مختارات من الصحف العبرية
نشرة يومية يعدها جهاز متخصص يلخص أهم ما في الصحف الإسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين تتناول مختلف الشؤون الداخلية الإسرائيلية وتركز بصورة خاصة على كل ما يهم المسؤول العربي في قضايا المنطقة كافة: فلسطين ومساعي التسوية وسورية ولبنان والعراق ومصر والثورات العربية والخليج العربي وإيران وتركيا الخ. ويصدر مع النشرة اليومية أكثر من مرة واحدة في الشهر ملحق يترجم أهم ما تنشره دوريات فكرية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية عن سياسات إسرائيل إزاء القضايا المذكورة أعلاه وشؤون إستراتيجية أخرى (متوفرة للمطالعة على نسق ملفات "بي دي أف" PDF)
لليوم الثاني على التوالي، يواصل الجيش الإسرائيلي العملية العسكرية في جنين ضد البنى التحتية لـ"الإرهاب" في المدينة. وتحدثت وزارة الصحة الفلسطينية عن وقوع عشرة قتلى في المدينة وفي مخيم اللاجئين فيها. بينما صرّح الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي هذا الصباح بأنه لا يزال هناك عشرة "أهداف" لمهاجمتها، وأنه جرى توقيف أكثر من 110 مشتبهاً فيه، وبدأ التحقيق معهم. وقال الناطق إنه لم يبقَ نقطة في مخيم اللاجئين لم يصل إليها الجيش، وفي تقديره، يوجد نحو 300 مسلح في المخيم، وأغلبية هؤلاء امتنعت من الدخول في مواجهات مباشرة مع الجنود الإسرائيليين. وعلى سبيل المثال، تحصّن في مسجد الأنصار الذي حاصره الجيش عدد من المسلحين الذين فروا من المسجد تحت حماية المدنيين وتركوا وراءهم سلاحاً وعبوات.
وقال الناطق إن قرار شن العملية اتُّخذ قبل عدة أشهر، وجرى اختيار الموعد وفق الفترة الزمنية لجمع معلومات استخباراتية ذات دلالة، وحصول المستوى السياسي على شرعية دولية للعملية.
تشارك في العملية قوات خاصة بحجم لواء من وحدة الدوفدفان وماغلان وأغوز، ومقاتلون من لواءيْ المظليين وغولاني، وبمساعدة قوات سلاحيْ الهندسة والجو. وبدأت العملية الواسعة بهجمات من المسيّرات على قيادات المسلحين، بعدها دخلت قوات كبيرة إلى مخيم اللاجئين وبدأت بتطويقه من كل الجهات، ثم تقدمت إلى وسط المخيم ودخلت إلى المنازل، وأقامت مواقع دفاعية وأُخرى للقناصة، استعداداً لإطلاق نار عليها من جانب المسلحين.
من جهة أُخرى، ذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية أن مئات من سكان مخيم جنين للاجئين خرجوا، خوفاً من إصابتهم في المواجهات مع القوات الإسرائيلية. وقال مصدر فلسطيني للصحيفة إن آلاف الفلسطينيين غادروا المخيم خلال الليل. وسُمعت في مدينة جنين دعوات إلى فتح المساجد لاستقبال الفارّين من المخيم. وبحسب أحد سكان المخيم الذين تحدثت معهم الصحيفة، فإن سلطات الإنقاذ الفلسطينية بلّغت سكان المخيم أمس أن مَن يريد مغادرة منزله في المخيم يستطيع أن يفعل ذلك، وأن جزءاً من السكان توجّه إلى المستشفيات في جنين وجزءاً آخراً ذهب سيراً على الأقدام، والكبار في السن جرى إجلاؤهم بواسطة سيارات الإسعاف. ولقد قصد عدد من هؤلاء منازل أقرباء لهم في المدينة، والآخرون سيتوزعون على مبانٍ في شتى أنحاء المدينة.
