مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
قبل ساعات من انتهاء تفويض رئيس الدولة إلى بنيامين نتنياهو تأليف الحكومة، وبعد فشل هذا الأخير في ذلك، تشتد المنافسة بين الكتل في الكنيست للحصول على تفويض رئيس الدولة. وتسعى كتلة التغيير للحصول على تفويض رئيس حزب يوجد مستقبل يائير لبيد تأليف الحكومة المقبلة، بينما تبذل أوساط رئيس حزب يمينا نفتالي بينت جهودها لحصول بينت على التفويض، مع بقاء كل الاحتمالات مفتوحة.
في هذه الأثناء فشلت حتى الآن المساعي التي قام بها بنيامين نتنياهو لإقناع زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وزعيم حزب قوة يهودية إيتمار بن غفير بتأييد حكومة ضيقة مدعومة من حزب راعم الذي يترأسه عباس منصور بذريعة رفضهما الانضمام إلى حزب يدعم الإرهاب.
وكان نتنياهو قام أمس بخطوة إضافية في اتجاه بينت وأعلن موافقته على التناوب بينه وبين بينت في رئاسة الحكومة، على أن يتولى بينت أولاً المنصب لمدة عام. وقال نتنياهو: "قلت لبينت إن من أجل منع حكومة يسارية، أنا مستعد للموافقة على المناوبة في رئاسة الحكومة، بحيث يتولى هو رئاسة الحكومة أولاً لمدة عام واحد." وردّ بينت على الاقتراح في بداية جلسة عقدتها كتلته في الكنيست قائلاً: "سمعت اقتراح نتنياهو ويجب أن أقول إنه غير مفهوم. لم أطلب منه رئاسة الحكومة بل حكومة، وللأسف الشديد ليس لديه حكومة لأن سموتريتش أحرق كل الجسور المؤدية إلى حكومة يمينية."
في هذه الأثناء أعلن زعيم حزب أمل جديد جدعون ساعر رفضه الانضمام إلى حكومة يتولى نتنياهو رئاستها بالمناوبة. وقال: "ناخبو أمل جديد صوتوا دعماً لخط معاكس تماماً يفرض تغييراً، وليس لاستمرار سلطة نتنياهو."
في هذه الأثناء تتواصل الاجتماعات والاتصالات في كتلة التغيير في محاولة للدفع قدماً بحكومة تؤلفها الكتلة. ويبدو مثل هذا الإمكان مرتبط إلى حد كبير بمدى استعداد نفتالي بينت للانضمام إلى مثل هذه الحكومة. وبحسب مصادر في الكتلة، حتى الآن نيات بينت غير واضحة بصورة نهائية.
وقبيل جلسة المشاورات التي سيعقدها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين بعد انتهاء تفويض نتنياهو، التقى يائير لبيد زعيم حزب راعم منصور عباس لمعرفة مدى استعداده هو أيضاً لترشيحه لرئاسة الحكومة في حال جرى الاتفاق على ذلك مع نفتالي بينت.
من جهتها تحدثت صحيفة "معاريف" (4/5/2021) عن أنه في حال لم يطالب نتنياهو بتمديد مدة تفويضه، سيكون أمام رئيس الدولة إمكانان عليه أن يقرر بينهما خلال 3 أيام: تكليف عضو كنيست آخر تأليف الحكومة وإعطاؤه مدة 28 يوماً لذلك من دون تمديد، أو تبليغ رئيس الكنيست بأنه لا يرى هناك إمكاناً لتأليف حكومة. غداً سيختار الرئيس الإمكان الأول، وعلى الأرجح سيكلف يائير لبيد بعد جلسة استشارات يجريها مع ممثلي الكتل.
ألقت قوات الجيش الإسرائيلي والشاباك ليل الثلاثاء القبض على عدد من الفلسطينيين الذين يُشتبه بأنهم ساعدوا منفذي الهجوم في تسمويت تبواح على الفرار من مكان الهجوم. وكانت هذه القوات عثرت على السيارة التي أُطلقت منها النار، وهو ما أدى إلى جرح 3 إسرائيليين حالة أحدهم حرجة. وفي تقدير الجيش، شارك شخصان على الأقل في الهجوم، أحدهم قاد السيارة والآخر أطلق النار.
