه بمنظومة حكومية، تهتم بالسكان المدنيين الشيعة في لبنان وتعالج قضاياهم. من الصعب معرفة عدد الشيعة الدقيق في لبنان، لكن الحديث يجري، في كل الأحوال، عن الطائفة الأكبر في لبنان، والتي تشكل نحو ثلث عدد سكان الدولة. هؤلاء موزعون، بصورة أساسية ومركزة، في جنوب بيروت، الجنوب والبقاع. ولئن كانت الطائفة الشيعية هي الأكثر فقراً وتخلفاً في لبنان حتى وقت غير بعيد، فهي لم تعد كذلك الآن، فضلاً عن كونها القوة العسكرية الأقوى في الدولة.
  • يشغّل "حزب الله" لمصلحة السكان الشيعة "وزارة إسكان وزراعة" تهتم بالتأهيل، والترميم وإقامة مبانٍ جديدة وتقديم مساعدات للعاملين في مجال الزراعة؛ "وزارة صحة" تقيم بنى تحتية واسعة من العيادات والمستشفيات؛ "وزارة تعليم" تبني شبكات من المدارس الخاصة، إضافة إلى "جهاز بنكي" يتركز عمله الأساسي على منح السكان الشيعة قروضاً مالية من دون فوائد. وثمة مؤسسات أُخرى تعالج قضايا الشباب، والجرحى وعائلات القتلى (الشهداء).
  • الجزء الأكبر والأساسي من تمويل هذه المؤسسات ـ الخاضعة، بالمناسبة، لعقوبات اقتصادية أميركية ـ مصدره من إيران. الهدف الأعلى، الرؤية الأبعد، بالنسبة إلى "حزب الله" هو تحويل الطائفة الشيعية في لبنان إلى "مجتمع مقاومة، أي مجتمع داعم للتنظيم عموماً، وفي المعركة التي يخوضها ضد إسرائيل تحديداً، مجتمع يتجند وينخرط في المعركة.
  • ثمة فوارق كثيرة بين حزب الله في لبنان و"حماس" في قطاع غزة، من أبرزها التعامل مع السكان المدنيين الخاضعين لسيطرتها، والاهتمام بهم والحرص عليهم. فحركة "حماس" لا تهتم بالسكان المدنيين في نطاق مسؤوليتها ولا تعتبر نفسها مسؤولة عنهم وتجاههم. ولذلك، فإن الكلمات أو العبارات السحرية من قبيل "تأهيل" أو "نخلق واقعاً بحيث يصبح لديه ما يخسره" وما شابه لا تعني شيئاً بالنسبة إليها. أمّا "حزب الله"، فهو يهتم بالسكان الشيعة ويحرص ويقلق عليهم، لأنه يعتبر نفسه مسؤولاً عنهم.
  • من هنا، يمكن أن نفهم أيضاً ـ على الرغم من وجود أسباب أُخرى طبعاً ـ لماذا يحرص "حزب الله" على حفظ الهدوء عند الحدود مع إسرائيل ويحافظ على ميزان ردع في مقابلها. فللسكان المدنيين الذين يرعاهم أهمية كبيرة بالنسبة إليه. وفي تقديري، أنه في حال اندلاع مواجهة شاملة بين إسرائيل وإيران، سيكون لدى نصر الله تخبط غير بسيط بشأن ما إذا كان سينضم أم لا، إلّا إذا تلقى أوامر مباشرة وصريحة من خامنئي، سيده الأعلى.
  • في حال وقوع المواجهة، ثمة بنك أهداف لدى إسرائيل ليس لضرب الدولة اللبنانية فقط، بل لضرب الدولة الشيعية في لبنان أيضاً.

