مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
كُشف النقاب أمس (الأربعاء) عن أن منفّذ تفجير لغم كبير عند مفترق مجدو [شمال إسرائيل] يوم الاثنين الماضي هو شخص تسلَّل من لبنان إلى إسرائيل، وأنه بعد تفجير اللغم عاد إلى منطقة الحدود مع لبنان، حاملاً حزاماً ناسفاً، وهناك قتله الجيش الإسرائيلي واحتجز جثمانه.
وجاء هذا الكشف في بيان مشترك صدر عن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام ["الشاباك"] والشرطة، وأشيرَ فيه إلى أن الجهات المختصة ما زالت تفحص مدى تورُّط منظمة حزب الله في التفجير.
وتم نشر البيان بعد انتهاء سريان حظر النشر مساء أمس من طرف الرقابة الإسرائيلية بشأن تفاصيل التفجير الذي طاول مركبة في مفرق مجدو الذي يبعد نحو 60 كيلومتراً عن منطقة الحدود مع لبنان، وأُصيب فيه شاب من بلدة سالم العربية بجروح وُصفت بأنها خطرة.
وجاء في البيان: "مع بداية الأسبوع الحالي، انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من مفترق مجدو، وهو ما أسفر عن إصابة مواطن إسرائيلي بجروح خطِرة، وفي إثر ذلك، قامت قوات الأمن بالعمل على تحديد مكان المشتبه فيهم بزرع العبوة الناسفة، وفي أثناء عمليات التمشيط وإغلاق الطرق، تم إيقاف سيارة في منطقة بلدة يعرة [في منطقة الحدود الشمالية]، حيث شكّل 'الإرهابي' المسلح، الذي كان بداخلها، خطراً على قوات الشاباك والشرطة التي قامت بتحييده وقتله. وعثرت القوات بحيازته على أسلحة وحزام ناسف جاهز للاستخدام وأغراض إضافية. ويبدو أن قتله حال دون وقوع هجوم إرهابي آخر."
وأشار البيان إلى أن التحقيق الأولي أظهر أن "الإرهابي" تسلل، على ما يبدو، من الأراضي اللبنانية إلى إسرائيل في وقت سابق من هذا الأسبوع. وأضاف: "كما تبين أنه بعد الهجوم قرب مفترق مجدو، قام ‹الإرهابي› بإيقاف سيارة وطلب من السائق قيادتها شمالاً. وتُجري الجهات المسؤولة تحقيقاً موسعاً في العملية التخريبية، وفي إطاره، يتم فحص مدى تورُّط منظمة حزب الله فيها."
وذكر البيان أن قوات الأمن الإسرائيلية اعتقلت السائق الذي قام بنقل "الإرهابي"، وتمّ استجوابه، وأطلقت سراحه بعد أن تبين أن لا علاقة له بالعملية. كما ذكر أن التحقيق في التفجير أُوكل إلى جهاز "الشاباك"، وتقرّر فرض تعتيم إعلامي بشأن أي تفاصيل من التحقيقات.
والمعلومات التي كانت مُتاحة قبل إتاحة النشر هي أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر أن اللغم الذي انفجر شبيه بألغام نصبها حزب الله ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وأن خلفية الانفجار قومية.
قدّم رئيس الدولة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ مساء أمس (الأربعاء) خطة لإنهاء أزمة خطة إضعاف الجهاز القضائي التي يستمر ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو في تشريعها، وأعلنت المعارضة الموافقة عليها، بينما أبدى الائتلاف الحكومي معارضته لها.
ووفقاً لخطة هرتسوغ، تُلغى ذريعة عدم المعقولية فيما يتعلّق بالقرارات الحكومية والتعيينات الوزارية، ويستمر تطبيق ذريعة المعقولية فيما يتعلق بسلطات الدولة والسلطات العامة الأُخرى، ويتم إقرار قوانين الأساس بأغلبية واسعة من طرف أعضاء الكنيست، ولا تُفرَض أي رقابة قضائية عليها بعد إقرارها، ولن تكون للائتلاف أغلبية في لجنة تعيين القضاة، كما لن يكون تعديل قوانين الأساس ممكناً إلا بأغلبية لا تقلّ عن 61 عضو كنيست، وستكون وجهات نظر المستشارين القانونيين للحكومة ملزِمة، ولكن يحق للوزير الحصول على تمثيل قانوني منفصل أمام المحاكم.