الجرحى الإسرائيليون الثلاثة هم تلامذة في يشيفا لم تتجاوز أعمارهم الـ19 عاماً. جنود إسرائيليون كانوا موجودين في مكان الحادثة حاولوا إطلاق النار على السيارة، لكنهم لم ينجحوا في إصابتها أو إيقافها. وأظهر التحقيق الأولي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي أن الجنود تصرفوا كما هو مطلوب منهم.
وتجدر الإشارة إلى وقوع خمسة جرحى فلسطينيين في أثناء عمليات تمشيط قام بها الجيش الإسرائيلي في مكان الحادثة. وبحسب الجيش، في أثناء المطاردة قام عدد من الفلسطينيين برشق الجنود الإسرائيليين بالحجارة والزجاجات المشتعلة، فردّ الجنود بإطلاق النار لتفريقهم.
أصدر وزير العدل بني غانتس توجيهاته إلى الجهات المعنية في الوزارة من أجل إعداد اقتراح لتشكيل لجنة تحقيق حكومية في حادثة جبل ميرون. يأتي ذلك بعد تصريح المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت بعدم وجود مانع قانوني للموافقة على تشكيل لجنة تحقيق حكومية في كارثة ميرون، في حكومة انتقالية.
وزير الداخلية آرييه درعي قال خلال جلسة عقدها الكنيست: "الكارثة هي قضاء وقدر، لكن هذا لا يمنعنا من الفحص والتحقيق"، وقبل ذلك قال نتنياهو في الجلسة: "واجبنا الأساسي فحص كل زاوية في كارثة ميرون. ويتعين علينا فحص الأمور بصورة منظمة وعميقة، مثل الحماية والدخول والخروج، وقبل كل شيء التغييرات الهندسية المطلوبة للموقع، وموضوعات الإدارة والمسؤوليات."
من المفترض أن تُستأنَف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل بشأن المنطقة المختلَف عليها على الحدود البحرية، إذ سيلتقي الوفد الإسرائيلي الوفد اللبناني في مقر اليونيفيل في الناقورة بحضور الوسيط الأميركي جون دروشير.
وكما أشار مراسل الصحيفة في الأسبوع الماضي، جرى استئناف المفاوضات بطلب من الأميركيين بعد موافقة الرئيس اللبناني ميشال عون على تجميد توقيعه مرسوم تعديل الحدود البحرية اللبنانية بما يتخطى حدود المنطقة المتنازَع عليها.
وطلب وزير الطاقة يوفال شتاينتس من المدير العام للوزارة يودي أدير ترؤس الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات، كما سيشمل الوفد رؤوفين عازار مستشار رئيس الحكومة في السياسة الخارجية.
وصرّح وزير الطاقة بأن هدف المحادثات هو فحص الخيارات من أجل التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ويسمح لهما باستغلال ثرواتهما الطبيعية بما فيه مصلحة للشعبين.
- منتصف الليل ينتهي تفويض رئيس الدولة رؤوفين ريفلين إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تشكيل ائتلاف حكومي. الصحيح حتى الأمس أن كل الجهود التي بذلها نتنياهو خلال 28 يوماً باءت بالفشل، ولم ينجح في تأليف حكومة. حتى هذه اللحظة لم يتراجع حزب جدعون ساعر أمل جديد عن تعهده بالحلول محل نتنياهو؛ كذلك حزب أزرق أبيض برئاسة بني غانتس، الذي يصر على وضع حد لحكم نتنياهو.
- يدرك نتنياهو صعوبة الوضع، لذلك أعلن أمس موافقته على أن يتولى زعيم حزب يمينا نفتالي بينت الرئاسة أولاً في حكومة مناوبة ويصبح رئيساً للحكومة لمدة سنة. لكن كالعادة كلام نتنياهو فارغ من المضمون. فهذا هو الخيار الوحيد الذي تبقى له كي يؤلف حكومة يمينية من الليكود والأحزاب الحريدية وحزبيْ يمينا والصهيونية الدينية بتأييد من حزب راعم.
- طبعاً نتنياهو يحظى بتأييد كل هذه الأحزاب، بما فيها حزب يمينا، بحسب ما أوضح بينت أمس ("لستم بحاجة إلى إقناعي، شكلوا حكومة ونحن سنساعد")، لكن لديه مشكلة: من أجل تأليف حكومة هو بحاجة إلى إقناع رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش بالانضمام إلى حكومة تعتمد على راعم. لكن سموتريتش وفيٌّ لمبادئه القومية - العنصرية، وأوضح علناً أكثر من مرة أنه متمسك برفضه الانضمام إلى حكومة مدعومة من راعم. ما دام هذا هو موقف سموتريتش فإن نتنياهو غير قادر على تأليف حكومة.