 

 

 

 

 

 

ملحق خاص
مباط عال، العدد 1194، 15/7/2019
حيال تشكّل نظام عالمي جديد: تركيا ترنو إلى الشرق ثانية
عوديد عيران وجاليا لندنشتراوس - باحثان في معهد دراسات الأمن القومي

حيال تشكّل نظام عالمي جديد:

تركيا ترنو إلى الشرق ثانية

 

تبدو، مؤخراً، بوادر تحول في المنظور الاستراتيجي التركي يندرج في المبادرات والخطوات الحثيثة التي تتخذها روسيا والصين (كل منهما لاعتباراته الخاصة) في الفضاء الغربي - الآسيوي - الأوروبي وتنشأ فرصة لإحداث تغيير بعيد المدى يحمل في طياته دلالات واسعة وإسقاطات على إسرائيل أيضاً. وقد أظهرت تركيا، في عدد من القضايا المركزية، تميّزاً متزايداً عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها قضية تنفيذ صفقة امتلاك منظومات الدفاع الجوية، الـ S-400، من روسيا، على الرغم من معارضتهما. إن تزويد تركيا بمنظومات S-400، والذي بدأ في 12 تموز/يوليو، يجعل من الصعب على الدول الغربية إبداء مساحة من المرونة في السياسة الخارجية التركية في اتجاه أكثر استقلالية، نظراً إلى الانعكاسات السلبية الواسعة المدى المترتبة على هذه الصفقة على التعاون العسكري في إطار حلف الناتو. أمّا الاعتبارات الإسرائيلية إزاء التغيير الاستراتيجي في السياسة التركية فهي مركبة ومعقدة، ومن الصحيح والجدير أن تخصص إسرائيل لهذه القضايا تفكيراً جدياً، كما لإمكانية الوجود الصيني أو الروسي المكثف في الشرق الأوسط، أيضاً. 

 