وأعلنت بلدية جنين انقطاع المياه عن كل منازل المخيم بعد إصابة الشبكة. وقال رئيس البلدية إن شبكة الكهرباء تضررت بصورة كبيرة بسبب أعمال قوات الهندسة الإسرائيلية، وتحدث السكان عن تعطّل الكهرباء والإنترنت.
في تصريح هو الأول من نوعه منذ بدء العملية في جنين، وبعد انتهاء جلسة تقدير للوضع الأمني مساء أمس، قال نتنياهو إنه "خلال الأشهر الأخيرة، تحولت جنين إلى ملجأ لـ 'الإرهاب' - ونحن نضع نهاية لذلك." وأضاف أن الجيش سيواصل العملية حتى تحقيق المهمة، ومَن يريد قتل الإسرائيليين "مكانه في القبر"، بحسب تعبيره. وتابع نتنياهو: "هذه الليلة بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة ضد أهداف 'إرهابية' في جنين. ودخلت قواتنا إلى جنين، وإلى أوكار 'المخربين' - وهي تقوم بالقضاء عليهم، وباعتقال المطلوبين، وتدمر قياداتهم، وتصادر كميات كبيرة من السلاح. كما تقوم القوات بهدم معامل على نطاق واسع، وهي معامل لصنع المتفجرات والعبوات، الغرض منها قتل مواطنين إسرائيليين." وأضاف: "هم يفعلون ذلك في أكثر الأماكن اكتظاظاً على وجه الكرة الأرضية، وبأقل قدر ممكن من إصابة المدنيين حتى هذه اللحظة، ومن دون المسّ بغير المتورطين - والتعليمات هي الحرص على أمن قواتنا والامتناع من المسّ بالأبرياء، بقدر الممكن."
نتنياهو الذي اعتبر هذه العملية والتي سبقتها "تغييراً في المعادلة في مواجهة "الإرهاب"، قال: "لقد فعلنا ذلك قبل عام ونصف في عملية 'حارس الأسوار' في مواجهة 'حماس'"، كما فعلنا ذلك قبل أسابيع في عملية 'درع وسهم' التي قضينا خلالها على مسؤولين كبار في الجهاد الإسلامي، ونفعل ذلك اليوم في جنين بتضافُر وسائل عديدة واستخدام المفاجأة وإظهار القوة وتغيير القواعد. وهذا الأمر يعزز قدرة الردع لدولة إسرائيل والدفاع في مواجهة هجمات 'إرهابية' إضافية، ويغيّر المعادلة في المنطقة."
وصرّح وزير الدفاع يوآف غالانت بأن قوات الجيش والشاباك "تتحرك في قلب مخيم اللاجئين في جنين، وتستعين بوسائل قتالية من الجو. وتسير العملية كما هو متوقع. وكل مَن يريد المسّ بدولة إسرائيل وبمواطنيها وجنودها لن يجد مكاناً آمناً، لا في غزة، ولا في نابلس، والآن، الكل يعرف، ولا في جنين أيضاً. في العام الماضي تحول سكان جنين إلى رهائن في يد 'المخربين'. واليوم، يغادر آلاف الناس مخيم جنين للاجئين لأنهم يريدون حياة مسالمة وهادئة. وسنحرص على إعادة الهدوء إلى المنطقة."
كما تطرّق رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ إلى العملية، فقال في حفل أقامته السفارة الأميركية بمناسبة عيد الاستقلال الأميركي: "مرة أُخرى نضطر إلى مواجهة الكراهية و'الإرهاب'. أريد أن أشدّ على أيدي الجيش والقوى الأمنية التي تعمل الآن في جنين. هم يخاطرون بحياتهم من أجل الدفاع عنا. وأؤكد لكم أننا نبذل كل ما في وسعنا لعدم المسّ بالأبرياء."
تظاهر آلاف المحتجين في قاعة الوصول في مطار بن غوريون وخارج المطار، وهم يحملون الطبول والصنوج والصفارات، وسط ذهول السياح القادمين. ولجأ بعض المحتجين إلى حمل حقائب لتضليل الشرطة التي بدت عاجزة عن قمع تحرُّكهم.