كما تعهّد هرتسوغ في كلمته أن يكون قانون التجنيد [الذي يعفي اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية] محصّناً من أي مراجعة قضائية.
وفيما يتعلق بقانون أساس: التشريع، تنص خطة هرتسوغ على اعتماد قوانين الأساس بأربع قراءات، وبأغلبية خاصة. كما تنص على تحصين قوانين الأساس الحالية، بما في ذلك قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، وتتم إضافة حقوق وحريات إضافية في القانون.
وتعقيباً على هذه الخطة، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إن الأمور التي قدمها الرئيس لم يتم الاتفاق عليها مع ممثلي الائتلاف، وشدّد على أن البنود الرئيسية للخطة تُديم الوضع القائم فقط، ولا تحقق التوازن المطلوب بين السلطات في إسرائيل.
وذكر سكرتير الحكومة الإسرائيلية يوسي فوكس أن خطة هرتسوغ أحادية الجانب، ولم يتم الاتفاق عليها بأيّ شكل من الأشكال من طرف أيّ حزب في الائتلاف.
وأصدر رؤساء أحزاب الائتلاف بياناً مشتركاً الليلة الماضية، قالوا فيه إن خطة الرئيس تعني الإلغاء الكامل للتغييرات الضرورية في النظام القضائي.
وشدد البيان على أن الخطة أحادية الجانب ومنحازة وغير مقبولة.
في المقابل، قال رئيس حزب "يوجد مستقبل" وزعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد إنه ينبغي التعامل مع خطة هرتسوغ من منطلق احترامها وجديتها والقيم التي تكمن وراءها.
وأضاف لبيد أن ردّ الائتلاف على الخطة هو بمثابة ازدراء لمؤسسة الرئاسة ومحو لفكرة أننا شعب واحد.
وقال إنه طالما استمر الائتلاف في خوض غمار التشريعات المتطرفة والوحشية، فلن يُلغى الخطر، وستواصل المعارضة الكفاح من أجل إسرائيل يهودية وديمقراطية.
وختم لبيد قائلاً: "تلقينا الليلة دليلاً قاطعاً على أن نتنياهو لا يسيطر على حكومته، وأن وزير العدل ياريف ليفين هو رئيس الحكومة الحقيقي لدولة إسرائيل."
بدوره، قال رئيس تحالُف "المعسكر الرسمي" بني غانتس إن التحالف يقبل خطة الرئيس كوحدة واحدة، بدلاً من الخطة التشريعية الحالية، ويطالب بتبنّيها والبدء بدفعها قدماً على الفور.
علمت صحيفة "هآرتس" بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية ترفض استقبال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، على خلفية مطالبته بوقف توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وبحجة نشره مقالاً شبّه فيه جنود الجيش الإسرائيلي بـ"المخربين الفلسطينيين".
وأبدى بوريل في الفترة الأخيرة رغبته في زيارة إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية لمّحت إلى أنها لن تتعاون مع زيارة كهذه.
وقال مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية للصحيفة إن بوريل نشر في الأسبوع الماضي مقالاً تطرّق فيه إلى التوتر الأمني المتصاعد في الضفة الغربية، وقال: "كي أكون صريحاً، ينبغي الاعتراف بأن التطرّف يتصاعد في كلا الجانبين. والهجمات والعنف من دون تمييز يسلبان حياة إسرائيليين كثيرين، والعنف من جانب المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يهدّد بشكل كبير جداً حياة ومصدر رزق فلسطينيين، ودائماً من دون عقاب تقريباً."
وأضاف بوريل في مقاله أن عمليات عسكرية إسرائيلية تتسبب في أحيان متقاربة بموت مواطنين فلسطينيين من دون حق، كما أن المستوطنات غير القانونية تستمر في الاتساع في أراضٍ محتلة، والوضع القائم الحساس المتعلق بالأماكن المقدسة آخذ بالتآكل.
كما علمت الصحيفة بأنه جرت قبل عدة أيام محادثة هاتفية متوترة بين بوريل ووزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، على خلفية مداولات جرت في البرلمان الأوروبي تحت عنوان "تدهور الديمقراطية في إسرائيل وانعكاساته على المناطق [المحتلة]"، شارك فيها بوريل وكرّر مواقفه فيما يتعلق بالأوضاع في الضفة الغربية، ولا سيما الدعوة إلى وقف توسيع المستوطنات ووقف هدم منازل الفلسطينيين وطردهم منها.