  • منذ انضمامها إلى حلف الناتو في سنة 1952، أصبحت تركيا عضواً مهماً في حلف شمال الأطلسي. جيشها الكبير وموقعها إلى الجنوب من الاتحاد السوفياتي وكمنطقة فاصلة بينه وبين شرق البحر المتوسط، شكلوا معاً أساساً لأهميتها للأمن الأوروبي. وعلى الرغم من النزاع في قبرص وعلاقات الجيرة المشحونة بالتوتر بين تركيا واليونان، ظلت أنقرة وواشنطن تحافظان على تعاون استراتيجي بينهما. ومع ذلك، تبدو في الفترة الأخيرة بوادر تحول في المنظور الاستراتيجي التركي، يندرج في المبادرات والخطوات الحثيثة التي تتخذها روسيا والصين (كل منهما لاعتباراته الخاصة) في الفضاء الغربي - الآسيوي – الشرق أوروبي، وتنشأ فرصة لإحداث تغيير بعيد المدى يحمل في طياته دلالات واسعة وإسقاطات على إسرائيل أيضاً. هذه ليست المرة الأولى التي يبدو فيها أن أنقرة تبدي رغبة متزايدة في التعاون مع روسيا والصين، بل وحتى تدّعي أن هذه العلاقات لا تتعارض مبدئياً مع علاقاتها مع الغرب. على الرغم من ذلك، تشكل الأزمة العميقة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أرضاً خصبة أمام موسكو لتحقيق هدفها المتمثل في إحداث صدع داخلي في حلف شمال الأطلسي، بطريقة أكثر سهولة مما كان عليه الأمر في السابق.
  • أظهرت تركيا، في عدد من القضايا المركزية، تميّزاً متزايداً عن الولايات المتحدة، وكذلك من الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها قضية شرائها منظومات الدفاع الجوية، الـS-400 من روسيا، على الرغم من معارضتهما. وهذا، على سبيل المثال، خلافاً للنجاح الذي حققته إدارة الرئيس باراك أوباما في دفع تركيا في سنة 2015 إلى إعلان إلغاء مناقصة لشراء منظومات دفاعية جوية فازت فيها الصين. في الرسالة التي وجهها إلى نظيره التركي يوم 6 حزيران/ يونيو، حذر نائب وزير الدفاع الأميركي من إنه إذا لم تحجم تركيا عن تلقي شحنة S-400 من روسيا، فسيتم إلغاء صفقة بيع طائرات F-35 إلى تركيا، وستضطر جميع الطواقم التركية المتدربة الآن إلى إنهاء فترة وجودها في الولايات المتحدة حتى موعد أقصاه الحادي والثلاثين من تموز/يوليو. وعلى الرغم من ذلك، وصلت الشحنة الأولى من صواريخ S-400 من روسيا إلى تركيا يوم 12 من الشهر نفسه. الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخلال لقائه مع الرئيس التركي طيب رجب أردوغان على هامش قمة قادة مجموعة G-20 في اليابان في حزيران/يونيو، حاول عزو التزود التركي هذا إلى رفض سلفه في الإدارة الأميركية، الرئيس باراك أوباما، بيع منظومات أميركية موازية إلى تركيا، لكنه لم يلغ التهديد الخاص بطائرات F-35. وقد نجمت الصعوبة في التوصل إلى اتفاق يتعلق بمسألة بيع بطاريات صواريخ باتريوت إلى تركيا، بحسب ادّعاء أنقرة، عن خلافات في الرأي بشأن نقل التكنولوجيا، إضافة إلى الخلاف بشأن السعر أيضاً. وحتى لو تم التخفيف من حدة الأزمة الراهنة المتعلقة بالـ S-400، إلاّ إنه ليس في وسعها إخفاء التراجع الحاد الحاصل خلال السنوات الأخيرة في مكانة تركيا في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي حلف الناتو أيضاً.
  • ما زالت أنقرة متمسكة بموقفها المتمثل بمعارضة بقاء نظام بشار الأسد في سورية، لكنها عمقت وعززت خلال سنوات الحرب الأهلية هناك تعاونها المشترك مع كل من إيران وروسيا. وتعمل هذه الدول الثلاث، منذ كانون الأول/ ديسمبر 2016، في إطار "محادثات أستانة"، التي بحثت في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، على تسويات اتفاقات وقف إطلاق النار في المناطق السورية المتعددة وبلورة حل سياسي. النية التركية الواضحة المتمثلة في منع قيام منطقة حكم ذاتي كردي إلى الجنوب من الحدود التركية - السورية تضطر