- بخلاف نتنياهو، زعيم حزب يوجد مستقبل يائير لبيد يؤمن بأن في إمكانه تأليف حكومة. لبيد صرّح أمس خلال اجتماع كتلته بأنه: "في غضون يومين يمكن أن تولد حكومة جديدة. لن تكون حكومة مثالية، لكنها ستكون حكومة تتحمل المسؤولية وتدير الدولة." يحظى لبيد اليوم بدعم 45 عضو كنيست يؤيدون إقامة حكومة برئاسته. هذا من دون أن نأخذ في الحسبان بينت ورفاقه في حزب يمينا، الذين عليهم أن يثبتوا نضجهم من أجل التغيير والانفصال عن نتنياهو.
- حتى لو لم تنضج حكومة لبيد بعد، وحتى لو كان بحاجة إلى أكثر من يومين لإقامتها، لبيد هو الذي لديه اليوم الفرصة الأكبر في النجاح في المهمة. لذلك لا يوجد أي سبب كي يرشح بينت - الذي يترأس حزباً مؤلفاً من 7 مقاعد فقط، والذي يغازل الطرفين من موقع ابتزاز سياسي - للحصول على تفويض رئيس الدولة.
- بعد 28 يوماً من ثرثرة سياسية وضجيج لا ينتهي ورفض بالاعتراف بالوضع الكئيب، انتهى زمن نتنياهو. ويتعين على الرئيس ريفلين أن ينقل هذه الليلة التفويض إلى لبيد.
- الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان حواراً هادئاً مهذباً بشأن الموضوع الإيراني، مع نيات جيدة ونقاش مفتوح، لكن نقاط الانطلاق الاستراتيجية والثقافية متعارضة، بحيث أن الاتفاق محصور في هامش الأمور ولا يتناول جوهر المسائل المطروحة للنقاش. هناك فارق بين قوة عظمى لديها اعتبارات عالمية، ولأخطائها (المتسلسلة) في الشرق الأوسط تأثير محدود في أمنها القومي، وبين دولة تعيش في قلب منطقة معادية عنيفة وتواجه تهديدات ذات أحجام وجودية.
- إدارة بايدن تريد منع إيران من الحصول على ترسانة نووية ولا تريدها أن تصبح دولة على عتبة النووي. وهي أيضاً قلقة من عمليات التآمر والإرهاب والهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط. لكن هدفها الأساسي تقليص الوجود الأميركي في المنطقة بصورة كبيرة، وهي ليست مستعدة لتوظيف الجهد والوقت اللازمين من أجل بناء بديل محلي وناجع من هذا الوجود. بخلاف أوباما، يبدو أن بايدن لا يسعى للتخلي عن الزعامة الأميركية للنظام العالمي وإظهار عجزه أمام العالم؛ لكنه بحاجة إلى موارده الاستراتيجية لمواجهة التحدي الصيني، ويبحث عن تسوية سريعة بقدر الممكن تسمح له بالخروج من الشرق الأوسط. يصرّح بايدن بأنه يريد الرجوع إلى الحل العائد إلى سنة 2015، الذي عالج التخصيب، بالإضافة إلى رقابة ظاهرية على أبحاث السلاح، من دون الإصرار على كبح البرنامج الصاروخي. لقد حصلت إيران على كل ما تشتهيه.
- الاتفاق الذي يريده بايدن مريح لإيران ومؤذٍ لإسرائيل والدول العربية القلقة على وجودها، التي تضررت من المؤامرات الإيرانية. المطلوب إيران ضعيفة اقتصادياً واستراتيجياً، وتجد صعوبة في دفع المليارات لحزب الله في لبنان، وللحوثيين في اليمن، وللميليشيات التي تأتمر بأوامرها في سورية والعراق، وللبرنامج النووي والاختراعات العسكرية المتطورة في إيران، بينها صواريخ باليستية، ولمنظومات متطورة ضد الطائرات والغواصات، ولشبكة إرهابية خاصة تغطي كل الكرة الأرضية تقريباً. مؤخراً نجحت إيران في تمويل ذلك بالتقشف على حساب رفاه شعبها، وتُرجِم جزء من ضائقتها الاقتصادية إلى اضطرابات سياسية. بعد العودة إلى اتفاق يعطي إيران ما تريد، تتعهد إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق جيد طويل الأجل وأكثر نجاعة، لكنه يأخذ منها أوراق مقايضة ووسائل ضغط تقنع الإيرانيين بقبوله. إذا أرادت إدارة بايدن تحقيق شيء ما في الإطار الضيق للتخصيب فإنها ستضطر إلى تعزيز موقع إيران في الإطار الأوسع والدائم. وهذا مؤذ فقط.