وبدأت أعمال العنف بمحاصرة العشرات من عناصر الشرطة لمئة محتج وإجبارهم على مغادرة القاعة، وهو ما أدى إلى إصابة مواطنين في الـ71 و73 من عمرهما.
جهود الشرطة في طرد المحتجين من قاعات الوصول باءت بالفشل. وبدا في لحظة معينة أن الشرطة تخلت عن بذل جهودها لإخلاء قاعات الاستقبال. وأصيب السياح الذين صودف وصولهم في ذلك الوقت بالصدمة، وحاولوا الخروج من المكان.
كما تركز الاحتجاج خارج قاعة الوصول، حيث حاولت الشرطة طوال ساعات تفريق المحتجين وفتح الطريق أمام السيارات من دون جدوى.
- قبل كل شيء، يجب أن ننظم الأمور ونعطيها حجمها، ما يجري ليس "جداراً واقياً" رقم 2، وأقترح التوقف عن كلام من نوع "عملية لاستعادة الردع" - استعادة الردع ليست هدفاً عملانياً لأن الردع لا يمكن قياسه. الأهداف الصحيحة هي سحق العدو وضرب معامل السلاح والمسلحين. وجنين ليست عاصمة "الإرهاب"، لأن "الإرهاب" ليس له عاصمة – "الإرهاب" موجود في قلوب الأشخاص وفي الحوافز - والمقصود ليست نقطة واحدة إذا فككناها نحل المشكلة. الواقع هو أكثر تعقيداً بكثير. وهذه ليست عملية ضد السلطة الفلسطينية التي تقضي المصلحة الإسرائيلية المحافظة عليها، على الرغم من التصريحات العدائية لبعض الأطراف. إن السلطة الفلسطينية، مع كل سيئاتها، هي جزء من الحل وليس من المشكلة.
- ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن ما يجري هو عملية تكتيكية لن تغيّر الحقيقة والواقع لفترة طويلة من دون بنية تحتية استراتيجية وسياسية شاملة. في إمكان العمل العسكري إحباط الهجمات وضرب المسلحين والسماح بنشوء واقع عملاني أفضل، لكن فقط العمل السياسي هو الذي يضمن الاستقرار في المدى البعيد.
- ما رأيناه هذا الصباح هو المرحلة الأولى من الحملة - عملية في ضوء معلومات استخباراتية دقيقة بواسطة سلاح الجو بصورة أساسية. في المرحلة المقبلة، سنشتبك مع المسلحين على الأرض، هذا الأمر لم يحدث. الأخبار الجيدة أنه نظراً إلى عدم وقوع هذا الاشتباك، فإن حجم إصاباتنا ضئيل، لكن الأخبار السيئة هي أن عدم حدوث ذلك أدى إلى عدد ضئيل من القتلى بين المسلحين. يجب أن ننتظر لنرى كيف ستتطور الأمور. المرحلة الثالثة من هذه العملية هي التحرك في ضوء معلومات استخباراتية دقيقة من الميدان - وهذه المرحلة يمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً. وستضطر إسرائيل إلى أن تقرر متى استنفدت التحرك الحالي وعليها أن تتخذ هذا القرار في الوقت المناسب، قبل أن تتعقد الأمور.
- فيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت هذه الأحداث ستنحصر في منطقة جنين، أم ستتوسع - فإن هذا يعود عملياً إلى حجم الإصابات لدى الطرف الثاني. عدد كبير جداً يمكن أن يشعل ساحات أُخرى. في مثل هذه الحالة، يجب أن نأخذ في الحسبان، كما رأينا في الماضي، إطلاق صواريخ من غزة، أو من لبنان. في تقديري، ليس لـ"حماس" مصلحة في الدخول في معركة مع إسرائيل، كما أن الجهاد الإسلامي لا يزال يعاني جرّاء الضربة التي لحقت به في الجولة الأخيرة. لكن الأمر يتعلق بتراكم الألم لدى الطرف الفلسطيني.