واشنطن، وكذلك حلفاء غربيين آخرين، إلى الإبقاء ولو على قوة عسكرية رمزية في سورية من أجل منع أي تعدٍّ تركي جدي على الأكراد هناك. ويحدث ذلك، على الرغم من تصريح الرئيس ترامب بشأن رغبته في الانسحاب من سورية. وعلى هذه الخلفية بالذات تضطر الولايات المتحدة والدول الأُخرى الأعضاء في حلف ناتو إلى القبول الصامت بالتعاون التركي - الروسي - الإيراني، وبدعم تركيا لإيران في كل ما يتعلق بصفقة النووي (JCPOA) من سنة 2015 وبدعم إيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بل والالتفاف على هذه العقوبات وتجاوزها، من خلال استغلال الحدود الطويلة بينهما واستخدام وسائل متنوعة، مثل INSTEX الأوروبي أو العملة (الإيرانية والتركية) في المعاملات التجارية.
  • إلى جانب الابتعاد عن واشنطن والتقرب من محور موسكو - طهران، تتعزَّز العلاقات بين تركيا والصين أيضاً. فقد استضاف الرئيس الصيني تشي جين بينغ الرئيس التركي، أردوغان، في بكين في الثاني من تموز/يوليو. وقبل ذلك بيوم واحد، قدم أردوغان هديته إلى المضيف ـ مقالة رأي في الصحيفة الصينية غلوبال تايمز GLOBAL TIMES. أردوغان شريك في خط التفكير الاستراتيجي الصيني وفي صلبه الحاجة إلى تغيير النظام العالمي وتحويله من أحادي القطب إلى ثنائي القطب. ومن دون أن يسميها مباشرة، أعلن أردوغان تحدّيه الولايات المتحدة بوضعه تركيا في صلب مشروع الرئيس الصيني "الحزام والطريق"، كما كتب عن الاهتمام التركي بالتعاون في قضايا الأمن والدفاع بين الصين وبلاده. وقد ظهرت عبارة "التعاون الاستراتيجي" مرات عديدة في التقرير الخاص باللقاء بين الرئيسين يوم 2 تموز/يوليو على الموقع الرسمي للرئيس الصيني.
  • يتوارى خلف الكلمات اهتمام متزايد من الدولتين بدفع مصالحهما المشتركة التي تتجسد في رؤيتين استراتيجيتين: تتطلع الصين إلى دفع مشروع الخطوط البحرية والبرية إلى أوروبا - BELT AND ROAD INITIATIVE، فيما تسعى تركيا لدفع مشروع الـMIDDLE CORRIDOR [الممر الأوسط]. في مقالته، في الصحيفة الصينية، عرض أردوغان مشروع ممر (أو شريط) المواصلات الذي سيصل بين تركيا، جورجيا، أذربيجان، تركمانستان وكازاخستان، والذي سيندمج في الربط بين بكين ولندن. وبهذا، موضعت أنقرة نفسها كحلقة مركزية في المشروع الصيني الطموح، بينما هي تنتظر المكافأة الصينية التي عرضها أردوغان في مقالته بالتفصيل، وتتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين وزيادة الاستثمارات الصينية في تركيا. فالتراجع الحاصل في الاقتصاد التركي يولّد توقعات بتوثيق العلاقة مع الصين التي تحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم المبادلات التجارية مع تركيا، لكن بإجمالي متدنٍّ نسبياً، قيمته 21 مليار دولار، تبلغ صادرات تركيا منه نحو ثلاثة مليارات دولار فقط. في سنة 2018، على سبيل المثال، لم تكن الصين حتى ضمن قائمة الأهداف الـ15 الرائدة والمفضلة أمام الصادرات التركية، بينما كانت ألمانيا الهدف الأكبر والأفضل للصادرات التركية (نحو 16 مليار دولار)، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الخامسة (نحو 8 مليارات دولار)، حتى أن حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل كان أكبر بقليل من حجم صادراتها إلى الصين. كما تعكس الاستثمارات الصينية في تركيا، والمقدّرة بنحو ملياري دولار، اهتماماً صينياً هامشياً فقط بالاقتصاد التركي.