- إيران بحاجة إلى موقع دولة على عتبة النووي كي تضمن حصانة لنظامها، ومواجهة إجراءات مضادة ناجعة لإحباط مؤامراتها وسعيها للهيمنة الإقليمية. الهدف هو الهيمنة، والسلاح النووي هو الأداة. وبمعنى ما بايدن أعطى الإيرانيين ما يريدونه عندما لمّح إليهم وإلى العالم كله بأن استفزازات الإيرانيين نجحت في أن تفرض عليه التراجع عن الشروط التي وضعها: قبل كل شيء وقف الانتهاكات وبعدها رفع العقوبات. بسلوكه هذا أوضح أنه بحاجة إلى الاتفاق أكثر من الإيرانيين. استراتيجية إيران العتبة النووية حققت جزءاً من هدفها: من الواضح أن بايدن يدير ظهره للسعوديين ويعاقبهم، ويشجع وكلاء إيران الحوثيين، ويشرح لإسرائيل بتهذيب أنه سيجدد الاتفاق من دون أن يقدم جواباً عن مخاوفها، وهو لا يُراكِم أوراق مساومة ستسمح له بتحسين الاتفاق في المستقبل.
- على الصعيد الثنائي، من المهم أن يستمع بايدن شخصياً إلى حجج إسرائيل من رئيس الموساد. على الصعيد الاستراتيجي، السياسة التي اختارها بايدن هي عملياً الاستسلام للانزلاق التدريجي لإيران إلى موقع دولة على عتبة النووي، بعد أن نجح الإيرانيون في إصرارهم على مفاوضات مريحة بالنسبة إليهم، وهم يعرفون كيفية استخدام حماسته للتوصل إلى اتفاق من خلال ردعه عن التدخل في العمق وإقناعه باحتواء هذا الانزلاق.
- على ما يبدو خرج أبو مازن بضرر طفيف من تأجيل الانتخابات التي كانت المنظومة الفلسطينية تستعد لها قبل نحو نصف عام. طبعاً وجهت "حماس" انتقادات شديدة، لكن ثمة شك في أنها ستنجح في الدفع قدماً بانتفاضة شعبية ضد السلطة. أكثر من ذلك، الجمهور الفلسطيني لم يحتج، بينما احتجت المنظومة الدولية بصوت خافت على قرار رئيس السلطة وقف العملية الديمقراطية التي لم يشهدها الفلسطينيون منذ 15 عاماً.
- الخبير في الأسلوب السياسي لأبو مازن لم يُفاجأ بقرار التأجيل. فمنذ انتخابه رئيساً في سنة 2005 أثار أبو مازن أزمات داخلية وخارجية خطرة أظهرت عدم وجود تفكير استراتيجي عميق، وفجوة بين المصالح وبين النتائج على أرض الواقع. في أحسن الأحوال انتهت هذه الأزمات بتراجع محرج لأبو مازن، وفي أسوئها بهزيمة مؤلمة. في هذا السياق تبرز انتخابات 2006 التي فازت فيها "حماس" والهزيمة التي ألحقتها بالسلطة الفلسطينية، وفي صراعها على السلطة في القطاع في سنة 2007، وعشرات الأزمات بين السلطة وإسرائيل في العقد الماضي (وقف التعاون الأمني، أموال الضرائب وغيرها)، والتي بدأت بصوت مدوٍّ وانتهى معظمها بتراجع فلسطيني.
- هذا ما جرى أيضاً في الانتخابات المقررة: بادر أبو مازن إلى هذه الخطوة قبل نحو نصف عام من دون أن ينوي تحقيقها. أراد استغلال الانتخابات لتحسين صورته في نظر الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة وجذب انتباهها، ولتعزيز شرعيته المتداعية داخلياً. افترض أبو مازن في قرارة نفسه أن "حماس" ستضع عقبات تسمح له بلومها على إفشال العملية، أو أن إسرائيل ستحبطها في مرحلة لاحقة.