- في الختام، على المستوى الاستراتيجي - ساعة الرمل للشرعية الدولية لن تدوم طويلاً . وكلما كان المقصود عملاً عسكرياً فقط من دون غطاء سياسي، كلما كان الصبر الدولي قصيراً. السؤال ما هو الهدف السياسي لإسرائيل؟ هل هو خلق ظروف أفضل لإعادة قوات الأمن الفلسطينية إلى شمال الضفة (ليس على الرماح الإسرائيلية، بل من خلال خلق ظروف مؤاتية)؟ أو استبعاد السلطة الفلسطينية وتحمُّل إسرائيل المسؤولية واستعادتها السيطرة الأمنية؟ وما دام هذا غامضاً وغير محسوم، فإن هذه العملية ستؤدي إلى تحسُّن أمني على الصعيد التكتيكي، لكن من المؤكد أنه لن يصمد وقتاً طويلاً.
- عند كتابة هذه السطور، ومع استمرار العملية في جنين، من المهم الإشارة إلى سبع ملاحظات تتعلق بها: أولاً، المقصود عملية توغل وليس احتلالاً. هدف العملية ضرب أكبر عدد ممكن من البنى التحتية ونشطاء "الإرهاب"، مع أقل قدر ممكن من المخاطرة بقواتنا، ومن المسّ بغير المتورطين، وفي أقل وقت ممكن.
- ثانياً، الإنجازات في مثل هذه العمليات تكون كبيرة في الساعات الأولى، وتنحو إلى التضاؤل بمرور الوقت. من المهم إنهاء العملية قبل أن تتعقد عملانياً، وقبل أن تنزلق النار إلى مناطق أُخرى، وقبل ترجمة الإدانات من جانب أصدقائنا في العالم العربي إلى خطوات سياسية. وأتأمل أن يكون وزراء الحكومة، الذين ادّعوا أمس في الإعلام أن المقصود ليست عملية تستمر يوماً أو يومين، بل عملية ستستمر طويلاً، على خطأ.
- ثالثاً، من المهم أن نميز بين الساعة الزمنية السياسية وبين الساعة الاستخباراتية العملانية. بعد مقتل الأربعة في عيلي، ارتفعت مطالبات غاضبة، معظمها من طرف وزراء الحكومة، طالبت بعملية انتقامية "الآن وفوراً"، وحتى أنهم هاجموا قادة الجيش الإسرائيلي واتهموهم بالضعف. التحضير لعملية من هذا النوع يتطلب وقتاً، بالأساس من أجل جمع استخبارات دقيقة. وحسناً فعل الجيش عندما أبدى طول بال، ولم ينجر إلى "الهجوم فوراً من الجو وتدمير مبان"، كما أوصى الوزير إيتمار بن غفير. في العمليتين الناجحتين ضد الجهاد الإسلامي في غزة – قبل عام، "بزوغ الفجر" وعملية "درع وسهم" قبل شهرين - كان الواقع مشابهاً. أطراف سياسية تذمرت وطالبت بردود فورية، بينما فضّل الجيش، عن حق، انتظار الفرصة المناسبة لتنفيذ عملية إحباط دقيقة ومحدودة وأنيقة.
- رابعاً، الصحيح أنه حتى كتابة هذه السطور، امتنعت "حماس" من إطلاق النار. من المحتمل أن تسمح بإطلاق نار محدود تعاطفاً، لكن من الواضح أنها ليست مهتمة بجولة واسعة في غزة. وهذا دليل آخر على أن الفائدة الاقتصادية التي تحصل عليها غزة من إسرائيل، على شكل أذونات لدخول العمال والتعاون في إعادة بناء البنية التحتية، هي خطوة لا تقل فعالية عن استخدام القوة.