  • علاوة على ذلك، أعرب أردوغان خلال زيارته إلى الصين عن استعداده لدفع الثمن السياسي الذي تطلبه الصين. فقد ورد في التقرير الصيني الرسمي الخاص باللقاء بين الرئيسين، الصيني والتركي، أن الجانب التركي أكد أنه لن يسمح بأي نشاط انفصالي معادٍ للصين مصدره تركيا وأن الجانب التركي يثمّن عالياً الجهود الصينية في محاربة الإرهاب. ونُقل عن أردوغان قوله، اقتباساً، إن السكان في مقاطعة سنجان (شينجيانغ) يعيشون بسعادة بفضل الرفاهية في الصين. وبهذا، أرسلت تركيا إشارة واضحة بأنها تضحي (ولو موقتاً) بحرصها وقلقها على ملايين الصينيين المسلمين من أصل تركي، وأنها تتراجع وتتخلى عن الاتهام الذي كان أردوغان قد وجّهه إلى الصين في سنة 2009 بأن تعاملها مع الأويغوريين (شعوب تركية في الصين) هو بمثابة "نوع من الجينوسايد" (إبادة شعب)، كما تتراجع أيضاً عن تصريح أدلى به الناطق بلسان وزارة الخارجية التركية في شباط/فبراير 2019 ووصف فيه ما يحدث للأويغوريين بأنه "وصمة عار على جبين الإنسانية". كما يتناقض هذا، أيضاً، مع مضمون الرسالة التي وُجهت إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان يوم الثامن من تموز/ يوليو ووقعتها 22 دولة عبّرت عن قلقها جرّاء القمع، بما في ذلك معسكرات الاعتقال، بحق الأويغوريين بصورة أساسية، ودعت إلى إيفاد مراقبين دوليين إلى تلك المنطقة. أمّا العِملة الثانية التي دفع أردوغان بواسطتها إلى مضيفيه الصينيين فكانت تأكيد التزامه بتأييد سياسة الصين الواحدة، أي عدم الاعتراف بتايوان، مع أن تركيا لا تختلف في هذا عن الأغلبية الساحقة من دول العالم بصورة عامة.
  • تعكس تصريحات أردوغان وتحركاته خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك في إطار زيارته الأخيرة إلى الصين، تبلور استراتيجيا تركية تقوم على نقل مركز الثقل السياسي، وربما الاقتصادي والأمني أيضاً، من الفضاء الشمالي الغربي إلى الفضاء الشمالي الشرقي. ومثل كثيرين آخرين، يرى أردوغان في المنافسة الجارية بين الصين والولايات المتحدة جملة من الفرص المتاحة أمام تركيا، إذا ما نجحت في الاندماج كحلقة مركزية في المنظور الاستراتيجي الصيني. في الجانب الأيديولوجي، يموضع أردوغان بلاده والصين بين الدول التي لا تحظى بالمكانة والتقدير اللذين تستحقهما في النظام العالمي السائد الذي تشكل الولايات المتحدة وأوروبا (دون تسميتهما صراحة) حارسيه الأوضح. وفي الجانب العملي، لا يقطع أردوغان علاقات بلاده مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بل يستغل ترددها وخشيتها من اتخاذ موقف أكثر وضوحاً وحزماً حيال مغازلاته الصين وروسيا. لكن، ربما كان أردوغان مستعداً أيضاً لخوض المجازفة المتمثلة، مثلاً، في التحذيرات الأميركية الخاصة بتوقيع عقوبات اقتصادية ضد تركيا في إطار تشريع CAATSA (Countering America's Adversaries Through Sanctions Act 2017)، على افتراض أن ترامب سيؤجل تنفيذها. وهذا، بناء على تقدير بأن موقفه حيال تركيا وأردوغان شخصياً هو موقف أكثر إيجابية من موقف الكونغرس. ويمكن التكهن بأن أردوغان يخوض هذه المغامرة انطلاقاً أيضاً من تقييم مفاده أن الدول الغربية لن تسارع إلى الدخول في مواجهة واسعة مع أنقرة، على ضوء التوتر الشديد السائد بين هذه الدول من جهة وبين إيران وروسيا والصين من جهة أُخرى.
  • تتصاعد في الكونغرس الأميركي وتتسع الانتقادات الموجهة إلى أردوغان، حتى أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ قد حذر من أن على تركيا أن تختار ما بين الولايات المتحدة وروسيا، كما وضع نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، المسألة أمام تركيا بصورة أكثر حدة حين تساءل، في نيسان الماضي، عمّا إذا كانت تريد الإبقاء على عضويتها في حلف الناتو أم تعريض أمن الحلف للخطر. بذلك، كشف بينس السرّ الذائع في أروقة مقر المنظمة في بروكسل بأن غمامة سوداء تخيم فوق عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من أن حلف الناتو