- لكن مرة أُخرى كان الحظ ضد أبو مازن. إذ انتهجت "حماس" استراتيجية "مصيدة العسل" ووافقت على الشروط التي وضعتها السلطة: الغرب أظهر لامبالاة إزاء ما يجري في السلطة؛ إسرائيل حافظت على الغموض ولم تعلن رفضها الصريح لإجراء انتخابات في القدس الشرقية، وبرز داخل معسكر أبو مازن حافز للدفع قدماً بالانتخابات، في الأساس من جانب جبريل الرجوب الذي رأى فيها أداة لشق طريقه إلى كرسي الرئاسة.
- وبمرور الوقت أصبحت المغامرة أكثر خطورة: حركة "فتح" انشقت وتوزعت بين عدة قوائم تصارعت فيما بينها، في المقابل بلورت "حماس" قائمة جذابة وأظهرت وحدة صف، الأمر الذي جعل أبو مازن يدرك أنه يسير نحو هزيمة محتمة. فاستغل مشكلة إجراء الانتخابات في القدس الشرقية كسلّم للنزول عن شجرة الانتخابات من خلال اتهام إسرائيل بإفشالها - مزاعم من الواضح لأي فلسطيني أنها ذريعة وليست سبباً أساسياً.
- خرج أبو مازن خاسراً من كل الاتجاهات: حزبه انهار على خلفية الإعداد للانتخابات التي لم تجرِ قط، وهو نفسه متهم في الداخل والخارج بأنه يمنع عملية ديمقراطية ومصالحة وطنية.
- بالنسبة إلى الفلسطينيين وإسرائيل والعالم العربي والساحة الدولية، الانتخابات الفلسطينية هي بمثابة تحذير حيال ما يمكن أن يحدث في اليوم التالي لما بعد أبو مازن.
- ما حدث يشعل عدة أضواء حمراء: ضعف عميق في حركة "فتح" وانشقاق داخلي في مقابل ازدياد قوة "حماس"؛ غياب استراتيجيا واضحة وعملية منتظمة لاتخاذ القرارات في القيادة في رام الله، وتهاون شخصيات من "فتح" من وسط أبو مازن تتطلع إلى وراثته كان من المتوقع أن تكبح قبل فوات الأوان الرئيس ابن الـ86 عن القيام بخطواته التي كان من المؤكد أنها ستؤدي إلى هاوية سياسية.
- في هذه الأثناء يمكن للمرء أن يسأل عن مغزى اللامبالاة العامة الفلسطينية حيال تأجيل الانتخابات - سلوك لا يدل على اتفاق مع سياسة السلطة بل على اغتراب عميق وعدم ثقة وعدم اهتمام، يمكن في سيناريوهات اليوم التالي لما بعد أبو مازن أن تتطور إلى موجة احتجاج من نوع الربيع العربي ضد الحكم في رام الله.
- المثير للاهتمام أيضاً الضربة التي تعرض لها جبريل الرجوب في أعقاب تأجيل الانتخابات، وهو ما يمكن أن يدفعه في اليوم التالي إلى زيادة دعوته إلى إقامة قيادة وطنية مشتركة بين "فتح" و"حماس". مثل هذا السيناريو سيسمح لـ"حماس" بتعزيز مكانتها في المنظومة الفلسطينية وترسيخ موقعها كقائدة - وهذا هو هدفها الاستراتيجي في مرحلة ما بعد أبو مازن.
- تشير الأزمة الحالية إلى أن أبو مازن وصل إلى نهاية حياته السياسية، وأن مشكلة اليوم التالي أصبحت ذات دلالة أكبر من الماضي. في غياب القدرة على تقديم أفق على الصعيد الداخلي - الفلسطيني أو مفاوضات مع إسرائيل، من المتوقع أن يواصل أبو مازن الحكم بالوسائل المعتادة من دون رؤيا للمستقبل حتى نزوله عن المنصة، إلّا إذا حدثت سيناريوهات مفاجئة، مثل وفاته أو "إزاحته" من جانب أطراف في القيادة الفلسطينية، حتى هذه اللحظة على الأقل ليس هناك دلائل تشير إلى أن هذا على وشك الحدوث.