- خامساً، بعد عملية السور الواقي في سنة 2002، عرفنا كيف نستغل الضرر الذي لحِق بقدرات "الإرهاب" من أجل استئناف التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية. صحيح أن الواقع الأمني الصعب في شمال الضفة يعود إلى عوامل لا تتعلق بنا - تدفُّق المال والسلاح بمبادرة إيرانية، الضعف الداخلي للسلطة الفلسطينية، المئات من الشباب الفلسطيني اليائس. مع ذلك، إذا أردنا منع تمدُّد الإرهاب في الضفة الغربية كلها، يجب علينا أن نختار، بوضوح، بين توجُّهين متناقضين: سلطة فلسطينية مستقرة وفاعلة هي مصلحة إسرائيلية - أو أنها عدو، لذلك، تقتضي المصلحة الإسرائيلية انهيارها. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يؤيد، ظاهرياً، التوجه الأول، بينما الوزير بتسلئيل سموتريتش يؤيد التوجه الثاني. هناك تداعيات بعيدة المدى لكلٍّ من الخيارين، لكن لا يمكن ألّا نقرر.
- سادساً، يتجه الانتباه الآن إلى جنين، لكن يجب ألّا ننسى أن التهديد العسكري الحقيقي هو حزب الله، الذي يحاول المناورة بين تجنُّب الحرب الشاملة وبين الحاجة إلى إرضاء أسياده في طهران وتبرير حصوله على مئات الملايين من الدولارات منهم. أسلوب حسن نصر الله هو القيام بهجمات صغيرة وخلق استفزازات. نصب الخيمتين في الجانب الإسرائيلي من الحدود في مزارع شبعا تعبير عن ذلك.
- سابعاً، تتطلع إيران إلى توحيد الساحات ضد إسرائيل. وتشعر بأن مكانتها التي تحسنت تخلق فرصة من أجل هذه الخطوة. من المهم أنه حتى عندما نركز على جنين، أن نرى التوجهات الأكبر والأكثر خطورة.
- بحسب الردود المتحمسة التي تصدر عن وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف، فإن الحملة العسكرية التي بدأت ليلة أمس الاثنين في جنين، ستكون خطوة كسر الموازين. صحيح أنها ليست "السور الواقي 2"، لكنها خطوة ستعيد الردع الإسرائيلي و"تغيّر الاتجاه في مواجهة 'الإرهاب'،" كما عرّفها الوزير بتسلئيل سموتريتش.
- كان من الأفضل لأعضاء الائتلاف تعديل توقعاتهم قليلاً. فالقيادة العليا للجيش تتحدث عن الحملة بمصطلحات مختلفة كلياً. إنها عملية محدودة من حيث الزمن والأهداف. الهدف منها هو دفع جهود "الإرهاب" الفلسطيني، الذي تصاعد منذ سنة ونصف في جنين، عدة خطوات إلى الوراء. ولا يوجد لدى المستويات المهنية في الجيش أي أوهام بشأن تحقيق تغيير جوهري في الواقع الأمني. الهدف هو توجيه ضربة تصعّب على التنظيمات التي تعمل من داخل المخيم، الاستمرار في إلحاق الضرر بالإسرائيليين، لوقت معين.
- بقية المعطيات الأساسية في الصورة العامة - الدافع العالي لدى الشباب الفلسطيني المسلح إلى مواجهة إسرائيل، وعدم وجود الرغبة، وأيضاً القدرة، لدى السلطة الفلسطينية على السيطرة عليهم، واستمرار سياسة حكومة نتنياهو العدائية جداً في الضفة، إلى جانب الجهود القصوى لتوسيع مساحة المستوطنات والبؤر الاستيطانية - كل هذا سيستمر حتى بعد خروج قوات الجيش من جنين. والخروج سيكون أسرع بكثير مما تعتقد جماعة اليمين.
- منذ البداية، لم يكن الجيش يريد عملية واسعة في شمال الضفة الغربية. لقد فضّلوا في هيئة الأركان القيام بالخطوات نفسها: الاستمرار في عمليات الاعتقال داخل مخيم اللاجئين، وأحياناً في مدينة جنين نفسها، ونابلس أيضاً، مرة كل بضعة أيام. لكن الضغط كان يزداد من طرف المستوطنين وممثليهم في الكنيست. في الأشهر الأخيرة حدث ارتفاع تدريجي في عدد الأحداث على المحاور في الضفة، بدءاً من إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، ووصولاً إلى عمليات إطلاق النار. منذ بداية العام، قتل الفلسطينيون 28 إسرائيلياً. وفي نهاية شهر حزيران/يونيو، جرت العملية الأصعب، قُتل 4 مواطنين في عملية إطلاق نار داخل محطة وقود على مدخل مستوطنة عيلي.