- ما يحدث في إسرائيل منذ تأليف الحكومة الجديدة، وخاصة الأزمة الدستورية التي أدت إلى تعميق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وإسقاطاتها السلبية على الاقتصاد والدبلوماسية، إلى جانب ارتفاع كمية الأحداث "الإرهابية" الفلسطينية والخلافات الداخلية بشأن الطريقة الأمثل للتعامل معها، هي أمور يتعامل معها حزب الله على أنها إشارات واشية بضعف إسرائيل المستمر. ويفرك السيد نصر الله يديه بسعادة، ويتطرق إلى ذلك بوضوح خلال خطاباته الأخيرة. ففي الخطاب الذي ألقاه يوم 16 شباط/فبراير، وصف ما يحدث في إسرائيل بأنه أزمات عميقة، دفعت إليها "الحكومة الغبية الحالية" في إسرائيل، وتتضمن احتمالات تصعيد إقليمي. وأشار إلى أن هناك جهات كثيرة في إسرائيل - الرئيس هرتسوغ، رؤساء حكومة سابقون، رؤساء هيئة أركان وجميع الجنرالات والمؤرخين - يتحدثون اليوم عن "حرب أهلية" قريبة، مقتبساً ما قاله الرئيس عن أن الظرف الحالي في إسرائيل غير مسبوق. وبحسبه، فإن إسرائيل موجودة اليوم على عتبة انفجار داخلي، ولدى سكانها قلق وجودي، حيث لا توجد ثقة بالجيش، وبالقيادة السياسية، وبالنظام القضائي، وهناك ظواهر هجرة فيها.
- وحتى خلال الخطابات التي ألقاها نصر الله الأسبوع الماضي، تطرّق إلى ذلك. إذ عاد وقدّر خلال خطاب ألقاه في 6 آذار/مارس، بمناسبة "يوم الجرحى والأسرى"، أن نهاية الكيان الصهيوني اقتربت بسبب الأحداث الداخلية. وتطرّق في هذا الخطاب، بالتفصيل، إلى اقتراح قانون "إعدام المخربين" في الكنيست، وادّعى أنه لن يردع "أناساً مثلنا"، الذين يمكن أن يخافوا من السجن، لكنهم يهجمون على الموت من دون تردّد، ويعملون حتى إذا كان الموت مؤكداً. وفي خطاب ألقاه بتاريخ 10 آذار/مارس، شدد على أن الحديث يدور حول أحداث تاريخية يجب متابعتها عن قرب. وبحسبه، فإن "ما يحدث في إسرائيل يولّد الكثير من الآمال." كما قال إن سبب الأزمة في إسرائيل هو صمود المقاومة في المنطقة. مضيفاً أن "الكيان الصهيوني يتعامل مع مواجهات داخلية وتهديدات خارجية، ستؤدي إلى تفكُّكه، ولن يصمد حتى الـ80 عاماً،" كالممالك اليهودية السابقة التي لم تصمد أكثر من ذلك. هذا بالإضافة إلى أنه طالب دول المنطقة بمساعدة المجهود الفلسطيني (إذ كانت في الخلفية صورة العملية التي جرت في 9 آذار/مارس) لتفكيك إسرائيل. ويجب التذكير في هذا السياق بحلم نصر الله، كما وصفه خلال مقابلة في تموز/يوليو 2022، وبحسبه، جماعات كبيرة من الإسرائيليين تترك إسرائيل وتهاجر إلى الخارج. هذا الحلم كان تمنيات، ويندمج مع رؤيته المعروفة أن إسرائيل "بيت عنكبوت"، ستتفكك وتختفي مستقبلاً.
- يبدو أن الشعور بالثقة هذا هو الذي كان في مركز تهديدات نصر الله عشية توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان (تموز/يوليو - أيلول/سبتمبر 2022)، حين أشار إلى أن حزب الله سيهاجم إسرائيل إذا بدأت باستخراج الغاز من حقل "كاريش" قبل ضمان حقوق لبنان. ولدى نصر الله أيضاً شعور بالنصر، إذ إن تهديداته وحدها، ومن دون الحاجة إلى تفعيل قوة، أرغمت حكومة إسرائيل على توقيع الاتفاق بحسب مطالب لبنان. ويضاف إلى هذا التقدم الذي أحرزه التنظيم في بناء قوة دفاع جوي في لبنان، بمساعدة إيرانية، أدت إلى تخفيض نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في السماء اللبنانية، وعزّز ثقته بنفسه وبقدرته على ردع إسرائيل والتعامل معها في حال حدوث مواجهة عسكرية مستقبلية.