يفتقر إلى آلية الطرد من عضويته، وعلى الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية من جانب أنقرة بشأن رغبتها في ترك هذا التحالف. وعليه، فإنه من المشكوك فيه أن يحدث تغيير دراماتيكي في هذه العلاقات في المدى المنظور، على الرغم من خيبة الأمل الواضحة المتبادلة من كلا الطرفين. يشعر أردوغان الذي يتصرف كحاكم مستبد، بارتياح ملحوظ برفقة فلاديمير بوتين وتشي جين بينغ اللذين لا يبديان أي قلق حيال أدائه، لا في القضايا الداخلية ولا في القضايا الخارجية، بينما هو يساهم في إضعاف مكانة الولايات المتحدة الدولية وفي تحدي السياسة الغربية الديمقراطية - الليبرالية.
  • في مقابل اهتمام الولايات المتحدة المتناقص، بالتدريج وباستمرار، بمنطقة الشرق الأوسط، تجد تركيا وإيران وروسيا فرصاً لملء هذا الفراغ لتعزيز حضورها وتعميق تأثيرها. لا تزال الصين تدرس الواقع الجديد، لكن إذا ما قررت بكين زيادة استثماراتها في المنطقة، فستكون تركيا ظاهرياً شريكاً مريحاً، على الرغم من أن التشكيك الصيني في دعم تركيا للأويغوريين سيظل قائماً. وإذا ما خرجت تركيا من دائرة التأثير الشمالي- الغربي، فسيكون هذا بمثابة إنجاز استراتيجي مهم جداً لروسيا، تحقق بسهولة نسبية وباستثمار متواضع. إن قدرة الدول الغربية على إبقاء تركيا داخل دائرة تأثيرها منوطة أيضاً بهامش المرونة التي يمكن لهذه الدول اعتماده في التعامل مع المحاولات التركية لبلورة سياسة خارجية مستقلة. ومع ذلك، يجب التأكيد أن امتلاك منظومات الـS-400 يصعّب مهمة الاحتفاظ بمثل هذا الهامش، على ضوء الإسقاطات السلبية الواسعة المحتملة لهذه الخطوة على إمكانات التعاون العسكري مع حلف الناتو.
  • الاعتبارات الإسرائيلية حيال التحول الاستراتيجي في التوجهات التركية هي اعتبارات مركّبة. من جهة، شكل نظام أردوغان على امتداد العقد الأخير تحدياً حقيقياً لإسرائيل في جملة من القضايا. فتركيا تدعم حركة "حماس" وتساعد منظمات مقدسية شرقية تعمل على توتير الأجواء والأوضاع في منطقة "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف)، كما حالت فترة طويلة دون أي نشاط إسرائيلي في إطار حلف الناتو. إن إمكانية التدخل الصيني و/ أو الروسي في شرق حوض البحر المتوسط، من خلال استغلال تضعضع مكانة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في المنطقة، من شأنه أن يضع الدول المحيطة بتركيا أمام مخاطر حقيقية، كما يضعها أمام فرص جدية أيضاً. صحيح أن هذه الدول، وضمنها إسرائيل، قد شرعت في عملية انتظام أولي في مسألة الغاز، إلّا إنها سوف تكون في حاجة إلى دعم أوروبي - أميركي كي تستطيع مواجهة أي موقف تركي عدائي. التحول التركي شرقاً هو تغيير تكتوني قد تكون له آثار وانعكاسات سلبية على مصالح استراتيجية إسرائيلية، من ضمنها الطاقة، والطيران المدني والتجارة. من الحري والصحيح أن تُفرد إسرائيل تفكيراً لهذه القضايا، كما لاحتمال وجود صيني أو روسي معزز في شرق البحر المتوسط أيضاً. إنما التغيير في التوجهات التركية يخلق أيضاً فرصاً تجاه الدول الأوروبية والولايات المتحدة. على المدى القريب، يمكن لوقف تزويد تركيا بطائرات F-35 أن يتيح لإسرائيل شراء أجزاء منها، وربما أيضاً مشاركة أكبر للصناعات العسكرية الإسرائيلية في إنتاج أجزاء منها، كان من المفترض أن تتولى إنتاجها شركات تركية. أمّا على المديين المتوسط والبعيد، فإن هذا التغيير يستدعي التفكير والمواءمة من جانب دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بما في ذلك ما يتعلق بنشر القواعد العسكرية التي يمكن لدول شرق أوسطية أيضاً الاندماج فيها.

 

 _________

- ترجمه عن العبرية: سليم سلامة

- راجع الترجمة: أحمد خليفة