- هذه الأحداث عززت الضغوط على الحكومة للقيام بشيء ما. حقيقة أن الحديث يدور حول حكومة يمين متطرف، وعد الشركاء فيها بتغيير الوضع الأمني من الأساس عندما كانوا في المعارضة، دفعتهم إلى مصيدة، إذ كان عليهم العمل بطريقة غير عادية لتحقيق وعودهم. الرجل الأهم هنا كان رئيس المجلس الإقليمي في شومرون، يوسي داغان، الذي أدار حملة فعالة داخل "الليكود"، بهدف المصادقة على الحملة. وخلال هذا الوقت، تراكمت الأسباب أكثر فأكثر. وبدوره، "الشاباك" حذّر من تحسين نوعي في العبوات الناسفة المصنّعة في جنين، والفلسطينيون نشروا فيديو حاولوا فيه إطلاق قذيفتين من جنين إلى داخل الخط الأخضر. وكان هناك تخوف من استعمال طائرات مسيّرة مع متفجرات.
- وعلى الرغم من هذا كله، فإن ما يخطط له الجيش لا يتماشى مع الفانتازيا الخاصة بداغان وآخرين. المتحدث بلسان الجيش الجنرال دانيال هاجري، أوضح صباح اليوم في حديث مع الصحافيين أن الحملة سترتكز على اقتحام كتائب لمخيم اللاجئين، الهدف منه إلحاق الضرر، أو اعتقال النشطاء المسلحين، إلى جانب الوصول إلى أدوات قتالية وإحباطها، وإلى مقرات قيادة ومخازن. وعندما ينتهي أعضاء الائتلاف من التذلل لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بسبب قراره الشجاع، الخروج إلى حملة، سيكتشفون أن الحملة انتهت ولم يتغير الكثير.
- التغيير الأساسي الذي حدث كان في حجم القوات، فهو أكبر مما هو سائد في الضفة، وفي قرار استهلال العملية بضربة جوية دقيقة ضد غرفة عمليات للفصائل الفلسطينية داخل مخيم اللاجئين. ولكن هنا أيضاً، يجب وضع الأمور في سياقها. الحديث يدور عن بيت سرّي واحد قُتل فيه ثلاثة نشطاء. هذه ليست ضربة قوية على مقر قيادة، كما يحدث عادة في الحملات على قطاع غزة.
- شدد هاجري على أن القوات سيطرت على منازل في محيط المخيم، وستقوم بتحويلها إلى مواقع، ولكن ليس بهدف احتلالها. العمل داخل منطقة سكنية مكتظة يتطلب تبادُل إطلاق نار من مسافات قصيرة نسبياً، وهو ما يقلص التفوق التكتيكي للجيش، ويرفع خطر وقوع خسائر في الجانب الإسرائيلي. كجزء من المحاولة للدفاع عن القوات، يترك الجيش خلفه دماراً كبيراً داخل المخيم. وبالأساس، قامت الجرافات المدرعة بحفر الطرقات في العمق داخل شوارع مخيم اللاجئين، بهدف الكشف عن عبوات ناسفة تم زرعها عميقاً في الأرض، ومعدة للاستخدام.
- إحدى المصاعب التي يواجهها الجيش تنبع من خبرة الجنود المحدودة في القتال بهذا النمط. في العام ونصف العام الأخيرين، كان هناك الكثير من الاقتحامات داخل مناطق سكنية كثيفة في المخيم، لكنها لا تصل إلى مستوى الخبرة ذاتها التي جمعها الجيش خلال القتال في مخيمات اللاجئين في الضفة بصورة دائمة خلال الانتفاضة الثانية.