- يبدو أن الشعور بالثقة المبالغ فيه لدى نصر الله كان أيضاً في مركز قرار زيادة عديد رجال حزب الله على الحدود المتاخمة لإسرائيل خلال الفترة الماضية - حتى لو كانوا بلباس مدني - وإقامة عدد كبير من أبراج المراقبة الجديدة التابعة لحزب الله بغطاء تنظيم مدني "أخضر بلا حدود".
- وفي الآونة الأخيرة، ازدادت الاحتكاكات بجنود الجيش الموجودين على طول الحدود (في أعمال استكمال بناء الجدار؛ وتحديد الحدود). وفي 5 آذار/ مارس، منعت قوات اليونيفيل مواجهة بين الطرفين، بعد أن ادّعى الطرف اللبناني أن جنود الجيش، الذين كانوا في مهمات روتينية، خرقوا الخط الأزرق، ودخلوا إلى الأراضي اللبنانية في بلدة عيتا الشعب؛ وفي 7 آذار/ مارس، نُشر خبر عن حادثة مشابهة، تم خلالها الاستيلاء على مخزن سلاح تابع لجندي في الجيش بعد تجمُّع عدة لبنانيين حول الجنود الذين كانوا في مهمات هندسية هناك. هذا المخزن عُرض لاحقاً على تلفزيون "المنار" كغنيمة من الجيش. وفي تطرُّقه إلى الموضوع، قال نصر الله يوم 6 آذار/ مارس، إن إسرائيل تحاول إزاحة الخط الأزرق عدة أمتار، ولبنان لن يتنازل عن ذرّة تراب من أراضيه. وفي المقابل، يدفع حزب الله بحملة في وسائل التواصل الاجتماعي، تعظّم من قدرات مقاتليه الذين لديهم القدرة على الدخول إلى إسرائيل والسيطرة على مناطق فيها.
- أقوال نصر الله، الذي تتعامل معه إيران على أنه خبير في الشؤون الإسرائيلية، تعكس مرة أُخرى متابعته الدقيقة لِما يحدث داخل إسرائيل، وذلك من خلال ما يُنشر في الإعلام الإسرائيلي، ويعزز تقديراته بشأن وضعها المتزعزع. استنتاجه أن الأزمة الداخلية الحالية في إسرائيل تُضعفها جداً، يرفع شعور ثقته بنفسه، وبقدرته على ردع الجيش والتعامل معه بنجاح. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحليل نصر الله لضُعف إسرائيل لا يعكس بالضرورة الواقع فعلاً، والحديث يدور حول ثقة كاذبة بالنفس، ولا تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الحقيقية بين حزب الله والجيش، وكذلك درجة تماسُك المجتمع الإسرائيلي عندما يقف أمام تهديدات أمنية خارجية.
- وعلى الرغم من ذلك كله، واستمرار الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل، فإن التقديرات تشير إلى أن حزب الله غير معنيّ بمواجهة عسكرية في الوقت الحالي أيضاً. فبالإضافة إلى الاعتراف بالمخاطر التي ستلحق بلبنان والتنظيم ذاته في حال حدوث مواجهة واسعة مع الجيش، فإن التنظيم يتأثر أيضاً بالوضع الداخلي للبنان المنهار الذي يعاني جرّاء أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، وجرّاء أزمة سياسية صعبة وصعوبات في فرض السيادة. ومن المهم الإشارة إلى أنه منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في أيار/مايو 2022، وخلال الشهرين الأخيرين، تراجعت مكانة حزب الله في لبنان. صحيح أن الحزب لا يزال يتمتع بحق الفيتو على القرارات في الدولة، لكنه يجد صعوبة في فرض موقفه على منافسيه السياسيين بشأن قضايا تأليف الحكومة وتعيين رئيس جديد، وهو ما يتجلى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022. كل محاولات نصر الله الوصول إلى اتفاق واسع لاختيار الرئيس سليمان فرنجية، الداعم لسورية والمقرب من حزب الله، فشلت حتى الآن فشلاً ذريعاً. نصر الله قلِق من ذلك، لكنه لا يزال معنياً بالامتناع من استعمال القوة التي لديه، بهدف الدفع بحلّ سياسي في أزمات لبنان الداخلية.
- في هذا الظرف، يلتزم نصر الله بالاستراتيجيا التي وجّهته خلال الأعوام السابقة في مقابل إسرائيل - مأسسة معادلة ردع بين حزب الله والجيش الإسرائيلي؛ إذ يستخدم جميع ما يقوم به التنظيم وأقواله لتعزيز مكانته كـ"حارس لبنان" في أوساط الجمهور اللبناني، وكذلك، وفي الأساس، لردع إسرائيل عن تغيير قواعد اللعبة في مواجهته في البر والجو والبحر. صحيح أن نصر الله غير معنيّ في هذه المرحلة بمواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل، لكنه يستفزها على طول الحدود، ويبدو أنه يبادر إلى عمليات في داخل إسرائيل، ويمكن أن يكون ذلك بمشاركة فلسطينيين. هذا يمكن أن يؤدي إلى احتكاك عسكري، وحتى إلى تصعيد بسبب سوء تقدير من أحد الطرفين.
- أعتقد أن كثيرين من المواطنين سألوا أنفسهم باستغراب مساء أمس (الاثنين)، بعد نشر تفاصيل القضية الأمنية التي كانت خلال الأيام الأخيرة تحت أمر حظر نشر، علامَ كانت كل هذه الفوضى؟ فخلافاً للإشاعات التي شرحت أن هناك "مخربين" استأجروا شقة في صفد، بهدف تنفيذ عملية في مستشفى هناك، وخطف جنود عبر نفق، تبين أن الواقع أبسط بكثير: "مخرب مسلح بعبوات ناسفة اخترق الحدود الإسرائيلية، وقام بتفعيل إحداها بنجاح نسبي على مفرق مجدو، ولاحقاً، تم اغتياله بعد مطاردة، وهو يحاول العودة إلى لبنان مرة أخرى."
- لكن هذه النظرة ضيقة جداً. يجب النظر إلى هذا الحدث من وجهة نظر أوسع بكثير، بسبب الإسقاطات العميقة والإمكانات القابلة للانفجار فيه، بالنسبة إلى أمن إسرائيل واستقرار المنطقة، هذا هو السبب أيضاً وراء المداولات التي أجرتها أجهزة الأمن في الأيام الماضية، وأدت إلى تقصير زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى برلين. والموضوع هو أن: قرار إسرائيل ليس أقل من دراماتيكي، هل سترد وكيف، وهي على علم بأن الأمر يمكن أن يؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه في الشمال.
- يتضمن الحدث عدة أسئلة تكتيكية، وسؤالاً واحداً استراتيجياً. على الصعيد التكتيكي، يريد الجيش وجهاز "الشاباك" أولاً معرفة كيفية دخول "المخرب" إلى إسرائيل. هذا غاية في الأهمية: صحيح أن الحدود الشمالية ليست مغلقة كلياً، والجدار يجب أن يُستكمل بعد وصول الميزانية، بعد أكثر من عامين، لكنه مرصود جيداً بحساسات إلكترونية عديدة من المفترض بها على الأقل أن تشير إلى نقطة وطريق الاختراق، ولو بعد وقت.
- حقيقة أنه لا يزال هناك سؤال في هذا الموضوع، تثير الشكوك مرة أخرى بشأن وجود نفق من النوع الذي حفره حزب الله لسنوات وأغلقه الجيش خلال حملة "الحارس الشمالي" في سنة 2019. هذا الاحتمال ضئيل، وبالأساس لأن حزب الله لن يتسرع في المخاطرة بأمر استراتيجي كهذا من أجل عملية محدودة. على الرغم من ذلك، وحتى لو كان من أجل راحة سكان الشمال، يجب إلغاء هذا الاحتمال كلياً.