التخوف من توحيد الساحات
- جزء من الحاجة إلى إنهاء الحملة بسرعة نسبياً، هو التخوف من التورط في ساحات أُخرى. منذ بداية العام، يزداد الحديث في منظومة الأمن عن خطر "توحيد الساحات"، حيث يمكن لحادثة في القدس، أو في الضفة، أن تنعكس في إطلاق قذائف من قطاع غزة، أو سورية، أو لبنان. هذا ما حدث في نيسان/أبريل الماضي، حين اقتحمت الشرطة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وكان الرد بإطلاق قذائف قامت به الفصائل الفلسطينية من ثلاث جبهات أخرى. في العام الماضي، خرج الجيش في حملتين محدودتين في القطاع، كردّ على التهديدات، أو إطلاق القذائف الذي قام به الجهاد الإسلامي من غزة، وهو أصلاً رد على خطوات قامت بها إسرائيل ضد التنظيم في الضفة.
- إسرائيل لم توقف في هذه المرحلة دخول العمال الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة للعمل في أراضيها، على الرغم من التصعيد في جنين. هناك تخوف حقيقي من عمليات انتقامية في حال ارتفع عدد "القتلى الفلسطينيين" خلال المعارك في جنين، إما من خلال إطلاق القذائف، وإما من خلال عمليات ينفّذها "مخربون" منفردون داخل الخط الأخضر.
- أما بخصوص لبنان، فإن الوضع هناك متوتر أصلاً منذ تبين أن حزب الله أقام خيمتين جنوبي الحدود، داخل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل في "مزارع شبعا". بالأمس، نُشرت أخبار تفيد بأنه تم إخلاء إحدى الخيمتين، ولكن لا يزال هناك تواجد لبعض النشطاء المسلحين جنوبي الحدود. التقديرات تشير إلى أن قرار نصب الخيام اتّخذته القيادات العملياتية في الميدان، من دون عِلم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. حتى الآن، لا تزال تُبذل الجهود لمحاولة إنهاء المواجهة، إلاّ إن القتال المستمر في الضفة يمكن أن ينعكس سلباً أيضاً على ما يجري في الشمال.
- الغريب أن يرفض الجيش منح الحملة اسماً، أو حتى تسميتها "حملة". هذا ليس تذاكي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقلل حتى اليوم من قيمة الحرب في أوكرانيا ويحاول تصويرها على أنها عملية خاصة فقط. ولكن محاولة الجيش التقليل من قيمة العملية غير مقنعة. الحقيقة أن قوات بحجم لواء تحاصر جنين وجزء منها يتحرك في داخل المنطقة الآهلة، وأن قيادة النظام الأمني والمستوى السياسي مشغولان كثيراً منذ الاجتماعات التي سبقت الحملة ليلة أمس.
- الجنرال آفي بلوط، قائد منطقة الضفة الغربية، يصف العملية في رسالة أرسلها إلى القوات في جنين، بأنها "حملة بيت وحديقة"، وهي تسمية تنكرها هيئة الأركان. حقيقة أن الحملة بدأت قبل أقل من يوم على الخطوة الكبيرة التي خططت لها حركة الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، بتنظيم تظاهرة كبيرة ظهر يوم أمس في مطار "بن غوريون"، أدت إلى شكوك كثيرة.
- يمكن الافتراض أن الحديث يدور حول صدفة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المؤكد أن نتنياهو سيرتاح أكثر بتركيز اهتمام الجمهور والإعلام على ما يحدث في جنين، بدلاً من التحركات الهجومية للاحتجاجات. حتى اللحظة، لم يهدد جنود الاحتياط المشاركون في الاحتجاجات بعدم الامتثال للعملية (التي ستستند فقط إلى عدد محدود من جنود الاحتياط). لكن بمرور الوقت، إذا استمرت خطوات التشريع التي يقوم بها الائتلاف، ستحين ساعة الحقيقة في نهاية المطاف - تصعيد مستمر في الضفة، أو في الشمال، حيث سيكون الدافع لدى جنود الاحتياط إلى المشاركة متدنياً بسبب الأزمة السياسية.