تنفيذ هاوٍ
- هناك سؤال إضافي عما إذا كان هناك مساعدة من أطراف داخل إسرائيل. السائق الذي أقلّه اعتُقل وتم التحقيق معه، ومن غير الواضح بعد كلياً ما إذا كان "المخرب" قد ضلله، أم أن السائق ساعده عن وعي. ومن غير الواضح أيضاً لماذا تم تفعيل العبوة في مفرق "مجدو" بشكل هاوٍ إلى هذه الدرجة (على الرغم من أنه أدى إلى إصابة بالغة لشاب عربي إسرائيلي)، ولماذا لم يستعمل "المخرب" الحزام الناسف والسلاح الذي كان معه لتنفيذ عملية إضافية؟
- "المخرب" نفسه اغتيل على يد قوات "اليمام" لأنه هددهم في الوقت نفسه، حين أوقفوا السيارة التي كان يستقلها مقابل بلدة على الحدود الشمالية. صحيح أن الرأي العام الإسرائيلي يميل بشكل واضح إلى اغتيال "المخربين" ميدانياً، إلا إن هذه الحالة بصورة خاصة كان يجب أن يحدث فيها العكس: لو تم اعتقال "المخرب" حياً، لكانوا تمكنوا من استخراج المعلومات بالتحقيق معه، والحصول على معلومات استخباراتية غالية الثمن عمّن قام بإرساله، ومَن جهّز له العبوات، وكيف دخل إلى البلد، وما إذا كان هناك "مخربون" إضافيون يخططون للخروج والعمل بطريقة مشابهة.
- هذه الأسئلة التكتيكية ضرورية لفهم إطار العملية، ومن أجل تأمين الحدود بطريقة أفضل لإحباط محاولات تنفيذ عمليات مشابهة في المستقبل، لكن المشكلة الأساسية لدى إسرائيل هي استراتيجية: ما الذي دفع "حزب الله" إلى القيام بحركة حربية تخرج عن إطار التفاهمات المتبادلة غير المكتوبة بينه وبين إسرائيل.
- احتمال واحد هو أن حزب الله يعتقد أنه يستطيع العمل خفية من دون أن يتضح أنه مَن يقف وراء العملية. هذا افتراض ساذج، وذلك لأن العبوة مختلفة كلياً عن تلك التي يحضرها الفلسطينيون في الضفة وغزة، وتشبه كثيراً العبوات التي كان يستعملها التنظيم خلال فترة وجود الجيش في الجنوب اللبناني، خلال الألفية السابقة.
توقيت غير مفاجئ
- الاحتمال الثاني هو أن حزب الله اعتقد أن المسؤولية ستقع على جهات أخرى، "حماس" مثلاً التي تعمل في لبنان أيضاً. هذا أيضاً افتراض إشكالي، وليس فقط لأن حزب الله يسيطر على ما يحدث في منطقة الجدار، ومن غير المعقول أن حدثاً كبيراً كهذا كان سيحدث من دون علمه. وفي كل الأحوال، حتى لو كانت "حماس" هي المسؤولة، فإن إسرائيل سترد في لبنان لتمرير رسالة ردع، وبذلك تدفع حزب الله إلى الرد كحارس لبنان، ثم الانجرار إلى حرب.
- الاحتمال الثالث والمقلق أكثر من أي شيء آخر، هو أن حزب الله يلاحظ ما يعتقد أنه ضعف إسرائيلي، بسبب الانشقاق الداخلي في البلد. إشارات إلى ذلك كانت موجودة في خطابات حسن نصر الله، ومن الممكن أن يكون التنظيم قد قرر امتحان إسرائيل الآن. التوقيت - قبل رمضان بأسبوع - غير مفاجئ، وهو على عِلم بأن الرد الإسرائيلي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد متعدد الجبهات خلال شهر رمضان، يُدخل إليه الضفة وغزة وعرب إسرائيل.
- المعضلة الإسرائيلية الآن هي ماذا عليها أن تفعل. التجاهل سيعامَل على أنه ضعف، والرد الحاد جداً يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة، وحتى إلى حرب لا تريدها إسرائيل. يبدو أن إسرائيل ستذهب إلى ما بين بين، وفي الوقت نفسه، ستمرر رسائل واضحة من خلال وسطاء، بهدف منع أحداث مشابهة مستقبلاً. ولكن يجب القول إنه وقبل أن تتجه إلى حراسة الحدود الخارجية، على الحكومة العمل على تعزيز الحصانة الداخلية والمجتمع الموحد، وبكلمات أخرى: وضع الإصلاحات القضائية جانباً، والتفرغ للأحداث الطارئة والقابلة للانفجار أكثر بكثير.